أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2016
4238
التاريخ: 23-12-2020
6379
التاريخ: 19-2-2021
1899
التاريخ: 11-2-2021
3759
|
عندما بدأ التنافس كانت السلطة في بلاد الرافدين مقسمة بين قوتين كبيرتين ، الدولة الكاشية التي أقامت حكمها الأجنبي في الأقسام الجنوبية والوسطى من البلاد منذ مطلع القرن السادس عشر قبل الميلاد ، والدولة الآشورية التي أسست حكمها الوطني في الأقسام الشمالية من البلاد بعد انفصالها عن سلالة بابل الأولى ، على أثر وفاة حمورابي منتصف القرن الثامن عشر قبل الميلاد(1) .
أقام الكاشيون حكمهم الأجنبي في بلاد بابل مدة تجاوزت اربعة قرون من الزمن (1590-1162 ق.م) ، وبما أنهم كانوا أقلية حاكمة وغرباء عن البلاد التي احتلوها ، فإن جل ما طمعوا به الحفاظ على كيانهم السياسي ومصالحهم التجارية ، هذا إلى أن ظروف الصراع الدولي كانت تجبرهم على الانكفاء داخل حدودهم ، ولاسيما أن قوتهم العسكرية لم تكن لتقارن بالقوى المصرية والحيثية والميتانية ، أو حتى بالآشورية لاحقاً(2).
ولذا فقد انتهج الكاشيون سياسة خارجية تمثلت بعدم التدخل بشؤون غيرهم ، أو في الصراعات التي كانت محتدمة آنذاك بين مراكز القوى في منطقة الشرق الأدنى ، إذ أنهم آثروا الوقوف على الحياد وأقروا مبدأ التعايش السلمي سمة أساسية في العلاقات الخارجية(3).
وقد انسجم الموقف الكاشي إزاء التنافس مع هذه السياسة إلى حد كبير ، ولاسيما أن المنطقة المتنازع عليها (بلاد الشام) لا تبعد كثيراً عن بابل من جانب(4) ، وتربطهم بها علاقات تجارية متينة حرصوا على دوامها من جانب آخر(5).
ولذا عندما سمع الكاشيون بالانتصارات العظيمة التي أحرزها الفرعون (تحتمس الثالث) ووصوله إلى ضفاف الفرات سارعوا بإرسال الهدايا له(6)، وهذا ما انعكس بدوره إيجابياً على العلاقة بين البلدين ، التي منذئذ كانت آخذة بالتقدم والازدهار على ما يبدو حتى بلغت الذروة في عهد العمارنة ، حسبما يظهر من الرسائل المتبادلة بين أمنحوتب الثالث وأخناتون من جهة وبعض الملوك الكاشيين من جهة أخرى(7)، فالنبرة التي طغت على روح الخطاب بين الجانبين اتسمت بالدعوة إلى المحبة والإخاء ، وجرى على أثرها تبادل أفخر الهدايا وأثمنها ، مع ملاحظة الطلب المتزايد للملوك الكاشيين على الذهب المصري ، حتى أن أحدهم (كادشمان – أنليل الأول) وضع الذهب بكفة وابنته بكفة أخرى(8)، ناهيك عن استمرار الصلات التجارية بين البلدين رغم الأخطار التي كانت تتعرض لها القوافل التجارية(9)، على أن الحدث الأبرز الذي شهدته العلاقة آنذاك تمثل بالمصاهرة السياسية بزواج أمنحوتب الثالث من أخت الملك الكاشي (كادشمان-أنليل الأول) ومن ابنته أيضاً(10).
وعلى الجانب الآخر أقام الكاشيون علاقات وطيدة مع الحيثيين أيضاً ، تمخض عنها زواج العاهل الحيثي (شوبيلوليوما) من أميرة كاشية(11)، هي ابنة أو أخت الملك الكاشي (بورنابورياش الثاني)(12)، وقد حدث هذا بعد أن ثبت شوبيلوليوما نفوذه في أجزاء واسعة من شمال بلاد الشام بما فيها حلب ، والتي هي أقرب لبابل من باقي أنحاء بلاد الشام الأخرى ، وتعد طريقا رئيسياً لمرور التجارة الكاشية إلى موانئ الساحل الفينيقي وإلى مصر أيضاً .
على أن هذه العلاقات الطيبة التي أقامتها الدولة الكاشية مع كلا البلدين المتنافسين ، لم تدفعها إلى التخلي عن الخطوط العامة لسياستها الخارجية ، فهي لم تتدخل لا من قريب ولا من بعيد بشأن الصراع القائم بينهما على بلاد الشام ، بل أكدت وقوفها على الحياد تجاهه ، فعندما أراد الملك الميتاني وحليف مصر (ماتيوازا) اللجوء إلى بابل بعد أن أزيح عن عرشه بضغط من الحيثيين رفض الملك الكاشي (بورنابورياش الثاني) التماسه هذا(13) ، ولعل أحجام الملك الكاشي كوريكالزو الثاني (1380-1370 ق.م) عن تقديم المساعدة لأمراء كنعان لغزو الحدود المصرية ، ما يؤكد حياد الكاشيين أيضاً(14) .
غير أن هنالك ما يشير إلى أن سياسة الحياد الكاشية تلك قد طرأ عليها بعض التغيير في مرحلة لاحقة من التنافس ، إذ يتضح من رسالة كتبها الملك الحيثي (خاتوشيليش الثالث) إلى نظيره الكاشي كدشمان انليل الثاني (1279ـ 1265 ق.م) أن ثمة حلفاً دفاعياً كان قد نشأ بين الملك الحيثي هذا ونظيره الكاشي كدشمان توركو(1295ـ 1278) ، وان خاتوشيليش الثالث أخبر كدشمان توركو عن تدهور علاقته مع مصر ((لقد أصبح ملك مصر عدوي)) ، فكتب له الاخير يعبر له عن استعداده لدخول الحرب إلى جانبه إذا ما قرر غزو مصر ((إذا زحف أخي ضد مصر سأزحف معك بالفعل شخصيا مع مشاتي وعرباتي بقدر ما موجود منها))(15) .
والحقيقة أن التحالف الدفاعي الكاشي – الحيثي يبدو أنه أثر على موقف الكاشيين الحيادي إزاء التنافس ، كـان له ما يبرره لو أخذنا بنظر الاعتبار العداء المزمن الـذي كانت تكنه كلا الدولتين المتحالفتين للدولة الآشورية (16)، نتيجة لرغبة الأخيرة فـي توحيد بلاد الرافدين بضم بابل إلى نفوذها السياسي من جهة ، ولتحقيق مشاريعها التوسعية في منطقة الشرق الأدنى القديم على حساب الحيثيين من جهة أخرى .
ومع ذلك فإن هذا التحالف لم يعمر طويلاً ،فمن نص الرسالة المذكورة يتضح ان كادشمان أنليل الثاني كان قاصرا لحظة توليه العرش الكاشي ، فتولى الإدارة الفعلية لبلاد بابل نيابة عنه الوزير (أيتي –مردوخ – بلاطو) ، وقد عارض الأخير بقوة العلاقة مع الحيثيين لاعتقاده أن الملك الحيثي يحاول توريط الكاشيين في نزاعه مع بلاد آشور ، وعلى ما يظهر بأنه أقنع الملك الكاشي بوجهة نظره هذه ، فقام هذا من ناحيته بقطع مراسلاته مع الملك الحيثي ( خاتوشيليش الثالث ) بحجة خطورة طرق المواصلات ،وعليه فان الملك الحيثي اتهم في رسالته الوزير الكاشي بالتآمر لإفساد العلاقة بين البلدين ،راجيا من الملك الكاشي أن لا يستمع لكلامه ، ورفض ادعاءه مقتل بعض التجار الكاشيين في المناطق التابعة للحيثيين في شمال بلاد الشام ومنها أوغاريت ((إن ما ذكرته في ذبح التجار الكيشيين في امورو وأوغاريت الواقعة تحت نفوذ الحيثيين إنما ضد عاداتنا نحن الحيثيين))(17).
________
(1) Kupper , J.R., Op.Cit, P.24.
(2) الشمري ، طالب منعم حبيب ، المصدر السابق ، صص167-168 .
(3) سليمان، عامر، العراق، جـ1، ص 202.
(4) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص341 .
(5) الأمين، محمود، المصدر السابق، ص20.
(6) حسن، سليم، مصر، جـ4، ص409.
(7) ويبلغ عددها أحدى عشرة رسالة، منها خمس رسائل متبادلة بين أمنحوتب الثالث وكادشمان – أنليل الأول، والرسائل الخمس الأخرى كتبها بورنابورياش الثاني إلى أخناتون ، وهناك خطاب أرسله بورنابورياش الثاني إلى أمنحوتب الثالث ، كما ويستدل من هذه الرسائل على خطابات متبادلة بين كوريكالزو الثاني وأمنحوتب الثالث ، ينظر :- المصدر نفسه ، جـ5، صص621-622 .
(8) إلا أن هذا لم يحل دون ظهور ما يعكر صفو العلاقة بينهما ، كما يفهم من الرسائل المتبادلة أيضاً ، ومنها أن أمنحوتب الثالث كان مستاءً من موفدي (كادشمان – أخليل الأول) لأنهم لم يكونوا بالقدر الكافي من الثقافة وكثيراً ما كانوا يعملون للوقيعة بين الملكين ، وبالمقابل فلم يرقَ للملك الكاشي أن يقيم الفرعون وليمة كبيرة ولا يدعوه لحضورها ، وعتب عليه كثيراً لأنه رفض أن يزوجه إحدى بناته ، وكذلك تألم الملك الكاشي لاحتجاز الفرعون رسله مده طويلة ، ولم يرسل له كمية الذهب التي يطلبها ، ويفهم من الخطاب السابع أن بورنابورياش الثاني كان غاضباً لأنه مرض ولم يرسل أخناتون للسؤال عنه ، هذا إلى أن المشكلة الأكبر التي ربما أدت لقطع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين تمثلت في العلاقة الوطيدة التي أقامها (أخناتون) مع الآشوريين على عكس رغبة بورنابورياش الثاني الذي بعث لفرعون طالباً عدم التجاوب مع الآشوريين بدعوى أنهم أتباعه ، حول الرسائل المتبادلة بين الفراعنة المصريين والملوك الكاشيين ، ينظر :-
Mercer, S.A.B., OP.Cit, Vol.1, letters1-14, PP. 3-57.
(9) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص302 .
(10) حسن، سليم، مصر، جـ5، ص622؛ Mercer, S.A.B., OP.Cit, Vol.1, letters. 1, 3, pp.3, 13
(11) Kuhrt,A., The Ancient near East 3000-300 B.cVol.1, London and Newyork, 2002, P.254.
(12) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص484 .
(13) Gadd , C.J., “Assyrian and Babylonia 1370-1300 B.C.”, CAH, Vol.11, 1985, P.27.
(14) Goodspeed , G.S. , OP.Cit , PP. 134-135.
(15) Oppenheim , L. , OP.Cit, PP.143 –144.
(16) الأحمد ، سامي سعيد ، فتره العصر الكاشي ، ص141 .
(17) فرحان، وليد محمد صالح، العلاقات السياسية، ص55؛ Oppenheim, L., Op.Cit, PP.144 – 146
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|