أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-12-2020
4470
التاريخ: 27-10-2016
2086
التاريخ: 26-10-2016
1153
التاريخ: 27-10-2016
5387
|
(سرجون) وتأسيس الدولة الأكّادية (2350-2294 ق . م .):
ولادة (سرجون) واستلامه السلطة في (كيش) :
اضطر الأكّاديون في أواسط بلاد ما بين النهرين للخضوع مدة طويلة من الزمن للسلطة السومرية في الجنوب ، فلا عجب في أن يضعوا نصب أعينهم هدف تحرير أنفسهم من نير الحكم السومري . وذكر ان الملوك السومريين كانوا قد جردوا حملات عسكرية عديدة ضد مدينة (كيش) ومنطقتها لإخماد كل حركة قام محدودة الاثر بسبب الامدادات البشرية المستمرة ، التي رفدت الأكّاديين في أواسط ما بين النهرين بأسباب القوة من مجموعات البؤر البشرية الأصلية الأخرى التي ربطها بها صلات حضارية وأواصر قربى في بلاد الشام . وحدث اخيراً ما هدفت هذه البؤر البشرية الأصلية التي تحقيقه وهو انتزاع زمام القيادة السياسية من يد السومريين بزعامة (سرجون) . الذي كان شخصية فذة دفعت بالملوك خلال قرون عديدة لاحقة في تاريخ غرب آسية القديم الى التغني ببطولاته وأعماله الجبارة .
فحيكت حوله أساطير بطولية ، كان أشهرها موضوع ولادته وتأسيسه الدولة (الأكّادية) :
تذكر هذه الأسطورة أن أباه كان مجهول الهوية. ولكن اسمه وهو (لا – ايبو) كان من لغة محلية اصبحت تعرف فيما بعد بـ (الأكّادية) ، واتخذ عمه من الجبال موطنا له . وكان (سرجون ابنا غير شرعي من امرأة فقيرة الحال ولدته في مدينة (ازوبيرانو) على نهر الفرات . ولكي تتخلص من العار وضعته في صندوق من قصب الغاب وأحكمت اغلاقه ورمت به في نهر الفرات ، فحمله التيار باتجاه الجنوب ، الى ان وقعت عليه بطريق الصدفة عين البستاني (اكّي) الذي انتشله من الماء . وقد وجد الطفل حيا فحمله الى بيته واعتنى بتربيته حتى أصبح شابا وعلمه مهنة البستنة . ولكي يضفي مؤلفو الاسطورة عليه مسحة ربانية جعلوا منه حبيباً للربة عشتار (انّين السومرية) ، التي سلمته مقاليد الحكم على (ذوي الرؤوس السود) أي الأكّاديين وغيرهم من البؤر البشرية الأصلية المتحالفة ضد السومريين .
وقد تناقلت الأجيال اللاحقة هذه الأسطورة ونسجت شعوب كثيرة بعد الأكّاديين خيوط اساطير امثالها حول ولادة شخصيات مشهورة في تاريخها . لقد فعل ذلك الهنود عن (كرشنا) والاسرائيليون عن (موسى) والاغريق عن (بيزويس) والتوأمين (نيليوس و بيلياس) . وهناك أوجه شبه كبيرة كثيرة تجمع بين هذه الاسطورة واسطورة ولادة الملك الفارسي (كيروش) .
وبين أيدينا رواية أخرى تقول ان (سرجون) اصبح ساقيا في معبد (زابابا) ، اله مدينة (كيش) . ولا شك في ان ذلك يعني انه اصبح ساقيا لدى آخر ملوك (كيش) . المدعو (اور- زابابا) واغتصب منه السلطة ثم هيأ نفسه وأعد القبائل (الأكّادية) ومجموعات البؤر البشرية الأصلية الأخرى المتحالفة معها للاصطدام المحتم مع الملك السومري الطموح (لوجال – زاجّيزي) .
حروب (سرجون) التوسعية:
لقد توفرت اذن جميع الأسباب التي زادت من حدة التناقضات بين (سرجون) والملك السومري (لوجال – زاجّيزي) وجو العلاقات توترا بينهما ، وبتعبير آخر بين البؤر البشرية الأصلية المنفتحة على مجموعات البؤر الأخرى وبين البؤر الأصلية الأخرى المغلقة على نفسها أي بين (الأكاديين) و (السومريين) . وخاصة ان الأكّاديين لم ينسوا بعد تدمير الحكم السومريين معابدهم في (كيش) ، و(سيبّار) وتقديمهم كنوزها هدية لآلهتهم السومرية في مدينتي (نيبّور) و (اوروك) خاصة والمدن السومرية الأخرى عامة (1) .
ولكي يحقق (سرجون) طموحه في التوسع اتخذ من المعاملة السيئة ، التي لاقاها رسله في بلاط الملك السومري سببا لإعلان الحرب عليه . وعندها تكاتف الأمراء السومريون الذين بلغ عددهم 50 أميرا – كما تذكر الكتابات – وكونوا حلفا بقيادة الملك السومري (لوجال – زاجّيزي) ضد الملك الأكّادي الطموح . وتمخضت المعارك الحربية بين الجانبين عن هزيمة قوات الحلف السومري ووقوع قائد الحلف اسيرا في يد (سرجون) ، الذي اقتاده في (... قفص كالحيوان....) وعرضه أمام الاله (الّيل) ليهزأ به الشعب ويحتقره .
وتابع (سرجون) بعد ذلك زحفه وغزا المدن السومرية الواحدة تلو الأخرى مثل (اوروك) و (اومّا) و (تللو – لاجاش) حتى وصل (... ساحل البحر الأسفل ...) وغسل سيفه ( .... الملطخ بدماء الأعداء في مياه البحر .... ) رمزاً للنصر الذي أحرزه ضد السومريين . وتذكر الكتابات اللاحقة ان الملك (سرجون) غزا ايضا (تلمون) ، التي هي – على الأرجح – جزيرة البحرين .
تأسيس العاصمة (أكّاد) واستقلال الدولة الأكّادية الروحي عن السومريين :
بالرغم من أن مدينة (كيش) كانت تشكل مركزا هاما من مراكز تجمع قبائل البؤر البشرية الأكادية وقبائل البؤر الأخرى المتحالفة معها ، التي أود أن أسميها جميعاً (... ذوي الرؤوس السود ...) والتي ربطتها بعضها ببعض أواصر قربى وجوار ، فقد هجرها مؤسس الدولة الأكّادية وبنى – كأول ملك في التاريخ – عاصمة جديدة لمملكته اطلق عليها اسم (أكّاد) ، وتخبرنا الكتابات القديمة انه شيدها بالقرب من مدينة (سيبّار) . ولكن هذه العاصمة لم تكتشف حتى الآن ، على الرغم من محاولات بعثات استكشاف اثرية اجنبية ووطنية عراقية كثيرة لتحديد موقعها . ولو تم العثور على انقاضها لزودتنا الكثير من المعلومات القيمة حول اقدم دولة معروفة حتى الآن اسستها هذه البؤر البشرية الأصلية (... ذات الرؤوس السود ...) وقد اطلق الملوك اللاحقون اسم هذه العاصمة على جميع بقاع أواسط بلاد ما بين النهرين ، فأصبحت تعرف بـ (بلاد أكّاد) وعرفت الدولة بـ (الأكّادية) .
ويبدو أن (سرجون) وجد العاصمة الجديدة بحاجة الى قوى روحية تنبع من واقع قبائل البؤر البشرية الجديدة المتحالفة ، من عالم هؤلاء ( ... ذوي الرؤوس السود ....) وتنسجم مع الأفكار الجديدة في تأسيس الدولة وقيادتها ، فكان لابد لهذه القوى من أن تكون غير التي قدسها السومريون ، اعداؤه التقليديون .
ولذلك وجد في آلهة قبائله وفي آلهة القبائل المتحالفة معها افضل بداية لطريق الاستقلال الفكري عن السومريين . ولذلك جعل عاصمته الجديدة مقرا للربة (الأكّادية عشتار) ومدينة (سيبّار) مركزا لعبادة الاله القومي لهذه القبائل المتحالفة المعروف باسم (شمش) .
تأسيس (سرجون) للإمبراطورية الأكّادية وحروبه الخارجية :
وبعد أن ثبت (سرجون) الأوضاع الداخلية في بلاد (سومر وأكّاد) ، بدأ بتنفيذ المرحلة الثانية من مخططه التوسعي . لقد توجه بانظاره نحو الشرق فجرد حمله عسكرية ضد عيلام ، التي كانت تشكل مصدر خطر دائم يهدد الأراضي السومرية . فهاجمها عن طريق البر والبحر واذل امراءها وعاد الى العاصمة (أكّاد) بغنائم وفيرة . وبذلك أصبحت هذه البلاد منذ الآن ولعدة قرون لاحقة، تابعة لدول ما بين النهرين القوية.
وبعد أن انجز (سرجون) مهامه المحددة خلال هذه الحملة الناجحة ، شن حربا تأديبية ضد البؤر البشرية الجبلية (اللولبية) المتوحشة القاطنة في المناطق الشمالية – الشرقية من أرض (أكّاد) فالحق بها الهزيمة وبذلك حمى حدوده الشمالية من شرها لعشرات الأعوام .
وانتقل (سرجون) بعد ذلك الى تنفيذ المرحلة الثالثة من بناء امبراطوريته الفتية ، فبدأها بهجوم على جماعات البؤر البشرية الجبلية (اللولبية) المتوحشة القاطنة في المناطق الشمالية – الشرقية من أرض (أكّاد) ، فالحق بها الهزيمة وبذلك حمى حدوده الشمالية من شرها لعشرات الأعوام .
وانتقل (سرجون) بعد ذلك الى تنفيذ المرحلة الثالثة من بناء امبراطوريته الفتية ، فبدأها بهجوم على جماعات البؤر البشرية الأصلية المعروفة بـ (العمورّية) ، وكانت قبائلها تقطن الى الغرب والشمال الغربي من مملكته فاخضع دويلاتها المتحضرة لسلطانه ، بالرغم من أن بعضها كان متحالفا معه خلال صراعه ضد السومريين . ثم تابع زحفه نحو الغرب حتى وصل الى أواسط سورية ومنها الى شواطئ البحر المتوسط ، التي سميت في الكتابات الملكية ( ... بلاد مغرب الشمس حتى نهايتها ...) وتقول بعض الكتابات ان (.... سرجون ركب البحر ، وكان ثلاث مرات في الغرب وغزا البلاد ووحدها واقام تماثيل في الغرب وجلب الى البلاد اسرى على البحر وفي البر ...) :
وعندما تذكر الكتابات ان الملك الأكّادي اجتاز حدود (بحر مغرب الشمس) فإن ذلك اشارة الى انه ركب مع جيشه امواج البحر المتوسط (بحر مغرب الشمس) ، ورسمت قوارب جيشه على سواحل احدى الجزر الهامة الآهلة بالسكان ,فهل كانت هذه هي جزيرة قبرص ؟ أو أنه قصد بذلك جزيرة اخرى في البحر المتوسط لأتبعد مسافة طويلة عن الشاطئ السوري الحالي ؟ وفي هذه الحالة الأخيرة لم تكن هذه الا جزيرة ارواد التي كانت آهلة بالسكان في عصره ايضا .
ويرجع السبب في تفكير بعض الباحثين بجزيرة قبرص الى العثور على بعض اللقى الأُثرية في باطن تلالها يشبه نمطها النمط الفني لنماذج محددة من تماثيل بلاد ما بين النهرين ، كالدمى الطينية التي تمثل (الربة العارية) ، وقد عرفها العالم الايجي عن طريق هذه الجزيرة ، كما يقول بعض العلماء . ولكن هناك طريقا آخر وصلت بواسطته هذه الدمى الى جزيرة قبرص وهو التجارة ، التي نشطت كثيرا بين أقطار غرب آسية القديمة وقبرص خلال العصر البابلي القديم ، ولذلك أرى أن تأريخ هذه الدمى يرجع الى العصر البابلي القديم وليس الى العصر الأكّادي . ثم ان الأنماط الفنية للدمى الطينية البابلية القديمة لا تختلف عن الأنماط الفنية الأكّادية لها .
ويضاف الى ذلك أن الابحار الى جزيرة قبرص من ساحل بلاد الشام كان يحتاج في عصر (سرجون) الى توفر امكانيات ضخمة من وسائط النقل البحرية القادرة على الابحار في عرض البحر ومزودة بمواد تموينية تكفي لمدة طويلة ، وهي امكانيات لم تكن متوفرة بمقادير كافية خلال هذا العصر الغابر من تاريخ العالم .
وعلى كل حال فإن (سرجون) لم يوحّد مدن ما بين النهرين فحسب ، بل ضم اليها ايضا امتدادها الطبيعي من الغرب وهو القسم الأعظم من سورية الحالية (2) .
وبعد ان عاد (سرجون) الى عاصمته (أكّاد) جهز نفسه وجيشه للقيام بعمل بطولي ، لم يقدم على تنفيذه اي ملك سابق لعصره : لقد اجتاز جبال (طوروس) وسفوح (الأناضول) الجنوبية ووصل الى اواسط وشرق آسية الصغرى ، ويقول في هذا الصدد : ( .... ان الاله انليل اعطاني البلاد العليا مائر (= ماري) وبارموتي والبلاد حتى جبال الأرز والفضة ....) .
ولاشك في ان المعني هنا بجبال الفضة ، جبال طوروس في شمال سورية وجنوب آسية الصغرى . وتذكر الكتابات الملكية ، ان الاسباب المباشرة ، التي دفعت بالملك الأكّادي لاجتياز جبال طوروس وتحمله مع جيشه المشاق وتعرضه للمخاطر عبر وديان هذه الجبال السحيقة ، هي قدوم رسل من أواسط آسية الصغرى ، من منطقة كبادوكيا (= قيصرية) الى عاصمته أكّاد يستنجدون به ضد عدوتهم التقليدية مدينة (بورشخندا) . وسبب ذلك ان (الآشوريين) وهم من البؤر البشرية الأصلية في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام كانوا قد اقاموا مستوطنات تجارية في تلك المناطق واصطدموا بسكانها من البؤر البشرية الأصلية الأخرى في اواسط الأناضول ، وهنا استنجد الآشوريون بـ (سرجون) ضد اعدائهم . وقد استغرقت حملة (سرجون) هذه ثلاثة أعوام متواصلة ، وكان كلما اخضع منطقة لنفوذه ، امر بنقش رسمه على نصب تذكاري اقامه في نهاية حدودها رمزاً لانتصاراته وتمجيداً لأعماله البطولية .
وقد نشبت اثناء غيابه الطويل في حروبه العديدة ثورات ضده ضمن البلاد او على حدود امبراطوريته ، منها ثورة سكان المنطقة البابلية وبلاد (سوبارتو) ولكنه تمكن من القضاء عليها بعنف وقسوة واحرق الحقول والمزارع ودمر المدن لدرجة (لم يعد بامكان الطيور ان تجد لها مأوى فيها ) كما يذكر هو نفسه في بعض كتاباته .
أهم منجزات (سرجون) على الصعيد الداخلي :
لم يقض (سرجون) – كما قد يعتقد للوهلة الأولى – مدة حكمه الطويلة في الحروب وساحات القتال واخضاع القبائل والشعوب لسلطانه فحسب ، وانما خصص ايضا وقتا كافيا لإنجاز المشاريع الاقتصادية وبناء الدولة . لأن الجيش الثابت النظامي ، الذي بلغ عدد افراده 5400 جنديا (اكلوا يوميا امامه) كان يحتاج الى تموين دائم في البلاد خلال اوقات السلم ، لذلك امر بشق اقنية ري جديدة واصلاح القديم منها . وقد اوجد ايضا طريقة جديدة للموازين والمقاييس ارتكزت ما بين النهرين ، سهلت عليه تنفيذ مثل هذه المشاريع التي اقتضت وحدة ضمت جميع مقاطعات البلاد ومدنها ، وذلك بعكس ما عرفناه في عصر دول المدن السومرية المتككة المتصارعة فيما بينها .
_________________
1) Awdijew, A.J., Geschichte des Alten Orienrs, S. 54.
2) تؤكد هذه الحقيقة عكس ما يراه الدكتور فيليب حتى في كتابه (خمسة آلاف سنة من تاريخ الشرق الأدنى) – المجلد الأول ، 1960 برنستون نيوجيرسي ، النسخة المصرية المعربة ، 1975 ، ص 39 (واما سياسيا فلم يكن العراق القديم بلادا موحدة توحيدا كاملا حتى عهد حمّورابي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد ) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|