المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
احكام الاسارى
2024-11-24
الخرشوف Artichoke (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24



تفسير آية (70-71) من سورة المائدة  
  
3118   04:35 مساءً   التاريخ: 17-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [المائدة : 70 - 71].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي  في تفسير هاتين الآيتين (1) :  

أقسم سبحانه بأنه أخذ عليهما الميثاق فقال {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} يريد الأيمان المؤكدة التي أخذها أنبياؤهم عليهم في الإيمان بمحمد ، والإقرار به . وقيل : أخذ ميثاقهم على الإخلاص في التوحيد ، والعمل بما أمر به ، والانتهاء عما نهى عنه ، والتصديق برسله ، والبشارة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ووجه الاحتجاج عليهم بذلك وإن كان أخذ الميثاق على آبائهم ، أنهم عرفوا ذلك في كتبهم ، وأقروا بصحته . فالحجة لازمة لهم ، وعتب المخالفة يلحقهم ، كما يلحق آباءهم {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ} أي : مما لا تهوى أنفسهم ، أي : بما لا يوافق مرادهم {فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} أي : كذبوا طائفة ، وقتلوا طائفة .

فإن قيل: لم عطف المستقبل على الماضي ؟ فجوابه ليدل على أن ذلك من شأنهم ، ففيه معنى كذبوا وقتلوا ، ويكذبون ويقتلون ، مع أن قوله يقتلون فاصلة ، يجب أن يكون موافقا لرؤوس الآي ، ويمكن أن يقال التقدير فيه فريقا كذبوا لم يقتلوه ، وفريقا كذبوا يقتلون ، فيكون {يَقْتُلُونَ} صفة للفريق ، ولم يكن فيه عطف المستقبل على الماضي. وعلى الجواب الأول لم يكن كذبوا ويقتلون صفة للفريق ، لان التقدير كذبوا فريقا ويقتلون فريقا ، وقد ذكرنا تفسير الفريقين في سورة البقرة ، عند قوله {فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} .

{وَحَسِبُوا} أي وظنوا {أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي : عقوبة على قتلهم وتكذيبهم ، يريد وظنوا أن الله لا يعذبهم ، عن عطاء ، عن ابن عباس. وقيل : حسب القوم أن لا يكون بلية ، عن قتادة ، والحسن ، والسدي. وقيل : فتنة : أي شدة وقحط ، عن مقاتل . والكل متقارب . وقيل : وحسبوا فعلهم غير فاتن لهم ، وذلك أنهم كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه ، عن الزجاج . وقيل : معناه وقدروا أن لا تقع بهم فتنة في الإصرار على الكفر ، وظنوا أن ذلك لا يكون موبقا لهم ، عن ابن الأنباري {فَعَمُوا وَصَمُّوا} (2) على التشبيه بالأعمى والأصم ، لأنه لا يهتدي إلى طريق الرشد في الدين ، لإعراضه عن النظر ، كما لا يهتدي هذا إلى طريق الرشد في الدنيا ، لأجل عماه وصممه .

{ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} يريد : إن فريقا منهم تابوا ، فتاب الله عليهم {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} أي عادوا إلى ما كانوا عليه ، يريد : فلما انقضت تلك القرون ، ونشأت قرون أخر ، تخلقوا بأخلاق آبائهم ، فعموا عن الحق ، وصموا عن استماعه . وقيل : معناه لما تابوا دفع الله عنهم البلاء ، ثم صار {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} كما كانوا . وقيل : أراد بكثير منهم من كان في عصر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي : عليم بأعمالهم وهذا كالوعيد لهم .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 388-389.

2. [عن الحق].

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :

{ لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ } . سبق تفسير قوله تعالى في الآية 12 من هذه السورة : { ولَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } .

والآية 13 : { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم } . وقال المفسرون : ان اللَّه سبحانه كرر أخذ الميثاق من اليهود ، ونقضهم إياه بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم - كرر ذلك تأكيدا لعتوهم وشدة تمردهم . . ونضيف نحن إلى ذلك ان اللَّه جل ثناؤه قد أراد أيضا من هذا التكرار - وهو أعلم بما أراد - أن يحذر ذراري المسلمين من ذراري اليهود ، حيث سبق في علمه تعالى ان المسلمين سيفترقون إلى طوائف وينقسمون إلى دويلات ، وان اليهود سيستغلون هذا الانقسام لإنشاء دولة لهم في قلب البلاد الإسلامية ، ويكون منها ما كان .

{ وأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا } بينوا لهم طريق الحق والهداية ، ولكن { كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } . فهوى النفس وحده هو الآمر الناهي عند اليهود ، ولا جزاء لمن خالفهم - وان كان نبيا - إلا القتل ان قدروا عليه ، أو التكذيب ان عجزوا عن القتل . . وهذا الوصف لا يختص باليهود ، وان كان الحديث عنهم ، فكل من انخدع لهواه يفعل مثل ما فعلوا ، يهوديا كان ، أو مسلما ، أو نصرانيا .

{ وحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ } . المراد بالفتنة هنا شدائد الأمور ، كتسلط الأقوياء عليهم بالقتل والتخريب والتشريد ، أي ظن اليهود أنهم لا يغلبون أبدا لأنهم شعب اللَّه المختار بزعمهم . . وقد اعتمدوا على هذا الزعم فيما مضى ، أما اليوم فإنهم يعتمدون على القوى الاستعمارية ، والعناصر الرجعية ، والشركات الاحتكارية ، وعلى إثارة الفتن والخلافات ، ونشر الفساد والانحلال .

{ فَعَمُوا وصَمُّوا } . كل من كره شيئا عمي عن محاسنه ، وقد كره اليهود كل شيء إلا ما تهوى أنفسهم ، لذا تعاموا عن منهج الحق ، وتصاموا عن صوت العدل ، فسلط اللَّه عليهم البابليين ، فقتلوا رجالهم ، ونهبوا أموالهم ، وسبوا نساءهم وأطفالهم { ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } بعد أن تابوا ، لشدة ما أصابهم في أسر بختنصر من المذلة والمهانة { ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } . أي أن اللَّه سبحانه بعد أن أنجاهم من عذاب الأسر عاود كثير منهم الكرة إلى البغي والفساد ، قتلوا زكريا ويحيى ، وكذبوا السيد المسيح ( عليه السلام ) وحاولوا قتله ، وقالوا فيه وفي أمه قولا عظيما ، فسلط اللَّه عليهم الفرس والروم ، وفعلوا بهم ما فعله بختنصر .

{ واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ } من سفك الدماء ، وتزييف الحقائق ، وتدبير المؤامرات وتنفيذ الخطط التي يضع تصميمها كل طاغ وباغ . . ان اللَّه سبحانه يعلم ذلك منهم ، وهو مجازيهم عليه بالخزي والخذلان في الدنيا قبل الآخرة .

وهذا الوصف الذي حكاه اللَّه عن اليهود ينطبق تماما على من يتظاهر بالإسلام ، ثم يدور في فلك الذين يساندون إسرائيل ، ويناصرونها على العرب والمسلمين .

_________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص101-102 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي  في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 قوله تعالى : {لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً} (إلى آخر الآية) هذه الآية وما بعدها إلى عدة آيات تتعرض لحال أهل الكتاب كالحجة على ما يشتمل عليه قوله تعالى : {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} (إلخ) ، فإن هذه الجرائم والآثام لا تدع للإنسان اتصالا بربه حتى يقيم كتب الله معتمدا عليه.

ويحتمل أن تكون الآيات مرتبطة بقوله : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} (إلخ) ، فيكون تصديقا بأن الأسماء والألقاب لا تنفع شيئا في مرحلة السعادة إذ لو نفعت لصدت هؤلاء عن قتل الأنبياء وتكذيبهم والهلاك بمهلكات الفتن وموبقات الذنوب.

ويمكن أن يكون هذه الآيات كالمبينة لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} (إلخ) ، وهو كالمبين لقوله : {يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ} (الآية) والمعنى ظاهر.

وقوله : {فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} الظاهر أن كلمتي { فَرِيقاً } في الموضعين مفعولان للفعلين بعدهما قدما عليهما للعناية بأمرهما ، والتقدير : كذبوا فريقا ويقتلون فريقا ، والمجموع جواب قوله : {كُلَّما جاءَهُمْ} (إلخ) ، والمعنى نحو من قولنا : كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم أساءوا مواجهته وإجابته وجعلوا الرسل الآتين فريقين : فريقا كذبوا وفريقا يقتلون.

قال في المجمع ، : فإن قيل : لم عطف المستقبل على الماضي يعني في قوله : { فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ }؟ فجوابه : ليدل على أن ذلك من شأنهم ففيه معنى كذبوا وقتلوا ويكذبون ويقتلون مع أن قوله : {يَقْتُلُونَ} فأصله يجب أن يكون موافقا لرؤوس الآي ، انتهى .

قوله تعالى : {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا} (إلخ) ، متمم للكلام في الآية السابقة ، والحسبان هو الظن ، والفتنة هي المحنة التي تغر الإنسان أو هي أعم من كل شر وبلية ، والعمى هو عدم إبصار الحق وعدم تمييز الخير من الشر ، والصمم عدم سماع العظة وعدم الإعباء بالنصيحة ، وهذا العمى والصمم معلولا حسبانهم أن لا تكون فتنة ، والظاهر أن حسبانهم ذلك معلول ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بكونهم من شعب إسرائيل وأنهم أبناء الله وأحباؤه فلا يمسهم السوء وإن فعلوا ما فعلوا وارتكبوا ما ارتكبوا .

فمعنى الآية ـ والله أعلم ـ أنهم لمكان ما اعتقدوا لأنفسهم من كرامة التهود ظنوا أن لا يصيبهم سوء أو لا يفتنون بما فعلوا فأعمى ذلك الظن والحسبان أبصارهم عن إبصار الحق ، وأصم ذلك آذانهم عن سماع ما ينفعهم من دعوة أنبيائهم.

وهذا مما يرجح ما احتملناه أن الآيات كالحجة المبينة لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} (الآية) فمحصل المعنى أن الأسماء والألقاب لا تنفع أحدا شيئا فهؤلاء اليهود لم ينفعهم ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بالتسمي بل أعماهم وأوردهم مورد الهلكة والفتنة لما كذبوا أنبياء الله وقتلوهم.

قوله تعالى : {ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ} التوبة من الله على عباده رجوعه تعالى بالرحمة إليهم ، وهذا يدل على أن الله سبحانه قد كان بعدهم من رحمته وعنايته ولذلك أخذهم الحسبان المذكور ولزمهم العمى والصمم ، لكن الله سبحانه رجع إليهم ثانية بالتوبة فرفع هذا الحسبان عن قلوبهم ، والعمى والصمم عن أبصارهم وآذانهم ، فعرفوا أنفسهم بأنهم عباد لا كرامة لهم على الله إلا بالتقوى ، وأبصروا الحق وسمعوا عظة الله لهم بلسان أنبيائه فتبين لهم أن التسمي لا ينفع شيئا.

ثم عموا وصموا كثير منهم ، وإسناد العمى والصمم إلى جمعهم أولا ثم إلى كثير منهم ـ بإتيان كثير منهم بدلا من واو الجمع ، أخذ بالنصفة في الكلام بالدلالة على أن إسناد العمى والصمم إلى جمعهم من قبيل إسناد حكم البعض إلى الكل ، والواقع أن المتصف بهاتين الصفتين كثير منهم لا كلهم أولا ، وإيماء إلى أن العمى والصمم المذكورين أولا شملا جميعهم على ما يدل عليه المقابلة ثانيا ، وأن التوبة الإلهية لم يبطل أثرها ولم تذهب سدى بالمرة بل نجا بالتوبة بعضهم فلم يأخذهم العمى والصمم اللاحقان أخيرا ثالثا .

ثم ختم تعالى الآية بقوله : {وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ} للدلالة على أن الله تعالى لا يغفله شيء ، فغيره تعالى إذا أكرم قوما بكرامة ضرب ذلك على بصره بحجاب يمنعه أن يرى منهم السوء والمكروه ، وليس الله سبحانه على هذا النعت بل هو البصير لا يحجبه شيء عن شيء .

________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 56-57 .

 

                تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

في آيات سابقة من سورة البقرة (2) ، وفي أوائل هذه السورة (3) أيضا إشارة إلى عهد وميثاق أخذه الله تعالى على بني إسرائيل وفي هذه الآية تذكير بهذا الميثاق : {لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً} .

يبدو أنّ هذا الميثاق هو الذي جاءت الإشارة إليه في الآية (٩٣) من سورة البقرة ، أي العمل بما أنزل الله!

ثمّ يضاف إلى ذلك القول بأنّهم ، فضلا عن كونهم لم يعملوا بذاك الميثاق ، {كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} .

هذه هي طرائق المنحرفين الأنانيين وسبلهم ، فهم بدلا من إتباع قادتهم ، يصرون على أن يكون القادة هم التابعين ولا هوائهم ، وإلّا فليس لهؤلاء الهداة والأنبياء حتى حق الحياة .

في هذه الآية جاء الفعل «كذبوا» بصيغة الماضي بينما جاء الفعل «يقتلون» بصيغة المضارع ، ولعل السبب ـ بالإضافة إلى المحافظة على التناسب اللفظي في أواخر الآيات السابقة والتّالية وكلها بصيغة المضارع ـ هو كون الفعل المضارع يدل على الاستمرار ، والقصد من ذلك الإشارة إلى استمرار هذه الروح فيهم ، وأن تكذيب الأنبياء وقتلهم لم يكن حدثا عارضا في حياتهم ، بل كان طريقا واتجاها لهم (4) .

في الآية التّالية إشارة إلى غرورهم أمام كل ما اقترفوه من طغيان وجرائم : {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي ظنوا مع ذلك أن البلاء والجزاء لن ينزل بهم ، واعتقدوا ـ كما صرحت الآيات الأخرى ـ أنّهم من جنس أرقى ، وأنّهم أبناء الله! وأخيرا استحال هذا الغرور الخطير والتكبر إلى ما يشبه حجابا غطى أعينهم وآذانهم : {فَعَمُوا وَصَمُّوا} عن رؤية آيات الله وعن سماع كلمات الحقّ .

ولكنّهم عند ما أصابتهم مظاهر من عقاب الله وشاهدوا نتائج أعمالهم المشؤومة ، ندموا وتابوا بعد أن أدركوا أن وعد الله حق ، وأنّهم ليسوا عنصرا متميزا فائقا .

وتقبل الله توبتهم : {ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ} .

إلّا أنّ حالة الندم والتوبة لم تلبث طويلا ، فسرعان ما عاد الطغيان والتجبر وسحق الحقّ والعدالة ، وعادت أغشية الغفلة الناتجة عن الانغماس في الإثم تحجب أعينهم وآذانهم مرّة أخرى {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} فلم يعودوا يرون آيات أو يسمعوا كلمة الحقّ ، وعمت  الحالة الكثير منهم .

ولعل تقديم «عموا» على «وصمّوا» يعني أن عليهم أوّلا أن يبصروا آيات الله ومعجزات رسوله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، ثمّ يستمعوا إلى تعاليمه ويستوعبوها.

وورود عبارة {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بعد تكرار {عَمُوا وَصَمُّوا} جاء لتوضيح أنّ حالة الغفلة والجهل والعمى والصمم تجاه  الحقائق لم تكن عامّة ، بل كان بينهم بعض الأقلية من الصالحين ، وفي هذا دليل على أن تنديد القرآن باليهود لا ينطوي على أي جانب عنصري أو طائفي ، بل هو موجّه إلى أعمالهم فحسب.

هل أن تكرار عبارة {عَمُوا وَصَمُّوا} ذو طابع عام تأكيدي ، أم للإشارة إلى  حادثتين مختلفتين ؟

يرى بعض المفسّرين أنّ التكرار يشير إلى واقعتين مختلفتين حدثتا لبني إسرائيل ، الأولى : الغزو البابلي لهم ، والثّانية : غزو الإيرانيين والروم ، والقرآن أشار إليها بشكل عابر في بداية سورة بني إسرائيل .

ولا يستبعد ـ أيضا ـ أنّ بني إسرائيل قد تعرضوا مرات عديدة لهذه الحالات فحينما يشاهدون نتائج أعمالهم الشريرة ، كانوا يتوبون ، ثمّ ينقضون توبتهم ، وقد حدث هذا عدّة مرّات لا مرّتين فقط.

في نهاية الآية جملة قصيرة عميقة المعنى تقول : إنّ الله لا يغفل أبدا عن أعمالهم ، إذ أنّه يرى كل ما يعملون : {وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ} .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج 3 ، ص 594-596 .

2. البقرة ، 83 و 84 و 93 .

3. المائدة ، 12 .

4. في الواقع وكما جاء في تفسير «مجمع البيان» وفي غيره إنّ عبارة ، «فريقا كذبوا وفريقا يقتلون» في الأصل «كذبوا وقتلوا» و «يكذبون ويقتلون» .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .