المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



قاعدة « الخراج بالضمان»  
  
6125   08:06 صباحاً   التاريخ: 21-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص 305 – 317 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / قواعد فقهية متفرقة /

[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :  

- المراد من القاعدة‌ .

- مداركها من الروايات من طرق الأصحاب و غيرهم‌ .

- معنى «الخراج» ومعنى «الضمان» ونقد ما ذكروه في هذا الباب‌ .

قاعدة الخراج هذه القاعدة (قاعدة الخراج بالضمان) من القواعد المعروفة عند العامة ، ولم يعتمد عليها من الخاصة، إلا قليل منهم في موارد معينة، و لكن على كل حال لا بد من تحقيق مدركها عندهم، و عندنا لو كان، ثمَّ الكلام عن محتواها و ما يتفرع عليها من الفروع.

والمراد منها- على سبيل الاجمال قبل ان نبحث عن تفاصيله- انه إذا ضمن الإنسان شيئا بحكم الشرع، بحيث لو تلف، تلف من ماله، ثمَّ انتفع منه بمنافع، ثمَّ أراد رد المال الى صاحبها فيرد الأصل دون منافعه، لأنه كان ضامنا للمال فالمنافع و الخراج له في مقابل ضمانه، فكما ان الغرم عليه الغنم له.

مثال ذلك ما لو اشترى شيئا و انتفع من ثمرته أو منافعه الأخرى ثمَّ وجد بها عيبا فأراد فسخ البيع ورد العين، فهل يرد المنافع الحاصلة منها أيضا أولا؟ قد يستند الى هذه القاعدة لكونها له فإنه لو تلف قبل ذلك كان من ملكه على كلام فيه.

والذي يظهر من بعض كلمات فقهاء الجمهور انها لا تختص بباب البيوع عندهم، بل تجري في غيره أيضا، كالفتوى المعروف عن أبي حنيفة الذي ورد في رواية أبي ولاد فيمن اكترى حيوانا ثمَّ جاوز به عن الشرط، و بعد ما أراد رده الى صاحبه، طلب منه الكراء بالنسبة الى ما انتفع منه زائدا على الشرط، فاختلفا و رضيا‌ بأبي حنيفة و افتى بأنه لا يرى عليه شيئا لأن ضمانه في هذه المدة كان على المستأجر فخراجه و منافعه له! «1».

استنادا الى ما رووه من طرقهم من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قضى في بعض قضاياه بان «الخراج بالضمان».

لكن الذي يتراءى من كلمات بعض الأصحاب في الاستناد بهذه القاعدة انهم يقتصرون فيها بأبواب البيوع و ما أشبهها و إليك شطر من كلماتهم:

1- قال شيخ الطائفة في «الخلاف»: إذا حصل من البيع فائدة من نتاج أو ثمرة قبل القبض ثمَّ ظهر به عيب كان ذلك قبل العقد كان ذلك للمشتري، و به قال الشافعي، و قال المالك: الولد يرده مع الام و لا يرد الثمر مع الأصول، و قال أبو حنيفة: يسقط رد الأصل بالعيب.

ثمَّ قال: دليلنا إجماع الفرقة و روت عائشة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قضى ان الخراج بالضمان، و لم يفرق بين الكسب و الولد و الثمرة فهو على عمومه «2».

أقول: اما قول أبي حنيفة بسقوط رد الأصل بالعيب لا ينافي ما حكى عنه من قوله بعموم الخراج بالضمان كما لا يخفى.

وقال في المسألة 176: إذا اشترى جارية حاملا فولدت في ملك المشتري عبدا مملوكا ثمَّ وجد بالأم عيبا فإنه يرد الام دون الولد، و للشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني: له ان يردهما معا لأنه لا يجوز ان يفرق بين الام و ولدها فيما دون سبع سنين و الأول أصح عندهم، دليلنا عموم قوله «الخراج بالضمان» «3».

وقال في «المبسوط»: فصل في ان الخراج بالضمان، ثمَّ ذكر تحت هذا العنوان ما يلي :

إذا كان لرجل مال فيه عيب فأراد بيعه وجب عليه ان يبيّن للمشتري عيبه و لا يكتمه أو يتبرء اليه من العيوب، و الأول أحوط فان لم يبينه و اشتراه إنسان فوجد به عيبا كان المشتري بالخيار، ان شاء رضى به، و ان شاء رد بالعيب، و استرجع الثمن فان اختار فسخ البيع ورد المبيع نظر فان لم يكن حصل من جهة المبيع نماء رده، و استرجع ثمنه و ان كان حصل نماء و فائدة فلا يخلو من ان يكون كسبا من جهته أو نتاجا و ثمرة، فإن كان كسبا مثل ان يكتسب بعلمه أو تجارته أو يوهب له شي‌ء، أو يصطاد شيئا أو يحتطب أو يحتش فإنه يرد المبيع، و لا يرد الكسب بلا خلاف، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «الخراج بالضمان» فالخراج اسم للغلة و الفائدة التي يحصل من جهة المبيع، و يقال للعبد الذي ضرب عليه مقدار من الكسب في كل يوم أو في كل شهر «عبد مخارج» و قوله: «الخراج بالضمان» معناه ان الخراج لمن يكون المال يتلف من ملكه. (انتهى موضع الحاجة من كلامه) «4».

ووافق شيخ الطائفة في هذا المعنى «ابن حمزة» في الوسيلة قال فيما حكى عنه في فصل عقده للبيع الفاسد ما هذا نصه: «فاذا باع احد بيعا فاسدا و انتفع به المبتاع و لم يعلما بفاسده، ثمَّ عرفا و استرد البائع المبيع، لم يكن له استرداد ثمن ما انتفع به أو استرداد الولد ان حملت الام عنده و ولدت، لأنه لو تلف لكان من ماله و «الخراج بالضمان» (انتهى محل الحاجة).

وقد تعرض للقاعدة غير واحد من المعاصرين، وردوا الاستدلال بها، و لكن أكثر الأصحاب أهملوا ذكرها و لم يعتمدوا عليها في كتبهم.

ولعل بعض من استند الى هذه القاعدة رآها موافقة لأدلة أخرى كما في أبواب‌ العيب على ما سيأتي الإشارة اليه ان شاء اللّه، ولكن لما أرادوا المشي على مذهب المخالفين استندوا الى ما هو المقبول عندهم من رواية «الخراج بالضمان» و هذا المعنى يجري فيما نقلناه عن شيخ الطائفة في أبواب العيوب، و ان كان لا يجري فيما حكى عن ابن حمزة في الوسيلة فإنه استند إليها في البيع الفاسد.

وعلى كل حال ليست هذه القاعدة مما اشتهرت بين أصحابنا و سيأتي انها ليست مما اشتهر بين العقلاء و أهل العرف أيضا إلا في موارد خاصة بملاكات أخرى ستأتي الإشارة إليها.

مدارك القاعدة :

عمدة ما استدل به لقاعدة «الخراج بالضمان» هي ما ورد من طرق «العامة و وهي عدة روايات رووها عن عائشة كما يلي:

1- ما رواه عروة بن زبير عن عائشة ان رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قضى ان خراج العبد بضمانه «5».

2- وهناك رواية أخرى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ان رجلا اشترى عبدا فاستغله ثمَّ وجد به عيبا فرده فقال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انه قد استغل غلامي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخراج بالضمان «6».

والظاهر أنهما حكاية عن واقعة واحدة حكيت ملخصة تارة و مفصلة أخرى، و المراد من استغلال العبد انتفاعه بخدمته.

3- ما رواه أيضا عروة عن عائشة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال الخراج بالضمان «7».

وهذا الحديث عام لا يختص بالعبد و لا بخيار العيب.

ورواه بعينه في محل آخر من كتابه «8».

و رواه بعينه عن عروة عن عائشة النسائي في سننه «9».

4- ما رواه «مخلد بن خفاف» قال اتبعت غلاما فاستغللته ثمَّ ظهرت منه عليّ عيب فخاصمت فيه الى عمر بن عبد العزيز، فقضى لي برده، و قضى عليّ برد غلته، فأتيت «عروة» فأخبرته، فقال أروح اليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قضى في مثل هذا ان الخراج بالضمان فعجلت الى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة عن عائشة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عمر فما أيسر عليّ من قضاء قضيته اللّه يعلم اني لم أرد فيه الا الحق فبلغتني فيه سنة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فارد قضاء عمر، و أنفد سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فراح اليه عروة فقضى لي ان آخذ الخراج من الذي قضى به عليّ له «10».

ورواه البيهقي في سننه بطرق أخرى كلها تنتهي إلى عائشة و في طريقها عروة و في بعضها ثمَّ رواه عن شريح غير مستند الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهذه العبارة «و لك الغلة بالضمان» «11».

والظاهر انها بأجمعها حكاية لقضية واحدة، و يستفاد من ضم بعضها الى بعض انها وردت في خصوص أبواب البيع، و لكن بعض الرواة نقلوها تارة بدون ذكر المورد، فيتوهم منه العموم، و أخرى بذكر المورد.

ومن هنا يعلم ان الاستناد إليها في غير أبواب العيوب مشكل جدا.

لا يقال كون المورد خاصا لا ينافي كون القاعدة عامة على ما يلوح من قوله «الخراج بالضمان».

لأنا نقول هذا إذا كان الالف و اللام في قوله «الخراج» و «الضمان» للجنس و اما ان كان للعهد، يعني خراج الغلام المعيوب في مقابل ضمانه، لا يمكن التعدي منه الى غير أبواب العيوب، و اختصاص المورد بالعبد غير ضائر بعد ان كان إلغاء الخصوصية منه و شموله لجميع موارد بيع المعيوب.

هذا كله مع قطع النظر عن اسنادها و الا فهي ضعيفة على مختار الأصحاب، فلا يصح الاستناد إليها لإثبات هذه القاعدة كما هو ظاهر.

واما من طرق الأصحاب :

فلم يرد هذا المعنى إلا في رواية مرسلة رواها ابن أبي جمهور في «غوالي اللئالي» قال: و روى عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قضى بان الخراج بالضمان «12».

وهي أيضا كما ترى.

ولكن ورد بهذا المعنى روايات في موارد خاصة غير مشتملة على هذا العنوان و لكن يوافقه بحسب المعنى و إليك ما عثرنا عليه :

1- ما رواه إسحاق بن عمار قال حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله رجل و انا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج الى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال أبيعك داري هذه و تكون لك أحب الي من ان تكون لغيرك على ان تشترط لي ان أنا جئتك بثمنها إلى سنة ان ترد علي فقال: لا بأس بهذا ان جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه، قلت فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلة للمشتري، ألا ترى انه لو احترقت لكانت من ماله «13».

2- ما رواه معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن‌ رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاضر فشرط انك ان أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك ، فاتى بماله ، قال: له شرطه، قال أبو الجارود: فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال: هو ماله و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أرأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت ؟

تكون الدار دار المشتري «14».

3- ما رواه في دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن رجل باع داره على شرط انه ان جاء بثمنها إلى سنة ان يرد عليه، قال: لا بأس بهذا و هو على شرطه قيل فغلتها لمن تكون؟ قال: للمشتري، لأنها لو احترقت لكانت من ماله «15».

و يستفاد من جميع ذكرنا انه لا دليل على اعتبار هذه القاعدة بعنوان عام، حتى يجوز الاستدلال بها في الأبواب المختلفة من الفقه، لضعف ما روي من طرق المخالفين سندا، بل قصور دلالتها و اختصاصها بمورد خيار العيب، و ما ورد مطلقا في هذا الباب أيضا ناظر الى هذا المورد كما لا يخفى على من تأمله.

ولو استفيد من إطلاقه العموم فالظاهر ان العموم في خصوص موارد يشابه مورد خيار العيب، بان يكون ضمن شيئا بعقد صحيح ضمانا اختياريا، و انتفع بالمعقود عليه منفعة مستوفاة، فحينئذ يكون خراجه في مقابل ضمانه.

واما الروايات الخاصة التي عرفتها آنفا فهي ناظرة إلى مسألة بيع الشرط أو الرهن و سيأتي الكلام ان شاء اللّه فيها و انه موافق لقواعد أخر، و لا دخل لها بقاعدة «الخراج بالضمان».

واما بناء العقلاء فقد عرفت عدم استقراره على هذه القاعدة، بل بناؤهم‌ مستقر على خلافها في أبواب الغصب، فمن غصب دارا أو حيوانا أو شيئا آخر و انتفع بها يكون ضامنا لهذه المنافع اجمع عندهم بلا ريب.

إذا عرفت ذلك فلنعد الى تفسير القاعدة .

معنى «الخراج» و معنى «الضمان» :

قد وقع الكلام بينهم في المراد من هذين اللفظين الواردين في متن القاعدة (على القول بثبوتها) و ذكر فيه احتمالات أو أقوال، أهمها ما يلي:

1- ان المراد من «الخراج» ما هو المعروف في باب الخراج و الأراضي الخراجية، و المراد من «الضمان» هو ضمان هذه الأراضي بسبب الإجارة و التقبل! و قد جعله بعضهم أقرب الاحتمالات في الحديث و عليه لا مصاص له بما نحن بصدده «16».

2- و يقرب منه ما قيل انه يحتمل ان يكون المراد من الخراج هو الخراج المضروب على الأراضي أو الرؤس ومن الضمان ضمان والي المسلمين تدبير أمورهم و سد حاجاتهم، و جميع ما على الوالي في صلاح دولة الإسلام و حال المسلمين، فالمراد ان الخراج المعهود من الأراضي و غيرها بإزاء ما على الوالي من الوظائف على ادارة الأمور «17».

فالخراج في كلا الاحتمالين بمعنى واحد و لكن الضمان في الأول بمعنى إجارة الأرض و تقبلها، و في الثاني بمعنى ولاية أمور المسلمين و تعهد أمورهم.

هذا و لكن قلّما يستعمل الضمان في هذا المعنى كما سيأتي ان شاء اللّه.

3- ان المراد من الخراج مطلق المنافع، و المراد بالضمان مطلق العهدة، سواء كان امرا اختياريا مترتبا على العقود الصحيحة أو الفاسدة، أو كان امرا غير اختياري مترتبا على الغصب.

وهذا ينطبق على ما روي عن أبي حنيفة من عدم تضمين الغاصب بالمنافع المستوفاة نظرا الى ضمانه، وما عن «ابن حمزة» من قدماء فقهاء أصحابنا، و ان كان في النسبة إليه كلام.

4- ان يكون المراد من الخراج خصوص المنافع المستوفاة، و المراد بالضمان ما يكون في خصوص العقود الصحيحة، فحينئذ يكون المنافع المستوفاة في العقود الصحيحة في مقابل ضمان العين بالضمان الاختياري الناشئ عن عقد صحيح.

5- المراد من الخراج خصوص المنافع المستوفاة كما في سابقة، و لكن المراد بالضمان هو الضمان الاختياري، الأعم مما يحصل من العقود الصحيحة أو الفاسدة، من دون شمول مثل الغصب الذي حكمه الضمان قهرا.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان اللازم الرجوع الى معنى اللفظتين في اللغة و العرف أولا ثمَّ ملاحظة مورد الأحاديث ثانيا.

والانصاف ان شيئا من هذه المعاني لا يناسب مورد الرواية و مصدرها ما عدا القول الرابع.

توضيح ذلك: ان الرواية كما عرفت لم ترد من طرق أهل البيت و انما وردت في طرق الجمهور و منابعهم المعروفة، و اشتهر بينهم اشتهارا تاما، و لكنها اجمع تنتهي إلى عروة بن الزبير و هو يرويها عن عائشة تارة مصدرة بمسألة استغلال العبد المعيب الذي اشتراه بظن السلامة ثمَّ وجد به عيبا، و قد ذكرت مع هذا المتن في كثير من كتبهم و قد أشرنا إليها سابقا، و اخرى من دون ذكر موردها من بيع المعيب.

والظاهر لكل ناظر فيها قضية واحدة و من البعيد ان يكون الراوي سمعها تارة مع صدرها، و اخرى مطلقة، لأنها وردت عقيب سؤال واحد، سلمنا و لكن احتمال ذلك كاف في عدم إمكان الاستدلال بكل واحد كرواية مستقلة الا ان يكون ظاهر كلام الراوي صدورها مستقلة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و مع ما عرفت من كيفية نقل الرواية لا ظهور فيها من هذه الناحية، و بالجملة لم يثبت لنا تعدد الرواية و لا ظهور لها فيه حسب متفاهم العرف.

وعندئذ يكون موردها قرينة على تفسير لفظتي «الضمان» و «الخراج» فالخراج هو المنافع المستوفاة كاستغلال العبد، و الانتفاع بغلته، و المراد بالضمان هو الضمان بالعقد الصحيح، لا العقد الفاسد، و لا الضمان القهري كالغصب.

وأعجب من ذلك كله احتمال كون الخراج بمعناه المعروف في باب الأراضي الخراجية، فإنه و ان كان كذلك في تلك الأبواب و لكن ليس كذلك في محل الكلام قطعا.

وأعجب منه جعل الضمان بمعنى ضمان الحكومة لرعاية الرعية و الذب عنهم و تدبير أمورهم! فإن إطلاق الضمان على هذا المعنى بعيد جدا و قلما يستعمل هذه اللفظة في هذا المعنى في كلمات العرب.

بل المراد ان الضمان هنا هو ضمان العين الحاصل في العقود الصحيحة المعاوضية، فإنها إذا تلفت تلفت من ملك من انتقل اليه بذاك العقد في مقابل الثمن الذي أداه إلى المالك.

فكأنه صلّى اللّه عليه و آله يقول أ رأيت لو تلفت العين المعيبة تلفت من ملك المشتري؟ فكذلك إذا كان له منافع مستوفاة فهي له، بل هذا نتيجة انتقال العين اليه كما لا يخفى.

نعم لازم ذلك كون فسخ البيع فيما إذا كان معيبا من حينه، لا من أصله، كما ان لازمه عدم سقوط خيار العيب بمثل هذه التصرفات.

وورود مسئلة الرد في كلام السائل كما في الرواية الثانية لا ينافي ما ذكرناه بعد إمضاء النبي صلّى اللّه عليه و آله له على فرض صدور هذه الرواية.

نعم لا يبعد التعدي من مورد الروايات الى مطلق الخيار، فاذا جاز الرد بالخيار فانتفع منه منافع، و قلنا بعدم منع الانتفاع من الرد بالخيار، فمقتضى الرواية عدم ضمان هذه المنافع ؟

وكون خراجه بضمانه، بناء على كون الضمان على المشتري و المنتقل اليه المال في أمثال المقام فتأمل.

هذا بحسب مورد الرواية واما بحسب معناهما في اللغة، فقد قال الجوهري في الصحاح: الخرج و الخراج الاتاوة «18» و الخرج أيضا ضد الدخل، و قال في معنى الضمان: ضمن الشي‌ء بالكسر كفل به، فهو ضامن و ضمين، و ضمنه الشي‌ء تضمينا و تضمنه عنه مثل غرمه.

وقال الراغب في المفردات: و الخراج يختص في الغالب بالضريبة على الأرض و قيل العبد يؤدي خرجه اي غلته.

وقيل الخراج بالضمان اي ما يخرج من مال البائع فهو ما سقط بإزائه عنه من ضمان المبيع.

و قال الطريحي في مجمع البحرين «الخراج» بفتح المعجمة ما يحصل من غلة الأرض، و قيل يقع اسم الخراج على الضريبة والفي‌ء والجزية و الغلة.

وقال: ضمنت المال التزمته و يتعدى بالتضعيف فيقال ضمّنته المال، اي التزمته إياه، و ما عن بعض الاعلام: «الضمان» مأخوذ من الفم، غلط من جهة الاشتقاق لان نونه اصلية، و الفم لا نون فيه الى غير ذلك مما ورد في كتب أهل اللغة.

والمناسب من بين هذه المعاني بحسب مورد الرواية هو ما عرفت لا غير، اعني كون الضمان هو ضمان الحاصل من العقود الصحيحة بالثمن المعلوم و الخراج هو المنافع المستوفاة.

وعندئذ ينطبق مفاد الرواية المعروفة على ما ورد في طرقنا بغير لفظ الضمان و الخراج مثل ما مر من روايات عديدة وردت في مورد بيع الشرط، و انه إذا باع رجل داره، مثلا و شرط على المشتري انه لو جاء بثمنه إلى سنة فالدار له، و له فسخ البيع، و انه لو كان للدار غلة كثيرة كان للمشتري في مقابل انه لو تلفت العين في أثناء هذه المدة في يده كان من ملكه.

وان شئت قلت ما ورد من طرق العامة تحت عنوان الخراج بالضمان ينطبق على ما ورد من طرقنا في أبواب بيع الشرط و لا يستفاد من شي‌ء منهما قاعدة كلية.

نعم هي أوسع نطاقا مما ورد في رواياتنا لأنه يشمل جميع المنافع المستوفاة في موارد يجوز رد العين، و لو بعد الانتفاع، من دون اختصاص بباب العيب أو خيار الشرط أو غيره، و لكن ما ورد من طريق الأصحاب خاص لمورد خيار الشرط، اللهم الا ان يؤخذ بعموم التعليل الوارد في كلام الامام عليه السّلام بأنه كلما كان تلف المبيع من المشتري فالمنافع المستوفاة له أيضا فيتطابقان و لا يكون فيها شي‌ء جديد ما عدا ما هو مقتضى البيع الصحيح فان لازم صحة البيع كون المنافع للمشتري كما ان تلف العين عليه.

ثمَّ انه هل تختص القاعدة بضمان المثمن و منافعها، أو تعم ضمان الثمن و منافعها أيضا؟ فبناء على صدور هذه الجملة مستقلا عنه صلّى اللّه عليه و آله لا شك في كونها عامة لجميع موارد الضمان و الخراج، و لكن لما عرفت انها على فرض صحة الإسناد واردة ذيل بيع المعيب و ضمانه و منافعه المستوفاة يشكل الأخذ بعمومها، نعم إلغاء الخصوصية عن المثمن و شمولها بالنسبة إلى الثمن غير بعيد.

ومن هنا يظهر ان ما أورد عليها من النقض بمسألة العارية المضمونة فإن ضمانها على المستعير من دون ان يكون منافعها ملكا له، بل هي من قبيل اباحة المنافع دون التمليك، غير وارد بعد ما عرفت و كذلك غيرها من أشباهها، و حيث ان أصل القاعدة غير ثابتة فلا يهمنا البحث عن هذه الفروع.

_________________

(1) راجع الحديث 1 من باب 17 من أبواب الإجارة من المجلد 13 من الوسائل.

(2) كتاب الخلاف البيوع المسألة 174 ج 2 ص 47.

(3) كتاب الخلاف البيوع المسألة 176، ج 2 ص 47.

(4) المبسوط ج 2 كتاب البيوع ص 126.

(5) السنن لابن ماجه ج 2 كتاب التجارات الباب 43 ح 2243 754.

(6) السنن لابن ماجه ج 2 كتاب التجارات الباب 43 ح 2242 ص 754.

(7) مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 49.

(8) مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 237 من طبعة دار الصادر.

(9) سنن النسائي ج 7 ص 254 و عقد له بابا بهذا العنوان (الخراج بالضمان).

(10) السنن للبيهقي ج 5 ص 321.

(11) السنن للبيهقي ج 5 ص 322 و 321.

(12) المستدرك ج 2 أبواب الخيار الباب 7 ص 473.

(13) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 8 الحديث 1.

(14) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 8 الحديث 3.

(15) المستدرك ج 2 كتاب التجارة أبواب الخيار الباب 6 و 7 ص 473.

(16) مصباح الفقاهة ج 3 ص 133.

(17) كتاب البيع ج 1 ص 318.

(18) الاتاوة من «اتو» بمعنى «الخراج».

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.