أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-26
677
التاريخ: 26-4-2022
1665
التاريخ: 2023-12-13
933
التاريخ: 22-09-2014
2909
|
قد يقول قائل : إنّ صناعة البيان ليست في الناس بدرجة واحدة وهي تختلف حسب اختلاف القرائح والمعطيات ، ولكلّ إنسان مواهبه ومعطياته ، وكلّ متكلّم أو كاتب إنّما يضع في بيانه قطعة من عقله ومواهبه ، ومِن ثَمّ يختلف الناس في طرق التعبير والأداء ، ولا يمكن أن يَتشابه اثنان في منطقهما وفي تعبيرهما ، اللّهمّ إلاّ إذا كان عن تقليد باهت .
إذاً فكيف جاز تحدّي الناس لو يأتوا بحديث في مثل القرآن ، وهم عاجزون أنْ يأتوا بمِثل كلام بعضهم ؟!
لكن غير خفي أنّ لشرف الكلام وضِعته مقاييس ، بها يُعرف ارتفاع شأن الكلام وانحطاطه وقد فصّلها علماء البيان ، وبها تتفاوت درجات الكلام ويقع بها التفاضل بين أنحائه من رفيع أو وضيع ، نعم ، وإن كانت القرائح والمعطيات هي المادّة الأُولى لهذا التفاوت ، ولا نماري أن يكون كلام كلّ متكلّم هي وليدة فطرته وحصيلة مواهبه ومعطياته ، بحيث لا يمكن مشاركة أيّ أحد فيما تُمليه عليه ذهنيّته الخاصّة ، لكن ذلك لا يُوهن حجّتنا في التحدّي بالقرآن ، لأنّا لا نطالبهم أن يأتوا بمِثل صورته الكلامية ، كلاّ ، وإنّما نطلب كلاماً ـ أيّاً كان نمطه وأُسلوبه ـ بحيث إذا قيس مع القرآن بمقياس الفضيلة البيانيّة حاذاه أو قاربه ، على شاكلة ما يُقاس كلمات البلغاء مع بعض ، وهذا هو القدر الذي تنافس فيه الأُدباء ، ويتماثلون أو يتقاربون ، لا شيء سواه .
وقد أشار السكّاكي إلى طرف من تلك المقاييس التي هي المعيار لارتفاع شأن الكلام وانحطاطه ، قال ـ بعد أن ذكر أنّ مقامات الكلام متفاوتة ، ولكلّ كلمة مع صاحبتها مقام ، ولكلّ حدّ ينتهي إليه كلام مقام ـ : وارتفاع شأن الكلام في باب الحسن والقبول وانحطاطه في ذلك بحسب مصادفة الكلام لما يليق به .
قال : فحُسن الكلام تحلّيه بشيءٍ من هذه المناسبات والاعتبارات بحسب المقتضى ، ضعفاً وقوّةً على وجه من الوجوه ( التي يفصّلها في فنّي المعاني والبيان ) .
ويقول بعد ذلك : وإذ قد تقرّر أنّ مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال والاعتبار المناسب وعلى لا انطباقه وجب عليك ـ أيّها الحريص على ازدياد فضلك ، المنتصب لاقتداح زناد عقلك ، المتفحّص عن تفاصيل المزايا التي بها يقع التفاضل ، وينعقد بين البلغاء في شأنها التسابق والتناضل ـ أن ترجع إلى فكرك الصائب ، وذهنك الثاقب ، وخاطرك اليقظان ، وانتباهك العجيب الشأن ، ناظراً بنور عقلك ، وعين بصيرتك ، في التصفّح لمقتضيات الأحوال ، في إيراد المسند إليه على كيفيات مختلفة ، وصور متنافية ، حتى يتأتّى بروزه عندك لكلّ منزلة في معرضها ، فهو الرِهان الذي يُجرّب به الجياد ، والنضال الذي يُعرف به الأيدي الشداد ، فتعرف أيّما حال يقتضي كذا ... وأيّما حال يقتضي خلافه ... إلخ (1) .
وعليه فتزداد قوّة الكلام وصلابته وكذا روعة البيان وصولته كلّما ازدادت العناية بجوانبه اللفظية والمعنوية من الاعتبارات المناسبة ، ورعاية مقتضيات الأحوال والأوضاع ، وملاحظة مستدعيات المقامات المتفاوتة ، على ما فصّله القوم ، وقلّ مَن يتوفّق لذلك بالنحو الأَتمّ أو الأفضل ، بل الأكثر ، مادام الإنسان حليف النسيان ، أمّا بلوغ الأقصى والكمال الأوفى الذي حدّ الإعجاز فهو خاصّ بذي الجلال المحيط بكلّ الأحوال .
وفي ذلك يقول السكّاكي : البلاغة تتزايد إلى أن تبلغ حدّ الإعجاز ، وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه (2) ، ومنه أخذ الخطيب القزويني : وللبلاغة في الكلام طرفان ، أعلى وهو حدّ الإعجاز وما يقرب منه ، وأسفل وهو ما إذا غيّر الكلام إلى ما دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات (3) .
إذاً فالطرف الأعلى وما يقرب منه ، كلاهما حدّ الإعجاز ، على ما حدّده السكّاكي ، وبذلك يكون اختلاف مراتب آيات القرآن في الفصاحة والبيان كلّه داخلاً في حدّ الإعجاز الذي لا يبلغه البشر ، وهذا هو الصحيح على ما سنبيّن .
وبعد ، فالمتلخصّ من هذا البيان : أنّ التفاضل بين كلامينِ أو التماثل بينهما إنّما يتحقّق بهذه الاعتبارات ـ التي هي مقاييس لدرجة فضيلة الكلام ـ وهي من قبيل المعنى أكثر مِمّن كونها من قبيل اللفظ ، فليس المقصود بالتحدّي المعارضة في التشاكل اللفظي والتماثل في صورة الكلام فحسب ، كما حسبه مسيلمة الكذّاب ومَن حذا حذوه من أغبياء القوم .
______________________
1- مفتاح العلوم : ص80 ـ 81 و84 .
2- مفتاح العلوم : ص196 ـ 199 .
3- المطوّل للتفتازاني : ص31 طبعة استنبول .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|