أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-03
270
التاريخ: 22-3-2016
22932
التاريخ: 15-3-2018
2632
التاريخ: 27-3-2016
8512
|
لا يمثل الوقت أو الزمان الذي يقارف الجاني فيه سلوكه الارادي أهمية للمشرع الجنائي، وهذا هو الأصل، فما وجه الفرق اذا ماقارف الجاني جريمة القتل أو الضرب أو الجرح أو الاحتيال في الليل أو في النهار ما دامت خطورة الفعل على الحق الذي يحميه القانون تظل ثابتة له ايّاً كان وقت ارتكابه وتنفيذه. بيد أن المشرّع يقدر في بعض الجرائم أن الفعل لا يشكل خطراً على الحق الذي يجرّم القانون اهداره الا اذا ارتكب الجاني جريمته في وقت أو في زمن معين، فلا تقوم الجريمة ولا تنطوي على خطر يهدد الحق محل الحماية الا بارتكابها في ذلك الوقت دون غيره؛ فيصير ذلك الوقت بمثابة شرط (أو عنصر) مفترض لازم لقيام الجريمة. وفي الواقع أن الغلط في زمان السلوك هو أمر لا يحصل كثيراً وباستمرار، وذلك لأن الوقت بطبيعته لا يقبل اللبس في معناه ولا الالتباس في مفهومه الصحيح المستقر في الاذهان، نظراً لوضوح الظروف وبساطة التعابير والمعايير التي تحدد مفهومه. ولكن ذلك لا يحول دون وجود ذلك اللبس والالتباس في بعض الجرائم التي يحتمل زمن ارتكابها أكثر من تأويل في تحديده، الأمر الذي يفسح المجال لوقوع الجاني في حالة من الخلط أو الشطط أو الغلط في ذلك الزمن أو الوقت (1) . وعلى الرغم مما تقدم، يكتسب الزمان فضلاً عن أهميته في كونه شرطاً (أو عنصراً) في الأُنموذج الاجرامي في الحالات التي يقتضيها المشرّع أحياناً، أهمية أخرى بوصفه يمثل شرطاً للعقاب أحياناً، كما في حالة ضبط السكران وهو في حالة سكر بيّن، اذ يجب أن يضبط في وقت التلبُّس بالذات لكي يستحق العقاب على وفق ما تنص عليه (المادة/386 /1 من قانون العقوبات العراقي) والمادة (385/2 من قانون العقوبات المصري). هذا علاوة على كون الوقت يؤدي دوراً بوصفه ظرفاً مشدداً أو مخففاً للعقاب؛ فظرف ارتكاب السرقة في الليل يشدد عقوبتها. كما أنه يدخل بكونه عنصراً محدداً لأحد موانع العقاب، وهو الرد على الســــب غير العلني، اذ يجب لإعفاء الجاني من العقاب في حالة ردّه على السب أن يحصل ذلك فور البدء بالسب من جانب من ثم الرد عليه في أثناء دفاعه عن حقوقه أمام المحاكم وسلطات التحقيق أو الهيئات الأخرى، أو حالة الرد عليه في حالة غضب فور وقوع الاعتداء الظالم عليه (المادة/436/1/2 عقوبات عراقي) والمادة (394/1 عقوبات مصري). وتظهر أهمية الزمن في حالات أخرى كثيرة، كحالة تعاقب القوانين وتحديد القانون الواجب تطبيقه، وحالة الدفاع الشرعي، وحالة التقادم وغيرها. بيد أن الذي يعنينا ويهمنا في هذا المقام هو الزمان بوصفه شرطاً (أو عنصراً) يدخل في تأليف أُنموذج الجريمة فحسب. وهو اما أن يتحدد في الأُنموذج ((صراحةً)) واما أن يتحدد ((ضمناً)) (2) .
1. الشرط المحدد صراحة لزمان السلوك في أُنموذج الجريمة
لعل من قبيل التحديد الصريح ما أوجبته بعض المواد القانونية من اشتراط أن تقع الجرائم في ((زمن الحرب)) أو في ((أثناء الحرب)) أو (( زمن النفير))(3) .او في((زمن الحركات العسكرية أو ((عند مجابهة العدو)) ونحوها. ومثال ذلك (المادة/157 عقوبات عراقي) التي تعاقب بالاعدام كل مواطن يلتحق بأي وجه بصفوف العدو أو بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع العراق. وكذلك (المادة/161 عقوبات عراقي) التي تعاقب بالسجن المؤبد من حرّض الجند في زمن الحرب على الانخراط في خدمة دولة أجنبية أو سهّل لهم ذلك، وبالاعدام كل من ساعد دولة في حالة حرب مع العراق في جمع الجند أو الاشخاص أو الأموال أو المؤن أو العتاد. وكذلك (المادة/165 عقوبات عراقي) التي تعاقب بالسجن المؤقت من التحق بغير اذن من الحكومة بحشد عسكري لدولة في حالة حرب مع دولة أجنبية. ومثل ذلك (المادة/167/2 عقوبات عراقي) التي تعاقب بالسجن المؤبد والغرامة الجاني المكلف بخدمة عامة اذا طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو اخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها نقوداً أو أية منفعة أخرى أو وعداً بشئ من ذلك بقصد ارتكاب عمل يعلم أن من شأنه الاضرار بمصلحة وطنية، اذا أُرتكبت الجريمة في زمن الحـــــــــــــرب. أما (المادة/171 عقوبات عراقي) فهي تشدد عقوبة الحبس بما لا يزيد على ضعف الحد الاقصى لها اذا تسبب الجاني في زمن الحرب باهماله أو رعونته أو عدم انتباهه اوعدم مراعاته القوانين والانظمة في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المـــــــواد (156 – 169)منه والماسة بأمن الدولة الخارجي. ولو ألفينا (المادة/172 عقوبات عراقي) لوجدناها تعاقب بالسجن المؤقت كل من قام مباشرة أو عن طريق بلد آخر في زمن الحرب بتصدير بضاعة أو منتوج أو أي مال آخر الى بلدٍ معادٍ أو قام باستيراد ذلك منه. ومثل ذلك ما انطوت عليه (المادة/174/1 عقوبات عراقي) من تحديد لوقت وقوعها بصفته شرطاً لا تقوم بخلافه؛ فهي لا تقع الا اذا حصل اخلال عمدي في زمن الحرب أو في زمن الحركات العسكرية الفعلية بتنفيذ كل أو بعض الالتزامات التي يفرضها على الجاني عند مقأولة أو نقل أو تجهيز أو التزام أو اشغال عامة ارتبط بها مع الحكومة أو مع احدى المؤسسات العامة ذات النفع العام لحاجات القوات المسلحة أو للحاجات الضرورية للمدنيين. أمــــــــا (المادة/210 عقوبات عراقي) فانها تعاقب بالحبس والغرامة من أدى اهماله في اداء الواجب في أثناء الحرب الى اذاعة أخباراً أو بيانات أو اشاعات كاذبة ومغرضة أو بث دعايات مثيرة، اذا كان من شأن ذلك تكدير الامن العام أو القاء الرعب بين الناس أو الحاق الضرر بالمصلحة العامة.
أما قانون العقوبات العسكري العراقي رقم (13) لسنة 1940 فهو زاخر بالأحكام المتعلقة بالجرائم التي تمثل فيها تعابير الزمن أهمية كبيرة، كزمن الحرب أو النفير أو الحركات العسكرية أو مجابهة العدو، (فالمادة/50 عقوبات عسكري) قد أوجبت أن تحصل جريمة غش مذخرات الجيش في ((زمن الحرب)) ليحق العقاب على الفاعل، فنصّت على أنه: ((كل من ركن الى الغش أو الاحتيال عند تسليمه مذخرات عسكرية في زمن الحرب يحكم عليه بالحبس مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة)). وأكثر من ذلك، خصصت المواد من (49-66) من هذا القانون لحالات معاونة العدو أو الاضرار بالجيش أو ايقاع الجيش في خطر أو التغيب والهروب أو اعطاء وثائق مزورة باكمال الخدمة، في وقت النفير أو الحرب. أما (المادة/79/2 عقوبات عسكري) فقد نصت على حالة الاصرار على عدم اطاعة الاوأمر في ((اثناء النفير)) أو في ((مجابهة العدو)) وجعلت العقوبة في هاتين الحالتين مشدّدة. وقد قضت (المادة / 83 عقوبات عسكري) في الفقرة (1) بتشديد العقوبة اذا كان اعتداء الجاني قد حصل اثناء قيام الضابط الأرفع منه رتبة بالوظيفة أو في أثناء تجمع الافراد ، وقضت الفقرة (2) بتشديد العقوبة أكثر اذا حصل الاعتداء في ((أثناء النفير)). وقضت(المادة 85/ 3 عقوبات عسكري) بعقوبة الاعدام لجريمة التحريض على العصيان في ((أثناء النفير)). أما (المادة/91 عقوبات عسكري) فتعاقب بالاعدام على جريمة العصيان العسكري فــــي((أثناء النفير))،زكذلك(المادة/92)منه تعاقب بالاعدام على ذلك العصيان عند ((مجابهة العدو)). وقضت (المادة/117/2 منه) بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة على كل من يرتكب جريمة سرقة المواد أو الأرزاق أو النقود العسكرية في ((زمن النفير)) أو ((زمن الحركات الفعلية)) أو ((زمن الحرب)). وكذلك نجد أن (المادة/120 منه) تشدّد عقوبة الأمر أو الحرس الى الاعدام اذا ارتكب جريمة الاهمال أو القصد وكان من المحتمل أن ينشأ ضرر من ذلك الاهمال أو القصد، في حالة ((مجابهة العدو)). ومن قبيل التحديد الصريح للزمن ما اوجبته (المادتان/442 و443/ثانياً/ثالثاً/رابعاً عقوبات عراقي) والمادة (317/4 عقوبات مصري) من اشتراط وقوع السرقة ((ليلاً)) في سبيل تشديد العقوبة على السارق. واشتراط قتل الحيوانات ((ليلاً)) في (المادة/356 عقوبات مصري)، واتلاف المزروعات ((ليلاً)) في (المادة/368 عقوبات مصري) بوصفه ظرفاً مشدداً للعقوبة. ومن قبيل ذلك أيضاً ما استلزمه القانون في سبيل عد القتل جنحة بدل الجناية من ضرورة أن يحدث القتل من جانب الزوج ((في الحال)) أثر مفاجأة زوجته متلبسة بالزنا أو موجودة في فراش واحد مع شريكها، أو كل من يفاجأ احدى محارمه بذلك كما نصّت (المادة/409 عقوبات عراقي) على ذلك. أما (المادة/445 عقوبات عراقي) فتعاقب بالسجن ((على السرقة التي ترتكب في (اثناء خطر عام) أو(هياج) أو(فتنة) أو(كارثة) من قبل أحد أفراد القوات المسلحة أو الحراس الليليين المكلفين بحفظ الامن (اثناء قيامهم بواجباتهم) )) (4) .
2. الشرط المحدد ضمناً لزمان السلوك في أُنموذج الجريمة
ان وقت ارتكاب السلوك يمكن استخلاصه من بعض الكلمات التي يوردها المشرّع في بعض النصوص القانونية وتكون ذات دلالة واضحة على وقت معين دون غيره. ومثال ذلك كلمة ((العدو)) التي تعني أن السلوك واجب اتخاذه عادةً في زمن الحرب، ومثل ذلك مانصّت عليه (المادة/160 عقوبات عراقي) بقولها: ((يعاقب بالاعدام كل من ساعد العدو على دخول البلاد أو على تقدمه فيها... وكذلك كل من سلم أحد أفراد القوات المسلحة الى العدو))، وكذلك ما نصّت عليه (المادة/162 عقوبات عراقي) بقولها: ((يعاقب بالاعدام كل من سهّل للعدو دخول البلاد أو سلّمه جزءً من اراضيها أو مؤنها أو... )). ويعد زمان السلوك محدداً ضمناً في المخالفة المنصوص عليها في (المادة/492 عقوبات عراقي) التي تنص على أنه: ((يعاقب بغرامة... من وضع اعلاناً في غير المحلات المأذون بوضع الاعلانات فيها أو نزع أو أتلف أو شوّه بغير حق اعلاناً موضوعاً في تلك المحلات)). وهذه المخالفة تقع ممن ينزع أو يمزّق الاعلانات الملصقة على الحيطان بموافقة الجهات المختصة أو أنه يصيّرها لا تُقرأ، اذ المفهوم ضمناً انه يجب لتحقيق هذه المخالفة ان تكون الغاية والحاجة من الاعلانات لا تزال قائمة ولم ينتهِ الوقت المحدد الذي يكون الاعلان في خلاله مجدياً. ونجد هذا الأمر واضحاً في نص (المادة/239 عقوبات عراقي) اذ: ((يعاقب بالحبس... كل من نزع أو مزّق أو اتلف عمداً اعلاناً أو بياناً معلناً بأمر المحكمة أو السلطة القضائية أو موظف أو مكلف بخدمة عامة)). فيتعين أن تقع الجريمة في المدة (الوقت) التي تحددها المحكمة أو السلطة القضائية أو الموظف أو المكلف بخدمة عامة، أو في المدة التي يكون فيها الاعلان أو البيان مازال نافعاً ومجدياً وقائماً، فلو أعلنت المحكمة عن تبليغ أحد الهاربين ودعوته لحضور المرافقة الخاصة بجريمته فان اتلاف الاعلان بعد تبلغ الهارب وحضوره المرافعة لا يشكل جريمة. ومثال على الجرائم التي يمثل الزمن فيها أهمية قانونية ما قضت به (المادة/229 عقوبات عراقي) بقولها: ((يعاقب بالحبس كل من أهان أو هدد موظفاً أو أي شخص مكلف بخدمة عامة أو مجلساً أو هيئة رسمية أو محكمة قضائية أو ادارية أثناء تأدية واجباتهم أو بسبب ذلك))، وكذلك (المادة/230 منه) بقولها: ((يعاقب بالحبس... كل من اعتدى على موظف أو أي مكلف بخدمة عامة أو مجلس أو هيئة رسمية أو محكمة قضائية أو ادارية اثناء تأدية واجباتهم أو بسبب ذلك...)). وهكذا نجد أن القانون يعاقب على هاتين الجريمتين اللتين ترتكبا بحق الموظف ((بسبب تأدية واجبه)) بالعقوبة نفسها المقررة لها اذا ارتكبت ((في أثناء تأدية واجبه))، إلاّ أن الصورة الاخيرة تمس كرامة الوظيفة بصورة كبيرة وواضحة ومؤثرة لأنها تورث الاضطراب في الخدمة العامة وتتضمن الازدراء وتنطوي على الاستهانة بالسلطة. ولذا يتعين في الصورة الأولى على المحكمة أن تبين في حكمها ان التعدي قد وقع على الموظف في الوقت والزمن المحدد نفسه والذي كان يؤدي فيه أعمال وظيفته، وعليها أن تبين الظروف التي ركنت اليها في استنتاج ذلك. وان الوقت الذي يعتمده الفقه في تحديد مباشرة الموظف فيه وظيفته العمومية هو الوقت الذي يؤدي فيه الموظف أعماله بصفته موظفاً عمومياً، بأن يؤدي عمله داخلا في اختصاصه وشؤون وظيفته وضمن سلطته ومسؤوليته. ومن الموظفين من لا يباشر أعمال وظيفته إلاّ بصفة وقتية، فلا يعد أحدهم في ((أثناء تأدية وظيفته)) إلاّ اذا كان قائماً بالعمل الذي تقضي به الوظيفة ضمن المدة التي كان يعمل خلالها. ومن الموظفين من يدل مظهرهم الخارجي على أنهم يباشرون وظائفهم، ومنهم من لايدل مظهرهم الخارجي ولاتصرفاتهم على أنهم يؤدون عملا من أعمال وظيفتهم على حين قد يباشروا أعمال تلك الوظائف دون أن يكون لهم مثل ذلك المظهر، الأمر الذي يوحي بأن الوقت أو الزمن الذي يؤدي به الموظف أعمال وظيفته يمكن أن يكون موضع لبس وتأو يل، فيرتكب الجاني سلوكه الجرمي بحق الموظف معتقداً اعتقاداً يشوبه الغلط بأنه ليس في الوقت الذي يباشر فيه تأدية وظيفته بما يتعذر معه نسبة القصد الجرمي اليه، وان أمكن نسبة جريمة القذف أو السب واسنادها اليه اذا تكاملت شروطها القانونية. وبناءً على ذلك، إذا وقعت الجريمة ضد قاضٍ فاننا نتصور وقوعها ((في أثناء انعقاد جلسات المرافعة)) أو ((في أثناء وجوده في غرفته قبل أو بعد المرافعات)) عند ممارسة أعمال وظيفته في التحقيق أو اعداد واصدار القرارات أو قراءة الدعوى أو الطلبات أو عرائض الدعاوي، واذا ارتكبت بحق أحد المخمنين في الضريبة فنتصور وقوعها ((في أثناء خروجه للكشف على العقار)) أو ((في أثناء قيامه باعداد التقرير في دائرة الضريبة)). أما عبارة ((أو بسببها)) الواردة في النصّين المذكورين آنفاً فانها تفتح الباب على مصراعيه لتصور كل الأماكن التي يمكن أن يوجد فيها المجنى عليه الذي وقع عليه الاعتداء بسبب وظيفته، فقد يقع عليه الاعتداء وهو في البيت أو الشارع أو المقهى، فينطبق عليه النص مادام الاعتداء يرتبط برابطة السببية مع وظيفة المجني عليه ومسؤوليته والزمان الذي كانت له فيه هذه الوظيفة والمسؤولية. ومثال قانوني آخر لحالة الغلط في زمان السلوك يمكن تلمسه في ثنايا جريمة اعطاء صك من دون رصيد المنصوص عليها في (المادة/459/1/2/3 عقوبات عراقي)، اذ استلزم المشرّع في هذا النص أن يعطي الجاني الى المجنى عليه بسوء نيّة صكّاً وهو يعلم في وقت أو زمان اعطائه بأنه ((ليس له مقابل وفاءٍ كافٍ قائمٍ وقابلٍ للتصرّف فيه))، أو أن يُظَهِّر الجاني لغيره صكّاً أو يسلمّه صكّاً مستحق الدفع لحامله وهو يعلم في وقت وزمان ذلك أنه ((ليس له مقابل يفي بكل مبلغه)). أي أن يكون هناك تعاصر زمني بين لحظة اعطاء الصك ولحظة عدم وجود مقابل الوفاء. وهكذا يتعين أن يثبت للمحكمة بأن الجاني كان عالماً علماً فعلياً صحيحاً بماهية الوقت الذي يباشر فيه باعطاء الصك، أي يكون عالماً بأنه يعطي صكاً في الوقت الذي ليس له فيه رصيد كاف مقابلٍ للوفاء، على اعتبار أن ذلك الوقت يمثل شرطاً (أو عنصراً) مفترضاً لقيام الجريمة واذا ما اعتقد الفاعل اعتقاداً زائفاً أن له رصيد كافٍ وقت تحرير الصك أو تظهيره واعطائه، فان من شأن غلطه هذا أن ينفي عنه القصد الجرمي. ولذلك يتحقق القصد الجرمي (سوء النيّة) في هذه الجريمة بمجرد علم الساحب أنه ((في وقت اصدار الصك)) لم يكن له مقابل وفاء قابل للسحب. فاذا كان غلط الساحب بمقدار مقابل الوفاء بحسن نيّة ومبنياً على أسباب سائغة مقبولة ومعقولة فلا تقوم الجريمة لتخلّف القصد الجرمي لديه. أما بالنسبة لجرائم الامتناع (الجرائم السلبية)، فان عنصر الزمن فيها يعد لازماً لوجودها دوماً، لأنه لابد لقيام هذه الجرائم من وقت معين ينهض فيه الجاني الممتنع بالتزام معين، وقد تكون مدة الالتزام محدّدة بوقت معين تنتهي عنده حالة الالتزام القانوني أو العرفي أو الاتفاقي، أو قد يكون الالتزام لازماً ابتداءً من وقت معين من دون أن ينتهي في وقت محدّد، فنكون حينئذ بصدد جريمة سلبية مستمرة. وتظهر أهمية عنصر الزمن في هذا النوع من الجرائم من ناحية أن تنفيذ الالتزام بعد الوقت الذي كان محدداً للنهوض به، يعد كعدم تنفيذ. وقد نصّت (المادة/34/أ عقوبات عراقي) على هذا المعنى بقولها: ((... وتعد الجريمة عمدية كذلك أ. اذا فرض القانون أو الاتفاق واجباً على شخص وامتنع عن اداءه قاصداً احداث الجريمة التي نشأت مباشرة عن هذا الامتناع)). ويلزم أحياناً لتوافر جريمة ما في هذا السياق أن يكون السلوك المكوّن لها بحسب أُنموذجها قد امتد مدة معقولة لا يعد قد تحقق من دونها، كما هو الحال في جريمة ترك الموظف أو المكلف بخدمة عامة عمله ولو بصورة الاستقالة، أو امتنع عمداً عن واجب من واجبات وظيفته أو عمله متى كان من شأن الترك أو الامتناع أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، أو كان من شأن ذلك ان يحدث اضطراباً أو فتنة بين الناس، أو اذا عطّل مرفقاً عاماً (المادة/364/1 عقوبات عراقي)، اذ يفترض أن يكون هذا الترك قد حدث مدة تطول الى درجة يسوّغ معها القول بأن ترك العمل قد حدث على نحو يحقق معنى الجريمة المذكورة. وليس المقصود بالترك الذهاب لأخذ قدح من الشاي في مقهى مجاور لمقر العمل ثم العودة مثلاً (5) .
___________________
1- د. فخري عبد الرزاق الحديثي-شرح قانون العقوبات/القسم الخاص-مطبعة الزمان-بغداد-1996– ص 278. ويُنظر: د. محمد زكي محمود-آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية-دار الفكر العربي للطباعة والنشر-1967–ص 156 – 158. و د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998 – ص 565.
2- د. نظرية التجريم في القانون الجنائي-معيار سلطة العقاب تشريعيا وتطبيقيا-منشأة المعارف-الأسكندرية-1971– ص669 ومابعدها. ويُنظر: د. محمد زكي محمود-آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية-دار الفكر العربي للطباعة والنشر-1967- ص 157.
3- نصّت المادة/8/أ من قانون العقوبات العسكري العراقي) على مايلي: ((النفير هو دعوة المكلفين في الاحتياط بعضهم أو كلهم الى الخدمة في الجيش عند اعتداء خارجي ويشمل الحركات الفعلية أيضاً)).
4- ينظر موقف قانون العقوبات المصري في مصدر: د. رمسيس بهنام – النظرية العامة للقانون الجنائي – ص669 -671. ود. محمد زكي محمود – المصدر السابق – ص 157.
5- يُنظر بالنسبة لموقف قانون العقوبات المصري من الموضوع : د. نظرية التجريم في القانون الجنائي-معيار سلطة العقاب تشريعيا وتطبيقيا-منشأة المعارف-الأسكندرية-1971– ص669 -672. ود. محمد زكي محمود – المصدر السابق – ص 156-163. أما موقف قانون العقوبات اللبناني فيُنظر: د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998– ص533.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|