انتاج مركبات طبيعية وصيدلانية من خلال زراعة الانسجة النباتية

للمركبات الثانوية قيمة اقتصادية عالية تفوق البروتينات والكربوهيدرات والزيوت والدهون والتي تنتج في الخلية بكميات كبيرة والتي تسمي المركبات الاساسية ولقد قام العلماء بمحاولة الاستفادة من الطرق الحديثة في التكنولوجيا الحيوية لإنتاج هذه المركبات الثانوية والتي تتمثل فِي الفينولات والقلويدات والجلوكوسيدات والفلافونويدات والاستيرويدات ومكسبات الطعم والرائحة حيث تعتمد معظم الصناعات الدوائية والغذائية على هذه المركبات الفعالة والمستخلصة من النبات.

وتتباين الكائنات الحية وتتنوع فيما بينها اكثر مما تتشابه غير انها جميعا تعيش معا في توافق وتناسق وتشارك بعضها البعض في ذات الوجود وتعيش في مدى واسع من الظروف البيئية من حرارة عالية الى منخفضة وفي اعماق البحار وقمم الجبال وتشترك جميع هذه النباتات في القيام بعمليات التمثيل الغذائي لإنتاج المركبات الاساسية من بروتينات وكربوهيدرات واحماض امينية وزيوت ودهون وكذلك تتركز المركبات الثانوية التي تنتج اثناء عمليات التمثيل الغذائي التي تلعب دورا هاما في العمليات الفسيولوجية حيث تتكون بعض المواد التي تحمي النبات من بعض الامراض مثل المواد الفينولية والفلافونيدات والتي تلعب دورا هاما لجذب الحشرات والكاروتينات ودورها في التمثيل الضوئي والبورفيرين ودورها في تكوين الكلوروفيل (Toivonen, 1993, Georgievetal 2007)

زراعة الانسجة وانتاج المركبات الثانوية:

من خلال تقنيات زراعة الانسجة يمكن انتاج المواد الثانوية في المعمل طوال العام وبالتالي يمكن التغلب على العيوب الناتجة من الاختلافات الموسمية حيث تنمو الخلايا في ظروف بيئية محددة وثابتة يمكن التحكم فيها وتوجيهها للحصول على مركبات ايضية ثانوية تحت ظروف المعمل وبالتالي يمكن تفادي مشاكل الحقل وموسم الزراعة والاصابات الحشرية والامراض الفطرية والبكتيرية والفيروسية والتي تصيب النباتات وتؤثر بالتالي على المنتج الدوائي المطلوب والمرغوب فيه، ومن مميزات انتاج الادوية بزراعة الانسجة تنافس البلاد الصناعية المنتجة لهذه المركبات مع توافرها على مدار العام.

من الاهداف الرئيسة لمزارع الخلايا والانسجة النباتية، انتاج المركبات الثانوية التي تدخل في صناعة الادوية والفاكسينات وتعتبر هذه المواد احد التداخلات بين النبات والظروف الطبيعية المحيطة به مثل انتاج الروائح من النبات لجذب الحشرات الملقحة وفي بعض الاحيان يعتبر انتاج المركبات الثانوية احدى الضروريات لمقاومة الامراض وتسمى المركبات التي تنتج من عمليات التمثيل الحيوي الثانوي والتي لا تعتبر اساسية لكل الخلايا النباتية بالمركبات الثانوية Hamill et al., 1987, Rhodes et al., 1990))

العوامل المؤثرة على انتاج المركبات الثانوية:

يتوقف انتاج هذه المركبات ذات الاهمية للإنسان على التركيب الوراثي للخلايا النباتية تحت الدراسة وكذلك على عوامل النمو الطبيعية في المعمل مثل درجة الحرارة وشدة الاضاءة ونوع الضوء المستخدم والتهوية ودرجة الاس الهيدروجيني المستخدم في الوسط الغذائي الذي تنمو عليه الخلايا النباتية حيث يؤثر ذلك جيدا على امتصاص المواد الغذائية. ومن العوامل المؤثرة والمحددة على نجاح مزارع الخلايا لإنتاج المركبات الثانوية هو تركيب الوسط الغذائي وما يحتويه من عناصر ضرورية كبري تشمل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم والكالسيوم والماغنسيوم والكبريت بالإضافة للعناصر الصغرى والمحتوية على الحديد والمنجنيز والزنك والنحاس والموليبدنيوم والكلور واليود والكوبلت وخلافه كما ان للمركبات العضوية تأثيرا بالغ الاهمية على نجاح مزارع الخلايا مثل السكروز والفيتامينات والاحماض الامينية وكذلك منظمات النمو النباتية.

ويمتاز انتاج المركبات الثانوية من مزارع الانسجة بسرعة نمو الخلايا والتمثيل الغذائي من النبات العادي نفسه في خلال فترة بسيطة وبالتالي الحصول على المركبات المطلوبة وكذلك فان مزارع الخلايا تنمو وتتكاثر تحت ظروف مثلى بحيث تضمن لها الاحتياجات الضرورية للإنتاج والتمثيل الغذائي كما ان مزارع الخلايا السائلة توفر فرصة لإضافة بعض المواد التي تساعد على زيادة انتاج المواد المطلوبة. كما انه يمكن انتاج سلالات جديدة في مزارع الانسجة تحتوي على مركبات جديدة ذات فاعلية طبية ربما لا تكون موجودة في النبات الاصلي او خلايا تحتوي على المزيد من المواد الفعالة.

وفي المزارع السائلة او المعلقات الخلوية يمكن انتخاب خلايا لها المقدرة على التحول الحيوي باستخدام بعض الانزيمات المتخصصة لإنتاج مواد ذات فاعلية وذات فائدة كما ان هذه التقنية تيسر لنا الاستفادة من المركبات المنتجة من بعض النباتات التي تحتاج فترة زمنية طويلة (Srivastava and Srivastava, 2007)

واحيانا يكون انتاج هذه المواد امرا ضروريا وخاصة في الاماكن التي تكثر فيها الحروب او مشاكل يصعب الوصول سنويا لهذه النباتات وبالتالي يمكن عن طريق مزارع الانسجة انتاج المركبات المطلوبة معمليا هذا بالإضافة الى سهولة استخلاص هذه المركبات والبعد عن استخدام المذيبات الكيماوية بكميات كبيرة.

وعامة فان الخلايا النباتية تنتج كميات قليلة من المركبات الثانوية وان تقنيات الزراعة النسيجية تمكننا من انتخاب خلايا لها المقدرة العالية على انتاج المركبات الثانوية نظرا للاختلافات الوراثية الموجودة بين الخلايا في مزارع الانسجة ويمكن الاستفادة من هذه الطريقة لإنتاج الفينولات والقلويدات والاستيرويدات والفيتامينات ومكسبات الطعم والرائحة.

ولقد تمكن بعضي الباحثين من انتاج بعض المركبات المضادة للأكسدة مثل حامض الروزمارينيك  (Lee et al 2008 and 2010, Maksoud,2007)وكما في مزارع انسجة نباتات الريحان واستطاعوا زيادة كمية المادة الفعالة الى اكثر من الضعف كما زادت المركبات المكونة للزيوت الطيارة من 34 مركب الى 41 مركبا عطريا ولدفع استخدام تقنية زراعة الانسجة والخلايا لإنتاج المركبات الثانوية يتطلب ايجاد نظام لزراعة الانسجة التي تضمن تخليق المركبات المرغوبة وبالتالي اختيار وانتخاب سلالات خلوية قادرة على الانتاج بدرجة عالية لهذه المركبات كما يتطلب تصميم المفاعلات الحيوية التي تساعد القدرة الوراثية والكيماوية الحيوية للخلايا لترفع قدرتها على الانتاج بمستويات عالية.

ولقد وجد العلماء ان المركبات الثانوية تزيد في حالة تكشف الخلايا عن خلايا الكالوس حيث لا توجد في خلايا الكالوس الانزيمات اللازمة الكافية لتخليق وتكوين المركبات الثانوية، بينما الانسجة المتكشفة تحتوي هذه الانزيمات.

التحويل الحيوي:

تستخدم زراعة الخلايا النباتية ايضا في اجراء بعض التغيرات في تركيب وتكوين العديد من المواد البيوكيميائية فيما يسمى بالتحويل الحيوي وتستخدم في تحويل بعض المواد الكيميائية الى مواد طبية ذات اهمية طبية وذلك مثل تحويل الحامض الامينى تربتوفان الى فينيليستين او فينكريستين وهي مواد ذات اهمية طبية مضادة للأورام في مزارع خلايا نباتات الوينكا وكذلك يمكن تحويل مركب دجوتوكين الي جيتوكسين في نبات الديجيتالس بوربوريا.

ويستخدم حاليا المفاعل الحيوي لإنتاج العديد من المركبات الطبية الحيوية عن طريق مزارع الانسجة والخلايا النباتية على نطاق كبير وذلك لتيسير التبادل الغازي، كما ان المنتجات الثانوية للتمثيل الغذائي تخزن داخل الفجوات العصارية ولا يحدث لها اخراج خارج الخلية ومن ثم تحتاج عملية جمع وحصاد للخلايا حتى نحصل على المنتج الثانوي وبالتالي من الواجب ان تكون هناك مقاييس للوصول الى احسن الظروف لإنتاج المركبات وبالتالي يجب التحكم في الاس الهيدروجيني ويمكن زيادة انتاج المواد الثانوية عن طريق زيادة نفاذية الخلايا ويتوقف هذا على التركيب الوراثي للنباتات المستخدمة واحيانا يتفاوت الانتاج بين نبات واخر وهذا يرجع للاختلافات الوراثية للنبات الام وقدرة الخلايا على انتاج المركبات الثانوية المطلوبة ويلاحظ ان مزارع الخلايا تفقد تدريجيا القدرة على انتاج المركبات الثانوية وعند تكشف هذه الخلايا تزيد المادة الفعالة في النبات وبالتالي يكون عمر مزرعة الخلايا عاملا محددا في انتاج المواد الثانوية ومن العوامل الهامة لإنتاج المركبات الثانوية التي تدخل في صناعة الدواء. من اهم العوامل لنجاح انتاج المركبات الثانوية هو تكوين الوسط الغذائي، فيكون الحصول علي نمو جيد للخلايا هو الهدف ثم بعد ذلك انتاج المواد الثانوية المرغوبة ومن مكونات البيئة المغذية نجد ان الكربون والنيتروجين والفوسفور والكالسيوم والماغنسيوم عوامل ذات اهمية كبرى لإنتاج هذه المواد الهامة وكذلك وجد ان العناصر الصغرى ذات اهمية مثل تأثير اضافة الكوبلت على انتاج الفيتامين ب ١٢ المسمى بالسيانوكوبلامين وكذلك اهمية ايونات النحاس مع الكبريتات والنترات لإنتاج الشيكونين كما وجد تأثير فعال لمنظمات النمو النباتية على انتاج المواد الفعالة.

العوامل التي تؤدي لزيادة المواد الفعالة في مزارع الانسجة

المواد البادئة:

يضاف لبيئة مزارع الانسجة بعض المواد البادئة لإنتاج بعض المركبات الفعالة مثل اضافة بعض الاحماض الامينية مثل التربتوفان والتايروزين والفينايل ادينين ومثل اضافة التيروزين لإنتاج الروزماريك والتربتوفان لإنتاج الفينكريستين كذلك حمض التروبيك لإنتاج التروبان لإنتاج بعض المواد ذات الاهمية الطبية مثل الفينولات والجليكوسيدات والقلويدات وخلافه.

الاجهاد البيئي:

ومن العوامل المؤثرة على انتاج المواد الثانوية ظروف الاجهاد البيئي حيث تزيد هذه المواد عند الاجهاد من ملوحة وجفاف وحرارة واضاءة وخلافه ولربط الظروف البيئية المحيطة بالوسط الغذائي وذلك للحصول على اعلى معدل من الانتاج للحامض النووي الريبوزي الرسول mRNA والذي يشفر لإنتاج انزيمات، وهذه الانزيمات تدخل في التخليق الحيوي لمركبات ثانوية اعلى في حالة الاجهاد البيئي.

واحيانا اخرى يضاف للوسط الغذائي بعض المركبات تسمى بالمواد المثيرة او الدافعة لإنتاج المواد الثانوية وهذه المواد المضادة لنمو الكائنات الدقيقة والتي تتراكم عند اصابة النبات بأحد انواع تلك الكائنات الدقيقة يشار اليها بعبارة الفيتوالكسين phytoalexin وهناك العديد من الانواع النباتية التي ثبت انها يحدث بها انتاج وتراكم الفيتوالكسين حيث ان هذه المواد هي عبارة عن مقاومة كيماوية وهي من اهم العوامل في مقاومة النبات ضد الميكروبات والامراض، وعند دراسة تراكم المواد المضادة للميكروبات في النبات وجد ان مركبات الكائن المسبب للمرض تؤدي الى الحث على انتاج المركبات الثانوية في النبات ويطلق على هذه المواد اليسيتورز elicitors وتوجد اربعة انواع رئيسة للتفاعل بين الميكروب والنبات والتي تقود الى تكوين المادة المثيرة وهذه تشمل الانتقال المباشر للمادة المثيرة من الميكروب وانتقالها مباشرة الى مواقع الاستقبال في الاغشية البلازمية للخلايا النباتية (Chen et al.2001) كما ان بعض الانزيمات الناتجة من البكتيريا تؤدي الى حدوث تغيرات في بعض مركبات ومكونات الجدار الخلوي والتي تعمل كمادة مثيرة في بعض الخلايا النباتية والانزيمات النباتية تزيل الجدار الخلوي للكائنات الدقيقة الممرضة وهو ما يعني ان الخلايا النباتية تكون المضادات للسموم البكتيرية وهذه تكون مع بعض مكونات الجدار الخلوي بعض المواد النشطة وهي عبارة عن المثيرات وهذه المركبات قد تكون داخلية وموجودة في الطبيعة والتي تتكون احيانا نتيجة لتنشيط بعض المنشطات.

وتنقسم المثيرات الى نوعين نوع: ذو طبيعة حيوية مثل استخدام بعض مستخلصات الفطريات ونوع غير حيوي يعتمد على خواص فيزيائية، مثل درجة الحرارة واستخدام الاشعة فوق البنفسجية، او خواص كيميائية مثل تغيير درجة الاس الهيدروجيني واستخدام بعض المركبات مثل حمض الجاسمونيك.

ان مزارع الشعيرات الجذرية باستخدام بكتيريا Agrobacterium rhizogensis ادى الى الانتاج الغزير من المركبات الثانوية. وايضا يزيد الانتاج مع استخدام المفاعلات الحيوية bioreactors حيث ان هذه الشعيرات الجذرية لها المقدرة على انتاج المركبات الثانوية وتعتبر هذه الشعيرات الجذرية من اهم المصادر والطرق التي يمكن استخدامها في انتاج المركبات الثانوية التي لها علاقة بالجذر او التي تمثل داخل الجذر وذلك لان تلك الجذور تتمتع بدرجة عالية من النمو والثبات الوراثي مما يتيح استمرار انتاج المواد الفعالة لفترات طويلة. كما يمكن باستخدام مزارع الشعيرات الجذرية انتاج مركبات لم يكن من الممكن انتاجها من قبل في مزارع الكالوس مثل المورفين من نبات الخشخاش وبعض الزيوت الطيارة من نبات الينسون Flores et al, 1987, Giri et al, 2001, Staba, 1985))

ولقد امكن انتاج مواد صيدلانية مثل القلويدات ومنها المورفين والبيربرين والتروبان وكذلك مركبات الكاردينولويد مثل الدوبا والفالبورتريتس ومضادات الاورام مثل الكامبتوثيسين والهوموهارنجتونين والبودوفيللوتوكسين والتاكسول والفينبليستين والفينكريستين وكذلك انتاج مركب الروزمارينك المضاد للاكسدة كما يمكن انتاج بعض المركبات الثانوية ذات القيمة الاقتصادية في المجال الزراعي مثل مثبطات الفيروس والاضافات الغذائية والصبغات النباتية مثل مركبات الشيكونين الانثوسيانين والسافرون، انظر الجدول التالي.

ولإنتاج المركبات الثانوية في مزارع الانسجة النباتية فان ذلك يتطلب تحديد الجزء النباتي المستخدم في الزراعة والوسط الغذائي ومكوناته والمواد التي سوف تضاف اليه اما ان تكون مادة بادئة او مادة محثة على انتاج المواد الفعالة وهناك عدة طرق اخرى لزيادة المواد الفعالة اما عن طريق احداث تباينات في مزارع الانسجة واختيار الخلايا التي تحتوي على تركيز اعلى من المادة الفعالة ثم اكثارها للحصول على المزيد من النباتات التي تحتوي على التركيز العالي من المادة الفعالة.

جدول يبين الانتاج العالي للمركبات الثانوية باستخدام زراعة الخلايا النباتية

 Secondary Metabolites Produced in High Levels by Plant Cell Cultures

ويمكن الحفاظ على نباتات البيئة العربية الطبية المعرضة للانقراض بإكثارها بطرق زراعة الانسجة ثم زراعتها في البيئة الطبيعية منعا من الانقراض كمصدر طبيعي للمواد الفعالة وكذلك حفظ النباتات معمليا لإمداد بيئتها الطبيعية باستمرار (Maksoud.2007) انظر الشكل التالي ويمكن لبنوك الجينات الوطنية الاسهام الوافر في هذا المجال بمزيد من الجهد والاستثمارات.

شكل يوضح انتاج المركبات الثانوية باستخدام تقنيات زراعة الانسجة من نباتات البيئة المصرية المنقرضة (عن احمد ابراهيم عبد المقصود) سانت كاترين – سيناء – مصر

المصدر

أ.د تيمور نصر الدين، أ.د. ابراهيم عبد المقصود، د. محمد احمد محمد نجاتي. تقنيات وتطبيقات زراعة الانسجة النباتية. القاهرة. 2014.