صعب على الجغرافيين الوصول الى تعريف جامع مانع للجغرافية بشك عام، فقد صعب الوصول الى تعريف جامع لجغرافية الزراعة. فقد تناولها باحثون كثيرون منهم الجغرافيون والزراعيون والاقتصاديون، ولكل منهم تعريف يرتبط بمجال تخصصه.

فقد أشار (برنارد) الى ان جغرافية الزراعة تهدف الى القاء الضوء على التغيرات المكانية في الزراعة وبحث اسبابها, وفي عام 1964 ذكر (ريدز): (ان جغرافية الزراعة تعني في مفهومها العام السعي لوصف وتفسير الاختلافات المساحية في الزراعة).

ولكن العريف الحرفي لكلمة الزراعة agriculture يعني انها تتكون من مقطعين: الأول مشتق من كلمة Agros بمعنى حقل و Culture بمعنى العناية بالأرض وفلاحتها، وبذلك تعني الكلمة (فلاحة الأرض), ولكن هذا التعريف اللفظي لم يعد يتفق والواقع الآن، فهو يقتصر على حرث الأرض واعدادها للزراعة، أي فلاحتها، بينما أصبحت الزراعة حاليا تتجاوز ذلك في أنشطة أخرى ترتبط بالزراعة سواء بطريق مباشر او غير مباشر.

فقد امتدت لتشمل تربية الحيوان وإزالة الغابات لتحل محلها الزراعة، بل امتدت لتشمل جميع الأنشطة التي يقوم بها الانسان لتوفير الغذاء للإنسان والحيوان من خلال تحكمه في الظروف البيئية في ضوء قدراتها بحث يقوم بتشكيلها واعدادها بحث تحقق له سبل الحياة التي يريدها.

مما سبق يمكننا القول بان الزراعة تعني:(جميع العمليات التي تهدف الى تهيئة البيئة المناسبة لنمو النباتات وتربية الحيوانات التي يحتاجها الانسان). ولكنن ليس هناك مصطلح واحد يحقق هذا المعنى، كما أشار الى ذلك لورانس هوفمان(1) الذي ذكر الزراعة وما يرتبط بها من الأنشطة الأولى مثل: الصيد والجمع والنشاط الغابي.

ولكن بالنظر الى ما تقوم به هيئة الأمم المتحدة م خلال (منظمة الأغذية والزراعة F. A. O). يلاحظ انها تضم النشاط الغابي والصيد والرعي ضمن نشاطها المرتبط بالزراعة أساسا.

وقد عرف (زيمران) الزراعة بانها تلك التي تشمل الاعمال المنتجة التي يقوم بها المزارعون للنهوض بعملية الإنتاج الزراعي، ولتحسين عمليات نمو النبات والحيوان بقصد توفير المنتجات النباتية والحيوانية المطلوبة(2) وقد يكون المقصود بالزراعة المحاصيل الحقلية.

فالزراعة هي مجهودات الانسان من اجل العيش ضمن حياة مستقرة معتمدا على التربة للزراعة، وذلك بمعنى ان الزراعة هي الاستعانة بمجموعة من العمليات لإيجاد بيئة مناسبة لنمو النبات وتربية الحيوان لتسد حاجات الانسان، وبذلك تكون الزراعة شاملة للإنتاج النباتي والحيواني, والزراعة تحددها الظروف البيئية المتمثلة أساسا في المناخ والتربة. فللمناخ تأثير مباشر على النبات، كما ان له تأثير غير مباشر على التربة (3) .

وهذه العلاقة يمكن ادراكها في الصورة التالية:

المناخ : الصخور الاصلية  -  التربة  -  نباتات مزروعة  - النبات الطبيعي

فالتربة والنبات يحددهما المناخ، ولو ان للصخور الاصلية دورها في تحديد التربة كذلك. وبذلك نرى ان الموارد الزراعية هي عبارة عن هبات من الطبيعة ممثلة الغلاف الغازي (المناخ) والتربة التي تتفاعل فتجعل الأرض في صورة تسمح بالاستغلال الزراعي.

ويبرز المجتمعون اثر البيئة الطبيعية في تعريفهم لجغرافية الزراعة حيث يرون ان جغرافية الزراعة هي: تأثير البيئة الطبيعية في تحديد نمط الزراعة وتوزيعها الجغرافي، اما الاحتماليون فيرون ان الانسان هو صاحب الاختيار في تحديد نوع النشاط الذي يختاره في ضوء البيئة الطبيعية.

ولكن رغم عدم الاتفاق على تعريف محدد لمفهوم الزراعة يمكننا القول بان الزراعة بشكل عام هي احد فروع النشاط الاقتصادي الذي هدف الى اشباع رغبات الانسان من السلع والخدمات الزراعية مباشرة وبعد استبدالها من انتجة الفروع الأخرى للنشاط الاقتصادي.

اما أساليب الزراعة، أي الفلاحة، فهي الأساليب التكنولوجية الزراعية، أي مجموعة المعارف الفيزيقية والكيميائية والهندسية، وكل ما يتعلق بوسائل وأساليب تحويل الموارد الزراعية البشرية وغير البشرية الى سلع وخدمات زراعية، أي ان الزراعة هي انتاج الزروع النباتية والحيوانية(4).

من كل ما تقدم يمكننا تحديد مفهوم (جغرافية الزراعة) بانها تحليل لمدلول (الجغرافية) وكلمة (الزراعة). وكما هو معروف بان مفهوم (الجغرافية) يعني دراسة سطح الأرض وما عليها من ظواهر طبيعية وبشرية، ومعرفة تأثر كل منهما بالآخر وتأثيره فيه.

اما كلمة (الزراعة) فهي تعني: (العناية بالأرض وفلاحتها، أي الجهد المبذول لإنتاج المحاصيل النباتية وتربية الحيوان عن طريق استثمار الإمكانات الطبيعية والبشرية), ومن هنا نرى ان مفهوم جغرافية الزراعة يعني: (دراسة العوامل البيئية والبشرية المؤثرة في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وما يترتب على ذلك من انتاج يختلف من منطقة لأخرى ومن وقت لآخر).

___________

(1) Lawrance A. Hoffman, Economic Geographe, New York, 1965, p. 94.

(2) محمد عبد العزيز عجمية. الموارد الاقتصادية. القاهرة. 1988 ص87.

(3) Henrich Walter, Vegetation of the Earth, New York, 1973. P. 4.

(4) عثمان احمد الخولي ومحمود محمد الشريف. الزراعة العربية. الإسكندرية. 1980.ص12.