أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2017
2593
التاريخ: 10-12-2017
2824
التاريخ: 9-10-2017
2485
التاريخ: 2-10-2017
2300
|
طافت موجات قاسية من الآلام والأحزان ببضعة الرسول ووديعته ؛ فقد استغرق الأسى قلبها الرقيق المعذّب ، وغشيتها سُحب قاتمة من اللوعة والحزن على فقد أبيها الذي كان عندها أعزّ من الحياة ، وكانت تزور بلهفة جسده الطاهر ، فتطوف حوله
وهي ذاهلة اللبّ ، منهدّة الكيان ، فتلقي بنفسها عليه ، وتأخذ حفنة من ترابه الطاهر فتضعه على عينيها ، وهي تبكي أمرّ البكاء وأقساه ، وتقول :
مـاذا عـلى مَن شمّ تربةَ أحمدٍ ... أن لا يـشمَ مدى الزمانِ غواليا
صُـبّت عـليّ مصائبٌ لو أنّها ... صُـبّت على الأيام صرنَ لياليا
قل للمغيّبِ تحتَ أطباقِ الثرى ... إن كنتَ تسمعُ صرختي و ندائيا
قـد كنتُ ذات حمى بظلِ محمّدٍ ... لا أخـتشي ضيماً و كانَ جماليا
فـاليوم أخـضعُ للذليلِ وأتّقى ... ضـيمي وأدفـعُ ظالمي بردائيا
فـإذا بـكت قـمريةٌ في ليلها ... شجناً على غصنٍ بكيتُ صباحيا
فـلأجعلنَّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي ... ولأجعلنّ الدمعَ فيك وشاحيا
وحكت هذه الأبيات ما عانته زهراء الرسول من لوعة وشجون على فراق أبيها الذي استوعب حبّه عواطفها ومشاعرها ، وقد بلغ من عظيم حزنها عليه أنّه لو صبّت مصائبها على الأيام لخلعت ضياءها ولبست السواد القاتم .
كما صوّرت هذه الأبيات الرقيقة مدى عزّتها وعظيم مكانتها في أيام أبيها سيّد الكائنات ؛ فقد كانت من أعزّ وأمنع نساء المسلمين ، ولكنّها بعد فقد أبيها تنكّر لها أصحابه ، وأجمعوا على هضمها والغضّ من شأنها حتّى صارت تخضع للذليل ، وتتّقي الظالمين لها بردائها ، إذ ليس عندها قوّة تحميها ولم تكن تأوي إلى ركن شديد .
وقد خلدت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ووديعته إلى الأسى والحزن ، وقد وجدت في البكاء راحة نفسية لها ، وبلغ من عظيم وجدها على أبيها أنّ أنس بن مالك استأذن عليها ليعزّيها بمصاب أبيها ، وكان ممّن وسّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مثواه الأخير , فقالت له : هذا أنس بن مالك ؟ .
ـ نعم يا بنت رسول الله .
فانبرت وهي تلفظ قطعاً من قلبها المذاب قائلة : كيف طابت نفوسكم أن تحثّوا التراب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟! .
وغرق أنس في البكاء ، وانصرف وقد نخب الأسى فؤاده .
وبلغ من عظيم حزن الصدّيقة على أبيها أنّها كانت تُطالب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن يريها القميص الذي غُسّل فيه أباها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فإذا جاء به إليها تأخذه بلهفة وتوسعه تقبيلاً وشمّاً ؛ لأنّها تجد فيه رائحة أبيها الذي غاب في مثواه . وخلدت زهراء الرسول إلى البكاء في وضح النهار وفي غلس الليل ، وظلّ شبح أبيها يطاردها في كلّ فترة من حياتها القصيرة الأمد .
وكانت ابنتها الصدّيقة الطاهرة زينب في حزن بهيم ، تنظر إلى اُمّها وقد أشرفت على الموت من كثرة البكاء على أبيها ، فكانت تشاركها في أحزانها وآلامها ولوعتها .
وثقل على أتباع أبي بكر بكاء الصدّيقة على أبيها ، فشكوا ذلك إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وطلبوا منه أن يجعل لبكائها وقتاً خاصاً ، فعرض الإمام عليها ذلك فأجابته ؛ فكانت في نهارها تمضي إلى خارج المدينة وتصحب معها ولديها الحسن والحسين وزينب (عليهم السّلام) ، فتجلس تحت شجرة من الأراك ، وتأخذ باللوعة والبكاء على أبيها طيلة النهار ، فإذا أوشكت الشمس أن تغرب قفلت مع أبنائها إلى الدار .
وعمد القوم إلى تلك الشجرة فقلعوها ، فكانت تبكي في حرّ الشمس ، فسارع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فبنى لها بيتاً سمّاه (بيت الأحزان) ، وظل هذا البيت رمزاً لأساها وغضبها على القوم على مرّ العصور .
ويقول الرواة : إنّ الإمام قائم آل محمّد (عجّل الله تعالى فرجه) قال في هذا البيت :
أم تـراني اتخذت لا وعُلاها ... بعد بيت الأحزانِ بيتَ سرورِ
وكانت بضعة رسول الله وحبيبته مع أطفالها يمكثون طيلة النهار في ذلك البيت الحزين ، وهي تناجي أباها وتندبه وتبكيه ، فإذا جاء الليل أقبل الإمام (عليه السّلام) فأرجعها مع أطفالها إلى الدار .
واستولى الحزن على بضعة الرسول وذاب جسمها ، وقد فتكت بها الأمراض فلازمت فراشها ، ولم تتمكّن من النهوض والقيام ، وكانت ابنتها العقيلة إلى جانبها تقوم بخدماتها ورعايتها ، وبادرت السيّدات من نساء المسلمين إلى عيادتها ، فقلن لها : كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله ؟
فرمقتهنَّ بطرفها ، وأجابتهنَّ بصوتٍ خافت مشفوع بالأسى والحسرات قائلة : أجدني كارهة لدنياكنَّ ، مسرورة لفراقكنَّ ، ألقى الله ورسوله بحسرات ، فما حُفِظ لي الحق ، ولا رُعيت منّي الذمّة ، ولا قُبلت الوصية ، ولا عُرِفت الحرمة .
أجل ، لم يُحفظ حقّها ، ولم تُرعَ ذمّتها ؛ فقد أصرّ القوم على هضمها والتنكّر لها ، وانصرفن النسوة وقد غامت عيونهنَّ بالدموع ، وعرضن على أزواجهن كلمات زهراء الرسول وغضبها عليهم ، وقد عرفوا مدى تقصيرهم في حقّها .
وهرعت بعض اُمّهات المؤمنين إلى عيادتها ، فقلنَ لها : يا بنت رسول الله ، صيّري لنا في حضور غسلك حظّاً .
فلم تجبهنَّ إلى ذلك ، وقالت : لا حاجة لي في حضوركنَّ .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|