المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



ابرز الملوك الكلدانيون  
  
2206   12:37 مساءاً   التاريخ: 1-11-2016
المؤلف : طـه بـاقر
الكتاب أو المصدر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة
الجزء والصفحة : ص602-611
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / بابل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-10-2016 2300
التاريخ: 30-10-2016 1164
التاريخ: 31-10-2016 1390
التاريخ: 31-10-2016 2412

نبو بولاصر:

انتهى حكم الملك الآشوري "آشور بانيبال"  و قضى على الدولة الآشورية بتحالف قوى كثيرة من الولايات التابعة لهذه الدولة، وفي مقدمتها "الماذيون" في جهات إيران الشمالية الغريبة والبابليون الذين تزعم ثورتهم على السلطة الآشورية أحد حكام الاجزاء الجنوبية (القطر البحري)، هو "نبو بولاصر" الذي يرجع في أصله إلى إحدى القبائل الآرامية في العراق، هي القبيلة المسماة "كلدو" (كشدو أو كسدو). فثار هذا الزعيم الكلداني في عام 627 ق.م وأعلن ملوكتيه عام 626 ق.م، وكان حاكماً تابعاً للدولة الآشورية، وبعد أن قضى على الحاميات الآشورية في بلاد بابل وجه هجماته على بلاد آشور نفسها، فاستطاع مع حلفائه الماذيين، في عهد ملكهم المسمى "كي ــ أخسار" القضاء على الدولة الآشورية، وقد سقطت العاصمة نينوى في العام 612 ق.م، ثم طوردت فلول الآشوريين إلى منطقة حران، وتم القضاء على البقية الباقية مع الجيوش الآشورية في عام 610 أو 609 ق.م.

ويبدو من مجريات الاحداث التي أعقبت القضاء على آخر مقاومة للآشوريين ان الماذيين لم يضموا بلاد آشور إلى بلادهم بل إنهم اكتفوا بالأسلاب والغنائم فانسحبوا إلى بلادهم تاركين حليفهم "نبو بولاصر" وشأنه ليقتطع ما يستطيع اقتطاعه من أقاليم الامبراطورية الآشورية، فوجه اهتمامه الأولى إلى الاستيلاء على سورية وفلسطين  بالنظر إلى أهمية هذه المنطقة الحيوية لبلاد بابل، وليحول دون تغلغل الجيش المصري فيها، فقد سبق للفرعون المصري "نيخو" الثاني (595 – 610 ق.م) ان جاء على رأس جيش إلى سورية لمساعدة حلفائه الآشوريين فاستولى عليها وبضمن ذلك دولة "يهوذا" في عهد ملكها "يوشيع"، ثم استولى على كركميش (جرابلس)، مسيطراً بذلك على نقطة استراتيجية، هي طريق نهر الفرات، الأمر الذي هدد الدولة البابلية تهديداً خطيراً. فأسرع الملك البابلي "نبو بولاصر" إلى إرسال حملة عسكرية كبيرة وعهد بقيادتها إلى ابنه وولي عهده "نبوخذ نصر"، لطرد الجيش المصري.

فباغته في عام 605 ق.م في كركميش السالفة الذكر وأوقع فيه الهزيمة(1)، وهكذا انفتحت أبواب بلاد الشام وفلسطين أمام "نبوخذ نصر".

نبوخذ نصر (562 – 604 ق.م):

وبينما كان ولي العهد نبوخذ نصر يعد العدة لمطاردة فلول الجيش المصري إلى داخل البلاد المصرية من بعد معركة "كركميش" وتقدم إلى حدود العريش بلغته الأنباء يموت أبيه فأسرع بالعودة إلى بابل ليتبوأ عرش المملكة، فتوج ملكاً عليها في 23 أيلول عام 604 ق.م، ودام حكمه فترة طويلة (562 – 604 ق.م) كانت من العهود المجيدة في تأريخ العراق القديم.

لم يمكث نبوخذ نصر في عاصمته بابل فترة طويلة بل إنه قصد بلاد الشام مرة اخرى من بعد عام من تتويجه، وفرض سلطته على الدويلات السورية، وأخذ الأتاوة والجزية من جملة مدن مثل دمشق وصور وصيدا وأورشليم، ولكنه دمر مدينة "عسقلون" (عسقلان) بسبب ثورة ملكها. ولا يعلم على وجه التأكيد متى عاد إلى بابل. وتروي التواريخ البابلية أن معركة كبيرة نشبت بعد ثلاث سنوات بينه وبين ملك مصر، ولكن لا يعرف أين وقعت، ولعله عند الحدود المصرية، كما يبدو أنها لم تكن حاسمة.

مملكة يهوذا والسبي البابلي:

لما رأى "يهوياكيم"، ملك مملكة يهوذا الموالي للفرعون المصري "نيخو" الثاني انتصارات نبوخذ نصر في بلاد الشام أظهر له الطاعة وقدم الجزية، ولكنه نكث العهد بعد فترة بتحريض ملك مصر (598/7 ق.م) ، على الرغم من نصائح النبي "أرميا" وانقطع عن دفع الجزية فأسرع نبوخذ نصر بإرسال جيش حاصر "أورشليم" فاستسلمت له في عام 597 ق.م، وهلك ملكها "يهوياكيم" في أثناء الحصار، وأسر من اليهود (3000) أسير، ونصب "نبوخذ نصر" على مملكة يهوذا "صدقيا"، وكان هذا هو السبي الأول لليهود، وكان من بين الأسرى الذين أخذوا إلى بابل "يهوياكين" أو "يهوياقين" ابن الملك السابق.

إن هذه الاحداث وتوطيد السلطة البابلية في بلاد الشام جعلت ملك مصر المسمى "حوفرا" (ابريز Apris) (570 – 589 ق.م) يدرك الاخطار التي أحاقت بمصالح مصر التجارية المعتمدة على الموانئ الفينيقية، قاعدة اعدو لغزو فلسطين، وقد نجح بادئ ذي بدء إذ استطاع أن يستولى على غزة كما أنه ضيق الحناق على صور وصيدا. فأسرع نبوخذ نصر بالتوجه على رأس جيشه إلى بلاد الشام، وجعل مقر قيادته في مدينة "ربلا" قرب حمص، ومنها كان يوجه العمليات الحربية. وكان ملك يهوذا "صدقيا" الذي نصبه نبوخذ نصر ملكاً عليها قد خلع ولاءه لملك بابل وانحاز إلى جانب الفرعون المصري. فضيق الحصار على أورشليم، فاستسلمت له من بعد (18) شهراً (عام 586 ق.م) وتشبت صدقياً بالهرب والنجاة ولكنه قبض عليه في مدينة "أريحا"، فأخذ هو وأولاده إلى معسكر الملك البابلي في "ربلاء"، وكان عضب الملك شديداً فأمر بذبح أولاده أمام عينيه، ثم فقئت عيناه واخذ مكبلاً مع الأسرى اليهود الذي قدر عددهم بنحو (40,000) أسير، إلى بابل، ودمرت أورشليم ودكت معالم هيكل سليمان (سفر الملوك الثاني 7-6 :25، وسفر الأيام الثاني 20 -13 , 36). وهذا هو السبي البابلي الثاني لليهود الذين مكثوا في بلاد بابل إلى زمن الدولة الفارسية الأخمينية حيث رجع بعضهم إلى فلسطين. ومما يقال عن بقاء اليهود في بلاد بابل ما تركه من تأثيرات كبيرة في الديانة العبرانية، في تطور معتقداتها الأساسية بحيث يصح القول إن هذه الديانة العبرانية، في تطور معتقداتها الأساسية بحيث يصح القول إن هذه الديانة بصفتها ديانة موحدة ونضج فكرة الوحدانية فيها إنما تمت في أثناء بقاء اليهود في بلاد بابل، كما بدأ فيها جمع أسفار التوراة وتدوينها ما بين القرنين السادس والخامس ق.م، ودون التلمود البابلي الشهير في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، هذا بالإضافة إلى ما أخذه اليهود من آداب حضارة وادي الرافدين ومعارفها وأساطيرها وقصصها. بعد أن قضى نبوخذ نصر على الدولة اليهودية أخذ يعاقب المدن الفلسطينية والسورية الأخرى التي تمردت عليه ونبذت الطاعة، فأعاد عليها السلطة البابلية بسعة، إلا مدينة صور التي قاومت حصاراً طويلاً روي أنه دام طوال ثلاثة عشر عاماً، إذ سقطت بيد الجيش البابلي في عام 571 ق.م. اما مصر فإنها لم تتخل عن تحريض الدويلات السورية للثورة على السلطة البابلية، ولعل نبوخذ نصر صمم على غزو مصر في عهد الفرعون "اماسيس" (568 ق.م) كما يشير إلى ذلك نص غير كامل في المتحف البريطاني(2)، ولكن لا يعلم مدى نجاح العملة العسكرية التي أرسلها لذلك الغرض.

وسير نبوخذ نصر عدة حملات عسكرية لإخضاع بعض القبائل العربية في بادية شام، ضمانا لسلامة الطرق التجارية التي تربط العراق ببلاد الشام ثم بموانئ البحر المتوسط، ويبدو أن حقق خضوع بلاد الشام واستقامت له الأمور فيها طوال البقية الباقية من حكمه، أي زهاء عشر سنوات. وخلف نبوخذ نصر جملة بقايا تذكارية في جبال لبنان كما تشير إلى ذلك منحوتات نهر الكلب(3) ووادي "بريسا"(4).

وإلى جانب الحروب الموفقة التي خاضها نبوخذ نصر فإنه كان من أعاظم الملوك في حقل البناء والتعمير، ولعله كان ملوك العراق القديم في هذه الناحية، بالنظر إلى همته وطول عهده (43 عاماً. وخصصت كتاباته الرسمية بالدرجة الاولى لتسجيل نشاطه العمراني في بابل وفي جميع مدن العراق المهمة ، ويرينا الآجر المختوم باسمه والذي يجده المرء منتشراً في كل مكان من بلاد بابل أنه جدد بناء المعابد والقصور في كل مدينة ذات شأن في البلاء، على انه خصص جهوده لإعادة بناء العاصمة بابل بعد أن تردت أوضاعها من جراء الإهمال وأعمال التدمير والتخريب إبان الحروب التي عانتها المدينة بتدمير سنحاريب والتدمير الذي رافق الحرب الأهلية ما بين الملك الآشوري "آشور بانيبال" وأخيه ملك بابل "شمش ــ شم ــ أوكن" ولذلك يصح القول إن نبوخذ نصر قد بناها من جديد، فإن ما كشفت عنه التنقيبات الألمانية (1917 – 1899)  وما يشاهد الزائر الآن من بقايا إنما هي من أعمال نبوخذ نصر بالدرجة الأولى، اما بقايا المدينة القديمة فقد سبق أن نوهنا بأنها تقع الآن تحت مستوى المياه الجوفية.

خلفاء نبوخذ نصر:

بعد أن حكم نبوخذ نصر ثلاثة وأربعين عاماً (562 – 604 ق.م) خلفه على عرش بابل وبضعة ملوك لم يكونوا بالخلفاء الجديرين باسمه وبإدارة الدولة أو الامبراطورية التي أقامها، وكان حكمهم في الواقع فترة ضعف سبقت انهيارها. وكانت السنوات الاخيرة من حكم نبوخذ نصر يكتنفها بالغموض ولعله دث في اثنائها بعض الاضطرابات الداخلية. وخلقه في الحكم ابنه المسمى "إميل ــ مردوخ" المذكور في التوراة (سفر الملوك الثاني 27:25 ، وسفر أرميا 31:42) ولم يحكم هذا الملك سوى عامين (560 – 562 ق.م)، ولا نعرف عنه سوى بعض الأمور الطفيفة وما جاء عنه في التوراة من أنه اظهر عطفاً على الملك اليهودي "يهوياقين" الذي كان قد جيء به أسيراً إلى بابل(5)، كم يرجح أن إميل مردوخ قتل من جراء انقلاب داخلي دبره كهنة بابل. وتولى العرش من بعده قائد الجيش المسمى "نرجال ــ شار اوصر" (556 – 560 ق.م) (وهو نرجلسار الوارد في سفر أرميا 3:34) وكان زوج ابنة الملك "الملك نبوخذ نصر"، ولا يعرف عن هذا الملك سوى بعض اعماله البنائية ، ولكن أحد التواريخ البابلية تذكر انه أرسل حملة عسكرية عبر جبال طوروس إلى كيليكية. وخلفه في الحكم ابنه المسمى "لباشي ــ مردوخ" الذي لم يستطع الاحتفاظ بالعرش سوى بضعة أشهر، حيث لاقى حتفه في عام 556 ق.م في أثناء انقلاب داخلي، ونصب الثوار ملكاً على بلاد بابل اسمه "نبونيدس" (نبونهيد) الذي كان على ما يبدو من كبار رجال الدولة في عهد "نبوخذ نصر" حيث كان قد بعث به في عام 585 ق.م لتسوية النزاع ما بين الماذيين وبين مملكة "ليدية" (في آسية الصغرى). وكان أبوه المسمى "نبو ــ بلاصواقبي" أحد النبلاء والوجهاء في مدينة حران، وامه الكاهنة العليا(6) في معبد الإله "سين" (الإله القمر) في تلك المدينة، ويرجح أنها كانت من أسرة آشورية ارستقراطية.

وكان المؤرخون المحدثون من الجيل القديم يهملون الكثير من جوانب شخصية الملك "نبونيدس" وأعماله ومآثره المهمة ويتقصرون على ناحية ولعه بالبحث عن أخبار الماضي واستخراج النصوص القديمة المطمورة في المدن القديمة مما جعلهم ينعتونه بأول أثري، وانه إلى ذلك أهمل شؤون الدولة وقصر اهتمامه على شؤون الكهنة وعبادة الإله القمر في مدينة "حران"، ولكن الواقع من الامر أن ما نشر من نصوص مسمارية جديدة اظهرت أنه إلى جانب ذلك كان إدارياً ورجل دولة من الطراز الأول، وأن قضايا خطيرة شغلته ووجه نشاطه لحلها، وكانت ذلك طبيعة دينية واقتصادية. وفلى الصعيد الديني، ينبغي أن ينظر إلى اهتمام "نبونيدس" بعبادة الإله القمر (سين) على ضوء التيارات الدينية الجديدة التي تعرضت إليها المعتقدات الدينية في وادي الرافدين من جراء الاتصالات والتأثيرات من العبرانيين والماذيين، وبوجه خاص انتشار آراء التوحيد ومزاحمتها لمعتقدات الشرك وتعدد الآلهة وعبادة الأصناف وهي الصفة الطاغية على ديانة حضارة وادي الرافدين، فحملت هذه التيارات الجديدة "تبونيدس" على إحداث تغييرات في المعتقدات الدينية والشعائر الخاصة بها والتخفيف من حدة الشرط بجعل العبادة تتركز حول الإله القمر "سين"، ولكن دون نبذ عبادة الآلهة الاخرى، اما وقع اختباره على هذا الإله فناشئ من أسباب عائلية وقومية. فإن جدته لأبيه وكذلك أباه وامه كانوا من كهنة هذا الإله في حران. ثم إن عبادة الإله القمر كانت العبادة المفضلة عند الأقوام السامية البدوية من آرامية وعربية بخلاف عبادة إله بابل "مردوخ" الذي يرجع إلى أصول سومرية بعيدة عن امزجتهم. ولذلك وجه عتايته إلى معابد الإله  "سيم"، وصرف الجهود الكبيرة على معبده في مدينة "أور"، كما أبانت التنقيبات الأثرية في هذه المدينة. وإلى هذا فإن اهتمام "نبونيدس" بمدينة حران وإقليم حران له وجه مهم آخر، هو اهميتها التجارية الكبرى بكونها ملتقى طرق تجارية مهمة وأحد مفاتيح التجارية العالمية إلى موانئ البحر المتوسط وآسية الصغرى . ولكن مدينة حران كانت تحت سيطرة الماذيين منذ عام 610 ق.م، فعقد نبونيدس حلفاً مع الملك الفارسي الجديد "كورش" الثاني الذي أزال دولة الماذيين في بلاد فارس. وحصل بموجب ذلك الاتفاق على حران في عام 553 ق.م، وشرع بأعماله البنائية فيها ولا سيما في معبد الإله "سين" ولكن تحالف نبونيدس مع كورش لم يدم زمناً طويلاً، لأن كورش وسع مملكته بالفتوحات البعيدة إلى امبراطورية واسعة في مدى عشر سنوات، دخل فيها من بين الأقاليم الكثيرة إقليم "كيليكية" الذي كان تابعاً إلى بلاب بابل فأدى ذلك إلى إنهاء الحلف ما بينهما، وانحاز نبونيدس إلى مملكة ليدية وحلفائها من المصريين وغيرهم، بيد أن هؤلاء الحلفاء لم يستطيعوا نجدة "كروسس" (قارن المشهور) ملك ليدية، إذ قضى كورش على مملكته (547 ق.م)(7) ثم ألتفت من بعد ذلك إلى بلاد بابل التي آلت إلى حال من الضعف لم تستطع أن تثقف إزاء قوته المتعاظمة، فوقعت بيد (539 ق.م).

وقد ولد اهتمام "نبونيدس" في حران وغيابه الطويل عن المملكة في شمالي الجزيرة العربية تذمراً وتمرداً عامين في أرجاء مملكته، وفي مقدمتها سكان المدن الكبرى مثل بابل وبورسبا ونفر وأور والوركاء ولارسة وغيرها، كما يخبرنا "نبونيدس" نفسه(8) وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والاحوال المعاشية ورافق ذلك انتشار القحط وارتفاع الاسعار ارتفاعاً فاحشاً بلغ نسبة 50% ما بين عام 560 وعام 550 ق.م، وازدادت النسبة إلى 200% ما بين عام 560 وعام 485. ويستطيع الفاحص لوثائق تلك الفترة الوقوف على تلك الأزمة الاقتصادية الخانقة.

نبونيدس في واحة تيماء:

حاول "نبونيدس" حل تلك الأزمة الاقتصادية بطريق شتى منها محاولته الحصول على موارد جديدة من الطرق التجارية في شمالي الجزيرة العربية الآتية من جنوبها، بعد أن سدت بوجهه الطرق التجارية عبر بلاد الشام وموانئ البحر المتوسط. فاستولى لذلك الغرض على ملتقى الطرق التجارية في شمالي الجزيرة، إذ إنه قاد جيشاً وسار به عبر بادية الشام واخذ واحة "تيماء" الشهيرة (الواردة في نصوصه على هيئة Tema) حيث قتل أميرها واتخذها مركزاً له طوال عشر سنوات، وخلف على مملكة بابل ابنه المسمى "بيلشاصر" (BEL- SHAR- USSUR))(9). وكان قد استولى قبل تيماء على الواحة الاخرى التي ورد ذكرها باسم "أدومو" (وهي دومة الجندل) الواقعة على بعد نحو (280) ميلاً شرق العقبة، وكانت بيد حامية آشورية. ويؤخذ من النصوص الجديدة المكتشفة في حران(10) ان "نبونيدس" وضع يده على واحات اخرى في شمالي الجزيرة إلى الجنوب من تيماء منها واحة "يتريبو" YATRIBU أي يثرب (المدينة)، وأنه أقام في تلك الواحات حاميات عسكرية، وأسس فيها مستوطنات أسكن فيها جماعات من بلاد الشام ومن بلاد بابل، ولعل من بينهم يهوذا من الأسر البابلي.

والمرجح ان يكون غياب "نبونيدس" الطويل عن بابل مصدر الأسطورة التي نشأت عن نهاية الملك نبوخذ نصر بحسب الدعاية اليهودية (سفر دانيال، 33-28:4) من أنه جن في السنوات الأخيرة من حكمه، بطريقة نقل التهم والدعايات التي وصم بها "نبونيدس" خصومه الكهنة ولا سيما الموالون عنهم للفرس إلى شخص "نبوخذ نصر" للتشهير به بالنظر إلى العداء والحقد اللذين ظل يحملهما اليهود من أسرى بابل إزاء ذلك الملك الذي قضى على كيان مملكتهم.

واشتهر نبونيدس كما نوهنا بولعه في تقصي أخبار الملوك الماضين، إذ إنه قام في الواقع بالحفر في أسس بعض المعابد والزقورات في جملة مدن مشهورة في بلاد بابل مثل سبار وأور. ولعل هذا مظهر من مظاهر اتجاه العهد البابلي الأخير إلى استنتاج النصوص القديمة وتقصي أخبار الماضي وجمع البقايا القديمة في القصور الملكية التي خصصت أجزاء منها لتكون بمثابة المتاحف، وأبرز مثال على ذلك قصر "نبوخذ نصر" الشمالي وقصر ابنه نبونيدس المسماة "بيل ــ شلتي ــ ننا" التي كانت الكاهنة العليا في معبد الإله القمر "سين" في مدينة اور. ففي القصر الأول وجد المنقبون الألمان في بابل بقايا أثرية من عهود قديمة ومن بلاد أجبي، وقد فسر اسد بابل الشهير نفسه على أنه من بين تلك الآثار الأجنبية التي نقلها الملك نبوخذ نصر من أحد الأقطار الأجنبية. كما وجدت في قصر ابنة "نبونيدس" في أور آثار من أدوار قديمة مختلفة من بينها أحجار حدود من العهد الكشي وكسر من تمثال الملك "شولكي" ومخاريط من ملوك سلالة لارسة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن أخبار هذه الحوادث في المصادر البابلية انظر:

Wiseman, Boyylonian Chronicles

وراجع أيضاً للتوراة ولا سيما سفر الملوك الثاني، 29:22، وسفر أرميا، وأسفار الأيام والأخبار وهيرودوتس الكتاب الثاني ، 159 فما بعد.

(2) Winseman, op. cit. 30, 94-5.

(3) منحوتات نهر الكلب والنقوش المشهورة التي يمكن مشاهدتها الآن، بحسب تسلسلها التاريخ: (1) كتابة الفرعون "رعمسيس "الثاني القرن الثالث عشر ق.م (2) ستة نقوش آشورية أوضحها نقش الملك الآشوري "أسرحدون" (671 ق.م) (3) نقش نبوخذ نصر (4) نقوش إغريقية ملموسة غير واضحة (5) نقش الامبراطور الروماني "كراكلا" (Caracalla) (مطلع القرن الثالث الميلادي) (6) نقش عربي غير واضح (7) ازال الفرنسيون أحد النقوش المصرية ونقشوا بدلاً منه كتابة تسجل احتلالهم لبنان (1862 – 1860) (8) كتابة الجنرال الفرنسي "غورو" وبجانبه نقش الجنرال الإنجليزي "اللنبي" (9) تذكار جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثاني (1942)(10) واخيراً نقش لبناني في ذكرى جلاء الفرنسيين من لبنان (1946).

(4) انظر:

King, Die Neubabylonischen Koniginschriften (1912).

(5) من الطريف ذكره بهذا الصدد أن ألواحاً من الطين وجدت في بابل من عهد "نبوخذ نصر" مدونة سجلات الجرايات الخاصة بأسرى اليهود، ذكر من بينهم اسم "يائو ــ كينا" الذي يرجح أنه "يهوياقين":

Saggs, the Greatnrss That Eas Babylon, p. 144.

(6) في نص شاهد قبر وجد في منطقة حران ذكر اسم أم هذا الملك بهيئة "أدد ــ كبي". وقد سبق أن ذكره في الفصل السابق في كلامنا على المملكة "سميراميس" ان هيرودوتس (الكتاب الاول : 188 – 184) يذكر ملكة بابلية أخرى خلفت سميراميس اسمها (نيتوكرس) وانها أم الملك "لابينيتوس" (تحريف نبونيدس).

(7) حول قصة "كروسي" وعلاقته مع كورش انظر تاريخ هيرودوتس (الكتاب الاول).

(8) انظر أخباره في:

S. Smith, Bab. Historical Textd, (1924), I, 22, II, 2.

(9) المرجح ان يكون الملك بيلشاصر هو الذي رأى "الكتابة على الحائط" كما جاء في سفر دانيال (9-105): "لما كان الملك بيلثاصر في وليمة خمر في قصره إذ ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت إزاء النبراس في مكلس قصر الملك والملك ينظر غلى طرف اليد الكاتبة، فخاف ولم يستطع أحد من كهنته ومنجميه ان يفسر تلك الكتابة التي نصها: "منا ، منا ثقيل وفرسين" فأحضر إليه دانيال الذي فسرها على الوجه الآتي: منا: أحصى الله ملوكوتك وانهاء. وثقيل: وزنت بالموازين فوجدت ناقصاً. وفرسين: قسمت مملكتك وأعطيت لماذي وفارس".

(10) انظر:

Gadd, in Anatolian Studies, (1958), 57 ff.

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).