المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الخرشوف Artichoke (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24

مراعاة النظير
26-03-2015
fis phenomenon
2023-09-01
تصنيف أنماط القرى في وادي النيل - النمط المبعثر
14-2-2022
لم يذكر النبي ما يدل على تعيين الوصي من بعده لا بلفظ الوصية ولا بمشتقاتها
17-11-2016
الخير والشر
26-1-2016
افهم واعمل وفق سياسة العمل
6-3-2022


غزوة خيبر  
  
3439   04:12 مساءً   التاريخ: 23-7-2019
المؤلف : الواقدي
الكتاب أو المصدر : المغازي
الجزء والصفحة :
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /

غزوة خيبر

حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيويه لفظاً، سنة سبعٍ وسبعين وثلثمائة، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الوهاب ابن عيسى بن أبي حية، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي، قال: حدثني محمد بن عبد الله، وموسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وعبد الله بن جعفر، وابن أبي سبرة، وابن أبي حبيبة، وعبد الرحمن ابن عبد العزيز، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل، وعائذ ابن يحيى، وعبد الحميد بن جعفر، ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، وأسامة بن زيد الليثي، وأبو معشر، ومعاذ بن محمد، وإبراهيم بن جعفر، ويونس ويعقوب ابنا محمد الظفريان، ويعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، وسعيد بن أبي زيد بن المعلى الزرقي، وربيعة بن عثمان، ومحمد بن يعقوب، وعبد الله بن يزيد، وعبد الملك وعبد الرحمن ابنا محمد بن أبي بكر، ومعمر بن راشد، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة؛ فكلٌّ قد حدثني من حديث خيبر بطائفة، وبعضهم أوعى له من بعض، وغير هؤلاء المسمين قد حدثني من حديث خيبر، فكتب ما حدثوني.

قالوا قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة من الحديبية في ذي الحجة تمام سنة ست ، فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم، وخرج في صفر سنة سبعٍ - ويقال خرج لهلال ربيع الأول - إلى خيبر. وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بالتهيؤ للغزو فهم مجدون، وتجلب من حوله يغزون معه، وجاءه المخلفون يريدون أن يخرجوا معه رجاء الغنيمة، فقالوا: نخرج معك! وقد كانوا تخلفوا عنه في غزوة الحديبية، وأرجفوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالمسلمين، فقالوا: نخرج معك إلى خيبر، إنها ريف الحجاز طعاماً وودكاً وأموالاً. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، فأما الغنيمة فلا. وبعث منادياً فنادى: لا يخرجن معنا إلا راغبٌ في الجهاد، فأما الغنيمة فلا! فلما تجهز الناس إلى خيبر شق ذلك على يهود المدينة الذين هم موادعون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرفوا أنهم إذا دخلوا خيبر أهلك الله خيبر كما أهلك بني قينقاع والنضير وقريظة. قال: فلما تجهزنا لم يبق أحدٌ من يهود المدينة له على أحدٍ من المسلمين حقٌّ إلا لزمه، وكان لأبي الشحم اليهودي عند عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي خمسة دراهم في شعيرٍ أخذه لأهله، فلزمه، فقال: أجلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك إن شاء الله، إن الله عز وجل قد وعد نبيه خيبر أن يغنمه إياها. وكان عبد الله بن أبي حدرد ممن شهد الحديبية، فقال: يا أبا الشحم، إنا نخرج إلى ريف الحجاز في الطعام والأموال. فقال أبو الشحم حسداً وبغياً: تحسب أن قتال خيبر مثل ما تلقونه من الأعراب؟ فيها والتوراة عشرة آلاف مقاتل! قال ابن أبي حدرد: أي عدو الله! تخوفنا بعدونا وأنت في ذمتنا وجوارنا؟ والله لأرفعنك إلى رسول الله! فقلت: يا رسول الله ألا تسمع إلى ما يقول هذا اليهودي؟ وأخبرته بما قال أبو الشحم. فأسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يرجع إليه شيئاً، إلا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرك شفتيه بشيءٍ لم أسمعه، فقال اليهودي: يا أبا القاسم، هذا قد ظلمني وحبسني بحقي وأخذ طعامي! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أعطه حقه. قال عبد الله: فخرجت فبعت أحد ثوبي بثلاثة دراهم، وطلبت بقية حقه فقضيته، ولبست ثوبي الآخر، وكانت علي عمامةٌ فاستدفأت بها. وأعطاني سلمة بن أسلم ثوباً آخر، فخرجت في ثوبين مع المسلمين، ونفلني الله خيراً، وغنمت امرأةً بينها وبين أبي الشحم قرابةٌ فبعتها منه بمال.

وجاء أبو عبس بن جبر فقال: يا رسول الله، ما عندنا نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه، فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شقيقةٌ سنبلانيةٌ، فباعها بثمانية دراهم، فابتاع تمراً بدرهمين لزاده وترك لأهله نفقةً درهمين، وابتاع بردةً بأربعة دراهم. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريق خيبر في ليلةٍ مقمرةٍ إذ أبصر برجل يسير أمامه، عليه شيءٌ يبرق في القمر كأنه في الشمس وعليه بيضة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من هذا؟ فقيل: أبو عبس بن جبر. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أدركوه! قال: فأدركوني فحبسوني، وأخذني ما تقدم وما تأخر، وظننت أنه قد نزل في أمرٌ من السماء، فجعلت أتذكر ما فعلت حتى لحقني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما لك تقدم الناس لا تسير معهم؟ قلت: يا رسول الله، إن ناقتي نجيبة. قال: فأين الشقيقة التي كسوتك؟ فقلت: بعتها بثمانية دراهم، فتزودت بدرهمين تمراً، وتركت لأهلي نفقةً درهمين، واشتريت بردةً بأربعة دراهم. فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء! والذي نفسي بيده لئن سلمتم وعشتم قليلاً ليكثرن زادكم، وليكثرن ما تتركون لأهليكم، ولتكثرن دراهمكم وعبيدكم، وما ذاك بخيرٍ لكم! قال أبو عبس: فكان والله ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

واستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري. قال أبو هريرة: قدمنا المدينة ونحن ثمانون بيتاً من دوس، فقال قائل: رسول الله بخيبر وهو قادمٌ عليكم. فقلت: لا أسمع به ينزل مكاناً أبداً إلا جئته. فتحملنا حتى جئناه بخيبر فنجده قد فتح النطاة وهو محاصرٌ أهل الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا. وكنا قدمنا المدينة فصلينا الصبح خلف سباع بن عرفطة بالمدينة، فقرأ في الركعة الأولى سورة مريم وفي الآخرة: " ويلٌ للمطففين " ، فلما قرأ " إذا اكتالوا على الناس يستوفون " قلت: تركت عمي بالسراة له مكيالان، مكيال يطفف به ومكيال يتبخس به . ويقال: استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذر، والثبت عندنا سباع بن عرفطة.

وكانت يهود خيبر لا يظنون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغزوهم لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم؛ كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفاً ثم يقولون: محمدٌ يغزونا؟ هيهات! هيهات! وكان من كان بالمدينة من اليهود يقولون حين تجهز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر: ما أمنع والله خيبر منكم! لو رأيتم خيبر وحصونها ورجالها لرجعتم قبل أن تصلوا إليهم؛ حصون شامخات في ذرى الجبال، والماء فيها واتن ، إن بخيبر لألف دارع، ما كانت أسدٌ وغطفان يمتنعون من العرب قاطبةً إلا بهم، فأنتم تطيقون خيبر؟ فجعلوا يوحون بذلك إلى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قد وعدها الله نبيه أن يغنمه إياها. فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم، فعمى الله عليهم مخرجه إلا بالظن حتى نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بساحاتهم ليلاً. وكانوا قد اختلفوا فيما بينهم حيث أحسوا بمسير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاشار عليهم الحارث أبو زينب اليهودي بأن يعسكروا خارجاً من حصونهم ويبرزوا له، فإني قد رأيت من سار إليه من الحصون، لم يكن لهم بقاء بعد أن حاصرهم حتى نزلوا على حكمه، ومنهم من سبي ومنهم من قتل صبراً. فقالت اليهود: إن حصوننا هذه ليست مثل تلك، هذه حصون منيعة في ذرى الجبال. فخالفوه وثبتوا في حصونهم، فلما صبحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعاينوه أيقنوا بالهلكة.

فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة فسلك ثنية الوداع، ثم أخذ على الزغابة، ثم على نقمي، ثم سلك المستناخ، ثم كبس الوطيح ، ومعهم دليلان من أشجع يقال لأحدهما حسيل بن خارجة، والآخر عبد الله بن نعيم، خرج على عصر وبه مسجد، ثم على الصهباء . فلما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسيره قال لعامر بن سنان: انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك . فاقتحم عامر عن راحلته، ثم ارتجز برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فألقين سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا

إنا إذا صيح بنا أتينا ... وبالصياح عولوا علينا

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يرحمك الله! فقال عمر بن الخطاب: وجبت والله يا رسول الله! فقال رجل من القوم: لولا متعتنا به يا رسول الله! فاستشهد عامر يوم خيبر. فكان سلمة بن الأكوع يقول: لما كنا دون خيبر نظرت إلى ظبيٍ حاقفٍ في ظل شجرة، فأتفرد له بسهمٍ فارميه فلم يصنع سهمي شيئاً، وأذعر الظبي فيلحقني عامر ففوق له السهم فوضع السهم في جنب الظبي، وينقطع وتر القوس فيعلق رصافه بجنبه، فلم يخلصه إلا بعد شد. ووقع في نفسي يومئذٍ طيرةٌ ورجوت له الشهادة فبصرت رجلاً من اليهود فيصيب نفسه فمات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد الله بن رواحة: ألا تحرك بنا الركب! فنزل عبد الله عن راحلته فقال:

والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم ارحمه! فقال عمر: وجبت يا رسول الله. قال الواقدي: قتل يوم مؤتة شهيداً.

قالوا: وانتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الصهباء فصلى بها العصر ثم دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق والتمر، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكلوا معه، ثم قام إلى المغرب فصلى بالناس ولم يتوضأ، ثم صلى العشاء بالناس، ثم دعا بالأدلاء فجاء حسيل بن خارجة الأشجعي، وعبد الله بن نعيم الأشجعي. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسيل: امض أمامنا حتى تأخذنا صدور الأودية، حتى نأتي خيبر من بينها وبين الشام، فأحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان. فقال حسيل: أنا أسلك بك. فانتهى به إلى موضع له طرق، فقال له: يا رسول الله، إن لها طرقاً يؤتى منها كلها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سمها لي! وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب الفأل الحسن والاسم الحسن، ويكره الطيرة والاسم القبيح. فقال الدليل: لها طريق يقال لها حزن. قال: لا تسلكها! قال: لها طريق يقال لها شاش. قال لا تسلكها! قال: لها طريق يقال لها حاطب. قال: لا تسلكها! قال عمر بن الخطاب: ما رأيت كالليلة أسماء أقبح! سم لرسول الله! قال: لها طريقٌ واحدةٌ لم يبق غيرها. فقال عمر: سمها. قال: اسمها مرحب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم اسلكها! قال عمر: ألا سميت هذا الطريق أول مرة!

وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عباد بن بشر في فوارس طليعةً، فأخذ عيناً لليهود من أشجع فقال: من أنت؟ قال: باغٍ أبتغي أبعرةً ضلت لي، أنا على أثرها. قال له عباد: ألك علمٌ بخيبر؟ قال: عهدي بها حديث، فيم تسألني عنه؟ قال: عن اليهود. قال: نعم، كان كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس ساروا في حلفائهم من غطفان، فاستنفروهم وجعلوا لهم تمر خيبر سنةً، فجاءوا معدين مؤيدين بالكراع والسلاح يقودهم عتبة بن بدر، ودخلوا معهم في حصونهم، وفيها عشرة آلاف مقاتل، وهم أهل الحصون التي لا ترام، وسلاحٌ وطعامٌ كثير لو حصروا لسنين لكفاهم، وماءٌ واتنٌ يشربون في حصونهم، ما أرى لأحدٍ بهم طاقة. فرفع عباد بن بشر السوط فضربه ضربات وقال: ما أنت إلا عينٌ لهم، اصدقني وإلا ضربت عنقك! فقال الأعرابي: أفتؤمني على أن أصدقك؟ قال عباد: نعم. فقال الأعرابي: القوم مرعوبون منكم خائفون وجلون لما قد صنعتم بمن كان بيثرب من اليهود، وإن يهود يثرب بعثوا ابن عمٍّ لي وجدوه بالمدينة، قد قدم بسلعةٍ يبيعها، فبعثوه إلى كنانة بن أبي الحقيق يخبرونه بقلتكم وقلة خيلكم وسلاحكم. ويقولون له: فاصدقوهم الضرب ينصرفوا عنكم، فإنه لم يلق قوماً يحسنون القتال! وقريش والعرب قد سروا بمسيره إليكم لما يعلمون من موادكم وكثرة عددكم وسلاحكم وجودة حصونكم! وقد تتابعت قريش وغيرهم ممن يهوى هوى محمد، تقول قريش: إن خيبر تظهر! ويقول آخرون: يظهر محمد، فإن ظفر محمد فهو ذل الدهر! قال الأعرابي: وأنا أسمع كل هذا، فقال لي كنانة: اذهب معترضاً للطريق فإنهم لا يستنكرون مكانك، واحزرهم لنا، وادن منهم كالسائل لهم ما تقوى به، ثم ألق إليهم كثرة عددنا ومادتنا فإنهم لن يدعوا سؤالك، وعجل الرجعة إلينا بخبرهم. فأتى به عباد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر، فقال عمر بن الخطاب: اضرب عنقه. قال عباد: جعلت له الأمان. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أمسكه معك يا عباد! فأوثق رباطاً. فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر عرض عليه الإسلام وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني داعيك ثلاثاً، فإن لم تسلم لم يخرج الحبل عن عنقك إلا صعداً! فأسلم الأعرابي، وخرج الدليل يسير برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى انتهى به، فيسلك بين حياض والسرير ، فاتبع صدور الأودية حتى هبط به الخرصة ، ثم نهض به حتى سلك بين الشق والنطاة. ولما أشرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على خيبر قال لأصحابه: قفوا! ثم قال: قولوا: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الرياح وما ذرت، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها. ثم قال: ادخلوا على بركة الله! فسار حتى انتهى إلى المنزلة، وعرس بها ساعةً من الليل، وكان اليهود يقومون كل ليلة قبل الفجر فيتلبسون السلاح ويصفون الكتائب، وهم عشرة آلاف مقاتل. وكان كنانة بن أبي الحقيق قد خرج في ركبٍ إلى غطفان يدعوهم إلى نصرهم، ولهم نصف تمر خيبر سنةً، وذلك أنه بلغهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سائرٌ إليهم. وكان رجلٌ من بني فزارة حليفٌ لهم قدم بسلعةٍ إلى المدينة فباعها، ثم رجع فقدم عليهم فقال: تركت محمداً يعبىء أصحابه إليكم. فبعثوا إلى حلفائهم من غطفان، فخرج كنانة بن أبي الحقيق في أربعة عشر رجلاً من اليهود يدعوهم إلى نصرهم، ولهم نصف تمرٍ خيبر سنةً. فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة، ولم يصح لهم ديلكٌ حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق، وفتحوا حصونهم معهم المساحي والكرازين والمكاتل ، فلما نظروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نزل بساحتهم قالوا: محمدٌ والخميس ! فولوا هاربين حتى رجعوا إلى حصونهم، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الله أكبر! خربت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. ولما انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المنزلة جعل مسجداً فصلى إليه من آخر الليل نافلةً. فثارت راحلته تجر زمامها، فأدركت توجه إلى الصخرة لا تريد تركب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): دعوها فإنها مأمورة! حتى بركت عند الصخرة، فتحول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الصخرة، وأمر برحله فحط ، وأمر الناس بالتحول إليها، ثم ابتنى رسول الله صلى

الله عليه وسلم عليها مسجداً، فهو مسجدهم اليوم. فلما أصبح جاءه الحباب ابن المنذر بن الجموح فقال: يا رسول الله صلى الله عليك، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمرٍ أمرت به فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأي تكلمنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بل هو الرأي. فقال: يا رسول الله، دنوت من الحصن ونزلت بين ظهري النخل والنز ، مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدىً منهم؛ ولا أعدل منهم، وهم مرتفعون علينا. وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أني لا آمن من بياتهم يدخلون في خمر النخل؛ تحول يا رسول الله إلى موضعٍ بريء من النز ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا ينالنا نبلهم. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نقالتهم هذا اليوم. ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد بن مسلمة فقال: انظر لنا منزلاً بعيداً من حصونهم بريئاً من الوباء، نأمن فيه بياتهم. فطاف محمد حتى انتهى إلى الرجيع ، ثم رجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلاً فقال: وجدت لك منزلاً. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على بركة الله. وقاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومه ذلك إلى الليل يقاتل أهل النطاة، يقاتلها من أسفلها. وحشدت اليهود يومئذٍ، فقال له الحباب: لو تحولت يا رسول الله! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا أمسينا إن شاء الله تحولنا. وجعلت نبل اليهود تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، وجعل المسلمون يلقطون نبلهم ثم يردونها عليهم. فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغدو بالمسلمين على راياتهم، وكان شعارهم: يا منصور أمت! فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله، إن اليهود ترى النخل أحب إليهم من أبكار أولادهم، فاقطع نخلهم. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقطع النخل، ووقع المسلمون في قطعها حتى أسرعوا في القطع، فجاءه أبو بكر فقال: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد وعدكم خيبر، وهو منجزٌ ما وعدك، فلا تقطع النخل. فأمر فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهى عن قطع النخل عليها مسجداً، فهو مسجدهم اليوم. فلما أصبح جاءه الحباب ابن المنذر بن الجموح فقال: يا رسول الله صلى الله عليك، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمرٍ أمرت به فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأي تكلمنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بل هو الرأي. فقال: يا رسول الله، دنوت من الحصن ونزلت بين ظهري النخل والنز ، مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدىً منهم؛ ولا أعدل منهم، وهم مرتفعون علينا. وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أني لا آمن من بياتهم يدخلون في خمر النخل؛ تحول يا رسول الله إلى موضعٍ بريء من النز ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا ينالنا نبلهم. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نقالتهم هذا اليوم. ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد بن مسلمة فقال: انظر لنا منزلاً بعيداً من حصونهم بريئاً من الوباء، نأمن فيه بياتهم. فطاف محمد حتى انتهى إلى الرجيع ، ثم رجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلاً فقال: وجدت لك منزلاً. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على بركة الله. وقاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومه ذلك إلى الليل يقاتل أهل النطاة، يقاتلها من أسفلها. وحشدت اليهود يومئذٍ، فقال له الحباب: لو تحولت يا رسول الله! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا أمسينا إن شاء الله تحولنا. وجعلت نبل اليهود تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، وجعل المسلمون يلقطون نبلهم ثم يردونها عليهم. فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغدو بالمسلمين على راياتهم، وكان شعارهم: يا منصور أمت! فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله، إن اليهود ترى النخل أحب إليهم من أبكار أولادهم، فاقطع نخلهم. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقطع النخل، ووقع المسلمون في قطعها حتى أسرعوا في القطع، فجاءه أبو بكر فقال: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد وعدكم خيبر، وهو منجزٌ ما وعدك، فلا تقطع النخل. فأمر فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهى عن قطع النخل.

وحدثني محمد بن يحيى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت نخلاً بخيبر في النطاة مقطعةً، فكان ذلك مما قطع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وحدثني أسامة بن زيد الليثي، عن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة قال: قطع المسلمون في النطاة أربعمائة عذق، ولم تقطع في غير النطاة.

فكان محمد بن مسلمة ينظر إلى صور من كبيس، قال: أنا قطعت هذا الصور بيدي حتى سمعت بلالاً ينادي عزمةً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يقطع النخل! فأمسكنا. قال: وكان محمود بن مسلمة يقاتل مع المسلمين يومئذٍ، وكان يوماً صائفاً شديد الحر، وهو أول يومٍ قاتل فيه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل النطاة وبها بدأ، فلما اشتد الحر على محمود وعليه أداته كاملةً جلس تحت حصن ناعم يبتغي فيئه، وهو أآول حصنٍ بدأ به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يظن محمود أن فيه أحداً من المقاتلة، إنما ظن أن فيه أثاثاً ومتاعاً - وناعم يهودي، وله حصون ذوات عدد فكان هذا منها - فدلى عليه مرحب رحى فأصاب رأسه. فهشمت البيضة رأسه حتى سقطت جلدة جبينه على وجهه، وأتي به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فرد الجلدة فرجعت كما كانت، وعصبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثوب. فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحول إلى الرجيع وخاف على أصحابه البيات، فضرب عسكره هناك وبات فيه، وكان مقامه بالرجيع سبعة أيام، يغدو كل يوم بالمسلمين على راياتهم متسلحين ويترك العسكر بالرجيع، ثم إذا أمسى رجع إلى الرجيع. وكان قاتل أول يومٍ من أسفل النطاة، ثم عاد بعد فقاتلهم من أعلاها حتى فتح الله عليه. وكان من جرح من المسلمين حمل إلى المعسكر فدووي، وإن كان به انلاق انطلق إلى معسكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان أول يوم قاتلوا فيه جرح من المسلمين خمسون رجلاً من نبلهم، فكانوا يداوون من الجراح. ويقال: إن قوماً شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وباء المنزل فأمرهم بالتحول إلى الرجيع، وقدموا خيبر على ثمرة خضراء وهي وبئةٌ وخيمة، فأكلوا من تلك الثمرة، وأهمدتهم الحمى، فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: قرسوا الماء في الشنان، فإذا كان بين الأذانين فاحدروا الماء عليكم حدراً واذكروا اسم الله. ففعلوا فكأنما أنشطوا من عقال .

وكان كعب بن مالك يحدث: إن رجلاً من اليهود من أهل النطاة نادانا بعد ليلٍ ونحن بالرجيع: أنا آمنٌ وأبلغكم؟ قلنا: نعم. قال: فابتدرناه فكنت أول من سبق إليه فقلت: من أنت؟ فقال: رجلٌ من اليهود. فأدخلناه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال اليهودي: يا أبا القاسم: تؤمني وأهلي على أن أدلك على عورة من عورات اليهود؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم. فدله على عورة اليهود. قال: فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه تلك الساعة فحضهم على الجهاد، وخبرهم أن اليهود قد أسلمها حلفاؤها وهربوا، وأنها قد تجادلت واختلفوا بينهم. قال كعب: فغدونا عليهم فظفرنا الله بهم، فلم يكن في النطاة شيءٌ غير الذرية فلما انتهينا إلى الشق وجدنا فيه ذرية، فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليهودي زوجته وكانت في الشق، فدفعها إليه فرأيته أخذ بيد امرأةٍ حسناء.

قالوا: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يناوب بين أصحابه في حراسة الليل في مقامه بالرجيع سبعة أيام. فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل عمر بن الخطاب على العسكر، فطاف عمر بأصحابه حول العسكر وفرقهم أو فرق منهم، فأتي برجلٍ من اليهود في جوف الليل فامر به عمر أن يضرب عنقه، فقال اليهودي: اذهب بي إلى نبيكم حتى أكلمه، فأمسكه عمر وانتهى به إلى باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجده يصلي، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلام عمر فسلم وأدخله عليه، ودخل عمر باليهودي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لليهودي: ما وراءك ومن أنت ؟ فقال اليهودي: تؤمني يا أبا القاسم وأصدقك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم. فقال اليهودي: خرجت من حصن النطاة من عند قومٍ ليس لهم نظام، تركتهم يتسللون من الحصن في هذه الليلة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فأين يذهبون؟ قال: إلى أذل مما كانوا فيه، إلى الشق، وقد رعبوا منك حتى إن أفئدتهم لتخفق. وهذا حصن اليهود فيه السلاح والطعام والودك، وفيه آلة حصونهم التي كانوا يقاتلون بها بعضهم بعضاً، قد غيبوا ذلك في بيتٍ من حصونهم تحت الأرض. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما هو؟ قال: منجينق مفككة ودبابتان وسلاح من دروع وبيضٍ وسيوف، فإذا دخلت الحصن غداً وأنت تدخله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن شاء الله. قال اليهودي: إن شاء الله أوقفك عليه، فإنه لا يعرفه أحدٌ من اليهود غيري. وأخرى! قيل: ما هي؟ قال: تستخرجه، ثم أنصب المنجنيق على حصن الشق، وتدخل الرجال تحت الدبابتين فيحفرون الحصن فتفتحه من يومك، وكذلك تفعل بحصن الكتيبة. فقال عمر: يا رسول الله، إني أحسبه قد صدق. قال اليهودي: يا أبا القاسم، احقن دمي. قال: أنت آمن قال: ولي زوجة في حصن النزار فهبها لي. قال: هي لك. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لليهود حولوا ذراريهم من النطاة؟ قال: جردوها للمقاتلة، وحولوا الذراري إلى الشق والكتيبة.

قالوا: ثم دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام، فقال: أنظرني أياماً، فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غدا بالمسلمين إلى النطاة، ففتح الله الحصن، واستخرج ما كان قال اليهودي فيه، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمنجنيق أن تصلح وتنصب على الشق على حصن النزار، فهيئوا، فما رموا عليها بحجرٍ حتى فتح الله عليهم حصن النزار. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين انتهى إليه حصب الحصن فساخ في الأرض حتى أخذ أهله أخذاً، وأخرجت زوجته، يقال لها نفيلة، فدفعها إليه. فلما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوطيح وسلالم أسلم اليهودي، ثم خرج من خيبر فلم يسمع له بذكر، وكان اسمه سماك. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين انتهى إلى حصن ناعم في النطاة وصف أصحابه نهى عن القتال حتى يأذن لهم، فعمد رجلٌ من أشجع فحمل على يهودي، وحمل عليه مرحب فقتله. فقال الناس: يا رسول الله، استشهد فلان! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أبعد ما نهيت عن القتال؟ فقالوا: نعم. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منادياً فنادى: لا تحل الجنة لعاصٍ. ثم أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القتال وحث عليه، ووطن المسلمون أنفسهم على القتال. وكان يسار الحبشي - عبدٌ أسود لعامر اليهودي - في غنم مولاه، فلما رأى أهل خيبر يتحصنون ويقاتلون سألهم، فقالوا: نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي. قال: فوقعت تلك الكلمة في نفسه، فأقبل بغنمه يسوقها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا محمد، ما تقول؟ ما تدعو إليه؟ قال: أدعو إلى الإسلام، فاشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: فما لي؟ قال: الجنة إن ثبت على ذلك. قال: فأسلم. وقال: إن غنمي هذه وديعة. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أخرجها من العسكر ثم صح بها وارمها بحصيات، فإن الله عز وجل سيؤدي عنك أمانتك. ففعل العبد فخرجت الغنم إلى سيدها، وعلم اليهودي أن عبده قد أسلم. ووعظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس وفرق بينهم الرايات، وكانت ثلاث رايات، ولم تكن راية قبل يوم خيبر، إنما كانت الألوية، وكانت راية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السوداء من بردٍ لعائشة، تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع رايةً إلى عليٍّ رضي الله عنه بالراية وتبعه العبد الأسود فقاتل حتى قتل، فاحتمل فأدخل خباءً من أخبية العسكر، فاطلع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخباء فقال: لقد كرم الله هذا العبد الأسود وساقه إلى خيبر، وكان الإسلام من نفسه حقاً، قد رأيت عند رأسه زوجتين من الحور العين.

قالوا: وكان رجلٌ من بني مرة يقال له أبو شييم يقول: أنا في الجيش الذين كانوا مع عيينة من غطفان؛ أقبل مدد اليهود، فنزلنا بخيبر ولم ندخل حصناً. فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عيينة بن حصن وهو رأس غطفان وقائدهم أن ارجع بمن معك ولك نصف تمر خيبر هذه السنة، إن الله قد وعدني خيبر. فقال عيينة: لست بمسلمٍ حلفائي وجيراني. فأقمنا فبينا نحن على ذلك مع عيينة إذ سمعنا صائحاً، لا ندري من السماء أو من الأرض: أهلكم، أهلكم بحيفاء - صيح ثلاثة - فإنكم قد خولفتم إليهم! ويقال: إنه لما سار كنانة بن أبي الحقيق فيهم حلفوا معه، وارتأسهم عيينة بن حصن وهم أربعة آلاف، فدخلوا مع اليهود في حصون النطاة قبل قدوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاثة أيام، فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر أرسل إليهم سعد بن عبادة وهم في الحصن، فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم: إني أريد أن أكلم عيينة بن حصن. فأراد عيينة أن يدخله الحصن فقال مرحب: لا تدخله فيرى خلل حصننا ويعرف نواحيه التي يؤتى منها، ولكن تخرج إليه. فقال عيينة: لقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عدداً كثيراً. فأبى مرحب أن يدخله، فخرج عيينة إلى باب الحصن، فقال سعد: إن رسول الله أرسلني إليك يقول: إن الله قد وعدني خيبر فارجعوا وكفوا، فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنةً. فقال عيينة: إنا والله ما كنا لنسلم حلفاءنا لشيءٍ، وإنا لنعلم ما لك ولمن معك مما ها هنا طاقة، هؤلاء قومٌ أهل حصونٍ منيعة، ورجالٍ عددهم كثير، وسلاح. إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح. ولا والله، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، إن أصابوا غرة منك فذاك الذي أرادوا وإلا انصرفوا، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملهم. فقال سعد بن عبادة: أشهد ليحضرنك في حصنك هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا عليك، فلا نعطيك إلا السيف، وقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مزقوا كل ممزق! فرجع سعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره بما قال، وقال سعد: يا رسول الله، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده كما فعل ذلك قبل اليوم في الخندق. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه أن يوجهوا إلى حصنهم الذي فيه غطفان، وذلك عشيةً وهم في حصن ناعم، فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أصبحوا على راياتكم عند حصن ناعم الذي فيه غطفان. قال: فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحاً يصيح، لا يدرون من السماء أو من الأرض: يا معشر غطفان، أهلكم أهلكم! الغوث، الغوث بحيفاء - صيح ثلاثة - لا تربة ولا مال! قال: فخرجت غطفان على الصعب والذلول، وكان أمراً صنعه الله عز وجل لنبيه. فلما أصبحوا أخبر كنانة بن أبي الحقيق وهو في الكتيبة بانصرافهم، فسقط في يديه ، وذل وأيقن بالهلكة وقال: كنا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنا سرنا فيهم فوعدونا النصر وغرونا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمداً بالحرب، ولم نحفظ كلام سلام بن أبي الحقيق إذ قال: لا تستنصروا بهؤلاء الأعراب أبداً فإنا قد بلوناهم. وجلبهم لنصر بني قريظة ثم غروهم. فلم نر عندهم وفاءً لنا، وقد سار فيهم حيي بن أخطب وجعلوا يطلبون الصلح من محمد، ثم زحف محمد إلى بني قريظة وانكشفت غطفان راجعةً إلى أهلها.

قالوا: فلما انتهى الغطفانيون إلى أهلهم بحيفاء وجدوا أهلهم على حالهم فقالوا: هل راعكم شيء؟ قالوا: لا والله. فقالوا: لقد ظننا أنكم قد غنمتم، فما نرى معكم غنيمةً ولا خيراً! فقال عيينة لأصحابه: هذا والله من مكائد محمد وأصحابه، خدعنا والله! فقال له الحارث بن عوف: بأي شيءٍ؟ قال عيينة: إنا في حصن النطاة بعد هدأةٍ إذ سمعنا صائحاً يصيح، لا ندري من السماء أو من الأرض: أهلكم أهلكم بحيفاء - صيح ثلاثةً - فلا تربة ولا مال! قال الحارث بن عوف: يا عيينة، والله لقد غبرت إن انتفعت. والله إن الذي سمعت لمن السماء! والله ليظهرن محمد على من ناوأه، حتى لو ناوأته الجبال لأدرك منها ما أراد. فأقام عيينة أياماً في أهله ثم دعا أصحابه للخروج إلى نصر اليهود، فجاءه الحارث بن عوف فقال: يا عيينة أطعني وأقم في منزلك ودع نصر اليهود، مع أني لا أراك ترجع إلى خيبر إلا وقد فتحها محمد ولا آمن عليك. فأبى عيينة أن يقبل قوله وقال: لا أسلم حلفائي لشيءٍ. ولما ولى عيينة إلى أهله هجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحصون حصناً حصناً، فلقد انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حصن ناعم ومعه المسلمون، وحصون ناعم عدة، فرمت اليهود يومئذ بالنبل، وترس أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن رسول الله، وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ درعان ومغفرٌ وبيضة، وهو على فرسٍ يقال له الظرب ، في يده قناةٌ وترس، وأصحابه محدقون به، وقد كان دفع لواءه إلى رجلٍ من أصحابه من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئاً، ثم دفعه إلى آخر فرجع ولم يصنع شيئاً، ودفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لواء الأنصار إلى رجلٍ منهم، فخرج ورجع ولم يعمل شيئاً، فحث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين، وسالت كتائب اليهود، أمامهم الحارث أبو زينب يقدم اليهود يهد الأرض هداً، فأقبل صاحب راية الأنصار فلم يزل يسوقهم حتى انتهوا إلى الحصن فدخلوه، وخرج أسير اليهودي يقدم أصحابه معه عاديته وكشف راية أصحاب الأنصار حتى انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في موقفه، ووجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفسه حدةً شديدة، وقد ذكر لهم الذي وعدهم الله، فأمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مهموماً، وقد كان سعد بن عبادة رجع مجروحاً وجعل يستبطىء أصحابه، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطىء أصحابه ويقول: أنتم، وأنتم! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن اليهود جاءهم الشيطان فقال لهم: إن محمداً يقاتلكم على أموالكم! نادوهم: قولوا لا إله إلا الله، ثم قد أحرزتم بذلك أموالكم ودماءكم، وحسابكم على الله. فنادوهم بذلك فنادت اليهود: إنا لا نفعل ولا نترك عهد موسى والتوراة بيننا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لأعطين الراية غداً يحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار، أبشر يا محمد بن مسلمة غداً، إن شاء الله يقتل قاتل أخيك وتولى عادية اليهود. فلما أصبح أرسل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أرمد، فقال: ما أبصر سهلاً ولا جبلاً. قال: فذهب إليه فقال: افتح عينيك. ففتحهما فتفل فيهما. قال علي رضي الله عنه: فما رمدت حتى الساعة. ثم دفع إليه اللواء ودعا له ومن معه من أصحابه بالنصر، فكان أول من خرج إليهم الحارث أخو مرحب في عاديته، فانكشف المسلمون وثبت علي رضي الله عنه فاضطربا ضرباتٍ فقتله علي رضي الله عنه، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن فدخلوه وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم، وخرج مرحب وهو يقول:

قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطلٌ مجرب

أضرب أحياناً وحيناً أضرب

فحمل علي رضي الله عنه فقطره على الباب وفتح الباب. وكان للحصن بابان.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن خالد بن رباح، عن شيوخٍ من بني ساعدة قالوا: قتل أبو دجانة الحارث أبا زينب، وكان يومئذٍ معلماً بعمامة حمراء، والحارث معلمٌ فوق مغفره، وياسر وأسير وعامر معلمين.

حدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أبي عمرو، قال: نزلت بأريحا زمن سليمان بن عبد الملك فإذا حيٌّ من اليهود، وإذا رجل يهدج من الكبر. فقال: ممن أنتم؟ فقلنا: من الحجاز، فقال اليهودي: واشوقاه إلى الحجاز! أنا ابن الحارث اليهودي فارس خيابر، قتله يوم خيبر رجلٌ من أصحاب محمد يقال له أبو دجانة يوم نزل محمد خيبر، وكنا ممن أجلى عمر بن الخطاب إلى الشام. فقلت: ألا تسلم؟ قال: أما إنه خيرٌ لي لو فعلت، ولكن أعير، تعيرني اليهود، تقول: أبوك ابن سيد اليهود لم يترك اليهودية، قتل عليها أبوك وتخالفه؟ وقال أبو رافع: كنا مع علي رضي الله عنه حين بعثه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالراية، فلقي علي رضي الله عنه رجلاً على باب الحصن، فضرب علياً واتقاه بالترس عليٌّ، فتناول عليٌ باباً كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه الحصن. وبعث رجلاً يبشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح الحصن؛ حصن مرحب ودخولهم الحصن. ويقال: إن مرحب برز وهو كالفحل الصؤول يرتجز وهو يقول:

قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطلٌ مجرب

أضرب أحياناً وحيناً أضرب

يدعو للبراز. فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس فائذن لي في قتال مرحب وهو قاتل أخي. فأذن له رسولالله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مبارزته، ودعا له بدعوات، وأعطاه سيفه، فخرج محمد فصاح: يا مرحب، هل لك في البراز؟ فقال: نعم. فبرز إليه مرحب وهو يرتجز:

قد علمت خيبر أني مرحب

وخرج محمد بن مسلمة وهو يقول:

قد علمت خيبر أني ماض ... حلوٌ إذا شئت وسمٌّ قاض

ويقال: إنه جعل يومئذٍ يرتجز ويقول:

يا نفس إلا تقتلي تموتي ... لا صبر لي بعد أبي النبيت

وكان أخوه محمود يكنى بأبي النبيت. قال: وبرز كل واحد منهما إلى صاحبه. قال: فحال بينهما عشرات أصلها كمثل أصل الفحل من النخل وأفنانٌ منكرة، فكلما ضرب أحدهما صاحبه استتر بالعشر حتى قطعا كل ساقٍ لها، وبقي أصلها قائماً كأنه الرجل القائم. وأفضى كل واحد منهما إلى صاحبه، وبدر مرحب محمداً، فيرفع السيف ليضربه، فاتقاه محمد بالدرفة فلحج سيفه، وعلى مرحب درعٌ مشمرة، فيضرب محمد ساقي مرحب فقطعهما. ويقال: لما اتقى محمدٌ بالدرفة وشمرت الدرع عن ساقي مرحب حين رفع يديه بالسيف، فطأطأ محمد بالسيف فقطع رجليه ووقع مرحب، فقال مرحب: أجهز يا محمد! قال محمد: ذق الموت كما ذاقه أخي محمود! وجاوزه ومر به عليٌّ فضرب عنقه وأخذ سلبه، فاختصما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سلبه، فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله، والله ما قطعت رجليه ثم تركته إلا ليذوق مر السلاح وشدة الموت كما ذاق أخي؛ مكث ثلاثاً يموت، وما منعني من الإجهاز عليه شيء، قد كنت قادراً بعد أن قطعت رجليه أن أجهز عليه. فقال علي رضي الله عنه: صدق، ضربت عنقه بعد أن قطع رجليه. فأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد بن مسلمة سيفه فيه كتاب لا يدرى ما هو حتى قرأه يهوديٌّ من يهود تيماء فإذا فيه:

هذا سيف مرحب ... من يذقه يعطب

حدثني محمد بن الفضل، عن أبيه، عن جابر، وحدثني زكريا بن زيد، عن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن سلمة بن سلامة، ومجمع ابن يعقوب، عن أبيه، عن مجمع بن حارثة، قالوا جميعاً: محمد بن مسلمة قتل مرحباً.

قالوا: وبرز أسير، وكان رجلاً أيداً، وكان إلى القصر، فجعل يصيح؛ من يبارز؟ فبرز له محمد بن مسلمة فاختلفا ضربات، ثم قتله محمد ابن مسلمة. ثم برز ياسر وكان من أشدائهم، وكانت معه حربةٌ يحوش بها المسلمين حوشاً، فبرز له علي رضي الله عنه فقال الزبير: أقسمت عليك ألا خليت بيني وبينه. ففعل عليٌّ وأقبل ياسر بحربته يسوق بها الناس، فبرز له الزبير، فقالت صفية: يا رسول الله واحزني! ابني يقتل يا رسول الله! فقال: بل ابنك يقتله. قال: فاقتتلا فقتله الزبير، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فداك عمٌّ وخال! وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لكل نبي حواري وحواري الزبير وابن عمتي. فلما قتل مرحب وياسر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشروا، قد ترحبت خيبر وتيسرت! وبرز عامر وكان رجلاً طويلاً جسيماً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين طلع عامر: أترونه خمسة أذرع؟ وهو يدعو إلى البراز، يخطر بسيفه وعليه درعان، مقنع في الحديد يصيح: من يبارز؟ فأحجم الناس عنه، فبرز إليه عليٌّ رضي الله عنه فضربه ضرباتٍ، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفف عليه فأخذ سلاحه.

فلما قتل الحارث، ومرحب، وأسير، وياسر، وعامر، مع ناسٍ من اليهود كثير - ولكن إنما سمي هؤلاء المذكورين لأنهم كانوا أهل شجاعة، وكان هؤلاء في حصن ناعم جميعاً. ولما رمي محمود بن مسلمة من حصن ناعم حمل إلى الرجيع فمكث ثلاثة أيام يموت، وكان الذي دلى عليه الرحا مرحب، فجعل محمود يقول لأخيه: يا أخي، بنات أخيك لا يتبعن الأفياء ؛ يسألن الناس. فيقول محمد بن مسلمة: لو لم تترك مالاً لكان لي مال. ومحمود كان أكثرهما مالاً - ولم ينزل يومئذٍ فرائض البنات - فلما كان اليوم الذي مات فيه محمود وهو اليوم الثالث، وهو اليوم الذي قتل فيه مرحب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من رجل يبشر محمود بن مسلمة أن الله قد أنزل فرائض البنات، وأن محمد بن مسلمة قد قتل قاتله؟ فخرج جعال بن سراقة إليه فأخبره فسر بذلك، وأمره أن يقرىء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السلام منه. قال: فاقرأته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال محمود. لا أراه يذكرني، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبيت في موضعه بالرجيع فمات خلافه، فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منزلة، وقد جرح عامر بن الأكوع نفسه، حمل إلى الرجيع فمات، فقبر عامر بن الأكوع معه في غار. فقال محمد: يا رسول الله اقطع لي عند قبر أخي. قال: لك حضر الفرس فإن عملت فلك حضر فرسين.

وكان حصن الصعب بن معاذ في النطاة، وكان حصن اليهود فيه الطعام والودك والماشية والمتاع، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أياماً يقاتلون وليس عندهم طعامٌ إلا العلف . قال معتب الأسلمي: أصابنا معشر أسلم خصاصةٌ حين قدمنا خيبر، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح شيئاً فيه طعام، فأجمعت أسلم أن يرسلوا أسماء بن حارثة فقالوا: ايت محمداً رسول الله فقل: إن أسلم يقرئونك السلام ويقولون إنا قد جهدنا من الجوع والضعف. فقال بريدة بن الحصيب: والله إن رأيت كاليوم قط أمراً بين العرب يصنعون فيه هذا! فقال عند بن حارثة: والله إنا لنرجو أن تكون البعثة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مفتاح الخير. فجاءه أسماء بن حارثة فقال: يا رسول الله، إن أسلم تقول: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا. فدعا لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: والله ما بيدي ما أقريهم . ثم صاح بالناس فقال: اللهم افتح عليهم أعظم حصن فيه، أكثره طعاماً وأكثره ودكاً. ودفعوا باللواء إلى الحباب بن المنذر بن الجموح، وندب الناس، فما رجعنا حتى فتح الله علينا الحصن - حصن الصعب بن معاذ. فقالت أم مطاع الأسلمية، وكانت قد شهدت خيبر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نساء، قالت: لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما شكوا من شدة الحال، فندب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهضوا، فرأيت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ، وإن عليه لخمسمائة مقاتل، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتحه الله، وكان عليه قتال شديد. برز رجلٌ من اليهود يقال له يوشع يدعو إلى البراز، فبرز إليه الحباب بن المنذر فاختلفا ضرباتٍ فقتله الحباب. وبرز آخر يقال له الزيال، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري فبدره الغفاري فيضربه ضربةً على هامته، وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاري! فقال الناس: بطل جهاده. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما بأسٌ به، يؤجر ويحمد.

وكان أبو اليسر يحدث أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصناً منيعاً، وأقبلت غنمٌ لرجلٍ من اليهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من رجلٌ يطعمنا من هذه الغنم؟ فقلت: أنا يا رسول الله، فخرجت أسعى مثل الظبي، فلما نظر إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مولياً قال: اللهم متعنا به! فأدركت الغنم وقد دخل أولها الحصن، فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء حتى أتيت بهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأمر بهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذبحتا ثم قسمهما، فما بقي أحدٌ من أهل العسكر الذين هم معه محاصرين الحصن إلا أكل منها. فقيل لأبي اليسر: وكم كانوا؟ قال: كانوا عدداً كثيراً. فيقال: أين بقية الناس؟ فيقول: في الرجيع بالمعسكر. فسمع أبو اليسر - وهو شيخ كبير - وهو يبكي في شيءٍ غاظه من بغض ولده، فقال: لعمري بقيت بعد أصحابي ومتعوا بي وما أمتع بهم! لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم متعنا به! فبقي فكان من آخرهم.

وكان أبو رهم الغفاري يحدث قال: أصابنا جوعٌ شديدٌ، ونزلنا خيبر زمان البلح، وهي أرض وخيمة حارةٌ شديدٌ حرها. فبينا نحن محاصرون حصن الصعب بن معاذ فخرج عشرون حماراً منه أو ثلاثون، فلم يقدر اليهود على إدخالها، وكان حصنهم له منعةٌ، فأخذها المسلمون فانتحروها، وأوقدوا النيران وطبخوا لحومها في القدور والمسلمون جياع، ومر بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم على تلك الحال فسأل فأخبر فأمر منادياً: إن رسول الله ينهاكم عن الحمر الإنسية - قال: فكفوا القدور - وعن متعة النساء، وعن كل ذي ناب ومخلب.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن الفضيل بن مبشر، قال: كان جابر بن عبد الله يقول: أطعمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحوم الخيل، فذبح قومٌ من المسلمين خيلاً من خيلهم قبل أن يفتح حصن الصعب بن معاذ، فقيل لجابر: أرأيت البغال، أكنتم تأكلونها؟ قال: لا.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، عن أم عمارة، قالت: ذبحنا بخيبر لبني مازن بن النجار فرسين، فكنا نأكل منهما قبل أن يفتح حصن الصعب بن معاذ.

وحدثني ثور بن يزيد، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه، عن جده قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر يقول: حرامٌ أكل الحمر الأهلية والخيل والبغال. قالوا: وكل ذي نابٍ من السباع، ومخلب من الطير. قال الواقدي: الثبت عندنا أن خالداً لم يشهد خيبر، وأسلم قبل الفتح هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة أول يومٍ من صفر سنة ثمان.

وكان ابن الأكوع يقول: كنا على حصن الصعب بن معاذ، أسلم بأجمعها، والمسلمون قد حصروا أهل الحصن، فلقد رأيتنا وصاحب رايتنا سعد بن عبادة، فانكشف المسلمون، فأخذ الراية فغدونا معه. وغدا عامر ابن سنان فلقي رجلاً من اليهود، وبدره اليهودي فضرب عامراً، قال عامر: فاتقيته بدرقتي فنبا سيف اليهودي عنه. قال عامر: فأضرب رجل اليهودي فأقطعها، ورجع السيف على عامر فأصابه ذبابه فنزف فمات. فقال أسيد ابن حير: حبط عمله. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: كذب من قال ذلك! إن له لأجرين، إنه جاهدٌ مجاهدٌ، وإنه ليعوم في الجنة عوم الدعموص .

حدثني خالد بن إلياس، عن جعفر بن محمود بن محمد، عن محمد ابن مسلمة قال: كنت فيمن ترس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعلت أصيح بأصحابه: تراموا بالحجف! ففعلوا فرمونا حتى ظننت ألا يقلعوا، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رمى بسهم، فما أخطأ رجلاً منهم،وتبسم إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانفرجوا ودخلوا الحصن.

حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، قال: لما انتهينا إلى حصن الصعب بن معاذ، والمسلمون جياع والأطعمة فيه كلها، وغزا بنا الحباب ابن المنذر بن الجموح ومعه رايتنا وتبعه المسلمون، وقد أقمنا عليه يومين نقاتلهم أشد القتال، فلما كان اليوم الثالث بكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، فخرج رجل من اليهود كأنه الدقل في يده حربةٌ له، وخرج وعاديته معه فرموا بالنبل ساعةً سراعاً، وترسنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمطروا علينا بالنبل، فكان نبلهم مثل الجراد حتى ظننت ألا يقلعوا، ثم حملوا علينا حملة رجلٍ واحدٍ، فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو واقف، قد نزل عن فرسه ومدعم يمسك فرسه. وثبت الحباب برايتنا، والله ما يزول، يراميهم على فرسه، وندب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين وحضهم على الجهاد ورغبهم فيه، وأخبرهم أن الله قد وعده خيبر يغنمه إياها. قال: فأقبل الناس جميعاً حتى عادوا إلى صاحب رايتهم، ثم زحف بهم الحباب فلم يزل يدنو قليلاً قليلاً، وترجع اليهود على أدبارها حتى لحمها الشر فانكشفوا سراعاً، ودخلوا الحصن وغلقوا عليهم، ووافوا على جدره - وله جدر دون جدر - فجعلوا يرموننا بالجندل رمياً كثيراً، ونحونا عن حصنهم بوقع الحجارة حتى رجعنا إلى موضع الحباب الأول. ثم إن اليهود تلاومت بينها وقالت: ما نستبقي لأنفسنا؟ قد قتل أهل الجد والجلد في حصن ناعم. فخرجوا مستميتين، ورجعنا إليهم فاقتتلنا على باب الحصن أشد القتال، وقتل يومئذٍ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - أبو صياح، وقد شهد بدراً، ضربه رجلٌ منهم بالسيف فأطن قحف رأسه؛ وعدي بن مرة بن سراقة، طعنه أحدهم بالحربة بين ثديه فمات؛ والثالث الحارث بن حاطب وقد شهد بدراً، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه. وقد قتلنا منهم على الحصن عدة، كلما قتلنا منهم رجلاً حملوه حتى يدخلوه الحصن. ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه، وأدخلنا اليهود الحصن وتبعناهم في جوفه، فلما دخلنا عليهم الحصن فكأنهم غنم، فقتلنا من أشرف لنا، وأسرنا منهم، وهربوا في كل وجهٍ يركبون الحرة يريدون حصن قلعة الزبير، وجعلنا ندعهم يهربون، وصعد المسلمون على جدره فكبروا عليه تكبيراً كثيراً، ففتتنا أعضاد اليهود بالتكبير، لقد رأيت فتيان أسلم وغفار فوق الحصن يكبرون، فوجدنا والله من الأطعمة ما لم نظن أن هناك؛ من الشعير، والتمر، والسمن، والعسل، والزيت، والودك. ونادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلوا واعلفوا ولا تحتملوا. يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم. فكان المسلمون يأخذون من ذلك الحصن مقامهم طعامهم وعلف دوابهم، لا يمنع أحد أن يأخذ حاجته ولا يخمس الطعام. ووجدوا فيه من البز والآنية، ووجدوا خوابي، السكر، فأمروا فكسروها، فكانوا يكسرونها حتى سال السكر في الحصن، والخوابي كبار لا يطاق حملها. وكان أبو ثعلبة الخشني يقول: وجدنا فيه آنيةً من نحاسٍ وفخارٍ كانت اليهود تأكل فيها وتشرب، فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها واشربوا. وقال: أسخنوا فيها الماء ثم اطبخوا بعد، وكلوا واشربوا. وأخرجنا منه غنماً كثيراً وبقراً وحمراً، وأخرجنا منه آلةً كثيرةً للحرب، ومنجنيقاً ودبابات وعدة، فنعلم أنهم قد كانوا يظنون أن الحصار يكون دهراً، فعجل الله خزيهم.

فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: لقد خرج من أطمٍ من حصن الصعب بن معاذ من البز عشرون عكماً محزومةً من غليظ متاع اليمن، وألفٌ وخمسمائة قطيفة؛ يقال: قدم كل رجل بقطيفةٍ على أهله، ووجدوا عشرة أحمال خشب، فأمر به فأخرج من الحصن ثم أحرق، فمكث أياماً يحترق، وخوابي سكرٍ كسرت، وزقاق خمر فأهريقت. وعمد يومئذٍ رجل من المسلمين فشرب من الخمر، فرفع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكره حين رفع إليه فخفقه بنعليه؛ ومن حضره، فخفقوه بنعالهم. وكان يقال له عبد الله الخمار، وكان رجلاً لا يصبر عن الشراب قد ضربه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مراراً. فقال عمر بن الخطاب: اللهم العنه! ما أكثر ما يضرب! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تفعل يا عمر، فإنه يحب الله ورسوله. قال: ثم راح عبد الله فجلس معهم كأنه أحدهم حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، عن أم عمارة قالت: لقد وجدنا في حصن الصعب بن معاذ من الطعام ما كنت أظن أنه لا يكون بخيبر، جعل المسلمون يأكلون مقامهم شهراً وأكثر من ذلك الحصن، فيعلفون دوابهم، ما يمنع أحدهم ولم يكن فيه خمس، وأخرج من البزور شيءٌ كثيرٌ يباع في المقسم، ووجد فيه خرز من خرز اليهود. فقيل لها: فمن الذي يشتري ذلك في المقسم؟ قالت: المسلمون، واليهود الذين كانوا في الكتيبة فآمنوا، ومن حضر من الأعراب، فكل هؤلاء يشتري، فأما من يشتري من المسلمين فإنما يحاسب به مما يصيبه من المغنم.

قال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، قال: لما نظر عيينة بن حصن إلى حصن الصعب بن معاذ والمسلمون ينقلون منه الطعام والعلف والبز قال: ما أحدٌ يعلف لنا دوابنا ويطعمنا من هذا الطعام الضائع، فقد كان أهله عليه كراماً! فشتمه المسلمون وقالوا: لك الذي جعل لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذو الرقيبة ، فاسكت! وبينما المسلمون يجولون في حصن الصعب بن معاذ، وله مداخل، فأخرجوا رجلاً من اليهود فضربوا عنقه فتعجبوا لسواد دمه، ويقول قائلهم: ما رأينا مثل سواد هذا الدم قط - قال: يقول متكلم: في رفٍّ من تلك الرفاف الثوم والثريد - وأنزل فقدموه فضربوا عنقه.

قال: وتحولت اليهود من حصن ناعم كلها، ومن حصن الصعب ابن معاذ، ومن كل حصون النطاة، إلى حصنٍ يقال له قلعة الزبير، فزحف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم والمسلمون، فحاصروهم وغلقوا عليهم حصنهم وهو حصين منيع، وإنما هو في رأس قلعة لا تقدر عليه الخيل ولا الرجال لصعوبته وامتناعه، وبقيت بقايا لا ذكر لهم في بعض حصون النطاة، الرجل والرجلان. فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإزائهم رجالاً يحرسونهم، لا يطلع أحدٌ عليهم إلا قتلوه. وأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على محاصرة الذين في قلعة الزبير ثلاثة أيام، فجاء رجلٌ من اليهود يقال له غزال فقال: أبا القاسم، تؤمني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة وتخرج إلى أهل الشق، فإن أهل الشق قد هلكوا رعباً منك؟ قال: فأمنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهله وماله. فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهراً ما بالوا، لهم دبولٌ تحت الأرض، يخرجون بالليل فيشربون بها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، وإن قطعت مشربهم عليهم ضجوا. فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم لم يطيقوا المقام على العطش، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، وقتل من المسلمين يومئذٍ نفرٌ، وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرةٌ، وافتتحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان آخر حصون النطاة. فلما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من النطاة أمر بالانتقال، والعسكر أن يحول من منزله بالرجيع إلى مكانه الأول بالمنزلة، وأمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من البيات ومن حرب اليهود وما يخاف منهم، لأن أهل النطاة كانوا أحد اليهود وأهل النجدة منهم. ثم تحول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهل الشق.

فحدثني موسى بن عمر الحارثي، عن أبي عفير محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: لما تحول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشق، وبه حصونٌ ذات عدد، كان أول حصنٍ بدأ منها حصن أبي، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قلعةٍ يقال لها سمران ، فقاتل عليها أهل الحصن قتالاً شديداً. وخرج رجلٌ من اليهود يقال له غزال فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزال فكان أعزل، ورجع مبادراً منهزماً إلى الحصن، وتبعه الحباب فقطع عرقوبه، فوقع فذفف عليه. وخرج آخر فصاح: من يبارز؟ فبرز إليه رجلٌ من المسلمين من آل جحش فقتل الجحشي. وقام مكانه يدعو إلى البراز ويبرز له أبو دجانة قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفف عليه وأخذ سلبه، درعه وسيفه، فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنفله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك. وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثاً ومتاعاً وغنماً وطعاماً، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق، وجعل يأتي من بقي من قلل النطاة إلى حصن النزار فعلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع. وزحف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم في أصحابه فقاتلوهم، فكانوا أشد أهل الشق قتالاً، رموا المسلمين بالنبل والحجارة، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم، حتى أصابت النبل ثياب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلقت به، فأخذ النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفاً من حصا فحصب به حصنهم، فرجف بهم ثم ساخ في الأرض.

قال إبراهيم بن جعفر: استوى بالأرض حتى جاء المسلمون، فأخذوا أهله أخذاً . وكانت فيه صفية بنت حيي وابنة عمها. فكان عمير مولى آبى اللحم يقول: شهدت صفية أخرجت وابنة عمها وصبياتٌ من حصن النزار، فلما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حصن النزار بقيت حصونٌ في الشق، فهرب أهلها منها حتى انتهوا إلى أهل الكتيبة والوطيح وسلالم. وكان محمد بن مسلمة يقول: ونظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حصن النزار فقال: هذا آخر حصون خيبر كان فيه قتال؛ لما فتحنا هذا الحصن لم يكن بعده قتالٌ حتى خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر.

فحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر قال، قلت لجعفر بن محمود: كيف صارت صفية في حصن النزار في الشق وحصن آل أبي الحقيق بسلالم، ولم يسب في حصون النطاة من النساء والذرية أحدٌ ولا بالشق، إلا في حصن النزار، فإنه قد كان فيه ذرية ونساء؟ فقال: إن يهود خيبر أخرجوا النساء والذرية إلى الكتيبة وفرغوا حصن النطاة للمقاتلة فلم يسب أحدٌ منهم إلا من كان في حصن النزار، صفية وابنة عمها ونسيات معها. وكان كنانة قد رأى أن حصن النزار أحصن ما هنالك، فأخرجها في الليلة التي تحول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صبيحتها إلى الشق حتى أسرت وبنت عمها ومن كان معهما من ذراري اليهود، وبالكتيبة من اليهود ومن نسائهم وذراريهم أكثر من ألفين؛ فلما صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل الكتيبة أمن الرجال والذرية، ودفعوا إليه الأموال، والبيضاء والصفراء، والحلقة، والثياب، إلا ثوباً على إنسان. فلقد كان من اليهود حين أمنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبلون ويدبرون، ويبيعون ويشترون، لقد أنفقوا عامة المغنم مما يشترون من الثياب من الثياب والمتاع، وكانوا قد غيبوا نقودهم وعين مالهم.

قالوا: ثم تحول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الكتيبة والوطيح وسلالم، حصن ابن أبي الحقيق الذي كانوا فيه، فتحصنوا أشد التحصن، وجاءهم كل فل كان قد انهزم من النطاة والشق، فتحصنوا معهم في القموص وهو في الكتيبة، وكان حصناً منيعاً، وفي الوطيح وسلالم. وجعلوا لا يطلعون من حصونهم مغلقين عليهم، حتى هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينصب المنجنيق عليهم لما رأى من تغليقهم، وأنه لا يبرز منهم بارز. فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة عشر يوماً سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلح. قال أبو عبد الله، قلت لإبراهيم بن جعفر: وجد في الكتيبة خمسمائة قوس عربية. وقال: أخبرني أبي عمن رأى كنانة بن أبي الحقيق يرمي بثلاثة أسهم في ثلثمائة - يعني ذراع - فيدخلها في هدف شبراً في شبر، فما هو إلا أن قيل: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقبل من الشق في أصحابه، وقد تهيأ أهل القموص وقاموا على باب الحصن بالنبل، فنهض كنانة إلى قوسه فما قدر أن يوترها من الرعدة، وأومأ إلى أهل الحصون: لا ترموا! وانقمع في حصنه، فما رئي منهم أحدٌ، حتى أجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب. فأرسل كنانة رجلاً من اليهود يقال له شماخ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنزل إليك أكلمك! فلما نزل شماخ أخذه المسلمون فأتى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره برسالة كنانة. فأنعم له، فنزل كنانة في نفر من اليهود، فصالحه على ما صالحه، فأحلفه على ما أحلفه عليه. قال إبراهيم: تلك القسي والسلاح إنما كان لآل أبي الحقيق جماعة يعيرونه العرب، والحلي يعيرونه العرب. ثم يقول: كانوا شر يهود يثرب.

قالوا: وأرسل كنانة بن أبي الحقيق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنزل فأكلمك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم. قال: فنزل ابن أبي الحقيق فصالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ما كان لهم من مالٍ أو أرضٍ، وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى البز، إلا ثوباً على ظهر إنسان. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً. فصالحه على ذلك، وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأموال فقبضها، الأول فالأول، وبعث إلى المتاع والحلقة فقبضها، فوجد من الدروع مائة درع، ومن السيوف أربعمائة سيف، وألف رمح، وخمسمائة قوس عربية بجعابها. فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنانة بن أبي الحقيق عن كنز آل أبي الحقيق وحليٍ من حليهم، كان يكون في مسك الجمل، كان أسراهم يعرف به، وكان العرس يكون بمكة فيقدم عليهم، فيستعار ذلك الحلي الشهر فيكون فيهم، وكان ذلك الحلي يكون عند الأكابر فالأكابر من آل أبي الحقيق. فقال: يا أبا القاسم، أنفقناه في حربنا فلم يبق منه شيء، وكنا نرفعه لمثل هذا اليوم، فلم تبق الحرب واستنصار الرجال من ذلك شيئاً. وحلفا على ذلك فوكدا الأيمان واجتهدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهما : برئت منكما ذمة الله وذمة رسوله إن كان عندكما! قالا: نعم. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وكل ما أخذت من أموالكما وأصبت من دمائكما فهو حلٌّ لي ولا ذمة لكما! قالا: نعم. وأشهد عليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر، وعمر، وعلياً، والزبير رضوان الله عليهم وعشرةً من اليهود. فقام رجلٌ من اليهود إلى كنانة بن أبي الحقيق فقال: إن كان عندك ما يطلب منك محمدٌ أو تعلم علمه فأعلمه فإنك تأمن على دمك، وإلا فوالله ليظهرن عليه، قد اطلع على غير ذلك بما لم نعلمه. فزبره ابن أبي الحقيق فتنحى اليهودي فقعد. ثم سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثعلبة بن سلام بن أبي الحقيق - وكان رجلاً ضعيفاً - عن كنزهما، فقال: ليس لي علم غير أني قد كنت أرى كنانة كل غداة يطوف بهذه الخربة - قال: وأشار إلى خربة - فإن كان شيءٌ دفنه فهو فيها. وكان كنانة بن أبي الحقيق لما ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على النطاة أيقن بالهلكة - وكان أهل النطاة أخذهم الرعب - فذهب بمسك الجمل، فيه حليهم، فحفر له في خربةٍ ليلاً ولا يراه أحد، ثم سوى عليه التراب بالكتيبة، وهي الخربة التي رآه ثعلبة يدور بها كل غداة. فأرسل مع ثعلبة الزبير بن العوام ونفراً من المسلمين إلى تلك الخربة، فحفر حيث أراه ثعلبة فاستخرج منه ذلك الكنز. ويقال: إن الله عز وجل دل رسوله على ذلك الكنز. فلما أخرج الكنز أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير أن يعذب كنانة بن أبي الحقيق حتى يستخرج كل ما عنده. فعذبه الزبير حتى جاءه بزندٍ يقدحه في صدره، ثم أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدفعه إلى محمد بن مسلمة يقتله بأخيه، فقتله محمد بن مسلمة. وأمر بابن ابي الحقيق الآخر، فعذب ثم دفع إلى ولاة بشر بن البراء فقتل به، ويقال: ضرب عنقه. واستحل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك أموالهما وسبى ذراريهما.

فحدثني خالد بن الربيعة بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة، عمن نظر إلى ما في مسك الجمل بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أتي به، فإذا جله أسورة الذهب، ودمالج الذهب، وخلاخل الذهب، وقرطة الذهب، ونظمٌ من جوهرٍ وزمردٍ، وخواتم ذهب، وفتخٌ بجزع ظفار مجزعٌ بالذهب. ورأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظاماً من جوهرٍ فأعطاه بعض أهله، إما عائشة أو إحدى بناته، فانصرفت فلم تمكث إلا ساعةً من نهارٍ حتى فرقته في أهل الحاجة والأرامل، فاشترى أبو الشحم ذرةً منها. فلما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصار إلى فراشه لم ينم، فغدا في السحر حتى أتى عائشة، ولم تكن ليلتها، أو بنته، فقال: ردي علي النظام فإنه ليس لي، ولا لك فيه حق. فخبرته كيف صنعت به، فحمد الله وانصرف.

وكانت صفية بنت حيي تقول: كان ذلك النظام لبنت كنانة. وكانت صفية تحت كنانة بن أبي الحقيق، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سباها قبل أن ينتهي إلى الكتيبة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أرسل بها مع بلال إلى رحله. فمر بها وبابنة عمها على القتلى، فصاحت ابنة عمها صياحاً شديداً، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صنع بلال فقال: أذهبت منك الرحمة؟ تمر بجارية حديثة السن على القتلى!، فقال بلال: يا رسول الله ما ظننت أنك تكره ذلك، وأحببت أن ترى مصارع قومها. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنة عم صفية: ما هذا إلا شيطان. وكان دحية الكلبي قد نظر إلى صفية فسألها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقال إنه وعده جاريةً من سبي خيبر، فأعطاه ابنة عمها.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن أبي حرملة، عن أخته أم عبد الله، عن ابنة أبي القين المزني، قالت: كنت آلف صفية من بين أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت تحدثني عن قومها وما كانت تسمع منهم قالت: خرجنا من المدينة حيث أجلانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقمنا بخيبر، فتزوجني كنانة بن أبي الحقيق فأعرس بي قبل قدوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام، وذبح جزراً ودعا باليهود، وحولني في حصنه بسلالم، فرأيت في النوم كأن قمراً أقبل من يثرب يسير حتى وقع في حجري. فذكرت ذلك لكنانة زوجي فلطم عيني فاخضرت، فنظر إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين دخلت عليه فسألني فأخبرته. قالت: وجعلت اليهود ذراريها في الكتيبة، وجردوا حصن النطاة للمقاتلة، فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر وافتتح حصون النطاة، ودخل علي كنانة فقال: قد فرغ محمدٌ من النطاة، وليس ها هنا أحدٌ يقاتل، قد قتلت اليهود حيث قتل أهل النطاة وكذبتنا العرب. فحولني إلى حصن النزار بالشق، - قال: وهو أحصن مما عندنا - فخرج حتى أدخلني وابنة عمي ونسيات معنا. فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلينا قبل الكتيبة فسبيت في النزار قبل أن ينتهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الكتيبة، فأرسل بي إلى رحله، ثم جاءنا حين أمسى فدعاني، فجئت وأنا مقنعة حيية، فجلست بين يديه فقال: إن أقمت على دينك لم أكرهك، وإن اخترت الله ورسوله فهو خيرٌ لك. قالت: أختار الله ورسوله والإسلام. فأعتقني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتزوجني وعل عتق مهري، فلما أراد أن يخرج إلى المدينة قال أصحابه: اليوم نعلم أزوجةٌ أم سريةٌ، فإن كانت امرأته فسيحجبها وإلا فهي سرية. فلما خرج أمر بستر فسترت به فعرف أنى زوجة، ثم قدم إلى البعير وقدم فخذه لأضع رجلي عليها، فأعظمت ذلك ووضعت فخذي على فخذه، ثم ركبت. وكنت ألقى من أزواجه، يفخرن علي يقلن: يا بنت اليهودي. وكنت أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلطف بي ويكرمني، فدخل علي يوماً وأنا أبكي فقال: ما لك؟ فقلت: أزواجك يفخرن علي ويقلن: يا بنت اليهودي. قالت: فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غضب ثم قال: إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي: أبي هرون وعمي موسى

قالوا: وكان أبو شييم المزني - قد أسلم فحسن إسلامه - يحدث يقول: لما نفرنا أهلها بحيفاء مع عيينة - قدمنا عليهم وهم قارون هادئون لم يهجهم هائج - رجع بنا عيينة، فلما كان دون خيبر بمكانٍ يقال له الحطام عرسنا من الليل ففزعنا، فقال عيينة: أبشروا إني أرى الليلة في النوم أني أعطيت ذا الرقيبة - جبلاً بخيبر - قد والله قد أخذت برقبة محمد. قال: فلما قدمنا خيبر قدم عيينة فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فتح خيبر وغنمه الله ما فيها، فقال عيينة: أعطني يا محمد مما غنمت من حلفائي فإني انصرفت عنك وعن قتالك وخذلت حلفائي ولم أكثر عليك، ورجعت عنك بأربعة آلاف مقاتل. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كذبت، ولكن الصياح الذي سمعت أنفرك إلى أهلك. قال: أجزني يا محمد. قال: لك ذو الرقيبة. قال عيينة: وما ذو الرقيبة؟ قال: الجبل الذي رأيت في النوم أنك أخذته. فانصرف عيينة فجعل يتدسس إلى اليهود ويقول: ما رأيت كاليوم أمراً؛ والله ما كنت أرى أحداً يصيب محمداً غيركم. قلت: أهل الحصون والعدة والثروة، أعطيتم بأيديكم وأنتم في هذه الصحون المنيعة، وهذا الطعام الكثير ما يوجد له آكل، والماء الواتن. قالوا: قد أردنا الامتناع في قلعة الزبير ولكن الدبول قطعت عنا، وكان الحر، فلم يكن لنا بقاءٌ على العطش. قال: قد وليتم من حصون ناعم منهزمين حتى صرتم إلى حصن قلعة الزبير. وجعل يسأل عمن قتل منهم فيخبر، قال: قتل والله أهل الجد والجلد، لا نظام ليهود بالحجاز أبداً. ويسمع كلامه ثعلبة بن سلام بن أبي الحقيق، وكانوا يقولون إنه ضعيف العقل مختلط، فقال: عيينة، أنت غررتهم وخذلتهم وتركتهم وقتال محمد، وقبل ذلك ما صنعت ببني قريظة! فقال عيينة: إن محمداً كادنا في أهلنا، فنفرنا إليهم حيث سمعنا الصريخ ونحن نظن أن محمداً قد خالف إليهم، فلم نر شيئاً فكررنا إليكم لننصركم. قال ثعلبة: ومن بقي تنصره؟ قد قتل من قتل وبقي من بقي فصار عبداً لمحمد، وسبانا، وقبض الأموال! قال: يقول رجل من غطفان لعيينة: لا أنت نصرت حلفاءك فلم يعدوا عليك حلفنا! ولا أنت حيث وليت - كنت أخذت تمر خيبر من محمدٍ سنةً! والله إني لأرى أمر محمدٍ أمراً ظاهراً، ليظهرن على من ناوأه. فانصرف عيينة إلى أهله يفتل يديه، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف، قال: ألم أقل لك إنك توضع في غير شيء؟ والله ليظهرن محمدٌ على من بين المشرق والمغرب، اليهود كانوا يخبروننا هذا. أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول: إنا نحسد محمداً على النبوة حيث خرجت من بني هرون، وهو نبي مرسل واليهود لا تطاوعني على هذا، ولنا منه ذبحان، واحد بيثرب وآخر بخيبر. قال الحارث، قلت لسلام: يملك الأرض جميعاً؟ قال: نعم والتوراة التي أنزلت على موسى، وما أحب أن تعلم اليهود بقولي فيه!

قالوا: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر واطمأن جعلت زينب بنت الحارث تسأل: أي الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون: الذراع والكتف. فعمدت إلى عنزٍ لها فذبحتها، ثم عمدت إلى سمٍّ لابطى ، قد شاورت اليهود في سموم فأجمعوا لها على هذا السم بعينه، فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتفين. فلما غابت الشمس صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المغرب وانصرف إلى منزله، ويجد زينب جالسةً عند رحله فيسأل عنها فقالت: أبا القاسم، هدية أهديتها لك. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهدية فقبضت منها ووضعت بين يديه، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه وهم حضور، أو من حضر منهم: ادنوا فتعشوا! فدنوا فمدوا أيديهم، وتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذراع، وتناول بشر بن البراء عظماً، وأنهش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهشاً وانتهش بشر، فلما ازدرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكلته ازدرد بشر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كفوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة. فقال بشر بن البراء: قد والله يا رسول الله وجدت ذلك من أكلتي التي أكلتها، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أنغص إليك طعامك، فلما تسوغت ما في يدك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت ألا تكون ازدردتها وفيها نعى . لم يرم بشرٌ من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه سنةً لا يتحول إلا ما حول، ثم مات منه. ويقال لم يقم من مكانه حتى مات، وعاش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك ثلاث سنين. ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بزينب فقال: سممت الذراع؟ فقالت: من أخبرك؟ قال: الذراع: قالت: نعم. قال: وما حملك على ذلك؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كان نبياً فستخبره الشاة ما صنعت، وإن كان ملكاً استرحنا منه. فاختلف علينا فيها، فقال قائلٌ رواية: أمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقتلت ثم صلبت. وقال قائلٌ رواية: عفا عنها. وكان نفرٌ ثلاثةٌ قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يسيغوا منه شيئاً. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم من الشاة، واحتجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت كتفه اليسرى. ويقال: احتجم على كاهله، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة.

وقالوا: وكانت أم بشر بن البراء تقول: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي مات فيه وهو محموم فمسسته فقلت: ما وجدت مثل ما وعك عليك على أحد. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف لنا البلاء؛ زعم الناس أن برسول الله ذات الجنب! ما كان الله ليسلطها علي، إنما هي همزةٌ من الشيطان، ولكنه من الأكلة التي أكلت أنا وابنك يوم خيبر. ما زال يصيبني منها عدادٌ حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري . فمات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيداً. ويقال: إن الذي مات في الشاة مبشر بن البراء. وبشر أثبت عندنا، وهو المجتمع عليه.

قال عبد الله: سألت إبراهيم بن جعفر عن قول زينب ابنة الحارث قتلت أبي قال: قتل يوم خيبر أبوها الحارث وعمها يسار، وكان أخبر الناس، هو الذي أنزل من الشق، وكان الحارث أشجع اليهود، وأخوه زبير قتل يومئذٍ، فكان زوجها سيدهم وأشجعهم سلام بن مشكم، كان مريضاً وكان في حصون النطاة فقيل له: إنه لا قتال فيكم فكن في الكتيبة. قال: لا أفعل أبداً. فقتل وهو مريض، وهو أبو الحكم الذي يقول فيه الربيع بن أبي الحقيق:

ولما تداعوا بأسيافهم ... فكان الطعان دعونا سلاما

وكنا إذا ما دعونا به ... سقينا سراة العدو السماما

وهو كان صاحب حربهم ولكن الله شغله بالمرض.

قالوا: واستعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الغنائم يوم خيبر فروة بن عمرو البياضي، وكان قد جمع ما غنم المسلمون في حصون النطاة وحصون الشق وحصون الكتيبة، لم يترك على أحدٍ من أهل الكتيبة إلا ثوباً على ظهره من الرجال والنساء والصبيان، وجمعوا أثاثاً كثيراً وبزاً وقطائف وسلاحاً كثيراً، وغنماً وبقراً، وطعاماً وأدماً كثيراً. فأما الطعام والأدم والعلف فلم يخمس، يأخذ منه الناس حاجتهم، وكان من احتاج إلى سلاحٍ يقاتل به أخذه من صاحب المغنم، حتى فتح الله عليهم فرد ذلك المغنم. فلما اجتمع ذلك كله أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجزىء خمسة أجزاء، وكتب في سهمٍ منها لله وسائر السهمان أغفال. فكان أول ما خرج سهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتخير في الأخماس، ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد، فجعل فروة يبيعها فيمن يريد، فدعا فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبركة وقال: اللهم ألق عليها النفاق! قال فروة بن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون علي ويتواثبون حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حيناً لكثرته. وكان الخمس الذي صار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المغنم يعطى منه على ما أراد الله من السلاح والكسوة، فأعطى منه أهل بيته من الثياب والخرز والأثاث، وأعطى رجالاً من بني عبد المطلب ونساءً، وأعطى اليتيم والسائل. وجمعت يومئذٍ مصاحف فيها التوراة من المغنم، فجاءت اليهود تطلبها وتكلم فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن ترد عليهم. ونادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أدوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عارٌ وشنارٌ ونارٌ يوم القيامة. فباع يومئذٍ فروة المتاع، فأخذ عصابةً فعصب بها رأسه ليستظل بها من الشمس، ثم رجع إلى منزله وهي عليه فذكر فخرج فطرحها. وأخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: عصابةٌ من نارٍ عصبت بها رأسك. وسأل رجلٌ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ من الفيء شيئاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يحل لي من الفيء خيطٌ ولا مخيطٌ، لا آخذ ولا أعطي. فسأله رجلٌ عقالاً فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حتى نقسم الغنائم ثم أعطيك عقالاً، وإن شئت مراراً . وكاىن رجلٌ أسود مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسك دابته عند القتال يقال له كركرة، فقتل يومئذ، فقيل: يا رسول الله استشهد كركرة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها. فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله، أخذت شراكين يومئذٍ كذا وكذا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): شراكان من نار. وتوفي يومئذٍ رجل من أشجع، وإنهم ذكروه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: صلوا على صاحبكم. فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن صاحبكم غل في سبيل الله. قال زيد بن خالد الجهني: ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يسوى درهمين. وكان نفرٌ من المسلمين أصابوا خرزاً من خرز اليهود وكانوا رفقاء؛ فقال المحدث لهذا الحديث: لو كان الخرز عندكم اليوم لم يسو درهمين. فأتي بذلك الخرز إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما فرغ من المقسم، فقالوا: يا رسول الله، نسينا! هذا الخرز عندنا! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلكم يحلف بالله أنه نسيه؟ قالوا: نعم. فحلفوا بالله جميعاً أنهم نسوه، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسرير الموتى فسجن عليهم بالربطان، ثم صلى عليهم صلاة الموتى. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجد الغلول في رحل الرجل فلا يعاقبه، ولم يسمع أنه أحرق رحل أحدٍ وجد في رحله، ولكنه يعنف ويؤنب ويؤذي ويعرف الناس به.

قالوا: واشترى يوم خيبر تبراً بذهبٍ جزافاً، فلهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان فضالة بن عبيد يحدث يقول: اصبت يومئذٍ قلادةً فبعتها بثمانية دنانير، فذكرت ذلك لرسول الله صلى اللهعليه وسلم، فقال: بع الذهب وزناً بوزنٍ. وكان في القلادة ذهبٌ وغيره فرجعت فيها. واشترى السعدان تبراً بذهب أحدهما أكثر وزناً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربيتما فردا! ووجد رجلٌ يومئذٍ في خربةٍ مائتي درهم، فأخذ منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمس ودفعها إليه.

وسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره، ولا يبع شيئاً من المغنم حتى يعلم، ولا يركب دابةً من المغنم حتى إذا براها ردها، ولا يلبس ثوباً من المغنم حتى إذا أخلقه رده، ولا يأت من السبي حتى تستبرىء وتحيض حيضة، وإن كانت حبلى حتى تضع حملها. ومر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ على امرأةٍ مجح فقال: لمن هذه؟ فقيل: لفلان. قال: فلعله يطؤها؟ قالوا: نعم. قال: كيف بولدها يرثه وليس بابنه، أو يسترقه وهو يعدو في سمعه وبصره؟ لقد هممت أن ألعنه لعنةً تتبعه في قبره.

قالوا: وقدم أهل السفينتين من عند النجاشي بعد أن فتحت خيبر، فلما نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جعفر قال: ما أدري بأيهما أنا أسر، بقدوم جعفر أو فتح خيبر! ثم ضمه رسول الله وقبل بين عينيه.

وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو وأصحابهم ونفرٌ من الأشجعيين، فكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة. قالوا: نعم يا رسول الله. ونظر أبان بن سعيد بن العاص إلى أبي هريرة فقال: أما أنت فلا. فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل. قال أبان بن سعيد: يا عجباه لوبرٍ تدلى علينا من قدوم ضأنٍ ! ينعى علي قتل امرىءٍ مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهنى على يده.

قالوا: وكان الخمس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كل مغنم غنمه المسلمون، شهده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو غاب عنه. وكان لا يقسم لغائبٍ في مغنمٍ لم يشهده، إلا أنه في بدرٍ ضرب لثمانية لم يشهدوا، كلهم مستحقٌّ فيها. وكانت خيبر لأهل الحديبية، من شهدها منهم أو غاب عنها قال الله عز وجل: " وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه " يعني خيبر. وقد تخلف عنها رجال: مري بن سنان، وأيمن بن عبيد، وسباع بن عرفطة الغفاري، خلفه على المدينة، وجابر بن عبد الله وغيرهم. ومات منهم رجلان، فأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن تخلف منهم ومن مات، وأسهم لمن شهد خيبر من الناس ممن لم يشهد الحديبية. وأسهم لرسلٍ كانوا يختلفون إلى أهل فدك، محيصة بن مسعود الحارثي وغيره، فأسهم لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يحضروا. وأسهم لثلاثة مرضى لم يحضروا القتال: سويد بن النعمان، وعبد الله بن سعد بن خيثمة، ورجل من بني خطامة، وأسهم للقتلى الذين قتلوا من المسلمين.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة ذلك. وقد قال قائل: إنما كانت خيبر لأهل الحديبية، لم يشهدها غيرهم ولم يسهم فيها لغيرهم. والقول الأول أثبت عندنا أن قوماً شهدوا خيبر فأسهم لهم ولم يكونوا شهدوا الحديبية.

حدثني ابن أبي سبرة، عن قطير الحارثي، عن حزام بن سعد بن محيصة قال: فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعشرة من يهود المدينة غزا بهم إلى خيبر، فأسهم لهم كسهمان المسلمين. ويقال: أحذاهم ولم يسهم لهم، وكان معهم مملوكون، منهم عمير مولى آبي اللحم. قال عمير: ولم يسهم لي وأعطاني خرثى متاع، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محذيهم . وخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة عشرون امرأة: أم سلمة زوجته، وصفية بنت عبد المطلب، وأم أيمن، وسلمى امرأة أبي رافع مولاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وامرأة عاصم بن عدي ولدت سهلة بنت عاصم بخيبر، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وأم منيع وهي أم شباث، وكعيبة بنت سعد الأسلمية، وأم متاع الأسلمية، وأم سليم بنت ملحان، وأم الضحاك بنت مسعود الحارثية، وهند بنت عمرو ابن حزام، وأم العلاء الأنصارية، وأم عامر الأشهلية، وأم عطية الأنصارية، وأم سليط.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم، عن أم علي بنت الحكم، عن أمية بنت قيس بن أبي الصلت الغفارية، قالت: جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نسوة من بني غفار فقلنا: إنا نريد يا رسول الله أن نخرج معك في وجهك هذا فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على بركة الله! قالت: فخرجنا معه وكنت جارية حديثة السن، فأردفني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حقيبة رحله، فنزل الصبح فأناخ وإذا أنا بالحقيبة عليها دمٌ مني؛ وكانت أول حيضة حضتها، فتقبضت إلى الناقة واستحييت. فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بي ورأى الدم قال: لعلك نفست! قلت: نعم قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناءً من ماءٍ، ثم اطرحي فيه ملحاً واغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ثم عودي. ففعلت، فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفيء ولم يسهم، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها وعلقها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبداً. وكانت في عنقها حتى ماتت وأوصت أن تدفن معها، وكانت لا تطهر إلا وجعلت في طهورها ملحاً، وأوصت أن يجعل في غسلها ملحٌ حين غسلت.

حدثني عبد السلام بن موسى بن جبير، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن أنيس، قال: خرجت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر ومعي زوجي حبلى، فنفست بالطريق فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: انقع لها تمراً فإذا أنعم بله فامرثه ثم تشربه. ففعلت فما رأت شيئاً تكرهه. فلما فتحنا خيبر أحذى النساء ولم يسهم لهن، فأحذى زوجتي وولدي الذي ولد. قال عبد السلام: لست أدري غلام أم جارية.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن عمر بن الحكم، عن أم العلاء الأنصارية قالت: فأصابني ثلاث خرزات، وكذلك أصاب صواحبي، وأتي يومئذٍ برعاث من ذهب، فقال: هذا لبنات أخي سعد بن زرارة، فقدم بها عليهن فرأيت ذلك الرعاث عليهن، وذلك من خمسه يوم خيبر.

حدثني عبد الله بن أبي يحيى، عن ثبيتة بنت حنظلة الأسلمية، عن أمها أم سنان قالت: لما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخروج جئته فقلت: يا رسول الله، أخرج معك في وجهك هذا، أخرز السقاء، وأداوي المرضى والجريح إن كانت جراح - ولا يكون - وأنظر الرحل. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اخرجي على بركة الله فإن لك صواحب قد كلمنني وأذنت لهن من قومك ومن غيرهم، فإن شئت فمع قومك وإن شئت فمعنا. قلت: معك! قال: فكوني مع أم سلمة زوجتي. قالت: فكنت معها، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغدو من الرجيع كل يومٍ عليه الدرع، فإذا أمسى رجع إلينا، فمكث على ذلك سبعة أيام حتى فتح الله النطاة، فلما فتحها تحول إلى الشق وحولنا إلى المنزلة، فلما فتح خيبر رضخ لنا من الفيء، فأعطاني خرزاً وأوضاحاً من فضة أصيبت في المغنم، وأعطاني قطيفةً فدكية، وبرداً يمانياً، وخمائل ، وقدراً من صفر . وكان رجالٌ من أصحابه قد جرحوا فكنت أداويهم بدواءٍ كان عند أهلي فيبرأون، فرجعت مع أم سلمة فقالت لي حين أردنا ندخل المدينة، وكنت على بعيرٍ من إبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منحه لي، فقالت: بعيرك الذي تحتك لك رقبته أعطاكيه رسول الله. قالت: فحمدت الله وقدمت بالبعير فبعته بسبعة دنانير. قالت: فجعل الله في وجهي ذلك خيراً.

قالوا: فأسهم للنساء، وأسهم لسهلة بنت عاصم، ولدت بخيبر، وولد لعبد الله بن أنيس بخيبر، فأسهم للنساء والصبيان. ويقالك رضخ للنساء والصبيان ولم يجعلهم كأهل الجهاد.

وحدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، قال: رأيت في رقبة أم عمارة خرزاً حمراً فسألتها عن الخرز فقالت: أصاب المسلمون خرزاً في حصن الصعب بن معاذ دفن في الأرض، فأتي به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر به بمن معه من النساء فأحصين، فكنا عشرين امرأة، فقسم ذلك الخرز بيننا هذا وأرضخ لنا من الفيء، قطيفةً وبرداً يمانياً ودينارين، وكذلك أعطى صواحبي. قلت: فكم كانت سهمان الرجال؟ قالت: ابتاع زوجي غزية بن عمرو متاعاً بأحد عشر ديناراً ونصف، فلم يطالب بشيءٍ، فظننا أن هذه سهمان الفرسان - وكان فارساً - وباع ثلاثة أسهم في الشق زمن عثمان بثلاثين ديناراً. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قاد في خيبر ثلاثة أفراس، لزاز والظرب والسكب ؛ وكان الزبير بن العوام قد قاد أفراساً، وكان خراش بن الصمة قد قاد فرسين، وكان البراء ابن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف - أبو إبراهيم ابن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرضعه - قد قاد فرسين؛ وكان أبو عمرو الأنصاري قد قاد فرسين. قال: فأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل من كان له فرسان خمسة أسهم، اربعة لفرسيه وسهماً له، وما كان أكثر من فرسين لم يسهم له. ويقال إنه لم يسهم إلا لفرسٍ واحد، واثبت ذلك أنه أسهم لفرسٍ واحد. ويقال: إنه عرب العربي يوم خيبر وهجن الهجين؛ فأسهم للعربي وألقى الهجين. وقال بعضهم: لم يكن الهجين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنما كانت العراب حتى كان زمن عمر بن الخطاب وفتح العراق والشام، ولم يسمع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب لمن كان معه من الخيل لنفسه إلا لفرسٍ واحد، هو معروف، سهم الفرس. وسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النطاة ثلاثة أسهم، لفرسه سهمان وله سهم، كان مع عاصم بن عدي.

وحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن حزام بن سعد بن محيصة، قال: خرج سويد بن النعمان على فرس، فلما نظر إلى بيوت خيبر في الليل وقع به الفرس، فعطب الفرس وكسرت يد سويد، فلم يخرج من منزله حتى فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر، فأسهم له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهم فارس.

قالوا: وكانت الخيل مائتي فرس. ويقال: ثلاثمائة، ومائتان أثبت عندنا. وكان الذي ولي إحصاء المسلمين زيد بن ثابت، فقسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم الذين غنموا من المتاع الذي بيع، ثم أحصاهم ألفاً وأربعمائة، والخيل مائتي فرس. فكانت السهمان على ثمانية عشر سهماً، وهم الذين ضرب لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسهمان، ولخيلهم أربع عشرة مائة، والخيل مائتي فارس لها أربعمائة سهم. فكانت سهمان المسلمين التي أسهمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النطاة أو في الشق ثلاثة أسهمٍ فوضى لم تعرف على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تحد ولم تقسم، إنما لها رؤساءٌ مسمون، لكل مائةٍ رأسٌ يعرف يقسم على أصحابه ما خرج من غلتها، فكان رؤساؤهم في الشق والنطاة: عاصم بن عدي، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله رضوان الله عليهم. وسهم بني ساعدة، وسهم بني النجار لهم رأس، وسهم حارثة بن الحارث، وسهم أسلم وغفار، وسهم بني سلمة - وكانوا أكثر ورأسهم معاذ بن جبل - وسهم عبيدة رجل من اليهود، وسهم أوس، وسهم بني الزبير، وسهم أسيد بن حضير، وسهم بلحارث بن الخزرج، رأسه عبد الله بن رواحة، وسهم بياضة، رأسه فروة بن عمرو، وسهم ناعم. فهذه ثمانية عشر سهماً في الشق والنطاة فوضى يقبض رؤساءهم الغلة منه، ثم يفض عليهم، ويبيع الرجل سهمه فيجوز ذلك. وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشترى من رجلٍ من بني غفار سهمه بخيبر ببعيرين ثم قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أعلم أن الذي آخذ منك خير من الذي أعطيك، والذي أعطيك دون الذي أخذ منك، وإن شئت فخذ وإن شئت فأمسك! فأخذ الغفاري. وكان عمر بن الخطاب يشتري من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سهم، وأخذ من أصحابه وهم مائة، وهو سهم أوس كان يسمى سهم اللفيف حتى صار لعمر بن الخطاب، وابتاع محمد بن مسلمة من سهم أسلم سهماناً، ويقال: إن أسلم كانوا بضعة وسبعين، وغفار بضعة وعشرين فكانوا مائة، ويقال: كانت أسلم مائة وسبعين، وغفار بضعة وعشرين، وهذا مائتا سهم، والقول الأول أثبت عندنا.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فتح خيبر سأله اليهود فقالوا: يا محمد، نحن أرباب النخل وأهل المعرفة بها. فساقاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر على شطرٍ من التمر والزرع، وكان يزرع تحت النخل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أقركم على ما أقركم الله. فكانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى توفي، وأبي بكر، وصدرٍ من خلافة عمر، وكان يبعث عبد الله بن رواحة يخرص عليهم النخل، فكان يخرصها فإذا خرص قال: إن شئتم فلكم وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم فلنا ونضمن لكم ما خرصت. وإنه خرص عليهم أربعين ألف وسقٍ، فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم فقالوا: هذا لك، وتجاوز في القسم. فقال: يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك يحملني أن أحيف عليكم. قالوا: بهذا قامت السموات والأرض! فكان عبد الله بن رواحة يخرص عليهم، فلما قتل يوم مؤتة بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابا الهيثم بن التيهان يخرص عليهم، ويقال: جبار بن صخر، فكان يصنع بهم مثل ما كان يصنع عبد الله بن رواحة، ويقال: الذي خرص بعد ابن رواحة عليهم فروة بن عمرو. قالوا: وجعل المسلمون يقعون في حرثهم وبقلهم بعد المساقاة وبعد أن صار ليهود نصفه، فشكت اليهود ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد، ويقال: عبد الرحمن بن عوف، فنادى: إن الصلاة جامعة، ولا يدخل الجنة إلا مسلم. فاجتمع الناس، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن اليهود شكوا إلي أنكم وقعتم في حظائرهم، وقد أمناهم على دمائهم وعلى أموالهم والذي في أيديهم من أراضيهم، وعاملناهم، وإنه لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها. وكان المسلمون لا يأخذون من بقولهم شيئاً إلا بثمن، فربما قال اليهودي للمسلم: أنا أعطيكه باطلاً ! فيأبى المسلم إلا بثمن.

قال ابن واقد: وقد اختلف علينا في الكتيبة، فقال قائل: كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالصةً ولم يوجف! عليها المسلمون، إنما كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وحدثني عبد الله بن نوح، عن ابن غفير، وموسى بن عمرو بن عبد الله ابن رافع، عن بشير بن يسار. وحدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، أنهم كانوا يقولون ذلك. وقال قائل: هي خمس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر، من الشق والنطاة. وحدثني قدامة بن موسى، عن ابي بكر بن محمد بن محمد بن عمرو بن حزام، قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز في خلافته أن افحص لي عن الكتيبة. قال أبو بكر: فسألت عمرة بنت عبد الرحمن فقالت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما صالح بني أبي الحقيق جزأ النطاة والشق والكتيبة خمسة أجزاء، وكانت الكتيبة جزءاً منها، ثم جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس بعراتٍ، وأعلم في بعرةٍ منها، فجعل لله، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم اجعل سهمك في الكتيبة. فكان أول ما خرج منها الذي فيه مكتوبٌ على الكتيبة، فكانت الكتيبة خمس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت السهمان أغفالاً ليس عليها علامات، وكانت فوضى للمسلمين على ثمانية عشر سهماً. قال أبو بكر: فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز بذلك.

وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن أبي مالك، عن حزام بن سعد بن محيصة، قال: لما خرج سهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان الشق والنطاة أربعة الأخماس للمسلمين فوضى.

وحدثني عبد الله بن عون، عن أبي مالك الحميري، عن سعيد بن المسيب، وحدثني محمد ، عن الزهري، قال: الكتيبة خمس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطعم من أطعم في الكتيبة وينفق على أهله منها. قال ابن واقد: والثبت عندنا أنها خمس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطعم من الشق والنطاة أحداً وجعلها سهماناً للمسلمين، وكانت الكتيبة التي أطعم فيها. كانت الكتيبة تخرص ثمانية آلاف وسق تمر، فكان لليهود نصفها أربعة آلاف، وكان يزرع في الكتيبة شعير، فكان يحصد منها ثلاثة آلاف صاع، فكان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصفه؛ ألف وخمسمائة صاع شعير، وكان يكون فيها نوى فربما اجتمع ألف صاع فيكون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصفه، فكل هذا قد أعطى منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين من الشعير والتمر والنوى.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).