أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2016
1556
التاريخ: 2023-02-23
905
التاريخ: 6-10-2016
3342
التاريخ: 6-10-2016
1693
|
علاج مرض البخل يتم بعلم و عمل , و العلم يرجع إلى معرفة آفة البخل و فائدة الجود ، و العمل يرجع إلى البذل على سبيل التكلف إلى أن يصير طبعا له , فكل طالب لإزالة البخل و كسب الجود ينبغي أن يكثر التأمل في أخبار ذم البخل و مدح السخاء ، و ما توعد اللّه به على البخل من العذاب العظيم ، و يكثر التأمل في أحوال البخلاء و في نفرة الطبع عنهم ، حتى يعرف بنور المعرفة أن البذل خير له من الإمساك في الدنيا و الآخرة , ثم يكلف نفسه على البذل و مفارقة المال ، و لا يزال يفعل ذلك إلى أن يهيج رغبته في البذل ، و كلما تحركت الرغبة ينبغي أن يجتنب الخاطر الأول و لا يتوقف لأن الشيطان يعده الفقر و يخوفه و يوسوسه بأنواع الوساوس الصادة عن البذل.
ولو كان مرض البخل مزمنا غير مندفع بما مر، فمن معالجاته أن يخدع نفسه بحسن الاسم و الاشتهار بالجود ، فيبذل على قصد الرياء ، حتى تسمح نفسه بالبذل طمعا في الاشتهار بصفة الجود ، فيكون قد زال عن نفسه رذيلة البخل و اكتسب خبث الرياء ، و لكن يتعطف بعد ذلك على الرياء و يزيله بعلاجه ، و يكون طلب الشهرة و الاسم كالتسلية للنفس عند فطامها عن المال ، كما يسلى الصبي عند فطامه عن الثدي باللعب بالعصافير و غيرها لا لكون اللعب مطلوبا بذاته ، بل لينتقل من الثدي إليه ثم ينتقل عنه إلى غيره , فكذلك هذه الصفات الخبيثة ينبغي أن يسلط بعضها على بعض حتى يندفع الجميع ، فتسلط الشهوة على الغضب حتى تكسر سورته بها ، و يسلط الغضب على الشهوة حتى تكسر رعونتها به , و قد جرت سنة اللّه بدفع المؤذيات و المهلكات بعضها ببعض ، إلى أن يندفع الجميع ، سواء كانت من الصفات المؤذية أو من الأشخاص المؤذية من الظلمة و الأشرار، أ لا ترى أنه يسلط الظالمين و الأشرار بعضهم على بعض إلى أن يهلك الجميع؟.
ومثال ذلك - كما قيل - : إن الميت تستحيل جميع أجزائه دودا ، ثم يأكل بعض الديدان بعضا إلى أن يرجع إلى اثنين قويين ، ثم لا يزالان يتقابلان و يتعارضان ، إلى أن يغلب أحدهما الآخر فيأكله و يسمن به ، ثم لا يزال يبقى وحده جائعا إلى أن يموت , فكذلك هذه الصفات الخبيثة يمكن أن يسلط بعض على بعضها حتى يقمعها ، فيجعل الأضعف قوتا للأقوى ، إلى أن لا تبقى إلا واحدة.
ثم تقع العناية بمحوها و إذابتها بالمجاهدة ، وهو منع القوت منها ، أي عدم العمل بمقتضاها فإنها تقتضي لا محالة آثارا ، فإذا خولفت خمدت و ماتت , مثلا البخل يقتضى إمساك المال فإذا منع مقتضاه و بذل المال مع الجهد و المشقة مرة بعد أخرى ، ماتت صفة البخل و صارت صفة البذل طبعا ، و سقط التعب والمشقة فيه.
ثم العمدة في علاجه أن يقطع سببه ، و سببه حب المال ، و سبب حب المال إما حب الشهوات التي يتوقف الوصول إليها على المال مع طول الأمل ، إذ لو لم يكن له طول أمل و علم أنه يموت بعد أيام قلائل ربما لم يبخل بماله ، أو ادخاره و إبقاؤه لأولاده ، فإنه يقدر بقاءهم كبقاء نفسه ، فيمسك المال لأجلهم، أو حبه عين المال من حيث إنه مال فيحب فإن بعض الناس من المشايخ و المعمرين يكون له من المال ما يكفيه لغاية ما يتصور من بقية عمره ، و تزيد معه أموال كثيرة ، و لا ولد له ليحتاط لأجله ، مع ذلك لا نسمح نفسه بإخراج مثل الزكاة و مداواة نفسه عند المرض ، بل هو محب للدنانير، عاشق لها ، يتلذذ بوجودها في يده ، مع علمه بأنه عن قريب يموت ، فتضيع أو تأخذها أعداؤه ، و مع ذلك لا تسمح نفسه بأن يأكل منها أو يتصدق ببعضها , و هذا مرض عسر العلاج ، لا سيما في كبر السن ، إذ حينئذ يكون المرض مزمنا و الطبيعة المدافعة له قاصرة و البدن ضعيفا , و مثله مثل من عشق شخصا فأحب رسوله ، ثم نسى محبوبه و اشتغل برسوله , فإن الدنانير رسول مبلغ إلى الحاجات ، وهي محبوبة من هذه الحيثية ، لا من حيث أنها دنانير، فمن نسي الحاجات و صارت الدنانير محبوبة عنده في نفسها ، فهو في غاية الضلالة و الخسران بل من رأى بين الفاضل منها عن قدر الحاجة و بين الحجر فرقا ، فهو في غاية الجهل.
ثم لما كان الطريق في قطع سبب كل علة أن يواظب على ضد هذا السبب ، فيعالج حب الشهوات بالقناعة باليسير و بالصبر، و يعالج طول الأمل بكثرة ذكر الموت و النظر في موت الأقران و طول تعبهم في جمع المال و ضياعه بعدهم ، و يعالج التفات القلب إلى الأولاد بأن الذي خلقهم خلق أرزاقهم ، و كم من ولد لم يرث مالا من أبيه و حاله أحسن ممن ورث ، و بأن يعلم أن ولده إن كان تقيا صالحا فيكفيه اللّه ، و إن كان فاسقا فيستعين بماله على المعصية و ترجع مظلمته عليه ، و يعالج حب المال من حيث إنه مال ، بأن يتفكر في مقاصد المال و إنه لما ذا خلق ، فلا يحفظ منه إلا بقدر حاجته ، و يبذل الباقي على المستحقين ليبقى له ثوابه في الآخرة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|