أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-4-2017
3072
التاريخ: 4-4-2017
3513
التاريخ: 4-4-2017
3897
التاريخ: 8-4-2017
3306
|
ذات ليلة وقف إبراهيم (عليه السلام) عند ابتداء مغيب الشمس يتطلع في السماء ـ وهو ينوي هداية الناس ـ وبقي ينظر إلى النجوم والكواكب من أول الغروب من تلك الليلة إلى الغروب من الليلة التالية وخلال هذه الساعات الاربع والعشرين حاور وجادل ثلاث فرق من عبدة النجوم وابطل عقيدة كل فرقة منها بأدلة محكمة وبراهين متقنة قوية.
فعندما أقبل الليلُ وخيّم الظلام على كل مكان وهو يخفي كل مظاهر الوجود ومعالمه في عالم الطبيعة ظهر كوكبُ الزُهرة من جانب الاُفق وهو يتلألأ .. فقال إبراهيم لِعُباد هذا الكوكب ـ وهو يتظاهر بموافقتهم جلباً لهم ومقدمة للدخول معهم في حوار: هذا ربي .
وعندما افل ذلك الكوكب وغاب عن الانظار قال : لا احب الآفلين .
وبمثل هذا المنطق الجميل أبطل عقيدة عبدة الزهرة واظهر خواءها وفسادها.
ثمّ إنه (عليه السلام) نظر إلى كوكب القمر المنير الّذي يسحر القلوب بنوره وضوئه فقال متظاهراً بموافقة عبدة القمر : هذا ربي ثم ردّ بأسلوب منطقي محكم تلك العقيدة أيضاً عندما امتدت يد القدرة المطلقة ولمت أشعة القمر من عالم الطبيعة وعندها إتخذ إبراهيم (عليه السلام) هيئة الباحث عن الحقيقة ومن دون أن يصدم تلك الفرق المشركة ويجرح مشاعرها إذ قال : {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77] لأَن القمر قد أَفل أيضاً كما أَفل سابقُه فهو كغيره أسير نظام عُلويٍّ لا يتخلف وما كان كذلك لا يمكن ان يُعدَّ رباً يُعبَد ويتوَجه إليه بالتقديس والتضرع.
ولما وَلّى الليل وأدبر واكتسحت الشمس الوضاءة باشعتها حجب الظلام وبثت خيوطها الذهبية على الوهاد والسهول والتفت عَبدَة الشمس إلى معبودهم تظاهر ابراهيم بالإقرار بربوبيتها اتباعاً لقواعد الجدل والمناظرة ولكن افول الشمس وغروبها اثبت هو الآخر بطلان عبادتها ايضاً بعد أن اثبت خضوعها للنظام الكوني العام فتبرأ الخليل (عليه السلام) من عبادتها بصراحة.
وعندئذ أعرض (عليه السلام) عن تلك الطوائف الثلاث وقال : {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79].
لقد كان المخاطبين في كلام إبراهيم (عليه السلام) هم الذين يعتقدون بأن تدبير الكائنات الارضية ومنها الإنسان قد انيطت إلى الاجرام السماوية وفوضت اليها!!
وهذا الكلام يفيد أن الخليل (عليه السلام) لم يقصد المطالب الثلاث التالية :
1 ـ اثبات الصانع ( الخالق ).
2 ـ توحيد الذات وأنه واحد غير متعدد.
3 ـ التوحيد في الخالقية وأنه لا خالق سواه.
بل كان تركيزه (عليه السلام) على التوحيد في الربوبية و التدبير وادارة الكون وانه لا مدبّر ولا مربي للموجودات الأرضية إلاّ اللّه سبحانه وتعالى ومن هنا فانه (عليه السلام) فور إبطاله لربوبية الاجرام السماوية قال : {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...} [الأنعام: 79] وهو يعني ان خالق السماوات والأَرض هو نفسه مدبرها وربُها وانه لم يفوَّض أي شيء من تدبير الكون ـ لا كله ولا بعضه ـ إلى الاجرام السماوية فتكون النتيجة : أن الخالق والمدبر واحد لا أن الخالق هو اللّه والمدبر شيء آخر.
ولقد وقع المفسرون والباحثون في معارف القرآن في خطأ والتباس عند التعرض لمنطق إبراهيم (عليه السلام) وشرح حواره هذا حيث تصوروا أن الخليل (عليه السلام) قصد نفي اُلوهية هذه الأجرام يعني الالوهية الّتي تعتقد بها جميع شعوب الأرض ويكون هذا الكون الصاخِب آية وجوده.
بينما تصوّر فريق آخر ان إبراهيم كان يقصد نفي الخالقية عن هذه الأجرام السماوية لأنه من الممكن ان يخلق إله العالم كائناً كامل الوجود والصفات ثم يفوض إليه مقام الخالقية في حين أن هذين التفسيرين غير صحيحين بل كان هدف الخليل (عليه السلام) ـ بعد التسليم بوجود اله واجب الوجود وتوحيده ووحدانية الخالق ـ البحث في قسم آخر من التوحيد الا وهو التوحيد الربوبي وبالتالي اثبات أن خالق الكون هو نفسُه مدبر ذلك الكون أيضاً وعبارة {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: 79]أفضل شاهد على هذا النوع من التفسير.
من هنا كان التركيز الأكبر في بحث ابراهيم على مسألة الربّ و الربوبية في صعيد الاجرام كالقمر والزهرة والشمس .
هذا واستكمالا للبحث الحاضر لابدَّ من توضيح برهان النبيّ ابراهيم (عليه السلام) فلقد استدل ابراهيم في جميع المراحل الثلاث بأفول هذه الاجرام على أنها لا تليق بتدبير الظواهر الارضية وبخاصة الإنسان.
وهنا ينطرح سؤال : لماذا يُعتبر اُفول هذه الاجرام شاهداً على عدم مدبِّريتها؟
إن هذا الموضوع يمكن بيانُه بصور مختلفة كل واحدة منها تناسب طائفة معينة من الناس .. ان تفسير منطق الخليل (عليه السلام) واسلوبه في إبطال مدبِّرية الاجرام السماوية وربوبيّتها بأشكال وصور مختلفة أفضل شاهد على أن للقرآن الكريم أبعاداً مختلفة وأن كل بُعد منها يناسب طائفة من الناس.
واليك في ما يلي التفاسير المختلفة لهذا الاستدلال :
الف : إن الهدف من اتخاذ الربّ هو أن يستطيع الكائن الضعيف في ظل قدرة ذلك الرب من الوصول إلى مرحلة الكمال ولابدّ ان يكون لمثل هذا الربّ ارتباطٌ قريبَ مع الموجودات المراد تربيتها بحيث يكون واقفاً على أحوالها غير منفصل عنها ولا غريب عليها.
ولكن كيف يستطيع الكائن الّذي يغيب ساعات كثيرة عن الفرد المحتاج إليه في التربية ويُحرم ذلك الفرد من فيضه وبركته ان يكون رباً للموجودات الأَرضية ومدبراً لها؟!
من هنا يكون اُفول النجم وغروبه الّذي هو علامة غربته وانقطاعه عن الموجودات الارضية خير شاهد على أن للموجودات الأَرضية ربّاً آخر منزهاً عن تلك النقيصة عارياً عن ذلك العيب.
باء : انَّ طلوع الأجرام السماوية وغروبها وحركتها المنظمة دليل على أنها جميعاً خاضعة لمشيئة فوقها وانها في قبضة القوانين الحاكمة عليها والخضوع لقوانين منظمة هو بذاته دليل على ضعف تلك الموجودات ومثل هذه الموجودات الضعيفة لا يمكن أن تكون حاكمة على الكون أو شيء من الظواهر الطبيعية وأما استفادة الموجودات الارضية من نور تلك الاجرام وضوئها فلا يدل أبداً على ربوبية تلك الأجرام بل هو دليل على أن تلك الأجرام تؤدّي وظيفة تجاه الموجودات الأرضية بأمر من موجود أعلى.
وبعبارة أخرى : إن هذا الأمر دليل على التناسق الكوني وارتباط الكائنات بعضها ببعض.
جيم : ما هو الهدف من حركة هذه الموجودات؟ هل الهدف هو أن تسير من النقص إلى الكمال أو بالعكس؟
وحيث أن الصورة الثانية غير معقولة وعلى فرض تصورها لا معنى لأن يسير المربّي والمدبر للكون من مرحلة الكمال إلى النقص والفناء يبقى الفرضُ الاول وهو بنفسه دليل على وجود مربٍّ آخر يوصل هذه الموجودات القوية في ظاهرها من مرحلة إلى مرحلة هو ـ في الحقيقة ـ الربُّ الّذي يبلغ بهذه الموجودات وما دونها إلى الكمال.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|