أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-10-2017
11901
التاريخ: 12-10-2017
25563
التاريخ: 13-10-2017
15116
التاريخ: 12-10-2017
21285
|
قال تعالى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات : 9، 10].
قال تعالى : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } أي فريقان من المؤمنين قاتل أحدهما صاحبه {فأصلحوا بينهما } حتى يصطلحا ولا دلالة في هذا على أنهما إذا اقتتلا بقيا على الإيمان ويطلق عليهما هذا الاسم ولا يمتنع أن يفسق إحدى الطائفتين أو تفسقا جميعا {فإن بغت إحداهما على الأخرى } بأن تطلب ما لا يجوز لها وتقاتل الأخرى ظالمة لها متعدية عليها {فقاتلوا التي تبغي } لأنها هي الظالمة المتعدية دون الأخرى {حتى تفيىء إلى أمر الله } أي حتى ترجع إلى طاعة الله وتترك قتال الطائفة المؤمنة.
{فإن فاءت } أي رجعت وتابت وأقلعت وأنابت إلى طاعة الله {فأصلحوا بينهما } أي بينها وبين الطائفة التي هي على الإيمان {بالعدل } أي بالقسط حتى يكونوا سواء لا يكون من إحديهما على الأخرى جور ولا شطط فيما يتعلق بالضمانات من الأروش {وأقسطوا } أي اعدلوا {إن الله يحب المقسطين } العادلين الذين يعدلون فيما يكون قولا وفعلا {إنما المؤمنون إخوة } في الدين يلزم نصرة بعضهم بعضا {فأصلحوا بين أخويكم } أي بين كل رجلين تقاتلا وتخاصما ومعنى الاثنين يأتي على الجمع لأن تأويله بين كل أخوين يعني فأنتم إخوة للمتقاتلين فأصلحوا بين الفريقين أي كفوا الظالم عن المظلوم وأعينوا المظلوم.
{واتقوا الله } في ترك العدل والإصلاح أوفي منع الحقوق {لعلكم ترحمون } أي لكي ترحموا قال الزجاج سمي المؤمنين إذا كانوا متفقين في دينهم إخوة لاتفاقهم في الدين ورجوعهم إلى أصل النسب لأنهم لأم واحدة وهي حواء وروى الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كروب يوم القيامة)) ومن ستر مسلما يستره الله يوم القيامة أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ((سر ميلا عد مريضا سر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله سر خمسة أميال أجب دعوة الملهوف سر ستة أميال انصر المظلوم وعليك بالاستغفار)) .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص222-223.
{وإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما } . للإسلام تعاليم وإرشادات لبناء المجتمع وإصلاحه ، منها وجوب حماية الإنسان في دمه وماله وعرضه ، وحريته في القول والفعل ، لا سلطان عليه لأحد ولا لشيء إلا الحق ، فإذا خرج عنه وانتهك حرمته بالاعتداء على الآخرين فقد رفع هو الحصانة عن نفسه ، قال تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [الإسراء: 70] أنظر ج 5 ص 66 فقرة (بماذا كرم اللَّه بني آدم ) . وقال مخاطبا نبيه الكريم : { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]. وقال : { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42].
ومنها التعاطف والتكافل بما يعود على الجميع بالخير والصلاح ، فإذا ما حدث خصام وقتال بين فئتين من المؤمنين فعلى المؤمنين الآخرين أن يتلافوا ذلك ، ويصلحوا على أساس الحق والعدل حرصا على وحدة الجماعة وجمع الشمل ، وفي الحديث الشريف : (الا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول اللَّه . قال : إصلاح ذات البين .
{ فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ } .
إذا أبت إحدى الفئتين الرضوخ للحق بالحسنى ، وأصرت على العدوان فعلى المؤمنين الآخرين ان يحموا الفئة الأخرى من الظلم بالحكمة والموعظة الحسنة ، فإن لم ترتدع الفئة الباغية إلا بالقتال قاتلوها في حدود التأديب والدفاع المشروع الذي يحقق الأمن للجميع {فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهً يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . فإن تابت الفئة الباغية ، وانتهت عن بغيها فإن اللَّه غفور رحيم ، وما لأحد عليها من سبيل ، وعلى المؤمنين أن يبذلوا الجهد لإزالة ما حدث في نفوس الطرفين .
وقال الجصاص الحنفي في كتاب أحكام القرآن ، وهو يتكلم حول هذه الآية :
(قاتل علي بن أبي طالب الفئة الباغية بالسيف ، ومعه كبراء الصحابة وأهل بدر من قد علم مكانهم ، وكان محقا في قتاله لهم لم يخالف فيه أحدا إلا الفئة الباغية التي قاتلته واتباعها . . وقال أبوبكر المالكي المعروف بابن العربي المعافري في أحكام القرآن : (تقرر عند علماء الإسلام ، وثبت بدليل الدين ان علي بن أبي طالب كان إماما ، وان كل من خرج عليه باغ ، وان قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق ) .
الاخوة الدينية والاخوة الإنسانية :
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهً لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . هذا تأكيد للأمر بإصلاح ذات البين مع الإشارة إلى أن هذا الإصلاح تفرضه رابطة الأخوة . وفي الحديث : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يعيبه .
وتسأل : لما ذا قال سبحانه : إنما المؤمنون إخوة ، ولم يقل : انما الناس إخوة ، وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) : المسلم أخو المسلم ، ولم يقل : الإنسان أخو الإنسان ؟ مع العلم بأن الرب واحد والأصل واحد والخلقة واحدة والمساواة بين بني الإنسان واجبة ، فالحب ينبغي أن يكون عاما لا خاصا تماما كرحمة اللَّه التي وسعت كل شيء ؟ . وأي فرق بين أن نقسّم بني آدم على أساس ديني أو اقتصادي كما فعلت الماركسية أو على أساس الجنس والعرق كما دانت النازية أو على أساس النار والدولار كما هي السياسة الأمريكية ؟ . ثم ما هو السبب لما عانته وتعانيه الإنسانية من الويلات والمشكلات التي تقودها الآن إلى المصير المدمر المهلك بعد أن ملك الإنسان أبشع قوى التدمير والإهلاك ؟ . هل يكمن هذا السبب في طبيعة الإنسان بما هو إنسان أوان السبب الأول والأخير يكمن في الانقسامات بشتى أنواعها ؟ . وبالتالي هل على بني الإنسان أن يتعاطفوا ويتراحموا على أساس ديني أو أساس إنساني ؟ .
الجواب : هذه التساؤلات بكاملها حق ، وجوابها واحد وواضح تحمله هذه التساؤلات معها وتدل عليه كلماتها ، وهوان التعاون والتكافل يجب أن يكون بين
بني الإنسان قاطبة دون استثناء ، وهذه هي دعوة الإسلام بالذات ، ويدل عليها عشرات الآيات والروايات ، نكتفي منها بذكر آية ورواية ، قال تعالى : {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ } - 13 الحجرات . فنداؤه تعالى بيا أيها الناس مع قوله : من ذكر وأنثى . . وأتقاكم دليل قاطع وواضح على ان دعوة القرآن إنسانية عالمية تعتبر الإنسان أخا للإنسان مهما كانت عقيدته وقوميته وجنسيته ، ومثل هذه الآية معنى ووضوحا قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) : (الناس سواسية كأسنان المشط ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على اسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى . . كلكم من آدم وآدم من تراب ) . بالإضافة إلى الآية 30 من سورة الروم التي تنص على ان دين الإسلام هو دين الفطرة ، والآية 23 من سورة الأنفال التي تدل على ان دين اللَّه هو دين الحياة .
وبهذا يتبين معنا ان كتاب اللَّه وسنة رسوله يعتبران الايمان بالإنسان جزءا متمما للايمان باللَّه ورسله وكتبه ، وعليه يكون المراد بالمؤمن في الآية والمسلم في الحديث هو الذي يؤمن باللَّه وبالإنسان بما هو إنسان . . وبكلام آخر لا صراع ولا تناقض بين الاخوة الإنسانية والاخوة الاسلامية ، بل هذه تدعم تلك ، وتزيدها قوة ورسوخا .
_______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7، ص113-115.
قوله تعالى : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى آخر الآية الاقتتال والتقاتل بمعنى واحد كالاستباق والتسابق، ورجوع ضمير الجمع في {اقتتلوا} إلى الطائفتين باعتبار المعنى فإن كلا من الطائفتين جماعة ومجموعهما جماعة كما أن رجوع ضمير التثنية إليهما باعتبار المعنى.
ونقل عن بعضهم في وجه التفرقة بين الضميرين: أنهم أولا في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولا ضميرهم، وفي حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثنى الضمير.
وقوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} البغي الظلم والتعدي بغير حق، والفيء الرجوع، والمراد بأمر الله ما أمر به الله، والمعنى: فإن تعدت إحدى الطائفتين على الأخرى بغير حق فقاتلوا الطائفة المتعدية حتى ترجع إلى ما أمر به الله وتنقاد لحكمه.
وقوله: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل} أي فإن رجعت الطائفة المتعدية إلى أمر الله فأصلحوا بينهما لكن لا إصلاحا بوضع السلاح وترك القتال فحسب بل إصلاحا متلبسا بالعدل بإجراء أحكام الله فيما تعدت به المتعدية من دم أو عرض أو مال أو أي حق آخر ضيعته.
وقوله: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الإقساط إعطاء كل ما يستحقه من القسط والسهم وهو العدل فعطف قوله: {وأقسطوا} على قوله: {أصلحوا بينهما بالعدل} من عطف المطلق على المقيد للتأكيد، وقوله: {إن الله يحب المقسطين} تعليل يفيد تأكيدا على تأكيد كأنه قيل: أصلحوا بينهما بالعدل وأعدلوا دائما وفي جميع الأمور لأن الله يحب العادلين لعدالتهم.
قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} استئناف مؤكد لما تقدم من الإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين، وقصر النسبة بين المؤمنين في نسبة الإخوة مقدمة ممهدة لتعليل ما في قوله: {فأصلحوا بين أخويكم} من حكم الصلح فيفيد أن الطائفتين المتقاتلتين لوجود الإخوة بينهما يجب أن يستقر بينهما الصلح، والمصلحون لكونهم إخوة للمتقاتلتين يجب أن يسعوا في إصلاح ما بينهما.
وقوله: {فأصلحوا بين أخويكم} ولم يقل: فأصلحوا بين الأخوين من أوجز الكلام وألطفه حيث يفيد أن المتقاتلتين بينهما أخوة فمن الواجب أن يستقر بينهما الصلح وسائر المؤمنين إخوان للمتقاتلتين فيجب عليهم أن يسعوا في الإصلاح بينهما.
وقوله: {واتقوا الله لعلكم ترحمون} موعظة للمتقاتلتين والمصلحين جميعا.
كلام في معنى الإخوة:
واعلم أن قوله: {إنما المؤمنون إخوة} جعل تشريعي لنسبة الإخوة بين المؤمنين لها آثار شرعية وحقوق مجعولة، وقد تقدم في بعض المباحث المتقدمة أن من الأبوة والبنوة والأخوة وسائر أنواع القرابة ما هو اعتباري مجعول يعتبره الشرائع والقوانين لترتيب آثار خاصة عليه كالوراثة والإنفاق وحرمة الإزدواج وغير ذلك، ومنها ما هو طبيعي بالانتهاء إلى صلب واحد أو رحم واحدة أوهما.
والاعتباري من القرابة غير الطبيعي منها فربما يجتمعان كالأخوين المتولدين بين الرجل والمرأة عن نكاح مشروع، وربما يختلفان كالولد الطبيعي المتولد من زنا فإنه ليس ولدا في الإسلام ولا يلحق بمولده وإن كان ولدا طبيعيا، وكالداعي الذي هو ولد في بعض القوانين وليس بولد طبيعي.
واعتبار المعنى الاعتباري وإن كان لغرض ترتيب آثار حقيقته عليه كما يؤخذ أحد القوم رأسا لهم ليكون نسبته إليهم نسبة الرأس إلى البدن فيدبر أمر المجتمع ويحكم بينهم وفيهم كما يحكم الرأس على البدن.
لكن لما كان الاعتبار لمصلحة مقتضية كان تابعا للمصلحة فإن اقتضت ترتيب جميع آثار الحقيقة ترتبت عليه جميعا وإن اقتضت بعضها كان المترتب على الموضوع الاعتباري ذلك البعض كما أن القراءة مثلا جزء من الصلاة والجزء الحقيقي ينتفي بانتفائه الكل مطلقا لكن القراءة لا ينتفي بانتفائها الصلاة إذا كان ذلك سهوا وإنما تبطل الصلاة إذا تركت عمدا.
ولذلك أيضا ربما اختلفت آثار معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة كجزئية الركوع حيث تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا بخلاف جزئية القراءة كما تقدم فمن الجائز أن يختلف الآثار المترتبة على معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة لكن لا تترتب الآثار الاعتبارية إلا على موضوع اعتباري كالإنسان يتصرف في ماله لكن لا بما أنه إنسان بل بما أنه مالك والأخ يرث أخاه في الإسلام لا لأنه أخ طبيعي يشارك الميت في الوالد أو الوالدة أوفيهما - فولد الزنا كذلك ولا يرث أخاه الطبيعي - بل يرثه لأنه أخ في الشريعة الإسلامية.
والإخوة من هذا القبيل فمنها أخوة طبيعية لا أثر لها في الشرائع والقوانين وهي اشتراك إنسانين في أب أوأم أوفيهما، ومنها أخوة اعتبارية لها آثار اعتبارية وهي في الإسلام أخوة نسبية لها آثار في النكاح والإرث، وأخوة رضاعية لها آثار في النكاح دون الإرث، وأخوة دينية لها آثار اجتماعية ولا أثر لها في النكاح والإرث، وسيجيء قول الصادق (عليه السلام): المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه ولا يغشه، ولا يعده عدة فيخلفه.
وقد خفي هذا المعنى على بعض المفسرين فأخذ إطلاق الإخوة في كلامه تعالى على المؤمنين إطلاقا مجازيا من باب الاستعارة بتشبيه الاشتراك في الإيمان بالمشاركة في أصل التوالد لأن كلا منهما أصل للبقاء إذ التوالد منشأ الحياة، والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان، وقيل: هومن باب التشبيه البليغ من حيث انتسابهم إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للبقاء الأبدي.
___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص256-258.
المؤمنون أخوة:
يقول القرآن هنا قولاً هو بمثابة القانون الكلّي العام لكلّ زمان ومكان: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}(2).
وصحيح أنّ كلمة {اقتتلوا} مشتقّة من مادة القتال ومعناها الحرب، إلاّ أنّها كما تشهد بذلك القرائن تشمل كلّ أنواع النزاع وإن لم يصل إلى مرحلة القتال والمواجهة (العسكرية) ويؤيّد هذا المعنى أيضاً بعض ما نقل في شأن نزول الآية...
بل يمكن القول: إنّه لو توفّرت مقدّمات النزاع كالمشاجرات اللفظية مثلاً التي تجرّ إلى المنازعات الدامية فإنّه ينبغي وطبقاً لمنطوق الآية أن يُسعى إلى الإصلاح بين المتنازعين، لأنّه يمكن أن يستفاد هذا المعنى من الآية المتقدّمة عن طريق إلغاء الخصوصية.
وعلى كلّ حال، فإنّ من واجب جميع المسلمين أن يصلحوا بين المتنازعين منهم لئلاّ تسيل الدماء وأن يعرفوا مسؤوليتهم في هذا المجال، فلا يكونوا متفرّجين كبعض الجهلة الذين يمرّون بهذه الأُمور دون اكتراث وتأثّر! فهذه هي وظيفة المؤمنين الأولى عند مواجهة أمثال هذه الأُمور.
ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثانية على النحو التالي: {فإن بغت إحداهما على الأُخرى} ولم تستسلم لاقتراح الصلح {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}.
وبديهيٌّ أنّه لو سالت دماء الطائفة الباغية والظالمة ـ في هذه الأثناء ـ فإثمها عليها، أو كما يصطلح عليه إنّ دماءهم هدر، وإن كانوا مسلمين، لأنّ الفرض أنّ النزاع واقع بين طائفتين من المؤمنين...
وهكذا ـ فإنّ الإسلام يمنع من الظلم وإن أدّى إلى مقاتلة الظالم، لأنّ ثمن العدالة أغلى من دم المسلمين أيضاً، ولكن لا يكون ذلك إلاّ إذا فشلت الحلول السلمية.
ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثالثة فيقول: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل}.
أي لا ينبغي أن يقنع المسلمون بالقضاء على قوة الطائفية الباغية الظالمة بل ينبغي أن يعقب ذلك الصلح وأن يكون مقدّمة لقلع جذور عوامل النزاع، وإلاّ فإنّه بمرور الزمن ما أن يُحسّ الظالم في نفسه القدرة حتى ينهض ثانية ويثير النزاع.
قال بعض المفسّرين: يستفاد من التعبير (بالعدل) أنّه لوكان حقّ مضاع بين الطائفتين أو دم مراق وما إلى ذلك ممّا يكون منشأ للنزاع فيجب إصلاحه أيضاً، وإلاّ فلا يصدق عليه (إصلاح بالعدل)(3).
وحيث أنّه تميل النوازع النفسية أحياناً في بعض الجماعات عند الحكم والقضاء الى إحدى الطائفتين المتخاصمتين وتنقض (الإستقامة) عند القضاة فإنّ القرآن ينذر المسلمين في رابع تعليماته وما ينبغي عليهم فيقول: {وأقسطوا إنّ الله يحبّ المقسطين}(4).
والآية التالية تضيف ـ لبيان العلّة والتأكيد على هذا الأمر قائلةً: {إنّما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم}.
فكما تسعون للإصلاح بين الأخوين في النَسَب، فينبغي أن لا تألوا جهداً في الدخول بصورة جادّة للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة!
وما أحسنه من تعبير وكم هو بليغ إذ يعبّر القرآن عن جميع المؤمنين بأنّهم (أخوة) وأن يسمّي النزاع بينهم نزاعاً بين الأخوة! وأنّه ينبغي أن يبادر إلى إحلال الإصلاح والصفاء مكانه...
وحيث أنّه في كثير من الأوقات تحل (الروابط) في أمثال هذه المسائل محل (الضوابط) فإنّ القرآن يضيف في نهاية هذه الآية مرّةً أُخرى قائلاً: {واتّقوا الله لعلّكم ترحمون}.
وهكذا تتّضح إحدى أهم المسؤوليات الإجتماعية على المسلمين في ما بينهم في تحكيم العدالة الإجتماعية بجميع أبعادها.
_____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص109-111.
2 ـ مع أنّ كلمة (طائفتان) مثنى طائفة، إلاّ أنّ فعلها جاء بصيغة الجمع اقتتلوا لأنّ كلّ طائفة مؤلفة من مجموعة من الأفراد
3 ـ تفسير الميزان، ج18، ص342.
4 ـ كلمة (المقسطين) مأخوذة من القسط ومعناها في الأصل التقسيم بالعدل، وحين ترد على صيغة الفعل الثلاثي قسط على زنة ضرب تعني الظلم والتجاوز على حصّة الآخرين ظلماً، إلاّ أنّه حين تأتي ثلاثي مزيد فيقال «أقسط} فإنّها تعني إعطاء الحصة عدلاً، وهل القسط والعدل بمعنى واحد أم لا؟ هناك بحث ذكرناه في ذيل الآية (29) من سورة الأعراف لا بأس بمراجعتها..
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|