المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الجهاد الفكري والعلمي للإمام السجاد "عليه السّلام"
12/10/2022
مكتب العلاقات الدولية
21-7-2022
تفسير ظاهرة المد والجزر عند شهاب الدين النويري
2023-07-11
ارتباط طردي Direct Correlation
27-10-2015
أحمد بن إبراهيم النوبختي
24-8-2016
معنى كلمة كعب
14-12-2015


إبراهيم محطِّم الأَصنام  
  
21520   01:51 مساءً   التاريخ:
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : سيد المرسلين
الجزء والصفحة : ج‏1،ص133-141.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) / آبائه /

لقد حلَّ موسم العيد وخرج أهلُ بابل المغفّلين الجهلة إلى الصحراء للاستجمام ولقضاء فترة العيد وإجراء مراسيمه وقد أخلوا المدينة.

ولقد كانت سوابق إبراهيم وتحامله على الأصنام واستهزاؤه بها قد أوحدت قلقاً وشكاً لدى أهل بابل ولهذا طلبوا منه ـ وهم الذين يساورهم القلق من موقفه تجاه اصنامهم ـ الخروج معهم إلى الصحراء والمشاركة في تلك المراسيم ولكن اقتراحهم هذا بل إصرارهم واجه رفض إبراهيم الّذي رد على طلبهم بحجة المرض إذ قال : {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وهكذا لم يشترك في عيدهم وخروجهم وبقي في المدينة.

حقاً لقد كان ذلك اليوم يوم ابتهاج وفرح للموحد والمشرك وأمّا للمشركين فقد كان عيداً قديماً عريقاً يخرجون للاحتفال به واقامة مراسيمه وتجديد ما كان عليه الآباء والاسلاف إلى الصحراء حيث السفوح الخضراء والمراع الجميلة.

وكان عيداً لإبراهيم بطل التوحيد كذلك عيداً لم يسبق له مثيل عيداً طال انتظارُه وافرح حضوره وحلوله فها هو إبراهيم يجد المدينة فارغة من الاغيار والفرصة مناسبة للانقضاض على مظاهر الشرك والوثنية وحدث هذا فعلا.

فعندما خرج آخر فريق من اهل بابل من المدينة إغتنم إبراهيم تلك الفرصة ودخل وهو ممتلئ ايماناً ويقيناً باللّه في معبدهم حيث الأصنام والأوثان المنحوتة الخاوية وأمامها الأطعمةُ الكثيرة الّتي احضرها الوثنيون هناك بقصد التبرك بها وقد لفتت هذه الأطعمة نظر الخليل (عليه‌ السلام) فأخذ بيده منها كسرة خبز وقدمها مستهزئ إلى تلك الاصنام قائلا : لماذا لا تأكلون من هذه الاطعمة؟

ومن المعلوم أن معبودات المشركين الجوفاء هذه لم تكن قادرة على فعل اي شيء أو حركة مطلقاً فكيف بالأكل.

لقد كان يخيم على جوّ ذلك المعبد الكبير سحابة من الصمت القاتل ولكنه سرعان ما اخترقته اصوات المعول الّذي اخذ إبراهيم يهوي به على رؤوس تلك التماثيل الجامدة الواقفة بلا حراك وايديها.

لقد حطم الخليل (عليه‌ السلام) جميع الاصنام وتركها ركاماً من الاعواد المهشمة والمعدن المتحطم وإذا بتلك الاصنام المنصوبة في اطراف ذلك الهيكل قد تحولت إلى تلة في وسط المعبد.

غير ان ابراهيم ترك الصنم الأكبر من دون ان يمسه بسوء ووضع المعول على عاتقه وهو يريد بذلك ان يظهر للقوم بأن محطِمَ تلك الأَصنام هو ذلك الصنمُ الكبير إلاّ أن هدفه الحقيقي من وراء ذلك كان امراً آخراً ... .

لقد كان إبراهيم (عليه‌ السلام) يعلم بأنَّ المشركين بعد عودتهم من الصحراء ومن عيدهم سيزورون المعبد وسوف يبحثون عن علة هذه الحادثة وأنهم بالتالي سوف يرون ان وراء هذه الظاهرة واقعاً آخر إذ ليس من المعقول ان يكون صاحب تلك الضربات القاضية هو هذا الصنم الكبير الّذي لا يقدر اساساً على فعل شيء على الاطلاق.

وفي هذه الحالة سوف يستطيع إبراهيم (عليه‌ السلام) أن يستفيد من هذه الفرصة في عمله التبليغي ويستغل اعتراضهم بأن هذا الصنم الكبير لا يقدر على شيء أبداً لتوجيه السؤال التالي اليهم : اذن كيف تعبدونه؟!!

فمنذ أن اخذت الشمس تدنو إلى المغيب ويقتربُ موعد غروبها وتتقلص اشعتها وتنكمش من الرَّوابي والسهول أخذَ الناسُ يؤوبون إلى المدينة أفواجاً افواجاً.

وعند ما آن موعد العبادة وتوجّهوا إلى حيث اصنامهم واجهوا منظراً فضيعاً وامراً عجيباً لم يكونوا ليتوقّعونه!!

لقد كان المشهد يحكي عن ذلة الآلهة وحقارتها وهو أمرٌ لفت نظر الجميع شيباً وشبّاناً كباراً وصغاراً .. ولقد كانت تلك اللحظة لحظة ثقيلة الوطأة على الجميع بلا استثناء , فقد خَيَّم سكوتٌ قاتلٌ مصحوب بحنق ومضض على فضاء ذلك المعبد المنكود الحظ .. إلا أن أحدهم خرق ذلك الصمت الرهيب وقال : من الّذي ارتكب هذه الجريمة ومن فعل هذا بالهتنا؟!

ولقد كانت آراء إبراهيم ومواقفه السلبية السابقة ضد الاصنام وتحامله الصريح عليها تبعثهم على اليقين بأن إبراهيم وليس سواه هو الّذي صنع ما صنع بآلهتم واصنامهم.

ولأجل ذلك تشكلت فوراً محكمة يرأسها نمرود نفسه وأخذوا يحاكمون ابراهيم واُمه!! ولم يكن لاُمه من ذنب إلا أنها أخفت ابنها ولم تُعلِم السلطات بوجوده ليقضوا عليه شأنه شأن غيره من المواليد الذين قضت تلك السلطة الظالمة عليهم حفاظاً على نفسها وكيانها.

ولقد أجابت اُم إبراهيم على هذا السؤال بقولها : أيها الملك فعلت هذا نظراً مني لرعيّتك فقد رأيتك تقتل أولاد رعيّتك فكان يذهب النسل فقلت : إن كان هذا الّذي يطلبه دفعتُه إليه ليقتله ويكف عن قتل أولاد الناس وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا.

ثم جاء دور مساءلة إبراهيم (عليه‌ السلام) فسأله قائلا : {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} [الأنبياء: 59] يا إبْراهيْم فقال إبراهيم : {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63].

وقد كان إبراهيم (عليه‌ السلام) يهدف من هذه الاجابة اللامبالية المصحوبة بالسخرية والازدراء هدفاً آخر وهو ان إبراهيم (عليه‌ السلام) كان على يقين بأنهم سيقولون في معرض الاجابة على كلامه هذا : إنك تعلم يا إبراهيم ان هذه الأصنام لا تقدر على النطق وفي هذه الصورة يستطيع إبراهيم أن يُلفت نظر السلطات الّتي تحاكمه إلى نقطة اساسية.

وقد حدث فعلا ما كان يتوقعه إبراهيم (عليه‌ السلام) لما قالوا له وقد نكسوا على رؤوسهم : {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 65] فقال إبراهيم رداً على كلامهم هذا الّذي كان يعكس حقارة تلك الاصنام والأوثان وتفاهة شأنها : { أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 66، 67] إلاّ أنَّ تلك الزمرة المعاندة الّتي ران على قلوبها الجهلُ والتقليدُ الأعمى لم يجدوا جواباً لأبراهيم الّذي افحمهم بمنطقه الرصين الاّ أن يحكموا بإعدامه حرقاً فأَوقدوا ناراً كبيرة وألقوا بإبراهيم (عليه‌ السلام) فيها إلاّ أن العناية الالهية شملت إبراهيم الخليل (عليه‌ السلام) وحفظته من اذى تلك النار وحولت ذلك الجحيم الّذي اوجده البشر إلى جُنينة خضراء نضرة إذ قال : {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69].

مع ان اليهود يعتبرون أنفسَهم في مقدمة الموحِّدين لم ترد هذه القصة في ثوراتهم الحاضرة رغم كونها معروفة بينهم بل تفرّد القرانُ الكريم من بين الكتب السماوية بذكرها لأهميتها.

من هنا فإننا نذكرُ بعض النقاط المفيدة والدروس المهمة في هذه القصة الّتي يَهدِفُ القرآن من ذكرها وذكر امثالها من قصص الأنبياء والرسل.

1 ـ إن هذه القصة خير شاهد على شجاعة إبراهيم الخليل (عليه‌ السلام) وبطولته الفائقة.

فعزم ابراهيم على تحطيم الاصنام ومحق وهدم كل مظاهر الشرك والوثنية المقيتة لم يكن امراً خافياً على النمروديين لأنه (عليه‌ السلام) كان قد أظهر شجبه لها واعلن عن استنكاره لعبادتها وتقديسها من خلال كلماته القادحة فيها واستهزائه بها فقد كان (عليه‌ السلام) يقول لهم بكل صراحة بانه سيتخذ من تلك الاصنام موقفاً مّا إذا لم يتركوا عبادتها وتقديسها فقد قال لهم يوم ارادوا ان يخرجوا إلى الصحراء لمراسيم العيد : {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] , ولقد كان موقف الخليل (عليه‌ السلام) ينم عن شجاعة كبرى فقد قال الإمام الصادق (عليه‌ السلام) في هذا الصدد :  ومنها ( اي وممّا تحلّى به النبيّ ابراهيم ) الشجاعة وقد كشفت ( قضيةُ ) الاصنام عنه ومقاومة الرجل الواحد اُلوفاً من أعداء اللّه عزّ وجلّ تمام الشجاعة .

2 ـ ان ضربات إبراهيم القاضية وان كانت في ظاهرها حرباً مسلحة وعنيفة ضد الاصنام إلا أن حقيقة هذه النهضة ـ كما يُستفاد من ردود إبراهيم على أسئلة الذين حاكموه واستجوبوه ـ كانت ذات صبغة تبليغية دعائية.

فان إبراهيم لم يجد وسيلة لا يقاظ عقول قومه الغافية وتنبيه فطرهم الغافلة إلا تحطيم جميع الاصنام وترك كبيرها وقد علق القدوم على عاتقه ليدفع بقومه إلى التفكير في القضية من اساسها وحيث أن العمل لم يكن اكثر من مسرحية إذ لا يمكن أن يصدق أحدهم بأن تلك الضربات القاضية كانت من صنع ذلك الصنم الكبير وفعله حينئذ يستطيع إبراهيم أن يستثمر فعله هذا في دعوته ويقول انَّ هذا الصنم الكبير لا يقدر ـ وباعترافكم ـ على فعل أيّ شيء مهما كان صغيراً وحقيراً فكيف تعبدونه اذن؟!

ولقد استفاد إبراهيم من هذه العملية فعلا وتوصل إلى النتيجة الّتي كان يتوخاها فقد ثابوا إلى نفوسهم بعد ان سمعوا كلمات إبراهيم (عليه‌ السلام) واستيقظت ضمائرهم وعقولهم ووصفوا انفسهم بالظلم بعد أن تبيّن لهم الحق وبطل ما كانوا يعبدون إذ قال تعالى : {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء: 64] وهذا بنفسه يفيد بأن سلاح الانبياء القاطع في بدء عملهم الرسالي كان هو : سلاح المنطق والاستدلال ليس إلا غاية الأمر أن هذا كان يؤدي في كل دورة بما يناسبها من الوسائل وإلاّ فما قيمة تحطيم عدد من الأَصنام الخشبية بالقياس إلى مخاطرة النبيّ ابراهيم الخليل بنفسه وحياته وبالقياس إلى الاخطار الّتي كانت تتوجه إليه نتيجة هذا العمل الصارخ.

إذن فلابد ان يكون وراء هذه العملية الخطيرة هدفٌ كبيرٌ وخدمة عظمى تستحق المخاطرة بالنفس ويستحق المرء امتداح العقل له إذا عرّض حياته للخطر في سبيلها.

3 ـ لقد كان إبراهيم يعلم بأن هذا العمل سيؤدي بحياته وسيكون فيه حتفه فكانت القاعدة تقتضي أن يسيطر عليه قلقٌ واضطرابٌ شديدان فيتوارى عن اُعين الناس أو يترك المزاح والسخرية بالأَصنام على الأقل ولكنه كان على العكس من ذلك رابط الجأش مطمئن النفس ثابتَ القدم فهو عندما دخَلَ في المعبد الّذي كانت فيه الأصنامُ تقدم بقطعة من الخبز إلى الاصنام ودعاها ساخراً بها إلى الاكل وثم ترك الأَصنام بعد اليأس منها تلاّ من الخشب المهشم واعتبر هذا الامرَ مسألة عادية لا تستأهل الوَجلَ والخوف وكأنه لم يفعل ما يستتبع الموت المحقَّق ويستوجب الاعدام المحتّم.

فهو عندما يأخذ مكانه امام هيئة القضاة يقول معرضاً بالاصنام : فعله كبير الأصنام فاسئلوه ولا شك أن هذا التعريض والسخرية بالاصنام إنما هو موقف من لا يوجس خيفة ولا يشعر بوجَل من عمله بل هو فعل من قد هيّأ نفسه لكل الاخطار المحتملة واستعد لكل النتائج مهما كانت خطيرة.

بل الأعجبُ من هذا كله دراسة وضع إبراهيم نفسه حينما كان في المنجنيق وقد تيقّن أنه سيكون وسط ألسنة اللهب بعد هنيئة وتلتهمه النار المستعرة تلك النار الّتي جمع اهل بابل لها الحطب الكثير تقرباً إلى آلهتهم وكانوا يعتبرون ذلك العمل واجباً مقدساً ... تلك النار الّتي كان لهيبا من القوة بحيث ما كانت الطيور تستطيع من التحليق على مقربة منها.

في هذه اللحظة الخطيرة الحساسة جاءه جبرئيل واعلن عن استعداده لانقاذه وتخليصه من تلك المهلكة الرهيبة قائلا له : هل لك إليّ من حاجة؟

فقال إبراهيم : أما إليك فلا وأما إلى ربِّ العالمين فنعم .

ان هذا الجواب يجسِّدُ ايمان إبراهيم العظيم وروحه الكبرى.

لقد كان نمرود الّذي جلس يراقب تلك النار من عدة فراسخ ينتظر بفارغ الصبر لحظة الانتقام وكان يحب ان يرى كيف تلتهم ألسنة النار إبراهيم . فما أرهب تلك اللحظات!

لقد اشتغل المنجنيقُ وبهزّة واحِدة اُلقي بإبراهيم (عليه‌ السلام) في وسط النار غير أَن مشيئة اللّه وارادته النافذة تدخلت فوراً لتخلص خليل اللّه ونبيه العظيم فحوّلت تلك النّار المحرقة الّتي أوقدتها يَدُ البشر إلى روضة خضراء وجنينة زاهرة ادهشت الجميع حتّى أَنَّ إبراهيم التفت إلى آزر وقال ـ من دون ارادته ـ : يا آزر ما اكرم إبراهيم على ربّه .

إن انقلاب تلك النّار الهائلة إلى روضة خضراء لإبراهيم قد تمّ بأمر اللّه المسبب للإسباب والمعطل لها متى شاء المعطي لها آثارها والسالب عنها ذلك متى اراد.

اجل إن اللّه الّذي منح الحرارة للنّار والاضاءة للقمر والاشعاع للشمس لقادر على سلب هذه الآثار وانتزاعها من تلك الاشياء وتجريدها ولهذا صحَّ وصفُه بمسبب الاسباب ومعطلها.

غير ان جميع هذه الحوادث الخارقة والآيات الباهرة لم تستطع ان توفر لابراهيم الحرية الكاملة في الدعوة والتبليغ فقد قررت السلطة الحاكمة وبعد مشاورات ومداولات إبعاد إبراهيم ونفيه وقد فتح هذا الأَمرُ صفحة جديدة في حياة ذلك النبيّ العظيم وتهيأت بذلك اسبابُ رحلته إلى بلاد الشام وفلسطين ومصر وارض الحجاز .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.