أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-05
933
التاريخ: 23-7-2019
3379
التاريخ: 12-7-2019
2130
التاريخ: 5-1-2020
3732
|
اجتمعت قريش في دار الندوة وكتبوا صحيفة بينهم أن لا يؤاكلوا بني هاشم ولا يكلموهم، ولا يبايعوهم، ولا يزوجوهم، ولا يتزوجوا إليهم، ولا يحضروا معهم حتى يدفعوا إليهم محمدا فيقتلونه، وإنهم يد واحدة على محمد يقتلونه غيلة أو صراحا، فلما بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم ودخلوا الشعب وكانوا أربعين رجلا، فحلف لهم أبو طالب بالكعبة والحرم والركن والمقام إن شاكت محمدا شوكة لأثبن (1) عليكم يا بني هاشم، وحصن الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه، ورسول الله صلى الله عليه وآله مضطجع، ثم يقيمه ويضجعه في موضع آخر فلا يزال الليل كله هكذا، ويوكل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار فأصابهم الجهد.
وكان من دخل مكة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا ومن باع منهم شيئا انتهبوا ماله، وكان أبو جهل والعاص بن وائل السهمي و النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي، تدخل مكة، فمن رأوه معه ميرة (2) نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا، ويحذرون إن باع شيئا منهم أن ينهبوا ماله، وكانت خديجة رضي الله عنها لها مال كثير فأنفقته على رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب.
ولم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل ابن عبد المطلب بن عبد مناف، وقال: هذا ظلم، وختموا الصحيفة بأربعين خاتما ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه، وعلقوها في الكعبة، وتابعهم على ذلك أبو لهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج في كل موسم فيدور على قبائل العرب، فيقول لهم: تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربكم، وثوابكم الجنة على الله، و أبو لهب في أثره فيقول: لا تقبلوا منه، فإنه ابن أخي وهو - كذاب ساحر، فلم يزل هذا حالهم (3) وبقوا في الشعب أربع سنين، لا يأمنون إلا من موسم إلى موسم، ولا يشترون ولا يبايعون (4) إلا في الموسم، وكان يقوم بمكة موسمان في كل سنة. موسم العمرة في رجب، وموسم الحج في ذي الحجة، فكان إذا اجتمعت المواسم تخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون ويبيعون، ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني، وأصابهم الجهد وجاعوا،
وبعثت قريش إلى أبي طالب: ادفع إلينا محمدا حتى نقتله، ونملكك علينا، فقال أبو طالب رضي الله عنه قصيدته اللامية يقول فيها:
ولمــا رأيت القــــوم لا ود فيهم *** وقد قطعوا كل العرى والوسائل
ألم تعلمـــوا أن ابننــا لا مكـذب *** لدينــــا ولا يعني بقول الا باطل
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه *** ثمــال اليتـــامى عصمة للأرامل
يطوف به الهلاك من آل هاشم *** فهــم عنده في نعمـــــة وفواضل
كذبتــم وبيت الله يبزى محمــد (5)* ولمــــا نطــــاعن دونـه ونقاتل (6)
ونسلمـــه حتـــى نصـــرع دونه *** ونذهـــل عــــن أبنائـنا والحلائل
لعمــــــري لقد كلفت وجدا بأحمد*** وأحببته حب الحبيب المواصــل
وجـــدت بنفســــي دونه وحميته*** ودارأت (7) عنه بالذرى والكواهل (8)
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها *** وشيئا لمــــن عادى وزين المحافل
حليما رشيدا حازما غير طائش *** يوالي إلـــه الحـــق ليس بمــا حل (9)
فـــأيـــده رب العبـــاد بنصـــره *** وأظهـــــر دينـــــا حقـه غير باطل
فلما سمعوا هذه القصيدة آيسوا منه، وكان أبو العاص بن الربيع - وهو ختن رسول الله - يأتي بالعير بالليل عليها البر والتمر إلى باب الشعب، ثم يصيح بها فتدخل الشعب فيأكله بنو هاشم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لقد صاهرنا أبو العاص فأحمدنا صهره، لقد كان يعمد إلى العير ونحن في الحصار فيرسلها في الشعب ليلا ".
ولما أتى على رسول الله في الشعب أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الارض فلحست جميع ما فيها من قطيعة وظلم، (10) وتركت " باسمك اللهم (11) " ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بذلك، فأخبر رسول الله أبا طالب، فقام أبو طالب ولبس ثيابه ثم مشى حتى دخل المسجد على قريش وهم مجتمعون فيه، فلما أبصروه قالوا: قد ضجر أبو طالب، وجاء الآن ليسلم ابن أخيه، فدنا منهم وسلم عليهم فقاموا إليه وعظموه وقالوا: قد علمنا يا أبا طالب أنك أردت مواصلتنا، والرجوع إلى جماعتنا، وأن تسلم ابن أخيك إلينا، قال: والله ما جئت لهذا، ولكن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن الله تعالى أخبره أنه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الارض فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور، وترك اسم الله، فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقا فاتقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم والجور وقطيعة الرحم وإن كان باطلا دفعته إليكم، فإن شئتم قتلتموه، وإن شئتم استحييتموه، فبعثوا إلى الصحيفة وأنزلوها من الكعبة وعليها أربعون خاتما، فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلى خاتمه ثم فكوها فإذا ليس فيها حرف واحد إلا " باسمك اللهم " فقال لهم أبو طالب: يا قوم اتقوا الله، وكفوا عما أنتم عليه، فتفرق القوم ولم يتكلم أحد. ورجع أبو طالب إلى الشعب. (12)
وقال في ذلك قصيدته البائية التي أولها:
ألا من لهم آخر الليل منصب *** وشعب العصا من قومك المتشعب (13)
وفيها:
وقد كان في أمـر الصحيفة عبرة *** متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محـــا الله منها كفرهـم وعقوقهم *** وما نقموا من ناطق الحق معرب
وأصبح ما قالوا من الامر باطلا *** ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا *** على سخط من قومنا غـير معتب
ولا تحسبــونا مسلمين محـــمدا *** لذي عزة منا (14) ولا متعــزب
ستمنعـــه منــــا يد هـــــاشميـــة *** مركبها في النــاس خــــير مركب (15)
وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم مطعم بن عدي بن عامر بن لوي - وكان شيخا كبيرا كثير المال له أولاد - وأبو البختري بن هشام، وزهير بن امية المخزومي في رجال من أشرافهم نحن برآء مما في هذه الصحيفة، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، وخرج النبي صلى الله عليه وآله ورهطه من الشعب وخالطوا الناس.
موت ابي طالب وخديجة رضوان الله عليهم :
ومات أبو طالب بعد ذلك بشهرين، وماتت خديجة رضي الله عنها بعد ذلك، وورد على رسول الله صلى الله عليه وآله أمران عظيمان، وجزع جزعا شديدا، ودخل على أبي طالب وهو يجود بنفسه وقال: يا عم ربيت صغيرا، ونصرت كبيرا، وكفلت يتيما، فجزاك الله عني خير الجزاء أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربي. (16) قال ابن عباس: فلما ثقل أبو طالب رئي يحرك شفتيه، فأصغى إليه العباس (17) يسمع قوله، فرفع العباس [ عنه ] رأسه وقال: يا رسول الله والله قد قال الكلمة التي سألته إياها. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله عارض جنازة أبي طالب فقال: وصلت رحما، (18) وجزيت خيرا يا عم. (19)
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار أن خديجة بنت خويلد وأبا طالب رضي الله عنهما ماتا في عام واحد، وتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وآله المصائب بهلاك خديجة و أبي طالب، وكانت خديجة وزيرة صدق على الاسلام، وكان يسكن إليها. وذكر أبو عبد الله بن منده في كتاب المعرفة أن وفاة خديجة كانت بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام، وزعم الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وفي هذه السنة توفيت خديجة وأبو طالب وبينهما خمس وثلاثون ليلة.
_________
(1) لعل الاصح، لاتين عليكم. يقال: أتى عليه الدهر أي أهلكه.
(2) الميرة: الطعام.
(3) في نسخة: هذا حاله.
(4) في نسخة: ولا يبيعون.
(5) في النهاية: في قصيدة أبى طالب يعاتب قريشا في أمر النبي صلى الله عليه وآله:
كذبتم وبيت الله يبزى محمد *** ولما نطاعن دونه ونناضل
يبزى: يقهر ويغلب، أراد لا يبزى، فحذف " لا " من جواب القسم وهى مرادة، أي لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع.
(6) في نسخة: ونناضل.
(7) أي دافعت عنه.
(8) في نسخة: والكواهل. أقول: الذرى: أعلى الشئ، أراد به الرؤوس، والكواهل جمع الكاهل: أعلى الظهر مما يلى العنق. والكلاكل جمع الكلكل: الصدر أو ما بين الترقوتين.
(9) في النهاية: وما حل مصدق أي خصم يجادل، وقيل: ساع، من قولهم: محل بفلان: إذا سعى به إلى السلطان:
(10) في المصدر: من قطيعة رحم وظلم وجور، وتركت اسم الله.
(11) في نسخة: باسم إله.
(12) اعلام الورى: 32 - 34، قصص الانبياء: مخطوط.
(13) في المصدر: وشعب القضا من قومك المتشعب.
(14) في المصدر: لذى عزة فينا.
(15) اعلام الورى: 13.
(16) لعله صلى الله عليه وآله قال ذلك، لان أبا طالب رضى الله عنه كان يتقى من قومه ويكتم إسلامه فأراد أن يعلم قومه ذلك، هذا بعد فرض صحة الرواية ووقوع ذلك، وإلا فالرواية كما ترى مرسلة.
(17) فيه تأمل فان العباس كان حينذاك في حزب المشركين ولم يكن أسلم، وبقى كذلك إلى أن أسلم في غزوة بدر الكبرى.
(18) في النسخة: وصلتك رحم.
(19) قصص الانبياء: مخطوط.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|