أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-11
342
التاريخ: 23-3-2017
5179
التاريخ: 2024-09-11
374
التاريخ: 15-6-2018
20336
|
قبل ان يتقرر للفرد مسؤوليته الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي المعاصر ظهرت إتجاهات عدّة ما بين معارض ومؤيد لهذهِ المسؤولية فعلى الرغم من الاجماع المنعقد بين الفقهاء على أن الفرد يعد محل إهتمام خاص للقانون الدولي، نجد أن هناك خلافاً واضحاً في الرأي تجاه هذهِ المسألة . كما تقررت اسباب لدفع المسؤولية هذهِ عن الفرد اذا ما توافرت احداها. لذا سنبحث الاتجاهات التي تقرر مدى مسؤولية الفرد في الفرع الاول أما الفرع الثاني فسنخصصه لاسباب الدفع بعدم المسؤولية وبحسب الاتي: -
الفرع الأول / مذاهب تقرير مسؤولية الفرد الجنائية الدولية
كان الفرد محل نزاع في القانون الدولي من ناحية شخصيته الدولية وولائه المباشر لهذا القانون ، وكان لهذا النزاع أثره في إنقسام الفقه الدولي الجنائي في ظل المتغيرات التي حدثت في النظام القانوني الدولي الى ثلاثة مذاهب فيما يتعلق بمدى هذهِ المسؤولية: -
أولاً/مذهب يرى أن الدولة وحدها هي المسؤولة عن الانتهاكات الجنائية الدولية (الجريمة الدولية) يذهب أنصار هذا المذهب الى ان " الدولة هي الشخص الوحيد الذي يرتكب جريمة القانون الدولي لأن القانون الدولي لا يخاطب الا الدول كما ان جرائم هذا القانون لا يرتكبها الا المخاطبون به. وان الفرد الطبيعي غير مسؤول جنائياً لأن خضوع الشخص الطبيعي لنظامين قانونيين في نفس الوقت – أي القانون الداخلي والقانون الدولي – لا يمكن تصوره في الوقت الذي لا يوجد تنظيم عالمي او دولة عالمية ومن ثم فأنه من العسير تقرير المسؤولية الدولية للافراد في الوقت الحاضر – في الاقل – ومن ثم فأن الدولة تكون وحدها هي المسؤولة جنائياً عن الجرائم الدولية(1).
ويرى انصار هذا المذهب ايضاً في الدولة "المحل الرئيسي للقانون الجنائي الدولي بأعتبارها تشكيلاً إجتماعياً له السلطة، فبما أنها تؤول اليها المنافع الناجمة عن أستعمال هذهِ السلطة من دون أن تكون لدينا فكرة نسبتها الى مجموعة الافراد المقيمين فيها ونسألها عن إساءة استعمالها لها من الناحية المدنية – وهذا يحصل دائماً للحصول على التعويض المدني عن الاضرار التي تسببت فيها – فمن الممكن ايضاً أن نسألها للتكفير جنائياً عما إرتكبته بسبب تلك السلطة وهذهِ المسؤولية ضرورة عملية في مجتمع منظم قانوناً إذ لا يجوز أن تكون هناك حرية دون مسؤولية"(2).
وإذ أن هذا الرأي قد إستند الى نظريات الفقه الدولي التقليدي فأنه قد أغفل الجوانب المستحدثة للمتغيرات الدولية، التي تجسدت بالاعتراف للفرد بالشخصية الدولية وبحقوق وواجبات دولية ، ومن ثم لم يستجب لها ولم يعد يمثل فكراً جديراً بالاعتداد به في فقه القانون الدولي الحديث(3).
ثانياً/ مذهب يأخذ بالمسؤولية المزدوجة للدولة والفرد
يرى أصحاب هذا المذهب أن للشخص المعنوي وجوداً حقيقيا وانه "إذا كان هناك ثمة إعتراض على فكرة مسؤولية الدولة الجنائية بحجة أنها ليست لها إرادة خاصة متميزة وأنما هي شخص معنوي يباشر عمله عن طريق ممثليه من الافراد ومن ثم تكون شخصيتها قائمة على الحيلة والافتراض في حين أن المسؤولية الجنائية لا يمكن ان تقع الا على افراد حقيقيين لانهم وحدهم الذين يمكن عقابهم ،فانه من الواجب الاخذ في الاعتبار ان القانون الدولي مهمته حماية الدول ضد الاعتداءات التي تتعرض لها ومن المستحيل اذن الا تتحمل نفس الدول الجزاءات الجنائية في الاحوال التي تكون فيها مدانة في جرائم دولية، ذلك لان الاعتراف بالشخصية الدولية للدولة يتضمن ايضا الاعتراف بامكانية تحمل تبعة المسؤولية الجنائية الدولية، ولان من نتائج هذا الاعتراف نسبة صفة الاهلية لارتكاب الجرائم الدولية، كما ان القانون الدولي الجنائي لا يمكنه ان يتجاهل المسؤولية التي تقع على الاشخاص الطبيعيين بمناسبة الافعال الاجرامية التي يرتكبونها باسم الدولة، وانه اذا كانت الجزاءات الجنائية الخاصة يجب ان تطبق على الدول فأن العقاب الدولي يجب ان يمتد ايضا الى الاشخاص الذين قادوا وارتكبوا تلك الافعال .لذا فان الافعال المستوجبة للمسؤولية الجنائية الدولية يمكن ان ينشا عنها نوعان من المسؤولية ،مسؤولية جماعية للدولة المنسوب لها ارتكاب الجريمة الدولية ومسؤولية فردية للافراد الطبيعيين الذين قاموا بارتكاب الافعال المكونة لتلك الجريمة .ويؤسس مسؤولية الافراد على وفق الاسس والمبادئ المعروفة في القانون الجنائي الداخلي بينما يؤسس مسؤولية الدولة على اساس عنصر حرية الارادة الذي يستند اليه القصد أو الخطأ "(4).
ومن انصار هذا المذهب من يرى أن الدولة شخص ورئيس الدولة شخص أخر"(5).
كذلك " اقرار المسؤولية الجنائية المزدوجة للافراد والدول على أن توقع عليهم التدابير والجزاءات الملائمة للدفاع الاجتماعي للدول "(6).
ثالثاً/ مذهب يحمل الفرد (الشخص الطبيعي ) وحده تبعة المسؤولية الجنائية الدولية
اذ يرى عدد كبير من الفقهاء ان المسؤولية الجنائية لا يمكن أن يكون محلها سوى الافراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجنائية المستوجبة لهذه المسؤولية ، بينما الدول فلانها شخص معنوي لذا لا يمكن أن يتوافر فيها . عنصر النية الاجرامية الذي يعد أساساً في الجريمة ومن ثم فلا يمكن أن تكون مسؤولة جنائياً(7).وأن فكرة المسؤولية الجماعية فكرة بدائية رفضتها المدنية الحديثة وأقرت فكرة شخصية الاسناد والعقاب(8). فلا يمكن أن يرتكب السلوك المستوجب للمسؤولية الجنائية الدولية غير الفرد سواء لحسابه الخاص أم لحساب الدولة وباسمها(9).ذلك لان الدولة لا يمكن أن تتصف بصفة الاجرام. وان كان في المقابل يمكن تصور وجود حكومة ارهابية فأن تعبير الدولة المجرمة لا معنى له من الوجهة القانونية. أما الحكومة المجرمة فهي على العكس من ذلك تعد حقيقة واقعية وشئ خطير . ولابد من استبعاد فكرة امكان عقاب الدولة من الجهة القانونية والعملية أما الحكومات فيمكن بل من الواجب أن تعاقب ، وحتى في حالة مساءلة الحكومات فأن الجرائم الدولية تظل دائماً فردية يتحمل الافراد مسؤوليتها الجنائية(10).
هذه هي المذاهب التي بحثت في امكانية مساءلة الشخص الطبيعي مساءلة جنائية دولية. مكان المذهب الاخير الذي يرى مساءلة الشخص الطبيعي هو السائد في الفقه الدولي المعاصر بل اخذت به السوابق التاريخية وقررته المواثيق الدولية. اذ كانت الخطوة الحاسمة نحو الاعتراف بالفرد كشخص من أشخاص القانون الدولي هي تلك التي اتخذتها الدول عقب الحرب العالمية الثانية باعترافها به كمحل للحقوق والواجبات الدولية في ميثاق الامم المتحدة ولائحتي نورمبرج وطوكيو(11). فميثاق الامم المتحدة يقرر في ديباجته أن الفرد محل للحقوق الدولية. أما المادة (6) من لائحة نورمبرج والمادة (5) من لائحة طوكيو فتبينان ان الفرد محل للواجبات. كما ورد في المبدأ الاول من مبادئ نورمبرج أن كل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل يعد جريمة طبقاً للقانون الدولي يكون مسؤولاً عن هذا الفعل ومستحقاً للعقاب أي أن الشخص الطبيعي الذي يرتكب فعلاً ينتهك به قواعد القانون الدولي يعد مسؤولاً وبصورة مباشرة امام القانون الدولي وهذا ما أكدته محكمة نورمبرج بقولها" أن من المباديء المقررة أن القانون الدولي يفرض واجبات ومسؤوليات على الافراد كما يفرضها على الدول وان الجرائم التي ترتكب انتهاكاً للقانون الدولي انما يرتكبها أفراد لا هيئات معنوية، وبغير معاقبة هؤلاء الافراد الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يمكن انفاذ حكم القانون الدولي"(12). وكما تقرر منذ صدور لائحتي نورمبرج وطوكيو مبدأ مسؤولية الفرد عن انتهاكات الالتزامات الدولية المقررة في العرف أو في القانون الاتفاقي ، فقد أكدته العديد من الاتفاقيات الدولية التي أبرمت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا وكان أهمها نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية اذ انه يخاطب باحكامه الافراد وليس الدول فقد نصت المادة (1)منه " … وتكون المحكمة هيئة دائمة لها سلطة لممارسة اختصاصها على الاشخاص …" أما المادة (25-1) فقد حددت بالضبط على من تمارس هذه المحكمة اختصاصها اذ تنص على " يكون للمحكمة اختصاص على الاشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الاساسي " أما الفقرة (2) من هذه المادة فقد قررت مسؤولية الافراد عن الجرائم المرتكبة ضمن اطار اختصاص هذه المحكمة اذ تنص على " الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الاساسي ".
وبدورنا نؤيد قيام المسؤولية الجنائية الدولية بحق الافراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجنائية الدولية حتى لا يفلت شخص من العقاب عما يسببه من تهديد للسلم والامن الدوليين ولسلم وأمن الافراد(13).
ولكن وفي نفس الوقت نؤيد أيضاً قيام المسؤولية الجنائية الدولية بحق الدول الى جانب مسؤولية الافراد – أي مسؤولية مزدوجة – لان الدول ايضاً مسؤولة عن هذهِ الانتهاكات لخرقها التزاماتها الدولية تجاه المجتمع الدولي ، ولا يجوز ان تتخلص من تبعة المسؤولية عن تلك الانتهاكات بالقاء هذهِ التبعة على عاتق الافراد اذا ما ثبت فعلياً انتهاكها لالتزاماتها الدولية(14). ونجد ان المادة (25-4) من نظام روما الاساسي قد سارت في نفس هذا الاتجاه اذ تنص على "لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الاساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي".
الفرع الثاني / الدفع بعدم المسؤولية
هي الاسباب التي تمنع قيام المسؤولية للفاعل وتسمى ايضاً بموانع المسؤولية الجنائية . وتعّرف بأنها "الاسباب التي تعرض للارادة فتجردها من قيمتها القانونية وتكون الارادة غير معتبرة اذا تجردت من التمييز او أنتفت عنها حرية الاختيار فحالات امتناع المسؤولية ترد الى انتفاء الادراك أو حرية الاختيار. فاذا ما توافرت احد هذهِ الاسباب عدّ مرتكب الفعل غير مسؤول"(15).
فالادراك وحرية الاختيار هما مقومات الاهلية الجنائية وشرط قيام المسؤولية الجنائية ، فاذا ما فقدا او فقد احدهما يتعذر عند ذاك إسناد الجريمة للشخص الذي فقدهما عند إرتكابه للسلوك المعدّ انتهاكاً جنائياً دولياً . عندها تمتنع مسؤوليته الجنائية(16). وقد يكون السلوك الذي ارتكبه المتهم في ذاته جريمة ويشكل انتهاكاً جنائياً دولياً لقواعد القانون الدولي طبقاً لهذا القانون الا انه وفي نفس الوقت قد تكتنف اتيان هذا السلوك ظروف وملابسات تبرره دولياً بموجب هذا القانون وبذلك يجد المتهم لنفسه سبباً قوياً يدعوه الى الدفع بانتفاء مسؤوليته عن ارتكاب السلوك المكون للانتهاك الجنائي الدولي(17). هذه الاسباب عديدة وهي مشابهة لما ورد في التشريعات الجنائية الداخلية . الا ان المادة (31) من نظام روما الاساسي –والذي يعد أول من قرر صراحة كحكم دولي وكقاعدة قانونية دولية الاسباب التي تمنع المسؤولية الجنائية الدولية عن الافراد – بينت هذهِِ الاسباب.ومن اهم هذهِِ الاسباب: - العاهة العقلية ، السكر ، الاكراه، الدفاع الشرعي والامتثال لاوامر الرؤساء الذين تجب طاعتهم.
أولاً / العاهة العقلية: -
يقصد بها "جميع ما يصيب العقل من علل مخلة بوظيفته وهي بهذا تضم الى مدلولها " الجنون " وكل آفة أخرى تصيب العقل كالتخلف العقلي الذي يتوقف فيه نمو القدرة العقلية في المستوى الذي لا يؤهل المصاب للادراك كلياً أو جزئياً "(18). ويشمل هذا المصطلح في مدلوله أيضاً " العلل النفسية " لان معنى كلمة "العقل" علمياً يقوم على "عد الحياة العقلية للانسان تتكون من جهازين فرعيين أحدهما ارادي وهو العقل الظاهر أو الشعور والاخر لا ارادي وهو العقل الباطن أو اللاشعور وكل منهما متمم للاخر ويكونان وحدة لا تتجزء فأذا ابتلى العقل الباطن بعلل نفسية كان له أثره في مظاهر الحياة الشعورية وعد في نظر العلم عاهة في العقل وتأثر كل من ملكتي الادراك والارادة بالعلل النفسية حقيقة علمية ومن هذه العلل ما تؤدي الى فقد الادراك أو الارادة ومنها ما تضعف الادراك أو الارادة "(19).
وقد نصت المادة (31-1/ أ) من نظام روما الاساسي على انه " بالاضافة الى الاسباب الاخرى لامتناع المسؤولية الجنائية المنصوص عليها في هذا النظام الاساسي ، لا يسأل الشخص جنائياً اذا كان وقت ارتكابه السلوك : (أ) يعاني مرضاً أو قصوراً عقلياً بعدم قدرته على أدراك عدم مشروعية أو طبيعة سلوكه أو قدرته على التحكم في سلوكه بما يتمشى مع مقتضيات القانون "(20). ومما يلاحظ على هذا النص انه يركز على معيار الاثر المترتب على الاصابة بهذهِ الامراض ، بحيث يمكن الاعتداد بها في منع قيام المسؤولية الجنائية اذا كانت تعدم الادراك أو حرية الاختيار لدى الجاني، اكثر من تركيزه على أشكال المرض العقلي أو النفسي(21).
فضلاً عن ان هذا النص لم يبين حكم إصابة الجاني بعاهة عقلية لا تعدم الادراك أو الاختيار لديه كلياً بل تضعفها – كما هو في القوانين الجنائية الداخلية – التي عدّته عذراً مخففاً(22). مما يفسر معه أتجاه نظام روما في ان مثل هذا الامر متروك للسلطة التقديرية للمحكمة عند فرض العقوبة كونها من الظروف القضائية التي تعتمدها المحكمة بالنزول بالعقوبة الى حدها الادنى دون إمكان عّدها من الاعذار القانونية المخففة للعقاب لعدم النص عليها اذ لا عذر معف أو مخفف من دون نص(23).
ثانياً / حالة السكر : -
يعرف السكر بأنه "الحالة التي يكون فيها الانسان غير قادر على مزاولة أعماله المعتادة بالطرائق العادية نتيجة لتعاطيه مشروبات كحولية او عقاقير مخدرة ، فاذا زاد السكر ازداد الفرق بين حالة الانسان سكراناً وبين حالته غير سكران ، فيقل شعور السكران بنفسه ويقع تحت تأثيره غرائزه وطباعه البدائية بفعل الكحول والمخدر وتضعف فيه قوة ضبط النفس فيندفع وراء إحساساته ومشاعره حتى اذا ما بلغ السكر أشده صار السكران كالمجنون تماماً(24).
اما المواد المسكرة او المخدرة فيقصد بها "تلك المواد التي يؤدي تعاطيها الى فقد الوعي للاسكار او التخدير الذي تحدثه. ولا عبرة بنوعها اذ يدخل في معناها المواد الكحولية كالخمور بانواعها . كما يدخل فيها المواد المخدرة كالحشيش والافيون والمورفين والهيرويين وغيرها كما لا عبرة بوسيلة أخذها. فقد تكون ما يؤخذ بالاكل او الشرب او الحقن او الشم"(25). وقد نصت المادة (31-1/ب) من نظام روما الاساسي على "… لا يسأل الشخص جنائياً اذا كان وقت ارتكابه السلوك. (ب) في حالة سكر مما يعدم قدرته على أدراك عدم مشروعية او طبيعة سلوكه او قدرته على التحكم في سلوكه بما يتمشى مع مقتضيات القانون ، ما لم يكن الشخص قد سكر بأختياره في ظل ظروف كان يعلم فيها أنه يحتمل أن يصدر عنه نتيجة للسكر سلوك يشكل جريمة تدخل في أختصاص المحكمة أو تجاهل فيها هذا الاحتمال"(26). اذن لا يعد كل تناول للمواد المسكرة او المخدرة سبباً يمنع المسؤولية عن متناولها، وانما الذي يمنعها هو ما يترتب على أي منهما من فقد للادراك او الاختيار او كليهما معاً. من دون هذا الفقد لا تمتنع المسؤولية عن الجاني وان كان متناولاً لهما أو لأحدهما ، مع وجوب معاصرة هذا الفقد لأرتكاب السلوك المعدّ إنتهاكاً جنائياً دولياً.
هذا وتتجه معظم التشريعات الجنائية الوطنية وكذلك الفقه الجنائي الى اقرار قيام المسؤولية الجنائية لمرتكب الجريمة اذا كان تحت تأثير مسكر أو مخدر تناوله بأرادته ومن ثم فلا مسؤولية جنائية على مرتكب الجريمة اذا كان تحت هذا التأثير وكان المسكر أو المخدر قد أُعطي له كرهاً عنه أو بغير علم منه(27).
ثالثاً / الاكراه: -
" هو ما يصيب الانسان من مؤثرات تعدم عنده الاختيار أو تضعفه الى حد حصره في سبيل واحد فيأتي أعمالاً رغم إرادته أو مدفوعاً اليها بقوة غالبة أو يمتنع عن أعمال واجبة عليه رغماً عنه، ولما كان الاختيار هو أحد ركني المسؤولية الجزائية فما يقع من الانسان من فعل أو إمتناع أو ترك مع إنعدام الاختيار لا يكون جريمة لعدم إرادة الفعل المكون للجريمة فاذا ضعف الاختيار يبقى القصد من الافعال متحققاً ومنسوباً للارادة وتتحقق به المسؤولية غير ان ما يشوب الاختيار من الضعف الناتج عن ضغط الاكراه الشديد يستوجب رفع المسؤولية الجزائية"(28). كما عرّف بأنه "قوة من شأنها ان تشل إرادة الشخص أو تقيدها الى درجة كبيرة عن ان يتصرف وفقاً لما يراه"(29).
وقد نصت المادة (31-1/د) من نظام روما الاساسي على "لا يسأل الشخص جنائياً اذا كان وقت ارتكابه السلوك: - د – اذا كان السلوك المدعى انه يشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد حدث تحت تأثير إكراه ناتج عن تهديد بالموت الوشيك أو بحدوث ضرر بدني جسيم مستمر أو وشيك ضد ذلك الشخص أو شخص آخر ، وتصرف الشخص تصرفاً لازماً ومعقولاً لتجنب هذا التهديد، شريطة الا يقصد الشخص ان يتسبب في ضرر أكبر من الضرر المراد تجنبه. ويكون ذلك التهديد: (1) صادراً عن أشخاص آخرين (2) أو تشكل بفعل ظروف آخرى خارجة عن إرادة ذلك الشخص"(30). هذا النص يشمل نوعي الاكراه المادي والمعنوي. فالاكراه المادي "يتضمن تسليط قوة ملموسة على إرادة شخص فتشل حريته في الاختيار ويكون المكره غير مسؤول انما المسؤول هو مَن شلّ حريته وجعل من حركات جسمه مجرد أداة لارتكاب الجريمة مما يسقط بسببه الركن المعنوي في جريمته وتمنع مسؤوليته الجزائية" ويلاحظ أن النص" لم يميز بين مصدر الاكراه كونه من فعل الانسان أم من فعل الطبيعة – القوة القاهرة – فأي منهما اذا تحقق وشلّ إرادة الفاعل سقط لديه الركن المعنوي وامتنعت مسؤوليته الجزائية"(31).
اما الاكراه المعنوي "فيقوم على وضع نفسي يكون فيه الفاعل واقعاً تحت تأثير تهديد يخشى على نفسه أو نفس غيره من الموت أو من الاذى الجسيم الواقع فعلاً والمستمر أو وشيك الوقوع بشرط أن لا يكون في مقدور الشخص تجنب هذا التهديد بأية طريقة وشرط أن لا يتسبب في فعله احداث ضرر أو أذى أكبر جسامة من الضرر أو الاذى الذي يتجنبه"(32). هذا وقد أعترفت لجنة القانون الدولي التابعة للامم المتحدة في تقريرها عن مشروع تقنين الجرائم ضد سلام وأمن الانسانية " أن الرأي العام المستمد من العمل بعد الحرب يتجه الى عدّ الاكراه وسيلة دفاع متى كان الفعل قد ارتكب لتفادي خطر حال جسيم لا يمكن إصلاحه وليس ثمة وسيلة أخرى لدرئه. ورأت أن يقدر الاكراه على أسس شخصية أي بالنظر الى شخص مرتكب الفعل والظروف التي أحاطت به وقد أكد التقرير الى أنه لا يوجد قانون يتطلب من شخص التضحية بحياته أو تحمل آلام جسيمة لتجنب إرتكاب جريمة"(33).
رابعاً / الإمتثال لأوامر الرئيس الاعلى: -
برزت خلافات شديدة حول هذا الموضوع منذ مؤتمر لندن الذي عقد في 26/يونيه/1945 بين كل من مندوبي الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وذلك إبان تفاوضهم على تنفيذ ماتم الاتفاق عليه في مؤتمر موسكو من محاكمة مجرمي الحرب.
وقد ظهرت آراء بهذا الشأن: -
يذهب الرأي الاول الى أن تنفيذ أمر الرئيس الذي تجب طاعته بموجب القانون الداخلي يعد سبباً لنفي المسؤولية الجنائية أيضاً في القانون الدولي. ويستندون في رأيهم هذا الى مقتضيات أو ضرورات النظام العسكري الذي لا يتصور قيامه دون طاعة كاملة من المرؤوسين تجاه الرؤساء. كما أن المرؤوس يكون مكرهاً بأطاعة أوامر رئيسه. فضلاً عن أن التسليم بهذهِ الحالة لا يقوض بنيان القانون الدولي لأن المسؤولية الجنائية ستظل قائمة على عاتق الرئيس الذي أصدر الأمر غير المشروع. أما الرأي الثاني فيذهب الى أنه لا يعدتنفيذ أمر الرئيس الذي تجب طاعته سبباً لنفي المسؤولية الجنائية في القانون الدولي لان اقرار هذا المبدأ في القانون الداخلي لا يلزم القانون الدولي به للفرق الواضح بين القانونين من جهة(34)، ولأن القاعدة السائدة في القانون الدولي هي تغليب أحكام وقواعد القانون الدولي على القانون الداخلي من جهة أخرى(35). ويعد إقرار مثل هذا السبب في القانون الدولي الجنائي كما هو الحال في القانون الداخلي عدواناً على المصالح التي يحميها هذا القانون. لأن المرؤوس – وكما يذهب الرأي الثاني – ليس آلة صماء تنفذ من دون تفكير ما تلقاه من اوامر، بل هو انسان لديه ملكات الوعي والادراك ومن واجباته تفحص الامر الصادر اليه وان لا يقدم على تنفيذه الا اذا ثبت له توافقه مع القانون. فضلاً عن المرؤوس شخص من أشخاص القانون الدولي كما الرئيس تماماً، لذا يقع عليه واجب تنفيذ جميع الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي الجنائي بشكل مباشر من دون توسط الرئيس بينهما ، فلا ينبغي لاوامر الرئيس ان تكون لها قيمة قانونية وتبقى على صفتها غير المشروعة.
كذلك فأن الاعتراف بقيمة أمر الرئيس هو تناقض مع طبيعة القاعدة القانونية المتسمة بالتجرد وسريانها على طائفة من الافعال من دون أن تفرق بين أشخاص مرتكبيها.ومن النتائج غير المقبولة التي سوف تترتب لو أُخِذَ بهذا السبب، إهدار وجود قواعد القانون الدولي الجنائي والسماح بمخالفتها والاعتداء على أهم الحقوق والمصالح التي يحميها لمجرد كون الفعل قد صدر بناء على أمر الرئيس، عندها تزول الحماية التي حرصت وتحرص الجهود الدولية على توفيرها للحقوق الاساسية ، وتزول كل قيمة للقواعد التي تنظم الحروب وتصبح الافعال الوحشية أفعالاً مشروعة لمجرد كونها صادرة عن رئيس تجب طاعته(36).
وقد إنتهى مندوبي الحلفاء في مؤتمر لندن الى تقرير المسؤولية الجنائية لمرتكب الفعل المجّرم حتى وان كان هناك أمر من الرئيس الذي تجب طاعته بتنفيذه(37). ولكن هذا لايعني ان مبدأ تنفيذ أمر الرئيس الذي تجب طاعته ليس له قيمة قانونية، بل انه يعد عند توافر شروط معينة سبباً نافياً للاسناد المعنوي –أي سبباً للدفع بعدم المسؤولية– كما في حالة الاكراه المعنوي فلا تقوم المسؤولية ولا يوقع العقاب(38). فغالباً ما يترتب على تنفيذ أمر الرئيس الاعتقاد بشرعية الفعل على أساس إفتراض المرؤوس في رئيسه الدراية القانونية والخبرة بما تقتضي به أحكامه ، مما يؤدي الى إنتفاء أحد عناصر القصد الجنائي وهو العلم، وبانتفاء القصد الجنائي تنتفي المسؤولية التي يتطلبها القانون.
ولا يعذر المرؤوس اذا كانت الصفة غير المشروعة لأمر الرئيس ظاهرة على نحو لا يحتمل الشك كالامر بقتل المدنيين المسالمين. فالعلم بالصفة غير المشروعة هنا يتلازم والاهلية القانونية بحيث لا يتصور أن يجهلها شخص له الملكات الذهنية المعتادة"(39). وهذا ما ورد في تقرير اللجنة الدولية لاصلاح وتطوير القانون الجنائي المقدم لمؤتمر جمعية كمبردج في 14/11/1941 والذي تم إقراره في 15 / يوليو (تموز) / 1942 والذي بين أن "أمر الرئيس لا يمكن التمسك به إذا كان ظاهر المخالفة للقانون"(40). وقد يعد مبدأ تنفيذ أمر رئيس تجب طاعته أساساً لتوافر الاكراه المعنوي أو حالة الضرورة ، فالمرؤوس لاسيما الجندي يتعرض لجزاء شديد إن لم ينفذ أمر الرئيس ، وإحتمالية توقيع هذا الجزاء يجسد صورة الخطر الجسيم الحال الذي يهدد المكره في أهم حقوقه كالحياة أو سلامة الجسد أو الحرية ، ومن ثم يعد تنفيذ الامر الصادر اليه هو الوسيلة الوحيدة المتوافرة أمامه ليتخلص من هذا الخطر. وعند إثبات هذهِ الحالة فلا بد من التسليم بانتفاء الركن المعنوي للجريمة وبالتالي لا يَعُد مستحقاً للعقاب(41).
وقد أكدت الكثير من المواثيق والقرارات والاحكام الدولية هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال: القرار الثاني للجمعية الدولية بلندن والصادر في كانون الاول سنة 1943 "الخاص بوجوب مساءلة أجهزة الدولة المعتدية كافة دون اعتبار وظائفهم بما في ذلك رئيس الدولة ، وعدم اعتبار أمر الرئيس مانعاً من موانع المسؤولية أو العقاب الا إذا توافرت فيه شروط حالة الضرورة بالنسبة للمرؤوس"(42). وقد اخذت لائحة محكمتي نورمبرج وطوكيو بهذهِ القواعد، فقد نصت المادة (8) من لائحة محكمة نورمبرج على أنه "لا يعد سبباً معفياً من المسؤولية دفاع المتهم بأنه كان يعمل بناء على تعليمات حكومته أو بناء على أمر رئيس أعلى ، وانما قد يعد هذا سبباً مخففاً للعقوبة التي رأت المحكمة أن العدالة تقتضي ذلك" وقد نحت المادة (6) من لائحة محكمة طوكيو هذا المنحى أيضاً(43). كما وأخذ بهذا الاتجاه أيضاً نظام الرقابة للحلفاء رقم (10) لسنة 1945(44).
كذلك نصت المادة (4) من مشروع قانون الجرائم ضد سلام وأمن البشرية على أن "لا يعفى من المسؤولية في القانون الدولي المتهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذهِ المجموعة اذا كان يعمل بناءً على أمر حكومته أو رئيسه الاعلى وذلك بشرط أن يكون لديه مكنة عدم إطاعة الامر في الظروف التي إرتكب فيها الفعل" (45). اما المادة (33) من نظام روما الاساسي فتنص على "1- في حالة أرتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ، لا يعفى الشخص من المسؤولية الجنائية اذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم إمتثالاً لأمر حكومة أو رئيس ، عسكرياً كان أو مدنياً عدا في الحالات التالية: - (أ) اذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني. (ب) اذا لم يكن الشخص على علم بأن الامر غير مشروع (ج) اذا لم تكن عدم مشروعية الامر ظاهرة. 2- لاغراض هذهِ المادة ، تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر إرتكاب جريمة الابادة الجماعية أو الجرائم ضد الانسانية".
في هذا النص لابد من توافر شروط معينة لأمكانية الدفع بعدم المسؤولية. هذهِ الشروط تتجسد بـ:- "(1) وجود التزام قانوني باطاعة اوامر الحكومة او الرئيس المعني يوجب على الشخص تنفيذ هذهِ الاوامر وعقابه اذا امتنع عن ذلك. (2) ان لا يكون هذا الشخص قد علم بأية صورة بأن المطلوب منه تنفيذ فعل غير مشروع لأنه والحالة هذهِ يكون ملزماً بالواجب القانوني بتفادي أرتكاب هذهِ الافعال من دون الالتزام بطاعة الرؤساء غير المشروعة. (3) تكون عدم المشروعية ظاهرة ولا يجوز الاحتجاج بعدم العلم بها اذا كان الامر الصادر اليه يتضمن ارتكاب جريمة ابادة جماعية او جريمة ضد الانسانية وبذلك فأن الاستثناءات الواردة على الدفع بعدم المسؤولية تبدو هي الاصل على نحو يصح أن يوصف بالاصل هو عدم جواز الدفع بطاعة الرؤساء في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الاساسي الا في الحالات المذكورة ، الامر الذي يصح وصف هذهِ الاحكام بانها تقرر قاعدة (واجب عدم الطاعة) لاوامر الرؤساء ومن ثم رفض تنفيذها ، ولاسيما ان ارتكاب جريمتين من الجرائم المنصوص عليها في النظام الاساسي وهما جريمة الابادة الجماعية والجريمة ضد الانسانية بحد ذاتهما تكون عدم المشروعية في ارتكابهما ظاهرة ولا يشملهما الدفع بعدم المسؤولية. وعليه فأن الاستثناء المذكور المتضمن عدم جواز الدفع بعدم المسؤولية عن ارتكاب جريمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية لا يشمل جرائم الحرب ولا جرائم العدوان بحيث يمكن الاحتجاج بهذا الدفع فيهما في حالة دخول جريمة العدوان مستقبلاً في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية" (46).
ولا يعني هذا الدفع بأطاعة أوامر الرئيس الاعلى ، إعفاء الرئيس الذي تجب طاعته من المسؤولية، فصحيح أن كبار المسؤولين لا يشاركون شخصياً في الانتهاكات الجنائية المرتكبة –في معظم الحالات– ولكن تجب محاكمتهم اذا كانوا قد أصدروا الأمر فعلياً بأرتكاب مثل هذهِ الجرائم. فضلاً عن ان مبدأ مسؤولية القيادة يقضي بالقاء المسؤولية الجنائية على كل من يملك السيطرة على مرؤوسيه وكان يعلم أو كان عليه أن يعلم بأن جريمة ما توشك أن ترتكب ثم لم يمنع وقوعها أو لم يحاول منع وقوعها أو لم يعاقب المسؤولون عنها وينطبق هذا المبدأ على السلطات العسكرية وعلى المدنيين الذين يتمتعون بمواقع السلطة القيادية(47).
وقد عّدت اتفاقيات جنيف الانسانية لسنة 1949، الرئيس فاعلاً في الجريمة التي يرتكبها مرؤوسه اذا كان قد أصدر أمره له بارتكاب إحدى الجرائم الجسيمة (المواد 49-1 من الاتفاقية الاولى و50-1 من الاتفاقية الثانية و129-1 من الاتفاقية الثالثة و146-1 من الاتفاقية الرابعة).
وقد سبق أن أوضحناه في المبحث السابق في معرض شرحنا للأسباب التي تدفع المسؤولية عن الدولة. ولكن وان كان الأصل فيه انه مقرر للدولة المعتدى عليها تباشره عن طريق موظفيها الذين يستطيعون الاحتجاج به حينما تثور مسؤولياتهم عن أفعالهم، إلا إن الفرد العادي بإمكانه أيضا الاحتجاج بالدفاع الشرعي إذا ما ارتكب انتهاكاً جنائياً دولياً، كارتكابه انتهاكات لقوانين الحرب وعاداتها إذا ما كان في حالة دفاع شرعي(48).
وقد عدّ نظام روما الأساسي دفاع الفرد عن نفسه أو عن غيره سبباً من أسباب امتناع المسؤولية وذلك بموجب المادة (31-1/جـ) التي تنص على "1-…لا يسأل الشخص جنائياً إذا كان وقت ارتكابه السلوك. جـ- يتصرف على نحو معقول للدفاع عن نفسه أو عن شخص آخر أو يدافع، في حالة جرائم الحرب، عن ممتلكات لا غنى عنها لبقاء الشخص أو شخص آخر أو عن ممتلكات لا غنى عنها لإنجاز مهمة عسكرية، ضد استخدام وشيك وغير مشروع للقوة وذلك بطريقة تتناسب مع درجة الخطر الذي يهدد هذا الشخص أو الشخص الاخر او الممتلكات المقصود حمايتها. واشتراك شخص في عملية دفاعية تقوم بها قوات لا يشكل في حدّ ذاته سبباً لامتناع المسؤولية الجنائية بموجب هذهِ الفقرة الفرعية".
هذا النص اورد حكماً في آخره إستثنى من الشمول باحكام الدفاع الشرعي اشتراك شخص في عملية دفاعية تقوم بها قوات لا يشكل في حد ذاته سبباً لامتناع المسؤولية الجنائية. وهذا الحكم يشكل قيداً على القواعد العامة للقانون الجنائي الداخلي والقاضية بشمول الشريك بسبب التبرير الذي يكتنف فعل الفاعل الاصلي ، فضلاً عن عدم وجود ما يبرر هذا الاستثناء.
وقد طرحت مسألة غاية في الاهمية على مجموعة من أساتذة القانون الدولي مفادها هل تقبل قواعد المسؤولية الدولية حالة الدفاع الشرعي كسبب لتبرير جريمة العدوان أو جريمة الابادة الجماعية او جريمة الحرب ؟
وقد لخص البروفيسور "ايريك دافيد Eric David" الاجابات التي قدمت عن هؤلاء الاساتذة بأن "قواعد القانون والتعامل الدوليين يعدان الحرب العدوانية الجريمة الكبرى ، ولا يمكن قبول أي مانع من موانع المسؤولية الجنائية لمرتكبها كما ان الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لا يمكن قبول الدفاع الشرعي كدافع من دوافع المسؤولية الجنائية فيها لأن هذهِ الجرائم تتطلب ركناً معنوياً خاصاً لا يمكن الجمع بينه وبين الدفاع الشرعي ، اذ ان الدفاع الشرعي ناجم عن قانون مناهضة الحرب Jus Contra bellun وليس من قانون الحرب Jus in bello" وعليه فان مانع الدفاع الشرعي بصدد جريمة العدوان والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب كما ورد في النظام الاساسي، لا يتفق وقواعد القانون الدولي ويمكن استغلاله لتبرير هذهِ الممارسات" (49).
هذهِ هي اسباب الدفع بعدم المسؤولية للافراد والتي نجد أن الاخذ بها على نطاق واسع يشكل خطورة بل وانتهاكاً جسيماً للحقوق التي قررت قواعد القانون الدولي الجنائي حمايتها. لذا نرتئي التقييد منها بل وعدم الاخذ بها في الانتهاكات التي تعد ذات خطورة جسيمة كالابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لاسيما فيما يتعلق بالانتهاكات ضد حقوق الطفل ، لتأثير هذهِ الانتهاكات على شعوب بأكملها ما وُجِدَ القانون الدولي الا لحمايتها وحفظ السلام والامن الدوليين فيها.
________________
1 - رأي للاستاذين فون ليست وفيبر - د. عبد الواحد محمد الفار–الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها–دار النهضة العربية–القاهرة–1995 – ص29 ود. حنا عيسى – مسؤولية الاشخاص الطبيعيين عن الجرائم ضد السلام والانسانية وجرائم الحرب –مجلة رؤية الصادرة عن السلطة الوطنية الفلسطينية –موقع مجلة رؤية – (أنترنت).
2 - د. محمد محي الدين عوض –دراسات في القانون الدولي الجنائي– مجلة القانون والاقتصاد–العدد الثاني–1966 –ص379 .ولقد اكد على هذا الاتجاه الفقيه (سالدانا)اذ جاء بمحاضرة القاها باكاديمية لاهاي موضوعها "العدالة الجنائية الدولية "ان للدولة ارادة وقد تكون تلك الارادة اجرامية وعلى ذلك يجب ان يمتد اختصاص محكمة العدل الدولي الدائمة الى المسائل الجنائية ويجب ان تختص بنظر كل الجرائم التي ترتكب ضد القانون الدولي ".-د.عبد الواحد الفار –مصدر سابق –ص30 .
3 - د.محمد محي الدين عوض –المصدر السابق –ص379 .
4 - راي للفقيه بللا ينظر في ذلك د. عبد الواحد الفار – مصدر سابق –ص30 وما بعدها .
5 - راي للاستاذ جلينك د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق –ص379 وما بعدها .
6- راي للاستاذ جرافن د.محمد محي الدين عوض–المصدر السابق- ص383. ولمزيد من الاطلاع على أراء أخرى في هذا الصدد ينظر نفس المصدر –ص380 وما بعدها .
7 - د.عبد الواحد الفار–مصدر سابق–ص34 ود.علي عبد القادر القهوجي–القانون الدولي الجنائي–منشورات الحلبي الحقوقية–ط1–2001–ص54.
8 - رأي للفقيه أو بنهايم –د. محمد محي الدين عوض – المصدر السابق – ص384.
9 - راي للفقيه جلاسيه –د. عبد الواحد الفار – المصدر السابق – ص35.
10 - رأي للفقيه دروست – نفس المصدر السابق –ص35 وما بعدها.ولمزيد من التفاصيل عن هذه المذاهب ينظر: نفس المصدر السابق– ص26 وما بعدها ود. نشأت عثمان الهلالي–محاضرات في التنظيم الدولي–دار النهضة العربية القاهرة–1990– ص138 وما بعدها و ناظر أحمد منديل – جريمة ابادة الجنس البشري – رسالة مقدمة إلى كلية القانون / جامعة بغداد لنيل درجة الماجستير في القانون الدولي – 2000 – ص49 وما بعدها ود. محمد محي الدين عوض – المصدر السابق – ص384 وما بعدها .
11 - لمزيد من التفاصيل عن المسؤولية الجنائية الدولية للشخص الطبيعي ينظر د. يونس العزاوي–مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي–مطبعة شفيق–بغداد–1970.
12- ناظر أحمد منديل – مصدر سابق –ص51 وما بعدها .
13 - ومن الجدير بالذكر وكتأكيد على مسؤولية الفرد ، القرارين اللذين أعتمدهما مجلس الامن بالاجماع بشأن الصومال فقد أعلن المجلس فيهما أن مرتكبي انتهاكات القانون الانساني أو الامرين بارتكابها يعدون مسؤولين مسؤولية فردية (صدر القراران بموجب وثيقتي الامم المتحدة –مجلس الامن S/RES/814-1993 و S/RES/794-1992 . ونجد مضموناً مماثلاً في بعض القرارات التي اتخذت بالنسبة لنزاعي رواندا وبوروندي(S/RES/935-1994 و S/RES/955-1994 و S/RES/978-1995 و S/RES/1012/-1995 وS/RES/1072-1996) وبالمثل القرارات المتعلقة بيوغسلافيا السابقة (على سبيل المثال S/RES/787-1992 و S/RES/808-1993) ويضع مجلس الامن باعتماده لمثل هذهِ القرارات المسؤولية الجنائية على عاتق الافراد الذين ارتكبوا او امروا بارتكاب الانتهاكات. لمزيد من التفاصيل ينظر – توماس جراد ينزكي – المسؤولية الجنائية الفردية عن انتهاكات القانون الدولي الانساني المطبق في النزاع المسلح غير الدولي- المجلة الدولية للصليب الاحمر – العدد 59 – السنة 1998 – اللجنة الدولية للصليب الاحمر – ص35 وما بعدها وكذلك تنظر ص 38 عن قضية "تاديتش" في قرار محكمة يوغسلافيا السابقة.
14 - تقرر المادة (5) من مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية وامنها بانه ليس في محاكمة فرد من الافراد عن جريمة مخلة بسلم الانسانية وامنها ما يعفي الدولة من اية مسؤولية يرتبها القانون الدولي عن فعل او امتناع يمكن اسناده اليها. وجاء في التعليق على هذه المادة بأن "لا يمس مشروع المادة الحالي المسؤولية الدولية للدولة بالمعنى التقليدي لهذه العبارة النابع من القانون الدولي العمومي ، عن الافعال او الامتناعات التي يمكن اسنادها الى الدولة بسبب جرائم منسوبة الى افراد وكلاء عن الدولة". وكما اكدت اللجنة من قبل في تعليقها على المادة (19) من مشروع المواد المتعلقة بالمسؤولية الدولية للدول ، فأن معاقبة الافراد الذين هم وكلاء عن الدولة لا تنفي بالتأكيد أعمال المسؤولية الدولية الواقعة على عاتق الدولة عن الافعال غير المشروعة دولياً التي تنسب اليها في مثل تلك الحالات بسبب تصرف اجهزتها. اذن يمكن ان تظل الدولة مسؤولة دون ان تستطيع التخلص من مسؤوليتها بالاحتجاج بملاحقة او بمعاقبة الافراد المرتكبين للجريمة ، ويمكن ان تكون الدولة ملزمة باصلاح الضرر الذي تسبب وكلاؤها في حدوثه. ومن مراجعة القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 13/9/1993 في النزاع القائم بين البوسنة والهرسك وجمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الاسود) حول تطبيق اتفاقية الابادة الجماعية يتبين ان المحكمة كانت قد اصدرت أمراً تحفظياً بتاريخ 20/3/1993 واكدته في 13/9/1993 يقضي بالطلب من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية بالوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية واتخاذ جميع الاجراءات ضمن سلطتها لمنع جريمة الابادة . أي ان المحكمة قد خاطبت السلطة السياسية اليوغسلافية وليس افراداً بعينهم مما يؤكد مسؤولية الدولة عن افعال الابادة الجماعية . ينظر الكتاب الاسود –سياسة استمرار الحصار شكل من اشكال جريمة الابادة الجماعية بحق شعب العراق –بحث مقدم الى الدورة الاستثنائية للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب –بغداد –1-3/تشرين الاول /1994– ص43.
15 - د. أشرف توفيق شمس الدين–مبادئ القانون الجنائي الدولي–دار النهضة العربية-القاهرة–1998 – ص135.
16 - د. اكرم نشأت ابراهيم – مصدر سابق – ص239. ولمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع تنظر شروحات القسم العام من قانون العقوبات على سبيل المثال: - د. علي حسين الخلف و د. سلطان الشاوي- المبادئ العامة في قانون العقوبات –مطابع الرسالة-الكويت-1982– ص 355 وما بعدها ود. عباس الحسني – شرح قانون العقوبات العراقي الجديد – المجلد الاول – القسم العام – مطبعة الارشاد – بغداد – ط2- 1972– ص166 وما بعدها.
17- د. عبد الواحد الفار – مصدر سابق – ص 280.
18 - د. اكرم نشأت ابراهيم – مصدر سابق –ص240 .
19 - د. محمد فتحي – علم النفس الجنائي – ج3 –ص34 و 38 نقلاً عن المصدر السابق –ص241. ولمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع ينظر د. ضاري خليل محمود–أثر العاهة العقلية في المسؤولية الجنائية–منشورات مركز البحوث القانونية–دار القادسية للطباعة – بغداد –1982.
20 - تنص المادة (60) من قانون العقوبات العراقي على " لا يسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك أو الارادة لجنون أو عاهة في العقل … أو لاي سبب أخر يقرر العلم انه يفقد الادراك أو الارادة ".
21 - د. ضاري خليل محمود و باسيل يوسف –المحكمة الجنائية الدولية هيمنة القانون ام قانون الهيمنة –بيت الحكمة –مطبعة الزمان –2003 – ص 173.
22 - تنص المادة (60) من قانون العقوبات العراقي على "…اما اذا لم يترتب على العاهة في العقل سوى نقص او ضعف في الادراك او الارادة وقت ارتكاب الجريمة عّد ذلك عذراً مخففاً".
23 - د. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف – مصدر سابق – ص173.
24 - د. عباس الحسني – مصدر سابق – ص172 وما بعدها.
25 - د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – مصدر سابق – ص372.
26 - تنص المادة (60) من قانون العقوبات العراقي على "لا يسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك او الارادة …بسبب كونه في حالة سكر او تخدير نتجت عن مواد مسكرة او مخدرة اعطيت له قسراً او على غير علم منه بها،أو لأي سبب أخر يقرر العلم أنه يفقد الادراك أو الارادة.أما اذا يترتب على …المادة المسكرة او المخدرة او غيرها سوى نقص او ضعف في الادراك او الارادة وقت ارتكاب الجريمة عدّ ذلك عذراً مخففاً".أما المادة (61) من نفس القانون فتنص على "اذا كان فقد الادراك أو الارادة ناتجاً عن مواد مسكرة أو مخدرة تناولها المجرم باختياره وعلمه عوقب على الجريمة التي وقعت ولو كانت ذات قصد خاص كما لو كانت قد وقعت منه بغير تخدير أو سكر".
27- د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – المصدر السابق – ص372 وما بعدها. وقد كان موضوع مناقشته طويلة في مؤتمر (روما) بين ممثلي الدول. فقد ذهبت دول كثيرة الى ضرورة التمييز بين السكر الاختياري وبين السكر غير الاختياري، ودعت الى عدم عدّ السكر الاختياري من اسباب امتناع المسؤولية الجزائية أسوة بالحكم المقرر له في قوانينها الجنائية الوطنية ، اذ لا تعد الا السكر غير الاختياري الناجم عن تناول مواد مسكرة بالافراد او من دون علم كمانع من موانع المسؤولية الجزائية. وفي مقابل هذا الاتجاه ذهب اتجاه آخر يضم غالبية الدول الغربية ودول أمريا اللاتينية الى تأييد عدّ السكر الاختياري من أسباب منع المسؤولية الجزائية اذا لم يكن مقروناً بقصد ارتكاب الجريمة. وبسبب اصرار عدد من الدول منها العربية على عدم شمول السكر الاختياري بمنع المسؤولية الجزائية اعتماداً على إمكان قبول الدفع بعدم المسؤولية الجزائية عن ارتكاب الجرائم الخطيرة التي ينص عليها النظام الاساسي، لمجرد ان مرتكبها كان في حالة نشوة سكر فقد فيها صوابه بإبادة الاف الناس بدعوى انه لم يقصد ذلك، وتخفيفاً من حدة هذا النقد تم أضافة قيود عليه قررت فيه مسؤولية الفاعل اذا كان قد سكر باختياره في ظل ظروف كان يعلم انه يحتمل ان يصدر عنه نتيجة للسكر سلوك يشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة او كان قد تجاهل فيها هذا الاحتمال. والواقع فإنه على الرغم من إضافة هذهِ القيود التي خففت من مساوئ النص المذكور فانه مع ذلك بقيت مساوئ عدّة قائمة ولاسيما ان مضمونه يحمل الادعاء العام أو المشتكي عبء إثبات ان الفاعل كان قد سكر باختياره في ظروف كان يعلم فيها انه سيرتكب الجريمة أو انه تجاهل هذا الاحتمال، لاسيما ان اثبات ذلك ان لم يكن مستحيلاً فهو غاية في الصعوبة لتعلقه بالجوانب النفسية للفاعل. ينظر: د. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف – مصدر سابق – ص174 وما بعدها.
27- د. عباس الحسني – مصدر سابق – ص179.
29 - د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – مصدر سابق – ص375.
30 - تنص المادة(62) من قانون العقوبات العراقي على "لا يسأل جزائياً من أكرهته على أرتكاب الجريمة قوة مادية أو معنوية لم يستطع دفعها".
31 - د. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف – مصدر سابق – ص177.
32 - نفس المصدر السابق – ص 178.
33 - د. أشرف توفيق – مصدر سابق – ص 137.
34 - تنص المادة (40) من قانون العقوبات العراقي على أن "لا جريمة اذا وقع الفعل من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة في الحالات التالية:-أولا– اذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اعتقد ان اجراءه من اختصاصه.ثانياً أذا وقع الفعل منه تنفيذاً لأمر صادر اليه من رئيس تجب عليه طاعته أو اعتقد ان طاعته واجبة عليه.ويجب في الحالتين أن يثبت أن اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنياً على أسباب معقولة وأنه لم يرتكبه الا بعد إتخاذ الحيطة المناسبة ومع ذلك فلا عقاب في الحالة الثانية اذا كان القانون لا يسمح للموظف بمناقشة الامر الصادر اليه".
35 - ينظر في التفاصيل: د. أشرف توفيق – مصدر سابق – ص97 وما بعدها ود. حسنين ابراهيم عبيد –الجريمة الدولية –موسوعة الفقه والقضاء –ج61-1979 – ص89 وما بعدها.
36 - ينظر في التفاصيل: د. أشرف توفيق - ص97 وما بعدها ود. حسنين عبيد - ص89 وما بعدها.
37- د. أشرف توفيق – مصدر سابق – ص101 .
38 - د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص 343.
39 - د. أشرف توفيق – مصدر سابق – ص102 وما بعدها.
40 - د. حسنين عبيد – مصدر سابق – ص90.
41 - د. أشرف توفيق–مصدر سابق–ص 103.وقد ورد في تقرير القاضي الامريكي (جاكسون) المقدم لمؤتمر لندن سنة 1945 والذي ضمن اتفاقيتها الشهيرة الخاصة بمحاكمات كبار مجرمي الحرب من دول المحور "وجوب إعطاء المحكمة الدولية سلطة تقدير مدى إمكانية قبول أمر الرئيس الاعلى دفعاً لمسؤولية المتهم حتى لا يغدو ذا قوة مطلقة في اباحة فعله او درء مسؤوليته عنه". د. حسنين عبيد – مصدر سابق – ص90.
42 - د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص196.
43 - د. أشرف توفيق – مصدر سابق – ص 104 و د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص343 .
44 - د. حميد السعدي–مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي– مطبعة المعارف–بغداد –ط1-1971– ص299 .
45 - د. محمد محي الدين عوض – مصدر سابق – ص344 .
46- د. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف – مصدر سابق – ص179 وما بعدها.
47 - منظمة مراقبة حقوق الانسان – كيف يستطيع ضحايا انتهاكات حقوق الانسان ملاحقة مرتكبيها في الخارج. بحث منشور على الانترنيت ضمن الموقع: - http://www.hrw.org/arabic وهذا ما أكدته أجهزة الامم المتحدة أيضاً. نفي قرارها المرقم (955) لعام 1994 الخاص بانشاء محكمة لمحاكمة الاشخاص المسؤولين عن ابادة الجنس وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني في رواندا أو في إقليم الدول المجاورة ، أكد مجلس الأمن على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي تلك الافعال (المادة 6 من نظام محكمة رواندا). ويحكم المسؤولية الفردية لمرتكبي الجرائم الدولية خمس قواعد هي: 1- ان الصفة الرسمية للشخص (كونه رئيس دولة ، أو من كبار موظفيها) لا تعفيه من العقاب ولا تعد سبباً لتخفيف العقوبة (المواد 7 من نظام نورمبرج و7-2 من نظام محكمة يوغسلافيا و27 من نظام روما الاساسي) معنى ذلك أن تمتع الشخص بالحصانة دولياً أو داخلياً لا يؤثر على مسؤوليته عن الجرائم الواردة في نظام روما الاساسي. 2- ان ارتكاب احد الاشخاص للفعل لا يعفي رئيسه من المسؤولية الجنائية اذا علم أو كانت لديه أسباب معقولة ان ذلك الشخص يستعد لارتكابه أو ارتكبه دون ان يتخذ الرئيس الاجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ذلك الفعل او لمعاقبة مرتكبه (المادة 7-3 من نظام محكمة يوغسلافيا والمادة 86-2 من البروتوكول الاول الملحق باتفاقيات جنيف والمادة 28 من نظام روما الاساسي). وهذا ما تنص عليه الفقرة (19) من مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الاعدام خارج القانون والاعدام التعسفي والاعدام دون محاكمة التي تبناها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره رقم 65/1986 بقولها " ويمكن اعتبار الرؤوساء وكبار الموظفين وغيرهم من الموظفين العموميين مسؤولين عن الافعال التي يرتكبها من يعملون تحت رئاستهم اذا كانت قد اتيحت لهم فرصة معقولة لمنع حدوث هذهِ الافعال" . 3- ان ارتكاب الشخص للفعل تنفيذاً لاوامر الحكومة او قائده الاعلى لا يعفيه من المسؤولية الجنائية وان كان يمكن اعتبار ذلك سبباً لتخفيف العقاب اذا رأت المحكمة أن العدالة تحتم ذلك (المادة 8 من نظام نورمبرج والمادة 7-4 من نظام يوغسلافيا ) 4- أن هناك أحوال للأعفاء من المسؤولية (المادة 31 من نظام روما الاساسي) 5- أن الشخص يعد مسؤولاً جنائياً أذا كان قد ارتكب الجريمة بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين أو أمر أو حث أو شجع على ارتكابها او ساعد او ساهم في ارتكابها (المادة 25 من نظام روما الاساسي). المحكمة الجنائية الدولية: تحدي الحصانة – مصدر سابق – ص 73 وما بعدها.
48 - د. أشرف توفيق – مصدر سابق – ص76 .
49 - د. ضاري خليل محمود وباسيل يوسف–مصدر سابق–ص176 وما بعدها. ولمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع ينظر نفس المصدر–ص175 وما بعدها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|