أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-07-2015
799
التاريخ: 20-11-2014
1186
التاريخ: 7-08-2015
1044
التاريخ: 7-08-2015
2662
|
ذهبت الإمامية، ومن تابعهم من المعتزلة، إلى أن من الأفعال ما هو معلوم الحسن، والقبح بضرورة العقل، كعلمنا بحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، فكل عاقل لا يشك في ذلك.
وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب، وأن الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية. ومنها ما هو معلوم بالاكتساب أنه حسن، أو قبيح، كحسن الصدق الضار، وقبح الكذب النافع (1).
ومنها ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه فيكشف الشرع عنه كالعبادات.
وقالت الأشاعرة: إن الحسن والقبح شرعيان، ولا يقضي العقل بحسن شئ منها، ولا بقبحه، بل القاضي بذلك هو الشرع، فما حسنه فهو حسن وما قبحه فهو قبيح (2).. وهو باطل من وجوه:
الأول: أنهم أنكروا ما علمه كل عاقل: من حسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، سواء كان هناك شرع أم لا، ومنكر الحكم الضروري سوفسطائي.
الثاني: لو خير العاقل الذي لم يسمع الشرايع، ولا علم شيئا من الأحكام، بل نشأ في بادية، خاليا من العقائد كلها، بين أن يصدق ويعطى دينارا، أو بين أن يكذب ويعطى دينارا، ولا ضرر عليه فيهما، فإنه يتخير الصدق على الكذب. ولولا حكم العقل بقبح الكذب، وحسن الصدق، لما فرق بينهما، ولا اختار الصدق دائما.
الثالث: لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشرع، والتالي باطل، فإن البراهمة بأسرهم ينكرون الشرايع والأديان كلها، ويحكمون بالحسن والقبح، مستندين إلى ضرورة العقل في ذلك.
الرابع: الضرورة قاضية بقبح العبث، كمن يستأجر أجيرا ليرمي من ماء الفرات في دجلة، ويبيع متاعا أعطي في بلده عشرة دراهم، وفي بلد يحمله إليه بمشقة عظيمة، ويعلم أن سعره كسعر بلده بعشرة دراهم أيضا. وقبح تكليف ما لا يطاق، كتكليف الزمن الطيران إلى السماء، وتعذيبه دائما على ترك هذا الفعل، وقبح من يذم العالم الزاهد، على علمه، وزهده، وحسن مدحه، وقبح مدح الجاهل الفاسق على جهله وفسقه، وحسن ذمه عليهما، ومن كابر في ذلك فقد أنكر أجلى الضروريات، لأن هذا الحكم حاصل للأطفال، والضروريات قد لا تحصل لهم.
الخامس: لو كان الحسن والقبح باعتبار السمع لا غير، لما قبح من الله شئ، ولو كان كذلك لما قبح منه تعالى إظهار المعجزة على يد الكذابين.
وتجويز ذلك يسد باب معرفة النبوة، فإن أي نبي أظهر المعجزة عقيب ادعاء النبوة، لا يمكن تصديقه، مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعوى النبوة.
السادس: لو كان الحسن والقبح شرعيين لحسن من الله تعالى أن يأمر بالكفر، وتكذيب الأنبياء، وتعظيم الأصنام، والمواظبة على الزنا والسرقة، والنهي عن العبادة والصدق لأنها غير قبيحة في أنفسها. فإذا أمر الله تعالى بها صارت حسنة، إذ لا فرق بينهما وبين الأمر بالطاعة، فإن شكر المنعم، ورد الوديعة، والصدق ليست حسنة في أنفسها، ولو نهى الله تعالى عنها كانت قبيحة. لكن لما اتفق أن الله تعالى أمر بهذه مجانا، لغير غرض ولا حكمة، صارت حسنة، واتفق أنه نهى عن تلك فصارت قبيحة، وقبل الأمر والنهي لا فرق بينهما. ومن أداه عقله إلى تقليد من يعتقد ذلك، إنه أجعل الجهال، وأحمق الحمقى، إذ علم أن معتقد رئيسه ذلك. ومن لم يعلم، ووقف عليه، ثم استمر على تقليده فكذلك، فلهذا وجب علينا كشف معتقدهم، لئلا يضل غيرهم ولا تستوعب البلية جميع الناس.
السابع: لو كان الحسن والقبح شرعيين، لزم توقف وجوب الواجبات على مجيء الشرع. ولو كان كذلك لزم إفحام الأنبياء، لأن النبي عليه السلام إذا ادعى الرسالة، وأظهر المعجزة، كان للمدعو أن يقول: إنما يجب علي النظر في معجزتك، بعد أن أعرف أنك صادق، فأنا لا أنظر حتى أعرف، صدقك ولا أعرف صدقك إلا بالنظر، وقبله لا يجب علي امتثال الأمر، فينقطع النبي، ولا يبقى له جواب.
الثامن: لو كان الحسن والقبح شرعيين، لم يجب المعرفة، لتوقف معرفة الايجاب على معرفة الموجب، المتوقفة على معرفة الايجاب، فيدور.
التاسع: الضرورة قاضية بالفرق بين من أحسن إلينا دائما، ومن أساء إلينا دائما، وحسن مدح الأول، وذم الثاني، وقبح ذم الأول، ومدح الثاني، ومن يشكك في ذلك فقد كابر مقتضى عقله...
___________
(1) أقول: إن الحسن والقبح العقلي، لا يتغير ولا يتبدل بعروض الحسن أو القبح الثانوي، بطرو العنوان الثانوي لأن ما هو حسن في ذاته لا ينقلب قبيحا في ذاته وبالعكس.
(2) الملل والنحل ج 1 ص 101، وشرح التجريد للقوشجي ص 375.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|