أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2017
2682
التاريخ: 14-8-2017
2860
التاريخ: 12-8-2017
3128
التاريخ: 19-8-2017
2746
|
ذكر أرباب المقاتل أنّ عمر بن سعد أمر بالرؤوس فقُطعت، فكانت ثمانية وسبعين رأساً، أخذت كندة ثلاثة عشر، وأقبلت هوازن باثني عشر، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وأقبلت بنو أسد بستّة عشر رأساً، واختصت مذحج بسبعة، ولسائر الجيش ثلاثة عشر رأساً .
وساروا بها إلى الكوفة، ثُمّ سيّر ابن زياد رأس الحسين ورؤوس من قُتل معه من أهله وصحبه مع السبايا إلى يزيد بالشام .
ولم يترك سيّد الشهداء الدعوة إلى الدّين، وتفنيد عمل الظالمين حتّى في هذا الحال، وهو مرفوع على القناة، فكان متمّماً لنهضته المقدّسة التي أراق فيها دمه الطاهر، وقد استضاء خلق كثير من إشراقات رأسه الأزهر.
لهفي لرأسكَ فوق مسلوب القنا ... يكسوه من أنواره جلبابا
يتلوا الكتاب على السنان وإنّما ... رفعوا به فوق السنان كتابا
ولا غرابة بعد أن كان سيّد الشهداء دعامة من دعائم الدّين، ومنار هداه، وعنه يأخذ تعاليمه، ومنه يتلقّى معارفه، وهو صراطه المستقيم، ومنهجه القويم، دونه كانت مفاداته، وفي سبيله سبقت تضحيته، فهو حليف القرآن منذ أُنشئ كيانه، لأنّهما ثقلا رسول اللّه، وخليفتاه على أُمته، وقد نصّ المشرّع الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، فبذلك كان سلام اللّه عليه غير مبارح تلاوته طول حياته، في تهذيبه وإرشاده، في دعوته وتبليغه، في حلّه ومرتحله حتّى في موقفه يوم الطفّ، ذلك المأزق الحرج، بين ظهراني أُولئك الطغاة المتجمهرين عليه، ليتمّ عليهم الحجّة، ويوضح لهم المحجّة.
هكذا كان يسير إلى غايته المقدّسة سيراً حثيثاً، حتّى طفق يتلو القرآن رأسه الكريم، فوق عامل السنان، عسى أن يحصل من يكهربه نور الحقّ، غير أنّ داعية الحقّ والرشاد لم يصادف إلا قصراً في الإدراك، وطبعاً في القلوب، وصمماً في الآذان: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] .
وبلغ من غلواء ابن زياد وتيهه في الضلال أن أمر بالرأس الشريف فطيف به في شوارع الكوفة وسككها .
يقول زيد بن أرقم: " كنت في غرفة لي، فمروا بالرأس على رمح، فسمعته يقرأ{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9] ، فوقف شعري، وقلت: رأسك أعجب و أعجب " .
ولمّا صُلب في سوق الصّيارفة، وهناك ضوضاء، فأراد (عليه السلام) لفت الأنظار نحوه، تنحنح تنحنحاً عالياً، فاتجه الناس نحوه، وأبهرهم الحال، فشرع في قراءة سورة الكهف إلى قوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] " .
وعجب الحاضرون ; إذ لم تعهد هذه الفصاحة والإتيان على مقتضى الحال من رأس مقطوع، وبقي الناس واجمون لا يدرون ما يصنعون.
ولمّا صُلب على شجرة بالكوفة سمع يقرأ قوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] .
قال هلال بن معاوية: سمعت رأس الحسين يخاطب حامله ويقول: فرّقت رأسي وبدني إفرق اللّه بين لحمك وعظمك، وجعلك آية ونكالاً للعالّمين، فرفع اللعين سوطاً وأخذ يضرب بين رأسه المطهّر .
وحدّث سلمة بن الكهيل أنّه سمع رأس الحسين بالكوفة يقرأ وهو مرفوع على الرمح: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] .
كما سمعه ابن وكيدة يقرأ القرآن فشكّ أنّه صوته حيث لم يعهد مثله يتكلّم، فإذا الإمام (عليه السلام) يخاطبه: " يا بن وكيدة، أما علمت أنّ معاشر الأئمة أحياء عند ربّهم يرزقون، فزاد تعجّبه وحدّث نفسه أن يسرق الرأس ويدفنه، فنهاه الإمام وقال: يا بن وكيدة ليس إلى ذلك سبيل، إنّ سفكهم دمي أعظم عند اللّه من إشهارهم رأسي، فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون " .
وفي طريقهم إلى الشام نزلوا عند صومعة راهب، وفي الليل أشرف عليهم الراهب، فرأى نوراً ساطعاً من الرأس الشريف، وسمع تسبيحاً وتقديساً وتهليلاً وقائلاً يقول: السلام عليك يا أبا عبد اللّه، فتعجّب الراهب! ولم يعرف الحال حتّى إذا أصبح وأراد القوم الرحيل سألهم عن الرأس؟ فأخبروه أنّه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، وأُمه فاطمة، وجدّه محمّد المصطفى، فطلب الرأس من خولي الأصبحي، فأبى عليه، فاسترضاه بمال كثير دفعه إليه، وأخذ الراهب الرأس الشريف وقبّله وبكى وقال: تباً لكم أيتّها الجماعة، لقد صدقت الأخبار في قولها: إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دماً، ثُمّ أسلم ببركة الرأس الطاهر، وبعد أن ارتحلوا نظروا إلى الدراهم فإذا هي خزف مكتوب عليها: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
وحدّث المنهال بن عمر قال: " رأيت رأس الحسين بدمشق أمام الرؤوس ورجل يقرأ سورة الكهف فلمّا بلغ {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9]، وإذ الرأس يخاطبه بلسان فصيح: وأعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي " .
وفي هذا الحال كُلّه لم ينقطع الدم من الرأس الشريف، وكان طريّاً، ويشمّ منه رائحة طيبة .
وبالرغم من جدّ يزيد في محو آثار أهل البيت واحتقار حرم النبّوة حتّى أنزلهم في الخربة التي لا تكنّهم من حرّ ولا برد ، واستعماله القسوة بالرأس المقدّس، من صلبه على باب الجامع الأُموي ، وفي البلد ثلاثة أيّام ، وعلى باب داره .
ولم يزل أهل الشام - ومن حضر فيها من غيرهم - يشاهدون كرامات باهرات من الرأس الزاهر لا تصدر إلا من نبىّ أو وصىّ نبىّ، فأحرجهم الموقف، خصوصاً بعد ما وقفت العقيلة زينب الكبرى سلام اللّه عليها في ذلك المجلس المغمور بالتمويهات والأضاليل، فأفادت الناس بصيرة بنوايا ابن ميسون السيئة، وموقفه من الشريعة الطاهرة، وأنّه لم يرد إلا استئصال آل الرسول، حيث لم يعهد في
الإسلام مثل هذا الفعل الشنيع خصوصاً مع عيال النبّي الكريم، ذلك الذي ما زال يهتف في مواقفه الكريمة باحترام المرأة وعدم التعرّض لها بسوء، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشدّد النكير إذا بلغه في مغازيه قتل النساء .
حتّى إنّ جماعة من المسلمين لمّا استأذنوه لقتل ابن أبي الحقيق أذن لهم، وأمرهم بعدم التعرّض للنساء والصبيان وهم مشركون .
وعلى سيرته مشى المسلمون، وإنّ سيّدهم أمير المؤمنين (عليه السلام)لمّا أنزل عائشة في الدار، قال له رجل من الأزد: واللّه لا تفلتنا هذه المرأة، فغضب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: " صه، لا تهتكن ستراً، ولا تدخلن داراً، ولا تهيّجن إمرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسفهن أُمراءكم وصلحائكم، فانّهنّ ضعاف، ولقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ وإنهن لمشركات، وإنّ الرجل ليكافئ المرأة بالضرب، فيعير بها عقبه من بعده، فلا يبلغني عن أحد تعرض لامرأة فانكل به " .
من هذا عرف الناس ضلال يزيد وتيهه في الباطل، فاكثروا اللائمة عليه حتّى من لم ينتحل دين الإسلام.
وحديث رسول ملك الروم مع يزيد في مجلسه أحدث هزّة في المجلس، وعرف يزيد الإنكار منهم، وأنّه لم تجد فيهم تلك التمويهات. وكيف تجدي وقد سمع من حضر المجلس صوتاً عالياً من الرأس المقدّس لمّا أمر يزيد بقتل ذلك الرسول: " لا حول ولا قوة إلا باللّه " .
وأىّ أحد رأى أو سمع قبل يوم الحسين (عليه السلام) رأساً مقطوعاً ينطق بالكلام الفصيح؟ وهل يقدر ابن ميسون أن يقاوم أسرار اللّه؟ أو يطفئ نوره تعالى شأنه؟ كلا.
ولقد أنكرت عليه زوجته هند بنت عمرو بن سهيل، وكانت عند عبد اللّه ابن عامر بن كريز، وهو ابن خال عثّمان بن عفان، فإنّ عامراً وارى أُم عثّمان أُمهم أُم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فاجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد بها .
فإنّها لمّا أبصرت الرأس الزاهي مصلوباً على باب دارها، ورأت الأنوار النّبويّة تتصاعد إلى عنان السماء، وشاهدت الدم يقطر منه طرياً، أدهشها الحال، وعظم مصابه في قلبها، فلم تتمالك دون أن دخلت على يزيد في مجلسه، مهتوكة الحجاب، وهي تصيح رأس ابن بنت رسول اللّه على دارنا، فقام إليها وغطاها وقال لها: اعولي وابكي على الحسين، فإنّه صريخة بني هاشم، عجّل عليه ابن زياد .
ورأت في منامها كأنّ رجالاً نزلوا من السماء وطافوا برأس الحسين يسلّمون عليه، ولّما انتبهت جاءت إلى الرأس، فأبصرت نوراً حوله، فطلبت يزيد لتقصّ عليه الرؤيا، فإذا هو في بعض الغرف يبكي ويقول: مالي ولحسين. وقد رأى مثل ما رأت ، فأصبح يزيد ومِلُْ إذنه حديث الأندية عن القسوة التي استعملها والجور الشديد، فلم يرَ مناصاً من إلقاء التبعة على عاتق ابن زياد وتبعيداً للسبّة عنه، ولكنّ الثابت لا يزال، وهذا هو السرّ في إنشاء كتاب صغير وصفه المؤرّخون بأنّه مثل (إذن الفأرة)، أرفقه بكتابه الكبير إلى الوالي بأخذ البيعة من المدينة عامّة، وفي الكتاب الصغير إلزام الحسين (عليه السلام) بالبيعة وإن أبى تضرب عنقه .
وليس الغرض من إنشاء الكتاب الصغير إلا أنّ يزيد لمّا كان عالماً بأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجعله خليفة، ولا كانت بيعته ممّا اتفق عليها صلحاء الوقت وأشراف الأُمّة، وما صدر من الموافقة منهم يوم أرادها أبوه معاوية إنّما هو للوعيد والتهديد، فأراد يزيد أن يخلي رسمياته عن الأمر بقتل الحسين (عليه السلام) بحيث لو صدر ذلك من عامله ولامه الناس وخطّأوه، تدرّع بالعذر بخلوّ كتابه للعامل بهذا الفعل، وإنّما هو شيء جاء به من قبل نفسه، وكان له المجال حينئذ في إلقاء التبعة على العامل.
ولكن هلمّ واقرأ العجيب الغريب في إحياء العلوم ج3 ص106 في الآفة الثامنة من آفات اللسان، فهناك ترى الغزالي تائهاً في الغلواء لمّا وشجت عليه عروق النصب والتحيّز إلى الأمويّين، فأبى أن يلعن قاتل الحسين (عليه السلام) حتّى على الإجمال فيقال: " لعنة اللّه على قاتل الحسين "، معلّلاً باحتمال موته بعد التوبة. وقد فاته أنّ التائب إن قُبلت توبته لا يشمله اللعن، فإذن أىّ بأس إذا قيل: لعنة اللّه على قاتل الحسين (عليه السلام)، لولا ذلك العداء المحتدم بين الحوائج والبغض لأهل هذا البيت الطاهر؟!
وأغرب من ذلك قياسه يزيد بوحشي قاتل حمزة أسد اللّه وأسد رسوله، فقال فيه: إنّ وحشي تاب عن الكفر والقتل جميعاً، ولا يجوز أن يلعن، مع أنّ القتل كبيرة، فإذا لم يقيّده بالتوبة وأطلق كان فيه خطر... إلى آخره .
لا قياس بين يزيد ووحشي، فإنّ وحشياً قتل حمزة وهو كافر، فلّما أسلم سقطت عنه كُلّ تبعة كانت عليه، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله، بخلاف يزيد فإنّه قتل الحسين (عليه السلام) وهو يظهر الإسلام، وقد ارتدّ بقتله ; إما لأنّ الحسين (عليه السلام) إمام معصوم، أو لتشفّيه بذلك من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بما صنعه مع خاله وجدّه يوم بدر.
على أنّ من المقطوع به أنّ من باء بذلك الإثم العظيم وهو قتل الحسين (عليه السلام) لا يتوفّق للتوبة نهائياً، فإنّه من الذنوب التي لا تدع صاحبها أن يتحيّز إلى خير أبداً.
كما أنّ من المقطوع به أنّ وحشياً وإن أظهر الإسلام أمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
وسكت عنه النبّي وقال: " غيّب وجهك عني " فلا يختم له بالصلاح والسعادة أبداً، ولا يأتي يوم القيامة وعليه شارة الهدى، وقد قتل سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب الشاهد للأنبياء بالتبليغ وأداء الرسالة.
كيف لا يلعن يزيد وقد جوّز العلماء المنقّبون لعنه، وصرّحوا بخروجه عن طريقة الإسلام، كما أفصح عن ذلك شعره، فإنّه لمّا وردت عليه سبايا آل الرسول وأشرفوا على ثنية جيرون ونعب الغراب قال :
لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت تلك الشموس على ربى جيروني
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل فقد اقتضيت من الرسول ديوني؟!
فمن أُولئك العلماء القاضي أبو يعلى، وأحمد بن حنبل، وابن الجوزي ، والكيا الهراسي ، والشيخ محمّد البكري، وسعد التفتازاني ، وسبط ابن الجوزي .
وقال الجاحظ: " إنّ المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، وحمل بنات رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سبايا، وقرعه ثنايا الحسين (عليه السلام) بالعود، هل تدلّ هذه القسوة والعلظة على نصب وسوء، وأىّ حقد و بغضاء ونفاق ويقين مدخول؟
أم تدلّ على الإخلاص وحب النبىّ والحفظ له وصحة السيرة؟
وعلى هذا فلا يعدو الفسق والضلال، وذلك أدنى مناله، فالفاسق ملعون، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون " .
وقال العلاّمة الآلوسي: " لا توقّف في لعن يزيد، لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكاليفه، ويكفي ما فعله أيام استيلائه بأهل المدينة ومكّة، والطامة الكبرى ما فعله بأهل البيت، ورضاه بقتل الحسين على جدّه وعليه أفضل الصلاة والسلام، واستبشاره بذلك وإهانته بأهل بيته ممّا تواتر معناه.
والذي يغلب على ظنّي أنّ الخبيث لم يكن مصدّقاً بالرسالة، وأنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم اللّه وأهل نبيّه وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما ورد منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقائه ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنّ أمره خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، لم يسعهم إلا الصبر، ليقضِ اللّه أمراً كان مفعولاً.
ولو سلّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلّم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنّا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصوّر أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه.
ويلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة، فلعنة اللّه عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وشيعتهم ومن مال ميلهم إلى يوم الدّين، ما دمعت عين على أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام)، ويعجبني قول شاعر العصر عبد الباقي أفندي العمري:
يزيد على لعن عريض جناية ... فأغدو به طول المدى العن اللعنا
ومن يخشى القيل والقال بلعن ذلك الضليل فليقل: لعن اللّه من رضي بقتل الحسين، ومن آذى عترة النبىّ بغير حقّ، ومن غصبهم حقّهم، فإنّه يكون لاعناً له، لدخوله تحت العموم دخولاً أولياً في نفس الأمر.
ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ سوى ابن العربي المالكي وموافقيه، فإنّهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يجوّزون لعن من رضي بقتل الحسين، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي كاد يزيد على ضلال يزيد... إلى آخره " .
وبعد هذا فهل يتوقّف أحد من لعن يزيد والبراءة منه؟ وإن كان فليس هؤلاء إلا الضلال والعناد أعاذ اللّه أولياءه من شرّ الحقد.
لمّا كثرت اللائمة على يزيد خشي الفتنة وانقلاب الأمر، فتداركه بإرجاع السجاد والعيال إلى وطنهم، ومكّنهم ممّا يريدون برأس الحسين إلى كربلاء ودفنه مع الجسد، ولم يختلف في ذلك إثنان من علماء الإمامية المعروفين بالبحث والتنقيب، ومن هنا نسبه المجلسي في البحار إلى المشهور بين العلماء .
وفي روضة الواعظين ص165 قال: ردّ الرأس إلى الجسد.
وقال ابن نما في مثير الأحزان ص58: إنّه المعول عليه .
وفي اللهوف لابن طاووس ص112 : عليه عمل الإمامية.
وقال ابن شهراشوب في المناقب ج2 ص200: ذكر المرتضى في بعض رسائله أنّ رأس الحسين أُعيد إلى بدنه في كربلاء .
وقال الطوسي: ومنه زيارة الأربعين .
وفي مقتل العوالم ص154: إنّه المشهور بين علمائنا .
وهو ظاهر الطبرسي في إعلام الورى ص151 ، والسيّد في رياض المصائب.
وأما باقي الرؤوس فلم يتعرّض لها أرباب المقاتل، ولكن في نفس المهموم ص253، ورياض الأحزان ص155 عن حبيب السير: أنّ يزيد سلّم جميع الرؤوس إلى علي بن الحسين فألحقها بالأبدان الطاهرة في العشرين من صفر، ثُمّ توجه إلى المدينة .
ولعلّ الاعتبار يساعده، فإنّ يزيد لمّا نقم عليه الناس وكثر الاضطراب، لم يرَ بُداً من موافقة الإمام السجاد على كُلّ ما يريد وإخراجهم من الشام عاجلاً.
نعم، ذكر العلاّمة السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ج4 ص290 القسم الأوّل: أنّه رأى في سنة 1321 هـ في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق مشهداً وضع على بابه صخرة مكتوب عليها: " هذا مدفن رأس العبّاس ابن علي، ورأس علىّ الأكبر بن الحسين، ورأس حبيب بن مظاهر ".
قال: " ثُمّ إنّه انهدم بعد ذلك بسنين هذا المشهد، وأُعيد بناؤه، وأُزيلت هذه الصخرة، وبُني ضريح داخل المشهد، ونقش عليه أسماء كثيرة لشهداء كربلاء، ولكن الحقيقة أنّه منسوب إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة المقدّم ذكرها بحسب ما كان موضوعاً على بابه كما مرّ، وهذا المشهد الظنّ القوي بصحة نسبته، لأنّ الرؤوس بعد حملها إلى دمشق والطواف بها وانتهاء غرض يزيد من إشهار الغلبة والتنكيل بأهلها والتشفّي، لابدّ أن تدفن في إحدى المقابر، فدفنت هذه الرؤوس الثلاثة في مقبرة باب الصغير، وحفظ محلّ دفنها واللّه أعلم... إلى آخره " .
هذا ما ذكره السيّد أيده اللّه، ولو اطلع على حبيب السير لاعتقد عدم صحة الدفن هناك، على أنّ التغيير الذي ذكره يدلّنا على أنّ الحفظة لذلك المشهد لهم غرض آخر، وليس بالمستبعد أن ذلك المشهد محلّ صلب الرؤوس.
وحقيق أن يقال في كُلّ منها:
هامة في الحياة طاولت الشهب ... وما نالها هبوب الرياح
أنفت بعد موتها الترب فاختار ... ت لها مسكناً رؤوس الرماح
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|