أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-5-2021
2845
التاريخ: 29-10-2019
17823
التاريخ: 12-7-2019
2817
التاريخ: 27-2-2021
2110
|
بسم الله الرحمن الرحيم {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25، 26] (1).
معركة حنين في سطور:
1- منطقة حنين تقع في واد بين سلسلة جبال شاهقة بين مكة والطائف، تسكنها عشائر هوازن وثقيف ومن يدور حولهم وفي حلفهم.
2- تاريخ وقوع المعركة في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وبعد فتح مكة واستسلام معظم أهلها، أو إسلام القبائل المحيطة بمكة فضلا عن قبائل قريش ومشايخه، إلا أن قبائل هوازن، وثقيف ومن يدور في فلكهم أو حلفائهم بقيت معاندة ولم تسلم.
3- لما فتح الله مكة على يد رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ودانت له معظم القبائل العربية وأسلمت واستقر الحال، بعث (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بقية القبائل التي لم تسلم بعض الرسائل يدعوهم إلى الدخول مع من دخل في الإسلام، فامتنعت عليه قبائل هوازن وثقيف ومن حالفهم، وأظهروا العداء له (صلى الله عليه وآله وسلم) ولرسالته، فاضطر بعد اليأس من هدايتهم أن يغزوهم في عقر دارهم. خرج (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة بعد أن فتحها الله على يده، ومكث فيها زهاء خمسة عشر يوما، قاصدا قبائل هوازن وثقيف المجتمعة في منطقة (حنين وأوطاس) للتصدي لجيش المسلمين، وذلك في اليوم الثالث من شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة. وخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) في جيش منظم جرار قوامه اثنا عشر ألف مقاتل، وكان قد دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل من المسلمين وهم كما يلي:
أربعة آلاف من الأنصار، وألف من جهينة، وألف من أسلم، وألف من غفار، وألف من أشجع، وألف من المهاجرين، والتحق به من مكة ألف من سليم يرأسهم عباس بن مرداس، ومن مسلمي الفتح ألف، فصاروا جميعا اثني عشر ألفا.
وعقد (صلى الله عليه وآله وسلم) لواء الأكبر ودفعه إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمر كل من دخل مكة برايته أن يحملها، دخل مكة بعشر آلاف وخرج منها بإثني عشر ألفا. وبعث إلى صفوان بن أمية واستعار منه مائة درع، فقال صفوان: عارية أم غصب، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): عارية مضمونة مؤداة، فأعاره صفوان مائة درع وخرج معه.
ولما رأى أحد المسلمين هذا الجيش الجرار والاستعداد الهائل قال: لا نغلب من قلة فساءت مقالته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي معظم الروايات: كان قائلها أبو بكر، وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25] . ذكر ذلك الطبري في تاريخه في حوادث السنة الثامنة للهجرة (ج 2 ص 334).
كما ذكرها ابن إسحاق: لما علمت قبائل هوازن وثقيف وحلفاؤهم من جشم، ونصر وغيرهم بفتح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة والانتصارات المذهلة ساءهم ذلك، خاصة بعدما علمت بإسلام واستسلام معظم أهل مكة وفي مقدمتهم قريش ومشايخها وحلفاؤها، كما سمعت بنزول السورة الكريمة: }إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)2) {). قدروا عند ذلك بأن الدائرة ستدور عليهم، إن عاجلا أو آجلا، وأن جيوش المسلمين سيقتحمون عليهم بلادهم وديارهم، وحصونهم. فاجتمعوا بقيادة مالك بن عوف النصري، وأمروه عليهم زعيما وقائدا، وأجمعوا على مناجزة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصده عن بلادهم وديارهم إن غزاهم. ومضت تلك الحشود التي قدرها المؤرخون وأصحاب السيرة بثلاثين ألف مقاتل أو يزيدون عدا ذراريهم بقيادة مالك بن عوف، حتى نزلوا بحنين وأوطاس وساقوا معهم جميع أموالهم وذراريهم وجعلوها خلفهم، ليقاتل ويدافع كل واحد منهم عن أهله وأمواله، دفاع المستميت.
وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلا من أصحابه، يقال له عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ليستطلع أخبار العدو، فخرج حتى انتهى إلى زعيمهم مالك بن عوف، * فسمعه يخطب قومه ويأمرهم: ليصيرن كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره، واكسروا أغماد سيوفكم وجفونها، واكمنوا في شعاب هذا الوادي، خلف أشجارها، فإذا كان في غبش الصبح ودخلوا الوادي احملوا عليهم حملة رجل واحد فهدوا القوم، فإن محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب. ولما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه الغداة انحدر في وادي حنين، ولما صاروا في مضيق بين جبلين خرجت عليهم كتائب هوازن من كل ناحية بغتة فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة - مقدمة جيش المسلمين - وانهزم ما وراءهم، وخلى الله تعالى بينهم وبين عدوهم، لإعجابهم بكثرتهم، وثبت علي (عليه السلام) ومعه اللواء يقاتلهم في نفر من بني عبد المطلب وهم تسعة وعاشرهم أيمن ابن عبيدة - ابن أم أيمن - محيطين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان العباس آخذا بلجام بغلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والفضل عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث عن يساره ونوفل وربيعة ابنا الحارث وبقية بني عبد المطلب محيطون به (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد استشهد أيمن بن عبيدة مدافعا عن الإسلام والعقيدة وعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصرع في ساحة المعركة (رحمه الله)، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في قلب المعركة يجالد ويقاتل المشركين ليردهم ويذود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد افتقده عمه العباس وقال لمن حوله معاتبا: لم أجد عليا أين ذهب عنا هذه الساعة؟ فقال من كان إلى جنبه: هناك علي يقاتل المشركين ألا ترى إلى وميض سيفه يخطف رؤوس الكفار كالبرق؟ فقال العباس، أين هو أرنيه؟ ولما رآه وهو يقاتل قال: فداك عمك بر كريم وابن بر كريم.
وفي ذلك أنشد العباس هذه الأبيات:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة *** وقد فر من قد فـــر عنـه فأقشعوا
وقــولي إذا مــا الفضل كـــر بسيفه *** على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
وعـــاشرنـــا لاقـــى الحمــام بنفسه *** لمــــا نـــاله في الله لا يتــــــوجع
فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هزيمة القوم عنه نادى فيهم: يا معشر الأنصار إلى أين أنا رسول الله، فلم يلو أحد منهم. وكان المنهزمون يمرون عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يلوون على شيء، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو في وجوه المنهزمين التراب، وتقول: أين تفرون عن الله وعن رسوله؟ وقد مر بها عمر منهزما فقالت له: ويلك يا ابن الخطاب ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله. فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الهزيمة ركض نحو بغلته فركبها وشهر سيفه، ونادى: إلى أين يا معشر الأنصار وأمر عمه العباس وكان جهوريا صيتا: اصعد هذا الظرب ونادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة إلى أين تفرون وهذا رسول الله؟ ثم رفع (صلى الله عليه وآله وسلم) يده إلى السماء فقال: اللهم لك الحمد ولك الشكر وإليك المشتكى وأنت المستعان فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله، دعوت بما دعا به موسى بن عمران (عليه السلام) حيث فلق الله البحر ونجاه من فرعون. ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي سفيان بن الحارث: ناولني كفا من الحصى، فناوله فرماه في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه :
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت لا تعبد لا تعبد فرد الله كيدهم، فلما سمع الأنصار وبقية المسلمين نداء العباس، تراجعوا وقالوا: لبيك، لبيك، ثم عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون: لبيك، ومروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقال: يا رسول الله هؤلاء الأنصار، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الآن حمي الوطيس، ونزل النصر من الله تبارك وتعالى. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يزال يقاتل المشركين وحده واللواء بيده، حتى برز إليه بطل المشركين وحامل لوائهم أبو جرول ومن خلفه جيش جرار، مرتجزا:
أنا أبو جرول لا براح *** حتى نبيح القوم أو نباحي
فقصده الإمام (عليه السلام) فضرب عجز بعيره ثم ضربه على عاتقه فقتله وهو يرتجز ويقول:
قد علم القوم لدى صباح *** إني لدى الهيجاء ذو نصاح
ولما رأى المشركون قتل أبي جرول، وهو قائدهم وحامل لوائهم دب الرعب في قلوبهم، وانهزمت هوازن وثقيف وكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو ودارت عليهم الدائرة وانهزموا في كل وجه، وغنم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أموالهم ونساءهم وذراريهم، وهو قول الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] (3). فانهزم المشركون شر هزيمة، وحمل عليهم المسلمون يقدمهم الإمام علي فقتل منهم أربعين رجلا وانهزم الباقون وأسر منهم من أسر، ومجموع ما قتل منهم زهاء المائة رجل، وفر مالك بن عوف النصري حتى دخل حصن الطائف، وأغنم الله المسلمين أموالهم ونساءهم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسبي من الذراري والأموال أن تحدر إلى الجعرانة، وولى على الغنائم بديل ابن ورقاء الخزاعي. ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أثر القوم فوافى الطائف في طلب مالك بن عوف فحاصر أهل الطائف بقية الشهر، فلما دخل ذو القعدة - وهو من أشهر الحرم انصرف إلى الجعرانة، وقسم غنائم حنين وأوطاس. وأرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مالك بن عوف وقال: إن جئتني مسلما رددت إليك أهلك ومالك، ولك عندي مائة ناقة، فخرج إليه من الطائف فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل واستعمله على من أسلم من قومه. قال سعيد بن المسيب: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقفوا لنا حلب شاة، فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء - يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - فتلقانا رجال بيض الوجوه والثياب فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، فرجعنا فركبوا أكتافنا فكانوا إياها، يعني الملائكة (4). وذكر الفيض الكاشاني (5): قال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم: أين الخيل البلق (6) والرجال عليهم الثياب البيض فإنما كان قتلنا بأيديهم وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة؟ قالوا: تلك الملائكة. وقال الزهري: وبلغني أن شيبة بن عثمان قال: استدبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان، وعثمان بن طلحة - وكانا قد قتلا يوم أحد - فاطلع الله رسوله على ما في نفسي فالتفت إلي وضرب في صدري، وقال: أعيذك بالله يا شيبة، فارتعدت فرائصي فنظرت إليه، فإذا هو أحب إلي من سمعي وبصري فقلت: أشهد أنك رسول الله وأن الله قد أطلعك على ما في نفسي. وقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغنائم بالجعرانة، وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الإبل والشاة ما لا يدري عدته. وقال أنس بن مالك: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر مناديا فنادى يوم أوطاس: ألا لا تطأوا الحبالى حتى يضعن، ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة. قال أبو سعيد الخدري: قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغنائم للمتألفين من قريش، ومن سائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منهم شيء قليل ولا كثير، فمشي سعد ابن عبادة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب ولم يكن فيهم من ذلك شيء، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فاجمع لي قومك في هذه الحضيرة. فجمعهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأنصار أولم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ فقالوا وما نقول؟ وبماذا نجيبك؟ المن لله ولرسوله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم، وجئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفا فآمناك، ومخذولا فنصرناك. فقالوا: المن لله ولرسوله. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لماعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار. فبكى الأنصار حتى اخضلت لحاهم وقالوا: رضينا بالله ورسوله قسما، ثم تفرقوا. غنم المسلمون غنائم عظيمة، وكان من بين الأسرى عدد من بني سعد، العشيرة التي منهم حليمة السعدية مرضعة النبي الذين مكث (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم في طفولته، وقد أجبروا على الخروج لمحاربة الرسول وقالوا: أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ابننا ولا نخرج لقتاله. ومن النساء الأسيرات أخته الشيماء السعدية، ولما خلصت إليه وعرفها أكرمها وفرش لها رداءه، ولما جلست قالت له: يا محمد أنسيت عضتك حينما كنت حاملتك على صدري؟ فكشفت له عن كتفها وأرته إياها فتبسم بأبي وأمي وقال لها: لا ما نسيت، وبعدها أكرمها ورد عليها مالها، فقالت: لا والله ما أقبل حتى ترد على قومي أموالهم وتطلق أسرهم، فأجابها إلى ما طلبت منه إكراما لها بعد أن استرضى أصحابه. يذكرني هذا الموقف بموقف آخر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما جيء بالسبايا من طي وكانت من بينهم سفانة بنت حاتم الطائي بعدما عرفها أكرمها ورد عليها وعلى قومها أموالهم وأطلق أسراهم إكراما لأبيها على الرغم من أنه مات مشركا وذلك لخصلة الكرم فيه، وقال قولته المشهورة: أكرموا عزيز قوم ذل، وغنيا افتقر، وعالما ضاع بين جهال. وبعد أن شاهدت منه هذا الكرم ذهلت وهي ابنة حاتم الطائي فقالت: يا محمد هذا عطاء من لا يخاف الفقر، أجابها (صلى الله عليه وآله وسلم): هكذا أدبني ربي وفي رواية أخرى: هكذا علمني ربي. فقالت: دعني ادعو لك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: انصتوا لدعائها وأمنوا. فقالت: يا محمد جعل الله برك في مواضعه، ولا جعل الله لك عند لئيم حاجة، وما سلب الله نعمة عبد إلا وجعلك سببا في ردها عليه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
آمين، وأمن أصحابه بعده (7). ثم أقبلت وفود هوازن وقدمت على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجعرانة مسلمين فقام خطيبهم وقال: يا رسول الله إنما في الحضائر من السبايا خالاتك، وحواضنك اللآتي كن يكفلنك، فلو إنا محلنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين ثم أنشد أبياتا.
وذكر الطبري في تاريخه هذه الأبيات:
أمنن علينا رسول الله في كرم *** فإنك المــرء نرجـــوه وندخر
أمنـن على بيضة أعناقها قدر *** ممزق شملها في دهرها غير
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أي الأمرين أحب إليكم: السبي أو الأموال؟ قالوا: يا رسول الله خيرتنا بين الحسب والأموال، والحسب أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسأكلم لكم المسلمين وأشفع لكم فكلموهم وأظهروا إسلامكم. فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الهاجرة قاموا فتكلموا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قد رددت الذي لبني هاشم والذي بيدي عليهم، فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل، ومن كره أن يعطي فليأخذ الفداء وعلي فداؤهم. فأعطا الناس ما كان بأيديهم إلا قليلا من الناس سألوا الفداء. في سيرة ابن هشام: قال ابن إسحاق: وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين: من قريش ثم من بني هاشم: أيمن بن عبيد، ومن بني أسد بن عبد القرى: يزيد بن رفعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، جمح به فرس يقال له الجناح فقتل، ومن الأنصار: سراعة بن الحارث بن عدي بن العجلان ومن الأشعريين: أبو عامر الأشعري (8).
________
(1) سورة التوبة الآية 25 - 26.
(2) سورة النصر الآية 1 - 2.
(3) سورة التوبة الآية 25.
(4) هذا ما نقله السيد الطباطبائي في الميزان ج 9 ص 232.
(5) في تفسيره الصافي ج 2 ص 332.
(6) البلق: سواد وبياض.
(7) هذا موقف أصحاب الشيم والنبل والكرم وطيب الأرومة، وموقف آخر من بني أمية المليء بالخزي والعار من عقيلة بني هاشم وصريخة عبد المطلب بعد معركة الطف، وهلا أكرموها وحفظوها لقربها من جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمها فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ وهم يدعون كذبا وزورا أنهم من أمته ومن رعيته أين هم من الإسلام الذي أظهروه وأبطنوا الكفر والنفاق؟ ونعم ما قال الشاعر:
ملكنــا فكان العفو منا سجية *** ولمــا ملكتم ســال بالــدم أبطــــح
وحللتم قتل الأسارى وطالما *** غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكــم هـذا التفاوت بيننا *** وكـــل إنــــاء بالـــذي فيه ينضح.
(8) هذا ما ذكرناه ملخصا عن بعض المصادر، منها: علي من المهد إلى اللحد، وتفسير الميزان ج 9 ص 217 - 237 في تفسير آية 25 - 26 من سورة براءة، وتفسير الصافي ج 2 ص 329 - 331. وسيرة المصطفى ج 1 ص 610 - 620.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|