أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-01-2015
1646
التاريخ: 11-10-2014
2175
التاريخ: 30-01-2015
1618
التاريخ: 29-09-2015
1550
|
من تتبّع تلك السيرة الشريفة وجد كيف أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) أقدم بمجرّد نزوله في المدينة المنوّرة على تأسيس الدولة بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى ، وكيف مارس كلّ ما هو من شأن الحاكم السياسي من تشكيل جيش منظّم ، وعقد معاهدات ومواثيق مع الطوائف الاخرى ، وتنظيم الشؤون الإقتصاديّة والعلاقات الإجتماعيّة ممّا يتطلّبه أي مجتمع منظّم ذو طابع قانونيّ ، وصفة رسميّة وصيغة سياسيّة ، واتخاذ مركز للقضاء والإدارة ـ وهو المسجد ـ ووضع رواتب وتعيين مسؤوليات إداريّة ، وتوجيه رسائل إلى الملوك والامراء في الجزيرة العربيّة وخارجها ، وتسيير الجيوش والسرايا وبذلك يكون الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) أوّل مؤسّس للدولة الإسلاميّة التي استمرّت من بعده ، واتّسعت ، وتطوّرت وتبلورت ، واتّخذت صوراً أكثر تكاملاً في التشكيلات والمؤسّسات وإن كانت الاسس متكاملةً في زمن المؤسّس الأوّل (صلى الله عليه واله وسلم).
إنّ من يراجع التاريخ النبويّ يلاحظ ـ بجلاء ـ أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) كان منذ بداية بعثته الشريفة وحياته الرساليّة بصدد تأسيس الحكومة ، وإقامة الدولة.
وقد تمّ ذلك في مرحلتين كانت المرحلة الاولى في مكة ، والاخرى في المدينة.
ففي مكة ـ يوم لم يكن مأموراً بالظهور والإعلان عن دعوته ـ قام بتأسيس الحزب السريّ ـ إن صحّ هذا التعبير ـ حيث أخذ في إعداد وبناء الأفراد الصالحين ، وتوفير الكوادر المؤمنة عن طريق الاتّصالات الخاصّة واللقاءات السّريّة.
ثمّ بعد أن امر بإعلان رسالته لقوله سبحانه : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ } { الحجر : 94 و 95 }، راح الرسول الأكرم يلتقي بقادة القبائل ورؤساء الوفود الآتية إلى مكّة يدعوهم الى دينه ، والانضمام إلى جماعته ؛ وكان من أبرز ما فعله على صعيد التهيئة العامّة لإقامة حكومته المرتقبة ، عقد البيعة مع بعض الوفود القادمة من أنحاء الجزيرة إلى مكة ، وأخذ العهد منهم على نصرته ودعم ما ينشد إقامته في ظرفه المناسب كما تمّ ذلك في بيعتي العقبة الاولى والثانية (1).
وعندما هاجر إلى المدينة ، وسنح له الظرف المناسب باشر بتأسيس أوّل حكومة إسلاميّة وبذل في ذلك أكبر مجهود بعد أن مهّد لها بعقد ميثاق الاخوّة بين أصحابه من الأنصار والمهاجرين ، وإقامة مسجد جعله مركزاً لتجمّع المسلمين وموضعاً لعملياته ونشاطاته الاجتماعيّة والسياسيّة.
وقد تجلىّ العمل السياسيّ الذي قام به النبيُّ (صلى الله عليه واله وسلم) والذي يدلُّ على أنّه كان أوّل من أقام حكومة إسلاميّة وبنى قواعدها ، أنّه كان يباشر اُموراً هي من صميم العمل السياسي والنشاط الاداري الحكومي ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1. أنّه (صلى الله عليه واله وسلم) عقد بين أصحابه وبين الطوائف والقبائل الاخرى المتواجدة في المدينة كاليهود وغيرهم اتفاقيةً وميثاقاً يعتبر في الحقيقة أوّل دستور للحكومة الإسلاميّة ، وقد ذكرنا بنودها في هذا الفصل من كتابنا هذا.
2. أنّه (صلى الله عليه واله وسلم) جهّز الجيوش وبعث البعوث العسكريّة والسرايا إلى مختلف المناطق في الجزيرة ، وقاتل المشركين وغزاهم ، وقاتل الروم وقام بمناورات عسكريّة لإرهاب الخصوم ... وقد ذكر المؤرّخون أنّه (صلى الله عليه واله وسلم) خاض أو قاد خلال 10 أعوام من حياته المدنيّة 85 حرباً.
3. بعد أن استتبّ له الأمر في المدينة وما حولها وأمن جانب مكّة وطرد اليهود من المدينة وماحولها وقلع جذورهم وقضى على مؤامراتهم ، توجّه باهتمامه إلى خارج الجزيرة ، وإلى المناطق التي لم تصل إليها دعوته ودولته من مناطق الجزيرة ، فراح يراسل الملوك والامراء يدعوهم إلى الانضواء تحت راية الإسلام والدخول تحت ظلّ دولته والقبول بحكومته الإلهيّة.
فراسل قيصر ملك الروم.
وكسرى ملك إيران وامبراطورها.
والمقوقس عظيم القبط في مصر.
والنجاشيّ ملك الحبشة.
وكبار قادة الشام واليمن وغيرهم من الامراء والملوك ورؤساء القبائل الكبيرة.
وربّما وقّع مع بعضهم المعاهدات ، وأقام بعض التحالفات العسكريّة والسياسيّة والمعاهدات الإقتصاديّة (2) كما ستعرف ذلك.
وقد جمعت أكثر هذه الرسائل والمواثيق في كتب خاصّة أمثال ( الوثائق السياسيّة ) تأليف البروفسور محمد حميد الله الاستاذ بجامعة باريس و ( مكاتيب الرسول ) وإليك نماذج من هذه الرسائل والمكاتيب السياسيّة :
كتابه إلى ملك عمان والأزد ، جيفر وعبد ابني الجلندي :
« بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد بن عبد الله إلى ..
سلام على من اتّبع الهدى ، أمّا بعد ، فإنّي أدعوكم بدعاية الإسلام ، أسلما تسلما. إنّي رسول الله إلى الناس كافّةً لأنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين. إنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما ، وإن أبيتما أن تقرّا بالإسلام فإنّ ملككما زائل عنكما ، وخيلي تحلُّ بساحتكما ، وتظهر نبوّتي على ملككما » (3).
وكتابه لرفاعة بن زيد الجذاميّ أحد امراء الجزيرة :
« بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من محمّد رسول الله لرفاعة بن زيد : إنّي قد بعثته إلى قومه عامّة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله ورسوله ، فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين » (4).
ومن رسالته إلى اسقف نجران :
« بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، من محمّد النبيّ رسول الله إلى أسقف نجران : أسلم أنتم ( أي أنتم سالمون إذا أسلمتم ) فإنّي أحمد الله إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم آذنتكم بحرب والسلام » (5)
4. أنّه (صلى الله عليه واله وسلم) بعث السفراء والمندوبين السياسيين إلى الملوك والزعماء.
قال الاستاذ عبد الله عنّان عن هذه السفارات النبويّة : « كانت هذه السفارات والكتب النبويّة عملاً بديعاً من أعمال الدبلوماسيّة ، بل كانت أوّل عمل قام به الإسلام في هذا الميدان.
إنّ هذه الدبلوماسيّة الفطنة التي لجأ إليها النبيُّ في مخاطبة الملوك في عصره لم تذهب كلُّها عبثاً كما رأينا » (6).
5. أنّه (صلى الله عليه واله وسلم) نصب القضاة وعيّن الولاة ، وأعطاهم برامج للإدارة والسياسة فأوصاهم فيما أوصاهم بتعليم أحكام الإسلام ، ونشر الأخلاق والآداب التي جاء بها الإسلام ، وتعليم القرآن الكريم ، وجباية الضرائب الإسلاميّة كالزكاة وإنفاقها على الفقراء والمعوزّين وما شابه ذلك من المصالح العامّة ، وفصل الخصومات بين الناس وحلّ مشاكلهم والقضاء على الظلم والطغيان ... وغير ذلك من المهام والصلاحيّات والمسؤوليّات الإداريّة والاجتماعيّة.
وبالتالي لقد كان النبيُّ (صلى الله عليه واله وسلم) يعمل كلّ ما يعمله الساسة وأصحاب السلطات
اليوم ، ولكن يفعل كلّ ذلك وفق منهج السّماء ، فكان يقوم بالعزل والنّصب ، والمراسلة وعقد الأحلاف ، وتوقيع الوثائق السياسيّة والعسكريّة والإقتصاديّة حسبما تقتضيها المصلحة الإسلاميّة والاجتماعيّة في عصره وضمن تشكيلات بسيطة ..
هذا مضافاً إلى أنّ من طالع سورة الأنفال والتوبة ومحمّد (صلى الله عليه واله وسلم) يلاحظ كيف يرسم القرآن فيها الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الإسلاميّة وبرامجها ووظائفها ... فهي تشير إلى مقوّمات الحكومة الإسلاميّة الماليّة ، واسس التعامل مع الجماعات غير الإسلاميّة ، ومبادئ الجهاد والدفاع وبرامجها ، وتعاليم في الوحدة الإسلاميّة التي تعتبر أقوى دعامة للحكومة الإسلاميّة ... وكذا غيرها من السور والآيات القرآنيّة ، فهي مشحونة بالتعاليم والبرامج اللازمة للحكومة والدولة.
وهذا يكشف عن أنّ النبيّ ( محمّداً ) (صلى الله عليه واله وسلم) كان أوّل مؤسّس للحكومة الإسلاميّة وأنّ أوّل حكومة إسلاميّة هي التي أقامها وأوجدها النبيُّ (صلى الله عليه واله وسلم) في المدينة المنورة بعد أن مهّد لها في مكّة.
على أنّ هذه الحكومة ـ كما قلنا ـ وإن لم تكن من حيث التشكيلات والتنظيمات الإداريّة على النحو المتعارف الآن ، إلاّ أنّها كانت على كلّ حال تمثّل حكومةً كاملة الأركان ، ودولةً كاملة السّمات والملامح.
وهذا يعني أنّه لابدّ أن تكون للحكومة الإسلاميّة أركان ومؤسّسات وتشكيلات للقيام بمثل ما كان يقوم به النبيُّ (صلى الله عليه واله وسلم) حسب ما تقتضيه طبيعة عصرنا الحاضر ..
وكلُّ هذا يتّضح من مطالعة ما دوّن حول السيرة النبويّة من كتب تأريخيّة على أيدي مؤرّخين من القدماء ، مثل سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري وتاريخ الكامل للجزريّ والإرشاد للمفيد وكشف الغمّة للأربلّي ، ومن المتأخّرين ، مثل كتاب تاريخ الإسلام السياسيّ (7) ، وغير ذلك من المؤلّفات التاريخيّة المختصرة والمفصّلة.
ثمّ إنّ نظرةً اخرى إلى الدين الإسلاميّ نفسه تشهد بأنّ الأحكام والمناهج الإسلاميّة تقتضي ـ بنفسها ـ قيام مثل هذه الدولة وذلك من جهتين :
الاُولى : أنّ الإسلام يدعو ـ في أكثر من نصّ ـ إلى الوحدة بين أبنائه وأتباعه ، وينهى عن التشتُّت والفرقة والاختلاف حتّى عرف الإسلام بأنّه بني على كلمتين : « كلمة التوحيد ، وتوحيد الكلمة » قال القرآن الكريم : { وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }[ الأنعام : 153 ].
وقال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } [ آل عمران : 103 ].
وقال تعالى : { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [ الحجرات : 10 ].
وقال تعالى : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[ الأنفال : 63 ].
فإنّ الله يمنُّ على النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) أنّه وحّد بهداه قومه ، وهو يعني أنّ التوحيد ورصّ الصفوف هو غاية الإسلام الأكيدة.
إلى غير ذلك من الآيات التي تكشف عن أنّ القرآن يريد وحدة الاُمّة الإسلاميّة.
ولذلك قال النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) : « من أتاكم وأمركم جميع ( مجتمع ) على رجل واحد ، يريد ان يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه » (8).
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) أيضاً : « مثل المؤمن من المؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً » (9)
وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا الصّدد : « والزموا السّواد الأعظم ، فإنّ يد الله على الجماعة وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من النّاس للشّيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب ألا من دعا إلى هذا الشّعار فاقتلوه ، ولو كان تحت عمامتي هذه » (10).
وقال (عليه السلام) في حديث آخر : « من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء إلى الله عزّ وجلّ أجذم » (11)
وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) : « من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه » (12).
إلى غير ذلك من النصوص الإسلاميّة الداعية إلى رصّ الصفوف ، وتعميق الوحدة ، وجمع الكلمة ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يمكن ان يتحقّق إلاّ بوجود دولة وجهاز يؤلّف بين الآراء ويجمع الكلمة ، ويوفّق بين المصالح ، ويحافظ على العلاقات ، ويعيد الشاذّ إلى رشده والخارج إلى صفّه ، إذ لولا ذلك الجهاز( الدولة ) لذهب كلُّ فريق مذهباً ، واتّخذت كلُّ جماعة طريقاً ، وتمزّق المجتمع أشتاتاً ، وعادت الوحدة اختلافاً وتفرقة.
وصفوة القول : أنّ الدولة عامل الوحدة ورمز التآلف ، بقدر ما هي طاردة للفرقة ، ومانعة عن التخالف.
الثانية : أنّ ملاحظة ذات القوانين الإسلاميّة في مختلف المجالات الحقوقيّة والاجتماعيّة والماليّة تفيد أنّ طبيعتها تقتضي وجود الدولة.
فالإسلام الذي دعا إلى الجهاد والدفاع ، ودعا إلى إجراء الحدود والعقوبات على العصاة والمجرمين ودعا إلى انصاف المظلوم ، وردع الظالم ، وسنّ نظاماً خاصاً وواسعاً للمال.
إنّ الدعوة إلى كلّ هذه الأحكام تدلُّ ـ بدلالة التزاميّة ـ على أنّ الله قد فرض وجود دولةً قويةً تقوم بإجرائها في المجتمع.
إنّ الإسلام ليس مجرد أدعية خاوية أو طقوس ومراسيم فرديّة يقوم بها كلُّ فرد في بيته ومعبده ، بل هو نظام سياسيّ وماليّ وحقوقيّ واجتماعيّ واقتصاديّ واسع وشامل ، وما ورد في هذه المجالات من قوانين وأحكام تدلُّ بصميم ذاتها على أنّ مشرّعها افترض وجود حاكم يقوم بتنفيذها ورعايتها. لأنّه ليس من المعقول سنُّ مثل هذه القوانين دون وجود قوة مجرية وسلطة تنفيذيّة تتعهد إجراءها وتتولّى تطبيقها ، مع العلم بأنّ سنّ القوانين وحده لا يكفي في تنظيم المجتمعات.
ولقد استدلّ السيد المرتضى على لزوم الحكومة ببيان لطيف هذا حاصله : « إنّ بقاء الخلق يتوقّف على اُمور منها الأمر والنهي. قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [ الأنفال : 24 ] ، وفسّر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولقوله سبحانه : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ } ( البقرة : 179 ) ، فصار الأمر بالمعروف هنا المتمثّل في الاقتصاص من القاتل مبدءاً للحياة.
فإذا كان الأمر والنهي كما توحي هذه الآيات مبدءاً للحياة ، وجب أن يكون للناس إمام يقوم بأمرهم ونهيهم ، ويقيم فيهم الحدود ، ويجاهد فيهم العدو ، ويقسّم الغنائم ، ويفرض الفرائض ـ أبواب ما فيه صلاحهم ـ ويحذّرهم عمّا فيه مضارّهم ... ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب بقاء الخلق ... فوجبا وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع أحد ، ولفسد التدبير ، وكان ذلك سبباً لهلاك العباد » (13)
هذا هو ما تفيده النظرة إلى الأحكام والتشريعات الإسلاميّة التي لم تنزّل إلاّ للتنفيذ ، ولم تشرّع إلاّ للتطبيق.
أمّا النصوص الإسلاميّة المصرّحة بضرورة قيام الدولة ووجودها فهي أكثر من أن تحصى ، وقد مرّ في الجزء الأوّل قسم منها ونشير هنا إلى ما لم نشر إليه هناك :
قال الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث طويل حول ضرورة وجود الحكومة في الحياة البشريّة : « إنّا لا نجد فرقةً من الفرق ولا ملّةً من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدّين والدُّنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق لما يعلم أنّه لابدّ لهم منه ، ولاقوام لهم إلاّ به فيقاتلون به عدوّهم ويقسّمون به فيئهم ، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم » (14)
وقد بلغت أهمية الدولة والحكومة في نظر الإسلام حداً جعلت هي السبب الأساسيُّ في صلاح أو فساد الاُمّة ، حيث قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) : « صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي ، وإذا فسدا فسدت امّتي ... ».
قيل : يا رسول الله ومن هم ؟
قال : « الفقهاء والامراء » (15).
إنّ ضرورة وجود الدولة والحكومة في الحياة البشريّة الاجتماعيّة بديهيّة جداً عقلاً وشرعاً وتاريخيّاً بحيث لا تحتاج إلى سرد المزيد من الأدلة والاستشهادات ولذلك نكتفي بهذا القدر.
ولأجل هذه الأهمية التي تحظى بها الحكومة الإسلاميّة يتعيّن على علماء الإسلام أن يبذلوا غاية الجهد في توضيح معالمها ومناهجها وخطوطها وخصائصها في جميع العصور والعهود.
وسوف نذكر أنّ هذه الناحية الحسّاسة من حياتنا الاجتماعيّة قد أهملت في أكثر القرون كتابةً وتحقيقاً ودراسةً.
_____________________
(1) راجع السيرة النبويّة 1 : 431 و 467 ، وإعلام الورى.
(2) على نحو ما فعل مع أهل اليمن ( راجع تاريخ اليعقوبي 2 : 64).
(3) المواهب اللدنيّة 3 : 440 ، السيرة الحلبيّة 3 : 284 ، أعيان الشيعة 2 : 14 ومكاتيب الرسول : 147.
(4) السيرة الدحلانيّة على هامش السيرة الحلبية 3 : 131.
(5) البداية والنهاية 5 : 53 والدرّ المنثور 2 : 38 وبحار الأنوار 6 : 9 الطبعة القديمة.
(6) مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام : 208.
(7) تأليف الكاتب المعاصر الدكتور حسن إبراهيم حسن استاذ التاريخ الإسلاميّ بجامعة القاهرة.
(8) أخرجه مسلم في صحيحه كما في جامع الاُصول في أحاديث الرسول 3 : 48.
(9) مسند أحمد 4 : 404 ورواه غيره من أصحاب الصّحاح والسُّنن.
(10) نهج البلاغة الخطبة 123 طبعة عبده.
(11) الكافي 1 : 405 كتاب الحجة.
(12) الكافي 1 : 405 كتاب الحجة.
(13) المحكم والمتشابه للسيد المرتضى : 50.
(14) علل الشرائع : 253 ، الحديث مفصّل وجدير بالمطالعة.
(15) تحف العقول : 42.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|