أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-2-2021
2172
التاريخ: 2023-12-11
917
التاريخ: 8-11-2016
5481
التاريخ: 2023-12-23
1019
|
انتشرت اليهودية في جهات متفرقة من بلاد العرب ومنها خيبر ويثرب ووادي القرى وفك وتيماء(1) والجنوبية العربية، ويرجع ظهور اليهودية في جزيرة العرب الى هجرة الجماعات اليهودية من بعض جهات بارض كنعان ونزوحها الى الجهات القريبة من بلاد العرب في بادئ الامر ثم انتشارها في باقي الانحاء. ويرى علماء تاريخ الأديان ان هجرة اليهود حدثت بعد اصطدامهم بالقيصر تيتوس وهدمه الهيكل سنة 70م وازدياد تلك الهجرة على عهد القيصر هادريان سنة 132م(2).
والواقع ان الهجرات اليهودية ترجع الى ما قبل التاريخ الميلادي بحوالي ستة قرون ذلك ان بختنصر الذي ولي الملك على بابل 606 ق.م كان قد نقل معه كثيرا من اليهود من بيت المقدس الى بابل، فعاشوا هناك وتناسلوا وتكاثروا، يقول ابن الاثير ((ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس فوطئ الشام، وقتل بني إسرائيل حتى افناهم، وخرب بيت المقدس وامر جنوده فحملوا التراب والقوه فيه حتى ملؤوه. ثم انصرف راجعا الى بابل واخذ معه سبايا بني إسرائيل وامرهم فجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم فاجتمعوا واختار منهم مائة الف صبي فقسمهم على الملوك والقواد الذين كانوا معه. ثم ان بختنصر عاد الى بابل واقام في سلطانه ما شاء الله ان يقيم(3).
كما ان اثر القوافل التجارية بين العرب الجنوبية وبين بلاد الشام في انتقال الجمعات اليهودية الى الأراضي الخصيبة من جزيرة العرب لا يمكن اغفاله، فقد عثر على كتابة من كتابات القبور في شرقي حيفا وردت فيها كلمة(4) homeriton)). وهي تدل على ان هذا القبر ليهود من حمير كانوا قد جاءوا الى فلسطين للاتجار فدفنوا فيه، وهو ما يعني وجود جاليات يهودية في اليمن كانت على اتصال دائم بأبناء عمومتهم من يهود بلاد الشام، خاصة وان طبيعة اليهودي نفسه تجعله ينظر دائما وفي المقام الأول الى العامل الاقتصادي والمنفعة الشخصية ومن اجلها يضحي بكل ما هو غال. فهاجروا من مواطنهم الاصلية الى مناطق الخير الوفير والسعة في الرزق والثروة وهو لا يبالي في سبيل ذلك بتبشير او نشر عقيدته بين الناس(5).
دخلت اليهودية بلاد العرب على يد الجماعات المهاجرة التي استوطنت واقامت في اخصب المناطق العربية ولا سيما عند مواضع المياه، فلما استقروا عملوا على حفر الابار في الأراضي العالية واشتغلوا بتربية الماشية والدجاج ونسج الاقمشة وغيرها من الاعمال التي تهتم بنواحي الحياة اليومية، والتي كان يأنفها العربية الأصيل. وفضلا عن ذلك بني اليهود الآطام لحماية انفسهم وممتلكاتهم من اعتداء الاعراب عليهم(6)، كما امنوا على انفسهم بالاتفاق مع رؤساء القبائل العربية المجاورة وتقديم الهدايا لاسترضائهم.
كانت منطقة يثرب المركز الرئيسي لليهودية في جزيرة العرب ذلك ان المهاجرين من اليهود ساروا الى الجنوب في اتجاه يثرب واستقر رايهم على الإقامة فيها، فنزل بنو النضير ومن معهم على بطحان احد اودية يثرب، ونزلت قريظة وبهدل ومن معهم على مهزور(7)، ثم جاء بعدهم بنو قينقاع وبنو زيد وبنو زعورا وبنو عكرمة وبنو ثعلبة وبنو القصيص وغيرهم وكان في يثرب قبل هجرة اليهود اليها كثير من البطون العربية من قبائل بني الحرمان، وبني مرثد وبني نيف من بلي، وبني معاوية من بني سليم وبني الشظية من غسان، وقد اكرم العرب وفادة اليهود اليهم وسمحوا لهم بالعيش في سلام بين ظهرانيهم، وظل الحال على ذلك حتى قويت شوكة اليهود وصاروا سادة المدينة.
لما هاجر الاوس والخزرج الى يثرب اثر حادث سيل العرم، فنزلوها، واستغلوا الخلافات التي وقعت بين اليهود وتغلبوا عليهم بمعاونة الغساسنة وسيطروا على المدينة وقسموها فيما بينهم، ولم يبق لليهود فيها شيء من السلطان(8).
وعلى الرغم من ذلك فقد عاش اليهود متكتلين مستقلين ووجهوا اهتمامهم الى النواحي الاقتصادية، فاحترفوا التجارة والزراعة وبعض الحرف مثل الصياغة، وكانوا يقرضون الأموال بالربا الفاحش لجيرانهم العرب، وكانوا يعيشون في حماية سادة القبائل يؤدون لهم اتاوة في كل عام مقابل حمايتهم لهم ودفاعهم عنهم ومنع الاعراب من التعدي عليهم وقد لجأوا الى عقد المحالفات لتحقيق أهدافهم.
كذلك وجدت اليهودية طريقها الى بلاد اليمن على يد تبان اسعد أبو كرب(9)، احد ملوك الحميريين، الذي اهتدى الى هذا الديانة عن طريق حبرين من احبار اليهود هما كعب واسد من بني قريظة(10) خلال رحلة عودته من حروب قام بها في الشمال واجتيازه يثرب، بعد ان تقابلا معه وابعداه عن عبادة الاوثان. وذلك فضلا عن قدوم اليهود من شمال الجزيرة العربية ونزولهم في بلاد اليمن، ويرى المستشرقون ان كثيرا منهم كان من العرب المتهودين(11)، وانهم يمثلون اصل اليهود الذين اضطروا فيما بعد الى هجر الجنوب والاتجاه الى يثرب اثر الغزو الحبشي لليمن. غير ان اليهودية وان كانت قد ضعفت في بلاد اليمن بدخول الحبشة فيها الا انها بقيت هناك الى ما بعد ظهور الإسلام.
بلغ من تاثير اليهود في جنوب بلاد العرب على ملوك اليمن، ان اعتنق ذرعة ذو نواس بن تبان اسعد. ملك حمير اليهودية وتعصب لها وجعل منها دينا رسميا للدولة. ولم يكتف بذلك، بل لجا الى العنف والشدة في سبيل حمل المسيحيين من اهل نجران على اعتناقها بعد ان حرضه يهو اليمن ودفعوه الى التنكيل بهم بحجة انهم اخوان الروم والحبش في ادين، وانهم يعملون على نشر المسيحية في اليمن واستيلاء الحبش عليها، غير ان اليهود انفسهم كانوا يكنون للمسيحيين كل العداء خوفا على مصالحهم المادية في هذا الجزء الخصيب الوافر الخير من بلاد العرب، فسار ذو نواس الى نجران بجنوده وقضي على المسيحيين هناك حرقا بالنار(12).
كان لليهود في جزيرة العرب أماكن للعبادة تعرف بالكنيس، وكنيسة اليهود تمييزا لها عن الكنيسة موضع عبادة النصارى(13). كما كان عندهم مواضع يتدارسون فيها مع رجال الدين احكام شريعتهم واخبار رسلهم وانبيائهم وما جاء في كتبهم الدينية من أوامر ونواه، وهي الأماكن التي يقال لها المدارس وبيت المدراس(14)، ويرجع اصلها الى كلمة درس عند اليهود ودرس عند العرب، وكان المدراس دار ندوة لليهود، يجتمعون فيه للتزاور وللبحث في شئونهم والبت في القضايا الجسيمة، واليه كان يقصد العربي المتهود حين يعن له امر من الأمور، واليه ذهب رسول الله صلى الله عليه و[آله]وسلم وكبار المسلمين لمحادثة اليهود ومجادلتهم(15)، وقد عرضوا امام الرسول صلى الله عليه و[آله]و سلم كتبهم، فكان يقرأها له بعضهم ممن دخل في الإسلام مثل عبد الله بن سلام.
وكانت أماكن صلاتهم تعرف بالمحاريب، بينما عرف رجال الدين عندهم بالأحبار وبالربانيين، والحبر هو العالم والرجل الصالح، وهو احد رجال ((الفروشيم) وهم شيعة اليهود(16). الذين اقسموا على انفسهم مراعاة النصوص الدينية لا يخرجون عنها، ولا تزال تستعمل عندهم. وتلق على من درس الشيعة اليهودية واتقن احكامها، ومن احبارهم عبد الله بن صوري الأعور. الذي قيل عنه انه لم يكن بالحجاز في زمانه من كان اعلم بالتوراة منه، وانه كان من بني ثعلبة.
اما الربانيون فهم العلماء الراسخون في العلم والدين الذين لم يأخذوا اجورا على أعمالهم بل كانوا يقومون بها قربى الى الله، لذلك كانوا يتمتعون بحرمة عظيمة في المجتمع فاذا جلس احدهم في مكان خيم عليه السكون احتراما لهن وكان على الربان باعتباره ممثلا للتوراة احترام نفسه وعليه ارتداء ملابس خاصة تميزه عن بقية الناس فهو رجل الدين وممثل شريعة الله وكان على الناس طاعته وعدم مخالفة امره ونهيه والا خالفوا شريعة الله. قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] (17). وكان الاحبار يقيمون في أماكن اليهود في جزيرة العرب ومنهم من كان يأتي الى يهود العرب من فلسطين(18).
على الرغم من يقين اليهود بقرب ظهور نبي مرسل من رب العالمين، ومفاخرتهم بذلك الاوس والخزرج، الا انهم انكروا نبوة الرسول صلى الله عليه و[آله]و سلم وكفروا به واظهروا للإسلام العداوة والبغضاء، بل ذهبوا الى ابعد من ذلك بكثير، فمع انهم اهل كتاب ومعتنقو عقيدة التوحيد ونبذ الاصنام والاشراك بالله العلي العظيم، فقد قاموا بتحريض قريش وغطفان وغيرهم من المدافعين عن الشرك والغارقين في الوثنية على محاربة الإسلام، دين التوحيد، الذ يدعو الى اليمان بالله الواحد الاحد. ذكر ابن هشام عن بعض الصحابة انهم قالوا: ((ان ممن دعانا الى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، انا كنا نسمع من رجال يهود وكنا اهل شرك أصحاب اوثان، وكانوا اهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فاذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: انه تقارب زمان نبي يبعث الان، نقتلكم معه قتل عاد وارم، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الرسول صلى الله عليه و[آله]و سلم اجبناه حين دعانا الى الله تعالى، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا، فبادرناهم اليه فأمنا به وكفروا به))(19). وقد أشار الله سبحانه وتعالى في القران الكريم الى ذلك بقوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] (20).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، جـ1، ص213.
(2) O'Leary: Arabia before Muhammad, p, 173.
إسرائيل ولفنسون، اليهود في بلاد العرب، ص8 – 9.
(3) ابن الاثير: الكامل في التاريخ، جـ1، ص149 – 150.
(4) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ6، ص183.
(5) إسرائيل ولفنسون، اليهود في بلاد العرب، ص72.
(6) margoliouth: the relations between arabs and iraelites prior, p. 62.
(7) ياقوت: معجم البلدان، جـ5، ص234.
(8) ياقوت: المصدر السابق، جـ5، ص83.
(9) ابن خلدون: العبر وديوان المبتدا والخبر، جـ2، ص53.
(10) ابن الاثير: الكامل في التاريخ، جـ1، ص244.
(11) margoliouth: the relations between arabs and iraelites prior to the rise of islam, p, 68.
(12) ابن هشام: السيرة النبوية، جـ1، ص35 – 36.
(13) ابن منظور: لسان العرب، جـ8، ص83.
(14) ابن منظور: المصدر السابق، جـ7، ص382.
(15) ابن هشام: السيرة النبوية، جـ2، ص133.
(16) إسرائيل ولفنسون: اليهود في بلاد العرب، ص20.
(17) سورة المائدة: اية 44.
(18) جواد علي: تاريخ العرب قبلا الإسلام، جـ6، ص102.
(19) ابن هشام: السيرة النبوية، جـ1، ص218.
(20) سورة البقة: اية (89).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|