أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2019
1961
التاريخ: 1-12-2016
8403
التاريخ: 1-12-2016
2308
التاريخ: 9-12-2019
1735
|
خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
استخلف علي بن أبي طالب بن عبد المطلب[عليه السلام]، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، يوم الثلاثاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثون، ومن شهور العجم في حزيران، وكانت الشمس يومئذ في الجوزاء ستا وعشرين درجة وأربعين دقيقة، والقمر في الدلو ثماني عشرة درجة وأربعين دقيقة، وزحل في السنبلة خمساً وعشرين درجة، والمريخ في الجدي سبع درجات... بايعه طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار، وكان أول من بايعه وصفق على يده طلحة بن عبيد الله، فقال رجل من بني أسد: أول يد بايعت يد شلاء، أو يد ناقصة، وقام الأشتر فقال: أبايعك يا أمير المؤمنين على أن علي بيعة أهل الكوفة، ثم قام طلحة والزبير فقالا: نبايعك يا أمير المؤمنين على أن علينا بيعة المهاجرين، ثم قام أبو الهيثم بن التيهان وعقبة بن عمرو وأبو أيوب، فقالوا: نبايعك على أن علينا بيعة الأنصار، وسائر قريش.
وبايع الناس إلا ثلاثة نفر من قريش: مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة، وكان لسان القوم. فقال: يا هذا إنك قد وترتنا جميعاً، أما أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر، وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر، وكان أبوه من نور قريش، وأما مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه... على ذلك بنو عبد مناف، فتبايعنا على أن تضع عنا ما أصبنا وتعفي لنا عما في أيدينا، وتقتل قتله صاحبنا. فغضب علي [عليه السلام] وقال: أما ما ذكرت من وتري إياكم، فألحق وتركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق الله تعالى، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلى قتلة عثمان، فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه، فمن ضاق عليه الحق، فالباطل عليه أضيق، وإن شئتم فألحقوا بملاحقكم. فقال مروان: بل نبايعك، ونقيم معك، فترى ونرى.
وقام قوم من الأنصار فتكلموا، وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وكان خطيب الأنصار، فقال: والله، يا أمير المؤمنين، لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك، ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلى أحد مع علمك.
ثم قام خزيمة بن ثابت الأنصاري، وهو ذو الشهادتين، فقال: يا أمير المؤمنين! ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، ولا كان المنقلب إلا إليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك، فلأنت أقدم الناس إيماناً، وأعلم الناس بالله، وأولى المؤمنين برسول الله، لك ما لهم، وليس لهم ما لك.
وقام صعصعة بن صوحان فقال: والله، يا أمير المؤمنين، لقد زينت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي إليك أحوج منك إليها. ثم قام مالك بن الحارث الأشتر فقال: أيها الناس، هذا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن الغناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان، ورسوله بجنة الرضوان. من كملت فيه الفضائل، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر، ولا الأوائل.
ثم قام عقبة بن عمرو فقال: من له يوم كيوم العقبة وبيعة كبيعة الرضوان، والإمام الهدى الذي لا يخاف جوره، والعالم الذي لا يخاف جهله.
وعزل علي [عليه السلام] عمال عثمان عن البلدان خلا أبي موسى الأشعري، كلمه فيه الأشتر، فأقره، وولي قثم بن العباس مكة، وعبيد الله بن العباس اليمن، وقيس بن سعد بن عبادة مصر، وعثمان بن حنيف الأنصاري البصرة. وأتاه طلحة والزبير فقالا: إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة، فأشركنا في أمرك! فقال: أنتما شريكاي في القوة والاستقامة، وعوناي على العجز والأود. وروى بعضهم أنه ولي طلحة اليمن، والزبير اليمامة والبحرين، فلما دفع إليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين. واسترد العهد منهما، فعتبا من ذلك، وقالا: آثرت علينا! فقال: لو لا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي.
وروى بعضهم أن المغيرة بن شعبة قال له: يا أمير المؤمنين! أنفذ طلحة إلى اليمن، والزبير إلى البحرين، واكتب بعهد معاوية على الشام، فإذا استقامت الأمور، فشأنك وما تريده فيهم! فأجابه في ذلك بجواب، فقال المغيرة: والله ما نصحت له قبلها، ولا أنصح له بعدها.
وكانت عائشة بمكة، خرجت قبل أن يقتل عثمان، فلما قضت حجها انصرفت راجعة، فلما صارت في بعض الطريق لقيها ابن أم كلاب، فقالت له: ما فعل عثمان؟ قال: قتل! قالت: بعدا وسحقا! قالت: فمن بايع الناس؟ قال: طلحة. قالت: أيها ذو الإصبع. ثم لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس؟ قال: بايعوا علياً [عليه السلام]. قالت: والله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه. ثم رجعت إلى مكة، وأقام [عليه السلام] أياماً، ثم أتاه طلحة والزبير فقالا: إنا نريد العمرة، فأذن لنا في الخروج.
وروى بعضهم أن علياً[عليه السلام] قال لهما، أو لبعض أصحابه: والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة. فلحقا عائشة بمكة فحرضاها على الخروج، فأتت أم سلمة بنت أبي أمية، زوج رسول الله، فقالت: إن ابن عمي وزوج أختي أعلماني أن عثمان قتل مظلوماً، وأن أكثر الناس لم يرض ببيعة علي [عليه السلام]، وأن جماعة ممن بالبصرة قد خالفوا، فلو خرجت بنا لعل الله أن يصلح أمر أمه محمد على أيدينا؟ فقالت لها أم سلمة: إن عماد الدين لا يقام بالنساء، حماديات النساء غض الأبصار، وخفض الأطراف، وجر الذيول. إن الله وضع عني وعنك هذا، ما أنت قائلة لو أن رسول الله عارضك بأطراف الفلوات قد هتكت حجابا قد ضربه عليك؟ فنادى مناديها: إلا إن أم المؤمنين مقيمة، فأقيموا.
وأتاها طلحة والزبير وأزالاها عن رأيها، وحملاها على الخروج، فسارت إلى البصرة مخالفة على [عليه السلام] ، ومعها طلحة والزبير في خلق عظيم، وقدم يعلى بن منية بمال من مال اليمن قيل: إن مبلغه أربعمائة ألف دينار، فأخذه منه طلحة والزبير، فاستعانا به، وسارا نحو البصرة.
ومر القوم في الليل بماء يقال له: مر الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ردوني ردوني! هذا الماء الذي قال لي رسول الله: لا تكوني التي تنبجك كلاب الحوأب. فأتاها القوم بأربعين رجلاً، فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب.
وقدم القوم البصرة، وعامل علي [عليه السلام] عثمان بن حنيف، فمنعها ومن معها من الدخول، فقالا: لم نأت لحرب، وإنما جئنا لصلح، فكتبوا بينهم وبينه كتابا انهم لا يحدثون حدثاً إلى قدوم علي [عليه السلام] ، وأن كل فريق منهم آمن من صاحبه، ثم افترقوا، فوضع عثمان بن حنيف السلاح، فنتفوا لحيته وشاربه وأشفار عينيه وحاجبيه، وانتهبوا بيت المال، وأخذوا ما فيه، فلما حضر وقت الصلاة تنازع طلحة والزبير، وجذب كل واحد منهما صاحبه، حتى فات وقت الصلاة، وصاح الناس: الصلاة الصلاة يا أصحاب محمد! فقالت عائشة: يصلي محمد بن طلحة يوماً وعبد الله بن الزبير يوماً، فاصطلحوا على ذلك. فلما أتى علياً [عليه السلام] الخبر سار إلى البصرة، واستخلف على المدينة أبا حسن بن عبد عمرو، أحد بني النجار، وخرج من المدينة، ومعه أربعمائة راكب من أصحاب رسول الله[صلى الله عليه وآله]، فلما صاروا إلى أرض أسد وطئ تبعه منهم ستمائة، ثم صار إلى ذي قار، ووجه الحسن وعمار بن ياسر، فاستنفر أهل الكوفة، وعامله يومئذ على الكوفة أبو موسى الأشعري، فخذل الناس عنه، فوافاه منهم ستة آلاف رجل، ولقيه عثمان بن حنيف فقال: يا أمير المؤمنين، وجهتني ذا لحية فأتيتك أمرد! وقص عليه القصة.
وقعة الجمل:
ثم قدم أمير المؤمنين البصرة، وكانت وقعة الجمل بموضع يقال له الخريبة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثون. وخرج طلحة والزبير فيمن معهما، فوقفوا على مصافهم، فأرسل إليهم علي [عليه السلام]: ما تطلبون وما تريدون؟ قالوا: نطلب بدم عثمان! قال علي [عليه السلام]: لعن الله قتلة عثمان! واصطف أصحاب علي [عليه السلام]، فقال لهم: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف... أعذروا.
فرمى رجل من عسكر القوم بسهم، فقتل رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين، فأتى به إليه، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى آخر، فقتل رجلاً من أصحاب علي [عليه السلام]، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى رجل آخر، فأصاب عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي فقتله، فأتى به أخوه عبد الرحمن يحمله، فقال علي [عليه السلام]: اللهم اشهد، ثم كانت الحرب، وأطافت بنو ضبة بالجمل، وكانت تحمل الراية، فقتل منهم ألفان، وحفت به الأزد، فقتل منهم ألفان وسبعمائة. وكان لا يأخذ خطام الجمل أحد إلا سالت نفسه، فقتل طلحة بن عبيد الله في المعركة، رماه مروان بن الحكم بسهم فصرعه، وقال: لا أطلب والله بعد اليوم بثأر عثمان، وأنا قتلته، فقال طلحة لما سقط: تالله ما رأيت كاليوم، قط، شيخا من قريش أضيع مني! إني والله ما وقفت موقفا قط إلا عرفت موضع قدمي فيه، إلا هذا الموقف. وقال علي بن أبي طالب[عليه السلام] للزبير: يا أبا عبد الله، ادن إلي أذكرك كلاماً سمعته أنا وأنت من رسول الله! فقال الزبير لعلي [عليه السلام]: لي الأمان؟ قال علي [عليه السلام]: عليك الأمان، فبرز إليه فذكره الكلام، فقال: اللهم إني ما ذكرت هذا إلا هذه الساعة، وثنى عنان فرسه لينصرف، فقال له عبد الله: إلى أين؟ قال: ذكرني علي كلاماً قاله رسول الله. قال: كلا، ولكنك رأيت سيوف بني هاشم حداداً تحملها شداد. قال: ويلك! ومثلي يعير بالجبن؟ هلم إلى الرمح. وأخذ الرمح وحمل على أصحاب علي [عليه السلام]، فقال علي [عليه السلام]: افرجوا للشيخ، إنه محرج، فشق الميمنة والميسرة والقلب ثم رجع فقال لابنه: لا أم لك! أيفعل هذا جبان؟ وانصرف، فاجتاز بالأحنف بن قيس، فقال: ما رأيت مثل هذا، أتى بحرمة رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يسوقها، فهتك عنها حجاب رسول الله، وستر حرمته في بيته، ثم أسلمها وانصرف. ألا رجل يأخذ لله منه! فاتبعه عمرو بن جرموز التميمي، فقتله بموضع يقال له وادي السباع، وكانت الحرب أربع ساعات من النهار، فروى بعضهم أنه قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفاً.
ثم نادى منادي علي [عليه السلام]: ألا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مول، ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ثم آمن الأسود والأحمر، ووجه ابن عباس إلى عائشة يأمرها بالرجوع، فلما دخل عليها ابن عباس قالت: أخطأت السنة يا ابن عباس مرتين، دخلت بيتي بغير أذني، وجلست على متاعي بغير أمري. قال: نحن علمنا إياك السنة، إن هذا ليس ببيتك، بيتك الذي خلفك رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم به، وأمرك القرآن أن تقري فيه. وجرى بينهما كلام.
وأتاها علي [عليه السلام]، وهي في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وابنه المعروف بطلحة الطلحات، فقال: أيها يا حميراء! ألم تنتهي عن هذا المسير؟ فقالت: يا ابن أبي طالب! قدرت فاسجح! فقال: اخرجي إلى المدينة، وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم أن تقري فيه. قالت: أفعل. فوجه معها سبعين امرأة من عبد القيس في ثياب الرجال، حتى وافوا بها المدينة، وأعطى الناس بالسوية لم يفضل أحداً على أحد، وأعطى الموالي كما أعطى الضلبية، وقيل له في ذلك، فقال: قرأت ما بين الدفتين، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا، وأخذ عودا من الأرض، فوضعه بين إصبعيه.
ولما فرغ من حرب أصحاب الجمل، وجه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي إلى خراسان، وقدم عليه ماهويه مرزبان مرو، فكتب له كتاباً، وأنفذ له شروطه، وأمره أن يحمل من الخراج ما كان وظفه عليه، فحمل إليه مالا على الوظيفة المتقدمة.
بداية سجال حرب صفين:
وخرج علي [عليه السلام] من البصرة متوجهاً إلى الكوفة، وقدم الكوفة في رجب سنة ست وثلاثون، وكان جرير بن عبد الله على همذان، فعزله، فقال لعلي [عليه السلام]: وجهني إلى معاوية، فإن جل من معه قومي، فلعلي أجمعهم على طاعتك! فقال له الأشتر: يا أمير المؤمنين! لا تبعثه، فإن هواه هواهم. فقال: دعه يتوجه، فإن نصح كان ممن أدى أمانته، وإن داهن كان عليه وزر من اؤتمن ولم يؤد الأمانة، ووثق به فخالف الثقة. ويا ويحهم مع من يميلون ويدعونني، فو الله ما أردتهم إلا على إقامة حق، ولا يريدهم غيري إلا على باطل. فقدم جرير على معاوية، وهو جالس، والناس حوله، فدفع إليه كتاب علي [عليه السلام]، فقرأه، ثم قام جرير فقال: يا أهل الشام! إنه من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، وقد كانت بالبصرة ملحمة لن يشفع البلاء بمثلها، فلا بقاء للإسلام، فاتقوا الله يا أهل الشام، ورووا في علي [عليه السلام] ومعاوية خيراً، فانظروا لأنفسكم، ولا يكونن أحد أنظر لها منكم. ثم سكت، وصمت معاوية، فلم ينطق، فقال: أبلعني ريقي يا جرير.
وبعث معاوية من ليلته إلى عمرو بن العاص أن يأتيه وكتب إليه:
أما بعد، فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة، وقدم على جرير بن عبد الله في بيعة علي وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة الله تعالى.
فلما انتهى الكتاب إليه دعا ابنيه عبد الله ومحمداً، فاستشارهما، فقال له عبد الله: أيها الشيخ! إن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم قبض وهو عنك راض، ومات أبو بكر وعمر وهما عنك راضيان، فإنك إن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها مع معاوية فتضجعان غدا في النار، ثم قال لمحمد: ما ترى؟ قال: بادر هذا الأمر، فكن فيه رأساً قبل أن تكون ذنباً، فأنشأ يقول:
تطاول ليلي للهموم الطوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العواتق
فإن ابن هند سألني أن أزوره ... وتلك التــي فيها بنــات البوائـــق
أتــاه جرير من علي بخطـة ... أمرت عليـه العيش مع كل دانق
فــــإن نال منه ما يؤمل رده ... فـــإن لم ينله ذل ذل المطــــابق
فو الله ما أدري، وإني لهكذا ... أكون، ومهما قادني، فهو سائقي
أأخدعـــــه، فالخدع فيه دنية ... أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق
فلما سمع عبد الله شعره قال: بال الشيخ على عقبيه، وباع دينه بدنياه، فلما أصبح دعا وردان مولاه فقال له: ارحل يا وردان، ثم قال حط يا وردان، فحط ورحل ثلاث مرات، فقال وردان: لقد خلطت أبا عبد الله، فإن شئت أخبرتك بما في نفسك. قال: هات! قال: اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه آخرة بلا دنيا، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فلست تدري أيهما تختار. قال: لله درك ما أخطأت مما في نفسي شيئاً، فما الرأي يا وردان؟ قال: الرأي أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغن عنك. قال عمرو: الآن، وقد شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية، ارحل يا وردان! ثم أنشأ يقول:
يا قاتل الله وردان وفطنته ... أبدى لعمرك ما في الصدر وردان
فقدم على معاوية، فذاكره أمره، فقال له: أما علي ، فو الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش إلا أن تظلمه.
قال: صدقت، ولكنا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قتل عثمان. قال عمرو: وا سوءتاه! إن أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت. قال: ولم ويحك؟ قال: أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي، فسار إليه، وأما أنا فتركته عياناً، وهربت إلى فلسطين. فقال معاوية: دعني من هذا! مد يدك فبايعني! قال: لا، لعمر الله، لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك. قال له معاوية: لك مصر طعمة، فغضب مروان بن الحكم وقال: ما لي لا استشار؟ فقال معاوية: اسكت، فإنما يستشار بك. فقال له معاوية: يا أبا عبد الله! بت عندنا الليلة، وكره أن يفسد عليه الناس، فبات عمرو، وهو يقول:
معاوي لا أعطيــك ديني ولم أنل ... به منك دنيا، فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصراً فاربح بصفقة ... أخـــذت بها شيخــــــاً يضر وينفع
ومـــا الدين والدنيا سواء وإننـي ... لأخــــذ ما أعطـــي، ورأسي مقنع
ولكننـــي أعطيك هـــــذا، وإنني ... لأخـــدع نفسي، والمخـــادع يخدع
أأعطيك أمــــراً فيه للملــك قوة، ... وأبقـــــى له، إن زلت النعل أخدع
وتمنعني مصـراً، وليست برغبة ... وإن ثري القنـــوع يومـــــاً لمولع
فكتب له بمصر شرطاً، وأشهد له شهوداً، وختم الشرط، وبايعه عمرو، وتعاهدا على الوفاء. واحتال معاوية لقيس بن سعد بن عبادة عامل علي [عليه السلام] على مصر، فجعل يكاتبه رجاء أن يستميله، وكتب إليه قيس بن سعد:
من قيس بن سعد إلى معاوية بن صخر: أما بعد، فإنما أنت وثن من أوثان مكة دخلت في الإسلام كارها، وخرجت منه طائعا.
وكتب معاوية إلى سعد بن أبي وقاص: إن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش، الذين أثبتوا حقه، واختاروه على غيره، وقد نصرة طلحة والزبير، وهما شريكاك في الأمر ونظيراك في الإسلام، وخفت لذلك أم المؤمنين، ولا تكرهن ما رضوا، ولا تردن ما قبلوا!.
فكتب إليه سعد:
أما بعد، فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة، فلم يكن أحد منا أحق بها من صاحبه إلا باجتماعنا عليه، غير أن علياً [عليه السلام] قد كان فيه ما فينا، ولم يكن فينا ما فيه، وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيراً لهما، والله يغفر لأم المؤمنين.
وبلغ علياً [عليه السلام] أن معاوية قد استعد للقتال، واجتمع معه أهل الشام، فسار علي [عليه السلام] في المهاجرين والأنصار، حتى أتى المدائن، فلقيه الدهاقين بالهدايا، فردها، فقالوا: ولم ترد علينا، يا أمير المؤمنين؟ قال: نحن أغنى منكم بحق أحق بأن نفيض عليكم، ثم صار إلى الجزيرة، فلقيه بطون تغلب والنمر بن قاسط، فسار معه منهم خلق عظيم، ثم سار إلى الرقة، وجل أهلها العثمانية الذين هربوا من الكوفة إلى معاوية، فغلقوا أبوابها، وتحصنوا، وكان أميرهم سماك ابن مخرمة الأسدي، فغلقوا دونه الباب، فصار إليهم الأشتر مالك بن الحارث النخعي، فقال: والله لتفتحن، أو لأضعن فيكم السيف! ففتحوا، وأقام بها أمير المؤمنين يومه.
ثم عبر إلى الجانب الشرقي من الفرات، حتى صار إلى صفين، وقد سبق معاوية إلى الماء ووسعه المناخ، فلما وافى علي [عليه السلام] وأصحابه لم يصلوا إلى الماء، فتوسل الناس إلى معاوية، وقالوا: لا تقتل الناس عطشا، فيهم العبد والأمة والأجير. فأبى معاوية، وقال: لا سقاني الله، ولا أبا سفيان من حوض رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم إن شربوا منه أبداً. فوجه علي [عليه السلام] الأشتر والأشعث في الخيل، والأشعث ابن قيس في الرجالة، وكانت خيل معاوية مع أبي الأعور السلمي، فقاتله أصحاب علي [عليه السلام] حتى صارت سنابك الخيل في الفرات، وغلبوا على المشرعة، وكان الواقف عليها عبد الله بن الحارث أخو الأشتر، فلما غلب علي [عليه السلام] على المشرعة قال أصحاب معاوية: إنه لا قوام لنا وقد أخذ علي [عليه السلام] الماء! فقال عمرو بن العاص لمعاوية: إن علياً [عليه السلام] لا يستحل منك ومن أصحابك ما استحللت منه ومن أصحابه، فأطلق علي [عليه السلام] الماء. وكان ذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثون.
ثم وجه علي [عليه السلام] إلى معاوية يدعوه ويسأله الرجوع، وألا يفرق الأمة بسفك الدماء، فأبى إلا الحرب، فكانت الحرب في صفين سنة سبع وثلاثون، وأقامت بينهم أربعين صباحاً.
وكان مع علي [عليه السلام] يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلاً، وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل، ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل، ولم يكن مع معاوية من الأنصار إلا النعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد، وصدقت نيات أصحاب علي [عليه السلام] في القتال، وقام عمار بن ياسر، فصاح في الناس، فاجتمع إليه خلق عظيم، فقال: والله إنهم لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وانهم على الباطل. ثم قال: ألا هل من رائح إلى الجنة؟ فتبعه خلق، فضرب حول سرادق معاوية، فقاتل القوم قتالاً وقتل عمار بن ياسر، واشتدت الحرب في تلك العشية، ونادى الناس: قتل صاحب رسول الله، وقد قال رسول الله: تقتل عماراً الفئة الباغية.
وزحف أصحاب علي [عليه السلام] وظهروا على أصحاب معاوية ظهوراً شديداً، حتى لصقوا به، فدعا معاوية بفرسه لينجو علي [عليه السلام]ه، فقال له عمرو بن العاص: إلى أين؟ قال: قد نزل ما ترى، فما عندك؟ قال: لم يبق إلا حيلة واحدة، أن ترفع المصاحف، فتدعوهم إلى ما فيها، فتستكفهم وتكسر من حدهم، وتفت في أعضادهم. قال معاوية: فشأنك! فرفعوا المصاحف ودعوهم إلى التحكم بما فيها، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله. فقال علي [عليه السلام]: أنها مكيدة، وليسوا بأصحاب قرآن فاعترض الأشعث بن قيس الكندي، وقد كان معاوية استماله، وكتب إليه ودعاه إلى نفسه، فقال: قد دعا القوم إلى الحق! فقال علي [عليه السلام]: إنهم إنما كادوكم، وأرادوا صرفكم عنهم. فقال الأشعث: والله لئن لم تجبهم انصرفت عنك. ومالت اليمانية مع الأشعث، فقال الأشعث: والله لتجيبنهم إلى ما دعوا إليه، أو لندفعنك إليهم برمتك، فتنازع الأشتر والأشعث في هذا كلاما عظيما، حتى كاد أن يكون الحرب بينهم، وحتى خاف علي [عليه السلام] أن يفترق عنه أصحابه. فلما رأى ما هو فيه أجابهم إلى الحكومة، وقال علي [عليه السلام]: أرى أن أوجه بعبد الله بن عباس. فقال الأشعث: إن معاوية يوجه بعمرو بن العاص، ولا يحكم فينا مضريان، ولكن توجه أبا موسى الأشعري، فإنه لم يدخل في شيء من الحرب. وقال علي [عليه السلام]: إن أبا موسى عدو، وقد خذل الناس عني بالكوفة، ونهاهم أن يخرجوا معي قالوا: لا نرضى بغيره. فوجه علي [عليه السلام] أبا موسى على علمه بعداوته له ومداهنته فيما بينه وبينه، ووجه معاوية عمرو بن العاص، وكتبوا كتابين بالقضية: كتابا من علي [عليه السلام] بخط كاتبه عبد الله بن أبي رافع، وكتابا من معاوية بخط كاتبه عمير بن عباد الكناني، واختصموا في تقديم علي [عليه السلام] أو تسمية علي [عليه السلام] بإمرة المؤمنين، فقال أبو الأعور السلمي: لا نقدم علياً ، وقال أصحاب علي [عليه السلام]: ولا نغير اسمه ولا نكتب إلا بإمرة المؤمنين، فتنازعوا على ذلك منازعة شديدة حتى تضاربوا بالأيدي، فقال الأشعث: امحوا هذا الاسم! فقال له الأشتر: والله يا أعور لهممت أن أملأ سيفي منك، فلقد قتلت قوما ما هم شر منك، وإني أعلم أنك ما تحاول إلا الفتنة، وما تدور إلا على الدنيا وإيثارها على الآخرة. فلما اختلفوا قال علي [عليه السلام]: الله أكبر! قد كتب رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يوم الحديبية لسهيل بن عمرو: هذا ما صالح رسول الله، فقال سهيل: لو علمنا أنك رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ما قاتلناك. فمحا رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم اسمه بيده، وأمرني فكتبت: من محمد بن عبد الله، وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي، وكذلك كتبت الأنبياء، كما كتب رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم إلى الآباء، وإن اسمي واسم أبي لا يذهبان بإمرتي، وأمرهم فكتبوا: من علي بن أبي طالب، وكتب كتاب القضية على الفريقين يرضون بذلك بما أوجبه كتاب الله، واشترط على الحكمين في الكتابين أن يحكما بما في كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته لا يتجاوزان ذلك، ولا يحيدان عنه إلى هوى، ولا ادهان، وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق، فإن هما جاوزا بالحكم كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فلا حكم لهما.
ووجه علي [عليه السلام] بعبد الله بن عباس في أربعمائة من أصحابه ونفذ معاوية أربعمائة من أصحابه، واجتمعوا بدومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثون. فخدع عمرو بن العاص أبا موسى، وذكر له معاوية فقال: هو ولي ثار عثمان وله شرفة في قريش، فلم يجد عنده ما يحب، قال: فابني عبد الله؟ قال: ليس بموضع لذلك. قال: فعبد الله بن عمر؟ قال: إذا يحيى سنة عمر، الآن حيث به. فقال: فاخلع علياً وأخلع أنا معاوية، ويختار المسلمون.
وقدم عمرو أبا موسى إلى المنبر فلما رآه عبد الله بن عباس قام إلى عبد الله ابن قيس، فدنا منه، فقال: إن كان عمرو فارقك على شيء، فقدمه قبلك، فإنه غدر. فقال: لا، قد اتفقنا على أمر، فصعد المنبر، فخلع علياً [عليه السلام]، ثم صعد عمرو بن العاص فقال: قد ثبت معاوية كما ثبت خاتمي هذا في يدي. فصاح به أبو موسى: غدرت يا منافق، إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث. قال عمرو: إنك مثلك مثل الحمار يحمل أسفاراً.
وتنادى الناس: حكم والله الحكمان بغير ما في الكتاب، والشرط عليهما غير هذا. وتضارب القوم بالسياط، وأخذ قوم بشعور بعض، وافترق الناس ونادت الخوارج: كفر الحكمان، لا حكم إلا لله. وقيل: أول من نادى بذلك عروة بن أدية التميمي قبل أن يجتمع الحكمان، وكانت الحكومة في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثون.
قال ابن الكلبي: أخبرني عبد الرحمن بن حصين بن سويد... قال: إني لأساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات، وهو إذ ذاك عامل لعمر، فجعل يحدثني، فقال: إن بني إسرائيل لم تزل الفتن ترفعهم وتخفضهم أرضا بعد أرض، حتى حكموا ضالين أضلا من اتبعهما. قلت: فإن كنت يا أبا موسى أحد الحكمين، قال فقال لي: إذا لا ترك الله لي في السماء مصعداً، ولا في الأرض مهربا إن كنت أنا هو. فقال سويد: لربما كان البلاء موكلاً بالمنطق. ولقيته بعد التحكيم، فقلت: إن الله إذا قضى أمراً لم يغالب.
نتائج مهزلة التحكيم بروز الخوارج:
وانصرف علي [عليه السلام] إلى الكوفة، فلما قدمها قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! إن أول وقوع الفتن هوى يتبع، وأحكام تبتدع، يعظم فيها رجال رجالاً، يخالف فيها حكم الله، ولو أن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى ولكن يؤخذ ضغث من ذا وضغث من ذا، فيخلط فيعمل به، فعند ذلك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى.
وصارت الخوارج إلى قرية يقال لها حروراء بينها وبين الكوفة نصف فرسخ، وبها سموا الحرورية، ورئيسهم عبد الله بن وهب الراسبي، وابن الكوا، وشبث بن ربعي، فجعلوا يقولون: لا حكم إلا لله، فإذا بلغ علياً[عليه السلام] ذلك قال: كلمة حق أريد بها باطل. ثم خرجوا في ثمانية آلاف، وقيل: في اثني عشر ألفاً، فوجه إليهم علي [عليه السلام] عبد الله بن عباس، فكلمهم، واحتجوا عليه، فخرج إليهم علي [عليه السلام] فقال: أتشهدون علي بجهل؟ قالوا: لا! قال: فتنفذون أحكامي؟ قالوا: نعم! قال: فارجعوا إلى كوفتكم حتى نتناظر، فرجعوا من عند آخرهم، ثم جعلوا يقومون فيقولون: لا حكم إلا لله، فيقول علي [عليه السلام]: حكم الله أنتظر فيكم. وخرجوا من الكوفة، فوثبوا على عبد الله ابن خباب بن الأرت، فقتلوه وأصحابه، فخرج إليهم علي [عليه السلام]، فناشدهم الله، ووجه إليهم عبد الله بن عباس، فقال: يا ابن عباس قل لهؤلاء الخوارج ما نقمتم على أمير المؤمنين؟ ألم يحكم فيكم بالحق، ويقيم فيكم العدل، ولم يبخسكم شيئاً من حقوقكم؟ فناداهم عبد الله بن عباس بذلك، فقالت طائفة منهم: والله لا نجيبه. وقالت الأخرى: والله لنجيبنه ثم لنخصمنه، نعم، يا ابن عباس، نقمنا على علي خصالا كلها موبقة لو لم نخصمه منها إلا بخصلة خصمناه، محا اسمه من أمره أمير المؤمنين يوم كتب إلى معاوية، ورجعنا عنه يوم صفين، فلم يضربنا بسيفه حتى نفيء إلى الله، وحكم الحكمين، وزعم أنه وصى، فضيع الوصية، وجئتنا يا ابن عباس في حلة حسنة جميلة تدعونا إلى مثل ما يدعونا إليه؟
فقال ابن عباس: قد سمعت، يا أمير المؤمنين، مقالة القوم، وأنت أحق بالجواب. فقال: حججتهم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، قل لهم: ألستم راضين بما في كتاب الله، وبما فيه من أسوة رسول الله؟ قالوا: بلى! قال: فعلي بذلك أرضي. كتب كاتب رسول الله يوم الحديبية، إذ كتب إلى سهيل ابن عمرو وصخر بن حرب ومن قبلهما من المشركين: من محمد رسول الله، فكتبوا إليه: لو علمنا أنك رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ما قاتلناك، فاكتب إلينا: من محمد بن عبد الله لنجيبك، فمحا رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم اسمه بيده، وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي وأمري، فكتب: من محمد بن عبد الله، وكذلك كتب الأنبياء كما كتب رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم إلى الآباء، ففي رسول الله أسوة حسنة.
وأما قولكم إني لم أضربكم بسيفي يوم صفين حتى تفيئوا إلى أمر الله، فإن الله جل وعز يقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وكنتم عدداً جماً، وأنا وأهل بيتي في عدة يسيرة.
وأما قولكم إني حكمت الحكمين، فإن الله عز وجل حكم في أرنب يباع بربع درهم، فقال: يحكم به ذوا عدل منكم، ولو حكم الحكمان بما في كتاب الله لما وسعني الخروج من حكمهما.
وأما قولكم إني كنت وصيا فضيعت الوصية، فإن الله عز وجل يقول: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين أفرأيتم هذا البيت، لو لم يحجج إليه أحد كان البيت يكفر، إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلاً كفر، وأنتم كفرتم بترككم إياي لا أنا كفرت بتركي لكم.
فرجع يومئذ من الخوارج ألفان، وأقام أربعة آلاف، والتحمت الحرب بينهم مع زوال الشمس، فأقامت مقدار ساعتين من النهار، فقتلوا من عند آخرهم، وقتل ذو الثدية، ولم يفلت من القوم إلا أقل من عشرة، ولم يقتل من أصحاب علي [عليه السلام] إلا أقل من عشرة، وكانت وقعة النهروان سنة تسع وثلاثون.
السرايا التي ارسلها الامام علي:
ولما قدم علي [عليه السلام] الكوفة قام خطيبا فقال: بعد حمد الله والثناء عليه والتذكير لنعمه والصلاة على محمد وذكره بما فضله الله به، أما بعد أيها الناس! فأنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، ولو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون، ولا القاسطون، ولا المارقون، ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإني عن قليل مقتول، فما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم أعلاها، فو الذي فلق البحر وبرأ النسمة لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فتنة تضل مائة أو تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها إلى يوم القيامة. إن القرآن لا يعلم علمه إلا من ذاق طعمه، وعلم بالعلم جهله، وأبصر عمله، واستمع صممه وأدرك به مأواه، وحي به إن مات، فأدرك به الرضا من الله، فاطلبوا ذلك عند أهله، فإنهم في بيت الحياة، ومستقر القرآن، ومنزل الملائكة، وأهل العلم الذين يخبركم عملهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم هم الذين لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، قد مضى فيهم من الله حكم صادق، وفي ذلك ذكرى للذاكرين.
وأما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملاً وسيفاً قاتلاً وأثرة قبيحة يتخذها الظالمون عليكم سنة تفرق جموعكم، وتبكي عيونكم، وتدخل الفقر بيوتكم، وستذكرون ما أقول لكم عن قليل، ولا يبعد الله إلا من ظلم.
ووجه معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص على مصر على شرط له، فقدمها سنة ثمان وثلاثون، ومعه جيش عظيم من أهل الشام، فكان على دمشق يزيد بن أسد البجلي، وعلى أهل فلسطين شمير الخثعمي، وعلى أهل الأردن أبو الأعور السلمي، ومعاوية بن حديج الكندي على الخارجة، فلقيهم محمد بن أبي بكر بموضع يقال له المسناة، فحاربهم محاربة شديدة، وكان عمرو يقول: ما رأيت مثل يوم المسناة، وقد كان محمد استذم إلى اليمانية، فمايل عمرو بن العاص اليمانية، فخلفوا محمد بن أبي بكر وحده، فجالد ساعة، ثم مضى فدخل منزل قوم خرابة، واتبعه ابن حديج الكندي، فأخذه وقتله، وأدخله جيفة حمار، وحرقه بالنار في زقاق يعرف بزقاق الحوف.
وبلغ علياً [عليه السلام]ضعف محمد بن أبي بكر وممالأة اليمانية معاوية وعمرو بن العاص فقال:
ما أوتي محمد من حرض، ووجه مالك بن الحارث الأشتر إلى مصر قبل أن ينتهي إليه قتل محمد بن أبي بكر، وكتب إلى أهل مصر: أني بعثت إليكم سيفا من سيوف الله لا نأبى الضربة، ولا كليل الحد، فإن استنفركم فانفروا، وإن أمركم بالمقام فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري، وقد آثرتكم به على نفسي. فلما بلغ معاوية أن علياً[عليه السلام] قد وجه الأشتر عظم عليه، وعلم أن أهل اليمن أسرع إلى الأشتر منهم إلى كل أحد، فدس له سما، فلما صار إلى القلزم من الفسطاط على مرحلتين نزل منزل رجل من أهل المدينة يقال له... فخدمه وقام بحوائجه، ثم أتاه بقعب فيه عسل قد صير فيه السم، فسقاه إياه، فمات الأشتر بالقلزم وبها قبره، وكان قتله وقتل محمد بن أبي بكر في سنة ثمان وثلاثون.
ولما بلغ علياً [عليه السلام] قتل محمد بن أبي بكر والأشتر جزع علي [عليه السلام]هما جزعاً شديداً، وتفجع، وقال علي [عليه السلام]: على مثلك فلتبك البواكي يا مالك، وأنى مثل مالك؟ وذكر محمد بن أبي بكر، وتفجع علي [عليه السلام]ه، وقال: إنه كان لي ولدا ولولدي وولد أخي أخا، وخرج الخريت بن راشد الناجي في جماعة من أصحابه، فجردوا السيوف بالكوفة، فقتلوا جماعة، وطلبهم الناس، فخرج الخريت وأصحابه من الكوفة، فجعلوا لا يمرون ببلد إلا انتهبوا بيت ماله حتى صاروا إلى سيف عمان.
وكان علي [عليه السلام] قد وجه الحلو بن عوف الأزدي عاملا على عمان فوثبت به بنو ناجية فقتلوه، وارتدوا عن الإسلام، فوجه علي [عليه السلام] معقل بن قيس الرياحي إلى البلد، فقتل الخريت بن راشد وأصحابه، وسبى بني ناجية، فاشتراهم مصقلة ابن هبيرة الشيباني، وأنفذ بعض الثمن ثم هرب إلى معاوية، وأمر على بهدم داره، وأنفذ عتق بن ناجية، وكانوا يدعون انهم من ولد سامة ابن لؤي.
ووجه معاوية النعمان بن بشير، فأغار على مالك بن كعب الأرحبي، وكان عامل علي [عليه السلام] على مسلحة عين التمر، فندب علي [عليه السلام] فقال: يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير لعل الله أن يقطع من الظالمين طرفا. فأبطأوا، ولم يخرجوا، فصعد على المنبر فتكلم كلاما خفيا لا يسمع، فظن الناس أنه يدعو الله، ثم رفع صوته فقال: أما بعد يا أهل الكوفة أكلما أقبل منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل امرئ بابه وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع الذليل في وجاره؟ أف لكم! لقد لقيت منكم يوماً أناجيكم ويوما أناديكم، فلا إخوان عند النجاء، ولا أحرار عند النداء. فلما دخل بيته قام عدي بن حاتم فقال: هذا والله الخذلان القبيح! ثم دخل إليه فقال: يا أمير المؤمنين! معي ألف رجل من طيء لا يعصونني، وإن شئت أن أسير بهم سرت؟ فقال علي [عليه السلام]: جزاك الله خيراً، يا أبا طريف، ما كنت لأعرض قبيلة واحدة لحد أهل الشام، ولكن أخرج إلى النخيلة! فخرج واتبعه الناس فسار عدي على شاطئ الفرات، فأغار على أدنى الشام.
وأغار الضحاك بن قيس على القطقطانة، فبلغ علياً [عليه السلام] إقباله، وأنه قد قتل ابن عميش، فقام علي [عليه السلام] خطيبا فقال: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى جيش لكم قد أصيب منه طرف، وإلى الرجل الصالح ابن عميش، فامنعوا حريمكم، وقاتلوا عدوكم. فردوا رداً ضعيفاً، فقال: يا أهل العراق! وددت أن لي بكم بكل ثمانية منكم رجلاً من أهل الشام، وويل لهم قاتلوا مع تصبرهم على جور، ويحكم! اخرجوا معي، ثم فروا عني إن بدا لكم، فو الله إني لأرجو شهادة، وإنها لتدور على رأسي مع ما لي من الروح العظيم في ترك مداراتكم كما تداري البكار الغمرة، أو الثياب المتهتكة، كلما حيصت من جانب تهتكت من جانب فقام إليه حجر بن عدي الكندي فقال: يا أمير المؤمنين ! لا قرب الله مني إلى الجنة من لا يحب قربك، عليك بعادة الله عندك، فإن الحق منصور، والشهادة أفضل الرياحين، اندب معي الناس المناصحين، وكن لي فئة بكفايتك، والله فئة الإنسان وأهله، إن الشيطان لا يفارق قلوب أكثر الناس حتى تفارق أرواحهم أبدانهم، فتهلل وأثنى على حجر جميلاً، وقال: لا حرمك الله الشهادة، فإني أعلم أنك من رجالها.
وجلس علي [عليه السلام] في المسجد فندب الناس، وانتدب أربعة آلاف، فسار بهم في طلب القوم، وأغذ المسير حتى لقيهم بتدمر من عمل حمص، فقاتلهم فهزمهم، حتى انتهوا إلى الضحاك، وحجز بينهم الليل، فأدلج الضحاك على وجهه منصرفا.
وشن حجر بن عدي ومن معه الغارة في تلك البلاد يومين وليلتين.
ثم أغار سفيان بن عوف على الأنبار، فقتل أشرس بن حسان البكري، فاتبعه علي [عليه السلام] سعيد بن قيس، فلما أحس به انصرف مولياً، وتبعه سعيد إلى عانات، فلم يلحقه.
وبعث معاوية عبد الله بن مسعدة بن حذيفة بن بدر الفزاري في جريدة خيل، وأمره أن يقصد المدينة ومكة، فسار في ألف وسبعمائة، فلما أتى علياً [عليه السلام] الخبر وجه المسيب بن نجبة الفزاري، فقال له: يا مسيب! إنك ممن أثق بصلاحه وبأسه ونصيحته، فتوجه إلى هؤلاء القوم وأثر فيهم، وإن كانوا قومك. فقال له المسيب: يا أمير المؤمنين! إن من سعادتي أن كنت من ثقاتك، فخرج في ألفي رجل من همدان وطيء وغيرهم، وأغذ السير، وقدم مقدمته، فلقوا عبد الله بن مسعدة، فقاتلوه، فلحقهم المسيب، فقاتلهم حتى أمكنه أخذ ابن مسعدة، فجعل يتحاماه، وانهزم ابن مسعدة، فتحصن بتيماء، وأحاط المسيب بالحصن، فحصر ابن مسعدة وأصحابه ثلاثا، فناداه: يا مسيب! إنما نحن قومك، فليمسك الرحم. فخلى لابن مسعدة وأصحابه الطريق ونجا من الحصن.
فلما جنهم الليل خرجوا من تحت ليلتهم حتى لحقوا بالشام، وصبح المسيب الحصن، فلم يجد أحداً، فقال عبد الرحمن بن شبيب: داهنت والله يا مسيب في أمرهم، وغششت أمير المؤمنين، وقدم على علي [عليه السلام] فقال له علي [عليه السلام]: يا مسيب! كنت من نصاحي، ثم فعلت ما فعلت! فحبسه أياماً، ثم أطلقه وولاه قبض الصدقة بالكوفة.
ووجه معاوية بسر بن أبي أرطأة، وقيل ابن أرطأة العامري، من بني عامر ابن لؤي، في ثلاثة آلاف رجل، فقال له: سر حتى تمر بالمدينة، فاطرد أهلها، وأخف من مررت به، وأنهب مال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا، وأوهم أهل المدينة أنك تريد أنفسهم، وأنه لا براءة لهم عندك، ولا عذر، وسر حتى تدخل مكة، ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس فيما بين مكة والمدينة، واجعلهم شرادات، ثم امض حتى تأتي صنعاء، فإن لنا بها شيعة، وقد جاءني كتابهم، فخرج بسر، فجعل لا يمر بحي من أحياء العرب إلا فعل ما أمره معاوية، حتى قدم المدينة، وعليها أبو أيوب الأنصاري، فتنحى عن المدينة، ودخل بسر، فصعد المنبر ثم قال: يا أهل المدينة! مثل السوء لكم، قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ألا وإن الله قد أوقع بكم هذا المثل وجعلكم أهله، شاهت الوجوه، ثم ما زال يشتمهم حتى نزل. قال: فانطلق جابر بن عبد الله الأنصاري إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله، فقال: إني قد خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلال، قالت: إذا فبايع، فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الأعياد مع قومهم، وهدم بسر دورا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، ثم مضى حتى أتى اليمن، وكان على اليمن عبيد الله بن عباس، عامل علي [عليه السلام]، وبلغ علياً [عليه السلام] الخبر، فقام خطيبا فقال: أيها الناس! إن أول نقصكم ذهاب أولي النهى والرأي منكم الذين يحدثون فيصدقون، ويقولون فيفعلون، وإني قد دعوتكم عوداً وبداً، وسراً وجهراً، وليلاً ونهاراً، فما يزيدكم دعائي إلا فراراً، ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلى الهدى والحكمة، أما والله إني لعالم بما يصلحكم، ولكن في ذلك فسادي، أمهلوني قليلاً، فو الله لقد جاءكم من يحزنكم ويعذبكم ويعذبه الله بكم، إن من ذل الإسلام وهلاك الدين إن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيجيبون، وأدعوكم، وأنتم لا تصلحون، فتراعون، هذا بسر قد صار إلى اليمن وقبلها إلى مكة والمدينة.
فقام جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين! لا عد منا الله قربك، ولا أرانا فراقك، فنعم الأدب أدبك، ونعم الإمام والله أنت أنا لهؤلاء القوم فسرحني إليهم! قال: تجهز، فإنك ما علمتك رجل في الشدة والرخاء، المبارك الميمون النقيبة، ثم قام وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا انتدب يا أمير المؤمنين قال: انتدب، بارك الله عليك، فخرج جارية في ألفين ووهب ابن مسعود في ألفين، وأمرهما على أن يطلبا بسرا حيث كان حتى يلحقاه، فإذا اجتمعا فرأس الناس جارية، فخرج جارية من البصرة ووهب من الكوفة، حتى التقيا بأرض الحجاز، ونفذ بسر من الطائف، حتى قدم اليمن، وقد تنحى عبيد الله بن عباس عن اليمن، واستخلف بها عبد الله بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله، وقتل ابنه مالك بن عبد الله، وقد كان عبيد الله خلف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة قارظ الكنانية، وهي أمهما، وخلف معها رجلاً من كنانة، فلما انتهى بسر إليها دعا ابني عبيد الله ليقتلهما، فقام الكناني فانتضى سيفه وقال: والله لأقتلن دونهما فألاقي عذراً لي عند الله والناس، فضارب بسيفه حتى قتل، وخرجت نسوة من بني كنانة فقلن: يا بسر! هذا، الرجال يقتلون، فما بال الولدان، والله ما كانت الجاهلية تقتلهم، والله إن سلطاناً لا يشتد إلا بقتل الصبيان ورفع الرحمة لسلطان سوء، فقال بسر: والله لقد هممت أن أضع فيكن السيف، وقدم الطفلين فذبحهما، فقالت أمهما ترثيهما:
هــــــــا من أحس بنيي اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف
هــــــــا من أحس بنيي اللذين هما ... مخ العظام فمخـــي اليوم مزدهف
هـــــــا من أحس بنيي اللذين هما ... كالدرتين تشظــــى عنهمـا الصدف
نبئت بسراً وما صدقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقـترفوا
أنحى على ودجي ابنــــي مرهفة ... مشحوذة وكـــذاك الأمـــــر مقترف
من دل وإلهــــه خـــــرى وثاكلة ... على صبيين ضـــــلا إذ غداً السلف
ثم جمع بسر أهل نجران فقال: يا إخوان النصارى! أما والذي لا إله غيره لئن بلغني عنكم أمر أكرهه لأكثرن قتلاكم ثم سار نحو جيشان، وهم شيعة لعلي [عليه السلام]، فقاتلهم، فهزمهم، وقتل فيهم قتلاً ذريعاً، ثم رجع إلى صنعاء. وسار جارية بن قدامة السعدي حتى أتى نجران وطلب بسراً، فهرب منه في الأرض، ولم يقم له، وقتل من أصحابه خلقا، واتبعهم بقتل وأسر حتى بلغ مكة، ومر بسر حتى دخل الحجاز لا يلوي على شيء، فأخذ جارية بن قدامة أهل مكة بالبيعة، فقالوا: قد هلك علي [عليه السلام] فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي [عليه السلام] بعده، فتثاقلوا، فقال: والله لتبايعن ولو بأستاهكم، فبايعوا ودخل المدينة، وقد اصطلحوا على أبي هريرة فصلى بهم ففر منه أبو هريرة، فقال جارية: يا أهل المدينة بايعوا للحسن بن علي [عليه السلام]! فبايعوا، ثم خرج يريد الكوفة فرد أهل المدينة أبا هريرة.
استشهاد الامام علي [عليه السلام]:
وقدم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة أربعين، فلما بلغ علياً [عليه السلام] قدومه قال: وقد وافى؟ أما إنه ما بقي على غيره، هذا أو إنه، فنزل على الأشعث بن قيس الكندي، فأقام عنده شهراً يستحد سيفه، وكانوا ثلاثة نفر توجهوا، فواحد منهم إلى معاوية بالشام، وآخر إلى عمرو بن العاص بمصر، والآخر إلى علي [عليه السلام]، وهو ابن ملجم، فأما صاحب معاوية فضربه، فوقعت الضربة على أليته، وبادر فدخل داره، وأما صاحب عمرو بن العاص فإنه ضرب خارجة بن حذافة خليفة عمرو في الصبح، وكان عمرو تخلف لعلة، فقال الخارجي: أردت عمرا وأراد الله خارجة، وأما عبد الرحمن بن ملجم، فإنه وقف له عند المسجد، وخرج علي [عليه السلام] في الغلس، فتبعه إوز كن في الدار، فتعلقن بثوبه، فقال: صوائح تتبعها نوائح، وأدخل رأسه من باب خوخة المسجد، وضربه على رأسه، فسقط، وصاح: خذوه! فابتدره الناس، فجعل لا يقرب منه أحد إلا نفحة بسيفه، فبادر إليه قثم بن العباس، فاحتمله وضرب به الأرض، فصاح: ياعلي نح عني كلبك، وأتي به إلى علي [عليه السلام]، فقال: ابن ملجم؟ قال: نعم! فقال: يا حسن شأنك بخصمك، فأشبع بطنه، واشدد وثاقه، فإن مت فألحقه بي أخاصمه عند ربي، وإن عشت فعفو أو قصاص. وأقام يومين ومات ليلة الجمعة أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان سنة أربعين، ومن شهور العجم في كانون الآخر، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وغسله الحسن ابنه بيده، وصلى عليه وكبر عليه سبعا، وقال: أما إنه لا يكبر على أحد بعده، ودفن بالكوفة في موضع يقال له الغري، وكانت خلافته أربع سنين وعشرة أشهر.
وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكرا: الحسن، والحسين، ومحسن، مات صغيرا، أمهم فاطمة بنت رسول الله، ومحمد الأكبر، أمه خولة بنت جعفر الحنفية، وعبيد الله، وأبو بكر، لا عقب لهما، أمهما ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تميم، والعباس وجعفر قتلا بالطف، وعثمان وعبد الله، أمهم أم البنين بنت حرام الكلابية، وعمرو، أمه أم حبيب بنت ربيعة البكرية، ومحمد الأصغر، لا عقب له، أمه أمامة بنت أبي العاص، وعثمان الأصغر ويحيى وأمهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وكان له من البنات ثماني عشرة ابنة، منهن من فاطمة ثلاث، والباقيات لعدة نسوة، وأمهات أولاد شتى، وكان على شرطة معقل بن قيس الرياحي، وحاجبه قنبر مولاه.
ولما مات قام الحسن[عليه السلام] خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي، ثم قال: ألا إنه قد مضى في هذه الليلة رجل لم يدركه الأولون، ولن يرى مثله الآخرون، من كان يقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والله لقد توفي في الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران، ورفع فيها عيسى بن مريم، وأنزل القرآن، ألا وإنه ما خلف صفراً ولا بيضاً إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله. فقام القعقاع بن زرارة على قبره، فقال: رضوان الله عليك، يا أمير المؤمنين، فو الله لقد كانت حياتك مفتاح خير، ولو أن الناس قبلوك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم غمطوا النعمة، وآثروا الدنيا على الآخرة.
وأقام الحج للناس في خلافته في سنة ستة وثلاثون عبد الله بن العباس، وفي سنة سبع وثلاثون قثم بن العباس، وقيل عبد الله بن العباس، وفي سنة ثمان وثلاثون عبيد الله بن العباس، وفي سنة تسع وثلاثون شيبة بن عثمان. وكان أصحاب علي [عليه السلام] الذين يحملون عنه العلم: الحارث الأعور، أبو الطفيل عامر بن واثلة، حبة العرني، رشيد الهجري، حويزة بن مسهر، الأصبغ بن نباتة، ميثم التمار، الحسن بن علي [عليهما السلام].
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|