أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-8-2017
2628
التاريخ: 12-8-2017
2603
التاريخ: 19-8-2017
3220
التاريخ: 14-8-2017
2638
|
ربما يستعصي البيان عن الإفاضة في القول في هذا الفصل لشدّة وضوحه، وربما أعقب الظهور خفاءً، فإنّ من أبرز الصفات الحميدة في الهاشميين الشجاعة وقد جُبلوا عليها، وبالأخص الطالبيين، وقد أوقفنا على هذه الظاهرة الحديث النبويّ: " لو ولد الناس أبو طالب كُلّهم لكانوا شجعاناً " .
إذا فما ظنّك بطالبي أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) قاتل عمر بن عبد ودّ، ومزهق مرحب، وقالع باب خيبر، وقد عرق في ولده البسالة كُلّها والشهامة بأسرها، وعلّمه قراع الكتائب، فنشأ بين حروب طاحنة، وغارات شعواء، وخؤولته العامريّون الذين شهد لهم عقيل بالفروسية، وللخؤولة كالعمومة عرق ضارب في الولد، ومن هنا قالت العرب: (فلان معم مخول) إذا كان كريمهم وحوى المزايا الحميدة عنهما ، ولم يعقد أمير المؤمنين (عليه السلام) على أُمّ البنين إلاّ لتلد له هذا الفارس المغوار والبطل المجرّب، فما أخطأت إرادته الغرض، ولا عدى سهمه المرمى.
فكان أبو الفضل رمز البطولة، ومثال الصولات، يلوح البأس على أسارير جبهته، فإذا يمّم كمياً قصده الموت معه، أو التقى بمقبل ولاّه دبره، ولم يبرح هكذا تشكوه الحرب والضرب، وتشكوه الهامات، والأعناق ما خاض ملحمة إلاّ وكان ليلها المعتكر، ولم يلف في معركة إلاّ وقابل ببشره وجهها المكفهر.
يمثّل الكرار في كراته ... بل في المعاني الغرّ من صفاته
ليس يد اللّه سوى أبيه ... وقدرة اللّه تجلّت فيه
فهو يد اللّه وهذا ساعده ... تغنيك عن إثباته مشاهده
صولته عند النزال صولته ... لولا الغلوّ قلت: جلّت قدرته
وهل في وسع الشاعر أن ينضد خياله، أو يتسنّى للكاتب أن يسترسل في وصف تلك البسالة الحيدرية، وجوهر الحقيقة؟ قائم بنفسه، ماثل أمام الباحث، بأجلى من كُلّ هاتيك المعرفات في مشهد يوم الطفّ.
ولعمري إنّ حديث كربلاء لم يبق لسابق في الشجاعة سبقاً ولا للاحق طريقاً إلاّ الالتحاق به، فلقد استملينا أخبار الشجعان في الحروب والمغازي يوم شأوا الأقران في الفروسيّة، فلم يعدهم في الغالب الاستظهار بالعدد، وتوفّر العتاد وتهيء ممدّات الحياة من المطعم والمشرب، وفي المغالب أنّ الكفاية بين الجيشين المتقابلين موجودة.
يسترسل المؤرّخون لذكر شجعان الجاهلية والحالة كما وصفناها، واهتزوا طرباً لقصة ربيعة بن مكدم، وهي: أنّ ربيعة بن مكدم بن عامر بن حرثان من بني مالك بن كنانة كان أحد فرسان مضر المعدودين، خرج بالضعينة وفيها أُمه أُم سنان من بني أشجع بن عامر بن ليس بن بكر بن كنانة، وأُخته أُم عزة، وأخوه أبو القرعة، ورأى الظعينه دريد بن الصمّة فقال لرجل معه: صح بالرجل أن خَلّ الظعينة وانج بنفسك، وهو لا يعرفه، فلمّا رأى ربيعة أنّ الرجل قد ألحّ عليه ألقى زمام الناقة وحمل على الرجل فصرعه، فبعث دريد آخر فصرعه ربيعة، فبعث الثالث ليعلم خبر الأولين فقتله ربيعة وقد انكسر رمحه، فلمّا وافاه دريد ورأى الثلاثة صرعى ورمحه مكسوراً قال له: يا فتى مثلك لا يقتل، وهؤلاء يثأرون، ولا رمح لك، ولكن خذ رمحي وانج بنفسك والظعينة، ثُمّ دفع إليه رمحه ورجع دريد إلى القوم وأعلمهم أنّ الرجل قتل الثلاثة وغلبه على رمحه، وقد منع بالظعينة، فلا طمع لكم فيه .
هذا الذي حفظته السيرة مأثرة لربيعة بن مكدم بتهالكه دون الضعائن حتّى انكسر رمحه، ولكن أين هو من (حامى الظعينة) يوم قاتل الألوف، وزعزع الصفوف عن المشرعة حتّى ملك الماء وملأ القربة، والكُلّ يرونه ويحذرونه؟!
وأنّى لربيعة من بواسل ذلك المشهد الرهيب فضلاً عن سيّدهم أبي الفضل، فلقد كان جامع رأيهم، فلم يقدهم إلاّ إلى محلّ الشرف، منكباً بهم عن خطة الخسف والضعة، على حين أن الأبطال تتقاذف بهم سكرات الموت؟!
هذا وللسبط المقدّس طرف شاخص إلى صنوه البطل المقدام كيف يرسب ويطفو بين بهم الرجال، ووجهه متهلّل لكرّاته، ولحرائر بيت النبوّة أمل موطد لحامية الظعائن.
وإليك مثالاً من بسالته الموصوفة في ذلك المشهد الدامي، وهي لا تدعك إلاّ مذعناً بما له من ثبات ممنع عند الهزاهز، وطمأنينة لدى الأهوال.
الأوّل:
في اليوم السابع من المحرّم حوصر سيّد الشهداء ومن معه، وسدّ عنهم باب الورود، ونفذ ما عندهم من الماء، فعاد كُلّ منهم يعالج لهب الأوام ، وبطبع الحال كانوا بين أنّة وحنّة، وتضوّر، ونشيج، ومتطلّب للماء إلى متحرّ ما يبلّ غلته، وكُلّ ذلك بعين " أبي علي "، والغيارى من آله، والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة، في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن الحجاج، لكن " ساقي العطاشى " لم يتطامن على تحمّل تلك الحالة.
أَوَتَشْتَكي العطشَ الفواطمُ عنده ... وبصدرِ صعدتهِ الفراتُ المُفعمُ
ولو استقى نهرَ المحمرة لارتقى ... وطويل ذابله إليها سلّمُ
لو سدَ ذو القرنين دونَ وروده ... نسفتهُ همّته بما هو أعظمُ
في كفّه اليسرى السقاء يقلّه ... وبكفّه اليمنى الحسام المخذم
مثلُ السحابةِ للفواطمِ صوبه ... فيصيبُ حاصبَه العدوُ فيرجمُ
هناك قيض الحسين لهذه المهمة أخاه العبّاس، في حين أنّ نفسه الكريمة تنازعه إلى ذلك قبل الطلب، ويحدوه إليه حفاظه المرّ، فأمره أن يستقي للحرائر والصبية، وإن كان دونه شقّ المرائر، وسفك المهج، وضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم عشرين قربة، وتقدّم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فمضوا غير مبالين وكُلّ بحفظ الشريعة ; لأنّهم محتفون بشتيم من آل محمّد، فتقدّم نافع باللواء وصاح به عمرو بن الحجّاج: من الرجل؟ وما جاء بك؟
قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه.
فقال له: أشرب هنيئاً.
قال نافع: لا واللّه لا أشرب منه قطرة والحسين ومن ترى من آله وصحبه عطاشا.
فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، وإنّما وضعنا هاهنا لنمنعهم الماء، ثُمّ صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم، وشدّ عليهم أصحاب ابن الحجّاج، فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل، وحاميهم " ابن بجدتها " مسدّد الكماة، المتربي في حجر البسالة الحيدرية، والمرتضع من لبانها " أبو الفضل "، فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدّثه نفسه بالدنوّ منهم، فرقاً من ذلك البطل المغوار، فبلت غلّة الحرائر والصبيّة الطيبة من ذلك الماء، وابتهجت به النفوس .
ولكن لا يفوت القارئ، معرفة أنّ تلك الكميّة القليلة من الماء ما عسى أن تجدي أُولئك الجمع الذي هو أكثر من مائة وخمسين رجالاً ونساء وأطفالاً، أو أنّهم ينيفون على المائتين على بعض الروايات، ومن المقطوع به أنّه لم ترو أكبادهم إلاّ مرّة واحدة، أو أنّها كمصّة الوشل، فسرعان أن عاد إليهم الظما، وإلى اللّه سبحانه المشتكى.
الثاني:
كان أصحاب الحسين (عليه السلام) بعد الحملة الأُولى التي استشهد فيها خمسون، يخرج الاثنان والثلاثة والأربعة، وكُلّ يحمي الآخر من كيد عدوّه، فخرج الجابريان وقاتلا حتّى قتلا، وخرج الغفاريان فقاتلا معاً حتّى قتلا، وقاتل الحرّ الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره حتّى فعلا ذلك ساعة، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه حتّى قتل الحر .
وفي تاريخ الطبري ج6 ص255: " إنّ عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، وجابر بن الحارث السلماني، ومجمع ابن عبد اللّه العائذي شدّوا جميعاً على أهل الكوفة، فلمّا أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس من كُلّ جانب، وقطعوهم عن أصحابهم، فندب إليهم الحسين أخاه العبّاس، فاستنقذهم بسيفه، وقد جرحوا بأجمعهم، وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدو، فشدّوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتّى قتلوا في مكان واحد، وفازوا بالسعادة الخالدة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|