أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2016
4306
التاريخ: 1-3-2017
9423
التاريخ: 20-2-2017
11801
التاريخ: 11-2-2017
5519
|
قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 4، 5].
يبين الله تعالى تمام صفة المتقين فيقول : {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يعني القرآن {وما أنزل من قبلك} يعني الكتب المتقدمة وقوله {وبالآخرة} أي بالدار الآخرة لأن الآخرة صفة فلا بد لها من موصوف وقيل أراد به الكرة الآخرة وإنما وصفت بالآخرة لتأخرها عن الدنيا كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق وقيل لدناءتها {هم يوقنون} يعلمون وسمي العلم يقينا لحصول القطع عليه وسكون النفس إليه فكل يقين علم وليس كل علم يقينا وذلك أن اليقين كأنه علم يحصل بعد الاستدلال والنظر لغموض المعلوم المنظور فيه أو لإشكال ذلك على الناظر ولهذا لا يقال في صفة الله تعالى موقن لأن الأشياء كلها في الجلاء عنده على السواء وإنما خصهم بالإيقان بالآخرة وإن كان الإيمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها في نحو ما حكي عنهم في قوله وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا فكان في تخصيصهم بذلك مدح لهم.
لما وصف المتقين بهذه الصفات بين ما لهم عنده تعالى فقال {أولئك} إشارة إلى الموصوفين بجميع الصفات المتقدمة وهم جملة المؤمنين {على هدى من ربهم} أي من دين ربهم وقيل على دلالة وبيان من ربهم وإنما قال {من ربهم} لأن كل خير وهدى فمن الله تعالى أما لأنه فعله وأما لأنه عرض له بالدلالة عليه والدعاء إليه والإثابة على فعله وعلى هذا يجوز أن يقال الإيمان هداية منه تعالى وإن كان من فعل العبد ثم كرر تفخيما فقال { وأولئك هم المفلحون} أي الظافرون بالغيبة والباقون في الجنة.
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص88-90.
الخطاب إلى محمد ( صلى الله عليه واله ) ، والمراد {بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ } القرآن والسنة معا ، لأنه ( صلى الله عليه واله ) ما ينطق عن الهوى ان هو إلَّا وحي يوحى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
والمراد بما انزل من قبلك الكتب التي نزلت على من سبق من الرسل ، كزبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ( عليه السلام ) . . ولا أثر اليوم للايمان بهذه الكتب من الوجهة العملية ، لأنها في عقيدة المسلمين اما غير موجودة ، واما الموجود منها محرّف . . وندع الكلام فيما يتعلق بالأناجيل للمسيحيين أنفسهم ، قرأت في كتاب « فولتر » تأليف « جوستان لانسون » ، ترجمه محمد غنيمي هلال ص 193 طبعة 1962 ما نصه بالحرف الواحد : « كان المعروف من هذه الأناجيل يبلغ أربعة وخمسين إنجيلا ، وكان تحرير الأناجيل الأربعة متأخرا عن ذلك ، والرابع - لوقا – هو أحدثها » .
وقال الياس نجمة في كتاب « يسوع المسيح » ص 11 طبعة 1962 : « ولما رأى الرسل - يريد تلاميذ المسيح - وتلاميذهم انه من الضروري تدوين بعض تعاليم الرب ، وبعض أعماله ومعجزاته كتبوا بعضا من تلك التعاليم والأعمال والمعجزات ، وهذا ما نسميه بالضبط الإنجيل المكتوب ، فجاء الإنجيل المكتوب واحدا في صور أربع ، أو نصوص أربعة » .
وهذا اعتراف صريح بأن الأناجيل الأربعة ليست وحيا بنصها وحروفها ، كما هو الشأن في القرآن ، وانما هي مجرد نقل عن السيد المسيح ( عليه السلام ) ، تماما ككتب الحديث عند المسلمين التي دونوا بها أقوال محمد ( صلى الله عليه واله ) وأعماله ومعجزاته . .
والفارق الوحيد ان رواة الأناجيل الأربعة ، وهم : متى ويوحنا و مرقس ولوقا معصومون عن الخطأ عند المسيحيين لا يجوز الطعن برواياتهم (2) . ولا عصمة ولا حصانة لرواة الحديث عن النبي عند المسلمين ، بل لا يجوز الأخذ والعمل بأخبارهم إلا بعد التحقيق والتمحيص ، ولا فرق في منطق العقل بين الأناجيل الأربعة ، وبين كتب الحديث من حيث جواز الطعن بهما معا ، ما دام كل منهما مجرد نقل عن صاحب الرسالة . . أما الفرق بين القرآن والأناجيل فواضح ، لأن القرآن يتحدى الأجيال أن تأتي بسورة من مثله دون جميع الكتب السماوية .
وحاول الياس نجمة أن يدفع هذا الاشكال بقوله في ص 12 : « الكنيسة تشهد للإنجيل ، والإنجيل يشهد للكنيسة ، وكلاهما يثبت الآخر » .
وبديهة ان هذا اثبات للدعوى بالدعوى نفسها ، لأنه تماما كقول من قال :
أنا صادق في دعواي ، لأن فلانا يشهد لي بالصدق . . فإذا قيل له : ومن يشهد لفلان بأنه صادق قال : أنا أشهد بذلك . . ومعنى هذا في واقعه ان الشاهد هو
عين المدعي . . والفلاسفة يسمون هذا النوع بالدور الذي يحيله العقل . . وقد نظمه بعض الشعراء بقوله :
مسألة الدور جرت *** بيني وبين من أحب
لولا مشيبي ما جفا *** لولا جفاه لم أشب
والبيت الأخير - كما ترى - أشبه بهذيان المجانين ، لأن معنى العجز ان مشيب الشاعر حدث بعد هجر الحبيب ، وان سبب المشيب هو الهجر . . ومعنى الصدر ان الهجر حدث بعد المشيب ، وان سبب الهجر هو المشيب ، وعلى هذا يلزم أن يكون كل من الهجر والمشيب سببا ومسببا ، ودليلا ومدلولا ، وعلة ومعلولا في آن واحد ، كقول القائل : فصّلت هذا الثوب كي ألبسه ، ولبسته كي أفصّله .
_____________________
1- التفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ،ص48-50.
2- في ملحق جريدة النهار ((النهار))البيروتية ، تاريخ 12-7-1964. مقال مطول ، جاء فيه :
ان العلماء المختصين ، والمسيحيين ايضا اثبتوا بالتجربة وبالدماغ الالكتروني ان اكثر الرسائل
المنسوبة الى بولس الرسول المؤسس الاكبر للمسيحية ، ان اكثر هذه الرسائل مزورة ..وبهذه
المناسبة لابأس ان تقرا التعليق على الاية 78 من هذه السورة.
المراد بالإيمان بالغيب في مقابل الإيمان بالوحي والإيقان بالآخرة، هو الإيمان بالله تعالى ليتم بذلك الإيمان بالأصول الثلاثة للدين، والقرآن يؤكد القول على عدم القصر على الحس فقط ويحرص على اتباع سليم العقل وخالص اللب.
وقوله سبحانه: { وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} ، العدول في خصوص الإذعان بالآخرة عن الإيمان إلى الإيقان، كأنه للإشارة إلى أن التقوى لا تتم إلا مع اليقين بالآخرة الذي لا يجامع نسيانها، دون الإيمان المجرد، فإن الإنسان ربما يؤمن بشيء ويذهل عن بعض لوازمه فيأتي بما ينافيه، لكنه إذا كان على علم وذكر من يوم يحاسب فيه على الخطير واليسير من أعماله لا يقتحم معه الموبقات ولا يحوم حوم محارم الله سبحانه البتة قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] ، فبين تعالى: أن الضلال عن سبيل الله إنما هو بنسيان يوم الحساب فذكره واليقين به ينتج التقوى .
{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } :
الهداية كلها من الله سبحانه، لا ينسب إلى غيره البتة إلا على نحو من المجاز كما سيأتي إن شاء الله، و لما وصفهم الله سبحانه بالهداية و قد قال في نعتها: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ } [الأنعام: 125] ، و شرح الصدر سعته و هذا الشرح يدفع عنه كل ضيق و شح، و قد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ، عقب سبحانه هاهنا أيضا قوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } بقوله: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الآية.
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ،ص43-44.
الإيمان بالأنبياء(عليهم السلام):
الخاصية الرابعة للمتّقين الإيمان بجميع الأنبياء وبرسالاتهم الإِلهية; {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. وفي هذا التعبير القرآني إشارة إلى أن المتقين يؤمنون بتوافق دعوة الأنبياء في المبادئ والأُسس بأنهم جميعاً هداة البشرية نحو صراط مستقيم واحد، أحدهم يكمل الشوط الذي قطعه سلفه في قيادة البشرية نحو كمالها المرسوم. ويؤمنون بأن الأديان الإلهية ليست وسيلة للتفرقة والنفاق، بل على العكس وسيلة للارتباط وعامل للشّدّ بين أبناء البشر.
الاشخاص الذين يحملون مثل هذه الرّؤية ومثل هذا الإدراك يسعون تطهير أرواحهم من التعصّب، ويؤمنون بما جاء به جميع الأنبياء لهداية البشر وتكاملهم، ويحترمون كل دعاة وهداة طريق التوحيد.
الإيمان برسالات الأنبياء السابقين لا يمنع طبعاً من انتهاج رسالة خاتم الأنبياء في الفكر والعمل، لأن هذه الرّسالة هي آخر حلقة من السلسلة التكاملية للأديان، وعدم انتهاجها يعني التخلف عن المسيرة التكاملية للبشرية.
الإيمان بيوم القيامة
آخر صفة في هذه السلسلة من الصفات التي قررها القرآن للمتقين {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.
إنهم يوقنون بأن الإنسان لم يخلق هملا وعبثاً. فالخليقة عينت للكائن البشري مسيرة تكاملية لا تنتهي إطلاقاً بموته إذ لوكان الموت نهاية المسير لكانت حياة الإنسان عبثاً لا طائل تحته.
المتّقون يقرّون بأن عدالة الله المطلقة تنتظر الجميع، ولا شيء من أعمال البشر في هذه الدنيا يبقى بدون جزاء.
هذا اللون من التفكير يبعث في نفس حامله الهدوء والسكينة، ويجعله يتحمل أعباء المسؤولية ومشاقها بصدر رحب، ويقف أمام الحوادث كالطود الأشمّ، ويرفض الخضوع للظلم. وهذا التفكير يملأ الإنسان ثقة بأن الأعمال ـ صالحها وطالحها ـ لها جزاء وعقاب، وبأنه ينتقل بعد الموت إلى عالم أرحب خال من كل ألوان الظلم، يتمتع فيه برحمة الله الواسعة وألطافه الغزيرة.
الإيمان بالآخرة يعني شقّ حاجز عالم المادة والدخول إلى عالم أسمى. ويعني أن عالمنا هذا مزرعة لذلك العالم الأسمى ومدرسة إعدادية له، وأنّ الحياة في هذا العالم ليست هدفاً نهائيّاً، بل تمهيد وإعداد للعالم الآخر.
الحياة في هذا العالم شبيهة بحياة المرحلة الجنينية، فهي ليست هدفاً لخلقة الإنسان، بل مرحلة تكاملية من أجل حياة اُخرى. وما لم يولد هذا الجنين سالماً خالياً من العيوب، لا يستطيع أن يعيش سعيداً في الحياة التالية.
الإيمان بيوم القيامة له أثر عميق في تربية الإنسان. يهبه الشجاعة والشهامة، لأن أسمى وسام يتقلده الإنسان في هذا العالم هو وسام «الشهادة» على طريق هدف مقدس إلهي، والشهادة أحبّ شيء للإنسان المؤمن، وبداية لسعادته الأبديّة.
الإيمان بيوم القيامة يصون الإنسان من ارتكاب الذّنوب. بعبارة اُخرى: يتناسب ارتكابنا للذنوب مع إيماننا بالله واليوم الآخر تناسباً عكسياً، فكلما قوي الإيمان قلت الذنوب، يقول الله سبحانه لنبيّه داود: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
نسيان يوم الحساب أساس كل طغيان وظلم وذنب، وبالتالي أساس استحقاق العذاب الشديد.
{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } :
الهداية كلها من الله سبحانه، لا ينسب إلى غيره البتة إلا على نحو من المجاز كما سيأتي إن شاء الله، و لما وصفهم الله سبحانه بالهداية و قد قال في نعتها: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ } [الأنعام: 125] ، و شرح الصدر سعته و هذا الشرح يدفع عنه كل ضيق و شح، و قد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ، عقب سبحانه هاهنا أيضا قوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } بقوله: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الآية.
لقد ضمن ربّ العالمين لهؤلاء هدايتهم و فلاحهم، وعبارة {مِنْ رَبِّهِمْ} إشارة إلى هذه الحقيقة.
واستعمال حرف (على) في عبارة {عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} يوحي بأن الهداية الإلهية مثل سفينة يركبها هؤلاء المتقون لتوصلهم إلى السعادة والفلاح، (لأن حرف (على) يوحي غالباً معنى الإستعلاء.
واستعمال كلمة «هدى» في حالة نكرة يشير إلى عظمة الهداية التي شملهم الله بها.
وتعبير {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يفيد الإنحصار كما يذكر علماء البلاغة، أي إنّ الطريق الوحيد للفلاح هو طريق هؤلاء المفلحين(2)!
_____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ص69-71.
2 ـ صاحب «المنار» يصر على أن تكرار كلمة «أولئك» في الآية يفيد الإشارة إلى
مجموعتين:
الاُولى ـ أولئك الذين يتصفون بالإيمان بالغيب، وبإقامة الصلاة، وبالإنفاق. والثانية ـ هم
المؤمنون بالوحي السماوي وبالأخرة. نحن نستبعد كثيراً هذا التّفسير، لأن الصفات الخمس
المذكورة مترابطة لا يمكن التفكيك بينها، وكلها تصف مجموعة واحدة.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|