أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-3-2022
1732
التاريخ: 11-12-2014
4112
التاريخ: 11-12-2014
3358
التاريخ: 11-12-2014
3661
|
قوله سبحانه : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
زعم جماعة دلالة هذه الآية ـ والعياذ باللّه ـ على أن النبي (صـلى الله علـيه وآله) كان فاقداً للأيمان قبل الايحاء إليه، لكنَ حياته الشريفة المشرقة بالإيمان والتوحيد تفنّد تلك المقالة فالتاريخ يشهد على انه (صـلى الله علـيه وآله) منذ بداية عمره إلى أن لاقى ربه مؤمناً موحداً وذلك امرٌ لا شك فيه ولا شبهة تعتريه وقد اجمع على ذلك أهلُ السير والتاريخ وحتّى أن الاحبار والرهبان كانوا معترفين بانه نبيُّ هذه الاُمة وخاتم النبيين وكان يسمع تلك الشهادات منهم في فترات خاصة في مكة و يثرب و بصرى و الشام وغيرها فكيف والحال هذه يمكن ان يكون غافلاً عن الكتاب الّذي ينزل إليه أو يكون مجانباً للإيمان بوجوده سبحانه وتوحيده والتاريخ المسلَّم الصحيح يؤكّد على عدم صدق ذلك الاستظهار من الآية الحاضرة.
فلابدّ إذن من الإمعان في مفاد الآية كما لابدّ ـ في تفسيرها ـ من الاستعانة بالآيات الواردة في ذلك المساق.
بعث النبيُ الاكرم (صـلى الله علـيه وآله) لهداية قومه أوّلا وهداية جميع الناس ثانياً بالآيات والبيّنات ونخصُّ بالذكر منها : القرآن الكريم ( معجزته الكبرى الخالدة ) الّذي بفصاحته أخرسَ فرسان الفصاحة وقادة الخطابة وببلاغته قهر ارباب البلاغة وملوك البيان وخلب عقولهم وقد دعاهم إلى التحدي والمقابلة فلم يكن الجواب منهم إلاّ اثارة الشكوك والتهم حوله وحول ما جاء به وعدم المعارضة بمثل القرآن قط.
فتارة قالوا : بانه يعلّمه بشر واُخرى بأنه إفكٌ افتراه واعانه عليه قوم آخرون وثالثة : بأنه أساطير الاولين قد اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة واصيلا قال سبحانه رداً على هذه التهم الّتي أشرنا إليها : {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 102-103].
وقال سبحانه : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 4 - 6] .
والآية المبحوثة بصدد بيان هذا الأمر وانه وحي سماويٌ لا افكٌ إفتراه ولهذا بدأ كلامه بلفظة : وَكَذلِكَ أوْحَينا إليكَ أي كما أنه سبحانه أوحى إلى سائر الانبياء باحدى الطرق الثلاثة الّتي بينها في الآية المتقدمة أوحى إليك أيضاً روحاً من امره وليس هذا كلامك وصنيعك بل كلام ربك وصنيعه.
هذا مجمل الكلام في الآية ولأجل رفع النقاب عن مرماها نقدّم اموراً تسلط الضوء على الآية :
الأول : ان المراد من الروح في الآية هو القرآن وسمّي روحاً لأنه قوام الحياة الأخروية كما ان الروح في الإنسان قوام الحياة الدنيوية ويؤيد ذلك امورٌ :
أ ـ ان محور البحث الأصلي في سورة الشورى هو : الوحي والآيات الواردة فيها البالغ عددُها (53) آية تبحث عن ذلك المعنى بالمباشرة أو بغيرها.
ب ـ الآية الّتي تقدمت على تلك تبحث عن الطرق الّتي يكلم بها سبحانه انبياءه ويقول : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].
ج ـ انه سبحانه بدأ كلامه في هذه الآية بلفظة : وكذلك أي كما أوحينا إلى من تقدم من الانبياء كذلك أوحينا اليك باحدى تلك الطرق روحاً من أمرنا ووجه الاشتراك بينه وبين النبيين هو الوحي المتجلي في نبينا بالقرآن وفي غيره بوجه آخر.
كل ذلك يؤيد ان المراد من الروح في الآية المبحوثة هو القرآن الملقى إليه.
نعم وردت في بعض الروايات ان المراد منه هو روح القدس ولكنه لا ينطبق على ظاهر الآية لان الروح بحكم كونه مفعولا ل أوحينا يجب ان يكون شيئاً قابلا للوحي حتّى يكون موحى وروح القدس ليس موحى بل هو الموحي ( بالكسر ) فكيف يمكن أن يكون مفعولا ل أوحينا ولأجله يجب تأويل الروايات إن صحّت اسنادها.
الثاني : إن هيئة ما كنتَ أو ما كانَ تُستعمل في نفي الإمكان والشأن قال سبحانه : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 145] وقال عزَّ اسمه : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] .
وعلى ضوء هذا الاصل يكون مفاد قوله ما كُنتَ تدري ما الكتابُ ولا الايمانُ أنه لولا الوحيُ ما كان من شأنك أن تدري الكتابُ ولا الإيمان فان وقفتَ عليهما فانّما هو بفضل الوحي وكرامته.
الثالث : أن ظاهر الآية هو أن النبي الاكرم (صـلى الله علـيه وآله) كان فاقداً للعلم بالكتاب والدراية بالكتاب وانما حصلت الدراية بهما في ظل الوحي وفضله فيجب إمعان النظر في الدراية الّتي كان النبي فاقداً لها قبل الوحي وصار واجداً لها بعده فما تلك الدراية وذاك العلم؟
فهل المراد هو العلم بنزول الكتاب إليه اجمالا والايمان بوجوده وتوحيده سبحانه أو المراد العلم بتفاصيل ما في الكتاب والاذعان بها كذلك؟
لا شك انه لا سبيل إلى الأول لأنّ علمه ـ اجمالا ـ بانه ينزل إليه الكتاب أو ايمانه بوجود اللّه سبحانه كانا حاصلين قبل نزول الوحي إليه ولم يكن العلم بهما ممّا يتوقف على الوحي فان الأحبار والرهبان كانوا واقفين على نبوّته ورسالته ونزول الكتاب إليه في المستقبل إجمالا وقد سمع منهم النبي (صـلى الله علـيه وآله) في فترات مختلفة : أنه النبيّ الموعود في الكتب السماوية وانه خاتم الرسالات والشرائع فهل يصحّ أن يقال أن علمه (صـلى الله علـيه وآله) بنزول كتاب عليه إجمالا كان بعد بعثته وبعد نزول الوحي أو انه كان متقدماً عليه وعلى بعثته ومثلُهُ الإيمان باللّه سبحانه وتوحيده إذ لم يكن الإيمان باللّه امراً مشكلاً متوقفاً على الوحي وقد كان الأحناف في الجزيرة العربية ومن جملتهم رجال البيت الهاشمي موحّدين مؤمنين مع عدم نزول الوحي اليهم.
فيتعين الاحتمال الثاني وهو أن العلم التفصيلي بمضامين الكتاب وما فيه من الاصول والتعاليم ثم الايمان والاذعان بتلك التفاصيل كانا متوقفين على نزول الوحي ولولاه لما كان هناك علمٌ بها ولا ايمان.
وبعبارة اُخرى : إنّ العلم والإيمان بالأمور السمعية الّتي لا سبيل للعقل إليها مثل المعارف والاحكام والقصص ومجادلات الانبياء مع المشركين والكفار وما نزل بساحة أعدائهم من إهلاك وتدمير لا يحصلان إلاّ من طريق الوحي حتّى قصص الامم السالفة وحكاياتهم لتطرق الوضع والدّس إلى كتب القصّاصين والصحف السماوية النازلة قبل القرآن.
تفسير الآية بآية اُخرى :
إن الرجوع إلى ما ورد في هذا المضمار من الآيات يوضح المراد من عدم درايته بالكتاب أوّلا والإيمان ثانياً.
أما الأول : فيقول سبحانه : {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49] .
فالآية صريحة في أن النبي (صـلى الله علـيه وآله) لم يكن عالماً بتفاصيل الأنباء وقد وقف عليها من جانب الوحي فعبّر عن عدم وقوفه عليها في هذه الآية بقوله : {ما كُنتَ تَعْلُمها اَنتَ ولا قومُكَ} وفي تلك الآية بقوله : {ما كُنْتَ تدري مَا الْكِتاب} والفرق هو ان الكتاب أعم من أنباء الغيب والأول يشتمل على الانباء وغيرها وأما الانباء فانها مختصة بالقصص والكل مشتركان في عدم العلم بهما قبل الوحي والعلم بهما بعده.
واما الثاني فقوله سبحانه : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] .
فقوله : {آمَنَ الرسولُ بِما اُنزِلَ إليهِ} صريحٌ في أنّ متعلّق الإيمانِ الحاصل بعد الوحي هو الايمان بما اُنزل إليه أعني تفاصيل الكتاب في المجالات المختلفة لا الإيمان باللّه وتوحيده وعندئذ يرتفع الابهام في الآية الّتي تمسكت بها المخطئة ومن ينسبون عدم الإيمان باللّه وتوحيده إلى النبي قبل البعثة ويتبيّن أن متعلق الإيمان المنفيّ في قوله : ولا الإيمان هو ما اُنزل لا الايمان بالمبدأ وتوحيده.
والحاصل إن هُنا شيئاً واحداً هو : الايمان بما اُنزل من المعارف والاحكام والانباء فقد نفيَ عنَه في الآية المبحوث عنها لكونها ناظرةً إلى فترة ما قبل البعثة واثبت له في الآية الاُخرى لكونها ناظرة إلى ما بعد البعثة.
قال الطبرسي : ما كُنتَ تدري ما الكتابُ ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الايمان .
وقال الفخر الرازي : المراد من الايمان هو الاقرار بجميع ما كلّف اللّه تعالى به وانه قبل النبوة ما كان عارفاً بجميع تكاليف اللّه تعالى بل انه كان عارفاً باللّه ... ثم قال : صفات اللّه تعالى على قسمين : منها ما تمكن معرفته بمحض دلائل العقل ومنها ما لا تمكن معرفته الا بالدلائل السمعية فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوة .
وقال العلامة الطباطبائي في الميزان : ان الآية مسوقة لبيان ان ما عنده (صـلى الله علـيه وآله) الّذي يدعو إليه انما هو من عند اللّه سبحانه لا من قِبَل نفسه وإنما اُوتي ما اُوتي من ذلك بالوحي بعد النبوة فالمراد بعدم درايته بالكتاب هو عدم علمه بما فيه من تفاصيل المعارف الاعتقادية والشرائع العملية فان ذلك هو الّذي اُوتي العلمُ به بعد النبوة والوحي والمراد من عدم درايته الإيمان عدم تلبسه بالالتزام التفصيلي بالعقائد الحقة والأعمال الصالحة وقد سمّي العمل ايماناً في قوله تعالى : وَمَا كانَ اللّه لِيُضيعَ إيمانَكُمْ والمراد الصلوات الّتي اتى بها المؤمنون إلى بيت المقدس قبل النسخ وتحويل القبلة والمعنى ما كان عندك قبل وحي الروح علمُ الكتاب بما فيه من المعارف والشرائع ولا كنت متلبساً به ما انت متلبس به بعد الوحي من الالتزام التفصيلي والاعتقادي وهذا لا ينافي كونه مؤمناً باللّه موحداً قبل البعثة صالحاً في عمله فان الّذي تنفيه الآية هو العلم بتفاصيل ما في الكتاب والالتزام بها اعتقاداً وعملا لا نفي العلم والالتزام الاجماليين بالايمان باللّه والخضوع للحق .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|