أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2016
1721
التاريخ: 6-10-2016
1599
التاريخ: 20-8-2022
1407
التاريخ: 6-10-2016
2022
|
هو أن يعرف ربه ، و أنه لا تليق العظمة و العزة إلا به ، و أن يعرف نفسه حق المعرفة ، ليعلم أنه بذاته أذل من كل ذليل و أقل من كل قليل ، و لا تليق به إلا الذلة و المهانة و المسكنة ، فما له والعجب و استعظام نفسه ، فإنه لا ريب في كونه ممكنا ، و كل ممكن في ذاته صرف العدم و محض اللا شيء ، كما ثبت في الحكمة المتعالية ، و وجوده و تحققه و كماله و آثاره جميعا من الواجب الحق ، فالعظمة و الكبرياء إنما تليق بمفيض وجوده و كمالاته ، لا لذاته التي هي صرف العدم و محض الليس ، فإن شاء أن يستعظم شيئا و يفتخر به فليستعظم ربه و به افتخر ويستحقر نفسه غاية الاستحقار و حتى يراها صرف العدم و محض اللا شيء.
وهذا المعنى يشترك فيه كل ممكن كائنا من كان .
وأما المهانة و الذلة التي تخص هذا المعجب و بني نوعه ، فكون أوله نطفة قذرة و آخره جيفة عفنة ، و كونه ما بين ذلك حمال نجاسات منتنة ، و قد مرّ على ممر البول ثلاث مرات.
وتكفيه آية واحدة من كتاب اللَّه تعالى لو كان له بصيرة ، و هي قوله : { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ } [عبس : 17 - 22] .
فقد أشارت الآية إلى أنه كان أولا في كتم العدم غير المتناهي ، ثم خلقه من أقذر الأشياء الذي هو نطفة مهينة ، ثم أماته و جعله جيفة منتنة خبيثة.
وأي شيء أخس و أرذل ممن بدايته محض العدم ، و خلقته من أنتن الأشياء و أقذرها ، و نهايته الفناء و صيرورته جيفة خبيثة.
وهو ما بين المبدإ و المنتهى عاجز ذليل ، لم يفوض إليه أمره ، و لم يقدر على شيء لنفسه ولا لغيره ، إذ سلطت عليه الأمراض الهائلة ، و الأسقام العظيمة ، و الآفات المختلفة ، و الطبائع المتضادة ، من المرة و الدم و الريح و البلغم ، فيهدم بعض أجزائه بعضا ، شاء أم أبى ، رضي أم سخط ، فيجوع كرها ، و يعطش كرها ، و يمرض كرها ، و يموت كرها ، لا يملك لنفسه نفعا و ضرا و لا خيرا و شرا.
يريد أن يعلم الشيء فيجهله ، و يريد أن يذكر الشيء فينساه ، و يريد أن ينسى الشيء فلا ينساه ويريد أن ينصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول في أودية الوساوس و الأفكار بالاضطرار.
فلا يملك قلبه قلبه ، و لا نفسه نفسه.
يشتهى الشيء و فيه هلاكه و يكره الشيء و فيه حياته ، يستلذ ما يهلكه و يرديه و يستبشع ما ينفعه و ينجيه ، و لا يأمن في لحظة من ليله أو نهاره أن يسلب سمعه و بصره و علمه و قدرته و تفلج أعضاؤه ، و يختلس عقله ، و تختطف روحه ، و يسلب جميع ما يهواه في دنياه ، و هو مضطر ذليل ، أن ترك فنى ، و أن خلى ما بقي ، عبد مملوك ، لا يقدر على شيء من نفسه و لا من غيره ، فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه؟ , و أنى يليق العجب به لو لا جهله؟.
و هذا وسط أحواله.
و أما آخره ، فهو الموت - كما عرفت - فيصير جيفة منتنة قذرة ، ثم تضمحل صورته ، و تبلى أعضاؤه ، و تنخر عظامه ، و تتفتت أجزاؤه ، فيصير رميما رفاتا ، ثم يصير روثا في أجواف الديدان ، يهرب منه الحيوان ، و يستقذره كل إنسان ، و أحسن أحواله أن يعود إلى ما كان فيصير ترابا تعمل منه الكيزان ، و يعمر منه البنيان ، فما أحسنه لو ترك ترابا ، بل يحيى بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلا ، فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة ، و يساق إلى عرصات القيامة ، فيرى سماء مشققة ، و أرضا مبدلة ، و جبالا مسيرة ، و نجوما منكدرة ، و شمسا منكسفة ، و جحيما مسعرة ، وجنة مزينة ، و موازين منصوبة ، و صحائف منشورة فإذا هو في معرض المؤاخذة و الحساب و عليه ملائكة غلاظ شداد ، فيعطى كتابه إما بيمينه أو شماله ، فيرى فيه جميع أعماله و أفعاله ، من قليل و كثير و نقير و قطمير.
فإن غلبت سيئاته على حسناته و كان مستحقا للعذاب و النار، تمنى أن يكون كلبا أو خنزيرا لصير مع البهائم ترابا و لا يلقى عقابا و لا عذابا.
ولا ريب في أن الكلب و الخنزير أحسن و أطيب ممن عصى ربه القهار و يعذب في النار، إذ أولهما و آخرهما التراب ، و هو بمعزل عن العقارب و العذاب ، و الكلب و الخنزير لا يهرب منهما الخلق ، و لو رأى أهل الدنيا من يعذب في النار لصعقوا من وحشة خلقته و قبح صورته. ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه ، و لو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا صارت أنتن من الجيفة المنتنة.
فما لمن هذه حاله و العجب و استعظام نفسه ! و ما أغفله من التدبر في أحوال يومه و أمسه ! و لو لم يدركه العذاب و لم يؤمر به إلى النار فإنما ذلك للعفو، لأنه ما من عبد إلا و قد أذنب ذنبا و كل من أذنب ذنبا استحق عقوبة ، فلو لم يعاقب فإنما ذلك للعفو.
ولا ريب في أن العفو ليس يقينا ، بل هو مشكوك فيه ، فمن استحق عقوبة و لا يدري أيعفى عنها أم لا ، يجب أن يكون أبدا محزونا خائفا ذليلا ، فكيف يستعظم نفسه و يلحقه العجب ، ألا ترى أن من جنى على بعض الملوك بما استحق به ألف سوط مثلا ، فأخذ و حبس في السجن.
وهو منتظر أن يخرج إلى العرض و تقام عليه العقوبة على ملأ من الخلق ، و ليس يدري أيعفى عنه أم لا ، كيف يكون ذله في السجن؟.
أفترى أنه مع هذه الحالة يكون معجبا بنفسه؟! و لا أظنك أن تظن ذلك.
فما من عبد مذنب ، و لو أذنب ذنبا واحدا ، إلا و قد استحق عقوبة من اللَّه ، و الدنيا سجنه ، و لا يدري كيف يكون أمره ، فيكفيه ذلك خوفا و مهانة و ذلة , فلا يجوز له أن يعجب و يستعظم نفسه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|