كانت مملكة قتبان تقع في النواحي الغربية من بلاد اليمن، وكانت تقوم بينها وبين البحر مملكة اوسان الصغيرة، واهم مدنها شقرة على ساحل المحيط الهندي(1). وتدل النصوص لتي اكتشفها العلماء على ان الملك (يدع اب ذبيان)، أراد حمل لقب ملك مع لقب مكرب، يعني انه كان ملكا كاهنا وان اقتصر في الفترة الأخيرة من حكمه على لقب ((ملك)).

قام الملك يدع اب ذبيان باعمال انشائية كثيرة لعل من أهمها بناء المدخل الجنوبي لمدينة (تمنع) وتجديد بيت (ود وعثتر)، وانشاء طريق عبر الجبال الوعرة يصل بين تمنع (تمنا) عاصمة قتبان وبين اطراف المملكة. كما امر هذا الملك بوضع أصول التشريعات القانونية لرعايا مملكته، فقام مجلس الملكة المعروف باسم (المزود) والذي يتألف من رؤساء المدن والقبائل، بوضع القوانين وتجهيز مسودات اللوائح، ثم عرضها على الملك لإقرارها والامر بتنفيذها، فالملك وحده هو الذي يملك حق اصدار القوانين ونشرها(2).

كانت العلاقة بين ملوك قتبان وبين كهان المعابد قوية لدرجة ان الدولة منحت إدارة المعابد حق استغلال أراضي الدولة، وفرضت على القبائل ضريبة بلغت عشر دخلها تقدم للمعابد كهبة، ذلك ان كهنة المعابد كانوا يسمون ((المطعمون من الله)) و((المطعمون على يد عم))، وعم هو كبير الهة قتبان وذلك لاعتقادهم ان الله قد فوضهم في إدارة أراضيه الدنيوية، وان الضرائب التي يحصلون عليها من القبائل انما هي دخل لله سيد الأرض(3).

ومن اهم النصوص التي عثر عليها مكتوبة على نقوش مدينة تمنع (تمنا) عاصمة دولة قتبان، هو ما جاء فيه ذكر اسم الملك شهر هلال بن ذر اكرب – من ملوك قتبان المتأخرين، ويقول النص: ((قانون أصدره شهر هلال بن ذر اكرب ملك قتبان، لشعب قتبان، وذي علش ومعين وذي عثتم أصحاب ارض شدو))، وقد نظم هذا القانون واجبات هذه الشعوب نحو ملك قتبان وقواعد استغلال الأراضي، وتعيين العمال عليها، فضلا عن الإشارة الى العقوبات التي توقع على المخالفين(4).

كذلك تدل الاثار التي خلفتها لنا دولة قتبان واكتشفت في منطقة تمنع (تمنا) العاصمة التي تقع في وادي بيجان على مدى الاهتمام الذي حظيت به الزراعة على يد حكام تلك المملكة فقد كشفت الحفائر عن شبكة كاملة من السدود تتصل بها قنوات وصهاريج لتوفير المياه لرقعة واسعة من الأراضي(5)، مما جعل منها منطقة خصبة كثيرة المياه يانعة البساتين، وفضلا عن ذلك فقد اقام ملوك دولة قتبان نحو 65 معبدا في العاصمة تمنا التي كانت من اكبر المدن العربية في الجنوب(6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ2، ص171 – 172.

(2) جواد علي: المرجع السابق، جـ2، ص189 – 193.

(3) ديتلف نلسن: التاريخ العربي القديم (مترجم)، ص149.

(4) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ2، ص213.

(5) سبتينو موسكاتي: الحضارات السامية القديمة (مترجم)، ص199.

(6) O'Leary: Arabia before Muhammad, p. 97.