المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

European settlement of New England
2024-03-16
معوقات استخدام الطاقة المتجددة بالوطن العربي - معوقات فنية وتقنية
23-11-2020
Blood Smear
19-1-2017
الطلاق الرجعي
23-5-2017
صانعة انفاق اوراق البن Leucoptera coffeina washon
22-5-2019
التوكيد
21-10-2014


قاعدة « الوصيّة حقّ على كلّ مسلم »  
  
1416   11:26 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج6 ص221 - 418.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / قواعد فقهية متفرقة /

ومن جملة القواعد الفقهيّة قاعدة « الوصيّة حقّ على كلّ مسلم ».

وفيها جهات من البحث :

الجهة الأولى

في مدرك هذه القاعدة‌ :

الأوّل : قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] . إلى آخر الآيات.

الثاني : الأخبار الواردة فيها ، فنقول :

منها : ما رواه محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « الوصيّة حقّ ، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه واله فينبغي للمسلم أن يوصى » (1).

ومنها : ما رواه أبو الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الوصية؟ فقال : « هي حقّ على كلّ مسلم » (2).

ومنها : أيضا عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال : « الوصيّة حقّ على‌ كلّ مسلم » (3).

ومنها : عن زيد الشحّام قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوصيّة؟ فقال : « هي حقّ على كلّ مسلم » (4).

ومنها : عن المفيد في المقنعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « الوصيّة حقّ على كلّ مسلم » (5) قال : وقال عليه السلام : « من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة » (6) قال : وقال عليه السلام : « ما ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه » (7).

قال في الوسائل : والأحاديث الواردة في أنّ رسول الله صلى الله عليه واله أوصى ، وأنّ الأئمّة : أوصوا كثيرة متواترة من طرف العامّة والخاصّة (8).

الجهة الثانية

في شرح ألفاظ هذه القاعدة ، وبيان المراد منها‌ :

فنقول : الوصية اسم من الإيصاء ، وربما يطلق على الموصى به كما في الكتاب العزيز {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فيقال : هذه وصيّته ، أي ما أوصى به كعتق عبد أو بناء مسجد أو قنطرة أو رباط أو غير ذلك من الخيرات والمبرّات ، وأنواع العبادات من الواجبات والمستحبّات.

وعرّفها في الشرائع (9) بأنّها تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة. وقريب من هذا التعريف ما ذكره غير واحد من أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم.

وقال في تعريفه في القواعد : الوصيّة تمليك عين أو منفعة بعد الموت (10). وهكذا غيرهما ، ولكن الوصيّة قسمان : تمليكيّة وعهديّة.

وهذا التعريف ينبغي أن يكون للتمليكيّة ، فأمّا الوصيّة العهديّة فهي عبارة عن أن يعهد إلى شخص أو أشخاص بفعل أمر يجوز له فعله مباشرة أو تسبيبا ، سواء كان ذلك الفعل راجحا أو مباحا بلا رجحان عليهما ، أي على الموصي والوصي ، ويسمّى ذلك الشخص أو الأشخاص بالوصيّ أو الأوصياء.

وإن كانت أركان الوصيّة التمليكيّة أربعة : الوصيّة ، والموصي ، والموصى به ، والموصى له ، وأمّا الوصيّة العهديّة فأركانها ثلاثة : الموصي ، والموصى به ، والوصيّ.

فهاهنا أمور :

الأمر الأوّل

في الوصيّة التمليكيّة‌ :

وقد عرفت أنّ أركانها أربعة :

الأوّل : الوصيّة. وقد ذكرنا أنّها اسم من الإيصاء ، وأيضا ذكرنا تعريفه. ويفتقر إلى إيجاب وقبول ، أي هو عقد وكلّ عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وإن كان قبولا فعليّا لا قوليّا.

والحاصل : أنّ عقد الوصيّة حالها حال سائر العقود العهديّة من حيث الاحتياج‌ إلى الإيجاب والقبول ، ولا فرق بينه وبين عقد الهبة إلاّ أنّ الهبة تمليك مال أو حقّ لشخص في حال حياته ، وعقد الوصيّة تمليك مال أو حقّ لشخص بعد الموت. هذا ما قاله أكثر الأساطين.

ولكن التحقيق : أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول ، لأنّه فيها تعهّد إلى إيجاد فعل متعلّق ببدنه كان يدفن في موضع كذا مثلا ، أو بماله مثل أن يحجّ عنه بماله أو يقضى عنه صلواته وصومه الفائتة أو يوقف داره الفلانيّة أو ضيعته أو يبنى مسجدا بماله وأمثال ذلك من الأعمال الراجحة.

نعم لو عيّن شخصا لتنفيذ ما عهد إليه الذي يسمّى بالوصي أو الموصى إليه يمكن أن يقال بالاحتياج إلى قبول ذلك الشخص إن اطّلع على الوصيّة في حال حياة الموصي كي يلزم عليه العمل بما أوصى إليه ، ولكن هذا لو قلنا به يكون من قبول الوصاية لا الوصيّة.

مضافا إلى أنّ الأظهر عدم لزوم قبول الوصي في حال حياة الموصي ، بل يكفي في لزوم عمله وتنفيذه الوصيّة عدم ردّه في حال حياة الموصي وإن لم يقبل ، فبالردّ تبطل لا أنّ القبول شرط.

وأمّا الوصيّة التمليكيّة : فإن كانت تمليكا للنوع ، كالوصيّة للأقارب أو العلماء والسادات والفقراء ، فهي أيضا لا يعتبر فيها القبول كالعهديّة ، والقول بلزوم قبول الحاكم عن قبلهم لا دليل عليه. وأمّا إن كانت تمليكا لشخص أو أشخاص معيّنين ، فالظاهر أنّ حصول الملكيّة لهم موقوف على قبولهم ، لوجوه :

الأوّل : الإجماع والاتّفاق من غير خلاف على أنّه من العقود ، ولا شكّ في أنّ كلّ عقد مركّب من الإيجاب والقبول ، لأنّ المعاقدة والمعاهدة بين شخصين ، فأحدهما يعاهد مع الآخر بتمليك ماله ، غاية الأمر إنّ هذا التمليك والتملّك إذا لم يكن بعوض يدخل في باب العطايا والهبات ، وقد نبّهنا أنّ الوصيّة مثل الهبة ، والفرق بينهما هو أنّ‌ الهبة تمليك في حال الحياة والوصيّة تمليك بعد الوفاة.

وإن كان بعوض يدخل في باب المعاوضات كالبيع والإجارة وغيرهما ، فكما لا ينكر أحد كون تلك المعاوضات والهبات من العقود فليكن الأمر في الوصيّة أيضا كذلك.

الثاني : أصالة عدم انتقال الموصى به إلى الموصى له مع احتمال أن يكون للقبول دخل فيه ، وأمّا ادّعاء القطع بعدم الدخل فمكابرة مع ذهاب المشهور إلى شرطيّته.

الثالث : أنّ حصول الملك القهري خلاف الأصل ، وأسبابه تعبّدا كالإرث مثلا محصورة ليس منها إيقاع الوصيّة من دون قبول الموصى له.

وأمّا ادّعاء أنّ إطلاقات الوصيّة تكفي لذلك.

ففيه : أنّ إطلاقات الوصيّة ليست بأعظم من إطلاقات سائر المعاملات ، فكما أنّ تلك الإطلاقات لا تمنع عن الاحتياج إلى القبول في تحقّق عناوين تلك المعاملات ، فكذلك الأمر في الوصيّة.

والحاصل : أنّ ادّعاء شمول إطلاقات الوصيّة ـ لإنشاء الوصيّة من قبل الموصى بدون صدور القبول من طرف الموصى له فحصول الملكية للموصى له لا يتوقّف على قبوله ـ لا أساس له ، بل هو عقد مركّب من الإيجاب والقبول لا تحصل الوصيّة بالمعنى الاسم المصدري إلاّ بعد وجود كلا ركنية ، كما أنّ البيع بالمعنى الاسم المصدري لا يوجد إلاّ بعد وجود الإيجاب والقبول جميعا.

فبناء على هذا ردّ الموصى له بعد موت الموصي قبل أن يقبل لو قلنا أنّه يبطل الوصيّة ـ كما هو الأظهر بل المتّفق عليه ـ ليس من قبيل الفسخ بحيث يكون حلاّ للعقد من حينه كما هو التحقيق في باب الفسخ ، بل يكون مانعا عن تحقّقه لفقدان أحد ركنية ، أي القبول.

فرع : وهو أنّه بعد الفراغ من أنّه عقد ويفتقر إلى الإيجاب والقبول ، فالإيجاب‌ يصحّ بكلّ لفظ من أيّ لغة دلّ دلالة صريحة واضحة على إنشاء ذلك المعنى عن قصد وإرادة ، أي تمليك مال عينا كان أو منفعة بعد الوفاة لشخص أو أشخاص ، أو لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات والفقراء والطلاّب.

وذلك من جهة أنّ الإنشاء بدون القصد ، أو القصد بدون الإنشاء لا أثر له ، فلو قال : أعطوا فلانا بعد وفاتي كذا مقدار من مالي ، أو قال : لفلان كذا مقدار من مالي بعد وفاتي فلا إشكال في صحّة مثل هذه الوصيّة في صورة وجود الشرائط المقرّرة عند الشرع للموصي من البلوغ والعقل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا لو قال : أوصيت لفلان بكذا ، بدون ذكر « بعد وفاتي » فهل يكون صريحة في الوصيّة باعتبار ظهور لفظ الوصيّة في هذا المعنى أم لا ، بل يحتاج إلى ذلك التقييد في إفادة التمليك بعد الوفاة الذي هو حقيقة الوصيّة؟

الظاهر عدم احتياجه إلى ذلك التقييد ، من جهة أنّ المناط في باب الإفادة والاستفادة وإلقاء المرادات في المحاورات هو الظهور العرفي ، لا كون المستعمل فيه معنى حقيقيّا أو مجازيّا. وهذه أمور تقرّر في الأصول في باب حجّية الظهورات.

ولا شكّ في أنّ لفظ « الوصيّة » في اللغة وإن كان بمعنى مطلق الإيصاء ، سواء كان إيصاءه بإعطاء مال أو شي‌ء آخر ، لشخص أو أشخاص آخرين أو لعنوان من العناوين ، في حال حياته أو بعد وفاته ، من ماله أو من مال من أوصى إليه أو غيرهما.

ولكن عند العرف ـ خصوصا في هذه الأزمان التي مرّ عليها مئات من السنين عن زمان تشريعها في الكتاب العزيز بقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ـ لها ظهور في هذا المعنى المذكور الذي عرّفوها به ، أي تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة ، فإذا كان كذلك فلا ينبغي المناقشة في صحّة الإيجاب ووقوعه بلفظ « أوصيت لفلان‌ بكذا » بدون قيد « بعد وفاتي » هذا بالنسبة إلى الإيجاب.

وأمّا القبول : فالظاهر ـ بناء على اعتباره كما رجّحناه ـ وقوعه بكلّ لفظ دالّ على الرضا بما أنشأ وأوجب ، بل بكلّ فعل دلّ على هذا المعنى مثل أن يتصرّف فيه نحو تصرّف الملاّك في أملاكهم.

ثمَّ إنّه تقدّم أنّ الوصيّة التمليكيّة ، تارة تتعلّق بشخص معيّن أو أشخاص معيّنين ، وأخرى تتعلّق بعنوان من العناوين. وعرفت أنّ القسم الثاني منها لا يشترط صحّتها وترتيب الأثر عليها بالقبول ، ولكن لا من جهة انعقاد الإجماع على عدم اشتراطها بالقبول ، ولا من جهة تعذّر قبول جميعهم وأنّ لزوم قبول البعض دون آخرين ترجيح بلا مرجّح ، بل من جهة أنّه لو قلنا بلزوم القبول يلزم أن يكون القبول من طرف الحاكم ولاية عليهم ، ولا دليل يلزمنا بذلك.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العقد لا يتم بدون القبول ، وفي المورد حيث أنّ القبول من الجميع لا يمكن ومن البعض ترجيح بلا مرجّح ، فإن أرادوا تتميم العقد فلا بدّ من أحد أمرين :

إمّا أن يقبل أحدهم بعنوان أنّه مصداق للطبيعة ، لا بعنوان شخصه كي يلزم الترجيح بلا مرجّح ، بل أيّ فرد من الطبيعة قبل يكفي ولكن بعنوان أنّه مصداق الطبيعة.

وإمّا الحاكم بعنوان الولاية يقبل عن قبلهم ، وإلاّ لا يقع العقد فيكون الإيجاب لغوا وبلا ثمر ، فإذا أراد أن لا يكون الإيجاب لغوا لا بدّ من مداخلة الحاكم وقبوله من طرف الطبيعة الموصى لها.

وقد شرحنا هذه المسألة في قاعدة « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (11) في مورد الوقف على العناوين العامّة بناء على احتياج الوقف إلى قبول الموقوف عليه.

فرع : لا شكّ في أنّ انتقال الموصى به إلى الموصى له بعد صدور الإيجاب عن الموصي وبعد موته‌ ، وذلك لأنّ موضوع ملكيّة الموصى له كونه مصداقا لما أنشأ ، ولا يكون مصداقا إلاّ بهذين الأمرين ، أي صدور الإيجاب عن الموصي وموته ، لأنّه لو لم يصدر الإيجاب منه فلا وصيّة في البين ، ولو لم يمت فلا موضوع في البين ، لأنّ الموصى له حسب إنشاء الموصي مالك بعد وفاته ، فتوقّف ملكيّة الموصى له على هذين الأمرين ينبغي أن يعدّ من البديهيّات.

إنّما الكلام في أنّه يملك بعد قبوله أو يملك بصرف الموت وإن لم يقبل بعد؟

قال في الشرائع : وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له ، ولا ينتقل بالموت منفردا عن القبول على الأظهر (12).

وما ذكره هو الصحيح بناء على ما ذكرنا من أنّ عقد الوصيّة التمليكيّة فيما إذا كان المنشأ هو التمليك للأفراد الخاصّة والأشخاص المعيّنة يحتاج إلى القبول ، وبدون القبول لا يتمّ العقد ، ولا شكّ في أنّ سبب التمليك والتملّك هو العقد التامّ ، فإذا فرضنا أنّ القبول جزء لما هو السبب فبدونه لا يتمّ السبب فلا يوجد المسبب ، أي ملكيّة الموصى له ، فيتوقّف على القبول لأنّه جزء السبب.

وأمّا توهّم كون القبول جزء السبب بنحو الشرط المتأخّر ، بمعنى أنّ حصول الملكيّة للموصى له حين موت الموصي مشروط بالقبول وإن كان متأخّرا عن الموت بزمان.

ففيه : ما حقّقنا في الأصول (13) من عدم صحّة الشرط المتأخّر وأنّه محال ، للزوم تأخّر الموضوع عن حكمه. وهو محاليّته أوضح من محاليّة تأخّر العلّة عن معلولها ، وذلك من جهة رجوع شروط الحكم إلى قيود موضوعه ، فإذا كان وجوب الحجّ مشروطا بالاستطاعة ، أو كان نجاسة العصير مشروطا بالغليان معناه أنّ موضوع وجوب الحجّ هو المكلّف المستطيع ، وموضوع النجاسة هو العصير المغلي.

وفيما نحن فيه موضوع ملكيّة الموصى له هو إنشاء الموصي المالك الجائز التصرّف له الملكيّة مع قبوله ، فقبوله من أجزاء موضوع الملكيّة ، فلا يعقل وجودها قبل وجود موضوعه بتمامه ، فلو لم يوجد جزءا وشرطا يسيرا منه محال أن يوجد حكمه ، وإلاّ يلزم الخلف.

وأمّا ما يقال : من أنّ ظاهر أدلّة الواردة في باب الوصيّة هو صيرورة الموصى به ملكا للموصى له بعد الموت بلا فصل ومن دون انتظار قبول الموصى له. والثمرة تظهر فيما إذا كانت للموصى به منفعة بعد الموت وقبل القبول فبناء على عدم دخل القبول تكون تلك المنفعة ملكا للموصى له ، وبناء على دخله لا بدّ وأن تكون في حكم مال الميّت بناء على عدم إمكان كون المال بلا مالك.

ففيه : أوّلا : أنّه لم تجد في الأخبار الصادرة عن الأئمّة الأطهار : في باب الوصايا ما يدلّ على انتقال الموصى به إلى الموصى له قبل قبوله وبمحض الموت ، وعلى فرض إن كان لا بدّ بالتزام أحد أمرين : إمّا تأويله وصرفه عن ظاهره ، وإمّا القول بعدم احتياج عقد الوصيّة إلى القبول مطلقا ، سواء كانت الملكيّة المنشأة متعلّقة بالعناوين العامّة ، أو كانت متعلّقة بالأفراد والأشخاص المعيّنة.

أو نقول بأنّ شرطيّة القبول من قبيل الشرط المتأخّر ، فيكون ملكيّة الموصى له للموصى به بمحض الموت ولكن مراعى بوجود القبول فيما بعد.

وما عدا الأوّل محلّ تأمّل بل نظر وإشكال.

هذا ، مضافا إلى ما تقدّم من أنّ حصول الملك القهري خلاف الأصل ، وله أسباب خاصّة ليس صرف إنشاء الموصي مع موته من أسبابها ، ولم يرد دليل على ذلك من‌ ناحية الشرع وربما ادّعى الإجماع في مسألتنا على العدم.

وممّا ذكرنا ظهر لك أنّ كلام صاحب الجواهر في هذا المقام بقوله : « لكن الإنصاف أنّه لولا دعوى الإجماع على خلافه لكان لا يخلو من قوّة » (14) ليس كما ينبغي وخال عن القوّة ، إذ عمدة مستندة في قوة هذا القول ، أي الانتقال إلى الموصى له بمحض الموت من دون الاحتياج إلى القبول ظهور أدلّة الوصيّة في ملك الموصى به للموصى له بمجرّد موت الموصي من دون الاحتياج إلى قبول الموصى له. وقد عرفت أنّه ليس هناك دليل يكون ظاهرا في هذا المعنى ، وعلى تقدير إن كان لا بدّ من تأويله ، أو الالتزام بما لا يجوز الالتزام به.

وأمّا توهّم أن يكون القبول هاهنا مثل الإجازة في باب الفضولي بناء على الكشف الحقيقي ، حيث أنّ الإجازة المتأخّرة ولو كانت بعد سنة تكشف عن الملكيّة السابقة حين العقد ، فالقبول المتأخّر عن الموت ولو كان بعد سنة يكشف عن الملكيّة السابقة أي بعد الموت بلا فصل.

ففيه : أوّلا : أنّ ما ذكر في باب الإجازة من الكشف الحقيقي هو باطل ومحال ، وقد حقّقنا المسألة في محلّها.

وثانيا : فرق واضح بين ما نحن فيه وما ذكروا هناك ، ففي هذا المقام بعد الفراغ عن لزوم القبول في عقد الوصيّة ، وأنّه بدونه غير تامّ ، وأنّه من أركان العقد مثل الإيجاب فلا يحصل الأثر قبل تماميّة الأثر ، وقع الكلام في أنّه هل تحصل ملكيّة الموصى به للموصى له بصرف الموت ، أو لا تحصل بمحض الموت منفردا بل لا بدّ من صدور القبول من الموصى له؟ وإلاّ لو قلنا بأنّ عقد الوصيّة يتمّ بصرف الإيجاب ولا يحتاج إلى القبول ، أو قلنا إنّها من الإيقاعات وليست من العقود ، فلا يبقى نزاع في البين بل تحصل بمجرّد الموت.

وأمّا في مسألة الفضولي ، فالكلام في أنّه بعد وجود العقد بجميع أركانه من الإيجاب والقبول وكونه واجدا لجميع شرائط العقد ، غاية الأمر إنّ هذا العقد صادر عن غير من هو أهل لذلك ، أي لا مالك ولا وكيل من قبله ولا ولي عليه ، فلا يشمل المالك خطاب {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]من جهة عدم انتساب العقد إليه وعدم اتصافه به ، فإذا أجاز يحصل هذا الانتساب والالتصاق ، فيتوهّم المتوهّم أنّ العقد الواقع سابقا الذي كان سببا تامّا للنقل والانتقال ولم يكن فيه نقص إلاّ الانتساب ، فإذا حصل الانتساب بواسطة الإجازة المتأخّرة يؤثّر العقد من زمان وجوده.

وهذا الكلام وإن كان باطلا ولكن في بادئ النظر يمكن أن ينخدع السامع أو الناظر ويقول بإمكانه بخلاف المقام ، فإنّ كلام من يقول بحصول الملكيّة بمجرّد الموت صريح في جواز وجود المسبّب قبل وجود السبب بتمام أجزاءه ، وهذا ممّا ينكره العقل السليم ، فالقياس ليس في محلّه وإن كان المدّعى في المقيس عليه أيضا باطل.

وخلاصة الكلام : أنّه بناء على تركّب عقد الوصيّة من الإيجاب والقبول لا يبقى مجال للقول بحصول الملكيّة بمحض موت الموصي قبل أن يقبل الموصى له.

ثمَّ إنّه بناء على ما ذكرنا من عدم انتقال الموصى به إلى الموصى له قبل الفوت بصرف موت الموصي ، فيأتي سؤال وهو أنّ ما أوصى به لمن يكون في الزمان الفاصل بين الموت والقبول؟ وأنّه هل يبقى بلا مالك أم يبقى في حكم مال الميّت هو ومنافعه؟ أم ينتقل إلى الوارث موقّتا متزلزلا ومراعى إلى أن يقبل أو يردّ ، فإن قبل ينتقل إليه ، وإن ردّ يستقرّ الملك للورثة ويخرج عن كونه وصيّة؟

ولكلّ واحد من هذه الاحتمالات الثلاث وجه.

أمّا وجه الأوّل : فلعدم صحّة الاحتمالات الآخر ، فلا يبقى إلاّ احتمال الأوّل. أمّا عدم صحّة بقائه في حكم مال الميّت لأجل عدم قابليّة الميّت لأن يكون مالكا.

وأمّا‌ عدم صحّة انتقاله إلى الورثة لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [النساء: 11] .

وأمّا وجه الثاني : أي بقاء المال في حكم مال الميّت هو عدم إمكان بقاء المال بلا مالك لما سيجي‌ء ، وعدم انتقاله إلى الورثة لما ذكرنا من الآية الشريفة ، فقهرا يبقى في حكم مال الميّت.

وأمّا وجه الثالث : ـ أي الانتقال إلى الورثة موقّتا متزلزلا ومراعى إلى أن يقبل فينتقل إلى الموصى له ، أو يردّ فيستقرّ في ملك الورثة ـ هو عدم صحّة الوجه الأوّل والثاني كما عرفت.

والأظهر من هذه الاحتمالات ـ بناء على كون قبول الموصى له جزءا للعقد والسبب ـ هو أن يبقى على حكم مال الميّت ، فإن قبل الموصى له فيما بعد ينتقل إليه حسب الوصيّة ، وإن ردّ ينتقل إلى الورثة.

وذلك من جهة أنّ انتقاله إلى الورثة وإن كان مراعى وموقّتا إلى أن يقبل خلاف أدلّة الوصيّة وخلاف الآية الشريفة ، أي قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) وكونه بلا مالك معناه أن يكون لكلّ أحد التصرّف فيه ، لأنّ المفروض عدم مالك في البين كي يكون التصرّف بدون إذنه وطيب نفسه ممنوعا ، ويكون كالمباحات الأصليّة ، فلا بدّ من القول ببقائه على حكم مال الميّت.

وله نظائر : منها : شبكة الصيد الذي ينصبه الميّت في حال حياته ، فيقع فيه الصيد بعد موته.

ومنها : الدية في الجنايات التي تردّ على الميّت.

ومنها : مئونة تجهيزه ، ومنها ما يقضي به دينه من التركة.

فرع : وقع الكلام في أنّه لا بدّ وأن يكون القبول بعد الوفاة ، أو يصحّ أن يكون في حال حياة الموصي ويتمّ به العقد؟ بعد الفراغ عن لزوم القبول في عقد الوصيّة ـ وأنّه أحد ركني العقد إلاّ فيما إذا كانت الوصيّة تمليك عنوان عامّ كالعلماء والسادات أو كانت في مصلحة المسجد أو قنطرة أو رباط ينزل فيه المسافرين والحجاج والزوّار ـ وقع الكلام في أنّه لا بدّ وأن يكون القبول بعد الوفاة ، أو يصحّ أن يكون في حال حياة الموصي ويتمّ به العقد؟

قال في الشرائع : ولو قبل قبل الوفاة وبعد الوفاة آكد وإن تأخّر القبول عن الوفاة ما لم يرد (15).

وقال في القواعد ، بعد قوله : ويفتقر إلى إيجاب وقبول بعد الموت ولا أثر له لو تقدّم (16).

وقال في جامع المقاصد في توجيه كلام العلاّمة لأنّ الإيجاب في الوصيّة إنّما تعلّق بما بعد الوفاة لأنّها تمليك بعد الموت ، فلو قبل قبل الموت لم يطابق القبول الإيجاب (17).

ولكن أنت خبير بضعف هذا التوجيه ، لأنّ القابل يقبل ما أنشأه الموجب ، فيقبل في المفروض ملكيّته بعد الموت التي أنشأها الموصي ، فزمان إنشاء القبول وإن كان في زمان حياة الموصي ولكن المنشأ بهذا القبول هو التملّك بعد الموت ، والمناط في مطابقة القبول والإيجاب هو أن يكون القبول هو قبول نفس ما أنشأه الموجب من غير زيادة ولا نقيصة.

مثلا لو أنشأ الموجب تمليك الغنم الأبيض والقابل أنشأ قبول الغنم الأسود ، فلا تطابق بين القبول والإيجاب ، لأنّه أنشأ شيئا والقابل قبل شيئا آخر ، واتّحاد زماني الإيجاب والقبول ليس شرطا في العقود ، بل دائما يكون القبول متأخّرا عن الإيجاب ، بل لا يصدق المطاوعة والقبول إلاّ بعد تحقّق الإيجاب.

ثمَّ قاس المقام بأن يبيع ما سيملكه في عدم جوازه.

أنت خبير بأنّ المقام ليس من ذلك القبيل.

أمّا أوّلا : فلأنّ المقيس عليه يمكن أن يكون باطلا من جهة النهي عن بيع ما ليس عنده ، ولا شكّ في أنّ الذي سيملكه مضافا إلى أنّه يمكن أن لا يملكه لحادث من الحوادث حال البيع لا يملكه فيصدق عليه أنّه من بيع ما ليس عنده ، بخلاف المقام فإنّه يملكه وله السلطنة على ماله ، فيملّكه بحيث ينتقل إلى الموصى له بعد وفاته ، وهذا ليس مانع شرعي ولا عقلي.

وثانيا : ليس له السلطنة على مال الغير كي يبيعه ، لأنّه لا مالك حال البيع ، ولا وكيل من قبل المالك ، ولا ولي عليه فهو أجنبي عن هذا المال.

وثالثا : حقيقة البيع هو تبديل ماله بمال الغير ، وهذا هو معنى المعاوضة عند العرف ، والذي سيملكه ليس له مال فعلا قبل أن يملكه كي يبدّل بمال الغير ، فهذا القياس ليس في محلّه.

وأمّا ما قاله من أنّ القبول إمّا كاشف أو ناقل وجزء السبب ، وكلاهما منتفيان هنا.

أمّا أنّه ليس بكاشف ، لأنّ معنى الكاشف هو تحقّق الملكيّة في مقام الثبوت قبل القبول كي يكون القبول كاشفا عنها ، وفي المقام لا يمكن ذلك من جهة أنّ الملكيّة التي أنشأها الموصي هي بعد الموت ، ففي حال الحياة لا يمكن وجودها وثبوتها ، فلا يمكن أن يكون القبول كاشفا.

وأمّا أنّه ليس بناقل ، لأنّ معنى الناقل هو أن يكون بوجوده ينتقل الملك إلى الموصى له ، وهاهنا لا يمكن انتقال المال إلى الموصى له في زمان القبول الذي هو في حال الحياة ، لأنّ الملكيّة المنشأة بعد الوفاة لا يمكن أن توجد قبلها.

ففيه : أنّ القبول جزء السبب ، والسبب عبارة عن الإيجاب والقبول ، ولكن تأثير هذا السبب مشروط بشرط وهو الموت ، بل مفاد هذا السبب هي الملكيّة بعد الموت ، فتأخّر وجود المسبّب عن السبب ليس لتخلّفه عنه ، بل مفاد السبب هي الملكيّة المتأخّرة.

وذلك كما أنّ الإجارة يصحّ أن يكون فيها زمان ملكيّة المنفعة متأخّرا عن زمان عقدها إجماعا ـ أي من زمان إيجابها وقبولها ـ فليكن في الوصيّة أيضا كذلك ، فظهر أنّه لا مانع من تأثير القبول حال الحياة في تماميّة العقد وصحّته ، وإن كان المنشأ بالعقد لا يوجد إلاّ بعد الوفاة.

ثمَّ إنّه استشكل جامع المقاصد (18) أيضا على تأثير القبول حال حياة الموصي بأنّه لو كان القبول قبل الوفاة مؤثّرا لكان ردّه أيضا مؤثّرا ، والمشهور ذهبوا إلى عدم تأثير الردّ في حال الحياة.

وفيه : أنّ تأثير القبول في حال الحياة من جهة وقوعه بعد الإيجاب وهما ركنا العقد ، فإذا وجد الركن الأوّل في محلّه وصحيحا فتصل النوبة إلى الركن الثاني أي القبول ، ويقع في محله من جهة أنّه مطاوعة ذاك الإيجاب.

وأمّا عدم تأثير الردّ من جهة أنّ الوصيّة تمليك مال أو منفعة بعد الوفاة ، فالمناط في ردّه هو الردّ في ظرف وقوع التمليك ، فإذا لم يكن تمليك في البين فلا أثر للرّد مع قبوله في ظرف التمليك.

نعم لو ردّ في حال الحياة وبقي رادّا مستمرّا إلى ما بعد الوفاة يؤثّر الردّ. والحاصل : أنّه لا ملازمة بين تأثير القبول وتأثير الردّ.

وأمّا ما أورد على تأثير القبول في حال حياة الموصي بأنّه لو كان كذلك لما كان يعتبر قبول الوارث ولا ردّه لو مات الموصى له قبل موت الموصي وقد قبل أي الموصى‌ له وذلك لأنّه لو كان الموصى له قبل الوصيّة في حال حياة الموصي وكان قبوله مؤثّرا فتصير الوصيّة ملكا للموصى له بمحض موت الموصي ، لحصول أركان العقد من الإيجاب والقبول ، والشرط ـ أي موت الموصي ـ أيضا حصل على الفرض ، فلا يحتاج الى قبول الوارث ويلزم أن لا يؤثر ردّه ، لأنّ سبب ملكيّة الوصيّة مع الشرط حصل ، فلا يحتاج إلى شي‌ء آخر.

وفيه : أنّ هذا كلام عجيب ، لأنّ الشرط حصل في وقت ليس الموصى له قابلا لأن يملك الموصى به ، لأنّ المفروض أنّه ميّت حال حصول الشرط وليس قابلا لأن يملك فينتقل إلى ورثته ، فلا يحتاج إلى قبولهم.

ومقتضى القواعد الأوّليّة هو أنّه لو قلنا بأنّ الميّت يملك ، فلو مات الموصى له في حال حياة الموصي وقد قبل فيملك الموصى به وينتقل إلى ورثته ، ولا يحتاج إلى قبولهم. وإن قلنا بأنّه لا يملك فيرجع المال بعد موت الموصي إلى ورثته لا إلى ورثة الموصي له ، سواء قبلوا أو لم يقبلوا.

لكن وردت روايات أنّ الموصى له لو مات في حياة الموصي يعطى المال ورثة الموصي بدون اشتراط قبول من طرفهم في البين ، وقد عقد بابا في الوسائل بعنوان أنّ الموصى له إذا مات قبل الموصي ولم يرجع في الوصيّة فهي لوارث الموصى له ، وفيه روايات :

منها : رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب ، فتوفّي الموصى له الذي أوصى له قبل الموصي ، قال عليه السلام : الوصيّة لوارث الذي أوصى له. قال : ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفّي الموصى له قبل الموصي فالوصيّة لوارث الذي أوصى له إلاّ أن يرجع في وصيّته قبل موته » (19) ‌.

ومنها : رواية عبّاس بن عامر قال : سألته عن رجل أوصى له بوصيّة ، فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا ، قال : « اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه » قلت : فإن لم أعلم له وليّا؟ قال : « اجهد على أن تقدر له على وليّ ، فإن لم تجد وعلم الله منك الجدّ فتصدق بها » (20).

ومنها : رواية محمّد بن عمر الباهلي الساباطي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى إليّ وأمرني أن أعطى عمّاله في كلّ سنة شيئا فمات العمّ ، فكتب : « أعط ورثته » (21).

وهذه الروايات لها إطلاق من ناحية قبول الموصى له في حياة الموصي وعدم قبوله ، بل ربما يستظهر من رواية محمّد بن قيس عدم قبول الموصى له في حال حياة الموصي لفرض المسألة فيما إذا أوصى لرجل وهو ـ أي الموصى له ـ غائب ، ففي مثل هذا المورد قضى عليه السلام بأنّ الوصيّة لوارث الموصى له إن مات هو في حياة الموصي ، وذيل الرواية مطلق من ناحية قبول الموصى له وعدم قبوله. وعلى أيّ حال مقتضى القاعدة ما ذكرنا.

فرع : لو مات الموصى له قبل أن يقبل ، فتارة يكون موته في حياة الموصي ، وأخرى بعد موته. فإن كان بعد موته ، فلا شكّ في أنّ وارثه يقوم مقامه في أنّ له القبول والردّ ، لأنّ هذا حقّ له ، وما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه ، فيكون للوارث حقّ القبول والردّ. وإنكار كون قبول الوصيّة وردّها حقّا للموصى له مكابرة ، إذ الحقّ عبارة عمّا هو مجعول شرعا رعاية لذي الحقّ ، بحيث يكون له إسقاطه أو أعماله أو عدم إعماله.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ القابلية للإسقاط خاصّة شاملة للحقّ بحيث عرّف به فيقال : الحقّ هو ما كان قابلا للإسقاط ، وهاهنا كون القبول للموصى له ليس قابلا للإسقاط ، فلو قال الموصى له : أسقط حقّ هذا ، لا يسقط. فليس مالا ولا حقّا كي يرثه الوارث. فإذا مات الموصى له يكون حال الوارث بالنسبة إلى هذه الوصيّة حال الأجانب ، وبناء على هذا يكون القبول وعدمه من الأفعال التكوينيّة التي مباح للموصى له ، وقد يعرض عليه سائر الأحكام الخمسة التكليفيّة. هذا ممّا يمكن أن يقال.

ولكن فيه نظر واضح ، لأنّ كون القبول حقّا شرعيّا أمر واضح ، فإن لم يكن قابلا للإسقاط فليست الخاصّة شاملة بحيث تشمل جميع أفراد الحقّ ، وعلى كلّ حال يقوم الوارث مقام مورّثه في إعمال هذا الحقّ فتكون الوصيّة له.

وأمّا إن كان موت الموصى له في حال حياة الموصي ، فإن قلنا إنّ حقّ القبول والردّ ثابت للموصى له حتّى في حال حياة الموصي ، فيكون الحكم مثل الصورة السابقة ، لأنّه ينقل هذا الحقّ بعد موت الموصى له إلى وارثه. وأمّا إن قلنا بأنّ قبول الموصى له في حال حياة الموصي وكذلك ردّه لا أثر له ، فيكون لغوا ، أي لا حقّ له ، فليس للإرث موضوع فيكون الوارث أجنبيا ، ولا مجال للقول بأنّه يقوم مقامه في القبول والردّ.

نعم مقتضى إطلاق رواية محمّد بن قيس المتقدّمة في الفرع السابق وروايات أخر أنّ الوصيّة للوارث ، سواء قبل الموصى له في حياته أو لم يقبل.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق تلك الروايات أنّ الوصيّة تعطي للوارث من دون الاحتياج إلى قبوله ، اللهم إلاّ أن يدّعى الإجماع على لزوم القبول من الوارث ، كما يظهر من بعض عباراتهم. وحكى في الجواهر (22) عن كشف الرموز (23) ما يقرب من ذلك.

فرع : لو ردّ الموصى له في حياة الموصي فهل تبطل الوصيّة كما لو ردّها بعد موت الموصي ، أم لا‌ فيجوز له القبول بعد الردّ كما هو المشهور؟

والعمدة في دليلهم هو أنّ محلّ القبول والردّ بعد وفاة الموصي ، لأنّ الوصيّة عبارة عن إنشاء ملكيّة مال أو منفعة للموصى له بعد وفاته ، فالإنشاء في حال حياة الموصي ولكن ظرف تحقّق المنشأ على حسب الإيجاب هو بعد وفاة الموصي ، وأمّا في حال حياته فلم يجعل له شي‌ء فلا موضوع لا للردّ ولا للقبول ، فلو ردّ في حال حياة الموصي لا يؤثّر في شي‌ء بل القبول هو الذي يقع في ظرف هو ظرف الردّ والقبول.

ولعلّ ما ذكرنا هو مراد المحقّق حيث قال في الشرائع : فإن ردّ في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته ، إذ لا حكم لذلك الرّد (24).

هذا إذا كان الردّ في حال حياة الموصي ، وأمّا إن كان ردّه بعد موت الموصي وكان ردّه هذا قبل أن يقبل ، فتبطل الوصيّة ولا يبقى موضوع للقبول فيما بعد. وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد.

والسرّ في عدم تأثير القبول بعد الردّ هو أنّ العقد والمعاهدة بين شخصين لا يمكن إلاّ بتعهّد الموجب والتزامه بما أوجب في قبال تعهّد الآخر بشي‌ء أو أمر ، وإلاّ لا يقع‌ العقد.

وهذا إذا لم يكن ردّ ولا قبول ، وأمّا إذا ردّ فلا يحتمل إبقاء العقد والعهد بينهما إلاّ إذا وقع إنشاء وإيجاب جديد كي يكون القبول قبول ذلك الإيجاب الجديد.

وأمّا إن كان ردّه بعد وفاة الموصي وبعد أن قبل بعد الوفاة الموصي وبعد قبض الوصيّة أيضا ، فمثل هذا الردّ لا أثر له ، لأنّه بالقبول والقبض بعد موت الموصي يستقرّ الملك للموصى له ، ولا يخرج إلاّ بالأسباب المخرجة شرعا كبيع أو هبة أو صلح أو غير ذلك من المخرجات.

نعم وقع الكلام فيما إذ ردّ بعد القبول بعد موت الموصي ولكن كان ردّه قبل أن يقبض الوصيّة ، بمعنى أنّ الموصى له بعد موت الموصي قبل ، ثمَّ ردّ قبل أن يقبض ، فقيل : تبطل الوصيّة ، وقيل : لا تبطل ، وهو الأظهر ، لوجوه :

أوّلا : لكونه مشهورا بين الطائفة ، بل قيل كاد أن يكون إجماعا.

وثانيا : إنّ العقد بكلا ركنية وجد وتمَّ ، ولم يكن شرط في البين غير موجود ، فالنتيجة وهو استقرار الملك للموصى له حصلت ، فلا وجه للبطلان.

وثالثا : لم يدلّ دليل من آية أو رواية أو إجماع على أنّ القبض شرط في صحّة الوصيّة.

فرع : لو ردّ الموصى له بعضا وقبل بعضا ممّا أوصى له صحّ فيما قبله وتبطل فيما ردّه‌ ، خصوصا فيما إذا كان كلّ واحد ممّا يقبل ويردّ له وجود مستقلّ غير مربوط بالآخر ، مثلا لو أوصى بداره وبستانه لشخص ، فبعد وفاته واطّلاع الموصى له قبل الدار وردّ البستان أو بالعكس ، صحّ فيما قبل وبطل فيما يردّ إعطاء لكلّ واحد منهما حقّه.

وقال في جامع المقاصد : وليست الوصيّة كالبيع ونحوه يجب فيها مطابقة القبول‌ للإيجاب ، لأنّها تبرّع محض ، فلا يتفاوت الحال فيها بين قبول الكلّ والبعض (25).

وحاصل كلامه : أنّها ليست من المعاوضات ـ كي يقال بأنّه قصد تبديل الكلّ بعوض كذا ، وأمّا تبديل مقدار منه جزءا أو كسرا مشاعا مثل نصفه أو ثلثه بمقدار من العوض فليس بمقصود أصلا ـ بل قصد تمليكه لهذا المجموع بلا عوض ، وحيث أنّ التملك قهرا وبدون قبوله ورضاه لا يمكن إلاّ بأسباب خاصّة وفي موارد مخصوصة كالإرث وغيره ، فيحتاج إلى القبول ، فأيّ مقدار منها قبل يصير ملكه ، وأيّ مقدار لم يقبل يبقى على ملك الموصي ، سواء كان ذلك المقدار الذي يقبله موجودا مستقلا غير مربوط بالآخر الذي لم يقبله ، أو كان جزءا للوصيّة أو كسرا مشاعا لها.

فلو قال : كتبي لزيد مثلا بعد وفاتي ، فقبل بعضا معيّنا منها أو كسرا مشاعا مثل النصف أو الثلث أو الربع منها ، صحّ في الكل. هذا ما ذكروه.

حتّى أنّه ذكر في جامع المقاصد في هذا المقام بعد قوله « بأنّ الوصيّة صحّ فيما قبل وبطل فيما ردّ » : ولم ينظر إلى التضرّر بالشركة لو كان الموصى به شيئا واحدا (26) فحكمهم بالصحّة فيما قبل والبطلان فيما يردّ مطلق شامل لجميع الأفراد ، سواء كان الموصى به متعدّدا أو كان شيئا واحدا ، كان قابلا للقسمة أو لم يكن كفصّ من عقيق أو من ياقوت أو من غيرهما.

ولكن الإنصاف أنّه لو كان الموصى به مركّبا من أجزاء أو من جزئين ، بحيث يكون بعض أجزائه أو أحد جزئية لو انفصل لم يبق قيمة معتدّ للباقي منها أو منهما ، مثل ما لو أوصى بساعة فقبل الموصى له بعض أجزائها التي من أركانها وردّ الباقي في الفرض الأوّل ، أو أوصى حذاء لشخص فقبل النعل الذي للرجل الأيمن مثلا وردّ الآخر في الفرض الثاني ، فالقول بصحّتها فيما قبل وبطلانها فيما ردّ لا يخلو من تأمّل بل‌ من إشكال.

فرع : لا تصحّ الوصيّة في معصية بأن يصرف المال الموصى به في الملاهي أو شرب الخمر مثلا‌ ، أو يصرفه الوصي في سائر المحرّمات مثل تأييد ظالم ومساعدته في ظلمة وكتابة كتب الضلال طبعها ونشرها ، مثل ما يسمّى الآن توراة وإنجيل ، لأنّهما حرّفا وغيرا وفيهما أشياء توجب الضلال ، وكتب البابيّة والبهائيّة ، وبعض كتب العرفاء والصوفيّة المشتملة على العقائد الفاسدة والمطالب الباطلة ، مثل ادّعاء الحلول أو الاتّحاد مع الله تعالى جلّ جلاله ، تعالى الله عمّا يدّعون ويصفون.

وخلاصة الكلام : أنّه لا تصحّ الوصيّة بفعل محرّم أو صرف ماله في أمر محرّم لوجوه :

الأوّل : الإجماع.

الثاني : أنّ تنفيذ مثل هذه الوصيّة غير مقدور ، لأنّ الممتنع شرعا مثل الممتنع عقلا ، لنهي الشارع عن العمل بمثل هذه الوصيّة.

الثالث : أنّها إعانة على الإثم ، بل هي بنفسها إثم. أمّا إنّها إعانة على الإثم لأنّ الإعانة على الإثم عبارة ، عن إيجاد مقدّمة من مقدّمات الحرام الصادر عن الغير بقصد ترتّب ذلك الحرام عليها ، ولا شكّ في أنّ هذه الوصيّة من مصاديق هذا العنوان ، إذ مقصوده منها وجود ذلك الحرام.

أمّا كونها بنفسها إثما فلأنّه لا شكّ في أنّ بذل المال في الحرام حرام وإثم وإن لم يكن بمباشرته.

الرابع : قوله تعالى {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 182] ودلالة الآية على المراد في المقام مبنى على أن يكون‌ المقصود من قوله تعالى ( أَوْ إِثْماً ) الوصيّة بالمعصية ، ويكون استثناء عن حرمة التبديل والتغيير ، أي لا يجوز تبديل الوصيّة وتغييرها إلاّ إذا كانت وصيّة بالمعصية ، فتكون الآية بناء على هذا ظاهرة في عدم جواز الوصيّة بالمعصية وفي عدم صحّتها.

ويدلّ على أنّ المراد من الآية هذا المعنى ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير هذه الآية قال عليّ بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : « إذا أوصى الرجل بوصيّة فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصية يوصى بها ، بل يمضيها على ما أوصى إلاّ أن يوصى بغير ما أمر الله فيعصي في الوصيّة ويظلم ، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضا ، فالوصي جائز له أن يردّه إلى الحقّ وهو قوله تعالى ( جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض ، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر ، فيحلّ للوصي أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك » (27).

فرع : عقد الوصيّة جائز من طرف الموصي ، سواء كانت الوصيّة بمال أو كانت عهديّة‌ مثل أن يجعل شخصا وليّا وقيّما على صغاره ، أو يوصي بدفنه في مكان كذا وأمثال ذلك من الوصايا ، فللموصي الرجوع في وصيّته متى شاء وما دام حيّا.

والدليل عليه : أنّ الموصي ما دام حيّا لا ينتقل المال إلى الموصى إليه وإن قلنا بجواز القبول في حال حياة الموصي وقد تقدّم هذه المسألة ، فالمال ماله ولم يخرج عن تحت سلطنته والناس مسلّطون على أموالهم.

وأصالة اللزوم في العقود لا تشمله ، إمّا لأنّ محلّ القبول بعد موت الموصي وقبله لا قبول فلا عقد ، وإمّا لأنّه وإن كان عقدا ويصحّ من الموصى له القبول ولكن هو خارج عن تحت تلك القاعدة بالإجماع ، أو بورود روايات تدلّ على جواز رجوع‌ الموصي في وصيته ما دام فيه الروح ، في صحّة كان أو مرض.

منها : رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنّ المدبّر من الثلث ، وأنّ للرجل أن ينقض وصيّته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت » (28).

ومنها : رواية يونس عن بعض أصحابه قال : قال عليّ بن الحسين عليه السلام : « للرجل أن يغيّر وصيّته فيعتق من كان أمر بملكه ويملك من كان أمر بعتقه ، ويعطي من كان حرمه ، ويحرم من كان أعطاه ما لم يمت » (29).

وفي الوسائل أنّ الصدوق روى هذه الرواية إلاّ أنّه زاد في آخره : « ما لم يكن رجع عنه » (30).

منها : رواية عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « للموصي أن يرجع في وصيّة إن كان في صحّة أو مرض (31) وروايات أخر (32).

وبعد الفراغ عن أنّها عقد جائز من طرف الموصي وله أن يرجع فيه ما دام حيّا ، يتحقّق الرجوع بالقول وبالفعل.

فالأوّل : أمّا قول الصريح في الرجوع كقوله :

رجعت في الوصيّة الفلانيّة أو نقضتها أو فسختها ، أو يقول : لا تعطوا فلانا ما أوصيت له به ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي صريحة في نقض وصيّته وفسخها.

وإمّا ما يكون له ظهور عرفي في الرجوع ولو بتوسّط القرينة مثل أن يقول للدلاّل : اجعله في معرض البيع.

والثاني : إمّا بفعل ما يخرجه عن ملكه إمّا شرعا ، كنقله بأحد النواقل الشرعيّة إلى الغير ، مثل أن يبيع العين الموصى بها أو يهبها أو يصالح عليها أو يقرضها أو يخرجها عن ملكه بأن يعتقها أو يوقفها ، ففي جميع ذلك لا يبقى محلّ ومجال لكونها وصيّة ، لأنّ الوصيّة عبارة عن كون المال الموصى به باقيا تحت سلطنته وفي ملكه إلى زمان الموت ، ثمَّ بالموت منضمّا إلى قبول الموصى له يصير ملكا له فلو نقل إلى غيره شرعا أو وقع عليه التلف بإتلاف أو تلف سماوي لا يمكن بقاؤه وصية.

وخلاصة الكلام : أنّ عقد الوصيّة جائز من طرفه ، فله الرجوع ما دام فيه الروح ، سواء كان بالقول أو بالفعل. وإذا كان بالقول لا بدّ وأن يكون له ظهور عرفي في الرجوع وإن كان بواسطة القرينة ، وذلك لحجّية الظهورات في الكشف عن المراد.

وأمّا إن كان بالفعل ، فتارة بإعدام الموضوع حقيقة وهو إمّا بإتلاف تكوينا أو بنقله بأحد النواقل شرعا إلى غيره ، وأخرى جعله في معرض البيع وإن لم يبع فعلا ولكن وضعه في السوق في دكّانه كسائر الأجناس التي في معرض البيع ، وثالثة يكتب إعلان ويعلق أنّ الدار الفلانيّة في معرض البيع وقد كان أوصى بها لشخص.

ثمَّ إنّ الرجوع تارة يكون في أصل الوصيّة ، وأخرى في بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاّ أم بعضا مثل إن كانت وصيّته أن يعطى داره لولده الأكبر مثلا ، فغيّر الموصى به وجعله بستانه أو دكّانه مثلا ، هذا في تبديل الكلّ.

وأمّا تبديل البعض بأن كانت وصيته إعطاء كتبه لولده الفلاني مطبوعا ومخطوطا ، ثمَّ يغيّر ويستثنى المخطوط ويجعل بدله ألبسته أو فراشه.

وأمّا التبديل في الموصى له فهو أن يجعل أوّلا ولده الأكبر مثلا ، ثمَّ لجهة من الجهات يبدّله بولده الآخر أو شخصا أجنبيا.

وأمّا التبديل في الوصي ، مثل أن جعل زيدا وصيّة ثمَّ يبدو له ويجعله عمروا ، أو يشرك عمرا معه بعد إن كان مستقلا ومنفردا. وكلّ ذلك جائز له ، لأنّها عقد جائز من طرفه وله السلطنة على ماله.

وأمّا التبديل في وليّ أطفاله وصغاره ، مثل أن يجعل أوّلا زيدا وليّا عليهم ، ثمَّ يبدو له ويبدّل ويجعله عمروا ، أو يشركه مع زيد في الولاية.

والحاصل : أنّ الموصي إلى آخر لحظة من حياته له السلطنة التامّة على وصيّته ، من حيث ما اوصى به ، ومن أوصى له ، ومن أوصى إليه ، فله التغيير والتبديل في جميع ذلك أصلا أو زيادة أو نقيصة.

بقي شي‌ء : وهو أنّه في بعض الموارد صار محلا للشكّ في أنّه رجوع أم لا؟

أمّا حكم الشكّ لو استقرّ ولم يوجد دليل على أنّه رجوع أو ليس برجوع فاستصحاب عدم تحقّق الرجوع وبقاء الوصيّة.

وأمّا موارد الشكّ ، فمنها : لو تصرّف في الموصى به تصرّفا أخرجه عن مسمّاه ، كما لو أوصى بطعام لزيد فطحنه ، أو بدقيق فعجنه أو خبزه ، فربما يقال ببطلان الوصيّة وصدق الرجوع عليه ، لأنّه من قبيل إعدام الموضوع ولم يبق موضوع لما أوصى به.

ولكن يمكن أن يقال : إذا تعلّقت بالطعام الخارجي والدقيق كذلك ، فالموضوع لما أوصى هذا الجسم الخارجي من حيث أنّه غذاء للموصى له ولعياله ، فطحنه ربما يكون أفيد بالنسبة إلى هذه النتيجة والغرض ، فكأنّه إحسان آخر إلى الموصى له ، وتغيّر الاسم من كونه حنطة إلى كونه دقيقا وكذلك من كونه دقيقا إلى كونه عجينا أو خبزا لا يضرّ بكونه وصيّة.

نعم لو كان هناك قرينة على رجوعه بهذا الفعل عن وصيّة ، فلا بأس بالقول به ، لما‌ قلنا من حجّية الظهورات والمتفاهم العرفي ولو كان بتوسّط القرائن الحاليّة أو المقاليّة. مثلا لو كان الموصي خبّازا ومرض ، فأوصى بإعطاء الحنطة الموجودة عنده لولده أو لأخيه ، فبرء وطحنه ثمَّ قبل أن يخبزه مات فجأة ، فالإنصاف أنّ فعله في هذا الفرض ظاهر في الرجوع ، كما أنّه لو قال : اطحنوه ولكن هناك قرائن على أنّه يريد بذلك الفعل مساعدة أخيه الضعيف لكي يسهل عليه الأمر ، فيدلّ هذا على بقاء الوصيّة وعدم الرجوع.

الأمر الثاني

في الموصي :‌

فرع : يعتبر في الموصي البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والرشد ، والحرّية‌ ، لاعتبار هذه الأمور في جميع المعاملات إجماعا ، مضافا إلى أدلّة أخرى مذكورة في كتاب البيع.

أمّا البلوغ : فلأنّ الصبي غير البالغ مسلوب العبارة ، فلا اعتبار بإنشائه كسائر معاملاته ، سواء كانت من المعاوضات أو كانت من الهبات والعطايا.

نعم وردت روايات في صحّة وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا وإن لم يحتلم ، وفي بعضها صحّة وصيّته وإن لم يدرك ومطلق من حيث مقدار السنّ ، وفي بعضها صحّة وصيّته إن بلغ سبع سنين ، ولكن أكثر الروايات الواردة في هذا الباب تقيّد صحّة وصية الغلام ببلوغه عشر سنين.

فمنها : رواية محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام ، ولم يجز للغرباء » (33).

وهذه الرواية تدلّ على صحّة وصيّة غير البالغ مطلقا ، سواء بلغ عشرا أو لم يبلغ ، ولكن مقيّد من حيث الموصى له بأن يكون لذوي الأرحام ولا يكون للغرباء.

ومنها : رواية أبي بصير ـ يعني المرادي ـ عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته » (34). وهذه الرواية قيّد صحّة وصيته بأمور : بلوغه عشرا ، وكون وصيّته في حقّ ، أي لا يكون في الباطل والمحرّمات ، وأيضا يكون وصيته بثلث ماله لا أزيد.

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته » (35).

ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز » (36).

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته » (37).

ومنها : رواية أبي بصير وأبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين‌ يوصى؟ قال : « إذا أصاب موضع الوصيّة جازت » (38).

ومنها : رواية حسن بن راشد عن مولانا العسكري عليه السلام : « إذا بلغ الغلام ثماني سنين ، فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمَّ للجارية سبع سنين فكذلك » (39).

والرواية الأخيرة ظاهرة في حصول البلوغ للذكر بثمانية وللأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأمور ، سواء كانت في المعاملات والمعاوضات أو من العبادات بل مطلق الفرائض ، أو كانت من الحدود فتجري في حقّهما.

ولا شكّ في أنّ بلوغ الذكر بثمانية والأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأحكام الشرعيّة في المعاملات والفرائض والحدود مخالف لإجماع المسلمين بل لضرورة من الدين ، فهذه الرواية شاذّة لم يعمل بها أحد فيجب أن يطرح. وكذلك ذيل رواية أبي بصير المتقدّم « وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته » لم يعمل به ، فهو مطروح.

وأمّا سائر الروايات الواردة في هذا الباب وان كان بعضها مطلقة ، كرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال عليه السلام في ذيله : « وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته » ولكن لا بدّ من تقييدها بما إذا كانت وصيّته في وجوه المعروف والبرّ ، ولعلّ هذا هو المراد من قوله عليه السلام : « أو أوصى على حدّ معروف وحقّ ».

وكذلك لا بدّ من تقييدها بما إذا كان عاقلا بصيرا ، ولعلّ هذا هو المراد بقوله عليه السلام في رواية أبي بصير وأبي أيّوب : « إذا أصاب موضع الوصيّة جازت ».

فالمتحصل من مجموع هذه الروايات بعد إرجاع مطلقاتها إلى مقيّداتها هو صحّة‌ وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا في وجوه البرّ والمعروف إذا كان عاقلا وبصيرا ، وهذا المعنى بعد طرح رواية حسن بن راشد ، لإعراض الأصحاب بل المسلمين عنها ، مضافا إلى ضعف سندها ومخالفتها للأخبار الصحيحة الصريحة ، وبعد طرح رواية أبي بصير التي تقدّمت وكان مفادها جواز وصيّة ابن سبع سنين إذا كان أوصى بالمال اليسير في حقّ ، لشذوذها ومخالفتها للإجماع.

وقال في المسالك : وابن إدريس ; سدّ الباب واشتراط في جواز الوصيّة البلوغ كغيرها (40) ، ونسبه الشهيد في الدروس إلى التفرّد بذلك ، ثمَّ قال : ولا ريب أنّ قوله هو الأنسب ، لأنّ هذه الروايات التي دلّت على الحكم وإن كان بعضها صحيحة إلاّ أنّها مختلفة بحيث لا يمكن الجمع بينها ، فإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل (41).

ولكن الإنصاف أنّ إنكار مثل هذا الحكم الذي هو مشهور بين الأصحاب ـ بل في الغنية (42) دعوى الإجماع عليه مع وجود هذه الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة ـ وعدم الاعتناء بهذه الأخبار والأقوال أشكل.

مضافا إلى ما تقدّم منّا من إمكان الجمع العرفي بسهولة.

وقال في جامع المقاصد بعد إقراره بأنّ الروايات الدالّة على جواز وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا كثيرة : والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز (43).

ويردّه ما تقدّم ذكره ، والله العالم.

فرع : لو جرح الموصي نفسه عمدا بما فيه هلاكها ، أي نوى قتل نفسه فأوجد السبب ، سواء كان بالجرح بآلة قتّالة أو بشرب السمّ أو غير ذلك ، لم تصحّ وصيّته إذا كانت في ماله. وأمّا إذا كانت في غير ماله كتجهيزه ودفنه في موضع كذا ، فالظاهر صحّته ، لصحيحة أبي ولاّد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها ». قلت له : أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمَّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته؟ قال : فقال عليه السلام : « إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيّته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيته » (44).

فهذه الصحيحة لها دلالة واضحة على من أوجد سبب قتله متعمّدا لأجل أن يموت ، ويسمّى في عرف هذا العصر بالانتحار ، ثمَّ بعد ذلك أوصى وصيّة بشي‌ء من ماله لم تقبل وصيّته.

وأمّا لو أوصى أوّلا ثمَّ أوجد سبب قتله ، تجاز وصيّته في ثلثه. وهذه الكلمة الأخيرة ـ أي ثلث ماله ـ تدلّ أنّ محلّ النفي والإثبات هو المال لا أمور الأخر.

وأيضا استدلّ بعضهم على عدم نفوذ وصيّة من قتل نفسه في الماليّات بأنّه سفيه ، والسفيه محجور لا يجوز له أن يتصرّف في أمواله.

أمّا أنّه سفيه ، فلأنّ إتلاف المال بلا مصلحة يكشف عن السفه ، وإتلاف النفس عصيانا ـ لا فيما إذا كان راجحا كما في باب الجهاد ـ أولى بأن يكشف عنه السفه.

وأمّا أنّ السفه يوجب المنع من تصرّفات السفيه في أمواله ومحجور ممنوع ، فهذا دليله وتحقيقه في كتاب الحجر مذكور مفّصلا.

هذا هو المشهور بين الأصحاب وجوّز ابن إدريس (45) وصيّته إذا كان عقله ثابتا ، واحتجّ بأنّه عاقل رشيد فينفذ وصيّته كغيره ، وبعموم النهي عن تبديل الوصيّة.

وقال العلاّمة في المختلف : لا بأس بالذهاب إلى قول ابن إدريس حيث قال : ولو قيل بالقبول مع تيقّن رشده كان وجها وأجاب عن الاحتجاج بالرواية بحملها على عدم استقرار الحياة ، بمعنى أنّ عدم القبول في الرواية فيما إذا كانت حياته بواسطة الجرح أو شرب السمّ أو نحوهما غير مستقرّة (46) ‌.

وأنت خبير بأن لازمه أنّ المريض إن صارت حياته غير مستقرّة فلا تنفذ وصيّته ، ولا يمكن القول بذلك مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا الكلام غير صحيح في حدّ نفسه ، لأنّ هذا الجريح غير المستقرّ حياته عاقل بالغ رشيد ، فتكون وصيّته مشمولة للأدلّة الدالّة على وجوب تنفيذ الوصيّة التي منها قوله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] ولم يفرق بين مستقرّ الحياة وغيره ، وتخصيص هذا العامّ يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

وربما يقال : إنّ غير مستقرّ الحياة في حكم الميّت ، فلا يجري في حقّه الأحكام الجارية على الأحياء ، ويقاس بعدم ورود التذكية على الحيوان غير مستقرّ الحياة.

وفيه : أنّ كون الحيّ في حكم الميّت يحتاج إلى دليل ، وفي المقام لا دليل عليه.

والحاصل : أنّ كلمات هؤلاء الأساطين ـ مع وجود رواية صحيحة صريحة في عدم جواز وصيّة من قتل نفسه إذا كان متعمّدا في إيجاد سبب موته لكي يموت ، وكان إيجاد سبب موته قبل أن يوصى ـ اجتهادات في مقابل النصّ الصحيح الصريح المعمول به عند الأصحاب والمشهور بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع. ومثل هذا مخالف‌ لأصولنا التي يجب العمل عليها.

فرع : لا تجوز الوصيّة لغير الأب والجدّ من طرف الأب‌ بأن يجعل القيّم والوليّ على الأطفال بعد موته. أمّا الأب والجدّ من قبله فيجوز لهما ذلك ، وذلك من جهة ثبوت ولايتهما عليهم حال حياتهما بنحو يشمل جميع التصرّفات التي لها مدخليّة في إصلاح شؤونهم من الماليّات وغيرها حال حياتهما وحال مماتهما.

وإن شئت قلت : إنّ المستفاد من الأخبار المستفيضة وسائر الأدلّة أنّ لهما التصرّف في جميع شؤونهما الصالحة لهم ، سواء كانت تلك الأمور صالحة لهم في حال حياة الأب والجدّ أو في حال مماتهما.

ولا شكّ في أنّ نصب القيّم الثقة لإصلاح أمورهم وتدبير شؤونهم بعد موتهما من التصرّفات الصالحة لهم ، فلذلك يصحّ للأب والجدّ من طرف الأب الوصيّة بذلك وتكون نافذة.

فقوله صلى الله عليه واله : « أنت ومالك لأبيك » (47) وأمثال ذلك من الروايات والأحاديث تدلّ على أنّ للأب والجدّ من طرف الأب الولاية والسلطنة على صغارهم وأطفالهم ، فلهما نصب القيّم الواحد أو الأكثر بالاستقلال أو بالاشتراك على صغارهما بعد موتهما ، ويجوز أيضا لهما جعل الناظر على ذلك القيّم الذي جعلاه ، كلّ ذلك لأجل الولاية التي لهما عليهم ، وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد.

وأمّا الأمّ فلا تصحّ الوصيّة منها بالولاية عليهم بأن تجعل قيّما على أولادها الصغار ، لأنّه لا ولاية لها عليهم لعدم الدليل على ذلك ، إذ لا شكّ أنّ مقتضى الأصل الأوّلي عدم ولاية أحد على مال غيره وكذلك على نفس غيره ، والخروج عن هذا الأصل ليس إلاّ بالدليل ، ولا دليل على ولايتها عليهم ، بل الدليل على خلافه.

وأمّا الحاكم الشرعي وإن كان له الولاية على مطلق القاصرين الذين ليس لهم وليّ من الأب والجدّ من طرف الأب لأنّه وليّ من لا وليّ له من باب الحسبيّات ـ أي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها ـ وليس عن قبل الشارع من عيّن لتصدّيها ، فمثل هذه الأمور هو القدر المتيقّن أنّ تصدّيها وظيفة الحكّام والفقهاء ، بحيث لو لم يكن مجتهد مطلق عادل في البين تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.

لكن كلّ ذلك من وظائفه حال حياته ، وأمّا بعد مماته يكون وظيفة سائر مصاديق هذه الطبيعة ، أي طبيعة مجتهد المطلق العادل.

فبناء على هذا ليست له الوصيّة بالولاية بأن يقول : اجعلوا فلانا قيّما على أطفال فلان بعد مماتي ، لعدم ولايته عليهم بعد مماته ، لرجوع أمرهم بعد موته إلى غيره من المجتهدين والحكّام.

وأيضا ما قلنا من أنّ للأب والجدّ من قبله الوصيّة بالولاية على صغارهما ، هذا يكون لكلّ واحد منهما مع فقد الآخر ، وإلاّ فمع وجود الآخر لا تصحّ ، لأنّه مع وجود الآخر يكون هو الوليّ منفردا أو بالاستقلال ، ولا يجوز مزاحمته من قبل أحد.

نعم الولاية المطلقة على الأموال والأنفس بحيث ينفذ حكمه على كلّ أحد هو للنبيّ صلى الله عليه واله وأولاده الطاهرين المعصومين. وما قلنا من أنّ مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على مال الغير أو نفسه وإن كان صحيحا ، ولكن خرج من تحت هذا الأصل بالأدلّة القطعيّة تصرّفات النبي صلى الله عليه واله والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

قال الله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب: 36] ‌ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وقال النبيّ صلى الله عليه واله كما في رواية أيّوب بن عطيّة : « أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه ».

وقال صلى الله عليه واله يوم غدير خم : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » قالوا : بلى ، قال : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » (48).

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري بعد ما ذكر الأدلّة على أنّ النبي صلى الله عليه واله والأئمّة المعصومون لهم الولاية المطلقة على جميع الأموال والأنفس وفي جميع الأمور. والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهّم من أنّ وجوب إطاعته صلى الله عليه واله وإطاعة الإمام عليه السلام مختصّ بالأوامر الشرعيّة ، وأنّه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفيّة وسلطنته على الأموال والأنفس. وبالجملة فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع والتأمّل أنّ للإمام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل الله تعالى وأنّ تصرّفهم نافذ على الرعيّة ماض مطلقا (49).

وما أفاده كلام صحيح لا غبار عليه ، فبناء عليه للإمام عليه السلام التصرّفات في أموال الصغار وفي أنفسهم مع وجود الأب والجدّ من قبل الأب.

وفي تحقيق مسألة الولاية وأقسامها ، من التكوينيّة والتشريعيّة ، والمطلقة والمقيّدة ، والكليّة والجزئيّة محلّ آخر حققناها فيه ، والله هو العالم بحقائق الأمور.

الأمر الثالث

في الموصى به‌ :

وهو إمّا عين أو منفعة ، وعلى كلّ واحد من التقديرين يعتبر في الوصيّة التمليكيّة‌ أن يكون مملوكا ، إذ عرّفنا الوصيّة بأنّها تمليك عين أو مال أو منفعة بعد الوفاة ، وإذا لم يكن ملكا لا يمكن تمليكه أو يكون حقّا قابلا للانتقال كحقّ التحجير ونحوه ، لا مثل حقّ القذف ونحوه مما لا يقبل الانتقال.

ولا فرق في المال بين كونه عينا أو منفعة أو دينا في ذمّة الغير ، وفي العين بين كونها موجودة فعلا أو ممّا سيوجد ويكون متوقّع الوجود ، كالوصيّة بما تحمله الدابّة والجارية ، أو تمر الشجرة في المستقبل.

فرع : لا بدّ أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة‌ كي تكون مالا شرعا ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر إلاّ أن تكون قابلة للتحليل ، أو ينتفع بها في غير الشرب ، ولا بالخنزير ولا بآلات اللهو والقمار إلاّ إذا كان ينتفع بها إذا كسرت ، ولا بالحشرات ولا بكلب الهراش. وأمّا منافع المحرّمة أو المحلّلة غير المقصودة للعقلاء فلا اعتبار بهما ، وهي في حكم العدم.

فرع : يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملا سائغا‌ ، فلا تصحّ الوصيّة بمعونة الظالمين ، وقطّاع الطريق ، وعمارة الكنائس ، ونسخ كتب الضلال وطبعها ونشرها. وخلاصة الكلام أنّ الوصيّة العهديّة لا بدّ وأن تكون بفعل غير محرّم ، وأن لا يكون صرف المال فيه عبثا وسفاهة. أمّا ما يكون محرّما ومبغوضا عند الشارع فوجهه واضح ، لأنّ الشارع لا يحثّ على أمر يغضبه ، فأدلّة الوصيّة منصرفة عنه. وأمّا ما هو عبث وسفاهة فأيضا منفور عنده.

فرع : يشترط في الوصيّة أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث التركة‌ ، فإن كان زائدا بطلت إلاّ إذا أجاز الوارث ، وإذا أجاز بعض الورثة ولم يجز البعض نفذت في حصّة البعض المجيز دون البعض الذي لم يجز ، وإذا أجازوا في بعض الموصى به دون‌ البعض صحّ فيما أجازوا وبطلت في البعض الآخر بلا خلاف بينهم ، بل الحكم إجماعي.

والنصوص الدالّة على هذا مستفيضة أو متواترة :

منها : مكاتبة أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّ درّة بنت مقاتل توفّيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع ، وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله؟ قال : فكتب عليه السلام بخطّه : « ليس يجب لها في تركتها إلاّ الثلث ، وإن تفضّلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله ». (50) ‌

ومنها : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيّته وكان أكثر من الثلث؟ قال عليه السلام : « يمضى عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي » (51).

ومنها : ما رواه عليّ بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال : « ما يعتق منه إلاّ ثلث وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (52).

ومنها : ما عن الحسين بن محمّد الرازي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : الرجل‌ يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ ، وبأكثر من الثلث ، هل يجوز له ذلك وكيف يصنع الوصي؟ فكتب عليه السلام : « تجاز وصيّته ما لم يتعدّ الثلث » (53).

ومنها : ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إن أعتق رجل عند موته خادما له ثمَّ أوصى بوصية أخرى ألقيت الوصيّة وأعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة » (54).

ومنها : ما رواه عبّاس بن معروف قال : كان لمحمّد بن الحسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له « ميمون » فحضره الموت ، فأوصى إلى أبي العبّاس الفضل بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن أجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام وترك أهلا حاملا وإخوة قد دخلوا في الإسلام وأمّا مجوسيّة قال : ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمّد بن الحسن. إلى أن قال : وأوصلتها إليه عليه السلام ، فأمره أن يعزل منها الثلث فدفعها إليه ويردّ الباقي إلى وصيّه يردّها على ورثته (55).

والأخبار بهذا المضمون كثيرة ذكرنا شطرا منها ، وظهورها في أنّ الوصيّة لا تنفذ في أزيد من ثلث تركته إلاّ بإجازة الورثة غنيّ عن البيان.

ونسب الخلاف في هذه المسألة إلى عليّ بن بابويه (56) وأنّ الوصيّة تنفذ مطلقا وإن أوصى بجميع ماله ، أجاز الوارث أم لم يجز ، مستندا إلى ما رواه عمّار بن موسى‌ الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إذا أوصى به كلّه فهو جائز » (57).

ولكن هذه الرواية وما يقرب منها من حيث المضمون لا تقاوم الروايات المتقدّمة التي يمكن ادّعاء التواتر فيها.

مضافا إلى عمل الأصحاب بها وإعراضهم من هذه الطائفة حتّى ادّعى بعضهم الإجماع بقسميه على ما هو ظاهر الطائفة الأولى ، أي عدم نفوذ الوصيّة في الزائد على الثلث إلاّ بإجازة الوارث.

ووجّهوا كلام عليّ بن بابويه بما لا ينافي المشهور بل المجمع عليه ، فلا يكون مخالف في المسألة أصلا.

والتوجيه المذكور في الجواهر (58) عبارة عن أنّ مراده وجوب صرف المال الموصى به بجميعه على حسب ما أوصى ، من حيث وجوب العمل بالوصيّة ، وحرمة تبديلها بنصّ الكتاب والسنّة حتّى يعلم فسادها وبطلانها ولو بالجور على الوارث وإرادة حرمانه من التركة الذي هو أحد أسباب بطلان الوصيّة.

ففي كلّ مورد احتملنا صحّة الوصيّة وإن كان لاحتمال أن يكون لموصى إليه دين عليه ، يجب على الوصي إنفاذ تلك الوصيّة وإن كانت بجميع ماله ، عملا بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة كتابا وسنّة حتّى يعلم أنّها وقعت تبرّعا فيكون مقدار الزائد على الثلث موقوفا على إجازة الوارث.

وحكى في الجواهر عن صاحب الرياض أنّ هذا التوجيه وإن لم يكن ظاهرا من عبارة عليّ بن بابويه فلا أقلّ من مساواة احتماله لما فهموه من كلامه ، فنسبة‌ الخلاف إليه ليس في محلّه (59).

وعلى كلّ حال ، سواء كانت هذه التوجيهات لكلام ابن بابويه صحيحة أو غير صحيحة ، لا يضرّ مخالفته بالحكم المجمع عليه الذي كان مفاد الروايات المتواترة.

كما أنّ ورود بعض الروايات الأخر ـ كرواية عمّار بن موسى الساباطي المتقدّمة ، ورواية محمّد بن عبدوس قال : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمّد عليه السلام ، فكتبت إليه : رجل أوصى إليّ بجميع ما خلف لك ، وخلف ابنتي أخت له فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : « بع ما خلف وابعث به إليّ » فبعت وبعثت به إليه ، فكتب إليّ : « قد وصل » (60) وبعض الروايات الأخر ـ لا تقاوم ما ذكرناه من الروايات الكثيرة المجمع عليها ، مع إعراض الأصحاب عن هذه الطائفة.

فرع : لو أجاز الوارث في حال حياة الموصي فيما زاد على الثلث هل تؤثّر تلك الإجازة‌ ، أو لا بدّ وأن تكون بعد الوفاة؟

المشهور أنّ إجازة الوارث في حال الحياة موجبة لنفوذ ما زاد على الثلث ، ولا يجوز للوارث ردّه بعد وفاة الموصي ويكون ملزما بتلك الإجازة.

والدليل عليه :

أوّلا : الأخبار الواردة في هذا الباب المعمول بها عند الأصحاب‌ المؤيّدة بعمومات وإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة وعدم جواز تبديلها ، والقدر المتيقّن الخارج عن تحت تلك الإطلاقات هو في الوصيّة الزائدة على الثلث مع عدم صدور الإجازة من الوارث‌ مطلقا ، لا في حال حياة الموصي ولا في ما بعد وفاته. أمّا في غير هذا فيشملها العمومات والإطلاقات.

ومن تلك الأخبار ما رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال عليه السلام : « ليس لهم ذلك والوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته » (61) وعن جماعة من أفاضل المحدثين بطرق مختلفة مثله (62).

ومنها : ما رواه منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بوصيّة أكثر من الثلث وورثته شهود فأجازوا ذلك له ، قال : « جائز » (63).

وثانيا : تعليق النفوذ ـ إذا كانت الوصيّة زائدة على الثلث ـ على إجازة الورثة إنّما هو لمراعاة حقّ الورثة‌ ، ولا فرق في سقوط حقّهم بالإجازة بين أن تكون الإجازة في حال حياة الموصي أو بعد مماته.

وفيه : أنّ الفرق بينهما في كمال الوضوح ، فإنّه في حياة الموصي الورثة ليس لهم علاقة بما أوصى من التركة وهم والأجانب في ذلك سواء إلاّ في صدق قضيّة شرطيّة وهي أنّه على تقدير موته هم يرثون ، وأمّا بعد موته فالتركة ملك لهم ولذلك لو اعترفوا بعد وفاة الموصي أنّ هذا المال لزيد مثلا يعطى لزيد ، وأمّا في حال الحياة هذا الاعتراف لا يسمع منهم ولا يؤثّر في شي‌ء.

وثالثا : بأنّ الموصى به إمّا يكون للموصي لو برأ ، وإمّا للورثة لو مات. فإن كان للموصي فقد أعطاه للموصى له بالوصيّة ، وإن كان للورثة فقد أعطوه بالإجازة.

وفيه : أنّه لا شكّ في أنّ المال للموصي ما دام روحه في جسده ولم يخرج ، فالكلام في أنّ إجازة الورثة قبل أن يملكوا لها أثر أم لا؟

والظاهر أنّه لو لا هذه الأخبار كان مقتضى القواعد الأوّلية عدم تأثير إجازتهم في حال حياة الموصي ، لعدم ارتباط المال بهم في ذلك الوقت إلاّ بنحو القضيّة الشرطيّة التي لم يوجد شرطه ، مثل أن يقول : لو عقد على فلانة ـ مع اجتماع الشرائط المقرّرة في كتاب النكاح لصحّة العقد ولترتّب الأثر عليه ـ كانت تلك زوجة له ، ومن المعلوم أنّه مع عدم العقد لا ارتباط شرعا بينهما.

ورابعا : أنّ التعليق على الموت في الوصيّة ليس في الإنشاء‌ ، بل الإنشاء حاصل حال الوصيّة فعلا والمعلّق هي الملكيّة المنشأة بهذا الإنشاء ، فإنشاء الوصيّة قابل للقبول ولو قبل موته.

فكما أنّ القبول في العقود قبل حصول المنشأ بالإيجاب ـ إذ الملكيّة في البيع لا تحصل إلاّ بالقبول واجتماع الشرائط المعتبرة في الموجب والقابل والعوضين ، والزوجيّة كذلك لا تحصل إلاّ بعد قبول الزوج ، ولا ينافي ذلك قابليّة الإيجاب للقبول ، بل لا يعقل غير ذلك وإلاّ لا يحتاج إلى القبول أصلا ـ فكذلك في المقام وإن كان قبل موت الموصي لا تحصل ملكيّة الموصى به لا للموصى له ولا للورثة ، ولكن إنشاء الملكيّة للموصى له وجد ، وكذلك المنشأ بذلك الإنشاء.

غاية الأمر المنشأ هي الملكيّة المتأخّرة ، أي بعد وفاته ، فهذه الملكيّة المتأخّرة عن موته حيث أنّه أوجدها الموصي في عالم الاعتبار ، والإنشاء قابلة للإجازة والردّ فإن قلنا بأنّ ردّها لا أثر له فلدليل شرعي لا لعدم إمكانه ، فمقتضى القاعدة تأثير الإجازة لو لا دليل على عدم تأثيره ، وحيث لا دليل على عدم تأثيره فتؤثّر ، فلو لم تكن هذه‌ الروايات لكنّا نقول أيضا بأنّه ليس لهم الردّ بعد الإجازة في حال الحياة ، لعدم الفرق بين الإجازة في حال الحياة وبعد الوفاة فيما هو المناط.

وفيه : أنّ الفرق هو أنّ الإجازة بعد الوفاة تكون في حال لو لم تكن وصيّة في البين لكان ملكا لهم ، فإجازتهم في ذلك الوقت تشبه إجازة المالك لمعاملة الفضولي ، ولذلك مقتضى القاعدة هو النقل لا الكشف ، فكان إجازة الوارث هي متمّم عقد الوصيّة ، مثل إجازة المرتهن للراهن بيع العين المرهونة ، إذ له حقّ المنع وحقّ الإمضاء ، وكذلك الوارث له حقّ الردّ وحقّ الإجازة.

هذا إذا كان بعد الوفاة ، وأمّا في حال الحياة فالملك طلق للمورث ، ولا حقّ للوارث فيه أصلا كي يجيز ، فإجازته في ذلك الوقت كإجازة الأجنبي لا أثر له ، وليس البحث في أنّ إجازة الوارث هل لها متعلّق في حال الحياة أم لا كي تأتي هذه الكلمات.

فالإنصاف أنّه لو لم يكن ما ذكرنا من الروايات لكان مقتضى القاعدة عدم تأثير الإجازة في حال الحياة خصوصا فيما إذا ردّ أوّل زمان الموت ، لكنّ الروايات صحيحة صريحة وقد عمل بها الأصحاب ، فلا يبقى مجال للشكّ في الحكم أي في أنّ الإجازة في حال الحياة تؤثّر وليس للوارث الردّ بعد ذلك. ولا فرق في هذا الحكم بين وقوع الوصيّة في حال مرض الموصي وحال صحّته ، ولا بين كون الوارث غنيا أو فقيرا ، كما قال بعض ، وذلك لإطلاق الروايات.

فرع : وهو أنّه هل إجازة الوارث بعد الوفاة هبة للموصى له أو تنفيذ للوصية؟ وبعبارة أخرى : الموصى له يتلقّى الملك من الموصي أو من الوارث؟ إذ لا يمكن أن بكون هبة إلاّ بأن يقال : إنّ الموصى به ينتقل بسبب الإرث إلى الوارث ثمَّ بالإجازة ينتقل إلى الموصى له ، فيكون نقل الملك من الوارث إلى الموصى له مجّانا وبلا عوض ، وهذا معناه أنّه هبة من الوارث إلى الموصى له ، فلا بدّ وأن يجري فيها أحكام الهبة‌ من اشتراط صحّتها إلى قبض الموصى له ، وسائر أحكام الهبة من جواز رجوع الوارث الواهب إلى عين الموهوبة لو لم يكن الموصى له من ذوي الأرحام ، وغير ذلك من الأحكام.

والتحقيق في هذا الفرع موقوف على أنّ المقدار الزائد على الثلث هل ينتقل بالموت إلى الوارث ، ثمَّ منه بواسطة الإجازة ينتقل إلى الموصى له ، فيكون ابتداء هبة يقينا ، أم لا ينتقل إلى الوارث أصلا بل ينتقل إلى الموصى له ، غاية الأمر للإجازة دخل في هذا الانتقال وبدونها لا ينتقل ، لأنّه للوارث حقّ الإجازة والردّ؟

وبعبارة أخرى : يتلقّى الموصى له الملك عن الموصي ، والإجازة من قبيل إذن المرتهن في بيع الرهن إعمال حقّ من قبل المرتهن ، وإلاّ فالمشتري يتلقّى الملك من نفس البائع الراهن ، فبناء على هذا ليست بهبة يقينا ، لأنّ الموصى به ينتقل من الموصي إلى الموصى له ، والإجازة تكون تنفيذا لفعل الموصي ، لا أنّها ابتداء هبة وعطيّة من المجيز.

ثمَّ بعد وضوح هذه المقدمة ، فالظاهر من أدلّة الوصيّة كتابا وسنّة أنّ مقدار الوصيّة لا تنتقل إلى الوارث ، غاية الأمر إذا كانت زائدة على ثلث التركة انتقال الزائد إلى الموصى له مشروط بإجازة الوارث ، وللوارث حقّ الإجازة والردّ ، فإذا أجاز تكون إجازته تنفيذا لفعل الموصي ، لا انّ إجازته ابتداء هبة وعطيّة من قبله كما توهّمه بعض المخالفين ، وإلاّ فالحكم عندنا إجماعيّ ولم يخالفه أحد منّا فيه.

وها هنا تكلّموا كثيرا في أنّ المستفاد من أدلّة الوصيّة وأدلّة الإرث ـ أيّ واحد من الأمرين ـ هل هو انتقال المال إلى الورثة بعد الموت أوّلا ثمَّ بالإجازة تنتقل إلى الموصى له ، أو ابتداء ينتقل إلى الموصى له بشرط الإجازة؟

والأدلّة من الطرفين لكلّ واحد من القولين لا يخلو من نظر وإشكال ، ولكنّ الظاهر تخصيص أدلّة الإرث بأدلّة الوصيّة كما تقدّم منّا.

وأيضا تكلّموا كثيرا في الثمرات التي تترتّب على كلّ واحد من القولين ، مثلا لو قلنا بأنّ الإجازة تنفيذ لفعل الموصي ، فالنماء بعد الموت وقبل الإجازة للموصى له. وأمّا إن قلنا بأنّ الإجازة هبة وعطيّة من الوارث ، فالنماء فيما بين الإجازة وموت الموصي للوارث ، لأنّ المال ملكه فيكون له منفعته ونماؤه.

فلو أوصى له شاة ومات وفرضنا أنّه زائد على الثلث ، فحليبها وصوفها فيما بين موت الموصي وإجازة الوارث للوارث ، وهكذا في سائر الموارد. وكذلك الأمر في النفقة إذا كان الموصى به حيوانا ، فبناء على الأوّل ـ أي كون الإجازة تنفيذا لما فعله الموصي ـ فالنفقة بعد الموت إلى زمان الإجازة على الموصى له ، وبناء على القول الثاني ـ أي كون الإجازة هبة ـ فالنفقة على الوارث.

فرع : ويعتبر الثلث ـ الذي إذا كانت الوصيّة أزيد منه يفتقر إلى إجازة الوارث أن يكون بذلك المقدار ولا يكون أزيد منه ـ حال الوفاة لا حال الوصيّة ، فلو كانت وصيّته في زمان الوصيّة أقلّ من الثلث أو مساويا معه ولكن في زمان الوفاة صار أزيد فالاعتبار بحال الوفاة ، ويحتاج إلى إجازة الوارث في مقدار الزيادة. وبالعكس لو كان ما أوصى به حال الوصاية أزيد من الثلث ولكن صار فيما بعد حال الوفاة أقلّ من الثلث بواسطة زيادة ثروته لكثرة أرباحه في معاملاته فلا يحتاج إلى الإجازة ، فالمدار في كون الموصى به لا يزيد على الثلث وإلاّ يفتقر إلى الإجازة هو الثلث حال الوفاة ، لا حال الإيصاء.

ووجهه : أنّ مفاد الروايات التي قدّر الوصيّة التي لا يحتاج إلى الإجازة بأن لا يكون أزيد عن الثلث هو أن لا يكون أزيد من ثلث ما ترك ، وهذا العنوان لا يصدق إلاّ على الثلث حال الوفاة.

فقوله عليه السلام في رواية أحمد بن إسحاق المتقدّم « ليس يجب لها في تركتها إلاّ‌ الثلث » أي الثلث من تركتها ، ولا يصدق الثلث من التركة إلاّ على الثلث حال الوفاة ، لا على ثلث ماله في أيّ وقت من الأوقات.

وأيضا لأنّ حال الوفاة وقت تعلّق الوصيّة بالمال واستقرار الملك للوارث والموصى له ، لا حال الوصيّة ، ولذلك لو عاش الموصي زمانا طويلا بعد الوصيّة يكون جميع المال ملكا طلقا له لا يستحقّ الوارث شيئا منه ولا الموصى له ، فزمان استحقاقهما هو بعد الوفاة ، فلا بدّ وأن يكون التقدير بذلك اللحاظ وباعتبار زمان الاستحقاق وهو زمان الوفاة.

واستشكل في المسالك تبعا لجامع المقاصد على إطلاق هذه العبارة وقال : وهو يتمّ على إطلاقه مع كون الموصى به قدرا معيّنا كعين أو مائة درهم مثلا أو بجزء من التركة مع كونه حالة الموت أقلّ من زمان الوصيّة أو مساويا ، لأنّ تبرّعه بالحصّة المذكورة زائدة يقتضي رضاه بها ناقصة بطريق أولى ، أمّا لو انعكس أشكل اعتبار وقت الوفاة للشكّ في قصد الزائد وربما دلّت القرائن على عدم إرادته على تقدير زيادته كثيرا حيث لا يكون الزيادة متوقّعة غالبا (64).

وفيه : أنّ ظهور الألفاظ حجّة في تشخيص المراد واستكشافه حتّى وإن ظنّ بالخلاف ، نعم لو علم بأنّ الظاهر ليس بمراد فيسقط عن الحجيّة ، لأنّ حجّية كلّ أمارة مقيّدة بعدم العلم بالخلاف ، بل ومع العلم بمؤدّاه ، لأنّ حجّية العلم ذاتيّة ، فلا يبقى محلّ لجعل الحجيّة مع العلم بمؤداه.

ولزوم القصد إلى التمليك في مقام التمليك وإن كان من المعلوم ، ولكن ظهور لفظه في أنّ مراده ما يكون اللفظ ظاهرا فيه يكون أمارة على أنّ مراده ومقصوده هو ما يكون اللفظ ظاهرا فيه. واحتمال أن لا يكون مراده ما هو ظاهر اللفظ ملغى في نظر‌ الشارع ولا يعتنى به.

نعم لو حصل العلم ولو كان بتوسّط القرائن بأنّ ما هو ظاهر اللفظ ليس بمراد ، فالظاهر ليس بحجّة. وأمّا الشكّ في أنّه هل قصد تمليك الزيادة المتجدّدة أم لا ، لا يضرّ بلزوم الأخذ بما هو ظاهر اللفظ واستكشاف القصد من ذلك الظاهر.

فهذا الإشكال الذي أورده المحقّقان في جامع المقاصد (65) والمسالك على إطلاق عبارة الشرائع (66) والقواعد (67) يمكن الجواب عنه بما ذكرناه.

وفي المسالك أشار إلى ما ذكرنا بقوله : ووجه إطلاق المصنّف وغيره اعتبار حال الوفاة الشامل لذلك النظر إطلاق اللفظ الشامل ذلك (68).

فرع : لو أوصى لرجل بثلث ماله أو بربعه أو بكسر آخر ثمَّ قتله قاتل خطأ أو جرحه جارح كذلك‌ ، فوصيّته ماضية من ماله منضمّا إليه دينه وأرش جراحته. والمقصود أنّ دية المقتول خطاء أو عمدا إن صالحوا مع القاتل بالدية تكون جزء المال في مقام إخراج الثلث أو الربع أو غير ذلك ، ولا يكون مخرج الثلث أو الربع أو غيرهما من الكسور الذي أوصى بها المال الذي كان يملكه قبل وقوع الجناية فقط ، بل المال الذي يملكه بعد الوصيّة من دية قتله أو أرش جراحته أيضا داخل في مجموع الكسر الذي أوصى به ، فيخرج الثلث من المجموع.

مثلا لو كان ماله قبل ورود الجناية عليه ثلاثة آلاف دينار ، وبعد أن قتل خطأ زاد عليه ألف دينار من قبل ديته ، وهو أوصى بربع ماله ، فيخرج الربع من مجموع ماله وديته ، أي من أربعة آلاف دينارا ، فيعطى للموصى له ألف دينار.

والدليل عليه الأخبار :

منها : رواية محمّد بن قيس قال : قلت له : رجل أوصى لرجل بوصيّة من ماله ثلث أو ربع ، فيقتل الرجل خطأ يعنى الموصي؟ فقال : « يجاز لهذا الوصيّة من ماله ومن ديته » (69).

ومنها : رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين : من أوصى بثلثه ثمَّ قتل خطأ ، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته » (70).

ومنها : أيضا رواية أخرى عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسماّة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثمَّ قتل بعد ذلك الموصي فودي ، فقضى في وصيّته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى ».

وهذه الروايات صريحة في دلالتها على أنّ ما يملكه بعد الموت داخل في ما أوصى به. وبعبارة أخرى : يحسب الثلث أو الربع أو ما هو أقلّ أو أكثر من ذلك من مجموع ما كان يملكه قبل الموت وما يملكه بعد الموت بواسطة ديته أو غير ذلك.

ولا فرق بين ما يملكه الموصي بعد الموت بواسطة دية قتل الخطأ ، أو بواسطة قتل العمد بعد صلح الورثة مع القاتل بأخذ الدية ، وإن كان الحكم أوّلا أنّ للورثة حقّ القصاص ، ولكن بعد ما صالحوا مع القاتل بالدية تكون الدية عوضا عن نفس المجني عليه فهو أحقّ بها ، فإذا كان الإنسان يملك عوض ماله فهو أولى بأن يملك عوض‌ نفسه ، بأن يكون في حكم ماله يصرف في ما هو من شؤونه ، من أداء ديونه والعمل بوصاياه.

هذا بناء على أنّ اعتبار الملكيّة للميّت لا معنى له لعدم مساعدة العرف والعقلاء ، وأمّا لو قلنا بأنّه يملك حقيقة فلا إشكال وتكون كسائر أمواله.

وأمّا الإشكال عليه بأنّه يملك الدية بعد الوفاة والموت ، لأنّ الموت علّة أو موضوع لها ، فتكون ملكيّته لها أو كونها في حكم ماله متأخّرة عن الوفاة ، فلا تشملها أدلّة أنّ الوفاء بالوصيّة من الثلث عند الوفاة ، والدية ليست من ملكه عند الوفاة ومقارنة لها بل بعدها.

فليس بشي‌ء لأنّ هذا التأخّر رتبيّ لا زماني ، بل لا يمكن أن يكون ، وإلاّ يلزم إمّا انفكاك المعلول عن العلّة زمانا ، وإمّا انفكاك الحكم عن الموضوع ، وكلاهما محالان.

هذا ، مضافا إلى النصوص الواردة في المقام من عدم الفرق بين دية الخطأ ودية العمد بإطلاقها أو بالتصريح.

منها : رواية يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن عليه السلام في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا ، فأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال : « نعم ». قلت : هو لم يترك شيئا ، قال : « إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه » (71).

ومنها : خبر عبد الحميد : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل قتل وعليه دين ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : « نعم ». قلت : وهو لم يترك شيئا ، قال : « إنّما إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين » (72).

وهاتان الروايتان ظاهر في عدم الفرق بين دية العمد والخطاء بالإطلاق.

وأمّا ما يدلّ على الصراحة فهو خبر عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : قلت : فإنّه قتل عمدا وصالح أوليائه قاتله على الدية ، فعلى من الدين على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال : « بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياؤه ، فإنّه أحقّ بديته من غيره » (73).

فهذا الخبر نصّ في أنّ دية قتل العمد أيضا تصرّف في أداء ديونه والعمل بوصاياه.

وأمّا القول بأنّ المجعول ابتداء في قتل العمد هو حقّ القصاص للوارث ، غاية الأمر أنّه للوارث أن يصالح حقّه هذا مع القاتل بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر لا أنّ المجعول هي الدية أو حقّ الاقتصاص كي لو اختار الدية يكون ما يأخذ دية ويكون عوض نفس المجني عليه ، فيدخل في ملك الميّت أو يكون بحكم ماله فيؤدّي منها ديونه.

فمن قبيل الاجتهاد مقابل النصّ الصريح الصحيح المعمول به عند الأصحاب ، فلا ينبغي الاعتناء إلى أمثال هذه الكلمات ، ولذلك ادّعى بعضهم الإجماع على عدم الفرق بين الدية في قتل الخطاء أو في قتل العمد بعد مصالحة الورثة حقّ اقتصاصهم بمقدار الدية وأخذهم الدية عن القاتل ، خصوصا مع تعبيره عليه السلام « بأنّه أحقّ بديته من غيره ».

فرع : لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن يكون الربح بينه وبين ورثته نصفان صحّ‌ ، وربما يشترط كونه قدر الثلث أو أقلّ. هذا هو فتوى المشهور من أصحابنا.

والأصل فيه رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم؟ فقال عليه السلام : « لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حيّ » (74).

وأيضا رواية محمّد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن خالد بن بكير الطويل قال : دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بنيّ اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان ، فقدّمتني أمّ ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى فقالت : إنّ هذا يأكل أموال ولدي. قال : فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقال لي ابن أبي ليلى إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه ثمَّ أشهد عليّ بن أبي ليلى أنّ أنا حرّكته فأنا له ضامن فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ثمَّ قلت له : ما ترى؟ فقال عليه السلام : « أمّا قول ابن أبي ليلى فلا استطيع ردّه ، وأمّا فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ فليس عليك ضمان » (75).

ثمَّ إنّ ظاهر هاتين الروايتين الحكم بصحّة الوصيّة بالمضاربة وعدم الضمان للعامل لو خسرت المعاملة ، وأيضا مقتضى الظاهر في كلتا الروايتين كون الأولاد صغارا.

أمّا رواية محمّد بن مسلم فظهورها في كون الأولاد صغارا فمن أجل قول محمّد بن مسلم أنّه سأل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، فإنّ الوصيّة بولده إلى رجل لا يصحّ إلاّ أن يكونوا صغارا ، وظاهر الرواية أنّها وصية صحيحة.

وأمّا رواية خالد بن بكير فصرّح فيها بذلك في قول أبيه له « يا بنيّ اقبض مال‌ إخوتك الصغار واعمل به » ومعلوم أنّ للأب جعل القيّم لولده الصغار بعد موته كي يدبّر أمورهم وشؤونهم ، وأيضا له أن يجعل أجرة له بإزاء عمله بما يرى من صلاحهم ، فإذا رأى من صلاحهم أن يجعل من يعمل في أموالهم بالمضاربة فله أن يوصى بذلك إلى رجل أمين عنده ويعيّن حصّته من الربح أجر عمله ، ولا إشكال في ذلك وفي فتوى المشهور بصحّة مثل هذه الوصيّة. وهذا إذا كان فتواهم في مورد الروايتين أو الوصية بالمضاربة في مال أولاده الصغار.

وأمّا الظاهر من بعض العبائر هو صحّة الوصيّة بالمضاربة على ورثته مطلقا ، كانوا بالغين أم صغارا ، كالعنوان الذي ذكرنا في أوّل هذا الفرع تبعا للشرائع (76) وهو قولنا : لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن يكون الربح بينه وبين ورثته نصفان صحّ.

ولا شكّ في أنّ إطلاق الورثة يشمل الصغير والكبير ، وأيضا يشمل ما إذا كان ما عيّنه عن حصّة العامل ، أي نصف الربح أزيد من الثلث ، أو أقلّ ، أو المساوي.

ثمَّ إنّه ربما يأتي إشكال : وهو أنّه لو كانت الورثة كبارا فليس للموصي أن يوصي بالمضاربة في أموالهم ، خصوصا إذا كانت مدّة المضاربة كثيرة ، مثل خمسين سنة والربح الذي يعود إليهم قليل ، فيرجع المضاربة حينئذ إلى منعهم عن التصرّف في ملكهم مدّة طويلة إذا أوصى بتلك المدّة وقلنا بوجوب إنفاذ تلك الوصيّة لقوله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181] .

ولكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال : بأن الوصيّة يمكن أن تكون صحيحة وتكون مشروطة بإجازة المالك إن كانت الورثة كبارا ، فإذا أجازوا فلا يأتي كلا الإشكالين ، لأنّها بإذنهم ، غاية الأمر في صورة بلوغ الوارث تكون الوصيّة مثل سائر‌ المعاملات الفضوليّة ، فيحتاج إلى إجازة المالك.

وأمّا إذا كانوا صغارا ، فله الولاية عليهم وجعل القيّم عليهم ، وأن يفعل كذا وكذا.

وأمّا الإشكال على إطلاق العبارة بأنّها تشمل ما إذا كانت حصّة العامل أزيد من الثلث فتكون الوصيّة باطلة فيما زاد ، إلاّ أن تكون بإجازة الوارث.

ففيه : أوّلا : أنّ الربح ليس ممّا ترك ، بل هو نتيجة سعي العامل ، وإلاّ فالمال الذي تركه الميّت باق إمّا عينا أو ما يقابله من ثمنه ، ولم يتلف منه شي‌ء مع وجود الربح ، وإلاّ يكون فرض الخسران لا الربح. وأمّا مع عدم وجود الربح فلا يأتي هذا الإشكال أصلا ، لأنّه حينئذ لا حصّة للعامل كي يقال حصّته أزيد من الثلث ، فلا يرد إشكال على كلا التقديرين ، سواء كان هناك ربح أو لم يكن ، وسواء كان على تقدير وجوده أزيد من الثلث أو لم يكن.

وثانيا : أنّ الربح يحدث على ملك العامل ، بمعنى أنّه على فرض صحّة المضاربة حصّة العامل من أوّل حدوثه يكون حدوثه على ملك العامل ، لا أنّه يحدث على ملك الموصي المورث ، أو يحدث على ملك الورثة ثمَّ تنتقل إلى العامل ، فليست من تركة الميت كي لا تنفذ في أزيد من الثلث.

وقال في جامع المقاصد (77) ما مفاده : أنّه يلزم من فساد هذه المضاربة عدم فسادها ، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال. وبيّن هذا المطلب : أنّ فسادها على تقدير ثبوته إنّما يكون لتفويت ما زاد على الثلث من التركة تبرّعا ، وذلك إنّما يكون على تقدير أن يكون حصّة العامل أزيد من أجرة المثل بزيادة على الثلث ، وأن تكون ذلك من نماء مال التركة إذا صحّت المضاربة ليكون الشراء نافذا ، فإذا فسدت المضاربة لم ينفذ الشراء فلم يتحقّق الربح ، فانتفى التصرّف في الزائد على الثلث ، فانتفى المقتضي للفساد ، فوجب الحكم بالصحّة. ومتى أدّى فرض الفساد إلى عدمه كان‌ فرضه محالا.

وقال ابن إدريس (78) ببطلان هذه الوصيّة لأنّه وصيّة بالباطل ، ووافق ابن أبي ليلى حيث قال لخالد بن بكير الطويل بعد ما سمع منه ما أوصاه أبوه من المضاربة والعمل في مال إخوته الصغار وأخذ نصف الربح لنفسه وإعطاء النصف الآخر لإخوته : إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه.

ووجه البطلان بأنّ الوصيّة لا تنفذ إلاّ في ثلث المال قبل موته ، والربح تجدد بعد موته ولم يكن له وجود قبل موته ، فكيف تنفذ وصيّة دخوله فيه.

وفيه : أنّ منافع ما يملكه الميّت قبل موته تصحّ الوصيّة فيها مع أنّها توجد بعد موته ، فلا يعتبر في صحّة الوصيّة وجود الموصى به قبل الموت ، بل الوصيّة تنفذ في ثلث ما يملكه الميّت ، سواء كان وجوده قبل موت الموصي أو كان من منافع ما يملكه وإن كان وجود تلك المنافع بعد موته ، فهي باعتبار أنّها تابعة لما كان يملكه قبل موته يصحّ الوصيّة فيها وإن كان حدوثها في ملك الوارث إذا وجدت بعد موت المورث.

وبعبارة أخرى : حينما كانت الأعيان في ملك الموصي وكان حيّا كانت تلك المنافع متوقّعة الوجود ، فلذلك تحسب من أمواله وتدخل في ثلثه ، خصوصا إذا كانت من قبيل الأثمار للأشجار أو الحمل للدابّة.

ولذلك لم يشكل أحد في جواز الوصيّة بهما وأمثالهما فكلام ابن إدريس وابن أبي ليلى لا أساس لهما ، فالروايتان ليستا مخالفتان للقواعد الأوّليّة في باب الوصيّة وقد عمل بهما الأصحاب ، فلا إشكال في حجّيتهما ولزوم العمل بهما ، أي في مورد الوصيّة بالمضاربة في أموال أولاده الصغار.

وأمّا إذا كانت الورثة كبارا وبالغين ، أيضا لا مانع من صحّة الوصيّة. نعم تكون من قبيل المعاملة الفضوليّة فتكون موقوفا على الإجازة ، من جهة أنّ المال بعد الموت‌ ملك للورثة البالغين ، وليست للمورّث الموصي ولاية عليهم.

إن قلت : إنّ له الوصيّة والتصرّف بمقدار الثلث من ماله وإن كانت ورثته من الكبار والبالغين ، وفي الزائد موقوف نفوذها على الإجازة.

قلنا : أوّلا أنّ المورد ليس عن ذلك القبيل بأن يملّك مقدارا من ماله للموصى له وصيّة تمليكيّة كي تكون نافذة في مقدار الثلث وفي الزائد تكون موقوفا على الإجازة ، بل إيصاء للوصي أن يضارب بهذه الكيفيّة ، وإن كانت الورثة صغارا لا يحتاج إلى إجازتهم ، لأنّ وليّهم أذن وأجاز.

وأمّا إن كانوا كبارا فليس لأحد التصرّف والتجارة في أموالهم إلاّ بإذنهم وإجازتهم ، فليست وصيّته للعامل المضارب كي تكون نافذة في مقدار الثلث ، بل يكون أذن في التجارة والعمل بإزاء نصف الربح.

وثانيا : تقدّم أنّ الربح ليس من أموال الميّت كي يكون بمقدار الثلث نافذا غير محتاج إلى الإجازة ، فإن لم يكن أذن الأب بالتجارة في أموال أولاده وصيّة بمقدار من ماله فلا مجال لأن يقال بالنفوذ في مقدار الثلث أو أقلّ ، سواء كانوا صغارا أو كبارا بل إذا كانوا صغارا يؤثّر إذنه مطلقا ، وإذا كانوا كبارا لا أثر لإذنه ويكون من قبيل الفضولي ليس للوصي التصرّف مطلقا إلاّ بإجازتهم.

فرع : لو أوصى بواجب وغيره ، فإن وسع الثلث عمل بالجميع‌ ، وإن قصر ولم يجز الورثة بدأ بالواجب من الأصل وكان الباقي من الثلث ، ويبدأ بالأوّل فالأوّل ، ولو كان الكلّ غير واجب بدأ بالأوّل فالأوّل حتّى يستوفي الثلث.

أقول : الواجب قسمان : ماليّ وبدنيّ. والواجب المالي تارة مالي محض كالزكاة والخمس والكفارات الماليّة ، لا مثل الصوم شهرين متتابعين في بعض الكفارات أو عشرة أيّام أو ثلاثة أيّام أو غير ذلك في البعض الآخر. والكفّارات الماليّة كعتق رقبة‌ أو الطعام ستّين مسكينا أو إعطاء مدّ من الطعام وأمثال ذلك. وأخرى : ماليّ مشوب بالبدن كالحجّ الواجب.

وأمّا الواجب البدني فهو مثل الصلاة والصوم وغيرهما ممّا ليس المطلوب فيها صرف المال ، بل المطلوب فيها الأعمال البدنيّة.

أمّا القسم الأوّل لو أوصى به يخرج من أصل المال ، بل يخرج من أصل المال وإن لم يوص به ، لأنّها في الحقيقة ديون تعلّقت بماله في حياته ويجب أداؤها والإرث فيما سواها وبعد أدائها.

وأمّا القسم الثاني فلا يخرج من أصل المال بل يخرج من الثلث ، لعدم وجوب إخراجها من تركة الميّت إلاّ إذا أوصى بها ، فتكون كالوصايا التبرعيّة لا تنفذ بدون إجازة الورثة إلاّ في الثلث.

فبناء على هذا لو كان الواجب الذي ذكرنا في العنوان واجبا ماليّا وأوصى به مع ما ليس بواجب أصلا ، فمقتضى القواعد الأوّليّة وإطلاقات أدلّة وجوب العمل بالوصيّة وإنفاذها في الثلث فقط إلاّ مع إجازة الورثة أنّه يجب العمل بالجميع إن وسّع الثلث لذلك. وأمّا إن قصّر ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث ، فيبدأ بالواجب من الأصل وغير الواجب من الثلث ، الأوّل فالأوّل.

مثلا لو كانت تركته تسعمائة دينار وأوصى بحجّ واجب وإعطاء مصارف الزواج لزيد مثلا مائتي دينار ، ومصارف الزواج لعمرو أيضا مائتي دينار ، وأجرة الحجّ يفرض أنّها ثلاثمائة دينار ، فالحج الواجب أوّلا يخرج من أصل التركة ثلاثمائة دينار ، فيبقى التركة ستمائة دينار بعد إخراج ثلاثمائة للحجّ الواجب وثلث الباقي مائتان.

فبناء على إنفاذ الوصيّة في غير الواجب المالي على الترتيب ـ أي الأوّل فالأوّل لا يبقى لزواج عمرو مال ، لأنّ الوارث لم يجز والثلث لا يسع للجميع ، فإذا بنينا على إنفاذ الوصيّة في غير الواجب المذكور الأوّل فالأوّل ، فلا يبقى محلّ للوصيّة الثالثة ـ أي‌ زواج عمرو ـ فتبطل بالنسبة إليه.

وذلك لأنّ الشارع لم يمض تصرّفات الموصي المتبرّعة في أمواله بتمليكه بعد موته لغيره في أزيد من ثلث ما يملكه إلاّ بإجازة الورثة ، ولا شكّ في أنّ الوصيّة في غير الواجبات من التبرّعات ، بل وحتّى في الواجبات غير المالي ، فلا بدّ من إخراجها من الثلث فيما إذا لم يجز الورثة كما هو المفروض.

وأمّا كونها أوّلا فأوّلا فإمّا من جهة تصريح الموصي بذلك بأن قال : خذوا نائبا لي في الحجّ الذي كان واجبا عليّ وما أديته ، وأعطوا زيدا مائتي دينار لزواجه ، ثمَّ أعطوا لعمرو كذلك مائتي دينار لزواجه ، أو فأعطوا لعمرو أو أعطوا عمروا بعد زواج زيد أو بعد إعطائكم زيدا.

والحاصل : أنّ الترتيب قد يستفاد من تصريح الموصي بذلك ، وقد يستفاد من ظواهر الألفاظ ، وقد يستفاد من القرائن الحاليّة والمقاليّة ، ولو كانت تلك القرينة هو الترتيب الذكري.

هذا كلّه فيما إذا كانت الوصيّة مركبة من الواجب المالي وغيره ، وأمّا إذا كان كلّها واجبا غير مالي ، أو كان كلّها غير واجب أصلا بل كان من التبرّعات ، أو كان مركّبا من الواجب غير المالي وغير الواجب أصلا ، فالحقّ أنّها تخرج من الثلث. وإن قيل بأنّ الواجبات غير الماليّة كالصلاة والصوم أيضا تخرج من الأصل ، ولكنّ الحقّ خلافه ، لما أشرنا إليه وهو أنّها أيضا من التبرّعات ، وكذلك بعد الفراغ من أنّها من الثلث لا من الأصل يكون إخراجها أوّلا فأوّلا إن لم يسع الثلث للجميع.

أمّا إخراج جميع هذه الأقسام الثلاثة ـ أي فيما إذا كان جميع ما أوصى بها غير واجب أصلا ، أو كان جميعها واجبا غير مالي ، أو كان مركّبا منهما ـ من الثلث لا من الأصل ، فلأنّها ليست مثل الديون بحيث يجب إخراجها ، ولو لم تكن وصيّة في البين بل وصيّة تبرعيّة بها ، فلا تنفذ إلاّ في الثلث إلاّ بإجازة الورثة.

وأمّا كونها أوّلا فأوّلا فيما إذا لا يسع الثلث للجميع ، فمثل ما ذكرنا وتقدّم من استفادة الترتيب إمّا من تصريح الموصي بذلك ، أو من الظهور اللفظي ككونها عقيب الفاء أو ثمَّ ، أو من القرائن الحاليّة أو المقاليّة ولو كانت هي الترتيب في الذكر كما تقدّم.

وأمّا لو لم يستفد الترتيب من تصريحه أو ظهور لفظه بما ذكرنا ، أو صرّح بعدم الترتيب في مقام الوصيّة كأن قال : لا تقدّموا بعض هذه على بعض ، فإن لم يسع الثلث للجميع ولم يجز الورثة فيما زاد ، فيقسّط النقص على الجميع بنسبة نقص الثلث عن مجموع الوصايا.

مثلا لو أوصى وصيّة تبرعية لأحدهم بمائتين وللآخرين كلّ واحد منهما بمائة فالمجموع يصير أربعمائة يفرض أنّ الثلث ثلاثمائة فالثلث ينقص عن الوصيّة بالربع أي يكون الثلث ثلاثة أرباع الوصيّة ، فينقص عن نصيب كلّ واحد منهم ربع ما أوصى له ، فمن صاحب المائتين يسقط خمسين ، ومن الآخرين من كلّ واحد منهما خمسة وعشرين ، وبعد إسقاط ما ذكرنا يبقى مجموع الوصيّة ثلاثمائة وهو مساو للثلث. وهكذا الأمر في جميع موارد نقص الثلث عن مجموع الوصيّة فيما إذا لم يفهم ترتيب أو فهم عدمه.

ثمَّ إنّه لو اشتبه الأمر ولم يكن دليل على الترتيب ولا على عدمه ، كما أنّه لو عدّد أشياء ثمَّ أوصى بمجموعها وكان الثلث أقلّ ، فهل يقسّط النقص على الجميع أو يقرع؟ وجهان ، والأظهر هو الأوّل.

هذا فيما إذا عيّن مقدار الموصى به لكلّ واحد منهم ، وأمّا إذا لم يعيّن فيقسّم بينهم بالسويّة ، كما إذا قال : أعطوا ثلث مالي بعد وفاتي زيدا وعمروا وبكرا ، أو قال : ملّكت ثلث أموالي هؤلاء وعددّهم.

وها هنا رواية تدلّ على نفوذ الوصيّة أوّلا فأوّلا فيما إذا يفي الثلث بالجميع ، بمعنى أنّه يبدأ بإنفاذ الوصيّة بما أوصى أوّلا ، ثمَّ بما بعدها ، وهكذا حتّى يتمّ الثلث ، وبطل‌ الزائد مع عدم إجازة الوارث.

وهي ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى عند موته وقال : أعتق فلانا وفلانا وفلانا حتّى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم قال عليه السلام : « ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون وينظر إلى ثلثه ، فيعتق منه أوّل شي‌ء ذكر ، ثمَّ الثاني ، ثمَّ الثالث ، ثمَّ الرابع ، ثمَّ الخامس فإن عجز الثلث كان في الذين سمى أخيرا ، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ، فلا يجوز له ذلك » (79).

وهذه الرواية تدلّ على أنّ الترتيب الذكري كاشف وأمارة على الترتيب الواقعي ، خصوصا بملاحظة التعليل الذي ذكره عليه السلام لحكمه بإنفاذ الوصيّة الأوّل فالأوّل.

فتحصّل ممّا ذكرنا في هذا الفرع أنّه إذا أوصى بوصايا متعدّدة ، فإن كان كلّها أو بعضها واجبا ماليّا ، يخرج ذلك الواجب المالي من الأصل ، سواء زاد على الثلث أم لم يزد. وأمّا إن لم يكن فيها واجب مالي ، سواء كان فيها واجب بدني أو لا ، أي سواء كان كلّها من واجبات بدنيّة أو بعضها أو لم يكن فيها واجب أصلا ، فيكون كلّها من الثلث ولا يكون في أزيد منه إلاّ بإجازة الوارث.

هذا فيما إذا كان الثلث وافيا بالجميع ، وأمّا إن لم يف بالجميع فقيل بتقديم الواجب على غيره ويخرج من الثلث ابتداء ثمَّ تصل النوبة إلى التبرّعات. ولكن عرفت أنّ الواجب البدني في عرض سائر المتبرّعات ، ولا تقدّم له عليها.

ثمَّ إنّه إن استفدنا الترتيب من تصريح الموصي أو من ظهور ألفاظه وضعا أو بتوسّط القرائن الحاليّة أو المقاليّة فيؤخذ به. وأمّا إن لم نستفد شيئا من هذا القبيل ، أو فهمنا من كلامه عدم الترتيب لتصريحه أو من القرائن ، فمقتضى القاعدة هو التقسيط وورود النقص على الجميع ، فينقص عن كلّ وصية من تلك الوصايا بنسبة نقص الثلث إلى مجموع الوصايا كما تقدّم ، لا القرعة كما توهّم.

نعم مقتضى رواية حمران المتقدّم هو الأخذ بالأوّل فالأوّل ، لكن بيّنّا أنّه بواسطة كون الترتيب الذكري أمارة على الترتيب الواقعي كما يظهر من تعليله عليه السلام بذلك حكمه بالإنفاذ أوّلا فأوّلا إلى أنّ يتمّ الثلث. وأمّا لو علم أنّه لم يرد الترتيب الواقعي ، بل أراد أن يكون الثلث لجميعهم ، فلا يبقى محلّ للأخذ بالأوّل فالأوّل.

فرع : لو أوصى لشخص بثلث ما يملك ، ولآخر بربعه ، ولثالث بسدسه ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث‌ ، فبناء على استفادة الترتيب من هذه الوصيّة ، إمّا من ترتيب الذكري ، أو من القرائن المقاميّة أو الحاليّة أو المقاليّة ، أو من الظهور الوضعي كما إذا عقب الوصيّة الأولى بالفاء أو بثمّ في الثانية والثالثة وهكذا ، أو من جهة كون الترتيب الذكري أمارة على الترتيب الواقعي كما أشرنا إليه في بيان رواية حمران ، فيكون الثلث للشخص الأوّل وبطلت الوصيّة لمن عداه.

وأمّا بناء على عدم استفادة الترتيب ، أو استفادة عدمه من القرائن المقاميّة ، أو تصريحه كما لو قال : لا تقدّموا أحدا على أحد في هذه الوصية بل يكون ثلثي لكلّهم ، فمقتضى القاعدة هو تقسيط الثلث على كلّهم ، أو القرعة إذا كان المورد واجدا لشرائط الاستخراج بالقرعة.

ولكن الظاهر أنّ مورد القرعة ما يكون له واقع وصار مجهولا في الظاهر. وما نحن فيه ليس كذلك ، فإنّ الوصايا المتعدّدة مقدار ما أوصى به في كلّ واحد منها معلوم ظاهرا وواقعا ، غاية الأمر لا يمكن العمل بها ، لأنّ العمل بمجموعها يوجب إخراج أزيد من الثلث ، وهو لا يجوز إلاّ بإجازة الورثة ، والمفروض أنّهم لم يجيزوا فيردّ عليهم‌ نقص بنسبة نقص الثلث عن المجموع.

مثلا لو كان مجموع الوصايا يبلغ الألف ، والثلث خمسمائة ، فالنسبة بين الثلث ومجموع الوصايا هي النصف ، فيسقط من كلّ وصية نصف ما أوصى به. فإذا أوصى لزيد مثلا بستمائة ، ولعمرو مثلا بثلاثمائة ، ولبكر بمائة فمجموع الوصايا يبلغ الألف ، والمفروض أنّ الثلث خمسمائة والنسبة هي النصف ، فيسقط من زيد ثلاثمائة ، ومن عمرو مائة وخمسين ، ومن بكر خمسين ، والمجموع خمسمائة فيبقى خمسمائة وهي مساو للثلث. وهكذا في جميع الموارد وطريقه تقسيم الثلث على الوصايا.

فإطلاق كلام القوم « إنّه إذا أوصى لشخص بثلث ولشخص آخر بربع وللآخر بسدس ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث ، يكون الثلث للشخص الأوّل وتبطل الوصيّة في الثاني والثالث » ليس كما ينبغي ، بل لا بدّ وأن يفصّل كما فصّلناه.

فرع : ولو أوصى بثلثه لواحد وبثلثه للآخر ، كان ذلك رجوعا عن الأوّل إلى الثاني‌ ، وذلك من جهة أنّ الوصيّة سواء كانت عقدا أو إيقاعا يجوز للموصي الرجوع عنها ما دام فيه الروح ، ولا ينفذ تصرّفاته في ماله بعد الموت بدون إجازة الورثة إلاّ في الثلث.

وهذا هو المراد من قولهم : « أنّ الميّت لا يملك من ماله إلاّ الثلث » وإلاّ فالميّت لا يملك شيئا وبمحض الموت المال ينتقل إلى الورثة والموصى له بعد قبوله إن كانت وصيّة في البين. وأيضا هذا هو المراد ممّا في بعض الروايات « للميّت ثلث ماله » فإذا أضاف الثلث إلى نفسه فليس له إلاّ ثلث واحد ، لأنّه لا ينفذ تصرّفاته باعتبار ما بعد الموت ، أي بعنوان الوصيّة في أزيد من ثلث واحد من أمواله ، فكأنّه لا يملك أزيد من هذا.

فلو أوصى عهديّا أو تمليكيّا في ثلثه المضاف إلى نفسه لشخص ، فلا يملك بعد ذلك‌ من ماله شيئا ، فوصيّته ثانيا بثلث المضاف إلى نفسه لشخص آخر تكون مضادّة لوصيته الأولى ، فلا بدّ بأن يقال : الوصية الثانية إمّا لغو وكلام باطل ، أو رجوع عن وصيته الأولى. ولكن ظاهر الكلام أنّه رجوع مع إمكانه وعدم محذور. وحمله على اللغويّة ولقلقة اللسان خلاف طريقة العقلاء وسيرتهم.

وبعبارة أخرى : حال الثلث المضاف إلى نفسه حال العين الخارجيّة المعيّنة من حيث عدم التعدّدية فيه ، فكما أنّه لو أوصى بمعيّن في الخارج ، كدار أو دكّان له لزيد مثلا ، ثمَّ أوصى ذلك العين الخارجي ثانيا لعمرو مثلا ، يكون رجوعا عن الوصيّة الأولى بلا خلاف. فليكن ما نحن فيه أيضا كذلك ، لأنّ الجهة فيهما واحدة ، وهي عدم لزوم اللغويّة في الثاني.

نعم لو لم يضف الثلث إلى نفسه بأن قال : أعطوا فلانا ثلثا من أموالي ، أو يقول في الوصيّة التمليكية : ملّكت فلانا ثلثا من أموالي ، بدون إضافة الثلث إلى نفسه يمكن أن يقال : إنّ متعلّق الوصيّة في الثاني غير ما هو متعلّق الوصيّة في الأولى ، لأنّ أحواله مشتملة على ثلاث أثلاث ، فيمكن أن يكون الثلث الذي هو متعلّق الوصيّة الأولى غير الثلث الذي يكون متعلّق الوصيّة الثانية ، وليس دليل يدلّ على اتّحاد المتعلّقين في البين.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ظاهر كلامه أنّه في مقام إنشاء وصيّة ماله أن يتصرّف فيه وهو ثلث نفسه ، وإلاّ فالثلثان الآخران خارجان عن تحت سلطنته وليس له أن يتصرّف فيهما ، فلو لم تكن إضافة في اللفظ فأيضا لا بدّ وأن يكون هو المراد ، فالثلث المجرّد عن الإضافة أيضا مثل المضاف ، فيكون أيضا رجوعا عن الأولى.

وفيه : أنّ هذا القياس ، أي قياس ثلث المجرّد عن الإضافة بالثلث المضاف في غير محلّه ، لأنّ المضاف ليس له فردان ، وأمّا غير المضاف فله أفراد ، فيمكن أن يكون المراد من الثلث في الوصيّة الثانية غير ما هو المراد في الوصيّة الأولى.

وأمّا ما يقال : ليس له التصرّف إلاّ في ثلث واحد وهو في مقام إنشاء الوصيّة ـ في الوصية التمليكيّة أو العهديّة ـ يريد التصرّف فيما يوصى به ، فلا بدّ من ورود الوصيّتين على نفس ذلك الثلث الذي له أن يتصرّف فيه ، وهو واحد لا تعدّد فيه ، فيعود المحذور.

وفيه : أنّه ما دام حيّا وفيه الروح له أن يتصرّف في أيّ ثلث من أثلاث أملاكه ، بل له أن يتصرّف في مجموع أمواله ، وتصرّفاته في جميع أمواله ممضاة لو كانت منجّزة ولا تحتاج إلى إجازة الورثة. نعم لو كانت غير منجّزة وكانت بعنوان الوصيّة يحتاج فيما زاد على الثلث إلى إجازة الورثة ، فله أن يريد من الثلث في الوصيّة الثانية غير ما أراد منه في الوصيّة الأولى ، غاية الأمر يحتاج نفوذه إلى إجازة الوارث. ففي هذا الفرض ليست الوصيّة الثانية ناسخة للأولى ، لعدم ورودهما على محلّ واحد كي يكون كذلك.

نعم للورثة أن لا ينفذوها ، وهذا لا يوجب انصراف لفظ الثلث إلى ثلثه المختصّ به الذي لا يحتاج إلى الإجازة وعدم إرادة أثلاث الآخر ، كي تكون الوصيّة الثانية مضادّة للأولى وتكون ناسخة لها.

فالحقّ في المقام هو الفرق بين الثلث المضاف إلى نفسه والثلث المجرّد عن الإضافة ، ففي الأوّل تكون الوصيّة الثانية رجوعا عن الوصيّة الأولى وناسخة لها ، وفي الثاني تكون وصية أخرى صحيحة لكن نفوذها موقوف على إجازة الورثة ، مثل ما لو كانت الوصيّة زائدة على الثلث يكون نفوذ مقدار الزائد موقوفا على إجازة الورثة.

ثمَّ إنّه في الصورة الأولى ـ أي فيما إذا أوصى بثلثه المضاف إلى نفسه تارة لزيد مثلا ومرّة أخرى لعمرو فبناء على أنّه رجوع عن الأولى يجب أن يعطى الثلث لعمرو ولا يستحقّ زيد شيئا منها. وبناء على أنّه يجب أن يعطى لزيد لأنّه في وقت الوصية لم يكن مانع عن نفوذها فوقعت صحيحة ، ولم يبق مجال للوصيّة الثانية ، فتكون الوصيّة الثانية لغوا وباطلا وإن أشكلنا على هذا الاحتمال ورجّحنا أن تكون الوصيّة الثانية رجوعا عن الأولى ـ لو اشتبه الأولى ولم يعلم أنّ الوصيّة الأولى لزيد أو لعمرو كي‌ نرتّب الأثر على كلّ واحد من القولين بأن يعطى له لو لم يكن الثاني رجوعا ، ولم يعط له لو كان ، فإنّه يستخرج بالقرعة.

وذلك من أنّه للأولى واقع معيّن معلوم عند العالم بها ، غاية الأمر اختفى واشتبه في مقام الظاهر والإثبات ، والاحتياط لا يمكن في الماليّات أو لا يجب ، ومثل هذه الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي مورد القرعة ، فإذا خرج بالقرعة أنّه زيد مثلا يرتّب عليه أثره.

وطريق القرعة هو أن يكتب في رقعة اسم أحدهما مع كلمة الأولى والسابق ، وفي رقعة أخرى اسم الآخر أيضا مع كلمة الأولى أو السابق ، فيخلطان فيخرج أحدهما فينظر فيه ، فأيّ واحد من الاسمين كان يكون هو السابق والأولى. وللقرعة طريق آخر أيضا لا حاجة إلى ذكرها.

فرع : ولو أوصى بشي‌ء واحد لاثنين كداره مثلا لهما وهو يزيد عن الثلث ولم تجز الورثة‌ ، كان لهما ما يحتمله الثلث. مثلا لو كانت قيمة تلك الدار ألفين والثلث ألف ، فالألف الزائد يحتاج نفوذه إلى إجازة الورثة ، فإذا لم يجيزوا تبطل الوصيّة بالنسبة إليه. وأمّا ما يحتمله الثلث ، أي الألف الآخر يكون لهما بالمناصفة ، أي كلّ واحد منهما خمسمائة. والوجه في الجميع واضح.

هذا إذا كانت الوصيّة واحدة ، وأمّا إذا كانت متعدّدة متعاقبة كما إذا قال : لزيد نصف داري الفلانيّة ولعمرو نصفها الآخر ، وكان مجموع الوصيّتين زائدا على الثلث ولم تكن الوصيّة الأولى وحدها زائدة على الثلث ولم تجز الورثة ، فالوصيّة الأولى تنفذ بلا نقص ، وكان النقص واردا على الثانية من الوصيّتين وقد تقدّم الوجه في ذلك.

فرع : ولو أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ثمَّ قالوا : ظننا أنّه قليل ، قضى‌ عليهم بما ظنّوه وأحلفوا على الزائد قال المحقّق : وفيه تردّد. (80) ‌

أقول : أمّا وجه الحكم على الورثة بما ظنّوه لأنّهم أقرّوا واعترفوا بإجازة هذا المقدار ، وأمّا إحلافهم على عدم إجازة الزائد فلأجل أنّهم منكرون إجازة الزائد ، والموصى له يكون مدّعيا لإجازة الزائد ، والأصل مع الورثة ، أي أصالة عدم صدور الإجازة بالنسبة إلى الزائد ، أو أصالة عدم العلم بالزائد.

هذا ، مضافا إلى أنّ هذه الدعوى ممّا لا يعلم إلاّ من قبلهم ، لأنّ ما يدّعون من كونهم ظانّين بالقلّة أمر مخفي على غيرهم ، فلا يطلبون بالبيّنة ، لعدم إمكان إقامتها على مثل تلك الدعوى غالبا ، لعدم اطّلاع الغير على الضمائر وما في النفس إلاّ من إخبار وإظهار صاحب الضمير ، وفي مثل هذه الدعوى لا يكلّف المدّعي بالبيّنة ، فلا يبقى ميزانا للقضاء إلاّ الحلف ، ولذلك يحلف.

وأمّا وجه تردّد المحقق لأنّ المسألة ذات وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا من أنّ الورثة يقضى عليهم بما ظنّوه ، لأنّهم أقرّوا واعترفوا بإجازة ذلك المقدار ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز (81). وسماع قولهم بالنسبة إلى الزائد عمّا ظنّوه ، لمطابقة دعواهم للأصل ، فيكونون منكرين على حسب موازين باب القضاء ، وعليهم الحلف لا البيّنة.

والوجه الثاني : هو أنّ اعترافهم بأنّهم أجازوا النصف مثلا أو ما هو زائد على الثلث حجّة عليهم ، فقولهم : « ظنّنا أنّه قليل » من قبيل الإنكار بعد الإقرار فلا يسمع ، وذلك لأنّ ظواهر الألفاظ وما هو المتفاهم منها عند العرف حجّة.

ولذلك في باب الأقارير لو أقرّ بلفظ وكان ذلك اللفظ ظاهرا في معنى ، فأنكر‌ كون ذلك المعنى الظاهر مراده وقال : إنّ مرادي كان شي‌ء آخر ، لا يسمع منه بل يؤخذ بإقراره ، أي بما هو ظاهر كلامه ويحسب دعوى إرادة خلاف ما هو ظاهر الكلام من الإنكار بعد الإقرار الذي لا يسمع.

وحيث لم يظهر عنده ترجيح أحد هذين الوجهين لذا أظهر التردّد في الوجه الأوّل الذي ذكرناه.

ولكن أنت خبير بأنّ ظواهر الألفاظ حجّة على المتكلّم ما لم يعلم أنّه أراد خلاف الظاهر ، واحتملنا أنّه أراد ما هو ظاهر اللفظ ولذلك في مقام الإقرار يثبت عليه ويلزم بما هو ظاهر لفظه ، إلاّ أن يعلم إرادة خلافه. وهذا ليس مخصوصا بظواهر الألفاظ بل حجّية كلّ أمارة موقوفة على عدم العلم بالخلاف ، ومع عدم العلم بعدم إرادته ما هو ظاهر اللفظ يستكشف المراد من ظاهر اللفظ.

فلو اعترف بأنّه أجاز النصف ، فادّعاؤه بعد ذلك بعدم إرادة النصف الواقعي بل إرادة ما ظنّ أنّه هو النصف لا يسمع ، إلاّ مع العلم بعدم إرادة النصف الواقعي ، ولا دليل على إثبات عدم إرادته النصف الواقعي وأنّه أراد ما هو مظنونه ، لاحتمال أن يكون دعواه دعوى كاذبة وأنّه أراد ما هو واقع نصف المال ، لا ما هو مظنونة.

مثلا لو كان النصف الواقع للمال ألف دينار ، وهو يدّعي الظنّ بأنّه ألف درهم فيدّعي أنّ إجازتي تعلّقت بألف درهم لا بألف دينار ، فحيث أنّ إجازته حسب اعترافه تعلّق بعنوان نصف المال ، ونصف الواقعي هو ألف دينار لا ألف درهم ، فيكون اللفظ كاشفا عن أنّه أجاز ألف دينار لا ألف درهم ، إلاّ أن يعلم بعدم إرادة النصف الواقعي ، وليس في البين علم بذلك ، فالتحقيق عدم قبول قول الورثة لاحتمال كذبهم فيما يدّعون.

هذا كلّه فيما إذا كانت الوصيّة بجزء مشاع كالنصف وثلثين وأمثالهما. وأمّا لو أوصى بعين معيّنة خارجيّة ، كداره المعيّنة ، أو بستانه المعيّن المعلوم ، فأجازوا هذه‌ الوصيّة ثمَّ ادّعوا أنّهم ظنّوا أنّها ليست أزيد من الثلث ، أو يكون أزيد بيسير على تقدير الزيادة ، لم يلتفت إلى دعويهم ولا يسمع ، لأنّ الإجازة في هذا الفرض تعلّقت بعين خارجيّة معيّنة معلومة ، لا إجمال لها ولا إبهام فيها.

فالفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة هو ما ذكرنا من عدم الإجمال والإبهام في هذه الصورة لأنّ الموصى به فيها معيّن معلوم وشخص خارجي يمتنع صدقه على المتعدّد ، بخلاف الصورة السابقة فإنّ الموصى به فيها حيث أنّه كسر مشاع يمكن أن يشتبه فيه من حيث القلّة والكثرة ، ولذلك هنا لا تسمع دعوى الورثة ، لعدم تطرّق الجهل والاشتباه بخلاف هناك ولذلك تسمع دعواهم.

ولكن التحقيق عدم الفرق بين الصورتين ، لوحدة المناط فيهما ، وهو كما ذكرنا حجّية الظهورات وما هو المتفاهم عرفا من الكلام ، ولذلك عند العرف يؤخذ المتكلّم بما هو ظاهر كلامه. وقد صرّح الفقهاء بذلك في باب الوصايا والأقارير والإجازات في المعاملات والعقود التي تقع فضولة. ولا فرق بين أن يكون متعلّق الإجازة هو الكسر المشاع أو شخص خارجي معيّن معلوم في الظهور العرفي. وكشفه عن مراد المتكلّم وحجّيته في ذلك ما لم يعلم أنّ مراده خلاف هذا الظهور ، فالحقّ في المقامين عدم سماع دعوى الورثة.

الكلام في الوصايا المبهمة‌ :

فرع : لو أوصى بجزء من ماله وردت روايات مفادها حمل الجزء من المال على العشر منه‌ ، مستدلا بقوله تعالى {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} [البقرة: 260] وكانت الجبال عشرة ، فعبّر الله تعالى عن كلّ عشر بالجزء ، فيحمل الجزء من الشي‌ء على عشرة تبعا لاستعماله في الكتاب العزيز‌ بهذا المعنى ، والإمام عليه السلام استدلّ بهذه الآية على أنّ المراد من جزء الشي‌ء هو عشرة في روايات :

منها : رواية أبان بن تغلب قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « الجزء واحد من عشرة ، لأنّ الجبال عشرة والطيور أربعة » (82) . ‌

ومنها : رواية عبد الله بن سنان ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال : إنّ امرأة أوصت إلىّ وقالت : ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلانة ، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى فقال : ما أرى لها شيئا ، ما أدرى ما الجزء. فسألت عنه أبا عبد الله عليه السلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة وبما قال ابن أبي ليلى ، فقال عليه السلام : « كذب ابن أبي ليلى ، لها عشر الثلث إنّ الله عزّ وجلّ أمر إبراهيم عليه السلام فقال ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الجبال يومئذ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي‌ء » (83).

وروى الشيخ هذه الرواية بإسناده عن عبد الله بن سنان بدون واسطة عبد الرحمن بن سيابة فتكون صحيحة. ورواها معاوية بن عمّار أيضا كذلك (84) . ‌

ومنها : رواية أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يوصي بجزء من ماله ، قال عليه السلام : « إنّ الجزء واحد من عشرة ، لأنّ الله يقول ( ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الجبال عشرة والطير أربعة ، فجعل على كلّ جبل منهن جزءا » (85).

ومنها : ما في تفسير العيّاشي عن عبد الصمد بن بشير ، عن جعفر بن محمّد عليه السلام في حديث أنّه سئل عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال : هذا في كتاب الله بيّن ، إنّ الله يقول ( ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الطير أربعة والجبال عشرة ، يخرج الرجل من كلّ عشرة أجزاء جزءا واحدا » (86).

ومنها : رواية أبي جعفر بن سليمان الخراساني ، عن رجل من أهل خراسان في حديث : أنّ رجلا مات وأوصى إليه بمائة ألف درهم ، وأمره أن يعطي أبا حنيفة منها جزءا ، فسأل عنها جعفر بن محمّد عليه السلام وأبو حنيفة حاضر ، فقال له جعفر بن محمّد عليه السلام : « ما تقول فيها يا أبا حنيفة؟ » فقال : الربع. فقال لا بن أبي ليلى؟ فقال : الربع. فقال جعفر بن محمّد عليه السلام : « ومن أين قلتم الربع؟ » فقالوا : لقول الله عزّ وجلّ ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) فقال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا قد علمت الطير أربعة فكم كانت الجبال؟ إنّما الأجزاء للجبال ليس للطير ». فقالوا : ظنّنا أنّها أربعة. فقال أبو عبد الله عليه السلام : « لا ولكنّ الجبال عشرة » (87).

ومنها : رواية عليّ بن أسباط ، عن الرضا عليه السلام في حديث قال : « والجزء واحد من عشرة » (88).

ومنها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى بجزء من ماله ، قال : « جزء من عشرة ، وقال : كانت الجبال عشرة » (89).

وفي قبال هذه الروايات وردت روايات أخر مفادها تفسير الجزء بواحد من سبعة ، فإذا أوصى بجزء من ثلث ماله فيكون الموصى به سبع الثلث ، وإذا أوصى بجزء من ماله فيكون الموصى به سبع جميع ماله :

منها : رواية أحمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ فقال عليه السلام : « واحد من سبعة ، إنّ الله تعالى يقول {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [الحجر: 44] » (90).

ومنها : رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام في الرجل أوصى بجزء من ماله قال : « الجزء من سبعة إن الله تعالى يقول ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) » (91).

ومنها : رواية حسين بن خالد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال : « سبع ثلثه » (92).

والمراد أنّ الميّت ليس له إلاّ ثلث ماله ، فإذا كان جزء الشي‌ء سبعة وماله ثلثه فإذا أوصى بجزء من ماله يكون سبع ثلثه.

ولا شكّ في تعارض هذه الطائفة مع الطائفة الأولى. وقد جمع الشيخ بينهما بحمل الطائفة الأولى على الوجوب بمعنى أنّه يجب على الوصي أو الورثة إنفاذ الوصيّة‌ بالجزء بواحد من العشرة ، أي لا يجوز إعطاء الأقلّ من هذا ، والطائفة الثانية على الاستحباب ، بمعنى أنّه يستحبّ على الورثة إنفاذها بواحد من السبعة (93).

والتحقيق في باب الوصايا المبهمة التي هي محلّ بحثنا هو أنّه لو كان الإبهام من ناحية اللفظ وإجماله ، فإن كان تفسير من قبل الشارع في كلام ثبتت حجّيته من حيث الصدور ودلالته من حيث الظهور ، فيجب الأخذ به تعبّدا لا من باب دلالة ذلك الكلام المجمل وكشفه عن مراد المتكلّم.

ففي باب الوصايا والأقارير لو كان مثل هذا الكلام مثل ما نحن فيه لو أوصى بجزء من ماله لشخص ، والشارع الأقدس فسّر الجزء بالعشر أو السبع على اختلاف الروايات في هذه المسألة ، فلا يمكن أن يقال : إنّ مراد المتكلّم هو العشر أو السبع ، لعدم ظهور كلامه في هذا المعنى حسب طريقة أهل المحاورة ، بل حكم تعبّدي يجب الأخذ به تعبّدا والعمل به ، وذلك لولاية الشارع على أنفس المؤمنين وعلى أموالهم بطريق أولى ، ولقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .

فمقتضى القواعد الأوّلية في المقام هو أنّه لو كان الكلام مجملا ولم يكن له ظهور يكون وجوده كالعدم ، فإذا لم يكن دليل آخر على الحكم لا بدّ وأن يرجع إلى العمومات والإطلاقات الأوّلية وفي المقام هي أدلّة الإرث. ولا مجال للرجوع إلى إطلاقات أدلّة الوصيّة ، لأنّ المفروض أنّ وصيّته مجملة لا يفهم منها شي‌ء.

نعم إذا ثبت أنّ الشارع فسّر الكلام يجب الأخذ به تعبّدا ، وفي المقام أخبار التفسير كما عرفت متعارضة ، فإذا كان من الممكن جمع عرفي فهو ، وإلاّ وجب العمل بقواعد باب التعارض من الترجيح مع وجود المرجّح والتخيير مع فقده.

وها هنا الترجيح من حيث السند مع روايات السبع ، وذلك من جهة أنّ رواية‌ أحمد بن أبي نصر البزنطي صحيحة بلا إشكال ، وأمّا رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام إن كانت بدون وساطة عبد الرحمن بن سيابة فصحيحة بلا إشكال ، ولكن الظاهر أنّها بواسطة عبد الرحمن بن سيابة ، لأنّه من المستبعد جدّا أن يسأل عبد الله بن سنان الفقيه الجليل الإمامي عن ابن أبي ليلى ، فهذه قرينة على أنّ السائل غيره وهو عبد الرحمن بن سيابة الذي واسطة بينه وبين الإمام عليه السلام.

فالإنصاف أنّ روايات تفسير الجزء بالسبع أصحّ سندا ، وإن كانت روايات العشر أكثر عددا ، ومعلوم أنّ الترجيح من حيث السند مقدّم على كثرة العدد. ولكن قولنا إنّ روايات السبع أصحّ سندا مبنيّ على أن تكون رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام بواسطة عبد الرحمن سيابة ، وإلاّ لو كانت بدون واسطة فليست روايات السبع أصحّ سندا.

هذا ، مضافا إلى أنّ الجمع الذي ذكره الشيخ بين الطائفتين بحمل روايات السبع على الاستحباب على الورثة أن يعطوا للموصى له سبع المال ، لو كان جمعا عرفيّا كما هو كذلك فلا تعارض كي تصل النوبة إلى الترجيح بالسند. ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من استبعاد أن يكون السائل عن أبي ليلى هو عبد الله بن سنان ، لأنّ ذلك غاية ما يدلّ هو أنّ الراوي عن الإمام عليه السلام ليس عبد الله بن سنان بلا واسطة ، بل هو عبد الرحمن سيابة والرواية ضعيفة سندا.

ولكن بعد ما قلنا بالجمع العرفي فلا تصل النوبة إلى الترجيح كي يقال إنّ رواية أحمد بن أبي نصر البزنطي أصحّ سندا ، فالترجيح معها.

فالأولى والأحسن هو ما ذهب إليه الشيخ وجمع آخر من الأساطين إلى أنّ المستحبّ على الوارث إعطاء السبع وإن كان ليس ملزما إلاّ بالعشر.

فرع : لو أوصى له بسهم من ماله كان للموصى له ثمنه ، ولو أوصى له بشي‌ء‌ كان له السدس.

أمّا الأوّل فلصحيحة البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بسهم من ماله ، فقال عليه السلام : « السهم واحد من ثمانية ، ثمَّ قرأ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] » إلى آخر الآية (94).

ورواية صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : سألنا الرضا عليه السلام عن رجل أوصى لك بسهم من ماله ولا ندري السهم أيّ شي‌ء هو؟ فقال عليه السلام : « ليس عندكم فيما بلغكم عن جعفر ولا عن أبي جعفر عليه السلام فيها شي‌ء؟ » فقلنا له : ما سمعنا أصحابنا يذكرون شيئا من هذا عن آبائك : قال : فقال : « السهم واحد من ثمانية إلى أن قال : قول الله عزّ وجلّ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ثمَّ عقد بيده ثمانية قال : وكذلك قسّمها رسول الله صلى الله عليه واله على ثمانية أسهم ، فالسهم واحد من ثمانية » (95).

ورواية محمد بن محمد المفيد في الإرشاد قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى عند الموت بسهم من ماله ولم يبيّنه فاختلف الورثة في معناه ، فقضى عليهم بإخراج الثمن من ماله وتلي عليهم ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) إلى آخره ، وهم ثمانية أصناف ، لكلّ صنف منهم سهم من الصدقات. (96) وروايات أخر بهذا المضمون. (97) نعم هناك روايتان أخريان :

إحديهما : رواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام قال : « من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة » (98).

الثانية : رواية محمّد بن عليّ بن الحسين قال : « وقد روى أنّ السهم واحد من ستّة » (99).

أقول : أمّا رواية العشر فمن الشواذّ التي لا يعلم بها قائل ، ونسبه الشيخ (100) إلى وهم الراوي وأنّه سمعه فيمن أوصى بجزء من ماله فظنّه السهم ، أو أنّه ظنّ أنّ السهم والجزء واحد ، وعلى كلّ فالرواية متروكة لم يعمل بها أحد.

وأمّا مرسلة الصدوق وما روى عن ابن مسعود أنّ رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبيّ صلى الله عليه واله السدس ، فأعرض عنها المشهور ، فلا تقاوم الروايات الكثيرة التي بعضها صحيحة ، وإن عمل بهما الشيخ في أحد قوليه. (101) وأمّا ما قيل : إنّ السهم في كلام العرب هو السدس ، فلم يثبت ولا أساس له.

فرع : لو أوصى بشي‌ء من ماله لرجل فله السدس إجماعا‌ ، لرواية أبان عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه سئل عن رجل أوصى بشي‌ء من ماله فقال : « الشي‌ء في كتاب عليّ واحد من ستّة » (102) والقول بأنّه العشر شاذّ.

فرع : لو أوصى بوجوه فنسي الموصي وجها منها ، جعله الوصي في وجوه البرّ.

هذا أحد القولين في المسألة ، وإليه ذهب المشهور.

والقول الآخر : أنّه يرجع ميراثا. والقائل به ابن إدريس (103) ، ونسب إلى الشيخ أيضا في بعض فتاواه (104) ، ولكن في كتبه وافق المشهور بأن يجعله الوصي في وجوه البرّ.

والأقوى هو قول المشهور ، وذلك أوّلا لرواية محمّد بن ريّان قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصي إلاّ بابا واحدا منها كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع : « الأبواب الباقية اجعلها في البرّ » (105) ، وروى هذه الرواية بعدّة طرق.

وثانيا : أنّه بعد ما خرج عن ملك الموصي والورثة بعد موت الموصي ، فيكون من قبيل مال المجهول المالك ، وبعد نسيان مصرفه فيصرفه في وجوه البرّ ، لأنّه في الغالب أقرب إلى ما يريد الموصي ، بل يمكن أن يقال إنّ صرفه في وجوه البرّ حيث أنّه يرجع إلى الجهات العامّة للمسلمين يكون من الصدقة التي هي مصرف مجهول المالك.

وثالثا : على هذا فتوى المشهور ، وهو ممّا يؤيّده قوّة حجّية رواية محمّد بن ريّان.

ورابعا : حكمهم : بالصرف في وجوه البرّ في نظائر المقام ، كما إذا أوصى بمال أن يحجّ عنه مع عدم كفاية ذلك المال للحجّ عنه ، وذلك في رواية علي بن‌ مزيد صاحب السابري قال : أوصى إلى رجل بتركته وأمرني أن أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك ، فإذا هي شي‌ء يسير لا يكفي للحجّ إلى أن قال : فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال : « ما صنعت بها »؟ قلت : تصدّقت بها قال عليه السلام : « ضمنت إلاّ أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة ، فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من مكّة فليس عليك ضمان ، وإن كان يبلغ ما يحجّ به من مكّة فأنت ضامن » (106).

فقد حكم عليه السلام بعدم الضمان وصحّة الصدقة فيما إذا لم يبلغ المال قدر ما يحجّ به عنه من مكّة.

نعم نبّه الإمام عليه السلام الوصي على أمر ، وهو أنّ المراد من عدم بلوغ المال قدر ما يكفي الحجّ هو عدم بلوغه حتّى من مكّة ، بأن يكون حجّ إفراد ، أو من أقرب المواقيت مثلا لو كان المال يكفي للإحرام من الحديبية بل من أوّل الحرم ، فهذا ليس من عدم البلوغ.

وأمّا القول الآخر ـ أي رجوعه ميراثا الذي قال به ابن إدريس ونقله عن الشيخ ـ فمستنده أنّ الوصيّة بعد عدم إمكان العمل بها تبطل ، فيرجع المال إلى صاحبه وهو الوارث.

وفيه : أنّ العجز عن العمل بها لا يوجب بطلانها ، لأنّه غالبا يكون من قبيل تعدّد المطلوب. مثلا لو أوصى بعمارة مسجد أو مدرسة تكون مساحة كلّ واحد منهما ألف متر ولا يوجد المكان الذي يسع هذا المقدار ، بل في ذلك المكان المعيّن الذي عيّنه الموصي للمسجد أو للمدرسة توجد أرض بسعة تسعمائة مترا ، والمال الذي عيّن لبناء المدرسة ذات طبقتين لا يفي بذلك ، ولكن يمكن عمارة مدرسة ذات طبقة واحدة ، فلا شكّ في أنّ القسم الأوّل هو مطلوبه الكامل ، لا أنّ المطلوب منحصر به فلو بنى‌ مسجدا سعة تسعمائة متر ليس لمطلوبه أصلا وكذلك مدرسة ذات طبقة واحدة ليس بمطلوبه أصلا ، فلا شكّ في مطلوبيّة هذا القسم عند تعذّر القسم الأوّل ، نعم هو المطلوب الأكمل وهذا أيضا له مرتبة من المطلوبيّة. ولعلّ هذا هو المناط في قاعدة الميسور وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

هذا إذا كان العجز من أوّل الأمر. وأمّا العجز الطاري عن بعض مراتب الوصيّة فلا يوجب بطلانها يقينا ، كما أنّه في الوقف الذي طرأ العجز عن العمل به تماما كما أراد الواقف فالمشهور على أنّه لا يبطل الوقف ولا يرجع إلى ملك الواقف فيرثه الوارث ، بل يصرف فيما هو أقرب إلى الجهة التي وقف عليها ، لأنّ الرجوع إلى ملك الوارث يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

مضافا إلى أنّ الرجوع إلى ملك الوارث لا معنى له في المقام ، لأنّه كان ملكا للموصي وهو ملّك الموصى له أو أخرج عن ملكه لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات ، أو لجهة من الجهات كالصرف في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام أو جهة أخرى من شعائر الدين ولم ينتقل إلى الوارث أصلا.

وأمّا الرجوع إلى ملك الموصي فإن كانت الوصيّة انعقدت صحيحة وخرجت عن ملكه بعد موته فطرأ النسيان ولذلك تعذّر صرفها في مصرفها الذي عيّن الموصي لها ، فحال الموصي مع سائر الناس بالنسبة إليها سواء ، فلا بدّ وأن يقال إمّا أن يصير كالمباحات الأصليّة فلكلّ أحد أن يتصرّف فيها. وهذا ممّا لا يمكن أن يلتزم به فقيه ، فالأقوى ـ بل المتعيّن ـ صرفها في وجوه البرّ ، فإنّها بعض مطلوب الموصي ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

فرع : ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته بأنّه لا يرث من تركته ، فهل تقع هذه الوصيّة صحيحة أم لا؟ فيها خلاف بين الأصحاب ، والمشهور عدم الصحّة ، لأنّها مخالف للكتاب والسنّة.

أمّا مخالفتها للكتاب فلقوله تعالى {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] إلى آخر.

ولقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].

وأيضا لقوله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } [الأنفال: 75] .

وأمّا السنّة فروايات :

منها : رواية السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : قال : قال عليّ عليه السلام : « ما أبالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال » (107).

ومنها : أيضا عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : قال : قال عليّ عليه السلام : « من أوصى ولم يحف ولم يضارّ كان كمن تصدّق به في حياته » (108).

ومنها : رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام : « قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفّى وأوصى بماله كلّه أو أكثره ، فقال له : الوصيّة تردّ إلى المعروف غير المنكر ، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيّته المنكر والحيف فإنّها تردّ إلى المعروف ويترك لأهل الميراث ميراثهم » الحديث (109) وروي هذه الرواية بعدة طرق ذكرها في الوسائل.

ومنها : رواية محمّد بن سوقة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] قال عليه السلام : « نسختها الآية التي بعدها قوله عزّ وجلّ {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182] قال : يعنى الموصي إليه إن خاف جنفا من الموصي فيما أوصى به إليه ممّا لا يرضى الله عزّ ذكره من خلاف الحقّ فلا إثم عليه ، أي على الموصى إليه أن يردّه إلى الحقّ وإلى ما يرضى الله عزّ وجلّ فيه من سبيل الخير » (110).

ومنها : رواية عليّ بن إبراهيم عن رجاله قال : قال : إنّ الله أطلق للموصى إليه أن يغيّر الوصيّة إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها حيف ، ويردّها إلى المعروف ، لقوله عزّ وجلّ ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) إلى آخر (111). والحيف هو الجور على الورثة.

ومنها : رواية عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال : قال الصادق عليه السلام : « إذا أوصى الرجل بوصيّة فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصيّة يوصى بها بل يمضيها ، إلاّ أن يوصى غير ما أمر الله فيعصي في الوصيّة ويظلم ، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضا ، فالوصي جائز له أن يردّه إلى الحقّ وهو قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) فالجنف هو الميل إلى بعض ورثتك دون بعض ، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر فيحلّ للوصي أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك » (112).

ومنها : رواية سعد بن سعد قال : سألته ـ يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام ـ عن رجل كان ابن يدّعيه فنفاه وأخرجه من الميراث وأنا وصيّه فكيف أصنع؟ فقال عليه السلام : « لزمه الولد لإقراره بالمشهد لا يدفعه الوصي عن شي‌ء قد علمه » (113).

وهذه الروايات كما ترى تدلّ على عدم جواز الجور والخروج عن الجادة في الوصيّة بأن يضرّ ببعض الورثة ويخرجه عن تركته وميراثه ، وإن اثم وفعل فلا يجوز إمضاؤه فيما صنع من الحيف والجور ، بل يجب ردّه ممّا صنع وتحويله إلى الحقّ.

هذا ، مضافا إلى أنّ إخراجه عن تركته إمّا بنفي كونه ولدا له ، وهذا بعد إقراره به لا مجال له ولا يسمع ، لأنّه من الإنكار بعد الإقرار. وإمّا ينفي كونه وارثا مع الإقرار بأنّه ولد ، وهذا يرجع إلى إنكار الحكم الشرعي الثابت بالأدلّة القطعيّة ، وهو واضح البطلان. وإمّا بمنعه عن حقّه بواسطة الوصيّة ، وهذا هو الجنف والحيف المنهي عنه.

نعم وردت رواية في إنفاذ مثل هذه الوصيّة في حقّ الولد الذي وقع على أمّ ولد أبيه ، وهي ما رواه محمّد بن يحيى عن وصي عليّ بن السري قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ علي بن السري توفّي وأوصى إليّ فقال ; فقلت وإنّ ابنه جعفر وقع على أمّ ولد له فأمرني أن أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه إن كنت صادقا فسيصيبه خبل قال : فرجعت فقدّمني إلى أبي يوسف القاضي فقال له : أصلحك الله أنا جعفر بن على بن السري وهذا وصي أبي فمره فليدفع إلي ميراثي من أبي فقال لي : ما تقول؟ فقلت : نعم هذا جعفر بن على بن السري وأنا وصيّ علي بن السري قال : فادفع إليه ما له. قلت : أصلحك الله أريد أن أكلّمك. قال : فادن فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت هذا وقع على أمّ ولد لأبيه فأمرني أبوه وأوصى إليّ أن أخرجه من الميراث‌ ولا أورثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأخبرته وسألته ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، فقال : إنّ أبا الحسن عليه السلام أمرك؟ قلت : نعم فاستحلفني ثلاثا ثمَّ قال : أنفذ ما أمرك فالقول قوله قال الوصي فأصابه الخبل بعد ذلك (114).

ولكن هذه الرواية على تقدير عدم كونها مهجورة متروكة وعدم إعراض الأصحاب عنها ليس مفادها جواز إخراج بعض الورثة عن التركة مطلقا ، بل موردها مورد خاصّ وهو فيما إذا كان المأمور بالإخراج عن التركة هو الولد الذي وقع على أمّ ولد أبيه ، ولا مانع من الالتزام بها في مورده.

وبعبارة أخرى : هذا حكم تأديبي صدر عن الإمام عليه السلام في مورد ذلك الشخص أو يكون حكم كلّ من فعل مثل هذا الفعل وارتكب مثل هذه الجريمة جواز إخراجه عن الميراث؟

وحكى في الوسائل (115) عن الصدوق أنّه قال : ومتى أوصى الرجل بإخراج ابنه من الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيّته في ذلك (116) ونسب إلى الشيخ أنّه قال : هذا الحكم مقصور على هذه القضيّة لا يتعدّى إلى غيرها ، لأنّه لا يجوز أن يخرج الرجل من الميراث المستحقّ بنسب شائع بقول الموصي وأمره أن يخرج من الميراث إذا كان نسبه ثابتا (117) ، ولنعم ما قال.

ثمَّ إنّه قد يحتمل أن يكون مراد الأب من إخراج هذا الولد من التركة إخراجه عن الثلث الذي يملكه هو فكأنّه وصيّته لغيره بالثلث. وأفرض أنّه له ولدين ، أحدهما صغير ولا يقدر على إعاشة نفسه من الكسب ، والآخر كبير يقدر على ذلك ، فهو مراعاة للولد الصغير يخصّ الثلث بالصغير ، وباقي المال ـ أي الثلثان ـ يكون بينهما. وهذا على حسب مقتضى القواعد الأوّليّة لا محذور فيه أصلا.

أقول : هذا الاحتمال في حدّ نفسه صحيح لا مانع منه ، ولكن الفرض والرواية ليسا ظاهرين في هذا المعنى أصلا.

فرع : لو أوصى لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية ، كان السيف له بما عليه وفيه‌ ، وذلك من جهة الظهور العرفي لهذا الكلام. وكذلك لو أقرّ به لشخص.

وقد روى أبو جميلة عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف وكان في جفن وعليه حلية؟ فقال له الورثة إنّما لك النصل وليس لك السيف ، فقال عليه السلام : « لا ، بل السيف بما فيه له » الحديث (118).

وروى أيضا أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف فقال الورثة : إنّما لك الحديد وليس لك الحلية ليس لك غير الحديد؟ فكتب عليه السلام إلىّ : « السيف له وحليته » (119).

وأيضا لو أوصى بصندوق لغيره وكان فيه مال ، كان الصندوق بما فيه من المال‌ للموصى له. وفيه أيضا رواية عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى لرجل بصندوق وكان في الصندوق مال ، فقال الورثة : إنّما لك الصندوق وليس لك ما فيه ، فقال : « الصندوق بما فيه له » (120).

وأيضا لو أوصى لشخص بسفينة وفيها طعام ، فهي وما فيها من الطعام للموصى له. وأيضا فيها رواية عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل قال هذه السفينة لفلان ولم يسمّ ما فيها وفيها طعام أيعطيها الرجل وما فيها؟ قال عليه السلام : « هي للذي أوصى له بها إلاّ أن يكون صاحبها متّهما وليس للورثة شي‌ء » (121).

وروى الصدوق هذه الرواية إلاّ أنّه قال في آخرها : « إلاّ أن يكون صاحبها استثنى ممّا فيها » (122).

وقد تقدّم أنّه في باب الوصايا والأقارير يلزم الأخذ بما هو ظاهر الكلام حسب المتفاهم العرفي ، وقد خصّ الفقهاء هذه الموارد بالذكر لوجود الروايات المتقدّمة ، وإلاّ فلا خصوصية لها كما هو واضح.

فرع : لو أوصى بلفظ مجمل لم يفسّره الشرع ، رجع في تفسيره إلى الوارث‌ ، كقوله : أعطوا فلانا حظّا من مالي أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا وأمثال ممّا ليس له حدّ معيّن ومفهوم مبيّن عند العرف وأهل المحاورة.

هذا ما قاله في الشرائع (123) ، ولكن لم نفهم وجها للرجوع إلى الوارث في تفسير هذه الألفاظ ، بل المعتبر في تشخيص مراد الموصي هي الظهورات عند أهل المحاورة ، وحال الوارث مع غيره في ذلك سواء.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الوارث خصوصا إذا كان من الأقرباء الأقربين كأولاده المعاشرين معه عارف بالمعنى الذي يريد من هذه الألفاظ ، فيكون التبادر إلى أذهانهم ـ بواسطة الأنس باستعمالاته ـ دليلا على أنّ مراده من هذه الألفاظ هو هذا المعنى الذي تبادر إلى أذهانهم ، وإلاّ فلا وجه للرجوع إليهم أصلا ، بل الصحيح هو أنّه لو استعمل الألفاظ المجملة في وصيته أو إقراره يكون كلامه غير حجّة وكأنّه لم يكن ، فالمرجع هي الأصول العمليّة.

ويمكن أن يكون المراد من الرجوع في تفسير هذه الألفاظ إلى الوارث من جهة أنّ التركة بين الموصى له والوارث ، فأيّ مقدار عيّن للفظ إمّا واقعا للموصى له فيعطيه ما هو حقّه وملكه ، وإمّا تمامه أو بعضه ملك للوارث ، فهو باختياره يعيّنه للموصى له وله ذلك ، لأنّ الناس مسلطون على أموالهم.

ولكن يظهر من عبارة الشيخ في المبسوط أنّ هذه الألفاظ حيث أنّ إجمالها بواسطة صدقها على القليل والكثير ، فالوارث مخيّر بين تطبيقها على القليل والكثير ، بل وعلى أيّ مرتبة من مراتب مصاديق هذه الألفاظ فله حقّ التفسير والتطبيق ، لذلك يرجع إليه في التفسير.

وأمّا احتمال أن يكون تفسيره وتطبيقه على أقلّ ممّا يستحقّه الموصى له فليس له هذا الحقّ ، مدفوع بأصالة عدم استحقاقه للزائد. ولعل هذا أحسن الوجوه لهذا الحكم ، أي للرجوع إلى الوارث في تفسيرها.

قال في المبسوط : إذا قال لفلان : حظّ من مالي أو نصيب أو قليل ، فإنّه يرجع‌ إلى الورثة (124) .

ولو تعذّر الرجوع إلى الوارث لغيبته ، أو لامتناعه عن التفسير ، أو لصغره وعدم الاعتبار بكلامه ، أو لجنونه قال في المسالك : أعطي أقلّ ما يصدق عليه الاسم ، أي اسم ذلك اللفظ المجمل ، لأنّه القدر المتيقّن (125) . ‌

وفيه نظر واضح ، لتعارض الحقّين ، أي حقّ الموصى له وحقّ الوارث.

ومن هذه الألفاظ المجملة لفظ « كثير » فلو أوصى وقال : أعطوا الفلان مالا كثيرا من تركتي ، فقال جماعة : إنّه يعطى له ثمانين من أيّ شي‌ء كان متعلّق الوصيّة درهما أو دينارا أو غيرهما. وذلك للرواية التي وردت في باب النذر أنّه لو نذر أن يعطى درهما أو دينارا كثيرا أو غيرهما ، فعليه أن يعطى ثمانين ممّا نذر. واستدلّ الإمام عليه السلام لهذا التفسير بقوله تعالى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } [التوبة: 25] (126) وكانت تلك المواطن بعد إحصائها ثمانين.

ولكن أنت خبير بأنّ استعمال اللفظ في مورد في بعض مصاديقه لا يوجب كون المراد من اللفظ دائما ذلك المعنى ، ففي نفس مورد الرواية المعتبرة يجب العمل بها مع الإمكان ، وفيما سوى ذلك لا بدّ من الرجوع إلى القواعد الأوّلية أو الأصول العمليّة.

فرع : يستحبّ أن تكون الوصيّة بخمس ماله ، ودونه في الفضل الربع ، ودونه الثلث. وأمّا بالأزيد من الثلث فلا ينفذ إلاّ بإجازة الورثة. والمستند رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأن أوصي بخمس مالي أحبّ إليّ من أن أوصى بالربع ، ولأن أوصى بالربع أحبّ إليّ من أن أوصى‌ بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك وقد بلغ الغاية ( وقد بالغ ) » (127).

ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « من أوصى بالثلث فقد أضرّ بالورثة ، والوصيّة بالربع والخمس أفضل من الوصيّة بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك » (128).

ورواية السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه : قال : « قال عليّ عليه السلام الوصيّة بالخمس ، لأنّ الله عز وجل قد رضى لنفسه بالخمس ، وقال : الخمس اقتصاد ، والربع جهد ، والثلث حيف » (129).

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه السلام قال : « لئن أوصي بالخمس أحبّ إليّ من أن أوصى بالربع ، ولأن أوصى بالربع أحبّ إليّ من أن أوصى بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئا » (130).

في أحكام الوصيّة‌ :

فرع : لو أوصى بمنافع أعيان ما يملك ، بعضها أو جميعها ، لكلّ ما يملك أو لبعضه ، على التأبيد أو مدّة معيّنة صحّ بلا خلاف. ولا فرق في تلك المنافع الموصى بها بين أن تكون من الأعيان التي لها وجود مستقلّ بعد الانفصال عن ذيها كالحمل في الدابّة ، والثمرة في الشجر ، واللبن والصوف في الأغنام وغير ذلك ، وبين أن لا يكون كذلك كسكنى الدار ، والكسب في الدكان ، وركاب الدابّة وأقسام المراكب ، لشمول عمومات وإطلاقات أدلّة الوصيّة.

وأمّا الإشكال بأنّ تلك المنافع ليست من تركة الميّت ولا من أمواله كي يملكها لغيره.

ففيه : أنّ الموصي يملكها حال حياته بتبع العين ، بمعنى أنّ حالها بالنسبة إلى الموصي حال نفس العين ، له السلطنة عليها كسلطنته على نفس العين ، ولذلك يجوز أن يؤجر العين سنين متعدّدة ثمَّ يبيعها ، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة ، وهذا دليل قطعي على أنّ مالك العين مالك لمنافعها ، لأنّ الإجارة عبارة عن تمليك منافع العين بعوض مالي معلوم ، وما لم يكن مالكا كيف يملك الغير وليس صرف التبعيّة للعين ، لأنّ المفروض أنّه باع العين ، فالمنافع ملك لشخص والعين ملك لشخص آخر. وكذلك الأمر في الوصيّة التمليكيّة بالنسبة إلى المنافع تكون العين ملكا للورثة بعد موت الموصي بالإرث والمنافع ملكا للموصى له بالوصية.

نعم لا بدّ وأن تقوّم تلك المنافع التي أوصى بها ، وتلاحظ مع مجموع المال المركّب منها وما سواها من الأعيان والمنافع بكلا قسميها.

ثمَّ إنّه لو أوصى لزيد مثلا بركوب دابّته سنة أو أكثر ، فنفقة الدابّة على مالكها لا على الموصى له ، لأنّ المفروض أنّ النفقة نفقة الملك ، والدابّة ملك للوارث لا الموصى له وإنّما الموصى له مالك المنفعة فقط.

ولكن هذا الذي قلنا من كون النفقة على الوارث لا الموصى له مسلّم فيما إذا كانت الوصيّة بالمنافع موقّتة ، وأمّا لو كان الإيصاء بالمنفعة مؤبّدة ففيه إشكال ينشأ من أنّه‌ من حيث أنّ الحيوان ملك للوارث والنفقة نفقة الملك فتجب عليه لأنّه مالك ، ومن أنّه ملك مسلوب المنفعة فإلزام المالك بالنفقة ووجوبها عليه ضرر عليه بدون تدارك ، ومثل هذا الحكم منتفي في الشريعة الإسلاميّة بقوله صلى الله عليه واله : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (131) وأيضا بأنّ « من كان له الغنم فعليه الغرم ».

ومن أجل هذا الإشكال قيل بأنّ نفقته من بيت المال ، لأنّ المفروض أنّ منافعه للموصى له ، فلا بدّ وأن يكون نفقته إمّا على المالك أو على الموصى له أو من بيت المال فإذا نفينا الأوّلين لما ذكرنا في وجه نفيهما فلا يبقى وجه إلاّ كونها من بيت المال.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه الاستحسانات ـ مضافا إلى أنّها مخدوشة في نفسها ومنقوضة بموارد كثيرة ولا دليل على اعتبارها وذهاب الأكثر إلى أنّ النفقة على الوارث لا على الموصى له بالمنفعة وإن كانت مؤبّدة ـ لا تعارض إطلاق أدلّة وجوب نفقة الملك على المالك إن كان حيوانا ، إنسانا كان أو غير إنسان بل وإن كان غير حيوان كالبستان الذي أوصى المالك كون أثماره ومنافعه لشخص ، فسقيه وحرثه وتسميده إن كان محتاجا إليها بحيث تموت الأشجار وتتلف على الوارث المالك.

وإن كان لا يخلو من الإشكال ، وذلك لعدم الدليل على وجوب نفقة البستان على مالكه كي يؤخذ بإطلاقه. وقياسه بنفقة الحيوان أوّلا قياس باطل ، وثانيا مع الفارق.

فإذا ظهر أنّ الوصيّة بالمنافع التي لعين من أعيان ماله صحيحة موقتة ومؤبدة ، فلكلّ واحد من الوارث والموصى له التصرّف فيما يخصّه ، فللموصى له التصرّف في المنافع على وجه لا يضرّ بالعين أزيد ممّا هو متعارف في باب الإجارات ، بمعنى جواز التصرّفات التي يتوقّف الانتفاع بها حسب المتعارف في باب الانتفاع فيما إذا ملك الانتفاع بالإجازة لصيرورة المنافع ملكا له ، وللوارث التصرّف في العين ولكن التصرّفات التي لا يضرّ بمنافعها أو الانتفاع بها بلا خلاف ولا إشكال.

وذلك لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ولا شكّ في أنّ الإضرار بالغير غير جائز ، ونتيجة الجمع بين هذه الأدلّة هو جواز تصرّف كلّ واحد منهما في ماله من دون احتياج إلى الإذن من الآخر ولكن مع عدم الإضرار بالآخر.

وليس ما نحن فيه من قبيل الشريكين كي يكون التصرّف من كلّ واحد محتاجا إلى إذن الآخر ، وذلك لأنّ الشراكة بناء على الإشاعة كلّ جزء جزء من المال المشترك يكون بينهما بأحد الكسور إمّا بالمناصفة أو بالمثالثة وهكذا ، فتصرّف كلّ واحد منهما في أيّ جزء مستلزم للتصرّف في مال الآخر ، ولذلك يحتاج إلى الإذن.

وأمّا فيما نحن فيه فالمالان متميّزان ، ومتعلّق الملكيّة في أحدهما العين وفي الآخر المنفعة ، فلكلّ واحد منهما التصرّف في ماله من دون الاحتياج إلى إذن. وأمّا المقدار الذي يلزم من التصرّف في ماله التصرّف في مال الغير ، فهو من لوازم جعل ملكيّة المنافع للموصى له مثلا ، وإلاّ يلزم أن يكون جعل الملكيّة له لغوا.

ولذلك في باب الإجازة التي هي عبارة عن جعل ملكيّة سكنى الدار مثلا لزيد مدّة معيّنة بعوض مالي معلوم ، بعد وقوع هذا الجعل من طرف المالك وتماميّة العقد لا مانع من تصرّف زيد في تلك الدار ، ولا يحتاج إلى الاستيذان من المالك في التصرّف فيها لأجل الانتفاع ، لأنّ ملكيّة منفعة الدار مثلا ملازم مع جواز التصرّف فيها وإلاّ يكون جعل ملكيّة المنفعة له لغوا.

وعلى كلّ حال من الواضح المعلوم أنّ كون المنفعة للموصى له والعين للوارث ليس من باب الشركة ، لتميّز الملكين كلّ واحد عن الآخر. ويتفرّع عليه فروع.

الكلام في إثبات الوصية‌ :

وتثبت الوصيّة التي عرفت جملة من أحكامها بالبيّنة ، وهي عبارة عن شهادة عدلين كسائر الموضوعات التي لها آثار شرعيّة ، وذلك لعموم حجّيتها بالنسبة إلى‌ جميع الموضوعات التي لها آثار شرعيّة. وقد تقدّم في هذا الكتاب (132) الكلام في عموم حجّيتها وعدم اختصاصها بباب القضاء.

فرع : هل تثبت الوصيّة بشهادة أهل الذمّة عند فقد البيّنة‌ ، أي عدم عدلين مسلمين أم لا؟

لا إشكال في إثبات الوصيّة وقبول شهادة الذمّي عند فقد عدول المسلمين في الجملة ، للآية والرواية.

أمّا الآية : فقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] .

المراد ( بالآخران من غيركم ) هو أن يكونا من أهل الذمّة من الكفّار ، لا مطلق الكفّار سواء كانوا حربيين أم ذمّيين ، وذلك لورود الرواية على قبول شهادة أهل الذمّة ، في ما رواه سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة أهل الذمّة؟ فقال : « لا تجوز إلاّ على أهل ملّتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة ، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد » (133).

ويستفاد من هذه الرواية تقييد قبول شهادتهم بأمرين : أحدهما عدم العدول من أهل الإسلام ، الثاني انحصار قبول شهادتهم بخصوص الوصيّة. نعم لو أخذنا بعموم التعليل وهو عدم صلاح ذهاب حقّ أحد فتصير دائرة القبول أوسع.

ولكن أنت خبير بأنّ مفاد الرواية ليس انحصار من تقبل شهادته بخصوص أهل‌ الذمّة ، لأنّ ثبوت حكم لموضوع لا يوجب نفيه عن غيره ، إلاّ أن يكون للكلام مفهوما ، أي يكون للكلام قيد يدلّ على ثبوت الحكم عند وجود ذلك القيد وعدمه عند عدمه ، سواء كان ذلك القيد بصورة الشرط أو الوصف أو غيرهما ممّا يكون له مفهوم.

نعم ها هنا رواية أخرى عن يحيى بن محمّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه واله سنّ فيهم سنّة أهل الكتاب في الجزية ، وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يوجد مسلمان أشهد رجلين من أهل الكتاب ، يحبسان بعد صلاة العصر فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنّا إذا لمن الآثمين ، قال :

وذلك إذا ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما ، فإن عثر على أنّهما شهدا بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما ، حتّى يجئ شاهدان يقومان مقام الشاهدين الأوّلين {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } [المائدة: 107] » إلى آخر (134).

فترى في هذه الرواية أنّه عليه السلام فسرّ قوله تعالى ( آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) بأهل الكتاب ، غاية الأمر إنّه عليه السلام ألحق المجوس أيضا بأهل الكتاب لما ذكره. والروايات المطلقة وإن كانت كثيرة لكنّها تقيّة بهاتين الروايتين بخصوص أهل الكتاب ، والمجوس أيضا لإلحاقه رسول الله صلى الله عليه واله بهم في الجزية وفيما إذا لم يوجد شاهد مسلم.

وأمّا المطلقات فكثيرة ، وقد عقد لها بابا في الوسائل ، أي باب العشرين في‌ أحكام الوصايا (135).

وأمّا تفسير الآية وإن كان فيه بعض الاختلاف ، ولكن نحن ننقل ما في الكافي قال بإسناده : خرج تميم الداري وابن بندي وابن أبي مارية في سفر ، وكان تميم الداري مسلما وابن بندي وابن أبي مارية نصرانيين ، وكان مع تميم الداري خرج له فيه متاع وآنية منقوش بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع ، فاعتلّ تميم الداري علّة شديدة ، فلمّا حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية ، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته ، فقدما إلى المدينة وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته فافتقد القوم الآنية والقلادة ، فقالوا لهما : هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرا؟ قالا : لا ، ما مرض إلاّ أيّاما قلائل : قالوا : فهل سرق منه شي‌ء في سفره هذا؟ قالا : لا. قالوا فهل اتّجر تجارة خسر فيها؟ قالا : لا. قالوا : فقد افتقدنا أفضل شي‌ء كان معه ، آنية منقوشة بالذهب مكلّلة بالجوهر ، وقلادة. فقالا : ما دفع إلينا فأدّيناه إليكم ، فقدّموهما إلى رسول الله صلى الله عليه واله فأوجب رسول الله صلى الله عليه واله عليهما اليمين فحلفا فخلا عنهما ، ثمَّ ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما ، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا : قد ظهر على ابن بندي وابن أبي مارية ما ادّعيناه عليهما ، فانتظر رسول الله صلى الله عليه واله الحكم من الله في ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فأطلق الله شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط إذا كان في سفر ولم يجد المسلمين إلى آخر. (136)

أمّا الرواية‌ فكثيرة.

منها : رواية ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملّتهم؟ فقال : « لا ، إلاّ أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة ، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرء مسلم ولا تبطل وصيّة » (137).

ومنها : رواية هشام بن سالم ( الحكم ) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) قال : « إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة » (138).

وهذه الرواية رويت بطريق آخر بدل قوله : في بلد ليس فيه مسلم أو « في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم » (139).

ورواية حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) قال : فقال : « اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيّته فلم يجد مسلمين ، فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهما » (140).

والمتحصّل من هذه الأخبار ومن الآية الشريفة بعد تقييد مطلقاتها بمقيّداتها هو‌ أنّه لو أشرف على الموت أو أحسّ أنّه قريب منه أراد أن يوصى وأن يشهد على وصيّة ولم يجد شاهدين عدلين مسلمين ، فله أن يشهد شاهدين من أهل الكتاب ، وشهادتهما في تلك الحال نافذة إن كان المشهود به هو المال.

وهاهنا أمور يجب التنبيه عليه‌ :

الأوّل : هو أنّ نفوذ شهادتهما هل موقوف على أن تكون الوصيّة في حال السفر‌ ، أم لا فرق بين أن تكون في السفر أو الحضر ، بل المناط فيه عدم تمكّن الموصي من إشهاد مسلمين عادلين ، سواء كان متمكّنا من إشهاد غير العدول من المسلمين أو من إشهاد المؤمنات العادلات ، أو لم يكن متمكّنا من ذلك أيضا ، بل وسواء كان متمكّنا من إشهاد عدل واحد من المسلمين فيكون حجّة مع ضمّ اليمين في بعض الموارد؟

الظاهر أنّه لا فرق بين أن تكون في حال السفر وبين أن تكون الوصيّة حال الحضر ، ولا بين أن يكون متمكّنا من الشقوق التي ذكرناها أو لم يكن فيما إذا لم يكن متمكّنا من إشهاد عدلين مسلمين ، لأنّه عليه السلام جعل موضوع نفوذ شهادة ذمّيين عدم وجدان مسلمين عادلين ، فجميع تلك الشقوق داخل في ذلك الموضوع ولا فرق بين وجودها وعدمها.

وأمّا مسألة كونها في حال السفر لا الحضر وإن كان ظاهر الآية هو ذلك ، لقوله تعالى {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] ولكنّ الظاهر هو أنّ الشرطية سيقت لبيان تحقّق الموضوع غالبا ، حيث أنّه في الغالب عدم وجدان المسلم يكون في السفر ، وأمّا في الحضر فغالبا يوجد المسلم العدل اثنان وأكثر. وكذلك في رواية هشام « إذا كان الرجل في أرض غربة » أيضا سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، لما ذكرنا.

الثاني : هو أنّ المراد من قوله تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ )‌ هما خصوص أن‌ يكونا من أهل الكتاب أو مطلق من ليس بمسلم ، سواء كان ذمّيا أو لم يكن ، وعلى تقدير كون المراد أن يكونا من أهل الكتاب وذمّيين هل يكون المجوس منهم ، أو ملحق بهم حكما ، أو لا منهم ولا ملحق بهم؟

الظاهر أنّ المراد هو خصوص الذمّيين وأهل الكتاب لا مطلق الكفّار ، أوّلا لأنّ مورد الآية هما الذمّيان ، أي ابن بندي وابن أبي مارية نصرانيّان وقد تقدّم وكانا تحت حكم رسول الله صلى الله عليه واله فهما ذمّيان. وثانيا : إنّ هذا ـ أي قبول شهادتهما ـ خلاف القواعد الأوّليّة ، لأنّ الأشياء كلّها على ذلك حتّى ذلك يستبين أو تقوم به البيّنة ، ومعلوم أنّ البيّنة عبارة عن شهادة مسلمين عدلين ، فيجب الوقوف على مورد اليقين والنصّ وهو لم يكونا ذمّيين. وثالثا : تفسيره في رواية حمزة بن حمران بأهل الكتاب وقد تقدّم. ورابعا : إجماع الفقهاء على ذلك.

نعم تقدّم إلحاق المجوسي بأهل الكتاب في رواية يحيى بن محمّد في ما نقل عن أبي عبد الله عليه السلام قوله عليه السلام : « فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوسي ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه واله سنّ فيهم سنّة أهل الكتاب في الجزية ». هذا مع احتمال أن يكونوا من أهل الكتاب فإنّ الفقهاء قالوا لهم شبهة كتاب.

الثالث : إذا لم يوجد مسلم عادل ووصلت النوبة إلى إشهاد أهل الكتاب ، هل يجب أن يكون ذلك الكتابي عادلا في دينه‌ أم لا ، بل يجوز أن يشهد على وصيّته رجلا ذمّيا ولو كان فاسقا في دينه ، بمعنى أنّه لا تجتنب عمّا هو حرام في دينه أي يرتكب المحرّمات مثل الكذب والبهتان وأكل أموال اليتامى ظلما وشهادة الزور وأمثال ذلك من القبائح العقليّة والمحرّمات في كلّ دين مع وجود فسّاق المسلمين؟

ظاهر المقابلة في الآية بين ( اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وبين أو ( آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) هو أنّ مع فقدان الأوّل تصل النوبة إلى الثاني ، فإذا لم يوجد اثنان ذوا عدل منكم تصل النوبة إلى آخران من غيركم وإن لم يكونا عادلين في دينهم ، وأيضا وإن‌ كان يوجد الفسّاق من المسلمين.

لا يقال : إذا كان شهادة الفاسق يجوز الاعتماد عليه ، فالمسلم الفاسق أولى من الكافر الفاسق.

لأنّه استحسان ولا يجوز أن يكون مدركا للحكم الشرعي ، فإنّ دين الله لا يصاب بالعقول.

ولكن هناك أمر يدلّ على اعتبار العدالة في دينه في إشهاد الذمّي ، وهو قوله عليه السلام في رواية حمزة بن حمران : « فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهما » ومعلوم أنّ المراد من هذه العبارة الأخيرة هو أن يكونا عادلين في دينهما كي يكونا مرضيين عند أصحابهما ، لأنّ الكذّاب المغتاب مثلا ليس بمرضي عند من يقول بحرمة الكذب والغيبة ، وهكذا الأمر في سائر المعاصي التي حرام في كلّ مذهب ودين.

فرع : ولو أوصى بلفظ وكان كليّا متواطئا‌ ، مثل أن يقول : أعطوا فلانا غنما مثلا من أغنامي ، فللورثة الخيار في تطبيقه على أيّ فرد أرادوا ، لصدق الوفاء وإنفاذ الوصيّة على الجميع.

فرع : لا خلاف ولا إشكال في ثبوت الوصيّة بالمال بشهادة العدل الواحد مع اليمين إجماعا‌ ، وكذلك لا خلاف في ثبوتها بشهادة عدل واحد مع شهادة امرأتين ثقتين ، لإطلاق الأدلة في أبواب الحقوق الماليّة وعدم اختصاصها بمورد دون مورد ، كما هو مذكور مشروحا في كتاب القضاء والشهادات.

وكذلك تقبل شهادة امرأة واحدة في ربع ما شهدت به ، وتقبل شهادة اثنين في نصفه ، وشهادة ثلاث في ثلاثة أرباع ممّا شهدن به ، وشهادة أربع في الجميع ، كلّ ذلك‌ إذا كانت شهادتين في الماليّات.

والمدرك في هذا الحكم رواية الربعي عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصى ليس معها رجل ، فقال عليه السلام : « يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها » (141).

ورواية أبان عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال في وصيّة لم يشهدها إلاّ امرأة ، فأجاز شهادتها في الربع من الوصيّة بحساب شهادتها (142).

ورواية محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّة لم يشهدها إلاّ امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصيّة إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها » (143).

ودلالة هذه الروايات على ما ذكرنا في أوّل الفرع من أنّ بشهادة الواحدة الربع ، وبالاثنتان النصف ، وبالثلاث ثلاثة أرباع ، وبالأربع الجميع واضحة لا يحتاج إلى البيان.

وأمّا ما توهّم أنّه لا تثبت بشهادة المرأة إلاّ الربع سواء كانت واحدة أم كنّ متعدّدات ، فخلاف ما يفهم من ظاهر الكلام. وليس من باب القياس كما كان كذلك في دية قطع أصابع المرأة ، لوجود الدليل هناك وهو قوله صلى الله عليه واله : « المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا زاد يكون ديتها نصف دية الرجل » بل الظهور العرفي يقتضي أن يكون لشهادة كلّ امرأة ربع ما شهد بها غير الربع الذي يثبت بشهادة الأخرى إلى أن‌ يستوفي بشهاداتهنّ تمام ما شهدن به ، فلا يبقى محلّ وموضوع لشهادة الخامسة.

هذا ، مضافا إلى أنّ الأصل عدم التداخل.

ثمَّ إنّ ها هنا روايات أخر ظاهرها عدم قبول شهادة المرأة في الوصيّة مطلقا ، كرواية عبد الرحمن (144) ، ورواية عبد الله بن سنان (145) ، ومكاتبة أحمد بن هلال (146) ، ولكن لا بدّ من تأويلها كما في الوسائل ، أو طرحها لإعراض المشهور عنها بل الإجماع على خلافها.

فرع : لا تثبت الوصيّة بالولاية إلاّ بشاهدين عدلين‌ ، أي البيّنة الشرعيّة كسائر الموضوعات ، وذلك لعموم قوله عليه السلام في رواية مسعدة : « الأشياء كلّها على ذلك حتّى يستبين غيره أو تقوم به البيّنة » (147) وليست الوصيّة بالولاية من موارد الاستثناء عن تحت هذه القاعدة ، فلا تثبت برجل وامرأتين ولا بعدل واحد مع اليمين ولا بشهادة أربع من النساء منفردات ، وجميع ذلك لأجل عدم الدليل وشمول إطلاقات وعموماته لها وعدم دليل على حجّيتها كي تكون مخصصة لها أو حاكمة عليها.

فرع : لا تثبت بشهادة الوصيّ ما هو وصي فيه ولا ما يجرّ به نفعا أو يستفيد منه ولاية‌ ، والأصل في ذلك ما ذكروه في كتاب الشهادة أنّه من شروط صحّة الشهادة‌ وقبولها أن لا يكون الشاهد منهما يجلبه نفع إليه من شهادته ، أو من جهة عداوة دنيويّة للمشهود عليه ، وأمّا العداوة الدينيّة فلا تمنع من قبول الشهادة. وتفصيل المسألة في كتاب الشهادات.

وعلى كلّ حال ذهب المشهور إلى عدم قبول شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه ، ولا فيما يجرّ نفعا إليه ، أو يستفيد منه ولاية ، فالعمدة في ذلك هو أنّ الشاهد في هذه الموارد يكون مدّعيا لنفسه شيئا وله نصيب وحظّ من المشهود به ، ولا شكّ في أنّ المدّعى عليه أن يأتي بالشهود لما يدّعيه ، ولا يمكن أن يكون هو المدّعي وهو الشاهد.

وأيضا يدلّ على عدم قبول شهادة المذكورات ما روى عن النبي صلى الله عليه واله أنّه نهى أن تجاز شهادة الخصم والظنين والجارّ إلى نفسه منفعة.

وأيضا ما ورد في باب شهادة الشريك لشريكه من أنّها لا تقبل.

منها : رواية أبان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه؟ قال : « تجوز شهادته إلاّ في شي‌ء له فيه نصيب » (148). وروايات أخر بهذا المضمون (149).

وأيضا ورد روايات في عدم قبول شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه.

منها : ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أبي محمّد كتب هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين ».

وهذا ظاهر في عدم قبول قول الوصيّ وشهادته ، وإلاّ لم يكن محتاجا إلى اليمين لوجود البيّنة.

وأيضا ممّا يدلّ على هذا الحكم مضمرة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال : « المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم » (150).

وقد ظهر ممّا تقدّم أنّه لو كان وصيّا في إخراج مال معيّن ، فشهد للميّت بمال على رجل يوجب كون إخراج ذلك المال المعيّن جميعه من الثلث لا تقبل.

مثلا لو كان وصيّا في إخراج ألف دينار وصرفه في الميراث وجميع التركة ألفان ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث ، فشهد الوصيّ بألف دينار للميّت على رجل لا تكون الوصيّة زائدا على الثلث لو قبلت شهادته ، ولو لم تقبل ينقص عن الألف المقدار الزائد على الثلث ويمنع الوصي عن التصرّف في ذلك المقدار ، فشهادته لو قبلت توجب توسعة تصرّفه فلذا لا تقبل.

وذلك كما أنّه لو وقع الخلاف بين الورثة والوصيّ في مقدار الوصيّة وادّعى الوصيّ أنّها الثلث ، وقال الوارث إنّها الربع أو الخمس مثلا ، فشهادة الوصيّ أنّها الثلث لا تقبل ، فكذلك الأمر فيما نحن فيه.

وحاصل الكلام أنّه كلّما كان موجبا لنفع الوصي ، وراجعا إلى توسعة تصرّفه فشهادته لا تقبل فيه ، لأنّه يكون مدّعيا ، وشهادة المدّعي لا تقبل فيما يدّعيه.

الأمر الرابع

في الموصى له‌ :

ويشترط فيه أن يكون موجودا حال الوصيّة وأن يكون قابلا للتملّك في الوصيّة‌ التمليكيّة ، فإذا كان موجودا ولكن لا يكون قابلا للتمليك فلا يجوز أن يوصى له كي يكون هو الموصى له ، مثل أن يوصى لغير الإنسان من الجمادات أو النباتات أو الحيوانات غير الإنسان.

وذلك لأنّ الوصيّة التمليكيّة عبارة عن تمليك مال للموصى له ، فلا بدّ وأن يكون الموصى له قابلا للتملّك وإلاّ لا يتحقّق التمليك.

وأمّا اشتراط كونه موجودا فلأنّ المعدوم ليس قابلا لأنّ يتملّك ، والوصيّة التمليكيّة عبارة عن إنشاء ملكيّة مال لشخص ، غاية الأمر أنّ إنشاء الموصي يتعلّق بملكيّة ذلك المال لذلك الشخص الذي نسمّيه بالموصى له بعد موت الموصي ، فكونها بعد الموت من قيود المنشأ لا الإنشاء ، فلا يمكن إنشاء مثل هذه الملكيّة المقيّدة لما هو معدوم حال الإنشاء.

وذلك من جهة أنّ الملكيّة وإن كانت أمرا اعتباريّا ، ولكن لها إضافتين : إضافة إلى الشي‌ء الذي يعتبر ملكيّته وبهذه الإضافة يسمّى ملك أو مملوك ، وإضافة إلى من يملك ذلك الشي‌ء وبهذا الاعتبار يسمّى بالمالك ، فلا تتحقّق الملكيّة في عالم الاعتبار بدون هذين الاعتبارين. وذلك مثل الزوجيّة الاعتباريّة التي لا يمكن تحقّقها إلاّ بوجود امرأة تكون معروضا لعنوان أنّها زوجة ، وشخص يكون اعتبار زوجيّتها له الذي نسمّيها بالزوج ، فكما لا معنى لاعتبار زوجية امرأة بالفعل للزوج المعدوم ، كذلك لا معنى لاعتبار ملكيّة مال للمالك المعدوم.

وأشكلوا على هذا بصحّة اعتبار الملكيّة للمالك المعدوم فعلا حال اعتبار الملك له ، كما في الوقف على البطون المتأخّرة وجودهم من حال الوقف بناء على أنّ الوقف تمليكا لهم ، غاية الأمر ملكا غير طلق بل ملكا محبوسا بحيث لا يباع ولا يورث ولا يرهن.

وأجيب عن هذا الإشكال بأنّه في باب الوقف على البطون الطبقة الأولى موجودة‌ حال الوقف والواقف يملّكهم ، ثمَّ بعد انقراضهم يعتبر ملكيّة طبقة البعد مثل باب الإرث ، فإنّ الشارع اعتبر ملكيّة المورث الموجود حال الاعتبار بأسبابها ، من الحيازة أو العطايا أو الهبات أو بالمعاملات والانتقال إليه بأحد النواقل الشرعيّة ، وأيضا اعتبر بعد موته ملكيّة ورثته حال وجودهم. وقد جاء الدليل على هذا المعنى بقوله عليه السلام : « ما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه ». وهذا أمر ممكن معقول ، وقد جاء الدليل عليه في مقام الإثبات ، وهذا ليس من تمليك المعدوم.

لا يقال : لا فرق في عدم إمكان التمليك بين عدم الموصى له وبين عدم الموصى به ، وذلك لما بيّنّا من أنّ الملكيّة لها إضافتان : إحديهما إلى الشي‌ء الذي يتّصف بالملكيّة وأنّه مملوك ، وأخرى إلى الشخص الذي يتّصف بأنّ الملك له. ويعبّر عن الأوّل بالمملوكيّة ، وعن الثاني بالمالكيّة. والموصى به هو الأوّل ، والموصى له هو الثاني. فلو قلنا بأنّ الموصى له لا يمكن أن يكون معدوما ، فالموصى به أيضا كذلك ، لوحدة المناط فيهما ، مع أنّه من المسلّمات جواز الوصيّة بالأعيان المعدومة حال الوصيّة فعلا ، وكذلك بالمنافع المعدومة حالها كما إذا أوصى بكون ثمرة هذا البستان لفلان عشر سنين مثلا ، بل ينبغي أن يعدّ جواز الثاني من الضروريّات.

وفيه : أنّ هذا ليس من باب تمليك ما هو المعدوم حال التمليك للموصى له ، بل من باب تمليك شي‌ء في ظرف وجوده لشخص معيّن ، أو لعنوان من العناوين ، أو لطبيعة كلّية ، ولا مانع عقلا من هذا الأمر.

والذي قلنا إنّه غير ممكن هو أن لا يكون التمليك بلحاظ حال وجوده ، وإلاّ لا شكّ في أنّ الأحكام الوضعيّة تتعلّق بموضوعاتها ومتعلّقاتها باعتبار وجود صفة وحالة في تلك الموضوعات ، أو بلحاظ ظرف وجود نفس تلك الموضوعات ، وإن كان الجعل في حال عدم تلك الموضوعات أو عدم تلك الصفات ولكن اعتبار المجعول بلحاظ ظرف وجود تلك الموضوعات أو تلك الصفات.

نعم يحتاج إلى وجود دليل على صحّة العقد الفلاني والتمليك بهذا اللحاظ ، كما ورد في باب الوقف على البطون من الأخبار والإجماع ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ إطلاقات أدلّة الوصيّة يظهر منها أنّ الموصي في حال الإيصاء ينشئ ملكيّة المقيّدة بما بعد الموت للشخص الفلاني ، فلا بدّ من وجوده في تلك الحال لما بيّنّا وتقدّم.

فما أفاده في جامع المقاصد بقوله : واعلم أنّه قد سبق القول في الوقف جوازه على المعدوم إذا كان تابعا ، كما لو وقف على أولاد فلان ومن سيولد له ، فأيّ مانع من صحّة الوصيّة كذلك ، فإذا أوصى بثمرة بستانه مثلا خمسين سنة لأولاد فلان ومن سيولد له ، فلا مانع من الصحّة ، بل تجويز ذلك في الوقف يقتضي التجويز هنا بطريق أولى ، لأنّه أضيق مجالا من الوصية (151).

ففيه : أنّ الفرق بين المقامين جليّ ، وهو أنّ في الوقف أتى دليل من الأخبار والإجماع على صحّة الوقف على البطون وإن وجد بعضهم مئات من السنين بعد إنشاء الواقف أو بعد موته كذلك. وأمّا في الوصيّة فالإجماع على عدم صحّة الوصيّة للمعدوم حين الوصيّة أو حين موت الموصي.

نعم تقدّم في بعض الفروع السابقة بالنسبة إلى الموصى به أنّه يجوز الوصيّة بالمنافع غير الموجودة حال الوصيّة أو حال موت الموصي ، كالمثل الذي ذكره في جامع المقاصد من وصيّته بثمرة بستانه خمسين سنة لأولاد فلان الموجودين أو الذين سيولدون ويوجدون ، فهذا المثل بالنسبة إلى المنافع الموصى بها فلا إشكال فيها ، بل ادّعى الإجماع على صحّتها. وأمّا بالنسبة إلى الموصى لهم فإن كان كلّهم موجودين فلا إشكال أيضا في صحّتها وإن كان كلّهم معدومين فالإجماع على عدم صحّتها. وأمّا إذا كان بعض ولده موجودين وبعض آخر لم يولد بعد ، فهذا لا يخلو من إشكال بالنسبة إلى ذلك البعض الذي لم يوجد بعد.

فرع : لا خلاف بين الإماميّة في صحّة الوصيّة إذا كانت واجدة لشرائط الصحّة للوارث والأجنبي‌ ، وبعض الروايات الواردة في عدم جواز الوصيّة للوارث يجب طرحها أو تأويلها لإعراض الأصحاب عنها ، وورود روايات مستفيضة في جوازها له ، وقد عقد في الوسائل بابا في جواز الوصيّة للوارث تركنا ذكرها لوضوح المسألة وانعقاد الإجماع على الجواز. وقد ذكر في الوسائل إحدى عشر رواية تدلّ على الجواز (152).

فرع : تصحّ الوصيّة للذميّ مطلقا ، سواء كان أجنبيا أو كان من ذوي الأرحام. وقال في الشرائع : وقيل لا يجوز مطلقا ، ومنهم من خصّ الجواز بذوي الأرحام. والأوّل أشبه (153). أي القول بالجواز مطلقا أشبه بالقواعد والأدلّة من الإطلاقات والعمومات الواردة في الباب. أمّا من الكتاب العزيز فقوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] ولا شكّ في أنّ الوصيّة لهم من البرّ.

وأمّا الروايات فقد عقد في الوسائل بابا لذلك (154).

منها : ما عن ريّان بن شبيب قال : أوصت مارية لقوم نصارى فراشين بوصيّة ، فقال أصحابنا : اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك ، فسألت الرضا عليه السلام فقلت : إنّ أختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى ، وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين ، فقال : « امض الوصيّة على ما أوصت به ، قال الله تعالى :

{فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] (155) ».

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله؟ قال : « أعطه لمن أوصى له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا ، إنّ الله تعالى يقول {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] » (156).

ومنها : ما رواه حسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق عليه السلام قال : قال عليه السلام : « لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعت فيهم ، إنّ الله تعالى يقول {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] » (157).

ولا شكّ في دلالة الآية هذه الروايات على جواز الوصيّة للذميّ مطلقا ، سواء كانوا من ذوي الأرحام أو لم يكونوا منهم.

هذا كلّه مع نفي الخلاف فيه في الخلاف (158) ، فيكون عليه الإجماع.

وأمّا القول بعدم الجواز مطلقا ، فمستنده يمكن أن يكون بعض الروايات التي ذكرها في الوسائل ، كمكاتبة أحمد بن هلال إلى أبي الحسن عليه السلام (159) ومكاتبة عليّ بن‌ بلال أو الهلال (160) ، وكلاهما لا ظهور لهما في عدم صحّة الوصيّة للذمّي ، مضافا إلى إعراض المشهور عنهما.

وأمّا القول بالتفصيل بين ذوي الأرحام منهم فيجوز ، وغيرهم فلا يجوز ، فلم تجد لهذا القول مدركا يمكن الاعتماد عليه والاستناد إليه.

هذا كلّه في الوصيّة للذمّي.

وأمّا الحربي فالظاهر عدم الجواز له ، لقوله تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9].

ولكنّ الإنصاف أنّ هذه الآية أخصّ من المدّعى ، ولا تشمل إلاّ قسم خاصّ من الحربي لا كلّهم.

ولقوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22].

ولا شكّ في أنّ الوصيّة لهم من المودّة المنهيّ عنها ، فتكون الوصيّة لهم منهيّ عنها ، والنهي في المعاملات بالمعنى الاسم المصدري يدلّ على الفساد كما قررناه في الأصول.

ولكن هذه الآية أيضا أخصّ من المدّعي ، إذ ليس كلّ حربي محادّ الله ولرسوله ، مع أنّ النهي ها هنا على تقدير تسليمه ليس متعلّقا بنفس المعاملة ، بل تعلّق بعنوان ملازم للمعاملة أو ملزوم لها ، ومثل هذا النهي دلالته على البطلان غير معلوم.

والدليل الثالث على عدم صحّة الوصيّة للكافر الحربي هو عدم إمكان العمل بهذه الوصيّة شرعا ، وهذا يدلّ على فسادها ، إذ لا معنى للفساد في أبواب المعاملات إلاّ عدم لزوم ترتيب الأثر عليها وجواز عدم الاعتناء بها. أمّا عدم وجوب العمل بهذه الوصيّة بل عدم جوازه هو أنّ الحربي لا احترام لماله ولا لنفسه ، فلا يجوز أو لا يجب إعطاء ما أوصى له إليه.

وإن شئت قلت : لو جازت الوصيّة للحربي فإمّا يجب على الوصي الدفع إليه ، وهو ممنوع ، لجواز أخذه وتملّكه ، أو لا يجب. وهو أي عدم وجوب الدفع إليه عليه من لوازم الفساد.

وخلاصة الكلام أنّ الأظهر والأحوط عدم الجواز ، كما ذهب إليه المحقّق ، قال في الشرائع : وفي الحربي تردّد ، أظهره المنع (161). والعلاّمة في القواعد قال : والأقرب صحّة الوصيّة للذمّي وإن كان أجنبيّا ، والبطلان للحربي (162). وقال في الإيضاح : والصحيح ما اختاره المصنّف ، وهو جوازها للذمّي مطلقا والبطلان للحربي والمرتدّ. (163) والشيخ في الخلاف قال بجواز الوصيّة للذمّي دون الحربي (164). ويستفاد من جامع المقاصد أيضا أنّه قائل بعدم الجواز للحربي. (165) ‌

فرع : إطلاق الوصيّة يقتضي التسوية بين من أوصى لهم‌ ، فلو أوصى لأولاده تشملهم بالسويّة فإذا كانوا ذكورا وإناثا فنصيب الإناث مثل نصيب الذكور ، لوحدة السبب لأنّ السبب لاستحقاق الموصى به هي الوصيّة ، وفي ذلك كلّهم سواء ، لأنّ‌ الموصي لم يفرّق على الفرض بين الذكور والإناث ، ولا بين العالم والجاهل ، ولا بين العادل والفاسق ، وهكذا الأمر في سائر الطواري والخصوصيّات الواردة على عنوان الموصى له ، والمفروض أنّ كلّهم من مصاديق ذلك ومتساوي الإقدام في انطباق العنوان عليها ، وحيث لم يفرّق الموصي بين هذه الطواري وأطلق العنوان ولم يقيّده بأحد هذه القيود وجودا وعدما فالإطلاق يقتضي التسوية.

وكذلك الأمر لو قال الموصي : المال الفلاني لأخوالي أو لخالاتي أو لأعمامي أو لعمّاتي بعد وفاتي ، فيشملهم بالسويّة ولا يقسّم بينهم بترتيب الإرث ، لأنّه في الإرث جاء الدليل على أنّ تركة الميّت ليس بينهم بالسويّة ، بل لكلّ صنف منهم نصيب غير نصيب الصنف الآخر ، فللذكر منهم ضعف الإناث وإلاّ هناك أيضا يقسّم بينهم بالسويّة ، فلو كان دليل الإرث فقط قوله عليه السلام : « ما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه » كان يقسّم المال بالسويّة ، وهذا واضح.

نعم لو صرّح بالتفصيل فلا يبقى مورد للأخذ بالإطلاق ، بل يجب العمل على طبق تفصيله. وها هنا رواية تدلّ على التفصيل ، ولكن الأصحاب لم يعملوا بها فصارت مهجورة متروكة ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله ، فقال عليه السلام : « لأعمامه الثلثان ، ولأخواله الثلث » (166) وروى هذه الرواية في الكافي بطريق آخر عن ابن محبوب ، ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن الحسن بن محبوب ، ولكنّها لعدم العمل بها وإعراض الأصحاب عنها مطروحة ، أو يحمل على أنّ الموصي أوصى لهما على كتاب الله ، أي طريقة الإرث التي في كتاب الله وأنّ ( لِلذَّكَرِ ) مثلَ ( حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ).

فرع : قال في الشرائع : إذا أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبة (167).

أقول : كالهاشمي لأفراد الهاشميّين ، وكذلك الطالبين والعلويين بالنسبة إلى أفراد هذين العنوانين.

ولكن الإنصاف أنّ العناوين العامّة التي تطلق على الأشخاص مختلفة جدّا من حيث كثرة المصاديق وقلّتها ، ومن جهة اتّصالهم في أب قريب أو بعيد. والقرب والبعد أيضا قد يكون بحسب الزمان ، وقد يكون بحسب كثرة عدد الفواصل ، وقد يكون بحسب الاثنين ، ولا شكّ في أنّ ذلك اللفظ قد يكون منصرفا عن بعض أفراده بل عن أغلب أفراده ، فعنوان الهاشمي أو العلوي أو الحسيني أو الموسوي يطلق على الملايين ، ولا شكّ في أنّ كلّهم أقرباء بمعنى اشتراكهم واتّصالهم في النسب ، ولكن مع ذلك لفظ « الأقرباء » منصرف عن أغلب أفراد هذه العناوين المذكورة.

فالأحسن بل المتعيّن إحالة المعنى وتشخيص المراد إلى الظهور العرفي ، ـ أي ما يفهمه العرف من هذا اللفظ ـ فلا يمكن أن يكون ما ذكره في الشرائع هو المناط في تشخيص المراد من اللفظ.

فلو أوصى لذوي قرابته أو أقربائه ، فلا يمكن أن يكون كلّ من هو معروف بنسبة الهاشمي أو العلوي أو العبّاسي مثلا أو الموسوي أو الفاطمي وأمثالها من أقربائه ، لأنّ اللفظ منصرف عن أغلب الأفراد قطعا ، فالمناط هي الإحالة إلى العرف.

وفي المفاهيم العرفيّة أيضا قد يكون معلوم الانطباق ، وقد يكون عدم انطباقه معلوم. وحال هذين معلوم في شمول الوصيّة وعدم شمولها له. وقد يكون مشكوك الانطباق ، فالإطلاق لا يشمله أيضا وخارج عن الحكم ، إلاّ أن يكون أصل موضوعي في البين ، وإلاّ فالمرجع هي الأصول العمليّة.

وما ذكرناه من لزوم الإحالة إلى العرف في لفظ « ذوي القرابة » جار في مطلق الألفاظ التي تقع متعلّقا للوصية ويكون الوصيّة لهم ، من لفظ « القوم » و« العشيرة » و« الجيران » وأمثالها ، فلا بدّ وأن يؤخذ بما يفهمه العرف منها إلاّ أن يأتي دليل من قبل الشارع على التوسعة أو التضييق ، مثل الطواف بالبيت صلاة أو المطلّقة الرجعيّة زوجة ، فلا نطيل الكلام وإن أطالوا في معنى بعض هذه الألفاظ كلفظ « أهل البيت » وغيره.

فرع : وتصحّ الوصيّة للحمل الموجود حال الوصيّة وإن لم يكن ولجه الروح‌ ، لشمول عمومات الوصيّة وإطلاقاتها له ، ولأنّه اجتمع فيه الشرطان اللذان للموصى له ، وهما وجوده وقابليته للتملّك ، فلا وجه لعدم صحّته ، ولكن استقرار الصحّة بوضعه حيّا وإن وضعته ميتا يكشف عن بطلانها من أوّل الأمر وإن كان حيّا حين الوصيّة ، فهو مثل الإرث أي كما أنّه يرث إن ولد حيّا أمّا لو ولد ميّتا لا يرث وإن كان حال موت مورّثه حيّا في بطن أمّه ، وذلك لأنّ صلاحيّته للتملّك بالإرث أو بالوصيّة موقوفة على تولّده حيّا ولو آنا مّا ، فلو لم يولد حيّا فيستكشف أنّه لم يملك أصلا ، فالنماء المتخلّل بين حال الوصيّة والولادة ، وبين موت المورث وحال الولادة للطفل إن ولد حيّا ، وللورثة إن لم يولد حيّا. والحال أنّ النماء تابع للعين في كلا المقامين.

ثمَّ إنّ من الواضحات أنّه لو ولد حيّا ثمَّ مات تكون الوصيّة لورثة الولد من باب الإرث كسائر موارد الإرث ، كما أنّه لو ولد حيّا ثمَّ مات بالنسبة إلى المال الذي ورثه وهو في بطن أمّه أيضا كذلك يكون لوارثه.

وأمّا بناء على لزوم قبول الموصى له في صيرورة الوصيّة ملكا له فهل يحتاج إلى قبول وارث الطفل الذي ولد حيّا ومات ، أو قبول من هو وليّ عليه ، أم لا؟ الظاهر عدم الاحتياج ، لأنّه بالولادة حيّا صار ملكا للولد ، فالوارث يملك الوصيّة بالإرث لا‌ بالوصيّة ، فلا يحتاج إلى القبول.

نعم يمكن أن يقال ـ كما هو الظاهر من المسالك (168) ـ : إنّ الولد حال الولادة كان قبوله أو قبول وليّه شرطا في تأثير الوصيّة ، وحيث أنّه لم يكن قبول من كلّ واحد منهما كما هو المفروض في المقام ، فيجب القبول من الوارث أو وليّه إن كان صغيرا أو وكيله إن كان كبيرا ، وإلاّ لا يتمّ الوصيّة. وهو كلام حسن قويّ جدّا.

ولكن صاحب الجواهر (169) أشكل عليه بأنّ ظاهر الفتاوى استقرار الوصيّة بانفصاله حيّا.

وهذا الكلام منه إن كان ادّعاء الإجماع على استقرار الوصيّة بالانفصال حيّا وإن لم يحصل القبول فهو شي‌ء. وبعبارة أخرى : يكون من نقل الإجماع ، وإلاّ لا يسمن ولا يغني من جوع.

فرع : لو أوصى في سبيل الله ، قيل : يختصّ بالغزاة ، وقيل : يصرف في وجوه البرّ‌ وفيما فيه أجر وثواب. والاختصاص بالأوّل لا وجه له ، نعم هو أحد طرق سبيل الله والثاني أقرب إلى ما هو المتفاهم العرفي من هذه الكلمة.

وقد تقدّم منّا أنّ في جميع هذه الموارد لا بدّ من مراجعة العرف في فهم ألفاظ المستعملة في الموصى به والموصى له كالفقراء والعلماء والقرّاء أو الأرامل أو لورثة فلان أو لعصبة فلان أو لبني فلان أو للشيوخ أو للكهول أو للشبّان أو للعرائس أو للعذارى أو للعجائز ، وأمثال هذه الألفاظ من العناوين.

وكذلك الأمر في الموصى به ، مثل أن يقول : أعطوا فلانا قوسي أو عودي أو عصاي أو سيفي أو فروتي أو ثيابي أو قرآني أو كتب ادعيتي ، ففي فهم جميع تلك‌ الألفاظ فهم العرفي هو المتّبع ، إذ هو المناط في تشخيص الظاهر من غيره ، وهو الحجّة في تعيين ما أراد المتكلّم.

وأمّا في بيان « سبيل الله » وأنّه ما المراد منه إذا أوصى بصرفه في سبيل الله ، فقد ورد فيه روايات عقد له بابا في الوسائل ، ونحن نذكر جملة منها :

منها : ما رواه حسن بن راشد قال : سألت أبا الحسن العسكري عليه السلام ( بالمدينة ) عن رجل أوصى بمال له في سبيل الله؟ قال عليه السلام : « سبيل الله شيعتنا » (170).

ومنها : حسين بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : « إنّ رجلا أوصى إليّ بمال في السبيل ، فقال لي : « اصرفه في الحجّ ، فإنّي لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج » (171).

ومنها : ما رواه حجّاج الخشّاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن امرأة أوصت إليّ بمال أن يجعل في سبيل الله ، فقيل لها : يحجّ به ، فقالت : اجعله في سبيل الله. فقالوا لها : فنعطيه آل محمد صلى الله عليه واله قال : اجعله في سبيل الله. فقال أبو عبد الله عليه السلام : « اجعله في سبيل الله كما أمرت ». قلت : مرني كيف أجعله؟ قال : « اجعله كما أمرتك ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181] أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا؟ ». قال : فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمَّ دخلت عليه فقلت له مثل الذي قلت أوّل مرّة ، فسكت هنيئة ، ثمَّ قال : هاتها ، قلت : من أعطيها؟ قال : « عيسى شلقان » (172).

ومنها : ما عن يونس بن يعقوب أنّ رجلا كان بهمدان ذكر أنّ أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر ، فأوصى بوصيّة عند الموت وأوصى أن يعطى شي‌ء في سبيل الله فسأل عنه أبو عبد الله عليه السلام كيف نفعل وأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر فقال عليه السلام : « لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعته فيهما ، إنّ الله تعالى يقول ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر ـ يعني بعض الثغور ـ فابعثوا به إليه » (173).

وبعد التأمّل التامّ يطمئن الناظر فيها أنّ ما ذكر في كلّ رواية من هذه الروايات ليس إلاّ مصداقا من مصاديق سبيل الله ، فالإعطاء إلى الشيعة أو للحجّ عنه أو لأهل الجهاد والحافظين للثغور كلّهم من مصاديق سبيل الله ولا تنافي بينها.

الأمر الخامس

في الأوصياء‌ :

جمع مفرده : الوصي ، مأخوذ من الوصاية. وهي في عرف المتشرعة عبارة عن التعهّد إلى شخص بالتصرّفات المتعلّقة بأمواله وأولاده القصر أو أحفاده كذلك بعد موته ، فتحصل لذلك الشخص ولاية على هذه التصرّفات من قبل الموصي ، فذلك‌ الشخص يسمّى بالوصي ، وهو من المفاهيم الواضحة عند العرف ، فلا يحتاج إلى شرح وإيضاح.

وإنّما الكلام في الشروط‌ والأوصاف التي يلزم أن يكون متّصفا بها كي يصلح لجعله وصيّا ، ويترتّب الصحّة على التصرّفات التي تصدر منه.

فمنها : العقل والبلوغ‌ ، واعتبار هذين معلوم ، لأنّ المالك الأصيل محجور عن التصرّفات في أمواله مع فقدهما أو أحدهما ، فكيف يمكن إعطاء مثل هذه الولاية لفاقدهما أو فاقد أحدهما.

ومنها : الإسلام. واشتراط صحّة الوصاية بكون الوصي مسلما إجماعي لا خلاف فيه. وقد يستدلّ بأدلّة أخرى ولكن لا تخلو من مناقشة ، من قبيل الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، ووصاية الكافر على أموال المسلم ـ وخصوصا على أولاده القصر وأحفاده كذلك المسلمين ـ علوّ عليهم ، وأيّ علوّ أعلى من كونه وليّا عليهم وقوله تعالى {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } [هود: 113] إلى آخر والكافر ظالم لنفسه ولغيره. وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ المراد من قوله تعالى ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) في هذه الآية هم الكفّار ، والركون هو الميل اليسير وهو مقابل النفوذ ، ولا شك في أنّ جعله وليّا على أمواله وأولاده ركون إليه وأيّ ركون.

نعم يبقى كلام في هذا المقام وفي مقامات أخر ، وهو أنّه هل النهي يدلّ على الفساد ، أم لا ، لأنّه ليس بعبادة كي يكون محتاجا إلى قصد القربة ، ولا يمكن قصدها مع كونه منهيّا عنه. وقد حقّقنا في الأصول في كتابنا « منتهى الأصول » (174) أنّ النهي في أبواب المعاملات إذا تعلّق بالمعنى الاسم المصدري من تلك المعاملة فيدلّ على الفساد ، وها هنا كذلك ، لأنّ ما هو المبغوض عند الشارع وغير راض به هو ولاية الكافر على‌ أموال المسلمين وأنفسهم ، لا جهة إصدار هذا الجعل فقط. وهذا واضح جدا.

ثمَّ إنّ هذه الأدلّة على تقدير دلالتها على اعتبار الإسلام في الوصي ، هو فيما إذا كان الموصي مسلما. وأمّا إذا كان كافرا وأوصى إلى واحد من أهل ملّته فلا إجماع في البين.

ومنها : العدالة‌ ، وفي اعتبارها خلاف. قال في الشرائع : وهل يعتبر العدالة؟ قيل : نعم ، لانّ الفاسق لا أمانة له. وقيل : لا ، لأنّ المسلم محلّ للأمانة. (175)

وكلا القولين المستندين إلى هذين الدليلين غير خال عن الخلل.

أمّا الأوّل : فمن جهة أنّه ربما يحصل الوثوق والاطمئنان من الفاسق أزيد من غيره ، خصوصا إذا كان من أقربائه الأقربين ، كابنه الذي هو أخ لأولاده ، وأحفاده القصر خصوصا إذا كان شقيقا لهم ، فلا شكّ في أنّه أعطف وأرأف إلى إخوته ـ وإن كان فاسقا ـ من الأجانب وإن كانوا عدولا.

وأمّا الثاني : فلأنّ المسلمين مختلفون من حيث الأمانة ، لأنّه بين المسلم والأمين عموم وخصوص من وجه ، فربّ شخص يكون أمينا وليس بمسلم ، وكذلك العكس.

وما ورد في أمانة المسلم أو في خيانة الكافر غالبي ليس بطور الكلّيّة ، هذا أوّلا.

وثانيا : اعتبار الوثوق أو الاطمئنان والأمانة فيما إذا كان أوصى إليه في أداء حقوق الواجبة ، كما إذا أوصى إلى شخص أن يحجّ عنه حجّة الإسلام أو حجّ واجب من جهة أخرى ، أو يقضي ما فات من فرائضه التي هو مأمور بقضائها ، أو جعله وصيّا وقيّما على أولاده وأحفاده القصر كي يدبّر في إدارة أموالهم أو سائر شؤونهم.

وإلاّ لو جعله وصيّا في صرف ثلثه في الخيرات والمبرات ، فلا دليل على لزوم وثوقه بالوصي فضلا عن لزوم كونه عادلا.

وذلك من جهة أنّ اعتبار الوثوق أو الأمانة من جهة عدم تلف أمواله ، وأن يصرف في ما يريد أو في ما له الأجر والثواب ، لا أن لا يصرف في الخيرات بل لعلّه في بعض الأحيان يصرف في المحرّمات والجرائم الكبيرة ، بل وحتّى في مورد يحتمل أن يصرف الوصي بعض ماله في المحرّمات لا مانع من جعله وصيّا ، لأنّه مسلّط على ثلث ماله ، يفعل به كيف ما يشاء.

إلاّ أن يكون المنع من باب أن لا يكون إعانة على الإثم. ولكن هذا الاحتمال أيضا لا أثر له ، لأنّ الإعانة على الإثم لا تتحقق بدون قصد ترتّب الإثم على فعله ، والمفروض في المقام أنّ قصد الموصي ها هنا هو أن يصرف الوصي في الخيرات والمبرّات ، لا في المحرّمات.

وأمّا ما يقال من أنّ المال يخرج عن ملكه بعد الموت ، فيكون من قبيل تعيين الولي في أن يتصرّف في مال الغير ، فلا بدّ أن يكون موثوقا وأمينا كي لا يتلف عن طرف جعله ونصبه ذلك الشخص أموال القصر ، أو فيما أوصى للجهات العامّة حقوق الجميع.

مثلا إذا أوصى للمصرف في قنطرة فلان ، فبتلف ذلك المال الذي عيّنه لعمارة القنطرة يضيع حقوق جميع العابرين. وهكذا الأمر فيما أوصى لجميع الخيرات والجهات العامّة.

وأمّا جعل الوصي في تقسيم وتدبير ما أوصى بالوصيّة التمليكيّة للعناوين العامّة ، فلو خان الوصي يكون تلفا في ملكهم ، لأنّه بعد الموت يصير الموصى به ملكهم ، فإتلاف الوصي يقع في ملكهم لا في ملك الموصي ، لأنّ الموصى به خرج بالموت عن ملك الموصي ، فإتلاف الوصي وخيانته لا محالة تقع إمّا في ملك الموصى لهم أو في حقوقهم ، وليس له السلطنة على هذا الإتلاف ، فلا بدّ وأن يكون الوصي عادلا كي يأتمنه على مال الغير أو على حقّه ، ولا يؤتمن الفاسق ، كما ورد في بعض الروايات ، ولصريح آية النبإ التي أمر الله تعالى فيها بالتثبّت والتبيّن عمّا أخبره ، وعدم قبول قوله.

ففيه : أنّ الموصي ما دام حيّا والروح في بدنه ، له أن يتصرّف في ماله كيفما شاء ، ولذلك له أن يتصرّف فيه في مقدار الثلث بأيّ نحو أراد ، ما لم يكن التصرّف في المحرّمات من التصرّفات التي لا يجوز له حال الحياة.

وأمّا أنّ تصرّفه بلحاظ ما بعد الموت تصرّف في ملك الغير أو في حقّه فمغالطة واضحة ، لأنّه لا ينتقل إلى الورثة المال الذي لم يتصرّف فيه كي يكون تصرّفه في ملك الورثة ، بل انتقل إليهم المال الذي وقع فيه التصرّف بهذا القيد.

وذلك نظير أنّ المالك آجر ماله واستوفى المنفعة التي لسنين ثمَّ بعد ذلك باعه ، فينتقل إلى المشتري مال مسلوب منفعة وإن كان زمان حصول المنفعة بعد زمان انتقاله إلى المشتري ، وذلك من جهة أنّه قبل البيع له السلطنة على ماله عينا ومنفعة إلى الأبد ، ولذلك يجوز له التصرّفات المعيّنة للعين أو المنفعة إلى الأبد.

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المحقق أجاد في مقام تعليل عدم اعتبار العدالة بقوله : ولأنّها ولاية تابعة لاختيار الموصي فتحقّق بتعيينه. (176) كما أنّ للمالك أن يوكل من يريد ويستودع عنه من يريد ، عادلا كان أم لا.

وهناك قول ثالث اختاره في المسالك (177) وهو أنّ العدالة ليست بشرط ولكن ظهور الفسق مانع ، فلو كان ظاهر الفسق ومعلوم الحال أنّه فاسق لا يجوز جعله وصيّا ، وأمّا لو كان مجهول الحال ولا يعلم فسقه بحيث أنّ من نسب إليه الفسق وقال إنّه فاسق يعزّر ، فيجوز أن يوصى إليه ويجعله وصيّا.

ومن المحتمل أن يكون مراده من ظهور الفسق عليه أن يكون متجاهرا بالفسق ، ففرّق بين الفاسق الواقعي والمتجاهر بالفسق ، فجوّز جعله وصيّا في الأوّل ، ومنع‌ في الثانية.

ولكن ظاهر عبارته بعيد عن هذا المعنى ، وإن كان هو في نفسه لا بأس به.

فالأقوال في المسألة ثلاثة : اعتبار العدالة ، وعدم اعتبارها مطلقا سواء ظهر عليها الفسق أم لا ، وعدم اعتبار العدالة وعدم ظهور الفسق.

ثمَّ ظهر مما ذكرنا أنّ الأرجح هو القول الثاني.

نعم لا بأس بالقول باعتبار كونه ثقة مأمونا عن الخيانة ، كما هو بناء العقلاء في مقام الوصيّة ، فلا يوصون إلاّ إلى من يثقون به وأنّه لا يخون ولا يتلف بل يضع كلّ ما أوصى إليه في موضعه. وأمّا العدالة بالمعنى المعلوم عند الفقهاء فمن كلّ مائة من الأوصياء لا تجد واحدا فيهم ، ولا تعرّض في الأخبار من هذه الجهة أصلا مع كثرة سؤال الأوصياء عنهم : عن وظائفهم فيما أوصى إليهم. ولعلّ بعد التأمّل في جميع ما ذكرنا يحصل الاطمئنان بعدم اعتبار العدالة في الوصي ، وكفاية الوثوق بأمانته.

فرع : لو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت الموصي فهل تبطل وصيّته مطلقا‌ ، أو على تقدير القول باشتراط صحّة الوصاية بعدالة الوصي ، أو لم تبطل مطلقا؟

وجه الأوّل الذي اختاره الأكثر ، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه : أنّ الموصي لم ينصبه مطلقا وعاريا عن القيد ، بل نصب هذا الشخص بما أنّه عادل لا يخون ، فإذا زال الوصف يزول الموضوع ، كما أنّه إذا نصب المجتهد العادل قاضيا ففسق يزول عنه منصب القضاء لانعدام موضوعه ، فكذلك هنا جعل هذا الشخص العادل بما أنّه عادل وصيّا ، فموضوع الوصاية ليس ذات هذا الشخص بل بوصف أنّه عادل وإن لم تكن العدالة شرطا للوصاية ولكن الموصي أعطى هذا المنصب باعتبار أنّه عادل ، فعند‌ فسقه انعدم الموضوع فانعدم الحكم.

وجه الثاني : أنّ ظاهر اشتراط عدالة الوصي في صحّة الوصاية هو أنّها شرط حدوثا وبقاء‌ ، لا حدوثا فقط ، وذلك لوحدة المناط حدوثا وبقاء ، لأنّ مناط الاشتراط هو عدم تلف أموال أولاده وأحفاده أو مال سائر الناس أو حقّهم. وهذا المعنى كما أنّه يوجب اشتراط العدالة في إعطاء الموصي الولاية في أوّل الأمر ، كذلك يوجب اشتراطها بقاء كي لا يوجد خلل من تلف مال أو حقّ بقاء.

وإذا قلنا بعدم اشتراط العدالة في أوّل الأمر حدوثا فلا وجه لاشتراطها بقاء ، فكما أنّ الفسق من أوّل الأمر ليس بمانع عروضه ، فيما بعد أيضا ليس بمانع.

وجه الثالث : هو أنّه بعد ما تحقّق الوصيّة صحيحا وصار الموصى إليه وصيّا واعطى هذا المنصب ، فبزواله يحتاج إلى دليل‌ وهو مفقود ، بل إذا شككنا فمقتضى الاستصحاب بقاء كونه وصيّا.

ولكن أنت عرفت ممّا ذكرنا في بيان وجه الأوّل أنّ الدليل على الزوال موجود وهو فقد وصف الموضوع أي العدالة ، والوجه الأوّل هو الصحيح ، أي القول بالبطلان مطلقا.

أمّا على تقدير اشتراط الصحّة بعدالة الوصي فالأمر واضح ، لما ذكرنا من عدم الفرق بين الحدوث والبقاء. وأمّا على تقدير عدم الاشتراط فأيضا لما ذكرنا من تقييد المتعلّق بوصف العدالة ، فبعد زوال الوصف لم يجعل له هذا المنصب ، وليس شكّ في البين كي يستصحب ، لأنّ المفروض أنّ الموضوع ها هنا مركّب وبزوال الوصف يحصل القطع بارتفاع الموضوع.

نعم لو كان ذات الوصي موضوعا للوصاية ، وكان وصف العدالة من قبيل الداعي للجعل فلا يرتفع الوصاية ، لأنّ تخلّف الداعي للجعل لا يوجب ارتفاع المجعول ، لأنّ ما هو العلّة في الجعل هي الصورة الذهنيّة لما هو الداعي ، وعدم مطابقة‌ تلك الصورة مع الخارج لا تأثير له في الجعل ، ولا في وجود المجعول.

ولكن هذا فيما نحن فيه خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّه جعل فلانا مثلا وصيّا بما هو عادل ، لا أنّه جعله وصيّا والداعي لهذا الجعل عدالته ، فالحقّ هو بطلان وصيّته بعد صيرورته فاسقا وانعزاله قهرا.

ثمَّ إنّه على تقدير عود العدالة هل تعود الوصيّة أم لا؟

الظاهر أنّه لا ، لأنّ عودها يحتاج إلى جعل جديد ، نعم كان له من أوّل الأمر أن يجعله هكذا ، أي العود بعودها.

فرع : وحيث أنّ من جملة شرائط الوصي أن يكون بالغا ـ لأنّ الصبي ممنوع عن التصرّف في ماله بنفسه ومباشرته ، ومحجور عن المعاملات ، ومسلوب عبادته ، ولا يعتني بقوله ولا بفعله ـ فلا تصحّ الوصيّة إلى الصبيّ منفردا لعدم قابليّته للتصرّفات شرعا ، ولمّا جعله منضمّا إلى الكبير بحيث يكون شريكا مع غيره المنضمّ إليه عند بلوغه ، فلا مانع منه عقلا ولا شرعا. وورود الدليل على ذلك أيضا مع أنّ جميع ذلك مطابق للقواعد الأوّليّة وإن لم يكن نصّ في البين ، فالكبير متفرّد في التصرّفات إلى أن يبلغ الكبير ، فإذا بلغ فليس له التفرّد لوجود الشريك ، كما أنّه ليس للصغير بعد بلوغه نفوذ شي‌ء ممّا أبرمه الكبير قبل بلوغ هذا الصغير.

وأمّا النصّ الوارد في المقام فروايات :

منها : ما عن محمد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام رجل أوصى إلى ولده ، وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيّته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقّع عليه السلام ‌ « نعم ، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك » (178).

ومنها : ما عن عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأة وشرك في الوصيّة معها صبيّا؟ فقال عليه السلام : « يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصيّة ، ولا تنتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى ، إلاّ ما كان من تبديل أو تغيير ، فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميّت » (179).

فرع : بعد الفراغ عن جواز الوصيّة إلى الصغير منضمّا إلى الكبير وعدم جواز تصرّفه قبل البلوغ وكونه شريكا مع الوصي الكبير بعد البلوغ وعدم جواز تفرّد الكبير في التصرّفات بعد بلوغ الوصي الصغير ، فلو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل فهل ينفرد الكبير بالتصرّف ويصير كأنّه لم يكن غيره وصيّ في البين ، أم لا بدّ من مراجعة الحاكم ومداخلته بالإذن له بذلك ، أو يجعل شريكا له في التصرّفات عوضا عن الشريك الذي مات أو صار كالعدم؟

الظاهر عدم لزوم المراجعة إلى الحاكم بل عدم جواز مداخلته ، لأنّ مداخلة الحاكم مورده فيما إذا لم يداخل يتعطّل الأمر ، وليس هناك من يجب مباشرته ، لأنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له ، فإذا كان للأمر وليّ يجب عليه الدخل والتصرّف ، كما في مثل المقام حيث أنّ الوصي الكبير كان له التصرّفات قبل موت الصغير أو جنونه وفساد عقله ، فالآن كما كان ، فمع وجود ذلك الكبير الذي له ولاية على ما أوصى به لا تصل‌ النوبة إلى الحاكم ومداخلته.

فرع : لا يشترط الذكورة في الوصيّ‌ فيجوز أن يوصى إلى امرأة موثوقة غير عاجزة عن التصرّفات التي أوصى إليها ، وذلك لأنّ الأصل عدم اعتبار الذكورة مع شمول إطلاقات الوصيّة لما إذا كان الوصيّ امرأة ، مضافا إلى الإجماع وعدم وجود المخالف ودلالة رواية عليّ بن يقطين المتقدّمة أنّه قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى امرأة وشرك في الوصيّة معها صبيّا؟ فقال عليه السلام : « يجوز ذلك وتمضى المرأة الوصيّة » إلى آخر.

فرع : ولو أوصى إلى اثنين أو أكثر ، فلهذه المسألة صور :

الأولى : أن يطلق ولم يقيّد وصايتهما وولايتهما أو تصرّفهما بالإجماع أو بالانفراد.

الثانية : أن يقيّد بالاجتماع ، سواء كان الاجتماع قيد الولاية والوصاية ، أو كان قيد التصرّف.

الثالثة : أن يصرّح بجواز تصرّف كلّ واحد منهما مجتمعا أو منفردا أو ولاية كلّ واحد منهما كذلك.

أمّا الصورة الثانية والثالثة فالأمر فيهما واضح ، لأنّ كلّ واحد منهما في الثانية إمّا ليس بوليّ ووصيّ ، أو لا يجوز تصرفه مستقلا وإن كان لاشتراط الاجتماع ، فمخالفته تبديل للوصيّة وقد حرّمه الله تعالى بقوله {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181].

هذا إذا كان الاجتماع شرطا للتصرّف ، وأمّا إذا كان قيدا للولاية بمعنى أنّ الولاية‌ جعل للاثنين فكأنّه كلاهما وليّ واحد ، فكلّ واحد منهما منفردا عن الآخر ليس بوليّ ، فلا ينفذ تصرّفاته ويكون حاله حال الأجنبيّ عن التركة ، بل هو هو.

وأمّا في الثالثة فيجوز تصرّف كلّ واحد منهما مجتمعا مع الآخر ومتفرّدا عنه ، لتصريح الموصي بذلك.

أمّا الصورة الأولى ، أي فيما إذا أوصى إليهما من دون تصريح بكونهما مجتمعين أو تصريح بعدم الفرق بين كونهما مجتمعين أو منفردين ، فالمشهور عدم نفوذ تصرّف كلّ واحد منهما منفردا واستقلالا لوجوه :

الأوّل : لأنّه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير‌ ، لأنّ احتمال أن يكون تصرّف كلّ واحد منهما مشروطا بالانفراد ، بحيث لو اتّفقا على أمر يكون تصرّفهما باطلا ، لا يليق مثل هذا الاحتمال بالفقيه ، فلا بدّ من أحد أمرين : إمّا اختصاص النفوذ باجتماعهما على أمر ويكون التصرّفات ناشئة من رأيهما جميعا ، أو ينفذ وإن تفرّد أحدهما بالتصرّف دون الآخر. وهذا معنى الدوران بين التعيين والتخيير ، فالقدر المتيقّن ممّا هو نافذ هو صورة اجتماعهما ، فلا بدّ وأن يؤخذ به ، لأنّ الأخذ به يوجب القطع بالعمل بالوصيّة. وأمّا الفرد الآخر ، أي الأخذ بنفوذ تصرّف كلّ واحد منهما وإن كان منفردا مشكوك أنّه عمل بالوصيّة أم لا ، والعقل يحكم بلزوم الأخذ بالأوّل ، وهذا الحكم العقلي ثابت وجار في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

الثاني : ظهور جعلهما وصيّا في أنّ لنظر كلّ واحد ورأيه مدخليّة في نفوذ الوصيّة ، ورأي كلّ واحد منهما بعض المؤثّر لإتمامه ، ولا شكّ في أنّ المعلول لا يوجد إلاّ بتمام العلّة لا ببعضها ، وكذلك الحكم لا يوجد إلاّ بعد وجود تمام موضوعه ، فلا بدّ من الاجتماع في نفوذ الوصيّة.

الثالث : الروايات الواردة الظاهرة في أنّ تصرّف أحد الوصيّين دون الآخر ومنفردا لا نفوذ له: منها : رواية محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة ، والآخر بالنصف؟ فوقّع عليه السلام : « لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت وأن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء الله ».

وروى المشايخ الثلاثة هذه الرواية عن الصفّار (180).

ومنها : ما رواه صفوان بن يحيى قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل كان لرجل عليه مال فهلك وله وصيّان ، فهل يجوز أن يدفع إلى أحد الوصيّين دون صاحبه؟ قال : « لا يستقيم إلاّ أن يكون السلطان قد قسم بينهما المال فوضع على يد هذا النصف وعلى يد هذا النصف ، أو يجتمعان بأمر السلطان » (181).

فقوله عليه السلام : « لا يستقيم » صريح في أنّ كلّ واحد منهما ليس مستقلاّ في التصرّفات.

وأمّا الاستثناء فإن كان المراد من السلطان هو الإمام الحقّ ، فلا شكّ في أنّه بعد تقسيمه لمصلحة فكلّ واحد منهما يصير مستقلاّ في نصيبه. وإن كان المراد هو الجائر فيكون الحكم من باب التقيّة وقد وجّه الرواية بهذا أو ما هو قريب منه الشيخ (182) ولا بأس به.

ومنها : ما رواه بريد بن معاوية قال : إنّ رجلا مات وأوصى إليّ وإلى آخر أو إلى رجلين فقال أحدهما : خذ نصف ما ترك وأعطني النصف ممّا ترك ، فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك ، فقال عليه السلام : « ذلك له » (183).

وهذه الرواية أيضا تدلّ على عدم جواز استقلال أحدهما وتفرّده بالتصرّف ، بناء على أن يكون المشار إليه في كلمة « ذلك له » هو أباه الآخر بعد طلب أحدهما التقسيم والنصف ، لا أن يكون المشار إليه هو طلب التنصيف ، وإلاّ فيكون على خلافه أدلّ. فظهر أنّ هذه الروايات أيضا تدلّ على عدم جواز انفراد كلّ واحد من الوصيّين أو الأوصياء بالتصرّف ، بل لا بدّ من اجتماعهما على رأي وأمر فيما لم ينصّ الموصي على الاستقلال والانفراد.

ثمَّ إنّه لو تشاحا ولم يجتمعا على أمر وأصرّ كلّ واحد منهما على رأيه المخالف لرأي الآخر ، فالحاكم يجبرهما على الاجتماع ، فإن لم يمكن وتعذّر الاجتماع بل وإن تعسّر يستبدل بهما غيرهما ، لأنّ تعيين أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، ولأنّ التعطيل في وصايا الميّت بحيث يضيع حقّ من أوصى له أو غير ذلك من وصاياه أمر مرغوب عنه شرعا. ومضافا إلى أنّ المال يبقى بلا من يكون وليّا عليه ويدبّر أمره ، خصوصا إذا كان من الحيوانات فتتلف لاحتياجها إلى عنايات من تعليفها ، ومكان بالليل لحفظها من السباع ، وراع يرعيها وأمثال ذلك ، والصغار من يتامى الموصي يحتاجون إلى الأكل واللباس وغير ذلك من حوائجهم ، فلا بدّ من مداخلة الحاكم الذي بيده مجاري الأمور لاستبدال المتشاحين بغيرهما كي يدبّر هذه الأمور وينظّمها.

وأمّا ما قيل : من أنّ في الأمور اللابدّية التي لا يمكن تعطيلها لفوات نفس محترمة ، أو فوات الأموال بجواز انفراد أحدهما بالتصرّف كما في الشرائع. (184)

فهذا كلام خال عن الدليل ، بل الدليل على خلافه ، لأنّهما بعد سقوط رأيهما عن الاعتبار لعدم إمكان اجتماعهما لا اعتبار برأي كلّ واحد منهما منفردا عن الآخر ولا بفعله ، فيكون حاله حال الأجانب بل هو بمفرده أجنبي عن التركة ، فهو كسائر الناس لا يجوز له التصرّف إلاّ بأمر وإذن من الحاكم ، فبعد عدم إمكان اجتماعهما على رأي لا بدّ من مداخلة الحاكم كي يستبدل بهما ، سواء كان مورد خلافهما من الضروريّات والأمور اللابدّ منها ، أو لم يكن كذلك.

نعم لو لم يوجد الحاكم ـ أي المجتهد العادل ـ أو لم يمكن الوصول إليه ، فعلى عدول المؤمنين بل على فسّاقهم إن لم يوجد العدول أيضا من باب الحسبة. وليس ذلك حينئذ من باب الوصيّة كي يقدّم أحدهما على سائر المؤمنين.

وما ذكرنا من أنّه لا بدّ من مراجعة الحاكم فيما إذا كان عدم إمكان الاجتماع لإصرار كلّ واحد منهما على رأيه وعدم تنزّله عنه.

وأمّا إذا كان لسقوط رأيه وعدم قابليّته للتدخل بموت أو جنون ، فهل للحاكم ضمّ آخر إلى الباقي منهما أم لا؟ الظاهر أنّه ليس له ، لأنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له ، وها هنا حيث أنّ لكلّ واحد منهما ولاية على الموصى به ، فبخروج أحدهما عن قابليّة الولاية والوصاية لا يبقى الموصى به بلا ولي كي تصل النوبة إلى الحاكم ، بل ينفرد الولي والوصي الآخر ويتمّ العمل بمقتضى الوصيّة.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ الوصاية والولاية التي جعلها الموصي لكلّ واحد منهما كانت مشروطة بانضمام الآخر ، فلو سقط الآخر عن قابليّة الانضمام بواسطة الموت أو الجنون فينتفي حصول الشرط ، فينتفي المشروط بانتفاء الشرط ، فلا يبقى له الولاية والوصاية فتصل النوبة إلى الحاكم.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اشتراط ولاية كلّ واحد منهما بانضمام الآخر لم يكن مطلقا ، بل كان مقيّدا بالإمكان ، ففيما إذا لم يمكن الانضمام لموت أو لجنون لا اشتراط ، فتكون‌ ولاية من له قابليّة التصرّف باقية ، فلا تشمله أدلّة رجوع الأمر إلى الحاكم.

ولكن الإنصاف : أنّه يمكن الفرق بين أن يكون التقييد صريحا بأن يقول الموصي لزيد مثلا : أنت وصيّ بشرط أن لا تعمل بوصاياي إلاّ مع عمرو ، فإذا اتّفقتما على رأي فاعمل ، وبين أن يكون التقييد بالانضمام مستفادا من الإطلاق بأن يقول لزيد : أنت وصيّ ، ويقول لعمرو أيضا : أنت وصيّ.

ففي الأوّل التقييد يوجب تضييق دائرة الولاية والوصاية ، بمعنى عدم كونه وصيّا في غير تلك الدائرة ، سواء كان الانضمام ممكنا أم لا ، ففي صورة عدم الانضمام لا ولاية وإن كان لجهة عدم إمكانه كما في المقام ، لأنّ الانضمام مع الموت أو الجنون غير ممكن.

وأمّا في الثاني فنفس التقييد مقيّد بإمكان حصول القيد ، فإن لم يمكن حصول القيد كما في المقام حيث أنّ حصول الانضمام غير ممكن بواسطة الموت أو الجنون ، فلا تقييد في البين. والحاكم بهذا الفرق هو الظهور العرفي.

وحيث أنّ التقييد في المقام مستفاد من الإطلاق فلا إطلاق له ، ففي صورة عدم إمكان الانضمام الولاية والوصاية مطلقة لا تضييق فيها ، فلا تصل النوبة إلى الحاكم ، بل الآخر الباقي على قابليّته ينفرد ويستقرّ بالأمر ، ولا يحتاج إلى جعل الحاكم شريكا له بدل الآخر الذي سقط عن القابليّة للموت أو للجنون ، وعلى الله التوكّل وبه الاعتصام.

فرع : قد تقدّم أنّ الوصيّة عقد جائز ، فيجوز فسخها من قبل الموصي ما دام في بدنه الروح‌ وأن يغيّرها بالزيادة والنقصان ، ومن طرف الموصى إليه أيضا كذلك في حياة الموصي وإن كان بعد القبول. أمّا لو كان بعد موت الموصي أو لم يبلغه الردّ وإن كان في حال حياته فليس له الردّ ، بل يجب عليه القبول والعمل بمقتضاها. والظاهر أنّ هذا الحكم إجماعيّ لا خلاف فيه.

ويدلّ على لزوم القبول أيضا التعليل الذي في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته ، لأنّه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره » (185) فجعل عليه السلام مناط عدم جواز الردّ ووجوب القبول على الوصي عدم اطّلاع الموصي على الردّ ، فكونه غائبا لا خصوصيّة له ، بل المناط عدم إمكان الوصيّة إلى شخص آخر لعدم اطّلاعه على الردّ لهذا التعليل.

وفي بعض الروايات الأخر الواردة في هذا الباب كرواية فضيل بن يسار (186) أيضا إيماء بذلك.

نعم هنا كلام وهو أنّه هل صرف بلوغ الردّ يكفي في عدم وجوب القبول على الموصى إليه ، أو يحتاج مضافا إلى بلوغ الردّ إمكان جعل غيره ، بحيث لو لم يمكن جعل غيره وصيّا إمّا لقلّة زمان حياته بعد البلوغ أو لشدّة المرض والآلام أو لغياب سائر من يعتمد عليهم من أقربائه وأصدقائه فلا يفيد البلوغ ، بل يجب عليه القبول وإن بلغ؟

وظاهر التعليل هو الثاني ، لأنّه عليه السلام جعل البلوغ مقدّمة لإمكان جعل شخص آخر وصيّا ، فالمناط لصحّة الردّ وعدم وجوب القبول في الحقيقة هو الغاية الأخيرة ، لأنّها العلّة واقعا للحكم في باب ترتّب الغايات.

فرع : لو ظهر عن الوصي عجز بمعنى عدم قدرته على العمل بالوصيّة‌ لمرض مزمن أو هرم أو ما يشبه ذلك هل ينعزل ويسقط ولايته ووصايته ، أو يضمّ إليه الحاكم من يساعده فيخرج عن الاستقلال لعدم قدرته مستقلاّ؟ وأمّا ولايته وصدور التصرّفات عن رأيه ونظره فلا يسقط. وأمّا فرض عدم رأي ونظر له من جهة مرض أو كبر بحيث صار مخرفا فهو خارج عن الفرض ، إذ الفرض في المقام هو عجزه عن تنفيذ الوصيّة استقلالا وبمفرده؟

الظاهر عدم انعزاله مع إمكان العمل بالوصيّة وعدم تبديلها عمّا وقعت عليه بضمّ الحاكم إليه مساعد معه يتمّ العمل بالوصيّة ، فالقول بعزله أو انعزاله يكون من التبديل المنهي عنه ، وهذا لا كلام ولا خلاف فيه بل ادّعى الإجماع عليه.

نعم هنا بحث علميّ ربما يترتّب عليه بعض الآثار ، وهو أنّه في المفروض هل ولاية الوصي العاجز عن التنفيذ تنقص وتقصر ، بمعنى أنّها لا تكون تامّة بحيث يستقلّ في التصرّفات ، فيكون الحاكم أو المساعد الذي ضمّه إليه الحاكم شريكا له في الولاية ، أو يكون تمام الولاية له فإذا خالف رأيه رأي المساعد المنصوب عن طرف الحاكم ، يكون رأيه هو المتّبع دون رأي المساعد. وأمّا فرض أنّه لا رأي له لكبر أو مرض فقلنا إنّه خارج عن الفرض؟

الظاهر عدم حصول نقص في ولايته ، ولذلك لو كان قادرا على تعيين شخص للمباشرة وتنفيذ ما هو عاجز عن مباشرته وتنفيذه ، يمكن أن يقال بأنّه مقدّم على جعل الحاكم وضمّه مساعدا إليه. نعم لو كان عاجزا عن هذا أيضا كما أنّه عاجز عن المباشرة وتنفيذ الوصيّة ، فحينئذ تصل النوبة إلى جعل الحاكم ونصبه.

فما هو الحقّ والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الوصي إن كان عاجزا عن العمل بالوصيّة مباشرة وتسبيبا ، فتسقط ولايته رأسا ويتعيّن على الحاكم جعل وليّ على الوصايا بدلا عن الوصي الأصلي الذي كان وليّا بجعل الموصي ، لأنّ العمل بوصايا‌ الميّت لازم وليس من يعمل بها ، فلا بدّ عن جعل الحاكم من يعمل ، لئلا يلزم التعطيل.

وأمّا إن كان ضعيفا لا يقدر على العمل بها وحده ، فإن كان يقدر على تحصيل شريك معه في العمل وتنفيذ الوصايا ، فله أن يحصّل ولو كان بإعطاء الأجرة له ولا يحتاج إلى الحاكم أيضا ، إلاّ إذا كان الموصي اشتراط عليه المباشرة بنفسه ، وأن يكون مثلا مشرفا على تنفيذ الوصيّة بنفسه في الأمور الراجعة إلى أولاده الصغار من تربيتهم والنظر في أمر معاشهم وتنظيم تعاليمهم وأمر دروسهم وهو بنفسه عاجز عن ذلك.

وحيث أنّه ليس له الولاية على جعل وليّ آخر يشاركه في هذه الأعمال ، فتصل النوبة إلى الحاكم وأن يعيّن شخصا يشارك الوصي في هذه ، كي لا تبقى وصاياه معطّلا ، بعد الفراغ عن العلم بأنّ الشارع لا يرضى بتعطيل وصايا الميّت وتبديله.

نعم هنا احتمل بعض أنّ هذا يكون من الحسبيات ويكون بيد عدول المؤمنين.

وفيه : أنّه مع وجود الحاكم لا تصل النوبة إلى عدول المؤمنين ، بل هم في طول الحاكم لا في عرضه ، ففي هذه الفروض انعزال الوصي لا وجه له ، غاية ما يمكن أن يقال هو أنّه للحاكم أن يضمّ إليه مساعدا يشاركه كي لا يلزم تعطيل الوصيّة ، وهو أيضا فيما لا يمكن للوصي تحصيل مساعد له ولو بأجرة ، أو فيما اشترط الميّت عليه المباشرة بنفسه ، وإلاّ لا تصل النوبة إلى الحاكم كما تقدّم.

هذا كلّه فيما إذا صار عاجزا عن العمل بالوصيّة بالاستقلال بعد ما لم يكن كذلك.

وأمّا لو كان عاجزا من حين الوصيّة ، هل يجوز جعله وصيّا ولو بضمّ مساعد إليه ، أم لا؟ والظاهر أيضا عدم المانع من هذا ، لأنّ إطلاقات أدلّة الوصيّة تشمل هذا الفرض ، لأنّ المقصود عن الإيصاء إلى شخص هو أن يوجد ما أوصاه في الخارج ، ويعمل ذلك الشخص على طبق ما أوصى وينفذه ، فإذا أمكن مثل هذا ولو بتوسّط مساعد له على ذلك فلا مانع من جعله لحصول الغرض من الوصيّة ، بل ربما يحصل‌ الاطمئنان منه أكثر من الذي يقدر على تنفيذها وحده من دون مساعد.

ولو كان الاحتياج إلى المساعد مانعا عن جعله وصيّا مع جعل مساعد له ، لكان حصول العجز في الأثناء أيضا كذلك ، فبعد الفراغ عن صحّته فيما إذا طرأ العجز في الأثناء وعدم انعزاله لا بدّ من أن يقال بصحّته وإن كان من أوّل الأمر ، غاية الأمر بشرط جعل مساعد له.

ثمَّ إنّه فيما إذا جعل الحاكم مساعدا له لعجزه ، فإذا زال العجز كما إذا كان مريضا مزمنا فبرأ فهل يرجع استقلال الوصي وليس للمساعد مشاركته في الرأي أو العمل أو الاثنين ، أو يبقى شريكا معه حتّى بعد زوال العجز؟

الظاهر استقلاله ، لأنّ مشاركة المساعد المجعول من طرف الحاكم كان لتتميم نقصه ، فإذا زال النقص فلا يبقى موضوع للتتميم ، فقهرا يسقط حقّ مشاركته مع الوصي ، ولا يبقى مجال لاستصحاب بقاء حقّه أو ولايته ، بناء على ثبوت ولاية له بعد جعله الحاكم مساعدا وأمثال ذلك من الأوصاف التي توجد له بعد جعل الحاكم ، وذلك للقطع بزوالها بعد زوال العجز.

ولكن قال في جامع المقاصد : إنّ في ذلك وجهين : وجه رجوع الاستقلال تقدّم ، وأمّا وجه بقاء المشاركة هو أنّ بجعل الحاكم وجد للمساعد منصب لا يرتفع إلاّ برافع ، وليس رافع في المقام (187).

وبطلان هذا الوجه ظهر ممّا تقدّم.

فرع : لو ظهرت من الوصي خيانة‌ ، فقد يقال : إنّ الحاكم يضمّ إليه أمينا يمنعه عن الخيانة ، فإن لم يمكن ذلك لعدم امتناعه أو لعدم قدرة الأمين على منعه فيعزله‌ الحاكم وينصب غيره. وقد يقال بأنّ الحاكم مخيّر من أوّل الأمر بين أن يعزله أو يضمّ إليه أمينا حسب ما يراه من المصلحة.

وقال في الشرائع : وإن ظهر منه ـ أي من الموصي ـ خيانة ، وجب على الحاكم عزله ويقيم مقامه أمينا. (188) ‌

أقول : ظاهر كلام صاحب الشرائع تعيّن العزل أو الانعزال ، ولم يتكلّم عن ضمّ الأمين إليه أصلا.

وعلى كلّ حال تحقيق المقام هو أنّه لو قلنا باعتبار العدالة في الوصي ، والخيانة حيث أنّها موجبة لفسقه وخروجه عن العدالة ، فبانعدام العدالة التي هي شرط في الوصاية ينعدم المشروط أي الوصاية ، فيخرج من كونه وصيّا من غير احتياج إلى العزل بل عدم إمكانه ، لأنّه كما أنّ إيجاد الموجود لا يمكن لأنّه تحصيل للحاصل فكذلك إعدام المعدوم ، فحيث أنّ في صورة اعتبار العدالة في الوصي بالخيانة ترتفع العدالة فلا وصاية ، فعزله معناه أنّ الوصية التي ليست وارتفعت يرتفعها ، وهذا معناه إعدام المعدوم ، ومحال.

فقول المحقّق « وجب على الحاكم عزله » لا يستقيم مع القول باعتبار العدالة فيها ، بل بناء على هذا القول ينعزل قهرا ، نعم يجب على الحاكم نصب شخص أمين يقوم مقامه ، ولا معنى بناء على هذا المبنى لضمّ الأمين إليه ، لسقوط وصايته وصيرورته أجنبيّا عن وصايا الميّت.

نعم بناء على عدم اعتبار العدالة يبقى مجال للكلام في أنّه بالخيانة والفسق هل يسقط الوصيّة وينعزل ، أو يجب على الحاكم عزله وجعل شخص آخر أمين يقوم مقامه في العمل بالوصيّة؟ وجهان :

وجه الأوّل : أي السقوط هو أنّ الموصي من أوّل الأمر أوصى إلى شخص يكون‌ أمينا ويراه أنّه لا يخون ، والموضوع للولاية هو الشخص المقيّد بكونه غير خائن ، فإذا خان فليس هو بموضوع فقهرا ينعزل ولا تبقى وصاية له ، فيجب على الحاكم نصب شخص أمين مراعاة لحق الصغار وأموال الصدقات كي لا تضيع ولا تعطل الوصايا ، كما تقدّم.

وبناء على هذا الوجه يكون كلام صاحب الشرائع « وجب على الحاكم عزله » غير مستقيم ، ولا بدّ في تصحيحه من تأويل ، كما صنعه صاحب الجواهر وقال : لعلّ المصنّف ـ أي المحقّق ـ يريد بعزل الحاكم منعه عن التصرّف (189) ، لا العزل بمعناه الحقيقي.

وجه الثاني : أي عدم السقوط وبقاء الوصاية والولاية حتّى بعد الخيانة ، هو أنّ الولاية أمر اعتباري مجعول من قبل الحاكم ، فإذا لم تكن مشروطة بالعدالة فلا وجه لسقوطها بالخيانة التي هي ضدّ للعدالة ، بل هو منصب من قبل الحاكم لا يرتفع إلاّ بعزل الحاكم ، لأنّ أمر وضعه بيد الحاكم.

والوجه هو الأوّل ، لأنّنا وإن لم نقل باعتبار العدالة في الوصي ـ بل الإسلام لو لم تكن الإجماعات المدّعاة في المقام ـ ولكنّ الظاهر أنّ المجعول ليس هو هذا الإنسان مطلقا ، بل هو مقيّدا بأنّه أمين غير خائن. وهذا من قبيل القيود الضمنيّة الارتكازيّة ، فيكون متعلّق الوصاية ضيقا من أوّل الأمر وفي حال الجعل. وهذا أمر ارتكازي عرفي في كلّ من يوصي إلى شخص أنّ إيصاءه إلى من هو أمين ولا يفرّط فيما أوصى إليه ، فهذا الارتكاز عند العرف بمنزلة التقييد اللفظي.

فرع : لا شكّ في أنّ الوصي أمين ، والمال الذي في يده أمانة ، فلو تلف في يده لا يضمن. وقاعدة « على اليد ما أخذت » لا تشمل اليد الأمانيّة ، بل هي خارجة عن موردها تخصيصا أو تخصّصا ، لأنّ اليد في القاعدة إن لم تكن مقيّدة فاليد الأمانيّة‌ والمأذونة من قبل الله المسمّى بالأمانة الشرعيّة كاللقطة ، أو ما في أيدي الحكّام من باب الولاية الشرعيّة خارجة تخصيصا ، لا ضمان فيها إلاّ على التعدّي والتفريط.

وفي الحقيقة في مثل مورد التعدّي تخرج عن كونها أمانة ، وتكون من اليد الغاصبة حكما بل موضوعا ، وإن كانت مقيّدة بعنوان غير المأذونة فهي خارجة تخصّصا ، وذلك لأنّ اليد غير المأذونة لا تنطبق عليها ، لأنّها مأذونة إمّا من قبل الله كالأمانات الشرعيّة ، أو من قبل المالك ، وفي كليهما خارجة عن تحت قاعدة اليد بناء على هذا التقدير تخصّصا ، فضمان اليد لا محلّ له ، وباقي أقسام الضمانات لا موجب لها.

ولا شك في أنّ يد الوصي أمانيّة ، إمّا أمانة شرعيّة أي : مأذونة من قبل الله باعتبار أنّ المجعول من قبل الحاكم مجعول من قبل الله كسائر الأولياء ، وإمّا المالك الميّت جعله وليّا حين كونه مالكا ، فيكون الوصي مأذونا من قبل المالك الموصي إلى أن ينفذ وصيّته. وعلى كلا التقديرين لا ضمان ما لم يفرّط ولم يغيّر الوصيّة عن وجهها.

نعم وردت روايات في ضمان الوصي ، ولكن كلّها فيما إذا غيّر الوصي الوصيّة عن وجهها ، وقد عقد لذلك بابا في الوسائل (190) لكنّها أجنبيّة عن المقام ، فإنّها راجعة إلى تبديل الوصيّة عن وجهها وتغييرها عما أوصى لها ولا كلام ولا إشكال في هذا.

فرع : لو كان للوصي دين على الميّت ، جاز أن يستوفي ممّا في يده وهو وصي في خصوص أداء ديونه‌ ، أو عنوان عامّ يشمل أداء الديون وغيره ، ولا يحتاج إلى أخذ الإذن في ذلك من الحاكم قيل : مطلقا ، أي سواء كان عنده حجّة يمكن بها أن يثبت حقّه ودينه ، أو لم يكن. وقيل : هذا الحكم ـ أي جواز استيفاء ما يطلب من الميّت ممّا في يده بدون إذن الحاكم ـ مخصوص بالأخير ، أي : بما لم يكن عنده حجّة يمكن أن يثبت بها حقّه.

والتحقيق في المقام أن يقال : بعد أن كان الوصي على الفرض واحدا ، لا شريك له كي يكون فعله وتصرفه فيما أوصى الميّت إليه موقوفا على إجازة شريكه وإذنه ، وهو بمقتضى الوصيّة مخيّر بين تطبيق دين الميّت على أيّ مصداق من مصاديق ذلك الدين من أموال الميّت ، فلا يحتاج إلى قيام البيّنة لإثبات دينه ، لأنّ المفروض أنّ الوصي الذي بيده أمر أداء ديون الميّت يعلم بأنّ الميّت مديون له.

فكما لو كان يعلم أنّ رجلا آخر غيره له دين في ذمّة الميّت الموصي كان عليه أن يؤدّى دينه ، وإن كان لذلك الرجل بيّنة لإثبات دينه لا يحتاج إلى طلب إقامة البيّنة لإثبات دينه ، لأنّه ثابت ، لأنّ المفروض أنّ الوصي يعلم بذلك ، فطلب البيّنة منه من قبيل طلب تحصيل الحاصل بل أردأ منه ، لأنّه من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبّد.

فكذلك الأمر بالنسبة إلى دين نفسه ، فيجوز أن يستوفي دينه من التركة ، لأنّ المفروض أنّه وصى في أداء ديونه.

وادّعاء الانصراف عن أداء دينه لا وجه له ، ولا يحتاج إلى أخذ الإجازة والإذن من الحاكم حتّى لو قلنا بلزوم أخذ الإجازة عن الحاكم ، لأنّه هناك حقّ تطبيق الكلّي على الخارج بيد المقتصّ منه لا بيد المقاصّ ، وها هنا بيد نفس الدائن ، لأنّه وصي ، فهاهنا الدائن مأذون من قبل نفس المديون في التطبيق ، فلا وجه لعدم جواز الاستيفاء مطلقا ، سواء كان عند الوصي الحجّة على إثبات دينه أو لم يكن.

ولكن قد يشكل الأمر على هذا برواية بريد بن معاوية ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : إنّ رجلا أوصى إليّ ، فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له ، ففعل وذكر الذي أوصى إليّ أنّ له قبل الذي أشركه في الوصيّة خمسين ( خمسمائة ) ومائة درهم عنده ورهنا بها جاما من فضّة ، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدّعى أنّ له قبله أكرار حنطة ، قال عليه السلام : « إنّ أقام البيّنة وإلاّ فلا شي‌ء له ». قال : قلت له : أيحلّ له أن يأخذ ممّا‌ في يديه شيئا؟ قال عليه السلام : « لا يحلّ له ». قلت : أرأيت لو أنّ رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ ، أكان ذلك له؟ قال : « إنّ هذا ليس مثل هذا » (191).

فهذه الرواية الموثّقة تدلّ على أنّ الوصي بصرف ادّعائه أنّه يطلب من الميّت الموصي كذا مقدار لا يحلّ له أخذ شي‌ء ممّا في يده من مال الميّت الموصي إلاّ بإقامة البيّنة ، وهذا نقيض الحكم بالجواز الذي اخترناه.

ولكن أنت خبير بالفرق بين مورد هذه الرواية وبين ما نحن فيه ، لأنّ ما نحن فيه مورده أنّه هناك وصي واحد يجب عليه أداء ديون الميّت إذا ثبت بالوجدان أو بالتعبد أنّه مديون لفلان بكذا ، والمفروض أنّ أمر تطبيق دين الكلّي الذي في ذمّة الميّت على المال الخارجي بيد الوصي ، لأنّ الميّت أوكل الأمر إليه في حياته ، فلا يرى مانع من استيفائه. وفي مورد الرواية وصيّان ، والوصي الأصلي الذي هو العمدة غير الدائن ، فالدائن ليس له استقلال في تطبيق حقّه إلاّ أن يثبت عند شريكه الذي هو الوصي الأوّل كي يأذن له في التطبيق. نعم لو فرضنا أنّ شريك من يدّعي الدين في الوصيّة أيضا يعلم بطلب شريكه من الميّت وأذن في التطبيق ، فلا يحتاج الاستيفاء إلى إقامة البيّنة ، لكن هذا ليس مورد الرواية.

فرع : وهو أنّه هل يجوز للوصي أن يشتري لنفسه من نفسه‌ ، بمعنى أنّه إنسان كاسب يشتري لأن يكتسب به ، أو من حوائج الدار والمنزل فيشتري من أموال الميّت لحاجة الدار مثلا من الوصي الذي هو نفسه ، فالبائع والمشتري شخص واحد باعتبارين : فهذا الوصي باعتبار أنّه وصىّ عن الميّت بائع كما إذا أوصى ببيع بعض أسباب بيته أو أدوات شغله وصرفه في مورد كذا ، فيبيع الوصي باعتبار أنّه وصىّ‌ متاع بيت الميّت أو دكّانه للصرف في مورد كذا ، ويشتري لنفسه باعتبار أنّه أحد الناس الحاضرين للاشتراء في المزاد العلني مثلا ، وهذا هو المراد من الاشتراء من نفسه لنفسه.

والظاهر عدم الإشكال في صحّة هذا المعاملة ، وإن أظهر المحقّق في الشرائع التردّد فيها وقال في ذيل كلامه : أشبهه الجواز إذا أخذ بالقيمة العدل (192). وهذا الكلام الأخير لا حاجة إليه ، لأنّه إن لم يكن بالقيمة العدل متعمّدا فهذه خيانة إمّا ينعزل أو يجب عزله كما تقدّم ، فليس له البيع وأيضا سائر المعاملات.

والإشكال ليس من هذه الناحية ، بل الإشكال من ناحية اتّحاد الموجب والقابل وأنّه هل يكفي تغاير الاعتباري أو يعتبر التغاير الحقيقي ، فإن قلنا بالأوّل ـ كما هو الصحيح ـ فيجوز أن يشتري الوصي لنفسه باعتبار أنّه أحد الحاضرين في مجلس المزاد العلني ، وهو أيضا يبيع باعتبار أنّه وصىّ من قبل المالك الحقيقي. وإن قلنا بأنّ التغاير الاعتباري لا يكفي ولا بدّ أن يكون بين البائع والمشتري في عقد واحد تغايرا حقيقيّا ، لأنّ البائع من يخرج المبيع عن ملكه ، والمشتري من يدخل المبيع في ملكه ، والشخص الواحد لا يمكن أن يخرج المبيع الواحد من ملكه ويدخل أيضا في زمان واحد وفي عقد واحد ، إذ هما متقابلان ، فلا يجوز أن يشتري لنفسه من نفسه.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا شبه مغالطة ، إذ نحن لا ندّعي أنّ الشخص الواحد بعنوان شخصه ـ الذي واحد لا تعدّد فيه ـ بائع ومشتري كي يأتي أمثال هذه الإشكالات ، بل نقول إنّه بائع بعنوان أنّه وصىّ أي يخرج المبيع عن كيس الموصي بناء على بقائه بحكم مال الميّت ، لأنّ الوارث يرث من بعد وصيّة يوصي بها ، وحيث أنّ الوصي نائب عن الموصي فالفعل الذي يصدر منه كأنّه يصدر من الموصي.

كما أنّه كذلك في باب الوكالة ، ففعل الوكيل ينسب إلى الموكّل ، فإذا باع الوكيل‌ داره ففي الحقيقة البائع هو الموكّل ، ويخرج المبيع عن ملكه لا عن ملك الوكيل.

وكذلك الأمر هنا ، فالوصيّ إذا اشترى لنفسه بائع باعتبار نيابته عن الموصي ، ففي الحقيقة البائع هو الموصي وإن كان المباشر هو الوصي ، ومشتري باعتبار نفسه فيدخل المبيع الخارج عن ملك الموصي أو الموصى له في ملك نفس الوصي ، فلا إشكال في البين.

فما نسب إلى الشيخ وابن إدريس من إنكارهما صحّة اشتراء الوصي من نفسه لنفسه ، لأنّ الواحد لا يكون موجبا قابلا في عقد واحد ، لأنّ الأصل في العقد أن يكون بين اثنين (193).

فيه : أنّ هذا إذا كان الواحد موجبا قابلا باعتبار واحد ، والشاهد على ذلك الاتفاق على صحّة شراء الأب عن طفله الصغير لنفسه وبيع ماله له أيضا ، وكذلك الجد ، بالنسبة إلى حفيده. والسرّ في ذلك أنّ في جميع هذه الموارد في الحقيقة البائع الحقيقي غير من هو مشتر حقيقة.

هذا ، مضافا إلى ما رواه الحسين بن يحيى الهمداني قال : كتبت مع محمد بن يحيى هل للوصيّ أن يشتري من مال الميّت إذا بيع فيمن زاد يزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال : يجوز إذا اشترى صحيحا (194).

نعم لا بدّ أن لا يكون مخالفا لمصلحة الطفل إذا كان وليّه يشتري ماله لنفسه أو يبيع ماله للطفل ، ولكن هذا لا دخل له بمسألة اتّحاد الموجب والقابل ، بل من شرائط صحّة البيع والشراء للقاصر ، طفلا كان أو مجنونا أو غير ذلك من موارد معاملة الأولياء للمولّى عليهم.

وقال في المسالك : وعلى الجواز ـ أي على جواز شراء الوصيّ من نفسه لنفسه ـ رواية مجهولة الراوي والمروي عنه ، لكنّها شاهد (195).

والظاهر أنّ مراده هذه الرواية ، أي رواية حسين بن يحيى الهمداني ، وهو كما ذكره إذ الراوي مجهول لم نجده في كتب الرجال ، وأمّا المروي عنه فلم يذكره هو ـ أي الراوي ـ أصلا حتّى بالإضمار ، فلا حجّية لهذه الرواية وإن استند في جامع المقاصد إليها أيضا في ذكر مدارك هذا الحكم. (196) ‌

وأمّا قول الشهيد الثاني بعد الطعن على الرواية بأنّها مجهولة الراوي والمروي عنه لكنّها شاهد. (197) أي ليس بدليل ولكنّها شاهد.

وفيه : أنّها إذا لم تكن حجّة فليست شاهدا أيضا.

فرع : إذا أذن الموصي للوصي أن يوصى‌ ، أي يجعل وصيّا كي ينفذ وصايا الميّت الذي أوصى إلى هذا الوصي ، ويكون الوصي الثاني وصيّا للوصي الأوّل ولكن متعلّق الوصاية لكلا الوصيّين أمر واحد وهو تنفيذ وصايا الموصي الأوّل ، ففي هذه الصورة يجوز إجماعا.

وخلاصة الكلام في هذا الفرع هو أنّه لو أوصى إلى رجل بوصايا متعدّدة وأذن لمن أوصى إليه أنّه إذا حضره الموت وبعد لم ينفذ جميع وصاياه أن يوصى هو ـ أي الوصي ـ إلى شخص آخر كي ينفذ البقيّة الباقية من وصاياه ، فهذا جائز إجماعا.

وهذا الحكم مطابق للقواعد الأوّلية ، وذلك لأنّ الموصي الذي أذن لوصيه أن يوصى ، كان له أن يوصى إلى شخص آخر بعد موت الوصي الأوّل لينفذ ما بقي من‌ وصاياه ولم يعمل بها الوصي الأوّل عصيانا أو لعذر شرعي ، فإذا هو يملك مثل هذا الأمر فلا فرق بين أن يوصى هو بالترتيب المذكور أو يوصى إلى وصيّة بالإيصاء.

والحاصل : أنّ في هذه الصورة لم يخالف أحد في جواز إيصاء الوصي إلى شخص آخر لتتميم تنفيذ ما بقي من الوصايا التي هو لم ينفذها عصيانا أو لعذر ، كما أنّه لا يصحّ الخلاف مع وضوح الأمر.

كما أنّه لو شرط مباشرة الوصي بنفسه تنفيذ وصاياه ، ليس له أن يوصى إلى شخص آخر. فهاتان الصورتان واضحتان ولا خلاف فيهما.

إنّما الكلام والخلاف فيما إذا أطلق الموصي ، أي لم يأذن في الإيصاء ولم يقيّد الوصاية بمباشرة الوصي بنفسه ولم ينه أيضا عن الإيصاء ، فقال الأكثر : إنّه لا يجوز له الإيصاء ، لعدم ولايته على مثل ذلك ، لأنّ الموصي المالك جعل له جواز أن يتصرّف في وصاياه بالشكل الذي أراده ، والشارع أيضا نهى عن التبديل وأوجب العمل طبق ما أوصى ، ولم يجعل له أن يجعل جواز التصرّفات لغيره مع أنّ المال لغيره ، ومقتضى الأصل أيضا عدم نفوذ إيصائه ، لأنّ مفاد إطلاقات أدلّة الوصاية نفوذ وصيّة المالك في ثلث ماله مطلقا ، وفي الزائد مع إذن الورثة أو إجازتهم بعد الوصيّة. وأمّا غير المالك فليس له مثل هذا الحقّ إلاّ بإذنه.

وأمّا القائلون بالجواز فقاسوا المقام بتوكيل الوصي شخصا آخر بتنفيذ بعض الأمور الراجعة إلى الوصايا ، كما أنّه إذا كان بعض وصاياه إطعام الناس في إفطار الصائمين في شهر رمضان ، أو في عشرة عاشوراء ، فيجوز للوصي أن لا يباشر بنفسه ويوكل شخصا لإنفاذ هذه الوصيّة والعمل بها.

ولكن فيه : أنّه مع كونه قياسا باطلا في نفسه ، يكون فرق واضح بينهما ، إذ الوصي في حال حياته مالك لمثل هذا التصرّف ، فيجوز أن يستنيب فيه غيره. وأمّا بعد موته لا يملك شيئا من التصرّفات كي يستنيب شخصا آخر ، بل بموته ينقطع ، فإن كان من‌ طرف الموصي وصي آخر مجعول طولا أو عرضا ، فيرجع الأمر إليه ، وإلاّ فالمرجع هو الحاكم.

وأيضا قالوا : إنّ الموصي أقام مقام نفسه ، فكما أنّ له الولاية على الاستنابة بعد الموت ، فكذلك للقائم مقامه.

وفيه : أنّ كون الاستنابة للموصي بعد الموت من شؤون مالكيّته في حال الحياة ، فكأنّ المالك حال الحياة له أن يستنيب بعد موته شخصا آخر يتصرّف في أملاكه بما أوصاه بها إن لم تكن تلك الأملاك زائدة على الثلث ، وإلاّ فأيضا يجوز مع إجازة الوارث.

وممّا استدلّ القائلون بالجواز أيضا صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أبي محمّد عليه السلام أنّه كتب إليه رجل كان وصيّ رجل ، فمات وأوصى إلى رجل ، هل يلزم الوصي وصيّة الرجل الذي كان هذا وصيّه؟ فكتب : « يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ إن شاء الله تعالى » (198).

فحملوا الحقّ في قوله عليه السلام : « يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ » على حقّ الأخوّة ، أي إن كان الموصي مؤمنا وكان له حقّ الأخوّة الإيمانيّة على وصيّه لقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فيلزم الوصي العمل بذلك الحقّ ، أي بحقّ الإيمان.

فهذه الرواية تدلّ على لزوم عمل الوصيّ الثاني بوصيّة الوصي الأوّل إن كان مؤمنا ، سواء أذن الموصي الأوّل بوصيّة الموصي الثاني أو لم يأذن.

وفيه : أنّ ها هنا احتمال آخر ، وهو أن يكون المراد بحقّه هو حقّ الوصي الأوّل الذي ثبت له بواسطة إذن الموصي الأوّل له في الإيصاء ، فيكون حاصل معنى الرواية‌ أنّه يلزم العمل بالوصيّة إن كان له ـ أي للموصي الأوّل ـ حقّ قبله أي الوصي الأوّل ، وهو عبارة عن الوصيّة إليه بالإيصاء ، فوصيّة الموصي الأوّل بإيصاء الوصي الأوّل حقّ له عليه.

فمفاد الرواية : إن كان للموصي الأوّل حقّ على الوصي الأول أي أذن له في الوصيّة فيلزمه هذه الوصيّة ، ومفهوم الشرطيّة يكون أنّه إن لم يأذن فلا يلزمه. وهذا خلاف ما أرادوا من الرواية ، وعلى خلاف مقصودهم أدلّ.

وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر من الاحتمال الأوّل ليس أبعد منه ، ومعه لا يبقى ظهور للرواية في ما استدلّوا له.

فالأظهر ما ذهب إليه الأكثر من عدم الجواز مع عدم الإذن ، وبناء على ما ذكرنا عن عدم نفوذ وصيّة الوصي بالنسبة إلى وصايا من أوصى إليه إلاّ مع إذن الموصي لوصيّه بالإيصاء ، فإذا مات الوصي الأوّل وكان أوصى في حياته إلى شخص آخر من غير إذن من قبل الموصي في ذلك ، فحيث أنّ وصيّته غير نافذة ، فيرجع الأمر الحاكم بالنسبة إلى وصايا الموصي الأوّل ، وتكون وصيّته في حكم العدم ، فيكون كما لو مات ولم يكن له وصي أصلا ، فلا وليّ على تركته ويكون بيد الحاكم إن كان فيهم قصّر.

فرع : لو مات إنسان وكانت ورثته كلّهم كبيرا لا صغير ولا قاصر فيهم ، فأمر تركة مورّثهم بيدهم ، يقسّمونها بينهم كما فرضه الله تعالى ، وإن وقع النزاع في أمر فالمرجع هو الحاكم. والمراد من الحاكم في عصر غيبة صاحب الأمر والعصر والزمان ـ عجّل الله فرجه ـ هو المجتهد المطلق العادل المخالف للهوى ، حيث أنّهم : نصبوه مرجعا عامّا إليه ينتهي الأمور ، ولا مجال ها هنا لذكر الأدلّة والإثبات ، وله محلّ آخر ، فالحاكم هو وليّ من لا وليّ له.

وأمّا لو كان فيهم الصغار والقصر أو الغيّب ، فإن كان لهم وليّ خاصّ ، كالأب‌ والجدّ من قبل الأب الأقرب فالأقرب ، فالمرجع هو ذلك الولي الخاصّ لا الحاكم ، لأنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له. وإن لم يكن لهم أب وجدّ من قبل الأب بمراتبه ، فالأمر ينتهي إلى الحاكم بالمعنى الذي عرفت ، وإن لم يكن للميّت وصيّ ارجع أمور هؤلاء القصر إليه ، وأمّا لو كان فأيضا لا تصل الأمر إلى الحاكم.

والبحث في هذه الأمور وبيان مراتب الأولياء مفصّلا مع الدليل والبرهان ليس محلّها ها هنا ، ونتكلّم عنها في محلّه ـ مبحث الولايات ـ إن شاء الله تعالى.

فرع : تقدّم في الفرع السابق تقدّم ولاية الأب والجدّ من قبله ـ وإن علا مع مراعاة الأقرب فالأقرب ـ على ولاية الأوصياء والحكّام وعدول المؤمنين عند فقد الحكّام ، فلو أوصى بالنظر إلى أجنبي في مال ولده الصغير مع وجود أب الموصي الذي هو جدّ الصغير لم يصحّ ، وكانت الولاية لجدّ الصغير من قبل أبيه دون الوصي. وقيل : يصحّ في مقدار الثلث من تركة الموصي وفي أداء الحقوق.

أمّا الأوّل ، فوجهه واضح ، لأنّه بعد ما عرفت أنّ ولاية الوصي بالنسبة إلى الصغير ـ سواء كانت في نفسه أو في ماله ـ في طول ولاية الأب والجدّ ، فمع وجودهما أو أحدهما لا مجال لجعل الولاية للأجنبي ، لأنّه في غير محلّه ، فيكون لغوا وباطلا.

وأمّا الثاني ، أي ما قيل من التفصيل بين مقدار الثلث والأقلّ منه وبين الأزيد منه ، فيجوز في الأوّل دون الثاني ، وكذا التفصيل بين أن تكون في أداء الحقوق وبين غيره ، فيجوز في الأوّل ، ولا يجوز في الثاني ، فهناك تفصيلان :

الأوّل : هو التفصيل بين ما يكون بمقدار الثلث أو أقلّ منه ، وبين ما يكون أزيد منه‌ ، ففي الأوّل يجوز ، وفي الثاني لا يجوز.

ووجهه : أنّ مقدار الثلث أو ما هو أقلّ منه ، أمره بيد الميّت قبل أن يموت ، له أن يمنع ولده الصغار عنه رأسا بأن يهبه لغيرهم بالعقد المنجّز ، وأن يوصى به لغيرهم‌ فيحرمون من ذلك المقدار ، فإذا جاز ذلك فقهرا له إبطال ولاية الجدّ على ذلك المقدار من مال الصغار ، فلا مانع من جعل الوليّ على ذلك المال الذي له أن يحرمهم عنه ، ولا يبقى موضوع ومحلّ لولاية الجدّ. وبعبارة أخرى : إن كان إفناء أصل المال بذلك المقدار جائزا للأب كي لا يبقى محلّ وموضوع لولاية الجدّ بالنسبة إلى ذلك المال ، فإفناء التصرّفات فيه جائز بطريق أولى.

وفيه : أنّ هذه مغالطة واضحة ، وذلك لأنّ إفناء جميع ماله جائز بالعقد المنجّز ، بناء على أنّ إخراج المنجّزات من الأصل لا من الثلث ، ومع ذلك جعل الوصي على جميع التركة مع وجود الجدّ لا يجوز حتّى عند المفصّل ، لأنّه يجوز في مقدار الثلث أو ما هو الأقلّ منه ، وأمّا في الزائد فلا.

والسرّ في ذلك : هو أنّ الحكم الشرعي بولاية الجدّ وأنّ ولايته مقدّم على ولاية الوصي والفقيه بعد وجود الموضوع ، وأمّا إن لم يكن موضوع فلا يشمله دليل تقديم ولاية الجدّ على الوصي ، ففرض عدم وجود الموضوع أو جواز إفنائه أجنبي عن محلّ الكلام.

وإنّما الكلام في أنّه مع وجود الموضوع ووجود مال للصغير ، ويكون له جدّ من قبل أبيه ، هل في هذا الفرض جعل الوصي على ذلك المال بأن يكون له النظر دون الجدّ جائز أم لا؟

وفي هذا الفرض معلوم أنّ ولاية الجدّ مقدّم على ولاية الوصي ، فيكون جعله لغوا ، سواء كان في مقدار الثلث أو أقل منه أو أزيد منه.

وأمّا التفصيل الثاني وهو الفرق بين أداء الحقوق فيجوز ، وبين غيره فلا يجوز‌ ، ففي الحقيقة هذا خارج عن محل البحث ، لأنّ الكلام في الوصيّة بالولاية على الصغار أو على أموالهم ، وأداء الحقوق مسألة أجنبيّة عمّا هو محلّ الكلام.

ثمَّ إنّه لا شكّ في أنّ الموصي لو أوصى إليه بالنظر في شي‌ء معيّن ، فليس للوصي‌ التعدّي عمّا عيّن له ، فلو قال : أوصيت إلى فلان في إصلاح شؤون بستاني فلان ، أو زرعي فلان ، أو أداء ديوني أو استيفائها من المديونين ، أو ردّ الأمانات التي من أربابها عندي إليهم ، أو شؤون أولادي الصغار أو السفهاء منهم من حيث مساكنهم وملابسهم وما سوى ذلك من حوائجهم ، فللوصي التصرّف والتدخّل فيما عيّنه له فقط وفيما أوصى إليه ، دون سائر ما له الولاية فيها.

فلو أوصى إليه بأداء ديونه فقط ، فليس له استيفاؤها من المديونين ، وبالعكس أيضا كذلك ، وذلك لأنّ حقيقة الوصيّة بالولاية استنابة من الموصي بعد موته في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه ، فإذا استنابه في عمل خاصّ ، ليس له التجاوز عنه ، فهي من هذه الجهة مثل الوكالة.

فكما أنّه لو وكّله في بعض أموره ليس له التصرّف في الأمور الآخر ، فلو وكّله في بيع ما عنده من الحنطة ليس له بيع ما عنده من الشعير ، أو وكّله في شراء الفرش لداره ليس له شراء الغنم أو البقر لشرب حليبهما وهكذا ، لأنّهما ـ أي الوصيّة والوكالة ـ كلاهما استنابة في التصرّف ، فإذا تعدّى في كليهما عمّا استنابه الموصي أو الموكّل فيه ، يكون تصرّفاته حراما تكليفا إن كان تصرّفا خارجيّا في مالهما ، وفاسدا وضعا إن كان من قبيل المعاملات التي يحتاج إلى إمضاء الشارع. وهذا واضح جدّا.

فرع : الشروط المعتبرة في الوصي من بلوغه وإسلامه وحرّيته وعقله وعدالته ـ بناء على اعتبار هذه الشروط ، لأنّ في اعتبار بعضها خلاف ـ هل يعتبر وجودها ، أي اتّصاف الوصي بها حال العقد ، أو يكفي وجودها حال الوفاة وإن لم يكن وقت الإيصاء متّصفا بها ، ولكن صار متّصفا بها حال وفاة الموصي.

مثلا لو أوصى إلى صبيّ كافر عبد مجنون ، ولكن حال موت الموصي صار واجدا لتلك الصفات ، أي صار بالغا مسلما حرّا عاقلا عادلا ـ بناء على اعتبار العدالة ـ فيصحّ هذه الوصيّة ، لاجتماع الشرائط في وقتها ، وهو حال الوفاة.

ولا ينبغي أن يتوهّم أنّ القول الأوّل الذي مفاده اجتماع الشروط حال الوصيّة معناه صرف وجود هذه الشروط في ذلك الوقت وإن لم يبق بعد ذلك أو ارتفع بعضها أو جميعها ، بل لا شكّ في لزوم اجتماع الشروط حال الإنفاذ ، لأنّ الاعتبار بلحاظ حال الإنفاذ.

فالكلام في الحقيقة يرجع إلى أنّ وجود هذه الشروط حال الإنفاذ يكفي ، أو يلزم أن يكون حال الوصيّة موجودة وباقية إلى زمان الإنفاذ ، أو يكفي أن تكون موجودة حال الموت إلى زمان الإنفاذ ، فاجتماعها حال إنفاذ اتّفاقي لا خلاف فيه فإنّ أحدا لا يقول وليس له أن يقول إنّ الوصي لو كان حال إنشاء العقد مسلما عادلا عاقلا حرّا ، ثمَّ صار حال الإنفاذ كافرا أو فاسقا ومجنونا وعبدا مثل أن كان حال العقد حرّا ومن أهل الجزية ثمَّ خالف شروط الجزية فاسترقّه المسلمون.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في هذه المسألة ليست أربعة أو ثلاثة كما توهّمه بعض ، بل اثنان : أحدهما : اجتماع الشروط من حال العقد إلى زمان الإنفاذ ، الثاني : كفاية اجتماع الشروط من حال الموت إلى حال الإنفاذ.

وقال في الشرائع : والأوّل أشبه. (199) وترجيح هذا القول لوجوه :

الأوّل : أنّ هذه الشروط شروط صحّة العقد‌ ، وما لم يوجد الشرط لا يوجد المشروط ، فعند انتفاء جميعها أو بعضها ينتفي الصحّة.

وفيه : أوّلا أنّ هذه الشروط شروط لكونه وصيّا لا لصحّة العقد ، فيمكن أن يكون العقد صحيحا ، ولكن تأثيره في صيرورته وصيّا بالفعل يكون موقوفا على كونه متّصفا بهذه الصفات من حين موت الموصي إلى آخر زمان إنفاذ هذه الوصايا وإن لم يكن حال العقد متّصفا بها.

وبعبارة أخرى : يرجع الأمر إلى أنّ شرط صحّة العقد هل هو وجود هذه الصفات حال العقد ، أو من زمان موت الموصي إلى آخر زمان إنفاذها ، بل من الممكن أن يكون الشرط وجود هذه الصفات حال الإنفاذ فقط ، لا قبله ، ولا حال العقد ، ولا حال موت الموصي ، فلا بدّ من مراجعة أدلّة اعتبار هذه الشروط ولا يبعد أن يكون ظاهرها اعتبارها حال الإنفاذ فقط لمناسبة الحكم والموضوع.

الثاني : أنّ التفويض إلى من ليس متّصفا بهذه الصفات منهيّ‌ ، والنهي يدلّ على الفساد إن كان متعلّقا بركن العقد ، ولا شكّ في أنّ الموصى إليه ركن في عقد الإيصاء بالولاية.

وفيه : أنّ النهي المتعلّق بالمعاملة إن كان نهيا غيريّا وأفاد الإرشاد إلى المانعيّة ، فلا محالة يدلّ على الفساد ، كما أنّه لو كان نفسيا مولويّا وتعلّق بالمعنى الاسم المصدري أي النقل والانتقال في باب المعاوضات مثلا ، فأيضا يدلّ على الفساد كما حقّقنا المسألة في كتابنا « منتهى الأصول » (200).

ولكن العمدة في المقام هو النهي عن الإيصاء إلى غير البالغ أو الفاسق أو الكافر أو المملوك أو غير العاقل مطلقا ، فلو كان كذلك فهذا الدليل يدلّ على لزوم وجود هذه الصفات في الوصي حال العقد ، ولكن هذا أوّل الكلام ، لأنّه يمكن أن يكون متعلّقا بالإيصاء إلى الصبيّ حال موت الموصي أو حال إنفاذ الوصايا. وأمّا لو لم يكن ذلك الوقت صبيّا مثلا فلا إشكال ، فهذا الدليل لا يتمّ إلاّ مع الاستظهار عن الأدلّة أنّ النهي متعلّق بالإيصاء إلى فاقد هذه الصفات حال العقد ، وهذا أوّل الكلام ، فيكون هذا الاستدلال من قبيل المصادرات.

الثالث : أنّ الوصي يجب أن يكون ـ متى مات الموصي ـ أهلا وقابلا للعمل وإنفاذ الوصايا‌ ، وغير البالغ والمجنون والمملوك والكافر ليسوا قابلين لإنفاذ الوصايا لو‌ فرضنا موت الموصي في حال عدم اتّصافهم بهذه الصفات.

وفيه : أنّ هذا خلف بالنسبة إلى الفرض ، لأنّ المفروض أنّ الوصي واجد لهذه الصفات حال الموت ، وقد عرفت أنّ هذه الوجوه وإن كانت لا تخلو من نظر ومناقشة ، ولكن الإنصاف أنّ ظاهر أدلّة اشتراط الوصي بالصفات المذكورة هو كونه متّصفا بها حال الإيصاء إليها ، بمعنى أنّه لا يجوز ولا يصحّ الإيصاء إلى الصبيّ غير البالغ ، فلو كان حال وقوع عقد الإيصاء إليه غير بالغ يصدق على ذلك العقد أنّه إيصاء إلى غير البالغ ، فيكون منهيّا عنه مثل هذا الإيصاء فيكون باطلا.

فالأظهر ما ذهب إليه المحقّق من أنّ صحّة العقد مشروط بوجود هذه الصفات في الوصي حال العقد. (201) ‌

فرع : يجوز للوصيّ على الصغار الأيتام المسمّى باسم « القيّم » أن يأخذ أجرة مثل عمله‌ إذا كان لعمله أجرة عرفا وكان القيّم فقيرا ، أمّا إذا كان غنيّا ففيه إشكال ، والأصل في ذلك قوله تعالى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء: 6].

المقصود من ذكرنا الآية ها هنا الجملتان الأخيرتان : أي قوله ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) ، فالله تبارك وتعالى بيّن أنّ وليّ الصغير واليتيم الذي يصلح أمورهم ويدبّر شؤونهم يجب عليه أن يختبر اليتيم ، فإن رأى منه أنّه بلغ السن الرشد فيجب عليه أن يدفع إليه أمواله ، وما دام متشاغلا بحفظ أموالهم وإدارة شؤونهم فله أن يتناول من ماله بقدر قوته إن كان فقيرا ، وأمّا إن كان‌ غنيّا فيجب عليه أن يستعفف ويترك أموالهم ولا يأخذ منهم شيئا.

وخلاصة الكلام : أنّ الله تبارك وتعالى نهى القيّم والوصيّ على اليتيم أن يأكلا من أمواله إسرافا وبدارا ، أي متجاوزين عن القوت اللازم ، ومسرعين في الأكل قبل أن يكبروا ويأخذوا المال من أيديهم.

ثمَّ بيّن سبحانه وتعالى أنّ القيّم والوصيّ اللذان يحفظان أموال اليتامى ، ويصلحان أمورهم وشؤونهم ، وتستغرق أوقاتهم في تدبير شؤون أموال اليتامى ونفوسهم ولا يبقى للاشتغال لأنفسهم ، إن كانوا أغنياء ـ أي يملكون قوت سنتهم ، بل جميع نفقات سنتهم ونفقات عيالهم الواجبي النفقة عليهم ـ فيجب عليهم التعفّف ، وترك أكل أموالهم ولو كان قليلا. وأمّا إن كانوا فقيرا ـ أي لا يملكون ما ذكرنا من قوت سنتهم وقوت عيالهم الواجبي النفقة ، بل مطلق نفقاتهم ونفقات عيالاتهم مقدار سنة كاملة ـ فيجوز لهم الأكل بالمعروف.

والمراد بالمعروف هو القوت المتعارف الذي هو الوسط بين البخل والإمساك ، وبين التبذير والإسراف ، أي أكلا متعارفا.

وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ فليأكل بالمعروف قال : « المعروف هو القوت ، وإنّما عنى الوصي أو القيّم في أموالهم ما يصلحهم » (202) . ‌

والظاهر أنّ مراده عليه السلام من القوت ما يقابل الكماليّات والتجمّلات كما هو المصطلح في هذه الأزمان ، لا الخبز فقط. والظاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا في جواز الأكل إن كان فقيرا ، وعدم جوازه إن كان غنيّا بين أن يكونا منصوبا من قبل الأب أو من قبل الحاكم.

وقيل : المراد بالمعروف هو أن يأخذ بقدر أجرة عمله. وقيل : هو أقلّ الأمرين من أجرة عمله وقدر قوته المتعارف ، أي مقدار معيشة المتعارفة.

فلنذكر الأخبار الواردة في هذا المقام :

منها : ما روى الشيخ عن البزنطي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يكون في يده مال لأيتام ، فيحتاج إليه ، فيمدّ يده فيأخذه وينوي أن يردّه؟ فقال : « لا ينبغي له أن يأكل إلاّ القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] » (203).

ومنها : ما عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قال عليه السلام : « من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم ، فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئا » (204).

ومنها : موثقة حنّان بن سدير عنه عليه السلام قال : « إذا لاط حوضها وطلب ضالّتها وهنأ جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك لضرع ولا فساد نسل ». (205) ‌

ومنها : ما عن أبي الصباح ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : ( فمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) فقال ذلك يحبس نفسه من المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا ». (206) ‌

ومنها : ما روى العيّاشي في تفسيره عن زرارة ، وروى أيضا عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير الآية أنّه قال : « هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه فليأكل بالمعروف ، وليس له ذلك في الدنانير والدّراهم عنده موضوعة » (207).

ومنها : ما روى الشيخ عن الكاهلي قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعه خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ، ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ فقال : « إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا. وقال عليه السلام : « {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عزّ وجلّ : {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] » (208).

ومنها : ما في الكافي عن عليّ بن المغيرة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربما أهدى لها شي‌ء فأكل منه ثمَّ أطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي ، فأقول : يا ربّ هذا بذا؟ فقال عليه السلام : « لا بأس » (209).

ومنها : ما رواه الشيخ عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟ فقال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم ، فليأكل بقدر ذلك » (210).

والإنصاف أنّ القدر المتيقّن المتحصّل من هذه الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها هو أنّ المتولي لأمر الصغار ، أي الوصي عليهم من طرف الأب ، أو الجدّ من قبل الأب ، أو القيّم عليهم من طرفها أو من طرف الحاكم ، إذا كان فقيرا ـ أي لم يملك مئونة نفسه وعياله الواجبي النفقة مقدار سنة كاملة ، وكان مشتغلا بإصلاح أموالهم وتدبير شئونهم بحيث يشغله ذلك عن تحصيل معيشته وإدارة شئونه ، وعن كسبه وتدبير مال نفسه ـ فيجوز له أن يأكل من مال اليتيم بمقدار أقلّ الأمرين من قوته المتعارف ومن أجرة عمله ، بشرط أن لا يكون مال اليتيم قليلا بحيث لو أكل الوصي أو القيّم منه ينعدم ، أو يكون قريبا من الانعدام. وإن شئت قلت : أنّه لا يكون موجبا لتبيّن نقصه عرفا.

فلجواز الأكل قيود :

الأوّل : أن لا يكون غنيّا ، لأنّ الأمر بالاستعفاف ظاهر في الوجوب.

الثاني : أن يكون مشتغلا بإصلاح أموالهم وشؤونهم ، ويدلّ على هذا القيد أغلب الروايات المتقدّمة.

الثالث : أن يكون اشتغاله بإصلاح أمورهم مانعا عن تحصيل معيشته والاشتغال لنفسه ، ويدلّ على هذا القيد قوله عليه السلام في رواية سماعة « وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يزرأ من أموالهم شيئا ». ومعنى « لا يزرأ » هو « لا ينقص » والنهي عن النقص من أموالهم كناية عن عدم جواز الأكل مطلقا ، قليلا كان أو كثيرا.

الرابع : أن يكون بمقدار أقلّ الأمرين من القوت المتعارف ومن أجرة عمله ، فالدليل على هذا القيد هو رواية هشام بن الحكم حيث يقول عليه السلام فيها « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك ».

والآية وإن كانت مطلقة من هذه الجهة ، لأنّ مفادها جواز الأكل بالمعروف وإن كان أكثر من أجرة المثل ، لكن هذه الرواية يقيّدها بما إذا لم يكن أزيد من أجرة المثل.

مضافا إلى أنّ أكله أزيد من أجرة المثل خلاف القواعد الأوّلية ، إذ في الكبير لا يجوز ذلك فضلا عن الصغير ، وكون هذا حكما تعبّديا في خصوص الصغير بعيد إلى الغاية.

أمّا لو كان قوت السنة أقلّ من أجرة المثل ، فالأخذ به من جهة أنّ مفهوم القضيّة الشرطيّة في قوله تعالى ( مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) هو أنّ أزيد من قوت السنة الذي هو الأكل بالمعروف لا يجوز ، فيقيّد به دليل استحقاق الأجير أجرة عمله ، وكأنّه قال : كلّ أجير يستحقّ مقدار أجرة عمله ويجوز له أكل ما يستحقّ من ناحية عمله ، إلاّ إذا كان عمله في إصلاح أموال اليتيم ، فإنّه لا يستحقّ ولا يجوز أكل أزيد من قوت ، ونتيجة ما ذكرنا هو استحقاق أقلّ الأمرين.

الكلام في منجّزات المريض‌ :

إنّ من المعلوم أنّ تصرّفات المريض نوعان : مؤجّلة بالموت ومعلّقة عليه ، وهي الوصيّة وقد تقدّمت بتفاصيلها ، سواء صدرت عن المريض أو الصحيح ، وذكرنا مقدارا مهمّا أعني ما هو محلّ الابتلاء من فروعها ، ومنجّزة وهي التي اصطلح عليها الفقهاء بإطلاق لفظ منجّزات المريض عليها.

والمنجّزات التي تصدر عن المريض إن لم تكن فيها محاباة ولم تكن من التبرّعات ، فلا كلام فيها ولا خلاف في البين.

وأمّا إن كانت من التبرّعات كالهبة والعتق والوقف وأمثالها ، أو كانت من المعاوضات التي فيها المحاباة ، فقد وقع الخلاف في أنّها من الأصل وإن لم يجز الوارث ، أو متوقّف كونها من الأصل على إجازة الوارث مثل الوصيّة ، فإن لم يجز كان من الثلث؟

فمن الأولى والأرجح أن نقدّم أمورا لتوضيح المقام :

الأوّل : كما عرفت أنّ المراد من « المنجّز » هو ما يقابل الوصيّة‌ ، بمعنى أن تكون العطيّة التي يعطيها ، أو المعاملة المحاباتيّة التي ينشأها ، أو فكّه لملكه أو إبراء ذمّة مشغولة له ، سواء كانت مشغولة بمال أو حقّ له غير معلّق على موته ، بل يتحقّق ما أنشأه من الأصل على أحد القولين ، ومن الثلث على القول الآخر في حال حياته وليس موقوفا على موته ، بخلاف الوصيّة فإنّ الموصى به لا يوجد للموصى له إلاّ بعد موت الموصي. فبناء على هذا عتقه في حال المرض وهبته ووقفه وصدقته وبيعه المحاباتي وصلحه بلا عوض أو مع عوض أقلّ ممّا يصلح عليه وإجارته المحاباتيّة وكلّ معاوضة محاباتيّة وجميع تبرّعاته على أنحائه ممّا يوجب ضررا ونقصا على الوارث ، وكذلك إسقاط حقوقه التي تعاوض بالمال وإبراء ذمّة مديونه ، وأمثال المذكورات ممّا ليس منشأه معلّقا على الموت ويكون إضرارا بالوارث ، يكون داخلا في محلّ النزاع والخلاف.

ثمَّ إنّ ها هنا موارد وقع الكلام في أنّها داخلة في محلّ النزاع أم لا؟

منها : شراء من ينعتق عليه كالعمودين ـ أي الآباء والأمّهات ـ أو المحارم من النساء‌ ، فمن جهة يمكن أن يقال هذه المعاملة ليس فيها محاباة ، وإنّما المبيع الذي اشتراه يساوي ثمنه ، وليس عند العرف خسارة وضرر ، ولذلك ليس فيها خيار غبن ، والضرر الذي يتوجّه على الورثة من ناحية حكم الشارع بانعتاق هؤلاء ، وإلاّ لو فرضنا عدم‌ هذا الجعل من قبل الشارع لم يكن ضرر عليه في البين ، ولكن حيث أنّه يظهر من روايات الباب أنّ مناط عدم النفوذ في الزائد على الثلث على القول به هو الإضرار بالورثة ، ففي ما روى الكليني أنّ النبي صلى الله عليه واله عاب من أعتق مماليكه ولم يكن له غيرهم وقال صلى الله عليه واله : « ترك صبية صغارا يتكفّفون الناس ». (211) شاهد واضح على أنّ مناط المنع في الزائد على الثلث هو الإضرار بالورثة ، ولا شكّ في أنّ في شراء من ينعتق عليه إضرار بالورثة ، فيكون داخلا في محلّ الخلاف ، لوجود المناط فيه.

منها : ردّ الهبة والوصيّة والصدقة‌ إن كان من أهلها.

منها : العفو عن القصاص مع إمكان أن يصالح هذا الحقّ بالمال. ولكن الإنصاف أنّ هذا من عدم جلب النفع للورثة لا من الإضرار عليهم ، لأنّ المجعول لوليّ الدم ابتداء هو ليس حقّا ماليّا بل حقّ القصاص فقط ، ولكن له أن يصالح بالمال فلو لم يحصل مالا وأضرّ بهم وإلاّ لو كان ذا صنعة مهمّة مثل أن يكون خطّاطا من الدرجة الأولى ، كلّ قطعة من خطّه يباع بقيمة مهمّة غالية يمكن أن يحصل أيّام المرض مالا مهمّا يجب أن يقال بوجوب الشغل بتلك الصنعة ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

منها : الإتلاف الموجب للضمان‌ ، فلو تعمّد إتلاف مال الغير فيكون ضامنا لما أتلف ، ولا شكّ في أنّه إضرار بالورثة ، فهل يخرج الضمان من الأصل أو الثلث؟ ومثل أنّه أفطر في نهار رمضان متعمّدا فيجب عليه الكفّارة فيما إذا تعيّن عليه الكفّارة الماليّة من إطعام ستّين مسكينا أو تحرير رقبة مؤمنة ، وهكذا الحال في سائر الكفّارات الماليّة فهل يكون من الأصل أو من الثلث مثل كفّارة حنث الحلف النذر؟

أقول : محل البحث هو إنشاء تبرّع ابتداء أو في ضمن معاملة محاباتيّة ، سواء كانت عقدا أو إيقاعا ، فهل مثل هذه المعاملات تنفذ من الأصل أو من الثلث؟

أمّا الفعل الخارجي التكويني الذي جعله الشارع موضوعا لحكم من الأحكام ـ كباب الجنايات التي جعل الشارع لها الدية أو لزوم إعطاء الأرش ، أو جعله الشارع موضوعا لوجوب إعطاء الكفّارة ـ فلا دخل لها بما هو محلّ بحثنا ، بل رفع الحكم فيها يحتاج إلى تقييد في دليلها أو تخصيص فيه ، وحيث لا تقييد ولا تخصيص في البين فيجب إعطاء الكفّارة فيما تجب فيها والأرش والدية فيما يجب فيه الأرش أو الدية.

وخلاصة الكلام هو أنّ البحث في أنّه إذا صدر من المريض عقد أو إيقاع يكون تبرّعا ابتداء أو يكون متضمنا للتبرّع كالعقود المحاباتيّة أو الإيقاع كذلك ، فهل ينفذ من الأصل أو لا ينفذ إلاّ في خصوص الثلث كالوصيّة؟

وإن شئت قلت : إنّ محلّ النزاع والخلاف هو أن يكون مالا موجودا للمريض من عين أو منفعة أو دين أو حقّ ماليّ ، ففي عالم الاعتبار التشريعي لو نقله إلى غيره بلا عوض أو بعوض أقلّ أو أبرأ ذمّة من في ذمّته أو أسقط حقّه المالي الموجود ، فهل ينفذ مطلقا ، أو لا بل ينفذ في مقدار الثلث ، أمّا الزائد عليه فنفوذه موقوف على إجازة الورثة؟

نعم لو اشتغل ذمّته لشخص بعقد أو إيقاع ، بحيث يكون ملزما بأدائه من المال الموجود عنده بدون عوض والظاهر كونه داخلا في محلّ الكلام.

وأمّا إذا ضمن بعقد الضمان ما في ذمّة زيد مثلا ، خصوصا إذا كان زيد معسرا يتعذّر عليه أداء عوض الضمان ، فهل داخل في محلّ البحث ، أم لا؟ فيه وجهان :

من حيث أنّ الضمان عقد موجب لاشتغال ذمّة الضامن بعوض مثله في ذمّة المضمون عنه ، فليس من عقود التبرّعات ولا المعاوضة المحاباتيّة ، فيكون خارجا عن محلّ النزاع.

ومن حيث أنّ المضمون له لو كان معسرا يتعذر عليه أداء ما في ذمّته من عوض المضمون به ربما يكون ضررا على الورثة ، فيكون داخلا في محلّ الخلاف والنزاع.

والإنصاف : أنّه في صورة كون المضمون عنه معسرا بحيث يتعذّر عليه أداء ما في ذمّته ، لا يبعد دخوله في محلّ النزاع ، لوجود المناط والملاك فيه.

وأمّا نذر المال في حال المرض فداخل في محلّ الكلام بلا كلام ، لأنّه يقينا ضرر على الورثة ، فإنّ مقدار المال المنذور يخرج من كيس الورثة يقينا وبلا عوض ، فهو من العقود التبرعيّة بلا ريب.

ثمَّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا من الضابط من محلّ النزاع والخلاف ـ وهو أن يكون مالا موجودا ، أو ما يكون بحكم الموجود ، كالمنافع للأعيان الموجودة التي تتجدّد في الأزمنة المتتالية ، من عين أو منفعة أو دين في ذمّة أو حقّ مالي ، ففي عالم الاعتبار التشريعي بعقد أو إيقاع لو نقله إلى غيره بلا عوض أو مع عوض أقلّ منه ، أو أبرأ ذمّة من في ذمّته ، أو أسقط حقّه المالي الموجود ، ففي جميع ذلك يأتي الخلاف المذكور أنّه من الأصل أو هو كالوصيّة من الثلث إذا صدر من المريض ـ أنّ العطايا الخارجيّة التي تصدر منه كما إذا أعطى مالا بدون عقد أو إيقاع في البين لمادح يمدحه ، أو لمن يخاف منه على نفسه أو على ماله أو على عرضه ، أو يريد يجلب مودّته لغرض من الأغراض أو يريد احترامه لأجل حقّ له عليه فيضيفه ، أو يهدى إليه لرجوعه من سفر أو لعرسه وزفافه ، أو يعطى لفقير للأجر والثواب ، أو يعطى لسلامته من الآفات وحصول الصحّة والاستشفاء من مرضه ، فجميع ذلك خارج عن محلّ الخلاف والنزاع ، وعليه السيرة المتشرّعة قديما وحديثا.

الثاني : أنّه ما المراد من المرض الذي أخذ في عنوان البحث‌ ، حيث أنّ المسألة عندهم معنونة بعنوان أنّ منجّزات المريض هل هي من الأصل أم من الثلث كالوصيّة؟

أقول : الاحتمالات كثيرة :

منها : أن يكون المراد منه المرض الذي بسببه يحصل الموت‌ ، فيكون من إضافة‌ السبب إلى المسبّب ، فمرض الموت أي المرض الذي يكون سببا وعلّة للموت.

وهذا أيضا على قسمين ، لأنّ السبب قد يكون سببا فعليّا ، وقد يكون شأنيّا.

مثلا قد يكون الموت مستندا إليه ، وليس للموت سبب وعلّة أخرى بحيث لو لم يكن هذا المرض لم يمت ، وأخرى يكون سبب آخر للموت من غرق أو حرق وإن كان المرض أيضا لو لم يكن ذلك السبب الآخر كان كافيا لوقوع الموت ، ولكن بواسطة وجود ذلك السبب الآخر لم يبق مجال لتأثير المرض ، كما أنّه كان مبتلى بالسل في الدرجة الأخيرة التي ليست قابلة للعلاج ، ولكن يتأخّر موته سنة مثلا وفي الأثناء انهدمت الدّار عليه ومات ، فالمرض في هذا المثال سبب شأني للموت ، والسبب الفعلي له انهدام الدار عليه.

ومنها : أن يكون المراد منه المرض الذي يتّفق فيه الموت‌ ، وليس للمرض تأثير فيه أصلا ، وذلك كما إذا كان مريضا قابلا للعلاج وفعلا مشغولة بالمعالجة ، ولكن اتّفق أنّه مات بسبب آخر ، كما أنّه وقع من شاهق أو لدغه حيوان سامّ مثلا فمات بسببه.

وبناء على هذا التفسير ـ لمرض الموت ـ يكون من قبيل إضافة الظرف إلى مظروفة ، كقولهم : سنة الوباء أو الطاعون أو القحط وأمثال ذلك أي المرض الذي يقع فيه الموت. وبناء على هذا التفسير الأخير لو كان مريضا وصدر منه تصرّف منجّز في ماله ، كهبة أو وقف أو عتق ومات في أثناء ذلك المرض بسبب آخر ، كلدغ حيّة مثلا ، يكون داخلا في محلّ الخلاف ، أي أنّه يخرج من الأصل أو الثلث؟

ثمَّ إنّه قد تحصل أمارات الموت وليس بمريض أصلا ، كما أنّه لو صعب الولادة على المرأة حال الطلق وظهرت عليها أمارات الموت ، فإن صدرت في هذه الحالة تبرّعات منجّزة من بذل مهرها لزوجها وأمثال ذلك ، فهل داخل مثل هذا التبرع في محلّ الخلاف أم لا؟ أو كان في الحرب في محلّ يظنّ فيه التلف لوقوع رصاصه عليه ، أو كان في السفينة المشرفة على الغرق في حال هيجان البحر وتلاطم الأمواج ، ففي مثل‌ هذه الموارد هل يكون ملحقا بمرض الموت ، لوحدة الملاك وتنقيح المناط ، أم لا؟

ولكن هناك في الروايات تعبير آخر غير مرض الموت ، وهو عنوان « حضرته الوفاة » ربما يشمل مثل هذه الموارد ، فالمرأة التي حال الطلق ظهرت عليها أمارات الموت يصدق عليها أنّها حضرتها الوفاة ، وهكذا في السفينة المشرفة على الغرق.

ثمَّ إنّه هاهنا أمران :

أحدهما : هل موضوع هذا الخلاف والنزاع وقوع التبرّعات المنجّزة في مطلق المرض‌ ، وإن كان تطول مدّته ويبقى المريض سنين ، كمرض السل والسرطان ، فإنّهما وإن كان سببا للموت بالأخرة وليس لهما العلاج ولكن قد تطول سنين عديدة ، أو مخصوص بالمرض الذي يتعقّب بالموت بسرعة ولا يزيد على الشهر مثلا؟

ومعلوم أنّه لو كان موضوع الحكم هو مرض الموت ، فلا بدّ من مراجعة العرف في فهم المراد من هذه الكلمة إلاّ أنّ الشأن في ذلك.

الثاني : أنّ موضوع هذا الحكم ووقوع الخلاف مطلق المرض ، أو خصوص المخوف منه؟ واختلف عباراتهم في هذا القيد ، ويظهر من عبارة المحقّق في الشرائع أنّ موضوع هذا الخلاف مطلق المرض الذي يتّفق به الموت ، سواء كان مخوفا في العادة أو لم يكن (212) فعنده موضوع هذا الخلاف هو المرض الذي يكون سببا للموت وإن لم يكن مخوفا بل اتّفق فيه الموت. واختار في القواعد (213) أنّ الموضوع لهذا الحكم هو المرض يتّفق معه الموت وإن لم يكن بسببه.

ثمَّ إنّ الذين جعلوا الموضوع المرض المخوف مثل الشيخ (214) ومن تبعه في ذلك ، دخلوا في مسألة بيان الأمراض المخوفة وما ليس بمخوف ، وهذا عبارة الشرائع : كلّ‌ مرض لا يؤمن معه من الموت غالبا فهو مخوف ، كحمّى الدق ، والسل ، وقذف الدم ، والأورام السوداويّة والدمويّة ، والإسهال المنتن وما شاكله. وأمّا الأمراض التي الغالب فيها السلامة فحكمها حكم الصحّة ، كحمى يوم وكالصداع عن مادّة أو غير مادّة ، والدمل ، والرمد ، والسلاق ، وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى الغض ، والزحير ، والأورام البلغمية (215).

وهذه الأمراض التي ذكرها أنّ عدّة منها مخوفة وعدّة أخرى غير مخوفة هو حسب الطبّ القديم ، وأمّا اليوم فتغيّرت أسماؤها ، وبعض ما سمّاها بالمخوفة ليست بالمخوفة ، بل يمكن علاجها بسهولة في هذه الأزمان.

هذا ، مضافا إلى أنّه ليس في الروايات هذا العنوان ، أي عنوان « المرض المخوف » كي ترجع في تعيين مفاده إلى العرف أو إلى أهل الخبرة في فنّ الطبّ ، وأنّه هل يسمع شهادة الفاسق بل الكافر من أهل الخبرة أو لا بدّ وأن يكون شهادة العدل بل العدلين لو كان من باب الشهادة.

نعم في عدّة روايات عنوان « المريض » من دون قيد ، وفي الكتاب العزيز وفي عدة من الروايات عنوان « حضر أحدكم الموت » وفي بعضها « عند الموت » فالبحث عن أنّ أيّ مرض مخوف وأيّها ليس بمخوف لا أثر له.

نعم المسلّم عند الكلّ أنّه لو تبرّع في مرضه ، ثمَّ طاب من ذلك المرض ولم يمت ، ثمَّ مات بمرض آخر أو بسبب آخر ، فهذا ليس داخلا في محلّ النزاع والخلاف قطعا ، فما هو المسلّم في دخوله في محلّ النزاع هو أن يقع الموت في نفس المرض الذي صدر التبرّع منه في ذلك المرض ، أمّا كونه سببا للموت أو كونه مخوفا فليس شي‌ء من ذلك مذكور في الأخبار ولا من المسلّمات عند الأصحاب.

الثالث : في بيان أنّه ما هو مقتضى الأصل ، مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة‌ التي‌ مفادها خروج منجّزات المريض من الأصل أو من الثلث.

فتارة نتكلّم في الأصول اللفظيّة من العمومات والإطلاقات التي هي من الأمارات ومع جريانها لا يبقى محلّ لجريان الأصول العمليّة لارتفاع الشكّ الذي هو موضوعها بها ، لأنّها حاكمة عليها وقد حرّرنا المسألة في الأصول. (216) ‌

وأخرى في الأصول العمليّة على فرض عدم جريان الأصول اللفظيّة من العمومات والإطلاقات.

أمّا الأوّل ، أي الأصول اللفظيّة :

فمنها : المرسلة المعروفة بين الفريقين : الناس مسلّطون على أموالهم » (217).

وتقريب الاستدلال بها في المقام هو أنّ مفاد هذه المرسلة أنّ كلّ من يملك مالا فهو السلطان على ماله ، فله أنحاء التصرّفات الجائزة شرعا ، ولا فرق في ذلك بين التصرّفات التكوينيّة كشرب المشروبات وأكل المأكولات ولبس الملبوسات ، وهكذا في سائر أنحاء التصرّفات التكوينيّة فيؤخذ بالعموم ، إلاّ أن يأتي دليل على التخصيص بالنسبة إلى تصرّف من التصرّفات ، وبين التصرّفات التشريعيّة كبيعه وهبته وإجارته وعاريته والصلح عليه وهكذا ، بل قلنا في الاستدلال بها على أصالة اللزوم إذا شككنا في لزوم معاملة مملكة ونفي جواز الرجوع بعد حصول الملك للطرف المقابل إنّ إرجاعه بدون رضاه مناف مع سلطنته على ماله.

وذلك من جهة أنّ مقتضى السلطنة التامّة التي هي مفاد القاعدة أنّ للمالك جميع أنحاء التصرّفات المباحة في ماله ، وقصر سلطنة الغير عنه. فالمرسلة متضمّن لعقدين : إيجابي وسلبي ، أي كما أنّ له جميع أنحاء التصرّفات الجائزة المباحة ، كذلك له منع الغير‌ عن التصرّف فيه ، وإلاّ ليس سلطنة تامّة بل ناقصة ضعيفة ، ولذا جعلناها دليلا على اللزوم في مورد الشكّ وقلنا بأصالته في الملك.

ففي ما نحن فيه بعد الفراغ أنّ المال ماله ما دام الروح في بدنه ولا يخرج عن ملكه ، فبهذه المرسلة نستدلّ على أنّه في حال المرض الذي يقع فيه الموت حيث أنّ المال ماله ولم يخرج عن ملكه ، فله التسلّط على جميع أنحاء التصرّفات المشروعة غير المحرمة ، إلاّ أن يأتي دليل على المنع عن تصرّف وإن كان في حدّ نفسه حلالا أو كان في حدّ نفسه من المحرّمات كجعل عنبه خمرا مثلا أو خشبه صنما وأمثال ذلك.

وحيث أنّ التبرّعات المنجّزة ليست من العناوين المحرّمة ، ولا نهي الشارع عن مثل هذا التصرّف على الفرض ، بل هي من العناوين الراجحة بلا كلام ، فللمالك السلطنة عليها.

لا يقال : إنّ قاعدة السلطنة ليست مشرّعة لمعاملة مشكوك الشرعيّة ، بمعنى أنّه لا يمكن ولا يصحّ إثبات شرعيّتها بهذه القاعدة ، وذلك لأنّ المعاملات التي عند العرف والعقلاء سبب للنقل والانتقال يحتاج إلى إمضاء من قبل الشارع ، فما لم يمضه الشارع لا يثبت ماليّة ذلك المال شرعا لمن انتقل إليه ، فبالقاعدة لا يثبت الإمضاء ، وهذا معنى أنّها ليست مشرّعة. فإذا شككنا في أنّ التبرّعات العقديّة الصادرة عن المريض في المرض الذي وقع فيه موته هل أمضاها الشارع أم لا؟ لا يصحّ إثبات إمضائها بهذه القاعدة ، فلا يصحّ إثبات الانتقال إلى المتبرّع إليه بهذه القاعدة وترتيب آثار ملكيّة المتبرّع إليه لما تبرّع به ، وهذا ملازم مع عدم خروجها عن ملك المريض بل هو باق إلى زمان حصول الموت ، فيرثه الورثة. نعم مقدار الثلث يقينا صدر الإمضاء عن الشارع فينتقل إلى المتبرّع إليه قطعا ، وأمّا الزائد عليه فيبقى على حاله ، فيصدق عليه التركة ، فيرثها الورثة.

لما ذكرنا أنّ هذه المعاملات والعقود التبرّعية ممضاة من قبل الشارع يقينا ، وإنّما‌ الشكّ في محلّ النزاع أتى من قبل أنّ المرض الذي يقع فيه الموت هل يوجب نقصا وقصورا في سلطنة المريض كي لا تكون عقوده المنجّزة مؤثّرة في الأزيد من ثلث ماله ، أم لا قصور ولا نقص فيه كي تكون مؤثّرة في الجميع في الثلث وما زاد عليه؟

فعموم « الناس مسلّطون على أموالهم » حيث يدلّ على السلطنة المطلقة التامّة على جميع أموالهم في جميع الأحوال ، صحيحا كان أم مريضا ، وكذا بالنسبة إلى جميع الحالات الطارئة على المالك مثل السفر والحضر ، فالمرسلة تدلّ على أنّ أيّ معاملة مشروعة ـ أي ممضاة ـ من قبل الشارع في حدّ نفسها إذا صدر عن المالك يجب ترتيب الأثر عليها والحكم بصحّتها ، لأنّ الشارع جعل المالك سلطانا عليها في جميع الحالات ، إلاّ فيما إذا جاء الدليل على عدم سلطنته على تلك المعاملة في حال من الأحوال.

كما أنّ القائلين بعدم نفوذ المنجّزات في الزائد على الثلث يدّعون وجود الدليل على مثل ذلك التخصيص ، وأنّه ليس للمريض الذي يقع موته في ذلك المرض السلطنة على التبرّع بماله بأزيد من الثلث إلاّ بإجازة الورثة ، فإذا أثبتنا أنّه ليس دليل على مثل ذلك التخصيص ، فمقتضى أصالة العموم وأصالة الإطلاق في المرسلة أنّ السلطنة لجميع الملاّكين ثابتة في جميع أموالهم في جميع الأحوال ، سواء كانوا أصحّاء أو كانوا مرضى.

وسنتكلّم إن شاء الله تعالى في أنّ أدلّة القائلين بمنع نفوذ منجّزات المريض في أزيد من الثلث غير تامّ ، فمقتضى الأصل أي عموم قاعدة السلطنة وإطلاقها بالنسبة إلى جميع الأحوال هو النفوذ وإن كان أزيد من الثلث.

ومنها : الأدلة العامّة التي تدلّ على وجوب الوفاء بالعقود‌ ، كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (218) بناء على شمول‌ الشروط الابتدائيّة كي يشمل العقود والالتزامات الابتدائيّة.

وتقريب الاستدلال بهذه العمومات هو بعد ما صدر أحد العقود التبرّعية عن المريض الذي يموت في ذلك المرض ، أو صدر أحد المعاملات المحاباتيّة ، وكان واجدا لشرائط تلك المعاملة عرفا بحيث تحقّق موضوع ذلك العقد عرفا ، فيشمله العمومات الواردة في لزوم الوفاء بذلك العقد أو ذلك الشرط ، ومعنى وجوب الوفاء به ترتيب أثر الملكيّة بالنسبة إلى ذلك المال الذي تبرّع به للمنتقل إليه.

وإطلاق وجوب الوفاء يدلّ على عدم الفرق بين صورة إجازة الوارث ، وبين صورة عدم إجازته. ومعنى حكم الشارع بلزوم ترتيب آثار ملكيّة من انتقل إليه مطلقا أجاز الوارث أم لا ، نفوذ التبرّعات والمعاملات المحاباتيّة مطلقا.

ومنها : عمومات نفس ذلك التبرّع ، مثل عمومات الهبة أو الصدقة‌ ، أو عمومات البيع أو الإجازة أو الصلح المحاباتيّة بنفس التقريب الذي بيّنّا في العمومات التي تشمل مطلق العقود والمعاملات ، فلا حاجة إلى إعادة ما ذكرنا.

وهم ودفع :‌

أمّا الأوّل : فهو أنّ دلالة قاعدة السلطنة ، وعمومات وجوب الوفاء بالعقود ، وعمومات كلّ واحد من عناوين هذه المعاملات مثل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وعموم {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [النساء: 128] وكذلك عموم الرهن قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } [البقرة: 283] أو قوله عليه السلام :

« لا بأس استوثق من مالك » (219) وهكذا في الإجارة والعارية وغيرها على كون المالك سلطانا ، ووجوب الوفاء بكلّ عقد ، ونفوذ كلّ معاملة بالنسبة إلى جميع ما يصدق عليه البيع بالنسبة إلى عمومات البيع ، وجميع ما يصدق عليه الإجارة أو الصلح بالنسبة إلى عموماتها ، وهكذا في سائر العناوين من عناوين التبرّعات والمعاملات المحاباتيّة متوقف على إحراز قابليّة المحلّ للسلطنة أو وجوب الوفاء أو النفوذ في جميع المصاديق والحالات. وأمّا لو علم بعدم قابليّة المحلّ للمذكورات أو شكّ فيها ، فلا يفيد في ثبوت السلطنة أو وجوب الوفاء أو نفوذ تلك المعاملة شي‌ء من هذه العمومات والإطلاقات.

نعم لو كان هناك أصل موضوعي أثبت قابليّة المحلّ تعبّدا فتجري تلك العمومات ، مثلا في محلّ كلامنا احتمال وجود حقّ المنع للورثة عن تصرّف المريض الذي يموت في ذلك المرض في الزائد على الثلث يمنع من تأثير العقود المنجّزة في مؤدّاها لعدم إحراز قابليّة المحلّ ، لأنّ قابليّة المحلّ شرط التأثير ، نعم لو جرى أصالة عدم حدوث حقّ للورثة بعد حدوث المرض وأحرز القابليّة تعبّدا فتجري العمومات الثلاثة ، أي قاعدة السلطنة ، وعمومات وجوب الوفاء بكلّ عقد ، وعمومات كلّ واحد من تلك العقود التبرّعية والمعاملات المحاباتيّة ، فأوّلا لا بدّ من إجراء استصحاب عدم حدوث حقّ للورثة ، ثمَّ الاستدلال بهذه الطوائف الثلاث من العمومات ، وإلاّ مع الشكّ في قابليّة المحلّ لا يجري شي‌ء منها هذا هو الوهم.

وأمّا الثاني : أي الدفع ، فهو أنّا لا نرى معنى محصّلا لتوقّف شمول هذه العمومات للمورد على إحراز قابليّة المحلّ‌ باستصحاب عدم حدوث حقّ للورثة بعد حدوث المرض المذكور.

وذلك لأنّ محلّ السلطنة ومتعلّقها هو مال ذي السلطنة ، ولا شكّ في أنّ مال كلّ‌ شخص قابل لأن يكون له السلطنة عليه ، وأن يكون له التصرّف فيه بأنواع التصرّفات ، سواء كان حال التصرّف صحيحا أو مريضا ، وسواء يموت في ذلك المرض أو لم يمت ، وإذا منع المالك عن التصرّف فيه في حال من الأحوال فلا بدّ وأن يكون تخصيصا في قاعدة السلطنة.

كما أنّ الراهن لا يجوز له التصرّف في ماله المرهون ، لورود الدليل على تخصيص القاعدة وعدم جواز تصرّف الراهن في عين المرهونة بدون إجازة المرتهن ، لا لعدم قابليّة المحلّ لتعلّق حقّ المرتهن به.

وباب التخصيص غير عدم قابليّة المحلّ للحكم الشرعيّ أو اعتبار العرفي ، مثل بعض الحشرات التي لا فائدة فيها ولا يترتّب أثر عليها مثل الخنفساء مثلا المحلّ ليس قابلا لاعتبار الماليّة حتّى عرفا.

مثلا التذكية شرعا عبارة عن فري الأوداج الأربعة من مسلم بآلة من حديد مسمّيا موجّها إلى القبلة ، وأثرها في الحيوان المحلّل الأكل أمران : طهارة أجزائه ، وحلّية أكله ، وفي حيوان المحرّم الأكل طهارة بدنه وأجزائه فقط ، وأمّا حرمة أكله فذاتيّة لا تزول ، وأمّا الحيوان نجس العين كالكلب والخنزير البرّيان فالمحلّ غير قابل للتذكية ، لأنّ أثر التذكية إمّا كلا الأمرين أو أحدهما ، فإذا لم يترتّب كلّ واحد منهما ـ كما أنّه كذلك في نجس العين ـ فاعتبار التذكية لا معنى له ، فالمحلّ غير قابل للتذكية ، كما أنّه لو شككنا في حيوان أنّه نجس العين ، فلو لا قاعدة الطهارة تكون قابليّته للتذكية مشكوكة ، للشكّ في قابليّة المحلّ.

وأمّا فيما نحن فيه ، فمال المريض قابل للسلطنة عليه مثل الصحيح ، فإذا لم يكن في مورد له السلطنة عليه لا بدّ وأن يكون لدليل مخصّص في البين ، وهكذا الحال بالنسبة إلى أدلّة وجوب الوفاء بالعقود ، فعقود المريض مثل الصحيح قابل لوجوب الوفاء بها.

فإذا لم يكن في مورد واجب الوفاء لا بدّ وأن يكون لوجود دليل مخصّص لذلك‌ العموم ، وإلاّ فعدم قابليّة المحلّ كلام لا أساس له. وهكذا الأمر في عمومات كلّ واحد من العناوين التبرّعية ، أو المعاملات المحاباتيّة الدالّة على نفوذ تلك المعاملة لو لم تكن نافذة في مورد لا بدّ وأن يكون لوجود مخصّص ، لا لعدم قابليّة المحلّ ، فحديث عدم قابليّة المحلّ في هذه الموارد كلام لا أساس له ، وإن كان أستاذنا المحقّق العراقي مصرّا عليه ، فلا حاجة إلى أصالة عدم حدوث حقّ للورثة ، لإجراء قاعدة السلطنة ، أو التمسّك بعمومات وجوب الوفاء بالعقود ، أو عمومات نفس المعاملات المحاباتيّة ، أو العناوين التبرعيّة الصادرة عن المريض الذي يموت في ذلك المرض.

وأمّا الثاني أي الأصول العملية :

فالأصل الذي يمكن جريانها ـ في نفس المسألة أي لإثبات نفوذ التبرّعات في الزائد على الثلث من دون إجازة الوارث ، أو عدم نفوذها وتوقّفه على إجازة الورثة ـ هو‌ الاستصحاب.

وهو على قسمين : تنجيزي ، وتعليقي.

أمّا [ القسم ] الأوّل ، فهو أيضا على قسمين : كلّي وشخصي.

فالأوّل ـ أي الاستصحاب الكلّي التنجيزي ـ هو أن يقال : إنّ الإنسان العاقل البالغ الصحيح الرشيد ، غير المحجور عليه من جهة أحد أسباب الحجر ، يقينا له السلطنة على ماله وينفذ جميع تصرّفاته المباحة ، فإذا زالت عنه الصحّة وصار مريضا بمرض مات فيه شككنا في بقاء سلطنته ، فيشمله قوله عليه السلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » فينتج الاستصحاب بقاء السلطنة ونفوذ التصرّفات في حال المرض أيضا.

لا يقال : إنّ اتّحاد قضيّة المتيقّنة مع المشكوكة موضوعا ومحمولا شرط في جريان الاستصحاب ، وها هنا ليس كذلك ، فإنّ الموضوع في القضيّة المتيقّنة هو الإنسان العاقل الصحيح ، وفي المشكوكة هو المريض.

قلت : هذا الإشكال يأتي في جميع الاستصحابات في الحكم الكلّي ، ولأجل ذلك‌ أنكر بعضهم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي ، منهم سيّدنا الأستاذ الأصفهاني على ما ببالي ، ولكن نحن حرّرنا المسألة في كتاب « منتهى الأصول » (220) في مبحث الاستصحاب في ذكر أقوال المفصّلين في حجّيته.

وإجمال ما ذكرنا هناك بطور الاختصار أنّ اتّحاد القضيّتين موضوعا ومحمولا وإن كان صحيحا لا مناص منه ، ولكن الاتّحاد بنظر العرف كاف وإن كانا بالدقّة غير متّحدين ، وكذلك وإن كان بحسب ما أخذ موضوعا في لسان الدليل مختلفين ، فالاتّحاد بنظر العرف هو المناط في جريان الاستصحاب. وإن شئت التفصيل فراجع كتابنا « منتهى الأصول ».

والمثل المعروف لجريان استصحاب الكلّي هو أنّه لا شكّ في نجاسة الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة ، فإذا زال التغيّر من قبل نفسه فهل تبقى نجاسته ، أو تجري فيه أصالة الطهارة؟ الصحيح هو الأوّل ، ومدرك بقاء نجاسته هو استصحابها ، فيأتي هذا الإشكال وهو أنّ الموضوع في القضيّة المتيقّنة هو الماء المتغيّر بوصف التغيّر ، وفي المشكوكة الماء الذي زال التغيير من قبل نفسه لا بوصول المطهّر إليه.

ولكن بعد ما كان بنظر العرف موضوع الحكم هو الماء ، والتغيّر كان واسطة في الثبوت ، أي كان علّة الحكم ، لا من قيود الموضوع كي ينتفي بانتفائه الحكم ، وشكّ في أنّه هل بحدوثه علّة لحدوث الحكم الوضعي أي النجاسة وبقائه إلى أن يأتي المطهّر أم لا ، بل علّة لحدوث الحكم وبقائه ما دام باقيا ، وأمّا إن زال فلا دليل لا على بقاء النجاسة ولا على ارتفاعها ، فبالاستصحاب يحكم ببقائها ، فحدوث النجاسة بحدوث التغيّر وبقاؤها ببقائه ، وأمّا إن زال التغيّر فلا دليل على بقائها إلاّ استصحابها ، فهذا الاستصحاب لا مانع من جريانه.

فكذلك في المقام السلطنة التي كانت ثابتة للإنسان العاقل البالغ حال صحّته‌ مشكوكة البقاء بعد زوال الصحّة وصيرورته مريضا ، فبالاستصحاب يثبت بقاؤها. والجواب عن اختلاف الموضوع هو كفاية الاتّحاد عرفا وهو حاصل.

والثاني : أي استصحاب التنجيزي الشخصي ، هو أن يقال : إنّ هذا الشخص حال صحّته يقينا كان ذا سلطنة على أمواله ، وكان جميع تصرّفاته التبرعيّة والمحاباتيّة نافذة من أصل ماله ، وبواسطة ارتفاع الصحّة أو وجود المرض حصل الشكّ في بقاء سلطنته ونفوذ تصرّفاته ، فبالاستصحاب يثبت بقاؤها وبقاء نفوذها من أصل المال.

وأمّا توهم أنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم السلطنة فيما إذا كان المرض من حال الصغر إلى أن بلغ ومات في ذلك المرض وتبرّعاته كانت بعد بلوغه ، فبهذا الاستصحاب يثبت عدم سلطنته على التبرّعات والعقود المحاباتيّة فيما زاد على الثلث.

لا يقال : لا تعارض بين الاستصحابين ، لأنّهما في موضوعين ، فيمكن العمل بكليهما والقول بعدم نفوذ التبرّعات في مورد الأخير ، أي فيما إذا كان البلوغ في حال المرض ، وكان صدور التبرّعات منه في حال المرض وبعد البلوغ بواسطة هذا الاستصحاب فيما زاد على الثلث إلاّ بإجازة الورثة ، والقول بالنفوذ من الأصل في مورد الاستصحاب الأوّل ، أي فيما إذا كان البلوغ في حال صحّة المتبرّع ثمَّ مرض وصدر منه التبرّعات لأجل استصحاب الأوّل ، أي استصحاب بقاء السلطنة التي كان له في حال صحّته.

لأنّه وإن كان الاستصحابان غير متعارضين بالذات لأنّهما في موضوعين ، لكنّه لا يمكن العمل بكليهما ، لأنّه قول بالفصل ولا قائل به ، بل في المسألة قولان : النفوذ من الأصل مطلقا ـ سواء كان المرض من قبل البلوغ مستمرّا إلى أن يبلغ فيصدر منه التبرّعات المنجّزة أو كان وجود المرض بعد البلوغ ـ وعدم النفوذ في الزائد على الثلث إلاّ بإجازة الوارث أيضا مطلقا ، سواء كان المرض بعد البلوغ أو قبله وكان مستمرّا إلى زمان صدور المنجّز عنه ، فالقول بالتفصيل والعمل بكلا الاستصحابين‌ خرق للإجماع المركّب ، فلا يجوز العمل بكليهما ، فيكونان متعارضين بالعرض فيتساقطان.

فتوهم فاسد ، لعدم جريان استصحاب عدم السلطنة التي كان في حال الصغير بعد البلوغ ، وذلك لأنّ الصغر في نظر العرف موضوع واسطة في العروض ، لا أنّ الموضوع في نظرهم ذات هذا الشخص والصغر واسطة في الثبوت ، كي يقال بأنّ موضوع عدم السلطنة باق وهو ذات هذا الشخص ، والصغر كان علّة لعدم السلطنة لا أنّه موضوعه.

وبعبارة أخرى : في نظر العرف غير البالغ والصغير موضوع لأحكام منها عدم توجّه الخطابات الإلزاميّة إليهم ، منها عدم صحّة معاملاتهم وعدم سلطنتهم على أنواع التصرّفات فجرى هذا العدم إلى زمان البلوغ وإثباتها للبائع على فرض ثبوت الشكّ ليس من الاستصحاب ، بل يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، وذلك لما ذكرنا من أنّ العرف يرى الصغير موضوعا وواسطة في العروض ، لا أنّ الموضوع ذات الشخص وعدم البلوغ واسطة في الثبوت.

العجب من أستاذنا المحقّق العراقي أنّه مع كمال دقّة نظره غفل عن مثل هذا النكتة الواضحة ، وقال بالتعارض بين هذين الاستصحابين وتساقطهما ، مع أنّه ليس هناك استصحابان ، بل واحد وهو استصحاب بقاء السلطنة التي كان له حال الصحّة ، فلا تعارض ولا تساقط في البين أصلا.

وأمّا القسم الثاني : أي استصحاب التعليقي‌ هو أن يقال : إنّ هذا الشخص لو كان يصدر منه هذه التبرّعات المنجّزة في حال صحّته لكانت نافذة جميعها من أصل ماله بدون التوقّف على إجازة الورثة ـ لا من الثلث والزائد يتوقّف على إجازتهم ـ ففي حال المرض أيضا كذلك.

كما يقال : إنّ هذا الزبيب لمّا كان عنبا ورطبا لو كان يغلي ماؤه ينجّس أو يحرم‌ شربه أو أكله إلاّ إذا ذهب ثلثاه ، فالآن في حالة الجفاف والزبيبية كما كان.

وأيضا مثل أن يقال : إنّ هذا الرجل لمّا كان صحيحا ولم يكن مريضا ، أو لمّا كان شابّا ولم يكن شيخا هرما لو كان مستطيعا كان يجب عليه الحجّ ، فالآن بعد ما صار مريضا أو شيخا هرما وصار مستطيعا يجب عليه.

فالاستصحاب التعليقي في الحقيقة عبارة عن أنّ الموضوع المركّب من الجزئين إذا وجد أحدهما ، فذلك الجزء الموجود بشرط انضمامه إلى الجزء الآخر يكون له حكم كذا.

مثلا البالغ العاقل الحرّ لو انضمّ إليه الاستطاعة وصار مستطيعا يجب عليه الحجّ ، فوجوب الحجّ ليس حكم البالغ العاقل الحرّ فقط ، بل هذا جزء الموضوع بحيث لو انضمّ إليه الجزء الآخر وهو الاستطاعة يأتي الحكم وهو وجوب الحجّ ، فقبل وجود الجزء الآخر لا حكم أصلا ، وإلاّ يكون خلفا ويلزم أن يكون ما فرضته جزء الموضوع تمام الموضوع ، وهذا خلف بيّن.

فإذا وجد تغيّر في ذلك الجزء الموجود ، مثل أن كان البالغ العاقل الحرّ صحيحا وصار مريضا ، أو كان شابّا فصار شيخا هرما ، وحصل الشكّ بواسطة هذا التغيّر في أنّه بعد هذا التغيير هل أيضا لو انضمّ إليه الجزء الآخر ـ أي الاستطاعة ـ يكون ذلك الحكم ـ أي وجوب الحجّ ـ عليه أو لا؟ فبالاستصحاب تريد أن تجرّ ذلك الحكم الذي كان معدوما وتبقية إلى زمان الشكّ ، وهل هذا إلاّ إبقاء ما هو معدوم ، الذي هو من المحالات الأوّلية.

والتخلّص عن هذا بأنّ الاستصحاب جرّ الملازمة التي كانت موجودة بين الجزء الموجود من الموضوع وبين الحكم بشرط انضمام الجزء الموجود إلى الجزء المعدوم ، كما يظهر من عبارات شيخنا الأعظم الأنصاري .

أو القول بأنّ الحكم التقديري نحو حكم يسمّى بالحكم المشروط ، كما يظهر من‌ صاحب الكفاية عليه السلام.

أو القول بأنّ ظرف وجود الحكم ظرف فرض وجود الموضوع في الذهن ، لا وجود الموضوع خارجا ، لأنّ ظرف وجود موضوع الحكم بمعنى متعلّقة خارجا ظرف سقوط الحكم ، لا ظرف ثبوته ، مثلا ظرف وجود الصلاة خارجا ظرف حصول الامتثال ، وهو ظرف سقوط الوجوب لا ثبوته ، كما قال به أستاذنا المحقّق العراقي وجمع أخر من الأساطين.

فكلّ هذه الاحتمالات بل الأقوال لا يسمن ولا يغني من جوع ، وقد أبطلنا الاستصحاب التعليقي في كتابنا « منتهى الأصول » (221) في إحدى تنبيهات الاستصحاب الموضوع لأجل هذا الأمر بأحسن بيان وأقوم برهان ، فراجعه.

ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان الاستصحاب التعليقي بين أن يكون الحكم المشروط وضعيّا أم كان تكليفيّا ، لأنّ المناط في كليهما واحد ، وهو محاليّة إبقاء ما هو المعدوم.

إذا عرفت ما ذكرنا ، فالمسألة ذات قولين :

الأوّل : نفوذها في الثلث فقط ، وفي الزائد عليه يتوقّف على إجازة الوارث.

وذهب إلى هذا القول واختاره جماعة من الأساطين ، منهم المحقّق في الشرائع ، (222) والعلاّمة في القواعد ، (223) والشيخ في المبسوط ، (224) والشهيدان ، (225) والمحقّق الثاني في جامع‌ المقاصد ، (226) وفخر المحقّقين في الإيضاح ، (227) والصدوق ، (228) وابن الجنيد ، (229) بل ادّعى بعضهم الشهرة بين المتأخّرين ، بل ربما استظهر بعض من الخلاف دعوى الإجماع على أنّها من الثلث.

القول الثاني : نفوذها في أصل المال وإن كان زائدا على الثلث ، واختاره الكليني في الكافي ، (230) والصدوق في أحد قوليه ، (231) والمفيد في المقنعة ، (232) والشيخ في التهذيب وسائر كتبه ، والمرتضى علم الهدى (233) ، وابن زهرة في الغنية ، (234) وابن البراج ، (235) وابن إدريس ، (236) وابن سعيد ، (237) وجماعة أخرى. ومستندهم روايات سنذكرها إنشاء الله تعالى.

أمّا القول الأوّل فاستندوا إلى روايات ، وهي طوائف :

الطائفة الأولى : ما مفادها أنّ للميّت ثلث ماله.

منها : صحيح يعقوب بن شعيب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال « له ثلث ماله » (238).

وتقريب الاستدلال به أنّ الميّت في حال حياته وقبل أن يموت مالك لجميع ماله ، فالسؤال ليس عمّا يملك من ماله ، لأنّه من الواضح المعلوم أنّه مالك لجميع ماله ، فلا بدّ وأن يقال : إنّ المراد من الميّت من أشرف على الموت ، وهو الذي عبّر عنه في بعض الروايات بمن حضرته الوفاة ، فيكون من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه. والمراد من قول السائل « ما له من ماله » أي : في أيّ مقدار يجوز له التصرّف في ماله وتنفذ تصرّفاته ، أعمّ من أن تكون معلّقة على الموت أو منجّزة؟ فأجاب عليه السلام بأنّ له ثلث ماله ، أي له أن يتصرّف معلّقة على الموت ، أو مطلقة ومنجّزة في ثلث ماله.

وحيث أنّ السؤال عن حدّ ما يملك التصرّف فيه ، أعمّ من أن يكون تصرّفه معلّقة على الموت أو منجّزة ـ فجوابه بيان ذلك الحدّ ، فتدلّ الرواية على عدم ملكيّته للتصرّف فيما زاد على الثلث ، سواء كان تصرّفه منجّزا أو معلّقا على موته ، والأوّل هو المسمى بالمنجّزات ، كما أنّ الثاني مسمّى بالوصيّة.

ولكن أنت خبير بأنّ الرواية ظاهرة في التصرّفات بلحاظ بعد موته ، فيكون المراد بها الوصيّة وأنّ في أيّ مقدار من ماله تنفذ وصيّته من غير الاحتياج إلى إذن الورثة أو إجازتهم. ووجه ظهوره في التصرّفات المعلّقة على الموت هو أنّه كان في ذهن المؤمنين أنّ الإرث بعد الوصيّة والدين ، لقوله تعالى في كتابه العزيز { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فجعل الإرث بعدهما ، ولكنّ السؤال عن الدين لا وجه له ، لأنّه تابع لواقعة.

وأمّا الوصيّة التي يكون الإرث بعدها لم تكن معلومة عندهم أنّ الموصي في أيّ مقدار من ماله له أن يوصى من دون توقّف على إجازة الورثة ، فيجيب عليه السلام بأنّه‌ الثلث ، وإلاّ فلا معنى له ، لأنّ يسأل ما له من ماله ، لأنّ الجميع ماله ، فالمراد بالسؤال هو أنّه أيّ مقدار من ماله له أن يخصّصه بنفسه ويجعل في الخيرات والمبرات لينتفع بها في الآخرة ، فيجيبون : أنّه الثلث من ماله ، ولكنّ الزائد يتوقّف صحّته ونفوذه على إذن الورثة أو إجازتهم.

فتمام النظر في هذه الأسئلة والأجوبة بعد الفراغ عن أنّ الإرث بعد الوصيّة أنّ المالك الموصي أيّ مقدار له حقّ أن يخصّصه بنفسه ويجعل ذخيرة لآخرته ويحرم الورثة منه ، فهذه الروايات التي مضمونها بيان ما هو حدّ حقّ الميّت من ماله أجنبيّ عن محلّ بحثنا بالمرّة.

ولأجل ذلك يقول عليه السلام في صحيحة عليّ بن يقطين بعد أن سئل ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : « الثلث والثلث كثير » (239) أي : أنّ الله تبارك وتعالى راعي المالك ، وخصّص ثلث ماله بوصاياه التي ترجع منافعه إليه وليس الثلث قليلا ، فكأنّه تعالى رأفة لعباده جعل حصّة من مال الشخص بعد موته لنفس الميّت وهي ثلث ماله ، وحصّته للورثة وهي الثلثان الباقيان.

ومنها : خبر عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « للرجل عند موته ثلث ماله ، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه » (240).

وتقريب الاستدلال به على عدم نفوذ التبرّعات المنجّزة في الزائد على الثلث ، كما تقدّم في صحيح يعقوب بن شعيب.

والجواب أيضا عين ما تقدّم ، نعم في هذه الرواية جملة أخرى ، وهي قوله عليه السلام : « وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه » أي : إن لم يوص فليس على الورثة إعطاء‌ الثلث بعنوان الخيرات والمبرّات للميت ، فكأنّه قال عليه السلام : إن أوصى فيوجب نقصا في حصّة الورثة ، وإلاّ إن لم يوص لم يجب على الورثة شي‌ء وإن كان للميّت أن ينقص الإرث بالإيصاء ولكن حيث أنّه لم يوص فلا نقص.

ومنها : خبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال : « له ثلث ماله ثلث ماله ، وللمرأة أيضا » (241) . ‌

وتقريب الاستدلال والجواب عنه كما تقدّم.

ومنها : مرسلة جامع المقاصد : المريض محجور عليه إلاّ في ثلثه. (242) ‌

ودلالتها على المنع في الزائد على الثلث وإن كانت واضحة إلاّ أنّ كونها رواية ليست ثابتة ، بل الظاهر أنّها فتواه ونتيجة اجتهاده في المقام ، وإن كان ظاهر كلامه أنّها رواية ، لأنّه يقول : واختاره المصنّف ـ أي : العلاّمة في القواعد لأنّ كتابه شرح قواعد العلاّمة ـ لتناول عموم قوله عليه السلام : المريض محجور عليه إلاّ في ثلث ماله.

وعلى كلّ حال ليست من الروايات الموثوقة الصدور كي يشملها أدلّة حجّية خبر الواحد الموثوق الصدور ، كما اخترناه في الأصول (243).

ومنها : خبر أبي حمزة عن بعض الأئمّة : قال : إنّ الله تبارك وتعالى يقول : ابن آدم تطوّلت عليك بثلاثة : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم‌ تقدّم خيرا (244).

وقوله تبارك وتعالى « ما واروك » أي : ما دفنوك. وقوله تعالى : « فاستقرضت منك » إشارة إلى الآية الشريفة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245].‌

وتقريب الاستدلال بهذا الحديث القدسي هو أنّه تعالى يقول : « جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك » فلو كانت تبرّعاته في مرض الموت تخرج من الأصل فلا اختصاص لجعل النظرة في الثلث ، بل جعل له النظرة في جميع ماله.

وفيه : أنّ هذا الحديث في مقام بيان ما منّه الله تعالى على عباده وعدم شكرهم له تعالى ، ومعلوم أنّ المناسب لهذا المقام هو جعل النظرة للعبد في ماله باعتبار زمان موته وبعد حياته ، لأنّ النظرة في ماله باعتبار زمان حياته معناها أنّ الله تعالى جعل له أن يصرف ماله في الخيرات والمبرّات في حياته ، وهذا تكليف شاقّ عليه ربما يكون أشقّ من التكاليف البدنيّة ، مثلا الزكاة والخمس ربما يكون على العبد امتثالها أصعب من امتثال الصوم والصلاة.

وأمّا النظرة في ماله بعد موته بأن يصرف فيما يكون له منفعة في الآخرة مع انقطاعه عن ذلك المال وانتقاله إلى آخرين يكون من ألطافه على ذلك العبد ، فالمراد من النظرة في ماله حيث أنّه تعالى في مقام الامتنان هو النظرة باعتبار زمان موته ، وهذا هو الوصيّة ، ولا كلام في أنّ الوصيّة بدون إجازة الورثة لا تنفذ في أزيد من الثلث.

ومنها : طائفة من الأخبار واردة فيمن أعتق في مرض موته ـ وهي الطائفة الثانية ـ فيأمر عليه السلام بنفوذه من الثلث ، ولا شكّ أنّه إذا أعتق فقد نجز وتمَّ الأمر‌ فأمره عليه السلام بأنّه ينفذ من الثلث معناه أنّ التبرّعات المنجّزة لا تنفذ من الأصل وإنّما نفوذها من الثلث ، مثل الوصيّة المعلّقة على الموت.

منها : خبر عليّ بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال : « ما يعتق منه إلاّ ثلثه ، وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (245).

ومنها : خبر عقبة بن خالد مثل ما ذكرنا عن عليّ بن عقبة إلاّ أنّه ليس فيه هذا الذيل « وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (246).

ومنها : خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال : « إن أعتق رجل عند موته خادما له ثمَّ أوصى بوصيّة أخرى ألقيت الوصيّة وأعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية » (247).

ومنها : خبر السكوني ، عن عليّ عليه السلام : إنّ رجلا أعتق عبد له عند موته لم يكن له مال غيره ، قال عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : يستسعى في ثلثي قيمته للورثة ». (248)

ومنها : ما هو المروي في المسالك (249) عن صحاح الجمهور ، وهو أنّ رجلا من الأنصار أعتق ستّة أعبد له في مرضه ولا له غيرهم ، فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه واله وجزّأهم ثلاثة أجزاء ، وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة.

وهذه الطائفة من الروايات التي فيها أنّ المريض أعتق عبده أو عبيده ظاهرة في الوصيّة بالعتق ، لا إنشاء العتق منجّزا قبل وفاته وباعتبار حال حياته ، والأخبار بلفظ الماضي تعبير عرفي ، وكأنّ العرف ـ في باب وصايا المريض الذي حضره الوفاة ـ يرى المريض ميّتا ، للجزم بوقوعه قريبا ، فيرى الموصى به أمرا واقعا لوقوع شرطه وما علّق عليه ، وهو الموت.

ولذلك إذا علموا بوصيّة مريض أنّه أوصى بأن يعطوا بعد وفاته داره مثلا أو كتبه العلميّة أو ألبسته لفلان يقولون : إنّه أعطى هذه المذكورات لفلان.

والشاهد لما ذكرنا أنّ في بعض هذه الأخبار يقول عليه السلام كما في خبر أبي بصير المتقدّم « إن أعتق رجل خادما له ثمَّ أوصى بوصيّة أخرى ». وأنت ترى أنّ ظاهر هذه العبارة وقوله عليه السلام « ثمَّ أوصى بوصيّة أخرى » أنّ الأوّل أي العتق أيضا وصيّة بالعتق ، وإلاّ لا يبقى وجه للتعبير عن الوصيّة التي بعد العتق بوصيّة أخرى ، فكلمة أخرى دليل على أنّ الأولي أيضا وصيّة.

فتدلّ هذه الكلمة على أنّ عرفهم في ذلك الزمان كان الإخبار من وقوع العتق بلفظ الماضي إيصاء بالعتق ، فيسقط ظهور هذه الطائفة في العتق المنجّز كي يكون دليلا على أنّ التبرّعات المنجّزة تخرج من الثلث ، كما هو مدّعى المستدلّ.

وظهر ممّا ذكرنا أنّ ما رواه المسالك عن الجمهور ـ أنّ رجلا من الأنصار أعتق ستّة أعبد له في مرضه ـ من هذا القبيل ، أي أنّ الأنصاري أوصى بعتق الستّة أو دبّر عتقهم ، فإن المدبّر عن الثلث كالوصيّة ، وبذلك روايات وقد عقد في الوسائل بابا بهذا العنوان وأن المدبّر ينعتق بعد الموت من الثلث (250).

ففي تطبيق الثلث عليهم لا طريق إلاّ القرعة ، وكذلك الأمر في خبر السكوني وقول أمير المؤمنين عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : يستسعى في ثلثي قيمته » إذا قلنا إنّ عتقه عند موته وصيّة ولا‌ ينفذ في الزائد عن الثلث ، فالذي يحكي عن رسول الله صلى الله عليه واله هو مقتضى القواعد ، ولا يدلّ على أنّ إخراج المنجّز من الثلث وممّا ذكرنا ظهر الحال في خبري عليّ بن عقبة وعقبة بن خالد ، فلا نطول الكلام.

الطائفة الثالثة : فيما ورد من الروايات في خصوص العتق ممّن عليه الدين :

منها : خبر حسن بن الجهم قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في رجل أعتق مملوكا وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستمائة درهم ، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره ، قال : « يعتق منه سدسه لأنّه إنّما له منه ثلاثمائة درهم ، وله السدس من الجميع ، ويقضي عنه ثلاثمائة درهم وله من الثلاثمائة ثلثها ». (251) ‌

وتقريب الاستدلال بهذه الرواية هو أنّه لو كان نفوذ المنجّزات من الأصل ـ ولا شبهة في أنّ العتق من المنجّزات ـ فكان يعتق نصف ذلك العبد لا سدسه ، لأنّه مالك لنصف قيمته إذ نصفه يخرج بواسطة الدين للدائن ، ويبقى ملك المالك النصف الباقي ، فإذا كان نفوذها من الأصل فتمام هذا النصف الباقي يعتق ، فحكمه عليه السلام بعتق السدس دليل على النفوذ من الثلث ، لا من الأصل ، إذ سدس الجميع عبارة عن ثلث النصف الباقي للمالك بعد أداء نصفه إلى الدائن للوفاء بدينه.

ومنها : رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألني أبو عبد الله عليه السلام : « هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة » فقلت : بلغني أنّه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت إلى أن قال عليه السلام : « إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته وأجيزت وصيّته على وجهها ، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه‌ للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة ، ويكون له السدس » (252).

وهذه الرواية مفصّلة سأل الإمام عليه السلام عن اختلاف الفتاوى بين أبي ليلى وابن شبرمة القاضيين في الكوفة ، فذكر الراوي موردا من موارد اختلافهما ، وفي هذا المورد قال عليه السلام : إذا استوى مال الغرماء مع مال الورثة أو كان مال الورثة أكثر أجيزت وصيّته وحكم بنفوذ الوصيّة في الثلث لا من الأصل.

وبهذه الجهة تكون دليلا في المقام. بيان ذلك أنّ المفروض أنّ قيمة العبيد الذين أعتقهم مثلا ضعف دينه ، فليفرض أنّ قيمتهم ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة ، فيبقى بعد إخراج الدين للمالك الموصي المعتق ثلاثمائة ، وثلث ثلاثمائة مائة وهو سدس المجموع ، فحكمه عليه السلام بأنّ له ـ أي للميّت ـ السدس ، أي ثلث التركة بعد أداء الدين ، فنفوذ العتق في سدس المجموع معناه نفوذ الوصيّة في الثلث ، وإلاّ لو كان من الأصل لكان ينفذ في ثلاثمائة درهم الذي هو نصف المجموع لا في مائة درهم الذي هو سدس المجموع ، فهذه الرواية تدلّ على نفوذ العتق في سدس المجموع الذي هو ثلث التركة ، فتدلّ على أنّ العتق الذي هو من المنجّزات من الثلث ، لا من الأصل.

ولكن أنت خبير أنّ هاتين الروايتين وأمثالهما موردهما الوصيّة بالعتق ، لا أنّه أعتق منجّزا في حال حياته ، فتكون خارجة عن محلّ البحث ، خصوصا الرواية الثانية فإنّه عليه السلام صرّح بأنّه أجيزت الوصيّة ، فحملها على العتق المنجّز خلاف ظاهر الرواية.

نعم في الرواية إشكال آخر من جهة تقييده عليه السلام نفوذ الوصيّة في الثلث بأن يكون مال الغرماء وحصّتهم من التركة مساويا مع ما يبقى للورثة ، أو يكون ما يبقى لهم أكثر.

وهذا الإشكال لا دخل له بما هو محلّ بحثنا وإن كان موجبا لطرح الرواية وعدم عمل الأصحاب بها.

الطائفة الرابعة : الأخبار الواردة في موارد بعض المنجّزات ، وعدم نفوذ ذلك التبرّع المنجّز في ذلك المورد.

منها : صحيح الحلبي ، سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه ، فتبرأه منه في مرضها؟ فقال عليه السلام : « لا » (253) . ‌

ومنها : خبر جراح المدائني سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن عطية الوالد لولده يبينه قال : « إذا أعطاه في صحّته جاز » (254).

وتقريب دلالة هذين الخبرين على ما يدّعون من خروج المنجّزات من الثلث لا من الأصل.

أمّا الأوّل ، فمن جهة أنّ نفيه عليه السلام صحّة الإبراء مطلقا ، سواء كان بقدر الثلث أو الأزيد منه مع الإجماع على صحّته إن كان بقدر الثلث أو كان أقلّ منه يدلّ على أنّ المراد من نفيه هو كون الإخراج من الأصل ، وأمّا الإخراج من الثلث فليس بمنفي.

وأمّا الثاني ، أي خبر جراح المدائني وإن كانت القضيّة الشرطيّة بمفهومها تدلّ على عدم الجواز إذا لم تكن العطيّة في حال الصحّة ، ولكن حيث أنّ نفي الجواز بقول مطلق وإن كانت مساويا للثلث أو كانت أقلّ منه خلاف الإجماع فلا بدّ وأن يحمل النفي على الكراهة.

ويؤيّد هذا الحمل قوله عليه السلام في رواية سماعة التي مضمونها نظير المقام في جواب‌ السائل « وأمّا في مرضه فلا يصلح » (255) ‌.

ومنها : خبر أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين ، فتبرأه منه في مرضها؟ قال عليه السلام : « بل تهبه له فتجوز هبتها له ، ويحسب ذلك من ثلثها » (256) . ‌

وهذا الخبر وإن كان ذيله يدلّ على أنّ الهبة المنجّزة تخرج من الثلث ، ولكن من حيث اشتماله على ما هو مخالف لإجماع الأصحاب وهو إعراضه عن الإبراء الدالّ على عدم صحّته ، وصحّة الهبة ساقط عن الاعتبار ، ولا يصحّ الاعتماد عليه.

قال في المسالك (257) في مقام الاعتراض على هذه الرواية : وأمّا رواية أبي ولاّد ففيها أنّ مضمونها لا يقول به أحد ، لأنّ الإبراء ممّا في الذمّة صحيح بالإجماع دون هبته ، والحكم فيها بالعكس ، فكيف يستند إلى مثل هذه الرواية المقلوبة الحكم الضعيفة السند.

هذا مع أنّها على فرض صحّتها ليست قابلة للمعارضة مع الأخبار الصحيحة الصريحة في أنّ إخراج المتنجّزات من الأصل لا من الثلث.

الطائفة الخامسة : الأخبار الواردة في عدم جواز الإضرار بالوارث ، والجور في الوصيّة والحيف‌ ، ووجوب ردّها إلى العدل.

منها : رواية السكوني عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام قال : قال على عليه السلام : « ما‌ أبالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال » (258) ‌.

ولا شكّ في أنّ هذه الرواية تدلّ على عدم جواز الإضرار بالورثة بتنقيص حصّتهم بالأزيد من الثلث ، لأنّ أدلّة جواز الوصيّة بالثلث تخصّص هذه الرواية بالنسبة إلى مقدار الثلث ، والزائد يبقى تحت المنع ، ومعلوم أنّه لا فرق بين أن يكون سبب الإضرار هي الوصيّة أو التبرّعات المنجّزة ، لأنّه عليه السلام في مقام مذمّة الإضرار بهم وأنّه مثل السرقة ، فإذا كان موضوع الحكم بالحرمة هو الإضرار فأيّ فرق بين أسبابه.

وفيه : أنّ الفرق واضح ، لأنّ الوصيّة إخراج الموصى به عن التركة بعد الموت بإنشائه قبل الموت ، فالوصيّة في الحقيقة من قبيل إيجاد المانع عن ملكيّتهم لمقدار الذي أوصى به بعد وجود المقتضي لملكيّتهم لذلك المقدار وهو الموت ، بخلاف التبرّعات المنجّزة فإنّها إخراج في حال الحياة ، أي في وقت تكون الورثة أجانب عن المال كسائر الأجانب ، نعم على تقدير موت المورث يوجد المقتضي لإرثهم لو لا المانع ، فقياس أحدهما بالآخر ـ مع بطلان القياس في حدّ نفسه ـ قياس مع الفارق الكثير ، وأين أحدهما من الآخر.

وأمّا ادّعاء تنقيح المناط القطعي بأن يقال : نقطع بأنّ المناط في عدم نفوذه في الزائد على الثلث هو حرمان الوارث عن ذلك المقدار بأيّ سبب كان ، فهذا باطل قطعا ، لأنّ لازم ذلك عدم جواز التبرّعات وعدم نفوذها حتّى في حال الصحّة.

وبما ذكرنا يظهر بطلان الاستدلال لعدم نفوذ المنجّزات في الأزيد من الثلث برواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ، قال عليه السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفّى وأوصى بماله كلّه أو أكثره فقال عليه السلام : الوصيّة تردّ إلى المعروف غير المنكر ، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيّته المنكر والحيف فإنّها تردّ إلى المعروف ، ويترك لأهل الميراث‌ ميراثهم » (259).

وذلك لوضوح أنّهم في حياة المورث ليسوا أهل الميراث ، لأنّه لا ميراث في البين كي يترك لأهل الميراث ميراثهم ، وبعد الوفاة أيضا لا ميراث بالنسبة إلى ذلك المقدار الذي نجّز فيه التبرّع ، لأنّه أفناه وانتقل عنه بالتبرّع ، فلا يصدق عليه عنوان أنّه « ما تركه الميّت » الذي هو موضوع الميراث.

الطائفة السادسة : الأخبار الواردة في باب نفوذ الإقرار من المريض ـ يموت في ذلك المرض ـ في الثلث‌ ، وعدم نفوذه في الأزيد منه إن كان متّهما ، ولتعليله عليه السلام ذلك بقوله في إقرار امرأة بذلك في رواية بيّاع السابري : « فإنّما لها من مالها ثلثه ».

عن العلاء بيّاع السابري قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة استودعت رجلا مالا ، فلمّا حضرها الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة ، وماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا : إنّه كان لصاحبتنا مال ولا نراه إلاّ عندك ، فاحلف لنا مالها قبلك شي‌ء أفيحلف لهم؟ فقال : « إن كانت مأمونة عنده فيحلف لهم ، وإن كانت متّهمة فلا يحلف ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه » (260).

ورواية إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أقرّ لوارث له وهو مريض بدين له عليه ، قال عليه السلام : « يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث » (261).

ورواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه قال : « يجوز ذلك ». قلت : فإن أوصى لوارث بشي‌ء قال : « جائز ». (262) ‌

وظاهر هذه الرواية وإن كان مطلقا بالنسبة إلى كون ما أقرّ به أزيد من الثلث أو أقل أو مساويا ، ولكن يقيّد برواية إسماعيل بن جابر بكونه دون الثلث.

ورواية البرقي عن سعد بن سعد ، عن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مسافر حضره الموت ، فدفع مالا إلى أحد من التّجار فقال له : إنّ هذا المال لفلان بن فلان ليس له فيه قليل ولا كثير فادفعه إليه يصرفه حيث يشاء ، فمات ولم يأمر فيه صاحبه الذي جعله له بأمر ولا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك كيف يصنع؟ قال : « يضعه حيث شاء ». (263) ‌

ورواية الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عن رجل أقرّ لوارث بدين في مرضه أيجوز ذلك؟ قال : « نعم إذا كان مليا ». (264) ‌

ورواية أبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه‌ دينا؟ فقال : « إن كان الميّت مريضا فأعطه الذي أوصى له » (265).

ومضمرة سماعة قال : سألته عمّن أقرّ للورثة بدين عليه وهو مريض؟ قال : « يجوز عليه ما أقرّ به إذا كان قليلا » (266) . ‌

ومكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى العسكري عليه السلام امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ، وكذلك مالها أقرّت به للموصى إليه ، وأشهدت على وصيّتها ، وأوصت أن يحجّ عنها من هذه التركة حجّتان ، وتعطى مولاة لها أربعمائة درهم ، وماتت المرأة وتركت زوجا فلم ندر كيف الخروج من هذا ، واشتبه علينا الأمر وذكر كاتبت أنّ المرأة استشارته فسألته أن يكتب لهم ما يصحّ لهذا الوصيّ فقال لها لا تصحّ تركتك لهذا الوصي إلاّ بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود ، وتأمريه بعد أن ينفذ ما توصيه به وكتبت له بالوصيّة على هذا وأقرّت للوصي بهذا الدين فرأيك أدام الله عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا ذلك لنعمل به إن شاء الله؟ فكتب بخطّه : « إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال إن شاء الله ، وإن لم يكن الدين حقّا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف » (267).

ورواية عليّ بن مهزيار قال : سألته عن رجل له امرأة لم يكن له منها ولد ، وله‌ ولد من غيرها ، فأحبّ أن لا يجعل لها في ماله نصيبا ، فاشهد بكلّ شي‌ء له في حياته وصحّته لولده دونها ، وأقامت معه بعد ذلك سنين ، أيحلّ له ذلك إذا لم يعملها ولم يتحلّلها وإنّما عمل به على أنّ المال له يصنع به ما شاء في حياته وصحّته؟ فكتب عليه السلام : « حقّها واجب ، فينبغي أن يتحلّلها ». (268) ‌

ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ : : « إنّه كان يرد النحلة في الوصيّة وما أقرّ به عند موته بلا ثبت ولا بيّنة ردّه ». (269) ‌

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : « قال عليّ عليه السلام : لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين ». (270) ‌

فهذه الأخبار الكثيرة التي يمكن ادّعاء تواترها إجمالا ظاهرة في عدم نفوذ الإقرار من المريض الذي حضره الموت في الأزيد من الثلث.

وفيه : أوّلا : أنّ الإقرار غير التبرّعات المنجّزة وخارج عنها موضوعا ، لأنّ التبرّعات المنجّزة أو العقود والمعاملات المحاباتيّة في حال المرض عبارة عن إنشاء تمليك منجّز غير معلّق على موته بغيره ، فهو بهذا الإنشاء فعلا أي في وقت الإنشاء يخرج بعض ما يملكه أو تمامه عن ملكه ، ويدخله في ملك شخص آخر.

وأمّا الإقرار فهو عبارة عن الاعتراف بكون حقّ ـ من دين أو عين أو حقّ ـ ثابتا في ما هو تحت سلطنته ، أو في ذمّته ، أو على عهدته من ذي قبل ، ففرق واضح‌ بينهما إذ الإقرار ليس تصرّفا جديدا في ماله كي يقال بأنّه محجور عليه بالنسبة إلى الأزيد من ثلث ماله ، بل هو إخبار عن دينه السابق على هذه الحالة التي حجر عليه الشارع في الأزيد من الثلث.

إذا عرفت ما ذكرنا تعلم أنّه لا منافاة بين أن يفتي الفقيه في باب الإقرار بعدم نفوذه في الزائد على الثلث ويفتي في باب التبرّعات المنجّزة والعقود المحاباتيّة بالنفوذ من الأصل أو بعكس هذا ، إذ لا ربط بين المسألتين.

وثانيا : أنّ في مسألة الإقرار في مرض الموت ليس من المسلّم أنّه لا ينفذ في الأزيد من الثلث دائما ومطلقا ، ولا أنّه ينفذ في مقدار الثلث دائما ومطلقا ، بل الأقوال فيها كثيرة ، وقيل بأنّها عشرة ، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في هذا الباب ، وقد تقدّم ذكرها آنفا.

ففي بعضها كرواية العلاء بيّاع السابري قيّد النفوذ في جميع المال بكون الامرأة المقرّة مأمونة غير متّهمة ، وعلّل ذلك بقوله عليه السلام : « فإنّما لها من مالها ثلثه ». والظاهر أنّ مراده عليه السلام من هذا الكلام أنّه إذا لم تكن مأمونة يمكن أن تكون في إقرارها كاذبة ، فتكون النتيجة أنّ إقرارها صار سببا لخروج جميع التركة من يد الورثة ، مع أنّها لا تملك أزيد من ثلث تلك التركة.

إن قلت : هذا الكلام الأخير منه عليه السلام يدلّ على أنّ المنجّزات لا تخرج من الأصل ، لأنّه لا يملك في المرض الذي يموت فيه تمام ماله ، بل له الثلث.

قلنا : إنّ المراد أنّها إذا لم تكن مأمونة ، واحتملنا أن تكون كاذبة في إقرارها ، فيكون إقرارها خبرا كاذبا وليس تبرّع ولا عقد محاباتي في البين بحيث أنّها تنشأ فعلا تمليك مالها لتلك الفلانة ، بل غاية ما يمكن أن يقال في حقّها إنّها توصي بإعطاء جميع مالها لتلك الفلانة بعد مماتها ولكن بصورة الإقرار ، لعلمها بأنّ الوصيّة لا تنفذ في الأزيد من الثلث ، فلذلك تظهر ما تريد بصورة الإقرار كي يصل إليها تمام المال ، وإلاّ‌ فليس مرادها أن يعطى المال لتلك الامرأة الفلانية في حياتها ، فيكون إقرارها لها في الحقيقة وصيّة لها.

ومعلوم أنّ الميت ليس له التصرّف في ماله بعد موته في الأزيد من الثلث ، أي يكون تصرّفه في ماله وإن كان في حال حياته ، ولكن يكون ظرف انتقال المال إلى الطرف بعد موته ، وهذا معنى الوصيّة ، وهو مقابل للمنجّزات ، لأنّ المنجّز التمليك وتملّك الطرف الاثنان في حال الحياة ، ويكون كسائر معاملاته في حال صحّته.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ جميع موارد إقرار المريض إذا كانت إقرارا واقعا حقيقيّا وكان صادقا ، فهذا واقعا مال المقرّ له ، ولا يخرج عن ملك المريض في عالم الثبوت شي‌ء كي يقال بالنفوذ في الأصل أو في الثلث ، وإن كان كاذبا فليس للمقرّ له شي‌ء كي يقال بأنّه من الأصل أو من الثلث.

إذا عرفت ذلك تعرف أنّ التفاصيل الكثيرة الواردة في الأخبار المتقدّمة كلّها ترجع إلى أنّه هل هناك أمارة على أنّ المقرّ صادق في إقرار أم لا.

مثلا الفرق بين أن يكون المقرّ له وارثا أو كان أجنبيّا يرجع إلى أنّه لو كان وارثا فهذا أمارة على كذب الإقرار ، وذلك لأنّ المريض الذي أشرف على الموت بعد أن رأى أنّ يده تنقطع عن أمواله بالموت ، فيجب أن ينتقل أمواله إلى من يحبّه أكثر ، ولا شكّ في أنّه يحبّ أولاده أكثر من الأجنبيّة التي صارت من ورثته بواسطة تزوّجه لها قبل كم يوم ، خصوصا إذا لم يدخل بها أو وإن دخل بها ولكن ليس له ولد منها ويدري بأنّ الوصيّة لا تنفذ في الأزيد من الثلث ، فيقرّ بأنّ جميع ماله لأولاده مثلا.

وأمّا الروايات التي قيد فيها نفوذ الإقرار بأن لا يكون المقرّ متّهما ، فأمرها فيما ذكرنا واضح لا يحتاج إلى البيان.

ورواية الحلبي التي يقول الإمام عليه السلام فيها « نعم إذا كان مليّا » يعني إذا كان مليّا بفقد إقراره ، وذلك لأنّ كون المريض المقرّ مليّا أمارة على صدقه في إقراره ، لأنّ الملي‌ يصل إلى وارثه ما يكفيه من إرثه ، فلا يحتاج إلى أن يقرّ المريض كاذبا بالمال ، فتكون ملاءته أمارة على صدقه.

ورواية أبي أيّوب التي يقول عليه السلام فيها « إن كان الميّت مرضيّا فأعطه الذي أوصى له » أي ما أقرّ له بالدين كما هو المذكور في نفس الرواية ، وواضح أنّ كونه مرضيّا أمارة صدقه في إقراره.

ورواية سماعة التي يقول عليه السلام فيها « يجوز عليه ما أقرّ به إن كان قليلا » يعني إذا كان المقرّ به شيئا قليلا ، فلا داعي له على الكذب ، فهو صادق في إقراره.

وأمّا مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار إلى مولانا العسكري عليه السلام فأوّلا أمارات كونها تقيّة بادية وظاهرة عليها ، وقوله عليه السلام فيها « وإن لم يكن الدين حقّا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف » ظاهر بل صريح في ما استظهر من تلك الروايات ، أي الروايات التي وردت في باب إقرار المريض لوارثه أو لأجنبي ، وهو أنّه لو كانت أمارة صدق لإقراره وأنّه صادق في إقراره يؤخذ به ، وإلاّ يكون وصيّته يخرج من الثلث ، كفى أو لم يكف.

والسرّ في ذلك : أنّ نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم من جهة أنّ العاقل لا يقدم على ما هو ضرر عليه بلا داع أهمّ من ذلك الضرر في نفسه ، والأمارات المذكورة في هذه الروايات لبيان أنّ المورد مورد جريان هذه القاعدة. فإذا كان مورد الجريان تجري وإلاّ ليس بإقرار ، بل صرف وصيّة ويخرج من الثلث ، فلا ربط لهذه الروايات بباب المنجّزات.

وأمّا القول المختار ، أي خروج المنجّزات من أصل التركة فلوجوه :

الأوّل : الإجماع.

وفيه : المنع صغرى وكبرى.

أمّا الصغرى ، فلكثرة المخالفين حتّى ادّعى بعضهم الإجماع على الخلاف ، ولكن المحقّق أنّه ـ أي القول بالخروج من الثلث ـ ذهب إليه جميع كثير من أعاظم الأصحاب كالشهيدين ، (271) والفاضلين ، (272) وجامع المقاصد ، (273) بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، بل نسب إلى عامّة المتأخّرين. (274) ‌

وأمّا الكبرى ، فلأنّ الإجماع في مثل هذه الموارد ـ التي يدّعي الطرفان تواتر الروايات كلّ واحد منهما على مذهبه ـ لا حجّية له قطعا ، لما ذكرنا في الأصول من أنّ حجّية الإجماع وكونه دليلا على الحكم الشرعي موقوف على أن لا يكون للمجمعين والمتّفقين مدرك معيّن ، ومتكئا معلوم ، من عقل أو نقل ، أي الآيات والروايات ، وإلاّ لا بدّ من المراجعة إلى تلك المدارك وأنّها تدلّ على المدّعى أو لا تدلّ. ففي مثل هذا المقام الذي يدّعي كلّ واحد من الطرفين وجود روايات متواترة على مدّعاه لا يبقى مجال للتمسّك بالإجماع.

الثاني : قاعدة السلطنة‌ ، أي عموم « الناس مسلّطون على أموالهم » خرج منها التصرّفات المعلّقة على الموت ، ويبقى المنجّزة تحت العموم.

الثالث : استصحاب ما كان للمالك حال الصحّة‌ من نفوذ تصرّفاته المنجّزة في جميع ماله ، وإن كانت تبرّعية أو معاملة محاباتيّة. وهذا الاستصحاب تنجيزي لا تعليقي ، لأنّه استصحاب صفة وحالة كانت للمالك قبل أن يمرض.

الرابع : الأخبار الواردة في الباب :

منها : رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال : « هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن‌ يأتيه الموت » (275).

وهذه الرواية رواها في الوسائل بطريق آخر من سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ما ذكرنا ، وقال صاحب الوسائل : وزاد ـ أي أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ـ : « أنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّا إن شاء وهبه ، وإن شاء تصدّق به ، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت ، فإن أوصى به فليس له إلاّ الثلث ، إلاّ أنّ الفاضل في أن لا يضيّع من يعوله ولا يضرّ بورثته ». (276) ‌

ومنها : رواية عمّار بن موسى الساباطي أنّه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : « صاحب المال أحقّ بماله ما دام فيه شي‌ء من الروح يضعه حيث شاء ». (277) ‌

ومنها : رواية أخرى له أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال عليه السلام : « الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كلّه فهو جائز ». (278) ‌

قال في الوسائل : حمله الشيخ وجماعة على التصرّفات المنجّزة ، وحمله الصدوق على من لا وارث له. (279) ‌

ومنها : رواية ثالثة لعمّار بن موسى الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت : الميّت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به؟ قال : « نعم فإن أوصى به فليس له إلاّ الثلث ». (280) ‌

ومنها : رواية رابعة لعمّار بن موسى الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه ، فقال : « إذا أبانه جاز ». (281) ‌

وهذه الرواية الأخيرة لا تدلّ على ما نحن بصدده من نفوذ المنجّزات من الأصل ، لأنّه من الممكن أن يكون البعض هو الثلث أو الأقلّ منه ، وإن كان ظاهر القضيّة الشرطيّة ـ حيث علّق الجواز على الإبانة ، أي المنجّز ـ كون ذلك البعض أزيد من الثلث ، وإلاّ لو كان بمقدار الثلث أو أقلّ منه لم يكن وجه لهذا التعليق ، لأنّه كان جائزا أبان أو لم يبن ، لأنّ نفوذ الوصيّة في الثلث وفيما هو أقلّ منه إجماعي بل قطعي ، لتواتر الروايات على ذلك.

وعلى كلّ حال رواية سماعة ، وروايات الثلاث لعمّار دلالتها على ما ندّعي من نفوذ المنجّزات من الأصل واضحة لا حاجة لها إلى الشرح والإيضاح.

ولذلك لم يستشكل في دلالتها جامع المقاصد (282) الذي يقول بنفوذ المنجّزات مثل الوصايا المعلّقة على الموت من الثلث ، وينكر كونه من الأصل ، بل يستشكل في سندها بأنّ عمّار وسماعة ضعيفان ، لكونهما خارجين عن طريق الحقّ ، لأنّ عمارا فطحي وسماعة واقفي ، ولذلك لم يعتبر روايتها في مقابل الصحاح المعتبرة ، كصحيحة‌ عليّ بن يقطين ، وصحيحة يعقوب بن شعيب.

ولكن قد عرفت فيما سبق حال هذه الأخبار الصحيحة منها ، وغير الصحيحة. وقد جعلناها ستة طوائف ، وأجبنا عن كلّ طائفة بما يناسبها. وقد عرفت أنّه لا دلالة لها على إخراج المنجزات عن الثلث ، فضلا عن أن يكون راجحا في مقام المعارضة على أخبار التي لا ريب في دلالتها على إخراج المنجّزات من الأصل ، كموثقات عمّار وسماعة هذا.

مع أنّ عمارا وسماعة وثّقهما أصحاب الرجال والحديث ، بل ينقل صاحب جامع الرواة عن الخلاصة والنجاشي ثقة ثقة في حقّ سماعة ، (283) وفي حقّ عمّار أيضا ينقل عن الكتابين المذكورين أنّه وأخواه « قيس » و« صباح » كانوا ثقاة في الرواية. (284)

هذا مع أنّه يروي الصدوق عن صفوان ، عن مرازم في الرجل يعطي الشي‌ء من ماله في مرضه ، فقال : إذا أبان فهو جائز ، (285) وليس في الطريق لا سماعة ولا عمّار ، وصفوان ومرازم كلاهما ثقتان. (286) ‌

والمراد من الإبانة على الظاهر هو فصله عن نفسه بحيث لا يبقى بينه وبين ذلك المال علاقة ، وهذا عبارة أخرى عن إخراجه عن ملك نفسه بعقد منجّز بهبة أو صدقة أو غير ذلك ، بخلاف الوصيّة فإنّ الموصى به ما دام حيّا يكون ملكه كسائر أملاكه.

إن قلت : إنّ الشي‌ء من ماله يطلق على القليل والكثير ، بل له ظهور في القليل ، فربما يكون المراد هو الثلث أو أقل منه ، ولا خلاف في النفوذ في الثلث أو ما كان أقلّ منه.

قلنا : إذا كان كذلك فيكون الشرط لغوا ، لأنّ نفوذ ما هو بقدر الثلث أو ما هو أقلّ منه ليس مشروطا بالإبانة قطعا ، بل ينفذ مطلقا أبان أو لم يبن ، وكان من قبيل الوصيّة ، فالرواية تدلّ على النفوذ إن كان منجّزا بالمنطوق ، وعلى عدمه إن كان من قبيل الوصيّة بالمفهوم.

ومنها : ما رواه الكليني مرسلا قال : وقد روي أنّ النبي صلى الله عليه واله قال لرجل من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم ، فعابه النبي صلى الله عليه واله وقال : « ترك صبيّة صغارا يتكفّفون الناس ». (287) ‌

ورواه الصدوق عن هارون بن مسلم نحوه إلاّ أنّه قال : « فأعتقهم عند موته » (288) فيكون على المقصود أدلّ ، لارتفاع احتمال كون عتقهم في حال الصحّة ، فيكون خارجا عن محلّ البحث.

ثمَّ إنّ الإشكال في موثّقات عمّار بأنّها مطلقات من حيث كون التصرّف في حال الصحّة والمرض فيقيّد بحال الصحّة بالروايات التي تدلّ على إخراج تصرّفات المريض في حال المرض من الثلث.

ففيه أوّلا : أنّا قد ذكرنا فيما تقدّم من عدم دلالة تلك الأخبار على نفوذ المنجّزات من الثلث كي تصلح لتقييد الموثّقات بحال الصحّة.

وثانيا : قوله عليه السلام في إحدى الموثّقات « صاحب المال أحقّ بماله ما دام فيه شي‌ء من الرّوح » نصّ في أنّه وإن كان مريضا قريب الموت ، فليس من قبيل المطلقات القابلة للتقييد ، فإن كان هناك ما يدلّ على إخراج المنجّزات من الثلث يقع بينه وبين الموثّق التعارض.

فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ في التبرّعات المنجّزة التي تصدر من المريض الذي يموت في ذلك المرض هو إخراجها من أصل المال وجميع التركة ، لا خصوص الثلث كالوصيّة. ومع ذلك كلّه مراعاة الاحتياط أولى بل لا ينبغي تركه ، لأنّ مستند القائلين بإخراجها من الثلث كالوصيّة قوّى جدّا ، والقائلون به من العظماء والأساطين قدّس الله أسرارهم.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطنا‌ً .

_____________

(1) « الكافي » ج 7 ، ص 3 ، باب الوصيّة وما أمر بها ، ح 5 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 181 ، باب في الوصيّة أنّها حقّ على كلّ مسلم ، ح 5412 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 351 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 1.

(2) « الكافي » ج 7 ، ص 3 ، باب الوصية وما أمر بها ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 181 ، باب في الوصيّة أنّها حقّ على كل مسلم ، ح 5411 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 172 ، ح 702 ، باب الوصيّة ووجوبها ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 351 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 2.

(3) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 172 ، ح 701 ، باب الوصيّة ووجوبها ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 3.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 172 ، ح 703 ، باب الوصيّة ووجوبها ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 4.

(5) « المقنعة » ص 666 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 6.

(6) « المقنعة » ص 666 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 8.

(7) « المقنعة » ص 666 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 7.

(8) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 8.

(9) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(10) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 290.

(11) « القواعد الفقهية » ج 4 ، ص 229.

(12) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(13) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 285.

(14) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 250.

(15) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(16) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 290.

(17) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 10.

(18) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 10.

(19) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب من أوصى بوصيّة فمات الموصى له. ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 210 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي. ، ح 5489 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 230 ، ح 903 ، باب الموصى له بشي‌ء يموت قبل الموصي ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 137 ، ح 515 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 409 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 30 ، ح 1.

(20) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب من أوصى بوصيّة فمات الموصى له. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 211 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي. ، ح 5490 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 231 ، ح 905 ، باب الموصى له بشي‌ء يموت قبل الموصي ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 138 ، ح 517 ، باب الموصى له يموت قبل الموصى ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 409 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 30 ، ح 2.

(21) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب من أوصى بوصيّة فمات الموصى له. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 210 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي. ، ح 5488 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 231 ، ح 904 ، باب الموصى له بشي‌ء يموت قبل الموصي ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 138 ، ح 516 ، باب الموصى له يموت قبل الموصى ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 410 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 30 ، ح 3.

(22) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 259.

(23) « كشف الرموز » ج 2 ، ص 77.

(24) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(25) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 257.

(26) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 14.

(27) « تفسير القميّ » ج 1 ، ص 65 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 420 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 37 ، ح 4.

(28) « الكافي » ج 7 ، ص 12 ، باب الرجل يوصي بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 199 ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح 5459 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 190 ، ح 762 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 15 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 385 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 1.

(29) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب الرجل يوصي بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 199 ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح 5460 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 190 ، ح 763 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 385 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 2.

(30) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 386 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 2.

(31) « الكافي » ج 7 ، ص 12 ، باب الرجل يوصى بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 199 ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح 5458 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 189 ، ح 860 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 13 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 386 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 3.

(32) انظر : « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 385 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18.

(33) « الكافي » ج 7 ، ص 28 ، باب وصيّة الغلام والجارية. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 197 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيته ، ح 5453 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 728 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 428 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 1.

(34) « الكافي » ج 7 ، ص 29 ، باب وصيّة الغلام والجارية. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 197 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح 5452 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 182 ، ح 732 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 428 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 2.

(35) « الكافي » ج 7 ، ص 28 ، باب وصيّته الغلام والجارية. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 196 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح 5450 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 429 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 3.

(36) « الكافي » ج 7 ، ص 28 ، باب وصيّته الغلام والجارية. ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 197 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح 5452 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 729 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 429 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 4.

(37) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 726 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 428 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 5.

(38) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 727 ، باب وصيّته الصبي والمحجور عليه ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 429 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 6.

(39) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 183 ، باب وصيّته الصبي والمحجور عليه ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 321 ، أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، باب 15 ، ح 4.

(40) « المسالك » ج 1 ، ص 392. وهو في « السرائر » ج 3 ، ص 206.

(41) « الدروس » ج 2 ، ص 298.

(42) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 604.

(43) « جوامع المقاصد » ج 10 ، ص 34.

(44) « الكافي » ج 7 ، ص 45 ، باب من لا تجوز وصيته من البالغين ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 202 ، باب وصيّة من قتل نفسه متعمّدا ، ح 5470 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 207 ، ح 820 ، باب وصيّة من قتل نفسه. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 441 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 52 ، ح 1.

(45) « السرائر » ج 3 ، ص 197.

(46) « مختلف الشيعة » ج 6 ، ص 328.

(47) « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 261 ، باب 78 ، ح 22479.

(48) انظر : « الغدير » ج 1 ، ص 18.

(49) « المكاسب » ص 153.

(50) « الكافي » ج 7 ، ص 10 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 187 ، باب من يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5429 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 772 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 364 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 1.

(51) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 194 ، ح 780 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 12 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 454 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 3.

(52) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 194 ، ح 781 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 12 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 455 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 4.

(53) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 195 ، ح 784 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 16 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 458 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 5.

(54) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 197 ، ح 786 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 6.

(55) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 198 ، ح 790 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 22 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 125 ، ح 473 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 366 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 7.

(56) حكاه عن علي بن بابويه في « مختلف الشيعة » ج 6 ، ص 350.

(57) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 187 ، ح 753 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 459 ، باب انّه لا تجوز الوصيّة بأكثر. ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 370 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 19.

(58) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 282.

(59) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 282.

(60) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 195 ، ح 785 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 17 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 123 ، ح 468 ، باب انّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 369 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 16.

(61) « الكافي » ج 7 ، ص 12 ، باب بدون عنوان ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 200 ، باب فيمن أوصى بأكثر من الثلث. ، ح 5461 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 193 ، ح 775 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 122 ، ح 464 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر. ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 371 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 13 ، ح 1.

(62) « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 371 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 13 ، ح 1.

(63) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 193 ، ح 778 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 123 ، ح 467 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر. ، ح 17 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 372 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 13 ، ح 2.

(64) « المسالك » ج 1 ، ص 393.

(65) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 116.

(66) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 246.

(67) « قواعد الأحكام » ج 2 ، ص 297.

(68) « المسالك » ج 1 ، ص 394.

(69) « الكافي » ج 7 ، ص 63 ، باب النوادر ، ح 21 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 227 ، باب الرجل يوصى من ماله بشي‌ء. ، ح 5536 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 207 ، ح 822 ، باب وصيّة من قتل نفسه أو قتله غيره ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 372 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 14 ، ح 1.

(70) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 7 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 227 ، باب الرجل يوصى من ماله بشي‌ء. ، ح 5537 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 193 ، ح 774 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 372 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 14 ، ح 2.

(71) « الفقيه » ج 4 ، ص 225 ، باب قضاء الدين من الدية ، ح 5532 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 245 ، ح 952 ، باب في الزيادات ، ح 45 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 411 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 31 ، ح 1.

(72) « الفقيه » ج 4 ، ص 225 ، باب قضاء الدين من الدية ، ح 5532 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 192 ، ح 416 ، باب الديون وأحكامها ، ح 41 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 111 ، أبواب الدين والقرض ، باب 24 ، ح 1.

(73) « الفقيه » ج 4 ، ص 112 ، باب القود ومبلغ الدية ، ح 5220 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 92 ، أبواب القصاص في النفس ، ح 2.

(74) « الكافي » ج 7 ، ص 62 ، باب النوادر ، ح 19 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 227 ، باب الرجل يوصى إلى رجل بولده. ، ح 5538 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 236 ، ح 921 ، باب الزيادات الوصايا ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 478 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 92 ، ح 1.

(75) « الكافي » ج 7 ، ص 61 ، باب النوادر ، ح 61 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 228 ، باب الرجل يوصى إلى رجل بولده. ، ح 5539 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 236 ، ح 919 ، باب الإقرار في المرض ، ح 37 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 478 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 92 ، ح 2.

(76) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 246.

(77) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 118.

(78) « السرائر » ج 3 ، ص 192.

(79) « الكافي » ج 7 ، ص 19 ، باب من أوصى بعتق أو صدقة أو حجّ ، ح 15 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 212 ، باب الوصيّة بالعتق والصدقة والحجّ ، ح 5493 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 197 ، ح 778 ، باب الوصيّة بالثلث وأقل منه وأكثر ، ح 20 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 457 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 66 ، ح 1.

(80) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 247.

(81) « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 223 ، ح 104 ، ج 2 ، ص 257 ، ح 3 ، ج 3 ، ص 442 ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 33 ، أبواب الإقرار ، باب 3 ، ح 2.

(82) « الكافي » ج 7 ، ص 40 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 209 ، ح 826 ، باب الوصية المبهمة ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 496 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 442 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 1.

(83) « الكافي » ج 7 ، ص 39 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 208 ، ح 824 ، باب الوصية المبهمة ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 131 ، ح 494 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 442 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 2.

(84) « الكافي » ج 7 ، ص 40 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 205 ، باب الوصيّة بالشي‌ء من المال. ، ح 5476 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 208 ، ح 825 ، باب الوصية المبهمة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 443 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 3.

(85) « معاني الأخبار » ص 217 ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 443 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 4.

(86) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 145 ، ح 476 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 444 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 8.

(87) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 145 ، ح 476 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 445 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 9.

(88) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 143 ، ح 472 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 446 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 10.

(89) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 827 ، باب الوصية المبهمة ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 497 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 446 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 11.

(90) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 828 ، باب الوصية المبهمة ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 499 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 446 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 12.

(91) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 829 ، باب الوصية المبهمة ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 499 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 447 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 13.

(92) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 831 ، باب الوصية المبهمة ، ح 8 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ح 501 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 447 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 14.

(93) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 210 ، ذيل ح 831 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ذيل ح 501.

(94) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 828 ، باب الوصايا المبهمة ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ح 501 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 448 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 1.

(95) « الكافي » ج 7 ، ص 41 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 2 ، « معاني الأخبار » ص 216 ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 210 ، ح 833 ، باب الوصية المبهمة ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ح 503 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 448 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 2.

(96) « الإرشاد للمفيد ، ج 1 ، ص 221 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 450 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 7.

(97) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 448 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55.

(98) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ح 834 ، باب الوصية المبهمة ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 134 ، ح 504 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 449 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 4.

(99) « الفقيه » ج 4 ، ص 204 ، باب الوصيّة بالشي‌ء من المال والسهم. ، ح 5475 ، « معاني الأخبار » ص 216 ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 449 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 5.

(100) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ذيل ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 134.

(101) « المبسوط » ج 4 ، ص 8.

(102) « الكافي » ج 7 ، ص 40 ، باب من أوصى بشي‌ء من ماله ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 204 ، باب الوصيّة بالشي‌ء من المال. ، ح 5473 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ح 835 ، باب الوصية المبهمة ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 450 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 56 ، ح 1.

(103) « السرائر » ج 3 ، ص 209.

(104) « النهاية » ص 613.

(105) « الكافي » ج 7 ، ص 58 ، باب النوادر ، ح 7 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 218 ، باب الرجل يوصى بوصيّة فينساها. ، ح 5513 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 214 ، ح 844 ، باب الوصيّة المبهمة ، ح 21 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 453 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 61 ، ح 1.

(106) « الكافي » ج 7 ، ص 21 ، باب أنّ الوصي إذا كانت الوصيّة في حقّ. ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 207 ، باب ضمان الوصي لما يغيّره. ، ح 5482 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 228 ، ح 896 ، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له ، ح 46 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 419 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 37 ، ح 2.

(107) « الفقيه » ج 4 ، ص 183 ، باب ما جاء في الإضرار بالورثة ، ح 5418 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 174 ، ح 710 ، باب في الوصيّة ووجوبها ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 5 ، ح 1.

(108) « الكافي » ج 7 ، ص 62 ، باب النوادر ، ح 18 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 182 ، باب ثواب من أوصى فلم يحف ولم يضارّ ، ح 5414 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 174 ، ح 709 ، باب في الوصيّة ووجوبها ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 5 ، ح 2.

(109) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 186 ، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5425 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 773 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 358 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 8 ، ح 1.

(110) « الكافي » ج 7 ، ص 21 ، باب إنّ من حاف في الوصية. ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 186 ، ح 747 ، باب الرجوع في الوصية ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 421 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 38 ، ح 1.

(111) « الكافي » ج 7 ، ص 20 ، باب أنّ من حاف في الوصية. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 422 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 38 ، ح 2.

(112) « تفسير القمّي » ج 1 ، ص 65 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 420 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 37 ، ح 4.

(113) « الكافي » ج 7 ، ص 64 ، باب النوادر ، ح 26 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 220 ، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث. ، ح 5516 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 235 ، ح 918 ، باب في الزيادات الوصايا ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 139 ، ح 520 ، باب أن من كان له ولد. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 476 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 90 ، ح 1.

(114) « الكافي » ج 7 ، ص 61 ، باب النوادر ، ح 15 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 219 ، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث. ، ح 5515 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 235 ، ح 917 ، باب في الزيادات الوصايا ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 139 ، ح 521 ، باب ان من كان له ولد. ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 476 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 90 ، ح 2.

(115) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 477 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 90 ، ح 2.

(116) « الفقيه » ج 4 ، ص 220 ، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث. ، ذيل ح 5515.

(117) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 235 ، باب في الزيادات الوصايا ، ذيل ح 917. ولا يخفى أنّ كلام الشيخ أخصّ من كلام الصدوق ويحتمل اتّحاد مرادهما قدّس الله اسرارهما.

(118) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 217 ، باب الرجل يوصى لرجل بسيف. ، ح 5509 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ح 837 ، باب الوصية المبهمة ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 451 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 57 ، ح 1.

(119) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 212 ، ح 839 ، باب الوصية المبهمة ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 451 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 57 ، ح 2.

(120) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 212 ، ح 840 ، باب الوصية المبهمة ، ح 17 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 452 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 57 ، ح 1.

(121) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 212 ، ح 838 ، باب الوصية المبهمة ، ح 15 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 452 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 59 ، ح 1.

(122) « الفقيه » ج 4 ، ص 217 ، باب الرجل يوصى لرجل بسيف. ، ح 5510 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 452 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 59 ، ح 1.

(123) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 249.

(124) « المبسوط » ج 4 ، ص 23.

(125) « المسالك » ج 1 ، ص 401.

(126) « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 222 ، أبواب النذر والعهد ، باب 3 ، ح 1 ـ 4.

(127) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5423 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 773 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 453 ، باب أنّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 360 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 1.

(128) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 5 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5424 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 191 ، ح 769 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 451 ، باب أنّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 360 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 2.

(129) « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5421 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 362 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 3.

(130) « قرب الإسناد » ص 31 ، « علل الشرائع » ص 567 ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 361 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 4.

(131) « الفقيه » ج 4 ، ص 334 ، باب ميراث أهل الملل ، ح 5718.

(132) « القواعد الفقهية » ج 3 ، ص 9.

(133) « الكافي » ج 7 ، ص 398 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 252 ، ح 652 ، باب البيّنات ، ح 57 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 5.

(134) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 6 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 192 ، باب الإشهاد على الوصيّة ، ح 5436 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 178 ، ح 715 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 1 ، وص 179 ، ح 716 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 6.

(135) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 390 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 : باب ثبوت الوصية بشهادة مسلمين عدلين و.

(136) « الكافي » ج 7 ، ص 5 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 7 ، « تفسير القميّ » ج 1 ، ص 189 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 394 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 21 ، ح 1.

(137) « الكافي » ج 7 ، ص 399 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 253 ، ح 654 ، باب البيّنات ، ح 59 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 390 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 1.

(138) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 3 ، وص 398 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ص 725 ، باب الاشهاد على الوصية ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 4.

(139) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20.

(140) « الكافي » ج 7 ، ص 399 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 179 ، ح 718 ، باب الاشهاد على الوصية ، ح 4 ، وج 6 ، ص 253 ، ح 655 ، باب البيّنات ، ح 60 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 392 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 7.

(141) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 192 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 5435 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 719 باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 395 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 1.

(142) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 722 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 396 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 2.

(143) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 723 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 396 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 3.

(144) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 722 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 396 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 6.

(145) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 270 ، ح 728 ، باب البيّنات ، ح 133 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 30 ، ح 100 ، باب فيما يجوز فيه شهادة النساء ، ح 32 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 397 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 7.

(146) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 268 ، ح 219 ، باب البيّنات ، ح 124 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 28 ، ح 90 ، باب فيما يجوز فيه شهادة النساء ، ح 22 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 397 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 8.

(147) « الكافي » ج 5 ، ص 313 ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ح 40 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 226 ، ح 989 ، باب الزيادات ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 60 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 4 ، ح 4.

(148) « الفقيه » ج 4 ، ص 44 ، باب من يجب ردّ شهادته و. ، ح 3293 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 246 ، ح 623 ، باب البيّنات ، ح 28 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 15 ، ح 40 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 272 ، أبواب الشهادات ، باب 27 ، ح 3.

(149) انظر : « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 271 ـ 272 ، أبواب الشهادات ، باب 27 و28.

(150) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 242 ، ح 599 ، باب البيّنات ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 14 ، ح 38 ، باب شهادة الشريك ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 278 ، أبواب الشهادات ، باب 32 ، ح 3.

(151) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 41.

(152) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 373 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 15.

(153) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 253.

(154) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 415 ، باب جواز الوصيّة من المسلم والذمي بمال.

(155) « الكافي » ج 7 ، ص 16 ، باب آخر منه ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 202 ، ح 806 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 129 ، ح 486 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 415 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 1.

(156) « الكافي » ج 7 ، ص 14 ، باب إنفاذ الوصية على جهتها ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 200 ، باب وجوب إنفاذ الوصيّة والنهي عن تبديلها ، ح 5462 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 808 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 129 ، ح 488 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 417 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 5.

(157) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب آخر منه ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 810 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 131 ، ح 493 ، باب من أوصى بشي‌ء في سبيل الله. ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 417 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 6.

(158) « الخلاف » ج 4 ، ص 153 ، المسألة : 26.

(159) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 204 ، ح 812 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 9 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 129 ، ح 489 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 416 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 2.

(160) « الفقيه » ج 4 ، ص 336 ، باب ميراث أهل الملل ، ح 5726 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 416 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 3.

(161) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 253.

(162) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 293.

(163) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 487.

(164) « الخلاف » ج 4 ، ص 153 ، المسألة : 26.

(165) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 52.

(166) « الكافي » ج 7 ، ص 45 ، باب من أوصى لقراباته ومواليه. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 208 ، باب الوصيّة للأقرباء والموالي ، ح 5483 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 214 ، ح 845 ، باب الوصية المبهمة ، ح 22 ، وص 325 ، ح 1169 ، باب ميراث الأعمام والعمّات. ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 454 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 62 ، ح 1.

(167) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 254.

(168) « المسالك » ج 1 ، ص 410.

(169) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 388.

(170) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب آخر منه ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 206 ، باب الرجل يوصى بمال في سبيل الله ، ح 5478 ، « معاني الأخبار » ص 167 ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 204 ، ح 811 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 412 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 1.

(171) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب إنفاذ الوصيّة على جهتها ، ح 5 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 206 ، باب الرجل يوصى بمال في سبيل الله ، ح 5479 ، « معاني الأخبار » ص 167 ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 809 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 130 ، ح 491 ، باب من أوصى بشي‌ء وفي سبيل الله تعالى ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 412 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 2.

(172) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب آخر من إنفاذ الوصيّة على جهتها ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 810 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 131 ، ح 493 ، باب من أوصى بشي‌ء في سبيل الله ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 413 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 3.

(173) « الكافي » ج 7 ، ص 14 ، باب إنفاذ الوصيّة على جهتها ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 200 ، باب وجوب إنفاذ الوصيّة والنهي عن تبديلها ، ح 5463 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 202 ، ح 805 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 128 ، ح 485 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 414 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 4.

(174) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 420.

(175) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 255.

(176) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 255.

(177) « المسالك » ج 1 ، ص 411.

(178) « الكافي » ج 7 ، ص 46 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك منه الصغير ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 209 ، باب الوصيّة إلى مدرك وغير مدرك ، ح 5487 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 185 ، ح 744 ، باب الأوصياء ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 438 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 50 ، ح 1.

(179) « الكافي » ج 7 ، ص 46 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 209 ، باب الوصيّة إلى مدرك وغير مدرك ، ح 5486 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 184 ، ح 743 ، باب الأوصياء ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 140 ، ح 522 ، باب أنّه يجوز أن يوصى إلى امرأة ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 439 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 50 ، ح 2.

(180) « الكافي » ج 7 ، ص 46 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 203 ، باب الرجلين يوصى إليهما. ، ح 5471 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 118 ، ح 448 ، باب من أوصى إلى نفسين. ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 185 ، ح 745 ، باب الأوصياء ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 440 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 51 ، ح 1.

(181) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 243 ، ح 941 ، باب من الزيادات الوصايا ، ح 34 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 450 ، باب من أوصى إلى نفسين. ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 440 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 51 ، ح 2.

(182) « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ذيل ح 119.

(183) « الكافي » ج 7 ، ص 47 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 203 ، باب الرجلين يوصى إليهما. ، ح 5472 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 185 ، ح 746 ، باب الأوصياء ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 118 ، ح 449 ، باب من أوصى إلى نفسين. ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 440 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 51 ، ح 3.

(184) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 256.

(185) « الكافي » ج 7 ، ص 6 ، باب الرجل يوصى إلى آخر. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 196 ، باب للامتناع من قبول الوصيّة ، ح 5449 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 206 ، ح 816 ، باب قبوله الوصيّة ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 398 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 23 ، ح 3.

(186) « الكافي » ج 7 ، ص 6 ، باب الرجل يوصى إلى آخر. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 195 ، باب الامتناع من قبول الوصيّة ، ح 5446 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 205 ، ح 815 ، باب قبول الوصيّة ، ح 2 ، وص 159 ، ح 654 ، باب في النحل والهبة ، ح 31 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 398 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 23 ، ح 2.

(187) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 280.

(188) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 275.

(189) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 421.

(190) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 419 ، باب أنّ الوصي إذا كانت في حقّ فغيّرها فهو ضامن.

(191) « الكافي » ج 7 ، ص 57 ، باب ما يلحق الميّت بعد موته ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 234 ، باب نوادر الوصايا ، ح 5560 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 232 ، ح 910 ، باب من الزيادات ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 479 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 93 ، ح 1.

(192) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 257.

(193) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 426.

(194) « الكافي » ج 7 ، ص 59 ، باب النوادر ، ح 10 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 219 ، باب الوصيّ يشتري من مال الميّت. ، ح 5514 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 245 ، ح 950 ، باب في الزيادات ، ح 43 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 475 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 89 ، ح 1.

(195) « المسالك » ج 1 ، ص 415.

(196) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 287.

(197) « المسالك » ج 1 ، ص 415.

(198) « الفقيه » ج 4 ، ص 226 ، باب ما يجب على وصيّ الوصيّ من القيام بالوصيّة ، ح 5535 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 215 ، ح 850 ، باب الوصي يوصى إلى غيره ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 460 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 70 ، ح 1.

(199) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 257.

(200) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 419.

(201) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 257.

(202) « الكافي » ج 5 ، ص 130 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 340 ، ح 950 ، باب المكاسب ، ح 72 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 184 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 1.

(203) « الكافي » ج 5 ، ص 128 ، باب أكل مال اليتيم ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 339 ، ح 946 ، باب المكاسب ، ح 67 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 192 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 76 ، ح 2.

(204) « الكافي » ج 5 ، ص 129 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 340 ، باب المكاسب ، ح 69 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 185 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 4.

(205) « الكافي » ج 5 ، ص 130 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 340 ، ح 951 ، باب المكاسب ، ح 72 ، « قرب الإسناد » ص 47 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 185 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 2.

(206) « الكافي » ج 5 ، ص 130 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 3410 ، ح 952 ، باب المكاسب ، ح 73 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 185 ، أبواب ما يكتسب منه ، باب 72 ، ح 3.

(207) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 222 ، ح 31 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 187 ، أبواب ما يكتسب منه ، باب 72 ، ح 9.

(208) « الكافي » ج 5 ، ص 129 ، باب أكل مال اليتيم ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 339 ، ح 947 ، باب المكاسب ، ح 68 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 183 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 71 ، ح 1.

(209) « الكافي » ج 5 ، ص 129 ، باب أكل مال اليتيم ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 184 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 71 ، ح 2.

(210) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 343 ، ح 960 ، باب المكاسب ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 186 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 5.

(211) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 9.

(212) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 261.

(213) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 334.

(214) « المبسوط » ج 4 ، ص 44.

(215) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 261.

(216) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 537.

(217) « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 222 ، ح 99 ، وص 457 ، ح 198 ، وج 2 ، ص 138 ، ح 383 ، وح 3 ، ص 208 ، ح 49 ، « بحار الأنوار » ج 2 ، ص 272 ، كتاب العلم ، ح 7.

(218) « الكافي » ج 5 ، ص 404 ، باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 371 ، ح 1503 ، باب المهور والأجور و. ، ح 66 ، « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 218 ، ح 84 ، وج 2 ، ص 257 ، ح 7 ، وج 3 ، ص 217 ، ح 77 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 301 ، أبواب الخيار ، باب 5 ، ح 7.

(219) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1 ، ح 1 و3 و8.

(220) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 385.

(221) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 463.

(222) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 102.

(223) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 334.

(224) « المبسوط » ج 4 ، ص 43.

(225) « الدروس » ج 2 ، ص 302 ، « المسالك » ج 1 ، ص 242.

(226) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 94.

(227) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 593.

(228) « المقنع » ص 165.

(229) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج 6 ، ص 367.

(230) « الكافي » ج 7 ، ص 7.

(231) « المقنع » ص 165.

(232) « المقنعة » ص 671.

(233) « الانتصار » ص 224.

(234) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 603.

(235) « المهذّب » ج 1 ، ص 420.

(236) « السرائر » ج 3 ، ص 199.

(237) « الجامع للشرائع » ص 497.

(238) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5422 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 191 ، ح 770 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه. ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 452 ، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 362 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 2.

(239) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 242 ، ح 940 ، باب في الزيادات ، ح 33 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 363 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 8.

(240) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 242 ، ح 939 ، باب في الزيادات ، ح 32 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 363 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 7.

(241) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5422 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 191 ، ح 770 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 452 ، باب انّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 362 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 2.

(242) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 97.

(243) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 112.

(244) « الفقيه » ج 4 ، ص 181 ، باب حجّة الله عزّ وجلّ على تارك الوصيّة ، ح 5410 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 175 ، ح 712 ، باب الوصيّة المبهمة ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 4 ، ح 4.

(245) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 194 ، ح 781 ، باب الوصية بالثلث و. ، ح 13 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 455 ، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 4.

(246) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 219 ، ح 862 ، باب وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 384 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 6.

(247) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 197 ، ح 786 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 6.

(248) « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 229 ، ح 828 ، باب العتق وأحكامه ، ح 61 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 7 ، ح 22 ، باب من أعتق بعض مملوكه ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 76 ، أبواب كتاب العتق ، باب 64 ، ح 5.

(249) « المسالك » ج 1 ، ص 424.

(250) « وسائل الشيعة » ج 13 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 19.

(251) « الكافي » ج 7 ، ص 27 ، باب من أعتق وعليه دين ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 169 ، ح 690 ، باب الإقرار في المرض ، ح 36 ، ص 218 ، ح 855 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 423 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 39 ، ح 4.

(252) « الكافي » ج 7 ، ص 26 ، باب من أعتق وعليه دين ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 217 ، ح 854 ، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له ، ح 4 ، وج 8 ، ص 232 ، ح 841 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 423 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 39 ، ح 5.

(253) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 201 ، ح 802 ، باب الوصية للوارث ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 384 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 15.

(254) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 201 ، ح 801 ، باب الوصيّة للوارث ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 127 ، ح 480 ، باب عطيّة الوالد لولده في حال المرض ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 284 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 14.

(255) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 156 ، ح 642 ، باب النحل والهبة ، ح 19 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 461 ، باب انّه لا تجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 384 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 11.

(256) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 195 ، ح 783 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 15 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 457 ، باب انّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 367 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 11.

(257) « المسالك » ج 1 ، ص 425.

(258) « الفقيه » ج 4 ، ص 183 ، باب ما جاء في الإضرار بالورثة ، ح 5418 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 174 ، ح 710 ، باب الوصية ووجوبها ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 5 ، ح 1.

(259) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 186 ، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5425 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 773 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 358 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 8 ، ح 1.

(260) « الكافي » ج 7 ، ص 42 ، باب المريض يقرّ لوارث بدين ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 229 ، باب إقرار المريض للوارث بدين ، ح 5543 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 661 ، باب الإقرار في المرض ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 431 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 377 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 2.

(261) « الكافي » ج 7 ، ص 42 ، باب المريض يقرّ لوارث بدين ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 228 ، باب إقرار المريض للوارث بدين ، ح 5540 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 659 ، باب الإقرار في المرض ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 429 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 377 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 3.

(262) « الكافي » ج 7 ، ص 42 ، باب في المريض يقرّ لوارث بدين ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 660 ، باب الإقرار في المرض ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 430 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 377 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 4.

(263) « الكافي » ج 7 ، ص 63 ، باب النوادر ، ح 23 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 662 ، باب الإقرار في المرض ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 378 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 6.

(264) « الكافي » ج 7 ، ص 41 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 229 ، باب إقرار المريض للوارث بدين ، ح 5541 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 159 ، ح 655 ، باب الإقرار في المرض ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 111 ، ح 425 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 378 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 7.

(265) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 657 ، باب الإقرار في المرض ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 378 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 8.

(266) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 658 ، باب الإقرار في المرض ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 111 ، ح 428 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 379 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 9.

(267) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 161 ، ح 664 ، باب الإقرار في المرض ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 113 ، ح 433 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 379 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 10.

(268) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 162 ، ح 667 ، باب الإقرار في المرض ، ح 13 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 379 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 11.

(269) « الفقيه » ج 4 ، ص 249 ، باب الوقف والصدقة والنحل ، ح 5592 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 161 ، ح 663 ، باب الإقرار في المرض ، ح 9 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 432 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 380 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 12.

(270) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 162 ، ح 665 ، باب الإقرار في المرض ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 113 ، ح 434 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 380 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 13.

(271) « الدروس » ج 2 ، ص 302 ، « المسالك » ج 1 ، ص 242.

(272) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 102 ، « مختصر النافع » ص 167 ، « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 334.

(273) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 94.

(274) « المسالك » ج 1 ، ص 464.

(275) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحق بماله ما دام حيّا ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 186 ، ح 749 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 381 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 1.

(276) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 381 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، حكم التصرّفات المنجزة في مرض الموت.

(277) « الكافي » ج 7 ، ص 7 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 176 ، ح 748 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 381 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 4.

(278) « الكافي » ج 7 ، ص 7 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 202 ، باب في أنّ الإنسان أحقّ بماله. ، ح 5468 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 187 ، ح 753 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 459 ، باب أنّه لا تجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 5.

(279) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 5 ، وانظر : « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ذيل ح 460.

(280) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 188 ، ح 756 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 7.

(281) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 190 ، ح 764 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 17 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 461 ، باب في أنّه لا تجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 10.

(282) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 95.

(283) « جامع الرواة » ج 1 ، ص 384. وهو في « الخلاصة » ص 228 ، وفي « رجال النجاشي » ص 193 ، رقم 517.

(284) « جامع الرواة » ج 1 ، ص 613.

(285) « الفقيه » ج 4 ، ص 202 ، باب في أنّ الإنسان أحقّ بماله. ، ح 5467 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 6.

(286) « رجال النجاشي » ص 197 ، رقم 524 ، وص 424 ، رقم 1138.

(287) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 9.

(288) « الفقيه » ج 4 ، ص 186 ، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5427 ، « علل الشرائع » ص 566 ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 9.

الموضوع : قاعدة « الوصيّة حقّ على كلّ مسلم » .

المؤلف : اية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي .

الكتاب : القواعد الفقهية . ج6 , ص221 - 418.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن جملة القواعد الفقهيّة قاعدة « الوصيّة حقّ على كلّ مسلم ».

وفيها جهات من البحث :

الجهة الأولى

في مدرك هذه القاعدة‌ :

الأوّل : قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] . إلى آخر الآيات.

الثاني : الأخبار الواردة فيها ، فنقول :

منها : ما رواه محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « الوصيّة حقّ ، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه واله فينبغي للمسلم أن يوصى » (1).

ومنها : ما رواه أبو الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الوصية؟ فقال : « هي حقّ على كلّ مسلم » (2).

ومنها : أيضا عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال : « الوصيّة حقّ على‌ كلّ مسلم » (3).

ومنها : عن زيد الشحّام قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوصيّة؟ فقال : « هي حقّ على كلّ مسلم » (4).

ومنها : عن المفيد في المقنعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « الوصيّة حقّ على كلّ مسلم » (5) قال : وقال عليه السلام : « من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة » (6) قال : وقال عليه السلام : « ما ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه » (7).

قال في الوسائل : والأحاديث الواردة في أنّ رسول الله صلى الله عليه واله أوصى ، وأنّ الأئمّة : أوصوا كثيرة متواترة من طرف العامّة والخاصّة (8).

الجهة الثانية

في شرح ألفاظ هذه القاعدة ، وبيان المراد منها‌ :

فنقول : الوصية اسم من الإيصاء ، وربما يطلق على الموصى به كما في الكتاب العزيز {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فيقال : هذه وصيّته ، أي ما أوصى به كعتق عبد أو بناء مسجد أو قنطرة أو رباط أو غير ذلك من الخيرات والمبرّات ، وأنواع العبادات من الواجبات والمستحبّات.

وعرّفها في الشرائع (9) بأنّها تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة. وقريب من هذا التعريف ما ذكره غير واحد من أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم.

وقال في تعريفه في القواعد : الوصيّة تمليك عين أو منفعة بعد الموت (10). وهكذا غيرهما ، ولكن الوصيّة قسمان : تمليكيّة وعهديّة.

وهذا التعريف ينبغي أن يكون للتمليكيّة ، فأمّا الوصيّة العهديّة فهي عبارة عن أن يعهد إلى شخص أو أشخاص بفعل أمر يجوز له فعله مباشرة أو تسبيبا ، سواء كان ذلك الفعل راجحا أو مباحا بلا رجحان عليهما ، أي على الموصي والوصي ، ويسمّى ذلك الشخص أو الأشخاص بالوصيّ أو الأوصياء.

وإن كانت أركان الوصيّة التمليكيّة أربعة : الوصيّة ، والموصي ، والموصى به ، والموصى له ، وأمّا الوصيّة العهديّة فأركانها ثلاثة : الموصي ، والموصى به ، والوصيّ.

فهاهنا أمور :

الأمر الأوّل

في الوصيّة التمليكيّة‌ :

وقد عرفت أنّ أركانها أربعة :

الأوّل : الوصيّة. وقد ذكرنا أنّها اسم من الإيصاء ، وأيضا ذكرنا تعريفه. ويفتقر إلى إيجاب وقبول ، أي هو عقد وكلّ عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وإن كان قبولا فعليّا لا قوليّا.

والحاصل : أنّ عقد الوصيّة حالها حال سائر العقود العهديّة من حيث الاحتياج‌ إلى الإيجاب والقبول ، ولا فرق بينه وبين عقد الهبة إلاّ أنّ الهبة تمليك مال أو حقّ لشخص في حال حياته ، وعقد الوصيّة تمليك مال أو حقّ لشخص بعد الموت. هذا ما قاله أكثر الأساطين.

ولكن التحقيق : أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول ، لأنّه فيها تعهّد إلى إيجاد فعل متعلّق ببدنه كان يدفن في موضع كذا مثلا ، أو بماله مثل أن يحجّ عنه بماله أو يقضى عنه صلواته وصومه الفائتة أو يوقف داره الفلانيّة أو ضيعته أو يبنى مسجدا بماله وأمثال ذلك من الأعمال الراجحة.

نعم لو عيّن شخصا لتنفيذ ما عهد إليه الذي يسمّى بالوصي أو الموصى إليه يمكن أن يقال بالاحتياج إلى قبول ذلك الشخص إن اطّلع على الوصيّة في حال حياة الموصي كي يلزم عليه العمل بما أوصى إليه ، ولكن هذا لو قلنا به يكون من قبول الوصاية لا الوصيّة.

مضافا إلى أنّ الأظهر عدم لزوم قبول الوصي في حال حياة الموصي ، بل يكفي في لزوم عمله وتنفيذه الوصيّة عدم ردّه في حال حياة الموصي وإن لم يقبل ، فبالردّ تبطل لا أنّ القبول شرط.

وأمّا الوصيّة التمليكيّة : فإن كانت تمليكا للنوع ، كالوصيّة للأقارب أو العلماء والسادات والفقراء ، فهي أيضا لا يعتبر فيها القبول كالعهديّة ، والقول بلزوم قبول الحاكم عن قبلهم لا دليل عليه. وأمّا إن كانت تمليكا لشخص أو أشخاص معيّنين ، فالظاهر أنّ حصول الملكيّة لهم موقوف على قبولهم ، لوجوه :

الأوّل : الإجماع والاتّفاق من غير خلاف على أنّه من العقود ، ولا شكّ في أنّ كلّ عقد مركّب من الإيجاب والقبول ، لأنّ المعاقدة والمعاهدة بين شخصين ، فأحدهما يعاهد مع الآخر بتمليك ماله ، غاية الأمر إنّ هذا التمليك والتملّك إذا لم يكن بعوض يدخل في باب العطايا والهبات ، وقد نبّهنا أنّ الوصيّة مثل الهبة ، والفرق بينهما هو أنّ‌ الهبة تمليك في حال الحياة والوصيّة تمليك بعد الوفاة.

وإن كان بعوض يدخل في باب المعاوضات كالبيع والإجارة وغيرهما ، فكما لا ينكر أحد كون تلك المعاوضات والهبات من العقود فليكن الأمر في الوصيّة أيضا كذلك.

الثاني : أصالة عدم انتقال الموصى به إلى الموصى له مع احتمال أن يكون للقبول دخل فيه ، وأمّا ادّعاء القطع بعدم الدخل فمكابرة مع ذهاب المشهور إلى شرطيّته.

الثالث : أنّ حصول الملك القهري خلاف الأصل ، وأسبابه تعبّدا كالإرث مثلا محصورة ليس منها إيقاع الوصيّة من دون قبول الموصى له.

وأمّا ادّعاء أنّ إطلاقات الوصيّة تكفي لذلك.

ففيه : أنّ إطلاقات الوصيّة ليست بأعظم من إطلاقات سائر المعاملات ، فكما أنّ تلك الإطلاقات لا تمنع عن الاحتياج إلى القبول في تحقّق عناوين تلك المعاملات ، فكذلك الأمر في الوصيّة.

والحاصل : أنّ ادّعاء شمول إطلاقات الوصيّة ـ لإنشاء الوصيّة من قبل الموصى بدون صدور القبول من طرف الموصى له فحصول الملكية للموصى له لا يتوقّف على قبوله ـ لا أساس له ، بل هو عقد مركّب من الإيجاب والقبول لا تحصل الوصيّة بالمعنى الاسم المصدري إلاّ بعد وجود كلا ركنية ، كما أنّ البيع بالمعنى الاسم المصدري لا يوجد إلاّ بعد وجود الإيجاب والقبول جميعا.

فبناء على هذا ردّ الموصى له بعد موت الموصي قبل أن يقبل لو قلنا أنّه يبطل الوصيّة ـ كما هو الأظهر بل المتّفق عليه ـ ليس من قبيل الفسخ بحيث يكون حلاّ للعقد من حينه كما هو التحقيق في باب الفسخ ، بل يكون مانعا عن تحقّقه لفقدان أحد ركنية ، أي القبول.

فرع : وهو أنّه بعد الفراغ من أنّه عقد ويفتقر إلى الإيجاب والقبول ، فالإيجاب‌ يصحّ بكلّ لفظ من أيّ لغة دلّ دلالة صريحة واضحة على إنشاء ذلك المعنى عن قصد وإرادة ، أي تمليك مال عينا كان أو منفعة بعد الوفاة لشخص أو أشخاص ، أو لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات والفقراء والطلاّب.

وذلك من جهة أنّ الإنشاء بدون القصد ، أو القصد بدون الإنشاء لا أثر له ، فلو قال : أعطوا فلانا بعد وفاتي كذا مقدار من مالي ، أو قال : لفلان كذا مقدار من مالي بعد وفاتي فلا إشكال في صحّة مثل هذه الوصيّة في صورة وجود الشرائط المقرّرة عند الشرع للموصي من البلوغ والعقل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا لو قال : أوصيت لفلان بكذا ، بدون ذكر « بعد وفاتي » فهل يكون صريحة في الوصيّة باعتبار ظهور لفظ الوصيّة في هذا المعنى أم لا ، بل يحتاج إلى ذلك التقييد في إفادة التمليك بعد الوفاة الذي هو حقيقة الوصيّة؟

الظاهر عدم احتياجه إلى ذلك التقييد ، من جهة أنّ المناط في باب الإفادة والاستفادة وإلقاء المرادات في المحاورات هو الظهور العرفي ، لا كون المستعمل فيه معنى حقيقيّا أو مجازيّا. وهذه أمور تقرّر في الأصول في باب حجّية الظهورات.

ولا شكّ في أنّ لفظ « الوصيّة » في اللغة وإن كان بمعنى مطلق الإيصاء ، سواء كان إيصاءه بإعطاء مال أو شي‌ء آخر ، لشخص أو أشخاص آخرين أو لعنوان من العناوين ، في حال حياته أو بعد وفاته ، من ماله أو من مال من أوصى إليه أو غيرهما.

ولكن عند العرف ـ خصوصا في هذه الأزمان التي مرّ عليها مئات من السنين عن زمان تشريعها في الكتاب العزيز بقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ـ لها ظهور في هذا المعنى المذكور الذي عرّفوها به ، أي تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة ، فإذا كان كذلك فلا ينبغي المناقشة في صحّة الإيجاب ووقوعه بلفظ « أوصيت لفلان‌ بكذا » بدون قيد « بعد وفاتي » هذا بالنسبة إلى الإيجاب.

وأمّا القبول : فالظاهر ـ بناء على اعتباره كما رجّحناه ـ وقوعه بكلّ لفظ دالّ على الرضا بما أنشأ وأوجب ، بل بكلّ فعل دلّ على هذا المعنى مثل أن يتصرّف فيه نحو تصرّف الملاّك في أملاكهم.

ثمَّ إنّه تقدّم أنّ الوصيّة التمليكيّة ، تارة تتعلّق بشخص معيّن أو أشخاص معيّنين ، وأخرى تتعلّق بعنوان من العناوين. وعرفت أنّ القسم الثاني منها لا يشترط صحّتها وترتيب الأثر عليها بالقبول ، ولكن لا من جهة انعقاد الإجماع على عدم اشتراطها بالقبول ، ولا من جهة تعذّر قبول جميعهم وأنّ لزوم قبول البعض دون آخرين ترجيح بلا مرجّح ، بل من جهة أنّه لو قلنا بلزوم القبول يلزم أن يكون القبول من طرف الحاكم ولاية عليهم ، ولا دليل يلزمنا بذلك.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العقد لا يتم بدون القبول ، وفي المورد حيث أنّ القبول من الجميع لا يمكن ومن البعض ترجيح بلا مرجّح ، فإن أرادوا تتميم العقد فلا بدّ من أحد أمرين :

إمّا أن يقبل أحدهم بعنوان أنّه مصداق للطبيعة ، لا بعنوان شخصه كي يلزم الترجيح بلا مرجّح ، بل أيّ فرد من الطبيعة قبل يكفي ولكن بعنوان أنّه مصداق الطبيعة.

وإمّا الحاكم بعنوان الولاية يقبل عن قبلهم ، وإلاّ لا يقع العقد فيكون الإيجاب لغوا وبلا ثمر ، فإذا أراد أن لا يكون الإيجاب لغوا لا بدّ من مداخلة الحاكم وقبوله من طرف الطبيعة الموصى لها.

وقد شرحنا هذه المسألة في قاعدة « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (11) في مورد الوقف على العناوين العامّة بناء على احتياج الوقف إلى قبول الموقوف عليه.

فرع : لا شكّ في أنّ انتقال الموصى به إلى الموصى له بعد صدور الإيجاب عن الموصي وبعد موته‌ ، وذلك لأنّ موضوع ملكيّة الموصى له كونه مصداقا لما أنشأ ، ولا يكون مصداقا إلاّ بهذين الأمرين ، أي صدور الإيجاب عن الموصي وموته ، لأنّه لو لم يصدر الإيجاب منه فلا وصيّة في البين ، ولو لم يمت فلا موضوع في البين ، لأنّ الموصى له حسب إنشاء الموصي مالك بعد وفاته ، فتوقّف ملكيّة الموصى له على هذين الأمرين ينبغي أن يعدّ من البديهيّات.

إنّما الكلام في أنّه يملك بعد قبوله أو يملك بصرف الموت وإن لم يقبل بعد؟

قال في الشرائع : وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له ، ولا ينتقل بالموت منفردا عن القبول على الأظهر (12).

وما ذكره هو الصحيح بناء على ما ذكرنا من أنّ عقد الوصيّة التمليكيّة فيما إذا كان المنشأ هو التمليك للأفراد الخاصّة والأشخاص المعيّنة يحتاج إلى القبول ، وبدون القبول لا يتمّ العقد ، ولا شكّ في أنّ سبب التمليك والتملّك هو العقد التامّ ، فإذا فرضنا أنّ القبول جزء لما هو السبب فبدونه لا يتمّ السبب فلا يوجد المسبب ، أي ملكيّة الموصى له ، فيتوقّف على القبول لأنّه جزء السبب.

وأمّا توهّم كون القبول جزء السبب بنحو الشرط المتأخّر ، بمعنى أنّ حصول الملكيّة للموصى له حين موت الموصي مشروط بالقبول وإن كان متأخّرا عن الموت بزمان.

ففيه : ما حقّقنا في الأصول (13) من عدم صحّة الشرط المتأخّر وأنّه محال ، للزوم تأخّر الموضوع عن حكمه. وهو محاليّته أوضح من محاليّة تأخّر العلّة عن معلولها ، وذلك من جهة رجوع شروط الحكم إلى قيود موضوعه ، فإذا كان وجوب الحجّ مشروطا بالاستطاعة ، أو كان نجاسة العصير مشروطا بالغليان معناه أنّ موضوع وجوب الحجّ هو المكلّف المستطيع ، وموضوع النجاسة هو العصير المغلي.

وفيما نحن فيه موضوع ملكيّة الموصى له هو إنشاء الموصي المالك الجائز التصرّف له الملكيّة مع قبوله ، فقبوله من أجزاء موضوع الملكيّة ، فلا يعقل وجودها قبل وجود موضوعه بتمامه ، فلو لم يوجد جزءا وشرطا يسيرا منه محال أن يوجد حكمه ، وإلاّ يلزم الخلف.

وأمّا ما يقال : من أنّ ظاهر أدلّة الواردة في باب الوصيّة هو صيرورة الموصى به ملكا للموصى له بعد الموت بلا فصل ومن دون انتظار قبول الموصى له. والثمرة تظهر فيما إذا كانت للموصى به منفعة بعد الموت وقبل القبول فبناء على عدم دخل القبول تكون تلك المنفعة ملكا للموصى له ، وبناء على دخله لا بدّ وأن تكون في حكم مال الميّت بناء على عدم إمكان كون المال بلا مالك.

ففيه : أوّلا : أنّه لم تجد في الأخبار الصادرة عن الأئمّة الأطهار : في باب الوصايا ما يدلّ على انتقال الموصى به إلى الموصى له قبل قبوله وبمحض الموت ، وعلى فرض إن كان لا بدّ بالتزام أحد أمرين : إمّا تأويله وصرفه عن ظاهره ، وإمّا القول بعدم احتياج عقد الوصيّة إلى القبول مطلقا ، سواء كانت الملكيّة المنشأة متعلّقة بالعناوين العامّة ، أو كانت متعلّقة بالأفراد والأشخاص المعيّنة.

أو نقول بأنّ شرطيّة القبول من قبيل الشرط المتأخّر ، فيكون ملكيّة الموصى له للموصى به بمحض الموت ولكن مراعى بوجود القبول فيما بعد.

وما عدا الأوّل محلّ تأمّل بل نظر وإشكال.

هذا ، مضافا إلى ما تقدّم من أنّ حصول الملك القهري خلاف الأصل ، وله أسباب خاصّة ليس صرف إنشاء الموصي مع موته من أسبابها ، ولم يرد دليل على ذلك من‌ ناحية الشرع وربما ادّعى الإجماع في مسألتنا على العدم.

وممّا ذكرنا ظهر لك أنّ كلام صاحب الجواهر في هذا المقام بقوله : « لكن الإنصاف أنّه لولا دعوى الإجماع على خلافه لكان لا يخلو من قوّة » (14) ليس كما ينبغي وخال عن القوّة ، إذ عمدة مستندة في قوة هذا القول ، أي الانتقال إلى الموصى له بمحض الموت من دون الاحتياج إلى القبول ظهور أدلّة الوصيّة في ملك الموصى به للموصى له بمجرّد موت الموصي من دون الاحتياج إلى قبول الموصى له. وقد عرفت أنّه ليس هناك دليل يكون ظاهرا في هذا المعنى ، وعلى تقدير إن كان لا بدّ من تأويله ، أو الالتزام بما لا يجوز الالتزام به.

وأمّا توهّم أن يكون القبول هاهنا مثل الإجازة في باب الفضولي بناء على الكشف الحقيقي ، حيث أنّ الإجازة المتأخّرة ولو كانت بعد سنة تكشف عن الملكيّة السابقة حين العقد ، فالقبول المتأخّر عن الموت ولو كان بعد سنة يكشف عن الملكيّة السابقة أي بعد الموت بلا فصل.

ففيه : أوّلا : أنّ ما ذكر في باب الإجازة من الكشف الحقيقي هو باطل ومحال ، وقد حقّقنا المسألة في محلّها.

وثانيا : فرق واضح بين ما نحن فيه وما ذكروا هناك ، ففي هذا المقام بعد الفراغ عن لزوم القبول في عقد الوصيّة ، وأنّه بدونه غير تامّ ، وأنّه من أركان العقد مثل الإيجاب فلا يحصل الأثر قبل تماميّة الأثر ، وقع الكلام في أنّه هل تحصل ملكيّة الموصى به للموصى له بصرف الموت ، أو لا تحصل بمحض الموت منفردا بل لا بدّ من صدور القبول من الموصى له؟ وإلاّ لو قلنا بأنّ عقد الوصيّة يتمّ بصرف الإيجاب ولا يحتاج إلى القبول ، أو قلنا إنّها من الإيقاعات وليست من العقود ، فلا يبقى نزاع في البين بل تحصل بمجرّد الموت.

وأمّا في مسألة الفضولي ، فالكلام في أنّه بعد وجود العقد بجميع أركانه من الإيجاب والقبول وكونه واجدا لجميع شرائط العقد ، غاية الأمر إنّ هذا العقد صادر عن غير من هو أهل لذلك ، أي لا مالك ولا وكيل من قبله ولا ولي عليه ، فلا يشمل المالك خطاب {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]من جهة عدم انتساب العقد إليه وعدم اتصافه به ، فإذا أجاز يحصل هذا الانتساب والالتصاق ، فيتوهّم المتوهّم أنّ العقد الواقع سابقا الذي كان سببا تامّا للنقل والانتقال ولم يكن فيه نقص إلاّ الانتساب ، فإذا حصل الانتساب بواسطة الإجازة المتأخّرة يؤثّر العقد من زمان وجوده.

وهذا الكلام وإن كان باطلا ولكن في بادئ النظر يمكن أن ينخدع السامع أو الناظر ويقول بإمكانه بخلاف المقام ، فإنّ كلام من يقول بحصول الملكيّة بمجرّد الموت صريح في جواز وجود المسبّب قبل وجود السبب بتمام أجزاءه ، وهذا ممّا ينكره العقل السليم ، فالقياس ليس في محلّه وإن كان المدّعى في المقيس عليه أيضا باطل.

وخلاصة الكلام : أنّه بناء على تركّب عقد الوصيّة من الإيجاب والقبول لا يبقى مجال للقول بحصول الملكيّة بمحض موت الموصي قبل أن يقبل الموصى له.

ثمَّ إنّه بناء على ما ذكرنا من عدم انتقال الموصى به إلى الموصى له قبل الفوت بصرف موت الموصي ، فيأتي سؤال وهو أنّ ما أوصى به لمن يكون في الزمان الفاصل بين الموت والقبول؟ وأنّه هل يبقى بلا مالك أم يبقى في حكم مال الميّت هو ومنافعه؟ أم ينتقل إلى الوارث موقّتا متزلزلا ومراعى إلى أن يقبل أو يردّ ، فإن قبل ينتقل إليه ، وإن ردّ يستقرّ الملك للورثة ويخرج عن كونه وصيّة؟

ولكلّ واحد من هذه الاحتمالات الثلاث وجه.

أمّا وجه الأوّل : فلعدم صحّة الاحتمالات الآخر ، فلا يبقى إلاّ احتمال الأوّل. أمّا عدم صحّة بقائه في حكم مال الميّت لأجل عدم قابليّة الميّت لأن يكون مالكا.

وأمّا‌ عدم صحّة انتقاله إلى الورثة لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [النساء: 11] .

وأمّا وجه الثاني : أي بقاء المال في حكم مال الميّت هو عدم إمكان بقاء المال بلا مالك لما سيجي‌ء ، وعدم انتقاله إلى الورثة لما ذكرنا من الآية الشريفة ، فقهرا يبقى في حكم مال الميّت.

وأمّا وجه الثالث : ـ أي الانتقال إلى الورثة موقّتا متزلزلا ومراعى إلى أن يقبل فينتقل إلى الموصى له ، أو يردّ فيستقرّ في ملك الورثة ـ هو عدم صحّة الوجه الأوّل والثاني كما عرفت.

والأظهر من هذه الاحتمالات ـ بناء على كون قبول الموصى له جزءا للعقد والسبب ـ هو أن يبقى على حكم مال الميّت ، فإن قبل الموصى له فيما بعد ينتقل إليه حسب الوصيّة ، وإن ردّ ينتقل إلى الورثة.

وذلك من جهة أنّ انتقاله إلى الورثة وإن كان مراعى وموقّتا إلى أن يقبل خلاف أدلّة الوصيّة وخلاف الآية الشريفة ، أي قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) وكونه بلا مالك معناه أن يكون لكلّ أحد التصرّف فيه ، لأنّ المفروض عدم مالك في البين كي يكون التصرّف بدون إذنه وطيب نفسه ممنوعا ، ويكون كالمباحات الأصليّة ، فلا بدّ من القول ببقائه على حكم مال الميّت.

وله نظائر : منها : شبكة الصيد الذي ينصبه الميّت في حال حياته ، فيقع فيه الصيد بعد موته.

ومنها : الدية في الجنايات التي تردّ على الميّت.

ومنها : مئونة تجهيزه ، ومنها ما يقضي به دينه من التركة.

فرع : وقع الكلام في أنّه لا بدّ وأن يكون القبول بعد الوفاة ، أو يصحّ أن يكون في حال حياة الموصي ويتمّ به العقد؟ بعد الفراغ عن لزوم القبول في عقد الوصيّة ـ وأنّه أحد ركني العقد إلاّ فيما إذا كانت الوصيّة تمليك عنوان عامّ كالعلماء والسادات أو كانت في مصلحة المسجد أو قنطرة أو رباط ينزل فيه المسافرين والحجاج والزوّار ـ وقع الكلام في أنّه لا بدّ وأن يكون القبول بعد الوفاة ، أو يصحّ أن يكون في حال حياة الموصي ويتمّ به العقد؟

قال في الشرائع : ولو قبل قبل الوفاة وبعد الوفاة آكد وإن تأخّر القبول عن الوفاة ما لم يرد (15).

وقال في القواعد ، بعد قوله : ويفتقر إلى إيجاب وقبول بعد الموت ولا أثر له لو تقدّم (16).

وقال في جامع المقاصد في توجيه كلام العلاّمة لأنّ الإيجاب في الوصيّة إنّما تعلّق بما بعد الوفاة لأنّها تمليك بعد الموت ، فلو قبل قبل الموت لم يطابق القبول الإيجاب (17).

ولكن أنت خبير بضعف هذا التوجيه ، لأنّ القابل يقبل ما أنشأه الموجب ، فيقبل في المفروض ملكيّته بعد الموت التي أنشأها الموصي ، فزمان إنشاء القبول وإن كان في زمان حياة الموصي ولكن المنشأ بهذا القبول هو التملّك بعد الموت ، والمناط في مطابقة القبول والإيجاب هو أن يكون القبول هو قبول نفس ما أنشأه الموجب من غير زيادة ولا نقيصة.

مثلا لو أنشأ الموجب تمليك الغنم الأبيض والقابل أنشأ قبول الغنم الأسود ، فلا تطابق بين القبول والإيجاب ، لأنّه أنشأ شيئا والقابل قبل شيئا آخر ، واتّحاد زماني الإيجاب والقبول ليس شرطا في العقود ، بل دائما يكون القبول متأخّرا عن الإيجاب ، بل لا يصدق المطاوعة والقبول إلاّ بعد تحقّق الإيجاب.

ثمَّ قاس المقام بأن يبيع ما سيملكه في عدم جوازه.

أنت خبير بأنّ المقام ليس من ذلك القبيل.

أمّا أوّلا : فلأنّ المقيس عليه يمكن أن يكون باطلا من جهة النهي عن بيع ما ليس عنده ، ولا شكّ في أنّ الذي سيملكه مضافا إلى أنّه يمكن أن لا يملكه لحادث من الحوادث حال البيع لا يملكه فيصدق عليه أنّه من بيع ما ليس عنده ، بخلاف المقام فإنّه يملكه وله السلطنة على ماله ، فيملّكه بحيث ينتقل إلى الموصى له بعد وفاته ، وهذا ليس مانع شرعي ولا عقلي.

وثانيا : ليس له السلطنة على مال الغير كي يبيعه ، لأنّه لا مالك حال البيع ، ولا وكيل من قبل المالك ، ولا ولي عليه فهو أجنبي عن هذا المال.

وثالثا : حقيقة البيع هو تبديل ماله بمال الغير ، وهذا هو معنى المعاوضة عند العرف ، والذي سيملكه ليس له مال فعلا قبل أن يملكه كي يبدّل بمال الغير ، فهذا القياس ليس في محلّه.

وأمّا ما قاله من أنّ القبول إمّا كاشف أو ناقل وجزء السبب ، وكلاهما منتفيان هنا.

أمّا أنّه ليس بكاشف ، لأنّ معنى الكاشف هو تحقّق الملكيّة في مقام الثبوت قبل القبول كي يكون القبول كاشفا عنها ، وفي المقام لا يمكن ذلك من جهة أنّ الملكيّة التي أنشأها الموصي هي بعد الموت ، ففي حال الحياة لا يمكن وجودها وثبوتها ، فلا يمكن أن يكون القبول كاشفا.

وأمّا أنّه ليس بناقل ، لأنّ معنى الناقل هو أن يكون بوجوده ينتقل الملك إلى الموصى له ، وهاهنا لا يمكن انتقال المال إلى الموصى له في زمان القبول الذي هو في حال الحياة ، لأنّ الملكيّة المنشأة بعد الوفاة لا يمكن أن توجد قبلها.

ففيه : أنّ القبول جزء السبب ، والسبب عبارة عن الإيجاب والقبول ، ولكن تأثير هذا السبب مشروط بشرط وهو الموت ، بل مفاد هذا السبب هي الملكيّة بعد الموت ، فتأخّر وجود المسبّب عن السبب ليس لتخلّفه عنه ، بل مفاد السبب هي الملكيّة المتأخّرة.

وذلك كما أنّ الإجارة يصحّ أن يكون فيها زمان ملكيّة المنفعة متأخّرا عن زمان عقدها إجماعا ـ أي من زمان إيجابها وقبولها ـ فليكن في الوصيّة أيضا كذلك ، فظهر أنّه لا مانع من تأثير القبول حال الحياة في تماميّة العقد وصحّته ، وإن كان المنشأ بالعقد لا يوجد إلاّ بعد الوفاة.

ثمَّ إنّه استشكل جامع المقاصد (18) أيضا على تأثير القبول حال حياة الموصي بأنّه لو كان القبول قبل الوفاة مؤثّرا لكان ردّه أيضا مؤثّرا ، والمشهور ذهبوا إلى عدم تأثير الردّ في حال الحياة.

وفيه : أنّ تأثير القبول في حال الحياة من جهة وقوعه بعد الإيجاب وهما ركنا العقد ، فإذا وجد الركن الأوّل في محلّه وصحيحا فتصل النوبة إلى الركن الثاني أي القبول ، ويقع في محله من جهة أنّه مطاوعة ذاك الإيجاب.

وأمّا عدم تأثير الردّ من جهة أنّ الوصيّة تمليك مال أو منفعة بعد الوفاة ، فالمناط في ردّه هو الردّ في ظرف وقوع التمليك ، فإذا لم يكن تمليك في البين فلا أثر للرّد مع قبوله في ظرف التمليك.

نعم لو ردّ في حال الحياة وبقي رادّا مستمرّا إلى ما بعد الوفاة يؤثّر الردّ. والحاصل : أنّه لا ملازمة بين تأثير القبول وتأثير الردّ.

وأمّا ما أورد على تأثير القبول في حال حياة الموصي بأنّه لو كان كذلك لما كان يعتبر قبول الوارث ولا ردّه لو مات الموصى له قبل موت الموصي وقد قبل أي الموصى‌ له وذلك لأنّه لو كان الموصى له قبل الوصيّة في حال حياة الموصي وكان قبوله مؤثّرا فتصير الوصيّة ملكا للموصى له بمحض موت الموصي ، لحصول أركان العقد من الإيجاب والقبول ، والشرط ـ أي موت الموصي ـ أيضا حصل على الفرض ، فلا يحتاج الى قبول الوارث ويلزم أن لا يؤثر ردّه ، لأنّ سبب ملكيّة الوصيّة مع الشرط حصل ، فلا يحتاج إلى شي‌ء آخر.

وفيه : أنّ هذا كلام عجيب ، لأنّ الشرط حصل في وقت ليس الموصى له قابلا لأن يملك الموصى به ، لأنّ المفروض أنّه ميّت حال حصول الشرط وليس قابلا لأن يملك فينتقل إلى ورثته ، فلا يحتاج إلى قبولهم.

ومقتضى القواعد الأوّليّة هو أنّه لو قلنا بأنّ الميّت يملك ، فلو مات الموصى له في حال حياة الموصي وقد قبل فيملك الموصى به وينتقل إلى ورثته ، ولا يحتاج إلى قبولهم. وإن قلنا بأنّه لا يملك فيرجع المال بعد موت الموصي إلى ورثته لا إلى ورثة الموصي له ، سواء قبلوا أو لم يقبلوا.

لكن وردت روايات أنّ الموصى له لو مات في حياة الموصي يعطى المال ورثة الموصي بدون اشتراط قبول من طرفهم في البين ، وقد عقد بابا في الوسائل بعنوان أنّ الموصى له إذا مات قبل الموصي ولم يرجع في الوصيّة فهي لوارث الموصى له ، وفيه روايات :

منها : رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب ، فتوفّي الموصى له الذي أوصى له قبل الموصي ، قال عليه السلام : الوصيّة لوارث الذي أوصى له. قال : ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفّي الموصى له قبل الموصي فالوصيّة لوارث الذي أوصى له إلاّ أن يرجع في وصيّته قبل موته » (19) ‌.

ومنها : رواية عبّاس بن عامر قال : سألته عن رجل أوصى له بوصيّة ، فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا ، قال : « اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه » قلت : فإن لم أعلم له وليّا؟ قال : « اجهد على أن تقدر له على وليّ ، فإن لم تجد وعلم الله منك الجدّ فتصدق بها » (20).

ومنها : رواية محمّد بن عمر الباهلي الساباطي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى إليّ وأمرني أن أعطى عمّاله في كلّ سنة شيئا فمات العمّ ، فكتب : « أعط ورثته » (21).

وهذه الروايات لها إطلاق من ناحية قبول الموصى له في حياة الموصي وعدم قبوله ، بل ربما يستظهر من رواية محمّد بن قيس عدم قبول الموصى له في حال حياة الموصي لفرض المسألة فيما إذا أوصى لرجل وهو ـ أي الموصى له ـ غائب ، ففي مثل هذا المورد قضى عليه السلام بأنّ الوصيّة لوارث الموصى له إن مات هو في حياة الموصي ، وذيل الرواية مطلق من ناحية قبول الموصى له وعدم قبوله. وعلى أيّ حال مقتضى القاعدة ما ذكرنا.

فرع : لو مات الموصى له قبل أن يقبل ، فتارة يكون موته في حياة الموصي ، وأخرى بعد موته. فإن كان بعد موته ، فلا شكّ في أنّ وارثه يقوم مقامه في أنّ له القبول والردّ ، لأنّ هذا حقّ له ، وما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه ، فيكون للوارث حقّ القبول والردّ. وإنكار كون قبول الوصيّة وردّها حقّا للموصى له مكابرة ، إذ الحقّ عبارة عمّا هو مجعول شرعا رعاية لذي الحقّ ، بحيث يكون له إسقاطه أو أعماله أو عدم إعماله.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ القابلية للإسقاط خاصّة شاملة للحقّ بحيث عرّف به فيقال : الحقّ هو ما كان قابلا للإسقاط ، وهاهنا كون القبول للموصى له ليس قابلا للإسقاط ، فلو قال الموصى له : أسقط حقّ هذا ، لا يسقط. فليس مالا ولا حقّا كي يرثه الوارث. فإذا مات الموصى له يكون حال الوارث بالنسبة إلى هذه الوصيّة حال الأجانب ، وبناء على هذا يكون القبول وعدمه من الأفعال التكوينيّة التي مباح للموصى له ، وقد يعرض عليه سائر الأحكام الخمسة التكليفيّة. هذا ممّا يمكن أن يقال.

ولكن فيه نظر واضح ، لأنّ كون القبول حقّا شرعيّا أمر واضح ، فإن لم يكن قابلا للإسقاط فليست الخاصّة شاملة بحيث تشمل جميع أفراد الحقّ ، وعلى كلّ حال يقوم الوارث مقام مورّثه في إعمال هذا الحقّ فتكون الوصيّة له.

وأمّا إن كان موت الموصى له في حال حياة الموصي ، فإن قلنا إنّ حقّ القبول والردّ ثابت للموصى له حتّى في حال حياة الموصي ، فيكون الحكم مثل الصورة السابقة ، لأنّه ينقل هذا الحقّ بعد موت الموصى له إلى وارثه. وأمّا إن قلنا بأنّ قبول الموصى له في حال حياة الموصي وكذلك ردّه لا أثر له ، فيكون لغوا ، أي لا حقّ له ، فليس للإرث موضوع فيكون الوارث أجنبيا ، ولا مجال للقول بأنّه يقوم مقامه في القبول والردّ.

نعم مقتضى إطلاق رواية محمّد بن قيس المتقدّمة في الفرع السابق وروايات أخر أنّ الوصيّة للوارث ، سواء قبل الموصى له في حياته أو لم يقبل.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق تلك الروايات أنّ الوصيّة تعطي للوارث من دون الاحتياج إلى قبوله ، اللهم إلاّ أن يدّعى الإجماع على لزوم القبول من الوارث ، كما يظهر من بعض عباراتهم. وحكى في الجواهر (22) عن كشف الرموز (23) ما يقرب من ذلك.

فرع : لو ردّ الموصى له في حياة الموصي فهل تبطل الوصيّة كما لو ردّها بعد موت الموصي ، أم لا‌ فيجوز له القبول بعد الردّ كما هو المشهور؟

والعمدة في دليلهم هو أنّ محلّ القبول والردّ بعد وفاة الموصي ، لأنّ الوصيّة عبارة عن إنشاء ملكيّة مال أو منفعة للموصى له بعد وفاته ، فالإنشاء في حال حياة الموصي ولكن ظرف تحقّق المنشأ على حسب الإيجاب هو بعد وفاة الموصي ، وأمّا في حال حياته فلم يجعل له شي‌ء فلا موضوع لا للردّ ولا للقبول ، فلو ردّ في حال حياة الموصي لا يؤثّر في شي‌ء بل القبول هو الذي يقع في ظرف هو ظرف الردّ والقبول.

ولعلّ ما ذكرنا هو مراد المحقّق حيث قال في الشرائع : فإن ردّ في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته ، إذ لا حكم لذلك الرّد (24).

هذا إذا كان الردّ في حال حياة الموصي ، وأمّا إن كان ردّه بعد موت الموصي وكان ردّه هذا قبل أن يقبل ، فتبطل الوصيّة ولا يبقى موضوع للقبول فيما بعد. وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد.

والسرّ في عدم تأثير القبول بعد الردّ هو أنّ العقد والمعاهدة بين شخصين لا يمكن إلاّ بتعهّد الموجب والتزامه بما أوجب في قبال تعهّد الآخر بشي‌ء أو أمر ، وإلاّ لا يقع‌ العقد.

وهذا إذا لم يكن ردّ ولا قبول ، وأمّا إذا ردّ فلا يحتمل إبقاء العقد والعهد بينهما إلاّ إذا وقع إنشاء وإيجاب جديد كي يكون القبول قبول ذلك الإيجاب الجديد.

وأمّا إن كان ردّه بعد وفاة الموصي وبعد أن قبل بعد الوفاة الموصي وبعد قبض الوصيّة أيضا ، فمثل هذا الردّ لا أثر له ، لأنّه بالقبول والقبض بعد موت الموصي يستقرّ الملك للموصى له ، ولا يخرج إلاّ بالأسباب المخرجة شرعا كبيع أو هبة أو صلح أو غير ذلك من المخرجات.

نعم وقع الكلام فيما إذ ردّ بعد القبول بعد موت الموصي ولكن كان ردّه قبل أن يقبض الوصيّة ، بمعنى أنّ الموصى له بعد موت الموصي قبل ، ثمَّ ردّ قبل أن يقبض ، فقيل : تبطل الوصيّة ، وقيل : لا تبطل ، وهو الأظهر ، لوجوه :

أوّلا : لكونه مشهورا بين الطائفة ، بل قيل كاد أن يكون إجماعا.

وثانيا : إنّ العقد بكلا ركنية وجد وتمَّ ، ولم يكن شرط في البين غير موجود ، فالنتيجة وهو استقرار الملك للموصى له حصلت ، فلا وجه للبطلان.

وثالثا : لم يدلّ دليل من آية أو رواية أو إجماع على أنّ القبض شرط في صحّة الوصيّة.

فرع : لو ردّ الموصى له بعضا وقبل بعضا ممّا أوصى له صحّ فيما قبله وتبطل فيما ردّه‌ ، خصوصا فيما إذا كان كلّ واحد ممّا يقبل ويردّ له وجود مستقلّ غير مربوط بالآخر ، مثلا لو أوصى بداره وبستانه لشخص ، فبعد وفاته واطّلاع الموصى له قبل الدار وردّ البستان أو بالعكس ، صحّ فيما قبل وبطل فيما يردّ إعطاء لكلّ واحد منهما حقّه.

وقال في جامع المقاصد : وليست الوصيّة كالبيع ونحوه يجب فيها مطابقة القبول‌ للإيجاب ، لأنّها تبرّع محض ، فلا يتفاوت الحال فيها بين قبول الكلّ والبعض (25).

وحاصل كلامه : أنّها ليست من المعاوضات ـ كي يقال بأنّه قصد تبديل الكلّ بعوض كذا ، وأمّا تبديل مقدار منه جزءا أو كسرا مشاعا مثل نصفه أو ثلثه بمقدار من العوض فليس بمقصود أصلا ـ بل قصد تمليكه لهذا المجموع بلا عوض ، وحيث أنّ التملك قهرا وبدون قبوله ورضاه لا يمكن إلاّ بأسباب خاصّة وفي موارد مخصوصة كالإرث وغيره ، فيحتاج إلى القبول ، فأيّ مقدار منها قبل يصير ملكه ، وأيّ مقدار لم يقبل يبقى على ملك الموصي ، سواء كان ذلك المقدار الذي يقبله موجودا مستقلا غير مربوط بالآخر الذي لم يقبله ، أو كان جزءا للوصيّة أو كسرا مشاعا لها.

فلو قال : كتبي لزيد مثلا بعد وفاتي ، فقبل بعضا معيّنا منها أو كسرا مشاعا مثل النصف أو الثلث أو الربع منها ، صحّ في الكل. هذا ما ذكروه.

حتّى أنّه ذكر في جامع المقاصد في هذا المقام بعد قوله « بأنّ الوصيّة صحّ فيما قبل وبطل فيما ردّ » : ولم ينظر إلى التضرّر بالشركة لو كان الموصى به شيئا واحدا (26) فحكمهم بالصحّة فيما قبل والبطلان فيما يردّ مطلق شامل لجميع الأفراد ، سواء كان الموصى به متعدّدا أو كان شيئا واحدا ، كان قابلا للقسمة أو لم يكن كفصّ من عقيق أو من ياقوت أو من غيرهما.

ولكن الإنصاف أنّه لو كان الموصى به مركّبا من أجزاء أو من جزئين ، بحيث يكون بعض أجزائه أو أحد جزئية لو انفصل لم يبق قيمة معتدّ للباقي منها أو منهما ، مثل ما لو أوصى بساعة فقبل الموصى له بعض أجزائها التي من أركانها وردّ الباقي في الفرض الأوّل ، أو أوصى حذاء لشخص فقبل النعل الذي للرجل الأيمن مثلا وردّ الآخر في الفرض الثاني ، فالقول بصحّتها فيما قبل وبطلانها فيما ردّ لا يخلو من تأمّل بل‌ من إشكال.

فرع : لا تصحّ الوصيّة في معصية بأن يصرف المال الموصى به في الملاهي أو شرب الخمر مثلا‌ ، أو يصرفه الوصي في سائر المحرّمات مثل تأييد ظالم ومساعدته في ظلمة وكتابة كتب الضلال طبعها ونشرها ، مثل ما يسمّى الآن توراة وإنجيل ، لأنّهما حرّفا وغيرا وفيهما أشياء توجب الضلال ، وكتب البابيّة والبهائيّة ، وبعض كتب العرفاء والصوفيّة المشتملة على العقائد الفاسدة والمطالب الباطلة ، مثل ادّعاء الحلول أو الاتّحاد مع الله تعالى جلّ جلاله ، تعالى الله عمّا يدّعون ويصفون.

وخلاصة الكلام : أنّه لا تصحّ الوصيّة بفعل محرّم أو صرف ماله في أمر محرّم لوجوه :

الأوّل : الإجماع.

الثاني : أنّ تنفيذ مثل هذه الوصيّة غير مقدور ، لأنّ الممتنع شرعا مثل الممتنع عقلا ، لنهي الشارع عن العمل بمثل هذه الوصيّة.

الثالث : أنّها إعانة على الإثم ، بل هي بنفسها إثم. أمّا إنّها إعانة على الإثم لأنّ الإعانة على الإثم عبارة ، عن إيجاد مقدّمة من مقدّمات الحرام الصادر عن الغير بقصد ترتّب ذلك الحرام عليها ، ولا شكّ في أنّ هذه الوصيّة من مصاديق هذا العنوان ، إذ مقصوده منها وجود ذلك الحرام.

أمّا كونها بنفسها إثما فلأنّه لا شكّ في أنّ بذل المال في الحرام حرام وإثم وإن لم يكن بمباشرته.

الرابع : قوله تعالى {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 182] ودلالة الآية على المراد في المقام مبنى على أن يكون‌ المقصود من قوله تعالى ( أَوْ إِثْماً ) الوصيّة بالمعصية ، ويكون استثناء عن حرمة التبديل والتغيير ، أي لا يجوز تبديل الوصيّة وتغييرها إلاّ إذا كانت وصيّة بالمعصية ، فتكون الآية بناء على هذا ظاهرة في عدم جواز الوصيّة بالمعصية وفي عدم صحّتها.

ويدلّ على أنّ المراد من الآية هذا المعنى ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير هذه الآية قال عليّ بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : « إذا أوصى الرجل بوصيّة فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصية يوصى بها ، بل يمضيها على ما أوصى إلاّ أن يوصى بغير ما أمر الله فيعصي في الوصيّة ويظلم ، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضا ، فالوصي جائز له أن يردّه إلى الحقّ وهو قوله تعالى ( جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض ، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر ، فيحلّ للوصي أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك » (27).

فرع : عقد الوصيّة جائز من طرف الموصي ، سواء كانت الوصيّة بمال أو كانت عهديّة‌ مثل أن يجعل شخصا وليّا وقيّما على صغاره ، أو يوصي بدفنه في مكان كذا وأمثال ذلك من الوصايا ، فللموصي الرجوع في وصيّته متى شاء وما دام حيّا.

والدليل عليه : أنّ الموصي ما دام حيّا لا ينتقل المال إلى الموصى إليه وإن قلنا بجواز القبول في حال حياة الموصي وقد تقدّم هذه المسألة ، فالمال ماله ولم يخرج عن تحت سلطنته والناس مسلّطون على أموالهم.

وأصالة اللزوم في العقود لا تشمله ، إمّا لأنّ محلّ القبول بعد موت الموصي وقبله لا قبول فلا عقد ، وإمّا لأنّه وإن كان عقدا ويصحّ من الموصى له القبول ولكن هو خارج عن تحت تلك القاعدة بالإجماع ، أو بورود روايات تدلّ على جواز رجوع‌ الموصي في وصيته ما دام فيه الروح ، في صحّة كان أو مرض.

منها : رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنّ المدبّر من الثلث ، وأنّ للرجل أن ينقض وصيّته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت » (28).

ومنها : رواية يونس عن بعض أصحابه قال : قال عليّ بن الحسين عليه السلام : « للرجل أن يغيّر وصيّته فيعتق من كان أمر بملكه ويملك من كان أمر بعتقه ، ويعطي من كان حرمه ، ويحرم من كان أعطاه ما لم يمت » (29).

وفي الوسائل أنّ الصدوق روى هذه الرواية إلاّ أنّه زاد في آخره : « ما لم يكن رجع عنه » (30).

منها : رواية عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « للموصي أن يرجع في وصيّة إن كان في صحّة أو مرض (31) وروايات أخر (32).

وبعد الفراغ عن أنّها عقد جائز من طرف الموصي وله أن يرجع فيه ما دام حيّا ، يتحقّق الرجوع بالقول وبالفعل.

فالأوّل : أمّا قول الصريح في الرجوع كقوله :

رجعت في الوصيّة الفلانيّة أو نقضتها أو فسختها ، أو يقول : لا تعطوا فلانا ما أوصيت له به ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي صريحة في نقض وصيّته وفسخها.

وإمّا ما يكون له ظهور عرفي في الرجوع ولو بتوسّط القرينة مثل أن يقول للدلاّل : اجعله في معرض البيع.

والثاني : إمّا بفعل ما يخرجه عن ملكه إمّا شرعا ، كنقله بأحد النواقل الشرعيّة إلى الغير ، مثل أن يبيع العين الموصى بها أو يهبها أو يصالح عليها أو يقرضها أو يخرجها عن ملكه بأن يعتقها أو يوقفها ، ففي جميع ذلك لا يبقى محلّ ومجال لكونها وصيّة ، لأنّ الوصيّة عبارة عن كون المال الموصى به باقيا تحت سلطنته وفي ملكه إلى زمان الموت ، ثمَّ بالموت منضمّا إلى قبول الموصى له يصير ملكا له فلو نقل إلى غيره شرعا أو وقع عليه التلف بإتلاف أو تلف سماوي لا يمكن بقاؤه وصية.

وخلاصة الكلام : أنّ عقد الوصيّة جائز من طرفه ، فله الرجوع ما دام فيه الروح ، سواء كان بالقول أو بالفعل. وإذا كان بالقول لا بدّ وأن يكون له ظهور عرفي في الرجوع وإن كان بواسطة القرينة ، وذلك لحجّية الظهورات في الكشف عن المراد.

وأمّا إن كان بالفعل ، فتارة بإعدام الموضوع حقيقة وهو إمّا بإتلاف تكوينا أو بنقله بأحد النواقل شرعا إلى غيره ، وأخرى جعله في معرض البيع وإن لم يبع فعلا ولكن وضعه في السوق في دكّانه كسائر الأجناس التي في معرض البيع ، وثالثة يكتب إعلان ويعلق أنّ الدار الفلانيّة في معرض البيع وقد كان أوصى بها لشخص.

ثمَّ إنّ الرجوع تارة يكون في أصل الوصيّة ، وأخرى في بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاّ أم بعضا مثل إن كانت وصيّته أن يعطى داره لولده الأكبر مثلا ، فغيّر الموصى به وجعله بستانه أو دكّانه مثلا ، هذا في تبديل الكلّ.

وأمّا تبديل البعض بأن كانت وصيته إعطاء كتبه لولده الفلاني مطبوعا ومخطوطا ، ثمَّ يغيّر ويستثنى المخطوط ويجعل بدله ألبسته أو فراشه.

وأمّا التبديل في الموصى له فهو أن يجعل أوّلا ولده الأكبر مثلا ، ثمَّ لجهة من الجهات يبدّله بولده الآخر أو شخصا أجنبيا.

وأمّا التبديل في الوصي ، مثل أن جعل زيدا وصيّة ثمَّ يبدو له ويجعله عمروا ، أو يشرك عمرا معه بعد إن كان مستقلا ومنفردا. وكلّ ذلك جائز له ، لأنّها عقد جائز من طرفه وله السلطنة على ماله.

وأمّا التبديل في وليّ أطفاله وصغاره ، مثل أن يجعل أوّلا زيدا وليّا عليهم ، ثمَّ يبدو له ويبدّل ويجعله عمروا ، أو يشركه مع زيد في الولاية.

والحاصل : أنّ الموصي إلى آخر لحظة من حياته له السلطنة التامّة على وصيّته ، من حيث ما اوصى به ، ومن أوصى له ، ومن أوصى إليه ، فله التغيير والتبديل في جميع ذلك أصلا أو زيادة أو نقيصة.

بقي شي‌ء : وهو أنّه في بعض الموارد صار محلا للشكّ في أنّه رجوع أم لا؟

أمّا حكم الشكّ لو استقرّ ولم يوجد دليل على أنّه رجوع أو ليس برجوع فاستصحاب عدم تحقّق الرجوع وبقاء الوصيّة.

وأمّا موارد الشكّ ، فمنها : لو تصرّف في الموصى به تصرّفا أخرجه عن مسمّاه ، كما لو أوصى بطعام لزيد فطحنه ، أو بدقيق فعجنه أو خبزه ، فربما يقال ببطلان الوصيّة وصدق الرجوع عليه ، لأنّه من قبيل إعدام الموضوع ولم يبق موضوع لما أوصى به.

ولكن يمكن أن يقال : إذا تعلّقت بالطعام الخارجي والدقيق كذلك ، فالموضوع لما أوصى هذا الجسم الخارجي من حيث أنّه غذاء للموصى له ولعياله ، فطحنه ربما يكون أفيد بالنسبة إلى هذه النتيجة والغرض ، فكأنّه إحسان آخر إلى الموصى له ، وتغيّر الاسم من كونه حنطة إلى كونه دقيقا وكذلك من كونه دقيقا إلى كونه عجينا أو خبزا لا يضرّ بكونه وصيّة.

نعم لو كان هناك قرينة على رجوعه بهذا الفعل عن وصيّة ، فلا بأس بالقول به ، لما‌ قلنا من حجّية الظهورات والمتفاهم العرفي ولو كان بتوسّط القرائن الحاليّة أو المقاليّة. مثلا لو كان الموصي خبّازا ومرض ، فأوصى بإعطاء الحنطة الموجودة عنده لولده أو لأخيه ، فبرء وطحنه ثمَّ قبل أن يخبزه مات فجأة ، فالإنصاف أنّ فعله في هذا الفرض ظاهر في الرجوع ، كما أنّه لو قال : اطحنوه ولكن هناك قرائن على أنّه يريد بذلك الفعل مساعدة أخيه الضعيف لكي يسهل عليه الأمر ، فيدلّ هذا على بقاء الوصيّة وعدم الرجوع.

الأمر الثاني

في الموصي :‌

فرع : يعتبر في الموصي البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والرشد ، والحرّية‌ ، لاعتبار هذه الأمور في جميع المعاملات إجماعا ، مضافا إلى أدلّة أخرى مذكورة في كتاب البيع.

أمّا البلوغ : فلأنّ الصبي غير البالغ مسلوب العبارة ، فلا اعتبار بإنشائه كسائر معاملاته ، سواء كانت من المعاوضات أو كانت من الهبات والعطايا.

نعم وردت روايات في صحّة وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا وإن لم يحتلم ، وفي بعضها صحّة وصيّته وإن لم يدرك ومطلق من حيث مقدار السنّ ، وفي بعضها صحّة وصيّته إن بلغ سبع سنين ، ولكن أكثر الروايات الواردة في هذا الباب تقيّد صحّة وصية الغلام ببلوغه عشر سنين.

فمنها : رواية محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام ، ولم يجز للغرباء » (33).

وهذه الرواية تدلّ على صحّة وصيّة غير البالغ مطلقا ، سواء بلغ عشرا أو لم يبلغ ، ولكن مقيّد من حيث الموصى له بأن يكون لذوي الأرحام ولا يكون للغرباء.

ومنها : رواية أبي بصير ـ يعني المرادي ـ عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته » (34). وهذه الرواية قيّد صحّة وصيته بأمور : بلوغه عشرا ، وكون وصيّته في حقّ ، أي لا يكون في الباطل والمحرّمات ، وأيضا يكون وصيته بثلث ماله لا أزيد.

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته » (35).

ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز » (36).

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته » (37).

ومنها : رواية أبي بصير وأبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين‌ يوصى؟ قال : « إذا أصاب موضع الوصيّة جازت » (38).

ومنها : رواية حسن بن راشد عن مولانا العسكري عليه السلام : « إذا بلغ الغلام ثماني سنين ، فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمَّ للجارية سبع سنين فكذلك » (39).

والرواية الأخيرة ظاهرة في حصول البلوغ للذكر بثمانية وللأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأمور ، سواء كانت في المعاملات والمعاوضات أو من العبادات بل مطلق الفرائض ، أو كانت من الحدود فتجري في حقّهما.

ولا شكّ في أنّ بلوغ الذكر بثمانية والأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأحكام الشرعيّة في المعاملات والفرائض والحدود مخالف لإجماع المسلمين بل لضرورة من الدين ، فهذه الرواية شاذّة لم يعمل بها أحد فيجب أن يطرح. وكذلك ذيل رواية أبي بصير المتقدّم « وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته » لم يعمل به ، فهو مطروح.

وأمّا سائر الروايات الواردة في هذا الباب وان كان بعضها مطلقة ، كرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال عليه السلام في ذيله : « وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته » ولكن لا بدّ من تقييدها بما إذا كانت وصيّته في وجوه المعروف والبرّ ، ولعلّ هذا هو المراد من قوله عليه السلام : « أو أوصى على حدّ معروف وحقّ ».

وكذلك لا بدّ من تقييدها بما إذا كان عاقلا بصيرا ، ولعلّ هذا هو المراد بقوله عليه السلام في رواية أبي بصير وأبي أيّوب : « إذا أصاب موضع الوصيّة جازت ».

فالمتحصل من مجموع هذه الروايات بعد إرجاع مطلقاتها إلى مقيّداتها هو صحّة‌ وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا في وجوه البرّ والمعروف إذا كان عاقلا وبصيرا ، وهذا المعنى بعد طرح رواية حسن بن راشد ، لإعراض الأصحاب بل المسلمين عنها ، مضافا إلى ضعف سندها ومخالفتها للأخبار الصحيحة الصريحة ، وبعد طرح رواية أبي بصير التي تقدّمت وكان مفادها جواز وصيّة ابن سبع سنين إذا كان أوصى بالمال اليسير في حقّ ، لشذوذها ومخالفتها للإجماع.

وقال في المسالك : وابن إدريس ; سدّ الباب واشتراط في جواز الوصيّة البلوغ كغيرها (40) ، ونسبه الشهيد في الدروس إلى التفرّد بذلك ، ثمَّ قال : ولا ريب أنّ قوله هو الأنسب ، لأنّ هذه الروايات التي دلّت على الحكم وإن كان بعضها صحيحة إلاّ أنّها مختلفة بحيث لا يمكن الجمع بينها ، فإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل (41).

ولكن الإنصاف أنّ إنكار مثل هذا الحكم الذي هو مشهور بين الأصحاب ـ بل في الغنية (42) دعوى الإجماع عليه مع وجود هذه الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة ـ وعدم الاعتناء بهذه الأخبار والأقوال أشكل.

مضافا إلى ما تقدّم منّا من إمكان الجمع العرفي بسهولة.

وقال في جامع المقاصد بعد إقراره بأنّ الروايات الدالّة على جواز وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا كثيرة : والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز (43).

ويردّه ما تقدّم ذكره ، والله العالم.

فرع : لو جرح الموصي نفسه عمدا بما فيه هلاكها ، أي نوى قتل نفسه فأوجد السبب ، سواء كان بالجرح بآلة قتّالة أو بشرب السمّ أو غير ذلك ، لم تصحّ وصيّته إذا كانت في ماله. وأمّا إذا كانت في غير ماله كتجهيزه ودفنه في موضع كذا ، فالظاهر صحّته ، لصحيحة أبي ولاّد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها ». قلت له : أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمَّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته؟ قال : فقال عليه السلام : « إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيّته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيته » (44).

فهذه الصحيحة لها دلالة واضحة على من أوجد سبب قتله متعمّدا لأجل أن يموت ، ويسمّى في عرف هذا العصر بالانتحار ، ثمَّ بعد ذلك أوصى وصيّة بشي‌ء من ماله لم تقبل وصيّته.

وأمّا لو أوصى أوّلا ثمَّ أوجد سبب قتله ، تجاز وصيّته في ثلثه. وهذه الكلمة الأخيرة ـ أي ثلث ماله ـ تدلّ أنّ محلّ النفي والإثبات هو المال لا أمور الأخر.

وأيضا استدلّ بعضهم على عدم نفوذ وصيّة من قتل نفسه في الماليّات بأنّه سفيه ، والسفيه محجور لا يجوز له أن يتصرّف في أمواله.

أمّا أنّه سفيه ، فلأنّ إتلاف المال بلا مصلحة يكشف عن السفه ، وإتلاف النفس عصيانا ـ لا فيما إذا كان راجحا كما في باب الجهاد ـ أولى بأن يكشف عنه السفه.

وأمّا أنّ السفه يوجب المنع من تصرّفات السفيه في أمواله ومحجور ممنوع ، فهذا دليله وتحقيقه في كتاب الحجر مذكور مفّصلا.

هذا هو المشهور بين الأصحاب وجوّز ابن إدريس (45) وصيّته إذا كان عقله ثابتا ، واحتجّ بأنّه عاقل رشيد فينفذ وصيّته كغيره ، وبعموم النهي عن تبديل الوصيّة.

وقال العلاّمة في المختلف : لا بأس بالذهاب إلى قول ابن إدريس حيث قال : ولو قيل بالقبول مع تيقّن رشده كان وجها وأجاب عن الاحتجاج بالرواية بحملها على عدم استقرار الحياة ، بمعنى أنّ عدم القبول في الرواية فيما إذا كانت حياته بواسطة الجرح أو شرب السمّ أو نحوهما غير مستقرّة (46) ‌.

وأنت خبير بأن لازمه أنّ المريض إن صارت حياته غير مستقرّة فلا تنفذ وصيّته ، ولا يمكن القول بذلك مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا الكلام غير صحيح في حدّ نفسه ، لأنّ هذا الجريح غير المستقرّ حياته عاقل بالغ رشيد ، فتكون وصيّته مشمولة للأدلّة الدالّة على وجوب تنفيذ الوصيّة التي منها قوله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] ولم يفرق بين مستقرّ الحياة وغيره ، وتخصيص هذا العامّ يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

وربما يقال : إنّ غير مستقرّ الحياة في حكم الميّت ، فلا يجري في حقّه الأحكام الجارية على الأحياء ، ويقاس بعدم ورود التذكية على الحيوان غير مستقرّ الحياة.

وفيه : أنّ كون الحيّ في حكم الميّت يحتاج إلى دليل ، وفي المقام لا دليل عليه.

والحاصل : أنّ كلمات هؤلاء الأساطين ـ مع وجود رواية صحيحة صريحة في عدم جواز وصيّة من قتل نفسه إذا كان متعمّدا في إيجاد سبب موته لكي يموت ، وكان إيجاد سبب موته قبل أن يوصى ـ اجتهادات في مقابل النصّ الصحيح الصريح المعمول به عند الأصحاب والمشهور بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع. ومثل هذا مخالف‌ لأصولنا التي يجب العمل عليها.

فرع : لا تجوز الوصيّة لغير الأب والجدّ من طرف الأب‌ بأن يجعل القيّم والوليّ على الأطفال بعد موته. أمّا الأب والجدّ من قبله فيجوز لهما ذلك ، وذلك من جهة ثبوت ولايتهما عليهم حال حياتهما بنحو يشمل جميع التصرّفات التي لها مدخليّة في إصلاح شؤونهم من الماليّات وغيرها حال حياتهما وحال مماتهما.

وإن شئت قلت : إنّ المستفاد من الأخبار المستفيضة وسائر الأدلّة أنّ لهما التصرّف في جميع شؤونهما الصالحة لهم ، سواء كانت تلك الأمور صالحة لهم في حال حياة الأب والجدّ أو في حال مماتهما.

ولا شكّ في أنّ نصب القيّم الثقة لإصلاح أمورهم وتدبير شؤونهم بعد موتهما من التصرّفات الصالحة لهم ، فلذلك يصحّ للأب والجدّ من طرف الأب الوصيّة بذلك وتكون نافذة.

فقوله صلى الله عليه واله : « أنت ومالك لأبيك » (47) وأمثال ذلك من الروايات والأحاديث تدلّ على أنّ للأب والجدّ من طرف الأب الولاية والسلطنة على صغارهم وأطفالهم ، فلهما نصب القيّم الواحد أو الأكثر بالاستقلال أو بالاشتراك على صغارهما بعد موتهما ، ويجوز أيضا لهما جعل الناظر على ذلك القيّم الذي جعلاه ، كلّ ذلك لأجل الولاية التي لهما عليهم ، وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد.

وأمّا الأمّ فلا تصحّ الوصيّة منها بالولاية عليهم بأن تجعل قيّما على أولادها الصغار ، لأنّه لا ولاية لها عليهم لعدم الدليل على ذلك ، إذ لا شكّ أنّ مقتضى الأصل الأوّلي عدم ولاية أحد على مال غيره وكذلك على نفس غيره ، والخروج عن هذا الأصل ليس إلاّ بالدليل ، ولا دليل على ولايتها عليهم ، بل الدليل على خلافه.

وأمّا الحاكم الشرعي وإن كان له الولاية على مطلق القاصرين الذين ليس لهم وليّ من الأب والجدّ من طرف الأب لأنّه وليّ من لا وليّ له من باب الحسبيّات ـ أي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها ـ وليس عن قبل الشارع من عيّن لتصدّيها ، فمثل هذه الأمور هو القدر المتيقّن أنّ تصدّيها وظيفة الحكّام والفقهاء ، بحيث لو لم يكن مجتهد مطلق عادل في البين تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.

لكن كلّ ذلك من وظائفه حال حياته ، وأمّا بعد مماته يكون وظيفة سائر مصاديق هذه الطبيعة ، أي طبيعة مجتهد المطلق العادل.

فبناء على هذا ليست له الوصيّة بالولاية بأن يقول : اجعلوا فلانا قيّما على أطفال فلان بعد مماتي ، لعدم ولايته عليهم بعد مماته ، لرجوع أمرهم بعد موته إلى غيره من المجتهدين والحكّام.

وأيضا ما قلنا من أنّ للأب والجدّ من قبله الوصيّة بالولاية على صغارهما ، هذا يكون لكلّ واحد منهما مع فقد الآخر ، وإلاّ فمع وجود الآخر لا تصحّ ، لأنّه مع وجود الآخر يكون هو الوليّ منفردا أو بالاستقلال ، ولا يجوز مزاحمته من قبل أحد.

نعم الولاية المطلقة على الأموال والأنفس بحيث ينفذ حكمه على كلّ أحد هو للنبيّ صلى الله عليه واله وأولاده الطاهرين المعصومين. وما قلنا من أنّ مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على مال الغير أو نفسه وإن كان صحيحا ، ولكن خرج من تحت هذا الأصل بالأدلّة القطعيّة تصرّفات النبي صلى الله عليه واله والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

قال الله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب: 36] ‌ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وقال النبيّ صلى الله عليه واله كما في رواية أيّوب بن عطيّة : « أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه ».

وقال صلى الله عليه واله يوم غدير خم : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » قالوا : بلى ، قال : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » (48).

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري بعد ما ذكر الأدلّة على أنّ النبي صلى الله عليه واله والأئمّة المعصومون لهم الولاية المطلقة على جميع الأموال والأنفس وفي جميع الأمور. والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهّم من أنّ وجوب إطاعته صلى الله عليه واله وإطاعة الإمام عليه السلام مختصّ بالأوامر الشرعيّة ، وأنّه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفيّة وسلطنته على الأموال والأنفس. وبالجملة فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع والتأمّل أنّ للإمام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل الله تعالى وأنّ تصرّفهم نافذ على الرعيّة ماض مطلقا (49).

وما أفاده كلام صحيح لا غبار عليه ، فبناء عليه للإمام عليه السلام التصرّفات في أموال الصغار وفي أنفسهم مع وجود الأب والجدّ من قبل الأب.

وفي تحقيق مسألة الولاية وأقسامها ، من التكوينيّة والتشريعيّة ، والمطلقة والمقيّدة ، والكليّة والجزئيّة محلّ آخر حققناها فيه ، والله هو العالم بحقائق الأمور.

الأمر الثالث

في الموصى به‌ :

وهو إمّا عين أو منفعة ، وعلى كلّ واحد من التقديرين يعتبر في الوصيّة التمليكيّة‌ أن يكون مملوكا ، إذ عرّفنا الوصيّة بأنّها تمليك عين أو مال أو منفعة بعد الوفاة ، وإذا لم يكن ملكا لا يمكن تمليكه أو يكون حقّا قابلا للانتقال كحقّ التحجير ونحوه ، لا مثل حقّ القذف ونحوه مما لا يقبل الانتقال.

ولا فرق في المال بين كونه عينا أو منفعة أو دينا في ذمّة الغير ، وفي العين بين كونها موجودة فعلا أو ممّا سيوجد ويكون متوقّع الوجود ، كالوصيّة بما تحمله الدابّة والجارية ، أو تمر الشجرة في المستقبل.

فرع : لا بدّ أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة‌ كي تكون مالا شرعا ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر إلاّ أن تكون قابلة للتحليل ، أو ينتفع بها في غير الشرب ، ولا بالخنزير ولا بآلات اللهو والقمار إلاّ إذا كان ينتفع بها إذا كسرت ، ولا بالحشرات ولا بكلب الهراش. وأمّا منافع المحرّمة أو المحلّلة غير المقصودة للعقلاء فلا اعتبار بهما ، وهي في حكم العدم.

فرع : يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملا سائغا‌ ، فلا تصحّ الوصيّة بمعونة الظالمين ، وقطّاع الطريق ، وعمارة الكنائس ، ونسخ كتب الضلال وطبعها ونشرها. وخلاصة الكلام أنّ الوصيّة العهديّة لا بدّ وأن تكون بفعل غير محرّم ، وأن لا يكون صرف المال فيه عبثا وسفاهة. أمّا ما يكون محرّما ومبغوضا عند الشارع فوجهه واضح ، لأنّ الشارع لا يحثّ على أمر يغضبه ، فأدلّة الوصيّة منصرفة عنه. وأمّا ما هو عبث وسفاهة فأيضا منفور عنده.

فرع : يشترط في الوصيّة أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث التركة‌ ، فإن كان زائدا بطلت إلاّ إذا أجاز الوارث ، وإذا أجاز بعض الورثة ولم يجز البعض نفذت في حصّة البعض المجيز دون البعض الذي لم يجز ، وإذا أجازوا في بعض الموصى به دون‌ البعض صحّ فيما أجازوا وبطلت في البعض الآخر بلا خلاف بينهم ، بل الحكم إجماعي.

والنصوص الدالّة على هذا مستفيضة أو متواترة :

منها : مكاتبة أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّ درّة بنت مقاتل توفّيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع ، وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله؟ قال : فكتب عليه السلام بخطّه : « ليس يجب لها في تركتها إلاّ الثلث ، وإن تفضّلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله ». (50) ‌

ومنها : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيّته وكان أكثر من الثلث؟ قال عليه السلام : « يمضى عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي » (51).

ومنها : ما رواه عليّ بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال : « ما يعتق منه إلاّ ثلث وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (52).

ومنها : ما عن الحسين بن محمّد الرازي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : الرجل‌ يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ ، وبأكثر من الثلث ، هل يجوز له ذلك وكيف يصنع الوصي؟ فكتب عليه السلام : « تجاز وصيّته ما لم يتعدّ الثلث » (53).

ومنها : ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إن أعتق رجل عند موته خادما له ثمَّ أوصى بوصية أخرى ألقيت الوصيّة وأعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة » (54).

ومنها : ما رواه عبّاس بن معروف قال : كان لمحمّد بن الحسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له « ميمون » فحضره الموت ، فأوصى إلى أبي العبّاس الفضل بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن أجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام وترك أهلا حاملا وإخوة قد دخلوا في الإسلام وأمّا مجوسيّة قال : ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمّد بن الحسن. إلى أن قال : وأوصلتها إليه عليه السلام ، فأمره أن يعزل منها الثلث فدفعها إليه ويردّ الباقي إلى وصيّه يردّها على ورثته (55).

والأخبار بهذا المضمون كثيرة ذكرنا شطرا منها ، وظهورها في أنّ الوصيّة لا تنفذ في أزيد من ثلث تركته إلاّ بإجازة الورثة غنيّ عن البيان.

ونسب الخلاف في هذه المسألة إلى عليّ بن بابويه (56) وأنّ الوصيّة تنفذ مطلقا وإن أوصى بجميع ماله ، أجاز الوارث أم لم يجز ، مستندا إلى ما رواه عمّار بن موسى‌ الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إذا أوصى به كلّه فهو جائز » (57).

ولكن هذه الرواية وما يقرب منها من حيث المضمون لا تقاوم الروايات المتقدّمة التي يمكن ادّعاء التواتر فيها.

مضافا إلى عمل الأصحاب بها وإعراضهم من هذه الطائفة حتّى ادّعى بعضهم الإجماع بقسميه على ما هو ظاهر الطائفة الأولى ، أي عدم نفوذ الوصيّة في الزائد على الثلث إلاّ بإجازة الوارث.

ووجّهوا كلام عليّ بن بابويه بما لا ينافي المشهور بل المجمع عليه ، فلا يكون مخالف في المسألة أصلا.

والتوجيه المذكور في الجواهر (58) عبارة عن أنّ مراده وجوب صرف المال الموصى به بجميعه على حسب ما أوصى ، من حيث وجوب العمل بالوصيّة ، وحرمة تبديلها بنصّ الكتاب والسنّة حتّى يعلم فسادها وبطلانها ولو بالجور على الوارث وإرادة حرمانه من التركة الذي هو أحد أسباب بطلان الوصيّة.

ففي كلّ مورد احتملنا صحّة الوصيّة وإن كان لاحتمال أن يكون لموصى إليه دين عليه ، يجب على الوصي إنفاذ تلك الوصيّة وإن كانت بجميع ماله ، عملا بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة كتابا وسنّة حتّى يعلم أنّها وقعت تبرّعا فيكون مقدار الزائد على الثلث موقوفا على إجازة الوارث.

وحكى في الجواهر عن صاحب الرياض أنّ هذا التوجيه وإن لم يكن ظاهرا من عبارة عليّ بن بابويه فلا أقلّ من مساواة احتماله لما فهموه من كلامه ، فنسبة‌ الخلاف إليه ليس في محلّه (59).

وعلى كلّ حال ، سواء كانت هذه التوجيهات لكلام ابن بابويه صحيحة أو غير صحيحة ، لا يضرّ مخالفته بالحكم المجمع عليه الذي كان مفاد الروايات المتواترة.

كما أنّ ورود بعض الروايات الأخر ـ كرواية عمّار بن موسى الساباطي المتقدّمة ، ورواية محمّد بن عبدوس قال : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمّد عليه السلام ، فكتبت إليه : رجل أوصى إليّ بجميع ما خلف لك ، وخلف ابنتي أخت له فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : « بع ما خلف وابعث به إليّ » فبعت وبعثت به إليه ، فكتب إليّ : « قد وصل » (60) وبعض الروايات الأخر ـ لا تقاوم ما ذكرناه من الروايات الكثيرة المجمع عليها ، مع إعراض الأصحاب عن هذه الطائفة.

فرع : لو أجاز الوارث في حال حياة الموصي فيما زاد على الثلث هل تؤثّر تلك الإجازة‌ ، أو لا بدّ وأن تكون بعد الوفاة؟

المشهور أنّ إجازة الوارث في حال الحياة موجبة لنفوذ ما زاد على الثلث ، ولا يجوز للوارث ردّه بعد وفاة الموصي ويكون ملزما بتلك الإجازة.

والدليل عليه :

أوّلا : الأخبار الواردة في هذا الباب المعمول بها عند الأصحاب‌ المؤيّدة بعمومات وإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة وعدم جواز تبديلها ، والقدر المتيقّن الخارج عن تحت تلك الإطلاقات هو في الوصيّة الزائدة على الثلث مع عدم صدور الإجازة من الوارث‌ مطلقا ، لا في حال حياة الموصي ولا في ما بعد وفاته. أمّا في غير هذا فيشملها العمومات والإطلاقات.

ومن تلك الأخبار ما رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال عليه السلام : « ليس لهم ذلك والوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته » (61) وعن جماعة من أفاضل المحدثين بطرق مختلفة مثله (62).

ومنها : ما رواه منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بوصيّة أكثر من الثلث وورثته شهود فأجازوا ذلك له ، قال : « جائز » (63).

وثانيا : تعليق النفوذ ـ إذا كانت الوصيّة زائدة على الثلث ـ على إجازة الورثة إنّما هو لمراعاة حقّ الورثة‌ ، ولا فرق في سقوط حقّهم بالإجازة بين أن تكون الإجازة في حال حياة الموصي أو بعد مماته.

وفيه : أنّ الفرق بينهما في كمال الوضوح ، فإنّه في حياة الموصي الورثة ليس لهم علاقة بما أوصى من التركة وهم والأجانب في ذلك سواء إلاّ في صدق قضيّة شرطيّة وهي أنّه على تقدير موته هم يرثون ، وأمّا بعد موته فالتركة ملك لهم ولذلك لو اعترفوا بعد وفاة الموصي أنّ هذا المال لزيد مثلا يعطى لزيد ، وأمّا في حال الحياة هذا الاعتراف لا يسمع منهم ولا يؤثّر في شي‌ء.

وثالثا : بأنّ الموصى به إمّا يكون للموصي لو برأ ، وإمّا للورثة لو مات. فإن كان للموصي فقد أعطاه للموصى له بالوصيّة ، وإن كان للورثة فقد أعطوه بالإجازة.

وفيه : أنّه لا شكّ في أنّ المال للموصي ما دام روحه في جسده ولم يخرج ، فالكلام في أنّ إجازة الورثة قبل أن يملكوا لها أثر أم لا؟

والظاهر أنّه لو لا هذه الأخبار كان مقتضى القواعد الأوّلية عدم تأثير إجازتهم في حال حياة الموصي ، لعدم ارتباط المال بهم في ذلك الوقت إلاّ بنحو القضيّة الشرطيّة التي لم يوجد شرطه ، مثل أن يقول : لو عقد على فلانة ـ مع اجتماع الشرائط المقرّرة في كتاب النكاح لصحّة العقد ولترتّب الأثر عليه ـ كانت تلك زوجة له ، ومن المعلوم أنّه مع عدم العقد لا ارتباط شرعا بينهما.

ورابعا : أنّ التعليق على الموت في الوصيّة ليس في الإنشاء‌ ، بل الإنشاء حاصل حال الوصيّة فعلا والمعلّق هي الملكيّة المنشأة بهذا الإنشاء ، فإنشاء الوصيّة قابل للقبول ولو قبل موته.

فكما أنّ القبول في العقود قبل حصول المنشأ بالإيجاب ـ إذ الملكيّة في البيع لا تحصل إلاّ بالقبول واجتماع الشرائط المعتبرة في الموجب والقابل والعوضين ، والزوجيّة كذلك لا تحصل إلاّ بعد قبول الزوج ، ولا ينافي ذلك قابليّة الإيجاب للقبول ، بل لا يعقل غير ذلك وإلاّ لا يحتاج إلى القبول أصلا ـ فكذلك في المقام وإن كان قبل موت الموصي لا تحصل ملكيّة الموصى به لا للموصى له ولا للورثة ، ولكن إنشاء الملكيّة للموصى له وجد ، وكذلك المنشأ بذلك الإنشاء.

غاية الأمر المنشأ هي الملكيّة المتأخّرة ، أي بعد وفاته ، فهذه الملكيّة المتأخّرة عن موته حيث أنّه أوجدها الموصي في عالم الاعتبار ، والإنشاء قابلة للإجازة والردّ فإن قلنا بأنّ ردّها لا أثر له فلدليل شرعي لا لعدم إمكانه ، فمقتضى القاعدة تأثير الإجازة لو لا دليل على عدم تأثيره ، وحيث لا دليل على عدم تأثيره فتؤثّر ، فلو لم تكن هذه‌ الروايات لكنّا نقول أيضا بأنّه ليس لهم الردّ بعد الإجازة في حال الحياة ، لعدم الفرق بين الإجازة في حال الحياة وبعد الوفاة فيما هو المناط.

وفيه : أنّ الفرق هو أنّ الإجازة بعد الوفاة تكون في حال لو لم تكن وصيّة في البين لكان ملكا لهم ، فإجازتهم في ذلك الوقت تشبه إجازة المالك لمعاملة الفضولي ، ولذلك مقتضى القاعدة هو النقل لا الكشف ، فكان إجازة الوارث هي متمّم عقد الوصيّة ، مثل إجازة المرتهن للراهن بيع العين المرهونة ، إذ له حقّ المنع وحقّ الإمضاء ، وكذلك الوارث له حقّ الردّ وحقّ الإجازة.

هذا إذا كان بعد الوفاة ، وأمّا في حال الحياة فالملك طلق للمورث ، ولا حقّ للوارث فيه أصلا كي يجيز ، فإجازته في ذلك الوقت كإجازة الأجنبي لا أثر له ، وليس البحث في أنّ إجازة الوارث هل لها متعلّق في حال الحياة أم لا كي تأتي هذه الكلمات.

فالإنصاف أنّه لو لم يكن ما ذكرنا من الروايات لكان مقتضى القاعدة عدم تأثير الإجازة في حال الحياة خصوصا فيما إذا ردّ أوّل زمان الموت ، لكنّ الروايات صحيحة صريحة وقد عمل بها الأصحاب ، فلا يبقى مجال للشكّ في الحكم أي في أنّ الإجازة في حال الحياة تؤثّر وليس للوارث الردّ بعد ذلك. ولا فرق في هذا الحكم بين وقوع الوصيّة في حال مرض الموصي وحال صحّته ، ولا بين كون الوارث غنيا أو فقيرا ، كما قال بعض ، وذلك لإطلاق الروايات.

فرع : وهو أنّه هل إجازة الوارث بعد الوفاة هبة للموصى له أو تنفيذ للوصية؟ وبعبارة أخرى : الموصى له يتلقّى الملك من الموصي أو من الوارث؟ إذ لا يمكن أن بكون هبة إلاّ بأن يقال : إنّ الموصى به ينتقل بسبب الإرث إلى الوارث ثمَّ بالإجازة ينتقل إلى الموصى له ، فيكون نقل الملك من الوارث إلى الموصى له مجّانا وبلا عوض ، وهذا معناه أنّه هبة من الوارث إلى الموصى له ، فلا بدّ وأن يجري فيها أحكام الهبة‌ من اشتراط صحّتها إلى قبض الموصى له ، وسائر أحكام الهبة من جواز رجوع الوارث الواهب إلى عين الموهوبة لو لم يكن الموصى له من ذوي الأرحام ، وغير ذلك من الأحكام.

والتحقيق في هذا الفرع موقوف على أنّ المقدار الزائد على الثلث هل ينتقل بالموت إلى الوارث ، ثمَّ منه بواسطة الإجازة ينتقل إلى الموصى له ، فيكون ابتداء هبة يقينا ، أم لا ينتقل إلى الوارث أصلا بل ينتقل إلى الموصى له ، غاية الأمر للإجازة دخل في هذا الانتقال وبدونها لا ينتقل ، لأنّه للوارث حقّ الإجازة والردّ؟

وبعبارة أخرى : يتلقّى الموصى له الملك عن الموصي ، والإجازة من قبيل إذن المرتهن في بيع الرهن إعمال حقّ من قبل المرتهن ، وإلاّ فالمشتري يتلقّى الملك من نفس البائع الراهن ، فبناء على هذا ليست بهبة يقينا ، لأنّ الموصى به ينتقل من الموصي إلى الموصى له ، والإجازة تكون تنفيذا لفعل الموصي ، لا أنّها ابتداء هبة وعطيّة من المجيز.

ثمَّ بعد وضوح هذه المقدمة ، فالظاهر من أدلّة الوصيّة كتابا وسنّة أنّ مقدار الوصيّة لا تنتقل إلى الوارث ، غاية الأمر إذا كانت زائدة على ثلث التركة انتقال الزائد إلى الموصى له مشروط بإجازة الوارث ، وللوارث حقّ الإجازة والردّ ، فإذا أجاز تكون إجازته تنفيذا لفعل الموصي ، لا انّ إجازته ابتداء هبة وعطيّة من قبله كما توهّمه بعض المخالفين ، وإلاّ فالحكم عندنا إجماعيّ ولم يخالفه أحد منّا فيه.

وها هنا تكلّموا كثيرا في أنّ المستفاد من أدلّة الوصيّة وأدلّة الإرث ـ أيّ واحد من الأمرين ـ هل هو انتقال المال إلى الورثة بعد الموت أوّلا ثمَّ بالإجازة تنتقل إلى الموصى له ، أو ابتداء ينتقل إلى الموصى له بشرط الإجازة؟

والأدلّة من الطرفين لكلّ واحد من القولين لا يخلو من نظر وإشكال ، ولكنّ الظاهر تخصيص أدلّة الإرث بأدلّة الوصيّة كما تقدّم منّا.

وأيضا تكلّموا كثيرا في الثمرات التي تترتّب على كلّ واحد من القولين ، مثلا لو قلنا بأنّ الإجازة تنفيذ لفعل الموصي ، فالنماء بعد الموت وقبل الإجازة للموصى له. وأمّا إن قلنا بأنّ الإجازة هبة وعطيّة من الوارث ، فالنماء فيما بين الإجازة وموت الموصي للوارث ، لأنّ المال ملكه فيكون له منفعته ونماؤه.

فلو أوصى له شاة ومات وفرضنا أنّه زائد على الثلث ، فحليبها وصوفها فيما بين موت الموصي وإجازة الوارث للوارث ، وهكذا في سائر الموارد. وكذلك الأمر في النفقة إذا كان الموصى به حيوانا ، فبناء على الأوّل ـ أي كون الإجازة تنفيذا لما فعله الموصي ـ فالنفقة بعد الموت إلى زمان الإجازة على الموصى له ، وبناء على القول الثاني ـ أي كون الإجازة هبة ـ فالنفقة على الوارث.

فرع : ويعتبر الثلث ـ الذي إذا كانت الوصيّة أزيد منه يفتقر إلى إجازة الوارث أن يكون بذلك المقدار ولا يكون أزيد منه ـ حال الوفاة لا حال الوصيّة ، فلو كانت وصيّته في زمان الوصيّة أقلّ من الثلث أو مساويا معه ولكن في زمان الوفاة صار أزيد فالاعتبار بحال الوفاة ، ويحتاج إلى إجازة الوارث في مقدار الزيادة. وبالعكس لو كان ما أوصى به حال الوصاية أزيد من الثلث ولكن صار فيما بعد حال الوفاة أقلّ من الثلث بواسطة زيادة ثروته لكثرة أرباحه في معاملاته فلا يحتاج إلى الإجازة ، فالمدار في كون الموصى به لا يزيد على الثلث وإلاّ يفتقر إلى الإجازة هو الثلث حال الوفاة ، لا حال الإيصاء.

ووجهه : أنّ مفاد الروايات التي قدّر الوصيّة التي لا يحتاج إلى الإجازة بأن لا يكون أزيد عن الثلث هو أن لا يكون أزيد من ثلث ما ترك ، وهذا العنوان لا يصدق إلاّ على الثلث حال الوفاة.

فقوله عليه السلام في رواية أحمد بن إسحاق المتقدّم « ليس يجب لها في تركتها إلاّ‌ الثلث » أي الثلث من تركتها ، ولا يصدق الثلث من التركة إلاّ على الثلث حال الوفاة ، لا على ثلث ماله في أيّ وقت من الأوقات.

وأيضا لأنّ حال الوفاة وقت تعلّق الوصيّة بالمال واستقرار الملك للوارث والموصى له ، لا حال الوصيّة ، ولذلك لو عاش الموصي زمانا طويلا بعد الوصيّة يكون جميع المال ملكا طلقا له لا يستحقّ الوارث شيئا منه ولا الموصى له ، فزمان استحقاقهما هو بعد الوفاة ، فلا بدّ وأن يكون التقدير بذلك اللحاظ وباعتبار زمان الاستحقاق وهو زمان الوفاة.

واستشكل في المسالك تبعا لجامع المقاصد على إطلاق هذه العبارة وقال : وهو يتمّ على إطلاقه مع كون الموصى به قدرا معيّنا كعين أو مائة درهم مثلا أو بجزء من التركة مع كونه حالة الموت أقلّ من زمان الوصيّة أو مساويا ، لأنّ تبرّعه بالحصّة المذكورة زائدة يقتضي رضاه بها ناقصة بطريق أولى ، أمّا لو انعكس أشكل اعتبار وقت الوفاة للشكّ في قصد الزائد وربما دلّت القرائن على عدم إرادته على تقدير زيادته كثيرا حيث لا يكون الزيادة متوقّعة غالبا (64).

وفيه : أنّ ظهور الألفاظ حجّة في تشخيص المراد واستكشافه حتّى وإن ظنّ بالخلاف ، نعم لو علم بأنّ الظاهر ليس بمراد فيسقط عن الحجيّة ، لأنّ حجّية كلّ أمارة مقيّدة بعدم العلم بالخلاف ، بل ومع العلم بمؤدّاه ، لأنّ حجّية العلم ذاتيّة ، فلا يبقى محلّ لجعل الحجيّة مع العلم بمؤداه.

ولزوم القصد إلى التمليك في مقام التمليك وإن كان من المعلوم ، ولكن ظهور لفظه في أنّ مراده ما يكون اللفظ ظاهرا فيه يكون أمارة على أنّ مراده ومقصوده هو ما يكون اللفظ ظاهرا فيه. واحتمال أن لا يكون مراده ما هو ظاهر اللفظ ملغى في نظر‌ الشارع ولا يعتنى به.

نعم لو حصل العلم ولو كان بتوسّط القرائن بأنّ ما هو ظاهر اللفظ ليس بمراد ، فالظاهر ليس بحجّة. وأمّا الشكّ في أنّه هل قصد تمليك الزيادة المتجدّدة أم لا ، لا يضرّ بلزوم الأخذ بما هو ظاهر اللفظ واستكشاف القصد من ذلك الظاهر.

فهذا الإشكال الذي أورده المحقّقان في جامع المقاصد (65) والمسالك على إطلاق عبارة الشرائع (66) والقواعد (67) يمكن الجواب عنه بما ذكرناه.

وفي المسالك أشار إلى ما ذكرنا بقوله : ووجه إطلاق المصنّف وغيره اعتبار حال الوفاة الشامل لذلك النظر إطلاق اللفظ الشامل ذلك (68).

فرع : لو أوصى لرجل بثلث ماله أو بربعه أو بكسر آخر ثمَّ قتله قاتل خطأ أو جرحه جارح كذلك‌ ، فوصيّته ماضية من ماله منضمّا إليه دينه وأرش جراحته. والمقصود أنّ دية المقتول خطاء أو عمدا إن صالحوا مع القاتل بالدية تكون جزء المال في مقام إخراج الثلث أو الربع أو غير ذلك ، ولا يكون مخرج الثلث أو الربع أو غيرهما من الكسور الذي أوصى بها المال الذي كان يملكه قبل وقوع الجناية فقط ، بل المال الذي يملكه بعد الوصيّة من دية قتله أو أرش جراحته أيضا داخل في مجموع الكسر الذي أوصى به ، فيخرج الثلث من المجموع.

مثلا لو كان ماله قبل ورود الجناية عليه ثلاثة آلاف دينار ، وبعد أن قتل خطأ زاد عليه ألف دينار من قبل ديته ، وهو أوصى بربع ماله ، فيخرج الربع من مجموع ماله وديته ، أي من أربعة آلاف دينارا ، فيعطى للموصى له ألف دينار.

والدليل عليه الأخبار :

منها : رواية محمّد بن قيس قال : قلت له : رجل أوصى لرجل بوصيّة من ماله ثلث أو ربع ، فيقتل الرجل خطأ يعنى الموصي؟ فقال : « يجاز لهذا الوصيّة من ماله ومن ديته » (69).

ومنها : رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين : من أوصى بثلثه ثمَّ قتل خطأ ، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته » (70).

ومنها : أيضا رواية أخرى عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسماّة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثمَّ قتل بعد ذلك الموصي فودي ، فقضى في وصيّته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى ».

وهذه الروايات صريحة في دلالتها على أنّ ما يملكه بعد الموت داخل في ما أوصى به. وبعبارة أخرى : يحسب الثلث أو الربع أو ما هو أقلّ أو أكثر من ذلك من مجموع ما كان يملكه قبل الموت وما يملكه بعد الموت بواسطة ديته أو غير ذلك.

ولا فرق بين ما يملكه الموصي بعد الموت بواسطة دية قتل الخطأ ، أو بواسطة قتل العمد بعد صلح الورثة مع القاتل بأخذ الدية ، وإن كان الحكم أوّلا أنّ للورثة حقّ القصاص ، ولكن بعد ما صالحوا مع القاتل بالدية تكون الدية عوضا عن نفس المجني عليه فهو أحقّ بها ، فإذا كان الإنسان يملك عوض ماله فهو أولى بأن يملك عوض‌ نفسه ، بأن يكون في حكم ماله يصرف في ما هو من شؤونه ، من أداء ديونه والعمل بوصاياه.

هذا بناء على أنّ اعتبار الملكيّة للميّت لا معنى له لعدم مساعدة العرف والعقلاء ، وأمّا لو قلنا بأنّه يملك حقيقة فلا إشكال وتكون كسائر أمواله.

وأمّا الإشكال عليه بأنّه يملك الدية بعد الوفاة والموت ، لأنّ الموت علّة أو موضوع لها ، فتكون ملكيّته لها أو كونها في حكم ماله متأخّرة عن الوفاة ، فلا تشملها أدلّة أنّ الوفاء بالوصيّة من الثلث عند الوفاة ، والدية ليست من ملكه عند الوفاة ومقارنة لها بل بعدها.

فليس بشي‌ء لأنّ هذا التأخّر رتبيّ لا زماني ، بل لا يمكن أن يكون ، وإلاّ يلزم إمّا انفكاك المعلول عن العلّة زمانا ، وإمّا انفكاك الحكم عن الموضوع ، وكلاهما محالان.

هذا ، مضافا إلى النصوص الواردة في المقام من عدم الفرق بين دية الخطأ ودية العمد بإطلاقها أو بالتصريح.

منها : رواية يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن عليه السلام في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا ، فأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال : « نعم ». قلت : هو لم يترك شيئا ، قال : « إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه » (71).

ومنها : خبر عبد الحميد : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل قتل وعليه دين ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : « نعم ». قلت : وهو لم يترك شيئا ، قال : « إنّما إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين » (72).

وهاتان الروايتان ظاهر في عدم الفرق بين دية العمد والخطاء بالإطلاق.

وأمّا ما يدلّ على الصراحة فهو خبر عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : قلت : فإنّه قتل عمدا وصالح أوليائه قاتله على الدية ، فعلى من الدين على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال : « بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياؤه ، فإنّه أحقّ بديته من غيره » (73).

فهذا الخبر نصّ في أنّ دية قتل العمد أيضا تصرّف في أداء ديونه والعمل بوصاياه.

وأمّا القول بأنّ المجعول ابتداء في قتل العمد هو حقّ القصاص للوارث ، غاية الأمر أنّه للوارث أن يصالح حقّه هذا مع القاتل بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر لا أنّ المجعول هي الدية أو حقّ الاقتصاص كي لو اختار الدية يكون ما يأخذ دية ويكون عوض نفس المجني عليه ، فيدخل في ملك الميّت أو يكون بحكم ماله فيؤدّي منها ديونه.

فمن قبيل الاجتهاد مقابل النصّ الصريح الصحيح المعمول به عند الأصحاب ، فلا ينبغي الاعتناء إلى أمثال هذه الكلمات ، ولذلك ادّعى بعضهم الإجماع على عدم الفرق بين الدية في قتل الخطاء أو في قتل العمد بعد مصالحة الورثة حقّ اقتصاصهم بمقدار الدية وأخذهم الدية عن القاتل ، خصوصا مع تعبيره عليه السلام « بأنّه أحقّ بديته من غيره ».

فرع : لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن يكون الربح بينه وبين ورثته نصفان صحّ‌ ، وربما يشترط كونه قدر الثلث أو أقلّ. هذا هو فتوى المشهور من أصحابنا.

والأصل فيه رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم؟ فقال عليه السلام : « لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حيّ » (74).

وأيضا رواية محمّد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن خالد بن بكير الطويل قال : دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بنيّ اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان ، فقدّمتني أمّ ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى فقالت : إنّ هذا يأكل أموال ولدي. قال : فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقال لي ابن أبي ليلى إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه ثمَّ أشهد عليّ بن أبي ليلى أنّ أنا حرّكته فأنا له ضامن فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ثمَّ قلت له : ما ترى؟ فقال عليه السلام : « أمّا قول ابن أبي ليلى فلا استطيع ردّه ، وأمّا فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ فليس عليك ضمان » (75).

ثمَّ إنّ ظاهر هاتين الروايتين الحكم بصحّة الوصيّة بالمضاربة وعدم الضمان للعامل لو خسرت المعاملة ، وأيضا مقتضى الظاهر في كلتا الروايتين كون الأولاد صغارا.

أمّا رواية محمّد بن مسلم فظهورها في كون الأولاد صغارا فمن أجل قول محمّد بن مسلم أنّه سأل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، فإنّ الوصيّة بولده إلى رجل لا يصحّ إلاّ أن يكونوا صغارا ، وظاهر الرواية أنّها وصية صحيحة.

وأمّا رواية خالد بن بكير فصرّح فيها بذلك في قول أبيه له « يا بنيّ اقبض مال‌ إخوتك الصغار واعمل به » ومعلوم أنّ للأب جعل القيّم لولده الصغار بعد موته كي يدبّر أمورهم وشؤونهم ، وأيضا له أن يجعل أجرة له بإزاء عمله بما يرى من صلاحهم ، فإذا رأى من صلاحهم أن يجعل من يعمل في أموالهم بالمضاربة فله أن يوصى بذلك إلى رجل أمين عنده ويعيّن حصّته من الربح أجر عمله ، ولا إشكال في ذلك وفي فتوى المشهور بصحّة مثل هذه الوصيّة. وهذا إذا كان فتواهم في مورد الروايتين أو الوصية بالمضاربة في مال أولاده الصغار.

وأمّا الظاهر من بعض العبائر هو صحّة الوصيّة بالمضاربة على ورثته مطلقا ، كانوا بالغين أم صغارا ، كالعنوان الذي ذكرنا في أوّل هذا الفرع تبعا للشرائع (76) وهو قولنا : لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن يكون الربح بينه وبين ورثته نصفان صحّ.

ولا شكّ في أنّ إطلاق الورثة يشمل الصغير والكبير ، وأيضا يشمل ما إذا كان ما عيّنه عن حصّة العامل ، أي نصف الربح أزيد من الثلث ، أو أقلّ ، أو المساوي.

ثمَّ إنّه ربما يأتي إشكال : وهو أنّه لو كانت الورثة كبارا فليس للموصي أن يوصي بالمضاربة في أموالهم ، خصوصا إذا كانت مدّة المضاربة كثيرة ، مثل خمسين سنة والربح الذي يعود إليهم قليل ، فيرجع المضاربة حينئذ إلى منعهم عن التصرّف في ملكهم مدّة طويلة إذا أوصى بتلك المدّة وقلنا بوجوب إنفاذ تلك الوصيّة لقوله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181] .

ولكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال : بأن الوصيّة يمكن أن تكون صحيحة وتكون مشروطة بإجازة المالك إن كانت الورثة كبارا ، فإذا أجازوا فلا يأتي كلا الإشكالين ، لأنّها بإذنهم ، غاية الأمر في صورة بلوغ الوارث تكون الوصيّة مثل سائر‌ المعاملات الفضوليّة ، فيحتاج إلى إجازة المالك.

وأمّا إذا كانوا صغارا ، فله الولاية عليهم وجعل القيّم عليهم ، وأن يفعل كذا وكذا.

وأمّا الإشكال على إطلاق العبارة بأنّها تشمل ما إذا كانت حصّة العامل أزيد من الثلث فتكون الوصيّة باطلة فيما زاد ، إلاّ أن تكون بإجازة الوارث.

ففيه : أوّلا : أنّ الربح ليس ممّا ترك ، بل هو نتيجة سعي العامل ، وإلاّ فالمال الذي تركه الميّت باق إمّا عينا أو ما يقابله من ثمنه ، ولم يتلف منه شي‌ء مع وجود الربح ، وإلاّ يكون فرض الخسران لا الربح. وأمّا مع عدم وجود الربح فلا يأتي هذا الإشكال أصلا ، لأنّه حينئذ لا حصّة للعامل كي يقال حصّته أزيد من الثلث ، فلا يرد إشكال على كلا التقديرين ، سواء كان هناك ربح أو لم يكن ، وسواء كان على تقدير وجوده أزيد من الثلث أو لم يكن.

وثانيا : أنّ الربح يحدث على ملك العامل ، بمعنى أنّه على فرض صحّة المضاربة حصّة العامل من أوّل حدوثه يكون حدوثه على ملك العامل ، لا أنّه يحدث على ملك الموصي المورث ، أو يحدث على ملك الورثة ثمَّ تنتقل إلى العامل ، فليست من تركة الميت كي لا تنفذ في أزيد من الثلث.

وقال في جامع المقاصد (77) ما مفاده : أنّه يلزم من فساد هذه المضاربة عدم فسادها ، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال. وبيّن هذا المطلب : أنّ فسادها على تقدير ثبوته إنّما يكون لتفويت ما زاد على الثلث من التركة تبرّعا ، وذلك إنّما يكون على تقدير أن يكون حصّة العامل أزيد من أجرة المثل بزيادة على الثلث ، وأن تكون ذلك من نماء مال التركة إذا صحّت المضاربة ليكون الشراء نافذا ، فإذا فسدت المضاربة لم ينفذ الشراء فلم يتحقّق الربح ، فانتفى التصرّف في الزائد على الثلث ، فانتفى المقتضي للفساد ، فوجب الحكم بالصحّة. ومتى أدّى فرض الفساد إلى عدمه كان‌ فرضه محالا.

وقال ابن إدريس (78) ببطلان هذه الوصيّة لأنّه وصيّة بالباطل ، ووافق ابن أبي ليلى حيث قال لخالد بن بكير الطويل بعد ما سمع منه ما أوصاه أبوه من المضاربة والعمل في مال إخوته الصغار وأخذ نصف الربح لنفسه وإعطاء النصف الآخر لإخوته : إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه.

ووجه البطلان بأنّ الوصيّة لا تنفذ إلاّ في ثلث المال قبل موته ، والربح تجدد بعد موته ولم يكن له وجود قبل موته ، فكيف تنفذ وصيّة دخوله فيه.

وفيه : أنّ منافع ما يملكه الميّت قبل موته تصحّ الوصيّة فيها مع أنّها توجد بعد موته ، فلا يعتبر في صحّة الوصيّة وجود الموصى به قبل الموت ، بل الوصيّة تنفذ في ثلث ما يملكه الميّت ، سواء كان وجوده قبل موت الموصي أو كان من منافع ما يملكه وإن كان وجود تلك المنافع بعد موته ، فهي باعتبار أنّها تابعة لما كان يملكه قبل موته يصحّ الوصيّة فيها وإن كان حدوثها في ملك الوارث إذا وجدت بعد موت المورث.

وبعبارة أخرى : حينما كانت الأعيان في ملك الموصي وكان حيّا كانت تلك المنافع متوقّعة الوجود ، فلذلك تحسب من أمواله وتدخل في ثلثه ، خصوصا إذا كانت من قبيل الأثمار للأشجار أو الحمل للدابّة.

ولذلك لم يشكل أحد في جواز الوصيّة بهما وأمثالهما فكلام ابن إدريس وابن أبي ليلى لا أساس لهما ، فالروايتان ليستا مخالفتان للقواعد الأوّليّة في باب الوصيّة وقد عمل بهما الأصحاب ، فلا إشكال في حجّيتهما ولزوم العمل بهما ، أي في مورد الوصيّة بالمضاربة في أموال أولاده الصغار.

وأمّا إذا كانت الورثة كبارا وبالغين ، أيضا لا مانع من صحّة الوصيّة. نعم تكون من قبيل المعاملة الفضوليّة فتكون موقوفا على الإجازة ، من جهة أنّ المال بعد الموت‌ ملك للورثة البالغين ، وليست للمورّث الموصي ولاية عليهم.

إن قلت : إنّ له الوصيّة والتصرّف بمقدار الثلث من ماله وإن كانت ورثته من الكبار والبالغين ، وفي الزائد موقوف نفوذها على الإجازة.

قلنا : أوّلا أنّ المورد ليس عن ذلك القبيل بأن يملّك مقدارا من ماله للموصى له وصيّة تمليكيّة كي تكون نافذة في مقدار الثلث وفي الزائد تكون موقوفا على الإجازة ، بل إيصاء للوصي أن يضارب بهذه الكيفيّة ، وإن كانت الورثة صغارا لا يحتاج إلى إجازتهم ، لأنّ وليّهم أذن وأجاز.

وأمّا إن كانوا كبارا فليس لأحد التصرّف والتجارة في أموالهم إلاّ بإذنهم وإجازتهم ، فليست وصيّته للعامل المضارب كي تكون نافذة في مقدار الثلث ، بل يكون أذن في التجارة والعمل بإزاء نصف الربح.

وثانيا : تقدّم أنّ الربح ليس من أموال الميّت كي يكون بمقدار الثلث نافذا غير محتاج إلى الإجازة ، فإن لم يكن أذن الأب بالتجارة في أموال أولاده وصيّة بمقدار من ماله فلا مجال لأن يقال بالنفوذ في مقدار الثلث أو أقلّ ، سواء كانوا صغارا أو كبارا بل إذا كانوا صغارا يؤثّر إذنه مطلقا ، وإذا كانوا كبارا لا أثر لإذنه ويكون من قبيل الفضولي ليس للوصي التصرّف مطلقا إلاّ بإجازتهم.

فرع : لو أوصى بواجب وغيره ، فإن وسع الثلث عمل بالجميع‌ ، وإن قصر ولم يجز الورثة بدأ بالواجب من الأصل وكان الباقي من الثلث ، ويبدأ بالأوّل فالأوّل ، ولو كان الكلّ غير واجب بدأ بالأوّل فالأوّل حتّى يستوفي الثلث.

أقول : الواجب قسمان : ماليّ وبدنيّ. والواجب المالي تارة مالي محض كالزكاة والخمس والكفارات الماليّة ، لا مثل الصوم شهرين متتابعين في بعض الكفارات أو عشرة أيّام أو ثلاثة أيّام أو غير ذلك في البعض الآخر. والكفّارات الماليّة كعتق رقبة‌ أو الطعام ستّين مسكينا أو إعطاء مدّ من الطعام وأمثال ذلك. وأخرى : ماليّ مشوب بالبدن كالحجّ الواجب.

وأمّا الواجب البدني فهو مثل الصلاة والصوم وغيرهما ممّا ليس المطلوب فيها صرف المال ، بل المطلوب فيها الأعمال البدنيّة.

أمّا القسم الأوّل لو أوصى به يخرج من أصل المال ، بل يخرج من أصل المال وإن لم يوص به ، لأنّها في الحقيقة ديون تعلّقت بماله في حياته ويجب أداؤها والإرث فيما سواها وبعد أدائها.

وأمّا القسم الثاني فلا يخرج من أصل المال بل يخرج من الثلث ، لعدم وجوب إخراجها من تركة الميّت إلاّ إذا أوصى بها ، فتكون كالوصايا التبرعيّة لا تنفذ بدون إجازة الورثة إلاّ في الثلث.

فبناء على هذا لو كان الواجب الذي ذكرنا في العنوان واجبا ماليّا وأوصى به مع ما ليس بواجب أصلا ، فمقتضى القواعد الأوّليّة وإطلاقات أدلّة وجوب العمل بالوصيّة وإنفاذها في الثلث فقط إلاّ مع إجازة الورثة أنّه يجب العمل بالجميع إن وسّع الثلث لذلك. وأمّا إن قصّر ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث ، فيبدأ بالواجب من الأصل وغير الواجب من الثلث ، الأوّل فالأوّل.

مثلا لو كانت تركته تسعمائة دينار وأوصى بحجّ واجب وإعطاء مصارف الزواج لزيد مثلا مائتي دينار ، ومصارف الزواج لعمرو أيضا مائتي دينار ، وأجرة الحجّ يفرض أنّها ثلاثمائة دينار ، فالحج الواجب أوّلا يخرج من أصل التركة ثلاثمائة دينار ، فيبقى التركة ستمائة دينار بعد إخراج ثلاثمائة للحجّ الواجب وثلث الباقي مائتان.

فبناء على إنفاذ الوصيّة في غير الواجب المالي على الترتيب ـ أي الأوّل فالأوّل لا يبقى لزواج عمرو مال ، لأنّ الوارث لم يجز والثلث لا يسع للجميع ، فإذا بنينا على إنفاذ الوصيّة في غير الواجب المذكور الأوّل فالأوّل ، فلا يبقى محلّ للوصيّة الثالثة ـ أي‌ زواج عمرو ـ فتبطل بالنسبة إليه.

وذلك لأنّ الشارع لم يمض تصرّفات الموصي المتبرّعة في أمواله بتمليكه بعد موته لغيره في أزيد من ثلث ما يملكه إلاّ بإجازة الورثة ، ولا شكّ في أنّ الوصيّة في غير الواجبات من التبرّعات ، بل وحتّى في الواجبات غير المالي ، فلا بدّ من إخراجها من الثلث فيما إذا لم يجز الورثة كما هو المفروض.

وأمّا كونها أوّلا فأوّلا فإمّا من جهة تصريح الموصي بذلك بأن قال : خذوا نائبا لي في الحجّ الذي كان واجبا عليّ وما أديته ، وأعطوا زيدا مائتي دينار لزواجه ، ثمَّ أعطوا لعمرو كذلك مائتي دينار لزواجه ، أو فأعطوا لعمرو أو أعطوا عمروا بعد زواج زيد أو بعد إعطائكم زيدا.

والحاصل : أنّ الترتيب قد يستفاد من تصريح الموصي بذلك ، وقد يستفاد من ظواهر الألفاظ ، وقد يستفاد من القرائن الحاليّة والمقاليّة ، ولو كانت تلك القرينة هو الترتيب الذكري.

هذا كلّه فيما إذا كانت الوصيّة مركبة من الواجب المالي وغيره ، وأمّا إذا كان كلّها واجبا غير مالي ، أو كان كلّها غير واجب أصلا بل كان من التبرّعات ، أو كان مركّبا من الواجب غير المالي وغير الواجب أصلا ، فالحقّ أنّها تخرج من الثلث. وإن قيل بأنّ الواجبات غير الماليّة كالصلاة والصوم أيضا تخرج من الأصل ، ولكنّ الحقّ خلافه ، لما أشرنا إليه وهو أنّها أيضا من التبرّعات ، وكذلك بعد الفراغ من أنّها من الثلث لا من الأصل يكون إخراجها أوّلا فأوّلا إن لم يسع الثلث للجميع.

أمّا إخراج جميع هذه الأقسام الثلاثة ـ أي فيما إذا كان جميع ما أوصى بها غير واجب أصلا ، أو كان جميعها واجبا غير مالي ، أو كان مركّبا منهما ـ من الثلث لا من الأصل ، فلأنّها ليست مثل الديون بحيث يجب إخراجها ، ولو لم تكن وصيّة في البين بل وصيّة تبرعيّة بها ، فلا تنفذ إلاّ في الثلث إلاّ بإجازة الورثة.

وأمّا كونها أوّلا فأوّلا فيما إذا لا يسع الثلث للجميع ، فمثل ما ذكرنا وتقدّم من استفادة الترتيب إمّا من تصريح الموصي بذلك ، أو من الظهور اللفظي ككونها عقيب الفاء أو ثمَّ ، أو من القرائن الحاليّة أو المقاليّة ولو كانت هي الترتيب في الذكر كما تقدّم.

وأمّا لو لم يستفد الترتيب من تصريحه أو ظهور لفظه بما ذكرنا ، أو صرّح بعدم الترتيب في مقام الوصيّة كأن قال : لا تقدّموا بعض هذه على بعض ، فإن لم يسع الثلث للجميع ولم يجز الورثة فيما زاد ، فيقسّط النقص على الجميع بنسبة نقص الثلث عن مجموع الوصايا.

مثلا لو أوصى وصيّة تبرعية لأحدهم بمائتين وللآخرين كلّ واحد منهما بمائة فالمجموع يصير أربعمائة يفرض أنّ الثلث ثلاثمائة فالثلث ينقص عن الوصيّة بالربع أي يكون الثلث ثلاثة أرباع الوصيّة ، فينقص عن نصيب كلّ واحد منهم ربع ما أوصى له ، فمن صاحب المائتين يسقط خمسين ، ومن الآخرين من كلّ واحد منهما خمسة وعشرين ، وبعد إسقاط ما ذكرنا يبقى مجموع الوصيّة ثلاثمائة وهو مساو للثلث. وهكذا الأمر في جميع موارد نقص الثلث عن مجموع الوصيّة فيما إذا لم يفهم ترتيب أو فهم عدمه.

ثمَّ إنّه لو اشتبه الأمر ولم يكن دليل على الترتيب ولا على عدمه ، كما أنّه لو عدّد أشياء ثمَّ أوصى بمجموعها وكان الثلث أقلّ ، فهل يقسّط النقص على الجميع أو يقرع؟ وجهان ، والأظهر هو الأوّل.

هذا فيما إذا عيّن مقدار الموصى به لكلّ واحد منهم ، وأمّا إذا لم يعيّن فيقسّم بينهم بالسويّة ، كما إذا قال : أعطوا ثلث مالي بعد وفاتي زيدا وعمروا وبكرا ، أو قال : ملّكت ثلث أموالي هؤلاء وعددّهم.

وها هنا رواية تدلّ على نفوذ الوصيّة أوّلا فأوّلا فيما إذا يفي الثلث بالجميع ، بمعنى أنّه يبدأ بإنفاذ الوصيّة بما أوصى أوّلا ، ثمَّ بما بعدها ، وهكذا حتّى يتمّ الثلث ، وبطل‌ الزائد مع عدم إجازة الوارث.

وهي ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى عند موته وقال : أعتق فلانا وفلانا وفلانا حتّى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم قال عليه السلام : « ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون وينظر إلى ثلثه ، فيعتق منه أوّل شي‌ء ذكر ، ثمَّ الثاني ، ثمَّ الثالث ، ثمَّ الرابع ، ثمَّ الخامس فإن عجز الثلث كان في الذين سمى أخيرا ، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ، فلا يجوز له ذلك » (79).

وهذه الرواية تدلّ على أنّ الترتيب الذكري كاشف وأمارة على الترتيب الواقعي ، خصوصا بملاحظة التعليل الذي ذكره عليه السلام لحكمه بإنفاذ الوصيّة الأوّل فالأوّل.

فتحصّل ممّا ذكرنا في هذا الفرع أنّه إذا أوصى بوصايا متعدّدة ، فإن كان كلّها أو بعضها واجبا ماليّا ، يخرج ذلك الواجب المالي من الأصل ، سواء زاد على الثلث أم لم يزد. وأمّا إن لم يكن فيها واجب مالي ، سواء كان فيها واجب بدني أو لا ، أي سواء كان كلّها من واجبات بدنيّة أو بعضها أو لم يكن فيها واجب أصلا ، فيكون كلّها من الثلث ولا يكون في أزيد منه إلاّ بإجازة الوارث.

هذا فيما إذا كان الثلث وافيا بالجميع ، وأمّا إن لم يف بالجميع فقيل بتقديم الواجب على غيره ويخرج من الثلث ابتداء ثمَّ تصل النوبة إلى التبرّعات. ولكن عرفت أنّ الواجب البدني في عرض سائر المتبرّعات ، ولا تقدّم له عليها.

ثمَّ إنّه إن استفدنا الترتيب من تصريح الموصي أو من ظهور ألفاظه وضعا أو بتوسّط القرائن الحاليّة أو المقاليّة فيؤخذ به. وأمّا إن لم نستفد شيئا من هذا القبيل ، أو فهمنا من كلامه عدم الترتيب لتصريحه أو من القرائن ، فمقتضى القاعدة هو التقسيط وورود النقص على الجميع ، فينقص عن كلّ وصية من تلك الوصايا بنسبة نقص الثلث إلى مجموع الوصايا كما تقدّم ، لا القرعة كما توهّم.

نعم مقتضى رواية حمران المتقدّم هو الأخذ بالأوّل فالأوّل ، لكن بيّنّا أنّه بواسطة كون الترتيب الذكري أمارة على الترتيب الواقعي كما يظهر من تعليله عليه السلام بذلك حكمه بالإنفاذ أوّلا فأوّلا إلى أنّ يتمّ الثلث. وأمّا لو علم أنّه لم يرد الترتيب الواقعي ، بل أراد أن يكون الثلث لجميعهم ، فلا يبقى محلّ للأخذ بالأوّل فالأوّل.

فرع : لو أوصى لشخص بثلث ما يملك ، ولآخر بربعه ، ولثالث بسدسه ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث‌ ، فبناء على استفادة الترتيب من هذه الوصيّة ، إمّا من ترتيب الذكري ، أو من القرائن المقاميّة أو الحاليّة أو المقاليّة ، أو من الظهور الوضعي كما إذا عقب الوصيّة الأولى بالفاء أو بثمّ في الثانية والثالثة وهكذا ، أو من جهة كون الترتيب الذكري أمارة على الترتيب الواقعي كما أشرنا إليه في بيان رواية حمران ، فيكون الثلث للشخص الأوّل وبطلت الوصيّة لمن عداه.

وأمّا بناء على عدم استفادة الترتيب ، أو استفادة عدمه من القرائن المقاميّة ، أو تصريحه كما لو قال : لا تقدّموا أحدا على أحد في هذه الوصية بل يكون ثلثي لكلّهم ، فمقتضى القاعدة هو تقسيط الثلث على كلّهم ، أو القرعة إذا كان المورد واجدا لشرائط الاستخراج بالقرعة.

ولكن الظاهر أنّ مورد القرعة ما يكون له واقع وصار مجهولا في الظاهر. وما نحن فيه ليس كذلك ، فإنّ الوصايا المتعدّدة مقدار ما أوصى به في كلّ واحد منها معلوم ظاهرا وواقعا ، غاية الأمر لا يمكن العمل بها ، لأنّ العمل بمجموعها يوجب إخراج أزيد من الثلث ، وهو لا يجوز إلاّ بإجازة الورثة ، والمفروض أنّهم لم يجيزوا فيردّ عليهم‌ نقص بنسبة نقص الثلث عن المجموع.

مثلا لو كان مجموع الوصايا يبلغ الألف ، والثلث خمسمائة ، فالنسبة بين الثلث ومجموع الوصايا هي النصف ، فيسقط من كلّ وصية نصف ما أوصى به. فإذا أوصى لزيد مثلا بستمائة ، ولعمرو مثلا بثلاثمائة ، ولبكر بمائة فمجموع الوصايا يبلغ الألف ، والمفروض أنّ الثلث خمسمائة والنسبة هي النصف ، فيسقط من زيد ثلاثمائة ، ومن عمرو مائة وخمسين ، ومن بكر خمسين ، والمجموع خمسمائة فيبقى خمسمائة وهي مساو للثلث. وهكذا في جميع الموارد وطريقه تقسيم الثلث على الوصايا.

فإطلاق كلام القوم « إنّه إذا أوصى لشخص بثلث ولشخص آخر بربع وللآخر بسدس ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث ، يكون الثلث للشخص الأوّل وتبطل الوصيّة في الثاني والثالث » ليس كما ينبغي ، بل لا بدّ وأن يفصّل كما فصّلناه.

فرع : ولو أوصى بثلثه لواحد وبثلثه للآخر ، كان ذلك رجوعا عن الأوّل إلى الثاني‌ ، وذلك من جهة أنّ الوصيّة سواء كانت عقدا أو إيقاعا يجوز للموصي الرجوع عنها ما دام فيه الروح ، ولا ينفذ تصرّفاته في ماله بعد الموت بدون إجازة الورثة إلاّ في الثلث.

وهذا هو المراد من قولهم : « أنّ الميّت لا يملك من ماله إلاّ الثلث » وإلاّ فالميّت لا يملك شيئا وبمحض الموت المال ينتقل إلى الورثة والموصى له بعد قبوله إن كانت وصيّة في البين. وأيضا هذا هو المراد ممّا في بعض الروايات « للميّت ثلث ماله » فإذا أضاف الثلث إلى نفسه فليس له إلاّ ثلث واحد ، لأنّه لا ينفذ تصرّفاته باعتبار ما بعد الموت ، أي بعنوان الوصيّة في أزيد من ثلث واحد من أمواله ، فكأنّه لا يملك أزيد من هذا.

فلو أوصى عهديّا أو تمليكيّا في ثلثه المضاف إلى نفسه لشخص ، فلا يملك بعد ذلك‌ من ماله شيئا ، فوصيّته ثانيا بثلث المضاف إلى نفسه لشخص آخر تكون مضادّة لوصيته الأولى ، فلا بدّ بأن يقال : الوصية الثانية إمّا لغو وكلام باطل ، أو رجوع عن وصيته الأولى. ولكن ظاهر الكلام أنّه رجوع مع إمكانه وعدم محذور. وحمله على اللغويّة ولقلقة اللسان خلاف طريقة العقلاء وسيرتهم.

وبعبارة أخرى : حال الثلث المضاف إلى نفسه حال العين الخارجيّة المعيّنة من حيث عدم التعدّدية فيه ، فكما أنّه لو أوصى بمعيّن في الخارج ، كدار أو دكّان له لزيد مثلا ، ثمَّ أوصى ذلك العين الخارجي ثانيا لعمرو مثلا ، يكون رجوعا عن الوصيّة الأولى بلا خلاف. فليكن ما نحن فيه أيضا كذلك ، لأنّ الجهة فيهما واحدة ، وهي عدم لزوم اللغويّة في الثاني.

نعم لو لم يضف الثلث إلى نفسه بأن قال : أعطوا فلانا ثلثا من أموالي ، أو يقول في الوصيّة التمليكية : ملّكت فلانا ثلثا من أموالي ، بدون إضافة الثلث إلى نفسه يمكن أن يقال : إنّ متعلّق الوصيّة في الثاني غير ما هو متعلّق الوصيّة في الأولى ، لأنّ أحواله مشتملة على ثلاث أثلاث ، فيمكن أن يكون الثلث الذي هو متعلّق الوصيّة الأولى غير الثلث الذي يكون متعلّق الوصيّة الثانية ، وليس دليل يدلّ على اتّحاد المتعلّقين في البين.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ظاهر كلامه أنّه في مقام إنشاء وصيّة ماله أن يتصرّف فيه وهو ثلث نفسه ، وإلاّ فالثلثان الآخران خارجان عن تحت سلطنته وليس له أن يتصرّف فيهما ، فلو لم تكن إضافة في اللفظ فأيضا لا بدّ وأن يكون هو المراد ، فالثلث المجرّد عن الإضافة أيضا مثل المضاف ، فيكون أيضا رجوعا عن الأولى.

وفيه : أنّ هذا القياس ، أي قياس ثلث المجرّد عن الإضافة بالثلث المضاف في غير محلّه ، لأنّ المضاف ليس له فردان ، وأمّا غير المضاف فله أفراد ، فيمكن أن يكون المراد من الثلث في الوصيّة الثانية غير ما هو المراد في الوصيّة الأولى.

وأمّا ما يقال : ليس له التصرّف إلاّ في ثلث واحد وهو في مقام إنشاء الوصيّة ـ في الوصية التمليكيّة أو العهديّة ـ يريد التصرّف فيما يوصى به ، فلا بدّ من ورود الوصيّتين على نفس ذلك الثلث الذي له أن يتصرّف فيه ، وهو واحد لا تعدّد فيه ، فيعود المحذور.

وفيه : أنّه ما دام حيّا وفيه الروح له أن يتصرّف في أيّ ثلث من أثلاث أملاكه ، بل له أن يتصرّف في مجموع أمواله ، وتصرّفاته في جميع أمواله ممضاة لو كانت منجّزة ولا تحتاج إلى إجازة الورثة. نعم لو كانت غير منجّزة وكانت بعنوان الوصيّة يحتاج فيما زاد على الثلث إلى إجازة الورثة ، فله أن يريد من الثلث في الوصيّة الثانية غير ما أراد منه في الوصيّة الأولى ، غاية الأمر يحتاج نفوذه إلى إجازة الوارث. ففي هذا الفرض ليست الوصيّة الثانية ناسخة للأولى ، لعدم ورودهما على محلّ واحد كي يكون كذلك.

نعم للورثة أن لا ينفذوها ، وهذا لا يوجب انصراف لفظ الثلث إلى ثلثه المختصّ به الذي لا يحتاج إلى الإجازة وعدم إرادة أثلاث الآخر ، كي تكون الوصيّة الثانية مضادّة للأولى وتكون ناسخة لها.

فالحقّ في المقام هو الفرق بين الثلث المضاف إلى نفسه والثلث المجرّد عن الإضافة ، ففي الأوّل تكون الوصيّة الثانية رجوعا عن الوصيّة الأولى وناسخة لها ، وفي الثاني تكون وصية أخرى صحيحة لكن نفوذها موقوف على إجازة الورثة ، مثل ما لو كانت الوصيّة زائدة على الثلث يكون نفوذ مقدار الزائد موقوفا على إجازة الورثة.

ثمَّ إنّه في الصورة الأولى ـ أي فيما إذا أوصى بثلثه المضاف إلى نفسه تارة لزيد مثلا ومرّة أخرى لعمرو فبناء على أنّه رجوع عن الأولى يجب أن يعطى الثلث لعمرو ولا يستحقّ زيد شيئا منها. وبناء على أنّه يجب أن يعطى لزيد لأنّه في وقت الوصية لم يكن مانع عن نفوذها فوقعت صحيحة ، ولم يبق مجال للوصيّة الثانية ، فتكون الوصيّة الثانية لغوا وباطلا وإن أشكلنا على هذا الاحتمال ورجّحنا أن تكون الوصيّة الثانية رجوعا عن الأولى ـ لو اشتبه الأولى ولم يعلم أنّ الوصيّة الأولى لزيد أو لعمرو كي‌ نرتّب الأثر على كلّ واحد من القولين بأن يعطى له لو لم يكن الثاني رجوعا ، ولم يعط له لو كان ، فإنّه يستخرج بالقرعة.

وذلك من أنّه للأولى واقع معيّن معلوم عند العالم بها ، غاية الأمر اختفى واشتبه في مقام الظاهر والإثبات ، والاحتياط لا يمكن في الماليّات أو لا يجب ، ومثل هذه الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي مورد القرعة ، فإذا خرج بالقرعة أنّه زيد مثلا يرتّب عليه أثره.

وطريق القرعة هو أن يكتب في رقعة اسم أحدهما مع كلمة الأولى والسابق ، وفي رقعة أخرى اسم الآخر أيضا مع كلمة الأولى أو السابق ، فيخلطان فيخرج أحدهما فينظر فيه ، فأيّ واحد من الاسمين كان يكون هو السابق والأولى. وللقرعة طريق آخر أيضا لا حاجة إلى ذكرها.

فرع : ولو أوصى بشي‌ء واحد لاثنين كداره مثلا لهما وهو يزيد عن الثلث ولم تجز الورثة‌ ، كان لهما ما يحتمله الثلث. مثلا لو كانت قيمة تلك الدار ألفين والثلث ألف ، فالألف الزائد يحتاج نفوذه إلى إجازة الورثة ، فإذا لم يجيزوا تبطل الوصيّة بالنسبة إليه. وأمّا ما يحتمله الثلث ، أي الألف الآخر يكون لهما بالمناصفة ، أي كلّ واحد منهما خمسمائة. والوجه في الجميع واضح.

هذا إذا كانت الوصيّة واحدة ، وأمّا إذا كانت متعدّدة متعاقبة كما إذا قال : لزيد نصف داري الفلانيّة ولعمرو نصفها الآخر ، وكان مجموع الوصيّتين زائدا على الثلث ولم تكن الوصيّة الأولى وحدها زائدة على الثلث ولم تجز الورثة ، فالوصيّة الأولى تنفذ بلا نقص ، وكان النقص واردا على الثانية من الوصيّتين وقد تقدّم الوجه في ذلك.

فرع : ولو أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ثمَّ قالوا : ظننا أنّه قليل ، قضى‌ عليهم بما ظنّوه وأحلفوا على الزائد قال المحقّق : وفيه تردّد. (80) ‌

أقول : أمّا وجه الحكم على الورثة بما ظنّوه لأنّهم أقرّوا واعترفوا بإجازة هذا المقدار ، وأمّا إحلافهم على عدم إجازة الزائد فلأجل أنّهم منكرون إجازة الزائد ، والموصى له يكون مدّعيا لإجازة الزائد ، والأصل مع الورثة ، أي أصالة عدم صدور الإجازة بالنسبة إلى الزائد ، أو أصالة عدم العلم بالزائد.

هذا ، مضافا إلى أنّ هذه الدعوى ممّا لا يعلم إلاّ من قبلهم ، لأنّ ما يدّعون من كونهم ظانّين بالقلّة أمر مخفي على غيرهم ، فلا يطلبون بالبيّنة ، لعدم إمكان إقامتها على مثل تلك الدعوى غالبا ، لعدم اطّلاع الغير على الضمائر وما في النفس إلاّ من إخبار وإظهار صاحب الضمير ، وفي مثل هذه الدعوى لا يكلّف المدّعي بالبيّنة ، فلا يبقى ميزانا للقضاء إلاّ الحلف ، ولذلك يحلف.

وأمّا وجه تردّد المحقق لأنّ المسألة ذات وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا من أنّ الورثة يقضى عليهم بما ظنّوه ، لأنّهم أقرّوا واعترفوا بإجازة ذلك المقدار ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز (81). وسماع قولهم بالنسبة إلى الزائد عمّا ظنّوه ، لمطابقة دعواهم للأصل ، فيكونون منكرين على حسب موازين باب القضاء ، وعليهم الحلف لا البيّنة.

والوجه الثاني : هو أنّ اعترافهم بأنّهم أجازوا النصف مثلا أو ما هو زائد على الثلث حجّة عليهم ، فقولهم : « ظنّنا أنّه قليل » من قبيل الإنكار بعد الإقرار فلا يسمع ، وذلك لأنّ ظواهر الألفاظ وما هو المتفاهم منها عند العرف حجّة.

ولذلك في باب الأقارير لو أقرّ بلفظ وكان ذلك اللفظ ظاهرا في معنى ، فأنكر‌ كون ذلك المعنى الظاهر مراده وقال : إنّ مرادي كان شي‌ء آخر ، لا يسمع منه بل يؤخذ بإقراره ، أي بما هو ظاهر كلامه ويحسب دعوى إرادة خلاف ما هو ظاهر الكلام من الإنكار بعد الإقرار الذي لا يسمع.

وحيث لم يظهر عنده ترجيح أحد هذين الوجهين لذا أظهر التردّد في الوجه الأوّل الذي ذكرناه.

ولكن أنت خبير بأنّ ظواهر الألفاظ حجّة على المتكلّم ما لم يعلم أنّه أراد خلاف الظاهر ، واحتملنا أنّه أراد ما هو ظاهر اللفظ ولذلك في مقام الإقرار يثبت عليه ويلزم بما هو ظاهر لفظه ، إلاّ أن يعلم إرادة خلافه. وهذا ليس مخصوصا بظواهر الألفاظ بل حجّية كلّ أمارة موقوفة على عدم العلم بالخلاف ، ومع عدم العلم بعدم إرادته ما هو ظاهر اللفظ يستكشف المراد من ظاهر اللفظ.

فلو اعترف بأنّه أجاز النصف ، فادّعاؤه بعد ذلك بعدم إرادة النصف الواقعي بل إرادة ما ظنّ أنّه هو النصف لا يسمع ، إلاّ مع العلم بعدم إرادة النصف الواقعي ، ولا دليل على إثبات عدم إرادته النصف الواقعي وأنّه أراد ما هو مظنونه ، لاحتمال أن يكون دعواه دعوى كاذبة وأنّه أراد ما هو واقع نصف المال ، لا ما هو مظنونة.

مثلا لو كان النصف الواقع للمال ألف دينار ، وهو يدّعي الظنّ بأنّه ألف درهم فيدّعي أنّ إجازتي تعلّقت بألف درهم لا بألف دينار ، فحيث أنّ إجازته حسب اعترافه تعلّق بعنوان نصف المال ، ونصف الواقعي هو ألف دينار لا ألف درهم ، فيكون اللفظ كاشفا عن أنّه أجاز ألف دينار لا ألف درهم ، إلاّ أن يعلم بعدم إرادة النصف الواقعي ، وليس في البين علم بذلك ، فالتحقيق عدم قبول قول الورثة لاحتمال كذبهم فيما يدّعون.

هذا كلّه فيما إذا كانت الوصيّة بجزء مشاع كالنصف وثلثين وأمثالهما. وأمّا لو أوصى بعين معيّنة خارجيّة ، كداره المعيّنة ، أو بستانه المعيّن المعلوم ، فأجازوا هذه‌ الوصيّة ثمَّ ادّعوا أنّهم ظنّوا أنّها ليست أزيد من الثلث ، أو يكون أزيد بيسير على تقدير الزيادة ، لم يلتفت إلى دعويهم ولا يسمع ، لأنّ الإجازة في هذا الفرض تعلّقت بعين خارجيّة معيّنة معلومة ، لا إجمال لها ولا إبهام فيها.

فالفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة هو ما ذكرنا من عدم الإجمال والإبهام في هذه الصورة لأنّ الموصى به فيها معيّن معلوم وشخص خارجي يمتنع صدقه على المتعدّد ، بخلاف الصورة السابقة فإنّ الموصى به فيها حيث أنّه كسر مشاع يمكن أن يشتبه فيه من حيث القلّة والكثرة ، ولذلك هنا لا تسمع دعوى الورثة ، لعدم تطرّق الجهل والاشتباه بخلاف هناك ولذلك تسمع دعواهم.

ولكن التحقيق عدم الفرق بين الصورتين ، لوحدة المناط فيهما ، وهو كما ذكرنا حجّية الظهورات وما هو المتفاهم عرفا من الكلام ، ولذلك عند العرف يؤخذ المتكلّم بما هو ظاهر كلامه. وقد صرّح الفقهاء بذلك في باب الوصايا والأقارير والإجازات في المعاملات والعقود التي تقع فضولة. ولا فرق بين أن يكون متعلّق الإجازة هو الكسر المشاع أو شخص خارجي معيّن معلوم في الظهور العرفي. وكشفه عن مراد المتكلّم وحجّيته في ذلك ما لم يعلم أنّ مراده خلاف هذا الظهور ، فالحقّ في المقامين عدم سماع دعوى الورثة.

الكلام في الوصايا المبهمة‌ :

فرع : لو أوصى بجزء من ماله وردت روايات مفادها حمل الجزء من المال على العشر منه‌ ، مستدلا بقوله تعالى {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} [البقرة: 260] وكانت الجبال عشرة ، فعبّر الله تعالى عن كلّ عشر بالجزء ، فيحمل الجزء من الشي‌ء على عشرة تبعا لاستعماله في الكتاب العزيز‌ بهذا المعنى ، والإمام عليه السلام استدلّ بهذه الآية على أنّ المراد من جزء الشي‌ء هو عشرة في روايات :

منها : رواية أبان بن تغلب قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « الجزء واحد من عشرة ، لأنّ الجبال عشرة والطيور أربعة » (82) . ‌

ومنها : رواية عبد الله بن سنان ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال : إنّ امرأة أوصت إلىّ وقالت : ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلانة ، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى فقال : ما أرى لها شيئا ، ما أدرى ما الجزء. فسألت عنه أبا عبد الله عليه السلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة وبما قال ابن أبي ليلى ، فقال عليه السلام : « كذب ابن أبي ليلى ، لها عشر الثلث إنّ الله عزّ وجلّ أمر إبراهيم عليه السلام فقال ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الجبال يومئذ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي‌ء » (83).

وروى الشيخ هذه الرواية بإسناده عن عبد الله بن سنان بدون واسطة عبد الرحمن بن سيابة فتكون صحيحة. ورواها معاوية بن عمّار أيضا كذلك (84) . ‌

ومنها : رواية أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يوصي بجزء من ماله ، قال عليه السلام : « إنّ الجزء واحد من عشرة ، لأنّ الله يقول ( ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الجبال عشرة والطير أربعة ، فجعل على كلّ جبل منهن جزءا » (85).

ومنها : ما في تفسير العيّاشي عن عبد الصمد بن بشير ، عن جعفر بن محمّد عليه السلام في حديث أنّه سئل عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال : هذا في كتاب الله بيّن ، إنّ الله يقول ( ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) وكانت الطير أربعة والجبال عشرة ، يخرج الرجل من كلّ عشرة أجزاء جزءا واحدا » (86).

ومنها : رواية أبي جعفر بن سليمان الخراساني ، عن رجل من أهل خراسان في حديث : أنّ رجلا مات وأوصى إليه بمائة ألف درهم ، وأمره أن يعطي أبا حنيفة منها جزءا ، فسأل عنها جعفر بن محمّد عليه السلام وأبو حنيفة حاضر ، فقال له جعفر بن محمّد عليه السلام : « ما تقول فيها يا أبا حنيفة؟ » فقال : الربع. فقال لا بن أبي ليلى؟ فقال : الربع. فقال جعفر بن محمّد عليه السلام : « ومن أين قلتم الربع؟ » فقالوا : لقول الله عزّ وجلّ ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) فقال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا قد علمت الطير أربعة فكم كانت الجبال؟ إنّما الأجزاء للجبال ليس للطير ». فقالوا : ظنّنا أنّها أربعة. فقال أبو عبد الله عليه السلام : « لا ولكنّ الجبال عشرة » (87).

ومنها : رواية عليّ بن أسباط ، عن الرضا عليه السلام في حديث قال : « والجزء واحد من عشرة » (88).

ومنها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى بجزء من ماله ، قال : « جزء من عشرة ، وقال : كانت الجبال عشرة » (89).

وفي قبال هذه الروايات وردت روايات أخر مفادها تفسير الجزء بواحد من سبعة ، فإذا أوصى بجزء من ثلث ماله فيكون الموصى به سبع الثلث ، وإذا أوصى بجزء من ماله فيكون الموصى به سبع جميع ماله :

منها : رواية أحمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ فقال عليه السلام : « واحد من سبعة ، إنّ الله تعالى يقول {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [الحجر: 44] » (90).

ومنها : رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام في الرجل أوصى بجزء من ماله قال : « الجزء من سبعة إن الله تعالى يقول ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) » (91).

ومنها : رواية حسين بن خالد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال : « سبع ثلثه » (92).

والمراد أنّ الميّت ليس له إلاّ ثلث ماله ، فإذا كان جزء الشي‌ء سبعة وماله ثلثه فإذا أوصى بجزء من ماله يكون سبع ثلثه.

ولا شكّ في تعارض هذه الطائفة مع الطائفة الأولى. وقد جمع الشيخ بينهما بحمل الطائفة الأولى على الوجوب بمعنى أنّه يجب على الوصي أو الورثة إنفاذ الوصيّة‌ بالجزء بواحد من العشرة ، أي لا يجوز إعطاء الأقلّ من هذا ، والطائفة الثانية على الاستحباب ، بمعنى أنّه يستحبّ على الورثة إنفاذها بواحد من السبعة (93).

والتحقيق في باب الوصايا المبهمة التي هي محلّ بحثنا هو أنّه لو كان الإبهام من ناحية اللفظ وإجماله ، فإن كان تفسير من قبل الشارع في كلام ثبتت حجّيته من حيث الصدور ودلالته من حيث الظهور ، فيجب الأخذ به تعبّدا لا من باب دلالة ذلك الكلام المجمل وكشفه عن مراد المتكلّم.

ففي باب الوصايا والأقارير لو كان مثل هذا الكلام مثل ما نحن فيه لو أوصى بجزء من ماله لشخص ، والشارع الأقدس فسّر الجزء بالعشر أو السبع على اختلاف الروايات في هذه المسألة ، فلا يمكن أن يقال : إنّ مراد المتكلّم هو العشر أو السبع ، لعدم ظهور كلامه في هذا المعنى حسب طريقة أهل المحاورة ، بل حكم تعبّدي يجب الأخذ به تعبّدا والعمل به ، وذلك لولاية الشارع على أنفس المؤمنين وعلى أموالهم بطريق أولى ، ولقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .

فمقتضى القواعد الأوّلية في المقام هو أنّه لو كان الكلام مجملا ولم يكن له ظهور يكون وجوده كالعدم ، فإذا لم يكن دليل آخر على الحكم لا بدّ وأن يرجع إلى العمومات والإطلاقات الأوّلية وفي المقام هي أدلّة الإرث. ولا مجال للرجوع إلى إطلاقات أدلّة الوصيّة ، لأنّ المفروض أنّ وصيّته مجملة لا يفهم منها شي‌ء.

نعم إذا ثبت أنّ الشارع فسّر الكلام يجب الأخذ به تعبّدا ، وفي المقام أخبار التفسير كما عرفت متعارضة ، فإذا كان من الممكن جمع عرفي فهو ، وإلاّ وجب العمل بقواعد باب التعارض من الترجيح مع وجود المرجّح والتخيير مع فقده.

وها هنا الترجيح من حيث السند مع روايات السبع ، وذلك من جهة أنّ رواية‌ أحمد بن أبي نصر البزنطي صحيحة بلا إشكال ، وأمّا رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام إن كانت بدون وساطة عبد الرحمن بن سيابة فصحيحة بلا إشكال ، ولكن الظاهر أنّها بواسطة عبد الرحمن بن سيابة ، لأنّه من المستبعد جدّا أن يسأل عبد الله بن سنان الفقيه الجليل الإمامي عن ابن أبي ليلى ، فهذه قرينة على أنّ السائل غيره وهو عبد الرحمن بن سيابة الذي واسطة بينه وبين الإمام عليه السلام.

فالإنصاف أنّ روايات تفسير الجزء بالسبع أصحّ سندا ، وإن كانت روايات العشر أكثر عددا ، ومعلوم أنّ الترجيح من حيث السند مقدّم على كثرة العدد. ولكن قولنا إنّ روايات السبع أصحّ سندا مبنيّ على أن تكون رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام بواسطة عبد الرحمن سيابة ، وإلاّ لو كانت بدون واسطة فليست روايات السبع أصحّ سندا.

هذا ، مضافا إلى أنّ الجمع الذي ذكره الشيخ بين الطائفتين بحمل روايات السبع على الاستحباب على الورثة أن يعطوا للموصى له سبع المال ، لو كان جمعا عرفيّا كما هو كذلك فلا تعارض كي تصل النوبة إلى الترجيح بالسند. ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من استبعاد أن يكون السائل عن أبي ليلى هو عبد الله بن سنان ، لأنّ ذلك غاية ما يدلّ هو أنّ الراوي عن الإمام عليه السلام ليس عبد الله بن سنان بلا واسطة ، بل هو عبد الرحمن سيابة والرواية ضعيفة سندا.

ولكن بعد ما قلنا بالجمع العرفي فلا تصل النوبة إلى الترجيح كي يقال إنّ رواية أحمد بن أبي نصر البزنطي أصحّ سندا ، فالترجيح معها.

فالأولى والأحسن هو ما ذهب إليه الشيخ وجمع آخر من الأساطين إلى أنّ المستحبّ على الوارث إعطاء السبع وإن كان ليس ملزما إلاّ بالعشر.

فرع : لو أوصى له بسهم من ماله كان للموصى له ثمنه ، ولو أوصى له بشي‌ء‌ كان له السدس.

أمّا الأوّل فلصحيحة البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بسهم من ماله ، فقال عليه السلام : « السهم واحد من ثمانية ، ثمَّ قرأ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] » إلى آخر الآية (94).

ورواية صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : سألنا الرضا عليه السلام عن رجل أوصى لك بسهم من ماله ولا ندري السهم أيّ شي‌ء هو؟ فقال عليه السلام : « ليس عندكم فيما بلغكم عن جعفر ولا عن أبي جعفر عليه السلام فيها شي‌ء؟ » فقلنا له : ما سمعنا أصحابنا يذكرون شيئا من هذا عن آبائك : قال : فقال : « السهم واحد من ثمانية إلى أن قال : قول الله عزّ وجلّ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ثمَّ عقد بيده ثمانية قال : وكذلك قسّمها رسول الله صلى الله عليه واله على ثمانية أسهم ، فالسهم واحد من ثمانية » (95).

ورواية محمد بن محمد المفيد في الإرشاد قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى عند الموت بسهم من ماله ولم يبيّنه فاختلف الورثة في معناه ، فقضى عليهم بإخراج الثمن من ماله وتلي عليهم ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) إلى آخره ، وهم ثمانية أصناف ، لكلّ صنف منهم سهم من الصدقات. (96) وروايات أخر بهذا المضمون. (97) نعم هناك روايتان أخريان :

إحديهما : رواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام قال : « من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة » (98).

الثانية : رواية محمّد بن عليّ بن الحسين قال : « وقد روى أنّ السهم واحد من ستّة » (99).

أقول : أمّا رواية العشر فمن الشواذّ التي لا يعلم بها قائل ، ونسبه الشيخ (100) إلى وهم الراوي وأنّه سمعه فيمن أوصى بجزء من ماله فظنّه السهم ، أو أنّه ظنّ أنّ السهم والجزء واحد ، وعلى كلّ فالرواية متروكة لم يعمل بها أحد.

وأمّا مرسلة الصدوق وما روى عن ابن مسعود أنّ رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبيّ صلى الله عليه واله السدس ، فأعرض عنها المشهور ، فلا تقاوم الروايات الكثيرة التي بعضها صحيحة ، وإن عمل بهما الشيخ في أحد قوليه. (101) وأمّا ما قيل : إنّ السهم في كلام العرب هو السدس ، فلم يثبت ولا أساس له.

فرع : لو أوصى بشي‌ء من ماله لرجل فله السدس إجماعا‌ ، لرواية أبان عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه سئل عن رجل أوصى بشي‌ء من ماله فقال : « الشي‌ء في كتاب عليّ واحد من ستّة » (102) والقول بأنّه العشر شاذّ.

فرع : لو أوصى بوجوه فنسي الموصي وجها منها ، جعله الوصي في وجوه البرّ.

هذا أحد القولين في المسألة ، وإليه ذهب المشهور.

والقول الآخر : أنّه يرجع ميراثا. والقائل به ابن إدريس (103) ، ونسب إلى الشيخ أيضا في بعض فتاواه (104) ، ولكن في كتبه وافق المشهور بأن يجعله الوصي في وجوه البرّ.

والأقوى هو قول المشهور ، وذلك أوّلا لرواية محمّد بن ريّان قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصي إلاّ بابا واحدا منها كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع : « الأبواب الباقية اجعلها في البرّ » (105) ، وروى هذه الرواية بعدّة طرق.

وثانيا : أنّه بعد ما خرج عن ملك الموصي والورثة بعد موت الموصي ، فيكون من قبيل مال المجهول المالك ، وبعد نسيان مصرفه فيصرفه في وجوه البرّ ، لأنّه في الغالب أقرب إلى ما يريد الموصي ، بل يمكن أن يقال إنّ صرفه في وجوه البرّ حيث أنّه يرجع إلى الجهات العامّة للمسلمين يكون من الصدقة التي هي مصرف مجهول المالك.

وثالثا : على هذا فتوى المشهور ، وهو ممّا يؤيّده قوّة حجّية رواية محمّد بن ريّان.

ورابعا : حكمهم : بالصرف في وجوه البرّ في نظائر المقام ، كما إذا أوصى بمال أن يحجّ عنه مع عدم كفاية ذلك المال للحجّ عنه ، وذلك في رواية علي بن‌ مزيد صاحب السابري قال : أوصى إلى رجل بتركته وأمرني أن أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك ، فإذا هي شي‌ء يسير لا يكفي للحجّ إلى أن قال : فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال : « ما صنعت بها »؟ قلت : تصدّقت بها قال عليه السلام : « ضمنت إلاّ أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة ، فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من مكّة فليس عليك ضمان ، وإن كان يبلغ ما يحجّ به من مكّة فأنت ضامن » (106).

فقد حكم عليه السلام بعدم الضمان وصحّة الصدقة فيما إذا لم يبلغ المال قدر ما يحجّ به عنه من مكّة.

نعم نبّه الإمام عليه السلام الوصي على أمر ، وهو أنّ المراد من عدم بلوغ المال قدر ما يكفي الحجّ هو عدم بلوغه حتّى من مكّة ، بأن يكون حجّ إفراد ، أو من أقرب المواقيت مثلا لو كان المال يكفي للإحرام من الحديبية بل من أوّل الحرم ، فهذا ليس من عدم البلوغ.

وأمّا القول الآخر ـ أي رجوعه ميراثا الذي قال به ابن إدريس ونقله عن الشيخ ـ فمستنده أنّ الوصيّة بعد عدم إمكان العمل بها تبطل ، فيرجع المال إلى صاحبه وهو الوارث.

وفيه : أنّ العجز عن العمل بها لا يوجب بطلانها ، لأنّه غالبا يكون من قبيل تعدّد المطلوب. مثلا لو أوصى بعمارة مسجد أو مدرسة تكون مساحة كلّ واحد منهما ألف متر ولا يوجد المكان الذي يسع هذا المقدار ، بل في ذلك المكان المعيّن الذي عيّنه الموصي للمسجد أو للمدرسة توجد أرض بسعة تسعمائة مترا ، والمال الذي عيّن لبناء المدرسة ذات طبقتين لا يفي بذلك ، ولكن يمكن عمارة مدرسة ذات طبقة واحدة ، فلا شكّ في أنّ القسم الأوّل هو مطلوبه الكامل ، لا أنّ المطلوب منحصر به فلو بنى‌ مسجدا سعة تسعمائة متر ليس لمطلوبه أصلا وكذلك مدرسة ذات طبقة واحدة ليس بمطلوبه أصلا ، فلا شكّ في مطلوبيّة هذا القسم عند تعذّر القسم الأوّل ، نعم هو المطلوب الأكمل وهذا أيضا له مرتبة من المطلوبيّة. ولعلّ هذا هو المناط في قاعدة الميسور وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

هذا إذا كان العجز من أوّل الأمر. وأمّا العجز الطاري عن بعض مراتب الوصيّة فلا يوجب بطلانها يقينا ، كما أنّه في الوقف الذي طرأ العجز عن العمل به تماما كما أراد الواقف فالمشهور على أنّه لا يبطل الوقف ولا يرجع إلى ملك الواقف فيرثه الوارث ، بل يصرف فيما هو أقرب إلى الجهة التي وقف عليها ، لأنّ الرجوع إلى ملك الوارث يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

مضافا إلى أنّ الرجوع إلى ملك الوارث لا معنى له في المقام ، لأنّه كان ملكا للموصي وهو ملّك الموصى له أو أخرج عن ملكه لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات ، أو لجهة من الجهات كالصرف في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام أو جهة أخرى من شعائر الدين ولم ينتقل إلى الوارث أصلا.

وأمّا الرجوع إلى ملك الموصي فإن كانت الوصيّة انعقدت صحيحة وخرجت عن ملكه بعد موته فطرأ النسيان ولذلك تعذّر صرفها في مصرفها الذي عيّن الموصي لها ، فحال الموصي مع سائر الناس بالنسبة إليها سواء ، فلا بدّ وأن يقال إمّا أن يصير كالمباحات الأصليّة فلكلّ أحد أن يتصرّف فيها. وهذا ممّا لا يمكن أن يلتزم به فقيه ، فالأقوى ـ بل المتعيّن ـ صرفها في وجوه البرّ ، فإنّها بعض مطلوب الموصي ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

فرع : ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته بأنّه لا يرث من تركته ، فهل تقع هذه الوصيّة صحيحة أم لا؟ فيها خلاف بين الأصحاب ، والمشهور عدم الصحّة ، لأنّها مخالف للكتاب والسنّة.

أمّا مخالفتها للكتاب فلقوله تعالى {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] إلى آخر.

ولقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].

وأيضا لقوله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } [الأنفال: 75] .

وأمّا السنّة فروايات :

منها : رواية السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : قال : قال عليّ عليه السلام : « ما أبالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال » (107).

ومنها : أيضا عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : قال : قال عليّ عليه السلام : « من أوصى ولم يحف ولم يضارّ كان كمن تصدّق به في حياته » (108).

ومنها : رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام : « قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفّى وأوصى بماله كلّه أو أكثره ، فقال له : الوصيّة تردّ إلى المعروف غير المنكر ، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيّته المنكر والحيف فإنّها تردّ إلى المعروف ويترك لأهل الميراث ميراثهم » الحديث (109) وروي هذه الرواية بعدة طرق ذكرها في الوسائل.

ومنها : رواية محمّد بن سوقة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] قال عليه السلام : « نسختها الآية التي بعدها قوله عزّ وجلّ {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182] قال : يعنى الموصي إليه إن خاف جنفا من الموصي فيما أوصى به إليه ممّا لا يرضى الله عزّ ذكره من خلاف الحقّ فلا إثم عليه ، أي على الموصى إليه أن يردّه إلى الحقّ وإلى ما يرضى الله عزّ وجلّ فيه من سبيل الخير » (110).

ومنها : رواية عليّ بن إبراهيم عن رجاله قال : قال : إنّ الله أطلق للموصى إليه أن يغيّر الوصيّة إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها حيف ، ويردّها إلى المعروف ، لقوله عزّ وجلّ ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) إلى آخر (111). والحيف هو الجور على الورثة.

ومنها : رواية عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال : قال الصادق عليه السلام : « إذا أوصى الرجل بوصيّة فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصيّة يوصى بها بل يمضيها ، إلاّ أن يوصى غير ما أمر الله فيعصي في الوصيّة ويظلم ، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضا ، فالوصي جائز له أن يردّه إلى الحقّ وهو قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) فالجنف هو الميل إلى بعض ورثتك دون بعض ، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر فيحلّ للوصي أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك » (112).

ومنها : رواية سعد بن سعد قال : سألته ـ يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام ـ عن رجل كان ابن يدّعيه فنفاه وأخرجه من الميراث وأنا وصيّه فكيف أصنع؟ فقال عليه السلام : « لزمه الولد لإقراره بالمشهد لا يدفعه الوصي عن شي‌ء قد علمه » (113).

وهذه الروايات كما ترى تدلّ على عدم جواز الجور والخروج عن الجادة في الوصيّة بأن يضرّ ببعض الورثة ويخرجه عن تركته وميراثه ، وإن اثم وفعل فلا يجوز إمضاؤه فيما صنع من الحيف والجور ، بل يجب ردّه ممّا صنع وتحويله إلى الحقّ.

هذا ، مضافا إلى أنّ إخراجه عن تركته إمّا بنفي كونه ولدا له ، وهذا بعد إقراره به لا مجال له ولا يسمع ، لأنّه من الإنكار بعد الإقرار. وإمّا ينفي كونه وارثا مع الإقرار بأنّه ولد ، وهذا يرجع إلى إنكار الحكم الشرعي الثابت بالأدلّة القطعيّة ، وهو واضح البطلان. وإمّا بمنعه عن حقّه بواسطة الوصيّة ، وهذا هو الجنف والحيف المنهي عنه.

نعم وردت رواية في إنفاذ مثل هذه الوصيّة في حقّ الولد الذي وقع على أمّ ولد أبيه ، وهي ما رواه محمّد بن يحيى عن وصي عليّ بن السري قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ علي بن السري توفّي وأوصى إليّ فقال ; فقلت وإنّ ابنه جعفر وقع على أمّ ولد له فأمرني أن أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه إن كنت صادقا فسيصيبه خبل قال : فرجعت فقدّمني إلى أبي يوسف القاضي فقال له : أصلحك الله أنا جعفر بن على بن السري وهذا وصي أبي فمره فليدفع إلي ميراثي من أبي فقال لي : ما تقول؟ فقلت : نعم هذا جعفر بن على بن السري وأنا وصيّ علي بن السري قال : فادفع إليه ما له. قلت : أصلحك الله أريد أن أكلّمك. قال : فادن فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت هذا وقع على أمّ ولد لأبيه فأمرني أبوه وأوصى إليّ أن أخرجه من الميراث‌ ولا أورثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأخبرته وسألته ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، فقال : إنّ أبا الحسن عليه السلام أمرك؟ قلت : نعم فاستحلفني ثلاثا ثمَّ قال : أنفذ ما أمرك فالقول قوله قال الوصي فأصابه الخبل بعد ذلك (114).

ولكن هذه الرواية على تقدير عدم كونها مهجورة متروكة وعدم إعراض الأصحاب عنها ليس مفادها جواز إخراج بعض الورثة عن التركة مطلقا ، بل موردها مورد خاصّ وهو فيما إذا كان المأمور بالإخراج عن التركة هو الولد الذي وقع على أمّ ولد أبيه ، ولا مانع من الالتزام بها في مورده.

وبعبارة أخرى : هذا حكم تأديبي صدر عن الإمام عليه السلام في مورد ذلك الشخص أو يكون حكم كلّ من فعل مثل هذا الفعل وارتكب مثل هذه الجريمة جواز إخراجه عن الميراث؟

وحكى في الوسائل (115) عن الصدوق أنّه قال : ومتى أوصى الرجل بإخراج ابنه من الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيّته في ذلك (116) ونسب إلى الشيخ أنّه قال : هذا الحكم مقصور على هذه القضيّة لا يتعدّى إلى غيرها ، لأنّه لا يجوز أن يخرج الرجل من الميراث المستحقّ بنسب شائع بقول الموصي وأمره أن يخرج من الميراث إذا كان نسبه ثابتا (117) ، ولنعم ما قال.

ثمَّ إنّه قد يحتمل أن يكون مراد الأب من إخراج هذا الولد من التركة إخراجه عن الثلث الذي يملكه هو فكأنّه وصيّته لغيره بالثلث. وأفرض أنّه له ولدين ، أحدهما صغير ولا يقدر على إعاشة نفسه من الكسب ، والآخر كبير يقدر على ذلك ، فهو مراعاة للولد الصغير يخصّ الثلث بالصغير ، وباقي المال ـ أي الثلثان ـ يكون بينهما. وهذا على حسب مقتضى القواعد الأوّليّة لا محذور فيه أصلا.

أقول : هذا الاحتمال في حدّ نفسه صحيح لا مانع منه ، ولكن الفرض والرواية ليسا ظاهرين في هذا المعنى أصلا.

فرع : لو أوصى لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية ، كان السيف له بما عليه وفيه‌ ، وذلك من جهة الظهور العرفي لهذا الكلام. وكذلك لو أقرّ به لشخص.

وقد روى أبو جميلة عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف وكان في جفن وعليه حلية؟ فقال له الورثة إنّما لك النصل وليس لك السيف ، فقال عليه السلام : « لا ، بل السيف بما فيه له » الحديث (118).

وروى أيضا أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف فقال الورثة : إنّما لك الحديد وليس لك الحلية ليس لك غير الحديد؟ فكتب عليه السلام إلىّ : « السيف له وحليته » (119).

وأيضا لو أوصى بصندوق لغيره وكان فيه مال ، كان الصندوق بما فيه من المال‌ للموصى له. وفيه أيضا رواية عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى لرجل بصندوق وكان في الصندوق مال ، فقال الورثة : إنّما لك الصندوق وليس لك ما فيه ، فقال : « الصندوق بما فيه له » (120).

وأيضا لو أوصى لشخص بسفينة وفيها طعام ، فهي وما فيها من الطعام للموصى له. وأيضا فيها رواية عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل قال هذه السفينة لفلان ولم يسمّ ما فيها وفيها طعام أيعطيها الرجل وما فيها؟ قال عليه السلام : « هي للذي أوصى له بها إلاّ أن يكون صاحبها متّهما وليس للورثة شي‌ء » (121).

وروى الصدوق هذه الرواية إلاّ أنّه قال في آخرها : « إلاّ أن يكون صاحبها استثنى ممّا فيها » (122).

وقد تقدّم أنّه في باب الوصايا والأقارير يلزم الأخذ بما هو ظاهر الكلام حسب المتفاهم العرفي ، وقد خصّ الفقهاء هذه الموارد بالذكر لوجود الروايات المتقدّمة ، وإلاّ فلا خصوصية لها كما هو واضح.

فرع : لو أوصى بلفظ مجمل لم يفسّره الشرع ، رجع في تفسيره إلى الوارث‌ ، كقوله : أعطوا فلانا حظّا من مالي أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا وأمثال ممّا ليس له حدّ معيّن ومفهوم مبيّن عند العرف وأهل المحاورة.

هذا ما قاله في الشرائع (123) ، ولكن لم نفهم وجها للرجوع إلى الوارث في تفسير هذه الألفاظ ، بل المعتبر في تشخيص مراد الموصي هي الظهورات عند أهل المحاورة ، وحال الوارث مع غيره في ذلك سواء.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الوارث خصوصا إذا كان من الأقرباء الأقربين كأولاده المعاشرين معه عارف بالمعنى الذي يريد من هذه الألفاظ ، فيكون التبادر إلى أذهانهم ـ بواسطة الأنس باستعمالاته ـ دليلا على أنّ مراده من هذه الألفاظ هو هذا المعنى الذي تبادر إلى أذهانهم ، وإلاّ فلا وجه للرجوع إليهم أصلا ، بل الصحيح هو أنّه لو استعمل الألفاظ المجملة في وصيته أو إقراره يكون كلامه غير حجّة وكأنّه لم يكن ، فالمرجع هي الأصول العمليّة.

ويمكن أن يكون المراد من الرجوع في تفسير هذه الألفاظ إلى الوارث من جهة أنّ التركة بين الموصى له والوارث ، فأيّ مقدار عيّن للفظ إمّا واقعا للموصى له فيعطيه ما هو حقّه وملكه ، وإمّا تمامه أو بعضه ملك للوارث ، فهو باختياره يعيّنه للموصى له وله ذلك ، لأنّ الناس مسلطون على أموالهم.

ولكن يظهر من عبارة الشيخ في المبسوط أنّ هذه الألفاظ حيث أنّ إجمالها بواسطة صدقها على القليل والكثير ، فالوارث مخيّر بين تطبيقها على القليل والكثير ، بل وعلى أيّ مرتبة من مراتب مصاديق هذه الألفاظ فله حقّ التفسير والتطبيق ، لذلك يرجع إليه في التفسير.

وأمّا احتمال أن يكون تفسيره وتطبيقه على أقلّ ممّا يستحقّه الموصى له فليس له هذا الحقّ ، مدفوع بأصالة عدم استحقاقه للزائد. ولعل هذا أحسن الوجوه لهذا الحكم ، أي للرجوع إلى الوارث في تفسيرها.

قال في المبسوط : إذا قال لفلان : حظّ من مالي أو نصيب أو قليل ، فإنّه يرجع‌ إلى الورثة (124) .

ولو تعذّر الرجوع إلى الوارث لغيبته ، أو لامتناعه عن التفسير ، أو لصغره وعدم الاعتبار بكلامه ، أو لجنونه قال في المسالك : أعطي أقلّ ما يصدق عليه الاسم ، أي اسم ذلك اللفظ المجمل ، لأنّه القدر المتيقّن (125) . ‌

وفيه نظر واضح ، لتعارض الحقّين ، أي حقّ الموصى له وحقّ الوارث.

ومن هذه الألفاظ المجملة لفظ « كثير » فلو أوصى وقال : أعطوا الفلان مالا كثيرا من تركتي ، فقال جماعة : إنّه يعطى له ثمانين من أيّ شي‌ء كان متعلّق الوصيّة درهما أو دينارا أو غيرهما. وذلك للرواية التي وردت في باب النذر أنّه لو نذر أن يعطى درهما أو دينارا كثيرا أو غيرهما ، فعليه أن يعطى ثمانين ممّا نذر. واستدلّ الإمام عليه السلام لهذا التفسير بقوله تعالى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } [التوبة: 25] (126) وكانت تلك المواطن بعد إحصائها ثمانين.

ولكن أنت خبير بأنّ استعمال اللفظ في مورد في بعض مصاديقه لا يوجب كون المراد من اللفظ دائما ذلك المعنى ، ففي نفس مورد الرواية المعتبرة يجب العمل بها مع الإمكان ، وفيما سوى ذلك لا بدّ من الرجوع إلى القواعد الأوّلية أو الأصول العمليّة.

فرع : يستحبّ أن تكون الوصيّة بخمس ماله ، ودونه في الفضل الربع ، ودونه الثلث. وأمّا بالأزيد من الثلث فلا ينفذ إلاّ بإجازة الورثة. والمستند رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأن أوصي بخمس مالي أحبّ إليّ من أن أوصى بالربع ، ولأن أوصى بالربع أحبّ إليّ من أن أوصى‌ بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك وقد بلغ الغاية ( وقد بالغ ) » (127).

ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « من أوصى بالثلث فقد أضرّ بالورثة ، والوصيّة بالربع والخمس أفضل من الوصيّة بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك » (128).

ورواية السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه : قال : « قال عليّ عليه السلام الوصيّة بالخمس ، لأنّ الله عز وجل قد رضى لنفسه بالخمس ، وقال : الخمس اقتصاد ، والربع جهد ، والثلث حيف » (129).

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه السلام قال : « لئن أوصي بالخمس أحبّ إليّ من أن أوصى بالربع ، ولأن أوصى بالربع أحبّ إليّ من أن أوصى بالثلث ، ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئا » (130).

في أحكام الوصيّة‌ :

فرع : لو أوصى بمنافع أعيان ما يملك ، بعضها أو جميعها ، لكلّ ما يملك أو لبعضه ، على التأبيد أو مدّة معيّنة صحّ بلا خلاف. ولا فرق في تلك المنافع الموصى بها بين أن تكون من الأعيان التي لها وجود مستقلّ بعد الانفصال عن ذيها كالحمل في الدابّة ، والثمرة في الشجر ، واللبن والصوف في الأغنام وغير ذلك ، وبين أن لا يكون كذلك كسكنى الدار ، والكسب في الدكان ، وركاب الدابّة وأقسام المراكب ، لشمول عمومات وإطلاقات أدلّة الوصيّة.

وأمّا الإشكال بأنّ تلك المنافع ليست من تركة الميّت ولا من أمواله كي يملكها لغيره.

ففيه : أنّ الموصي يملكها حال حياته بتبع العين ، بمعنى أنّ حالها بالنسبة إلى الموصي حال نفس العين ، له السلطنة عليها كسلطنته على نفس العين ، ولذلك يجوز أن يؤجر العين سنين متعدّدة ثمَّ يبيعها ، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة ، وهذا دليل قطعي على أنّ مالك العين مالك لمنافعها ، لأنّ الإجارة عبارة عن تمليك منافع العين بعوض مالي معلوم ، وما لم يكن مالكا كيف يملك الغير وليس صرف التبعيّة للعين ، لأنّ المفروض أنّه باع العين ، فالمنافع ملك لشخص والعين ملك لشخص آخر. وكذلك الأمر في الوصيّة التمليكيّة بالنسبة إلى المنافع تكون العين ملكا للورثة بعد موت الموصي بالإرث والمنافع ملكا للموصى له بالوصية.

نعم لا بدّ وأن تقوّم تلك المنافع التي أوصى بها ، وتلاحظ مع مجموع المال المركّب منها وما سواها من الأعيان والمنافع بكلا قسميها.

ثمَّ إنّه لو أوصى لزيد مثلا بركوب دابّته سنة أو أكثر ، فنفقة الدابّة على مالكها لا على الموصى له ، لأنّ المفروض أنّ النفقة نفقة الملك ، والدابّة ملك للوارث لا الموصى له وإنّما الموصى له مالك المنفعة فقط.

ولكن هذا الذي قلنا من كون النفقة على الوارث لا الموصى له مسلّم فيما إذا كانت الوصيّة بالمنافع موقّتة ، وأمّا لو كان الإيصاء بالمنفعة مؤبّدة ففيه إشكال ينشأ من أنّه‌ من حيث أنّ الحيوان ملك للوارث والنفقة نفقة الملك فتجب عليه لأنّه مالك ، ومن أنّه ملك مسلوب المنفعة فإلزام المالك بالنفقة ووجوبها عليه ضرر عليه بدون تدارك ، ومثل هذا الحكم منتفي في الشريعة الإسلاميّة بقوله صلى الله عليه واله : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (131) وأيضا بأنّ « من كان له الغنم فعليه الغرم ».

ومن أجل هذا الإشكال قيل بأنّ نفقته من بيت المال ، لأنّ المفروض أنّ منافعه للموصى له ، فلا بدّ وأن يكون نفقته إمّا على المالك أو على الموصى له أو من بيت المال فإذا نفينا الأوّلين لما ذكرنا في وجه نفيهما فلا يبقى وجه إلاّ كونها من بيت المال.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه الاستحسانات ـ مضافا إلى أنّها مخدوشة في نفسها ومنقوضة بموارد كثيرة ولا دليل على اعتبارها وذهاب الأكثر إلى أنّ النفقة على الوارث لا على الموصى له بالمنفعة وإن كانت مؤبّدة ـ لا تعارض إطلاق أدلّة وجوب نفقة الملك على المالك إن كان حيوانا ، إنسانا كان أو غير إنسان بل وإن كان غير حيوان كالبستان الذي أوصى المالك كون أثماره ومنافعه لشخص ، فسقيه وحرثه وتسميده إن كان محتاجا إليها بحيث تموت الأشجار وتتلف على الوارث المالك.

وإن كان لا يخلو من الإشكال ، وذلك لعدم الدليل على وجوب نفقة البستان على مالكه كي يؤخذ بإطلاقه. وقياسه بنفقة الحيوان أوّلا قياس باطل ، وثانيا مع الفارق.

فإذا ظهر أنّ الوصيّة بالمنافع التي لعين من أعيان ماله صحيحة موقتة ومؤبدة ، فلكلّ واحد من الوارث والموصى له التصرّف فيما يخصّه ، فللموصى له التصرّف في المنافع على وجه لا يضرّ بالعين أزيد ممّا هو متعارف في باب الإجارات ، بمعنى جواز التصرّفات التي يتوقّف الانتفاع بها حسب المتعارف في باب الانتفاع فيما إذا ملك الانتفاع بالإجازة لصيرورة المنافع ملكا له ، وللوارث التصرّف في العين ولكن التصرّفات التي لا يضرّ بمنافعها أو الانتفاع بها بلا خلاف ولا إشكال.

وذلك لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ولا شكّ في أنّ الإضرار بالغير غير جائز ، ونتيجة الجمع بين هذه الأدلّة هو جواز تصرّف كلّ واحد منهما في ماله من دون احتياج إلى الإذن من الآخر ولكن مع عدم الإضرار بالآخر.

وليس ما نحن فيه من قبيل الشريكين كي يكون التصرّف من كلّ واحد محتاجا إلى إذن الآخر ، وذلك لأنّ الشراكة بناء على الإشاعة كلّ جزء جزء من المال المشترك يكون بينهما بأحد الكسور إمّا بالمناصفة أو بالمثالثة وهكذا ، فتصرّف كلّ واحد منهما في أيّ جزء مستلزم للتصرّف في مال الآخر ، ولذلك يحتاج إلى الإذن.

وأمّا فيما نحن فيه فالمالان متميّزان ، ومتعلّق الملكيّة في أحدهما العين وفي الآخر المنفعة ، فلكلّ واحد منهما التصرّف في ماله من دون الاحتياج إلى إذن. وأمّا المقدار الذي يلزم من التصرّف في ماله التصرّف في مال الغير ، فهو من لوازم جعل ملكيّة المنافع للموصى له مثلا ، وإلاّ يلزم أن يكون جعل الملكيّة له لغوا.

ولذلك في باب الإجازة التي هي عبارة عن جعل ملكيّة سكنى الدار مثلا لزيد مدّة معيّنة بعوض مالي معلوم ، بعد وقوع هذا الجعل من طرف المالك وتماميّة العقد لا مانع من تصرّف زيد في تلك الدار ، ولا يحتاج إلى الاستيذان من المالك في التصرّف فيها لأجل الانتفاع ، لأنّ ملكيّة منفعة الدار مثلا ملازم مع جواز التصرّف فيها وإلاّ يكون جعل ملكيّة المنفعة له لغوا.

وعلى كلّ حال من الواضح المعلوم أنّ كون المنفعة للموصى له والعين للوارث ليس من باب الشركة ، لتميّز الملكين كلّ واحد عن الآخر. ويتفرّع عليه فروع.

الكلام في إثبات الوصية‌ :

وتثبت الوصيّة التي عرفت جملة من أحكامها بالبيّنة ، وهي عبارة عن شهادة عدلين كسائر الموضوعات التي لها آثار شرعيّة ، وذلك لعموم حجّيتها بالنسبة إلى‌ جميع الموضوعات التي لها آثار شرعيّة. وقد تقدّم في هذا الكتاب (132) الكلام في عموم حجّيتها وعدم اختصاصها بباب القضاء.

فرع : هل تثبت الوصيّة بشهادة أهل الذمّة عند فقد البيّنة‌ ، أي عدم عدلين مسلمين أم لا؟

لا إشكال في إثبات الوصيّة وقبول شهادة الذمّي عند فقد عدول المسلمين في الجملة ، للآية والرواية.

أمّا الآية : فقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] .

المراد ( بالآخران من غيركم ) هو أن يكونا من أهل الذمّة من الكفّار ، لا مطلق الكفّار سواء كانوا حربيين أم ذمّيين ، وذلك لورود الرواية على قبول شهادة أهل الذمّة ، في ما رواه سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة أهل الذمّة؟ فقال : « لا تجوز إلاّ على أهل ملّتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة ، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد » (133).

ويستفاد من هذه الرواية تقييد قبول شهادتهم بأمرين : أحدهما عدم العدول من أهل الإسلام ، الثاني انحصار قبول شهادتهم بخصوص الوصيّة. نعم لو أخذنا بعموم التعليل وهو عدم صلاح ذهاب حقّ أحد فتصير دائرة القبول أوسع.

ولكن أنت خبير بأنّ مفاد الرواية ليس انحصار من تقبل شهادته بخصوص أهل‌ الذمّة ، لأنّ ثبوت حكم لموضوع لا يوجب نفيه عن غيره ، إلاّ أن يكون للكلام مفهوما ، أي يكون للكلام قيد يدلّ على ثبوت الحكم عند وجود ذلك القيد وعدمه عند عدمه ، سواء كان ذلك القيد بصورة الشرط أو الوصف أو غيرهما ممّا يكون له مفهوم.

نعم ها هنا رواية أخرى عن يحيى بن محمّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه واله سنّ فيهم سنّة أهل الكتاب في الجزية ، وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يوجد مسلمان أشهد رجلين من أهل الكتاب ، يحبسان بعد صلاة العصر فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنّا إذا لمن الآثمين ، قال :

وذلك إذا ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما ، فإن عثر على أنّهما شهدا بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما ، حتّى يجئ شاهدان يقومان مقام الشاهدين الأوّلين {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } [المائدة: 107] » إلى آخر (134).

فترى في هذه الرواية أنّه عليه السلام فسرّ قوله تعالى ( آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) بأهل الكتاب ، غاية الأمر إنّه عليه السلام ألحق المجوس أيضا بأهل الكتاب لما ذكره. والروايات المطلقة وإن كانت كثيرة لكنّها تقيّة بهاتين الروايتين بخصوص أهل الكتاب ، والمجوس أيضا لإلحاقه رسول الله صلى الله عليه واله بهم في الجزية وفيما إذا لم يوجد شاهد مسلم.

وأمّا المطلقات فكثيرة ، وقد عقد لها بابا في الوسائل ، أي باب العشرين في‌ أحكام الوصايا (135).

وأمّا تفسير الآية وإن كان فيه بعض الاختلاف ، ولكن نحن ننقل ما في الكافي قال بإسناده : خرج تميم الداري وابن بندي وابن أبي مارية في سفر ، وكان تميم الداري مسلما وابن بندي وابن أبي مارية نصرانيين ، وكان مع تميم الداري خرج له فيه متاع وآنية منقوش بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع ، فاعتلّ تميم الداري علّة شديدة ، فلمّا حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية ، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته ، فقدما إلى المدينة وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته فافتقد القوم الآنية والقلادة ، فقالوا لهما : هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرا؟ قالا : لا ، ما مرض إلاّ أيّاما قلائل : قالوا : فهل سرق منه شي‌ء في سفره هذا؟ قالا : لا. قالوا فهل اتّجر تجارة خسر فيها؟ قالا : لا. قالوا : فقد افتقدنا أفضل شي‌ء كان معه ، آنية منقوشة بالذهب مكلّلة بالجوهر ، وقلادة. فقالا : ما دفع إلينا فأدّيناه إليكم ، فقدّموهما إلى رسول الله صلى الله عليه واله فأوجب رسول الله صلى الله عليه واله عليهما اليمين فحلفا فخلا عنهما ، ثمَّ ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما ، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا : قد ظهر على ابن بندي وابن أبي مارية ما ادّعيناه عليهما ، فانتظر رسول الله صلى الله عليه واله الحكم من الله في ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فأطلق الله شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط إذا كان في سفر ولم يجد المسلمين إلى آخر. (136)

أمّا الرواية‌ فكثيرة.

منها : رواية ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملّتهم؟ فقال : « لا ، إلاّ أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة ، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرء مسلم ولا تبطل وصيّة » (137).

ومنها : رواية هشام بن سالم ( الحكم ) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) قال : « إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة » (138).

وهذه الرواية رويت بطريق آخر بدل قوله : في بلد ليس فيه مسلم أو « في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم » (139).

ورواية حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) قال : فقال : « اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيّته فلم يجد مسلمين ، فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهما » (140).

والمتحصّل من هذه الأخبار ومن الآية الشريفة بعد تقييد مطلقاتها بمقيّداتها هو‌ أنّه لو أشرف على الموت أو أحسّ أنّه قريب منه أراد أن يوصى وأن يشهد على وصيّة ولم يجد شاهدين عدلين مسلمين ، فله أن يشهد شاهدين من أهل الكتاب ، وشهادتهما في تلك الحال نافذة إن كان المشهود به هو المال.

وهاهنا أمور يجب التنبيه عليه‌ :

الأوّل : هو أنّ نفوذ شهادتهما هل موقوف على أن تكون الوصيّة في حال السفر‌ ، أم لا فرق بين أن تكون في السفر أو الحضر ، بل المناط فيه عدم تمكّن الموصي من إشهاد مسلمين عادلين ، سواء كان متمكّنا من إشهاد غير العدول من المسلمين أو من إشهاد المؤمنات العادلات ، أو لم يكن متمكّنا من ذلك أيضا ، بل وسواء كان متمكّنا من إشهاد عدل واحد من المسلمين فيكون حجّة مع ضمّ اليمين في بعض الموارد؟

الظاهر أنّه لا فرق بين أن تكون في حال السفر وبين أن تكون الوصيّة حال الحضر ، ولا بين أن يكون متمكّنا من الشقوق التي ذكرناها أو لم يكن فيما إذا لم يكن متمكّنا من إشهاد عدلين مسلمين ، لأنّه عليه السلام جعل موضوع نفوذ شهادة ذمّيين عدم وجدان مسلمين عادلين ، فجميع تلك الشقوق داخل في ذلك الموضوع ولا فرق بين وجودها وعدمها.

وأمّا مسألة كونها في حال السفر لا الحضر وإن كان ظاهر الآية هو ذلك ، لقوله تعالى {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] ولكنّ الظاهر هو أنّ الشرطية سيقت لبيان تحقّق الموضوع غالبا ، حيث أنّه في الغالب عدم وجدان المسلم يكون في السفر ، وأمّا في الحضر فغالبا يوجد المسلم العدل اثنان وأكثر. وكذلك في رواية هشام « إذا كان الرجل في أرض غربة » أيضا سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، لما ذكرنا.

الثاني : هو أنّ المراد من قوله تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ )‌ هما خصوص أن‌ يكونا من أهل الكتاب أو مطلق من ليس بمسلم ، سواء كان ذمّيا أو لم يكن ، وعلى تقدير كون المراد أن يكونا من أهل الكتاب وذمّيين هل يكون المجوس منهم ، أو ملحق بهم حكما ، أو لا منهم ولا ملحق بهم؟

الظاهر أنّ المراد هو خصوص الذمّيين وأهل الكتاب لا مطلق الكفّار ، أوّلا لأنّ مورد الآية هما الذمّيان ، أي ابن بندي وابن أبي مارية نصرانيّان وقد تقدّم وكانا تحت حكم رسول الله صلى الله عليه واله فهما ذمّيان. وثانيا : إنّ هذا ـ أي قبول شهادتهما ـ خلاف القواعد الأوّليّة ، لأنّ الأشياء كلّها على ذلك حتّى ذلك يستبين أو تقوم به البيّنة ، ومعلوم أنّ البيّنة عبارة عن شهادة مسلمين عدلين ، فيجب الوقوف على مورد اليقين والنصّ وهو لم يكونا ذمّيين. وثالثا : تفسيره في رواية حمزة بن حمران بأهل الكتاب وقد تقدّم. ورابعا : إجماع الفقهاء على ذلك.

نعم تقدّم إلحاق المجوسي بأهل الكتاب في رواية يحيى بن محمّد في ما نقل عن أبي عبد الله عليه السلام قوله عليه السلام : « فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوسي ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه واله سنّ فيهم سنّة أهل الكتاب في الجزية ». هذا مع احتمال أن يكونوا من أهل الكتاب فإنّ الفقهاء قالوا لهم شبهة كتاب.

الثالث : إذا لم يوجد مسلم عادل ووصلت النوبة إلى إشهاد أهل الكتاب ، هل يجب أن يكون ذلك الكتابي عادلا في دينه‌ أم لا ، بل يجوز أن يشهد على وصيّته رجلا ذمّيا ولو كان فاسقا في دينه ، بمعنى أنّه لا تجتنب عمّا هو حرام في دينه أي يرتكب المحرّمات مثل الكذب والبهتان وأكل أموال اليتامى ظلما وشهادة الزور وأمثال ذلك من القبائح العقليّة والمحرّمات في كلّ دين مع وجود فسّاق المسلمين؟

ظاهر المقابلة في الآية بين ( اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وبين أو ( آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) هو أنّ مع فقدان الأوّل تصل النوبة إلى الثاني ، فإذا لم يوجد اثنان ذوا عدل منكم تصل النوبة إلى آخران من غيركم وإن لم يكونا عادلين في دينهم ، وأيضا وإن‌ كان يوجد الفسّاق من المسلمين.

لا يقال : إذا كان شهادة الفاسق يجوز الاعتماد عليه ، فالمسلم الفاسق أولى من الكافر الفاسق.

لأنّه استحسان ولا يجوز أن يكون مدركا للحكم الشرعي ، فإنّ دين الله لا يصاب بالعقول.

ولكن هناك أمر يدلّ على اعتبار العدالة في دينه في إشهاد الذمّي ، وهو قوله عليه السلام في رواية حمزة بن حمران : « فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهما » ومعلوم أنّ المراد من هذه العبارة الأخيرة هو أن يكونا عادلين في دينهما كي يكونا مرضيين عند أصحابهما ، لأنّ الكذّاب المغتاب مثلا ليس بمرضي عند من يقول بحرمة الكذب والغيبة ، وهكذا الأمر في سائر المعاصي التي حرام في كلّ مذهب ودين.

فرع : ولو أوصى بلفظ وكان كليّا متواطئا‌ ، مثل أن يقول : أعطوا فلانا غنما مثلا من أغنامي ، فللورثة الخيار في تطبيقه على أيّ فرد أرادوا ، لصدق الوفاء وإنفاذ الوصيّة على الجميع.

فرع : لا خلاف ولا إشكال في ثبوت الوصيّة بالمال بشهادة العدل الواحد مع اليمين إجماعا‌ ، وكذلك لا خلاف في ثبوتها بشهادة عدل واحد مع شهادة امرأتين ثقتين ، لإطلاق الأدلة في أبواب الحقوق الماليّة وعدم اختصاصها بمورد دون مورد ، كما هو مذكور مشروحا في كتاب القضاء والشهادات.

وكذلك تقبل شهادة امرأة واحدة في ربع ما شهدت به ، وتقبل شهادة اثنين في نصفه ، وشهادة ثلاث في ثلاثة أرباع ممّا شهدن به ، وشهادة أربع في الجميع ، كلّ ذلك‌ إذا كانت شهادتين في الماليّات.

والمدرك في هذا الحكم رواية الربعي عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصى ليس معها رجل ، فقال عليه السلام : « يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها » (141).

ورواية أبان عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال في وصيّة لم يشهدها إلاّ امرأة ، فأجاز شهادتها في الربع من الوصيّة بحساب شهادتها (142).

ورواية محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّة لم يشهدها إلاّ امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصيّة إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها » (143).

ودلالة هذه الروايات على ما ذكرنا في أوّل الفرع من أنّ بشهادة الواحدة الربع ، وبالاثنتان النصف ، وبالثلاث ثلاثة أرباع ، وبالأربع الجميع واضحة لا يحتاج إلى البيان.

وأمّا ما توهّم أنّه لا تثبت بشهادة المرأة إلاّ الربع سواء كانت واحدة أم كنّ متعدّدات ، فخلاف ما يفهم من ظاهر الكلام. وليس من باب القياس كما كان كذلك في دية قطع أصابع المرأة ، لوجود الدليل هناك وهو قوله صلى الله عليه واله : « المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا زاد يكون ديتها نصف دية الرجل » بل الظهور العرفي يقتضي أن يكون لشهادة كلّ امرأة ربع ما شهد بها غير الربع الذي يثبت بشهادة الأخرى إلى أن‌ يستوفي بشهاداتهنّ تمام ما شهدن به ، فلا يبقى محلّ وموضوع لشهادة الخامسة.

هذا ، مضافا إلى أنّ الأصل عدم التداخل.

ثمَّ إنّ ها هنا روايات أخر ظاهرها عدم قبول شهادة المرأة في الوصيّة مطلقا ، كرواية عبد الرحمن (144) ، ورواية عبد الله بن سنان (145) ، ومكاتبة أحمد بن هلال (146) ، ولكن لا بدّ من تأويلها كما في الوسائل ، أو طرحها لإعراض المشهور عنها بل الإجماع على خلافها.

فرع : لا تثبت الوصيّة بالولاية إلاّ بشاهدين عدلين‌ ، أي البيّنة الشرعيّة كسائر الموضوعات ، وذلك لعموم قوله عليه السلام في رواية مسعدة : « الأشياء كلّها على ذلك حتّى يستبين غيره أو تقوم به البيّنة » (147) وليست الوصيّة بالولاية من موارد الاستثناء عن تحت هذه القاعدة ، فلا تثبت برجل وامرأتين ولا بعدل واحد مع اليمين ولا بشهادة أربع من النساء منفردات ، وجميع ذلك لأجل عدم الدليل وشمول إطلاقات وعموماته لها وعدم دليل على حجّيتها كي تكون مخصصة لها أو حاكمة عليها.

فرع : لا تثبت بشهادة الوصيّ ما هو وصي فيه ولا ما يجرّ به نفعا أو يستفيد منه ولاية‌ ، والأصل في ذلك ما ذكروه في كتاب الشهادة أنّه من شروط صحّة الشهادة‌ وقبولها أن لا يكون الشاهد منهما يجلبه نفع إليه من شهادته ، أو من جهة عداوة دنيويّة للمشهود عليه ، وأمّا العداوة الدينيّة فلا تمنع من قبول الشهادة. وتفصيل المسألة في كتاب الشهادات.

وعلى كلّ حال ذهب المشهور إلى عدم قبول شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه ، ولا فيما يجرّ نفعا إليه ، أو يستفيد منه ولاية ، فالعمدة في ذلك هو أنّ الشاهد في هذه الموارد يكون مدّعيا لنفسه شيئا وله نصيب وحظّ من المشهود به ، ولا شكّ في أنّ المدّعى عليه أن يأتي بالشهود لما يدّعيه ، ولا يمكن أن يكون هو المدّعي وهو الشاهد.

وأيضا يدلّ على عدم قبول شهادة المذكورات ما روى عن النبي صلى الله عليه واله أنّه نهى أن تجاز شهادة الخصم والظنين والجارّ إلى نفسه منفعة.

وأيضا ما ورد في باب شهادة الشريك لشريكه من أنّها لا تقبل.

منها : رواية أبان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه؟ قال : « تجوز شهادته إلاّ في شي‌ء له فيه نصيب » (148). وروايات أخر بهذا المضمون (149).

وأيضا ورد روايات في عدم قبول شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه.

منها : ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أبي محمّد كتب هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين ».

وهذا ظاهر في عدم قبول قول الوصيّ وشهادته ، وإلاّ لم يكن محتاجا إلى اليمين لوجود البيّنة.

وأيضا ممّا يدلّ على هذا الحكم مضمرة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال : « المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم » (150).

وقد ظهر ممّا تقدّم أنّه لو كان وصيّا في إخراج مال معيّن ، فشهد للميّت بمال على رجل يوجب كون إخراج ذلك المال المعيّن جميعه من الثلث لا تقبل.

مثلا لو كان وصيّا في إخراج ألف دينار وصرفه في الميراث وجميع التركة ألفان ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث ، فشهد الوصيّ بألف دينار للميّت على رجل لا تكون الوصيّة زائدا على الثلث لو قبلت شهادته ، ولو لم تقبل ينقص عن الألف المقدار الزائد على الثلث ويمنع الوصي عن التصرّف في ذلك المقدار ، فشهادته لو قبلت توجب توسعة تصرّفه فلذا لا تقبل.

وذلك كما أنّه لو وقع الخلاف بين الورثة والوصيّ في مقدار الوصيّة وادّعى الوصيّ أنّها الثلث ، وقال الوارث إنّها الربع أو الخمس مثلا ، فشهادة الوصيّ أنّها الثلث لا تقبل ، فكذلك الأمر فيما نحن فيه.

وحاصل الكلام أنّه كلّما كان موجبا لنفع الوصي ، وراجعا إلى توسعة تصرّفه فشهادته لا تقبل فيه ، لأنّه يكون مدّعيا ، وشهادة المدّعي لا تقبل فيما يدّعيه.

الأمر الرابع

في الموصى له‌ :

ويشترط فيه أن يكون موجودا حال الوصيّة وأن يكون قابلا للتملّك في الوصيّة‌ التمليكيّة ، فإذا كان موجودا ولكن لا يكون قابلا للتمليك فلا يجوز أن يوصى له كي يكون هو الموصى له ، مثل أن يوصى لغير الإنسان من الجمادات أو النباتات أو الحيوانات غير الإنسان.

وذلك لأنّ الوصيّة التمليكيّة عبارة عن تمليك مال للموصى له ، فلا بدّ وأن يكون الموصى له قابلا للتملّك وإلاّ لا يتحقّق التمليك.

وأمّا اشتراط كونه موجودا فلأنّ المعدوم ليس قابلا لأنّ يتملّك ، والوصيّة التمليكيّة عبارة عن إنشاء ملكيّة مال لشخص ، غاية الأمر أنّ إنشاء الموصي يتعلّق بملكيّة ذلك المال لذلك الشخص الذي نسمّيه بالموصى له بعد موت الموصي ، فكونها بعد الموت من قيود المنشأ لا الإنشاء ، فلا يمكن إنشاء مثل هذه الملكيّة المقيّدة لما هو معدوم حال الإنشاء.

وذلك من جهة أنّ الملكيّة وإن كانت أمرا اعتباريّا ، ولكن لها إضافتين : إضافة إلى الشي‌ء الذي يعتبر ملكيّته وبهذه الإضافة يسمّى ملك أو مملوك ، وإضافة إلى من يملك ذلك الشي‌ء وبهذا الاعتبار يسمّى بالمالك ، فلا تتحقّق الملكيّة في عالم الاعتبار بدون هذين الاعتبارين. وذلك مثل الزوجيّة الاعتباريّة التي لا يمكن تحقّقها إلاّ بوجود امرأة تكون معروضا لعنوان أنّها زوجة ، وشخص يكون اعتبار زوجيّتها له الذي نسمّيها بالزوج ، فكما لا معنى لاعتبار زوجية امرأة بالفعل للزوج المعدوم ، كذلك لا معنى لاعتبار ملكيّة مال للمالك المعدوم.

وأشكلوا على هذا بصحّة اعتبار الملكيّة للمالك المعدوم فعلا حال اعتبار الملك له ، كما في الوقف على البطون المتأخّرة وجودهم من حال الوقف بناء على أنّ الوقف تمليكا لهم ، غاية الأمر ملكا غير طلق بل ملكا محبوسا بحيث لا يباع ولا يورث ولا يرهن.

وأجيب عن هذا الإشكال بأنّه في باب الوقف على البطون الطبقة الأولى موجودة‌ حال الوقف والواقف يملّكهم ، ثمَّ بعد انقراضهم يعتبر ملكيّة طبقة البعد مثل باب الإرث ، فإنّ الشارع اعتبر ملكيّة المورث الموجود حال الاعتبار بأسبابها ، من الحيازة أو العطايا أو الهبات أو بالمعاملات والانتقال إليه بأحد النواقل الشرعيّة ، وأيضا اعتبر بعد موته ملكيّة ورثته حال وجودهم. وقد جاء الدليل على هذا المعنى بقوله عليه السلام : « ما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه ». وهذا أمر ممكن معقول ، وقد جاء الدليل عليه في مقام الإثبات ، وهذا ليس من تمليك المعدوم.

لا يقال : لا فرق في عدم إمكان التمليك بين عدم الموصى له وبين عدم الموصى به ، وذلك لما بيّنّا من أنّ الملكيّة لها إضافتان : إحديهما إلى الشي‌ء الذي يتّصف بالملكيّة وأنّه مملوك ، وأخرى إلى الشخص الذي يتّصف بأنّ الملك له. ويعبّر عن الأوّل بالمملوكيّة ، وعن الثاني بالمالكيّة. والموصى به هو الأوّل ، والموصى له هو الثاني. فلو قلنا بأنّ الموصى له لا يمكن أن يكون معدوما ، فالموصى به أيضا كذلك ، لوحدة المناط فيهما ، مع أنّه من المسلّمات جواز الوصيّة بالأعيان المعدومة حال الوصيّة فعلا ، وكذلك بالمنافع المعدومة حالها كما إذا أوصى بكون ثمرة هذا البستان لفلان عشر سنين مثلا ، بل ينبغي أن يعدّ جواز الثاني من الضروريّات.

وفيه : أنّ هذا ليس من باب تمليك ما هو المعدوم حال التمليك للموصى له ، بل من باب تمليك شي‌ء في ظرف وجوده لشخص معيّن ، أو لعنوان من العناوين ، أو لطبيعة كلّية ، ولا مانع عقلا من هذا الأمر.

والذي قلنا إنّه غير ممكن هو أن لا يكون التمليك بلحاظ حال وجوده ، وإلاّ لا شكّ في أنّ الأحكام الوضعيّة تتعلّق بموضوعاتها ومتعلّقاتها باعتبار وجود صفة وحالة في تلك الموضوعات ، أو بلحاظ ظرف وجود نفس تلك الموضوعات ، وإن كان الجعل في حال عدم تلك الموضوعات أو عدم تلك الصفات ولكن اعتبار المجعول بلحاظ ظرف وجود تلك الموضوعات أو تلك الصفات.

نعم يحتاج إلى وجود دليل على صحّة العقد الفلاني والتمليك بهذا اللحاظ ، كما ورد في باب الوقف على البطون من الأخبار والإجماع ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ إطلاقات أدلّة الوصيّة يظهر منها أنّ الموصي في حال الإيصاء ينشئ ملكيّة المقيّدة بما بعد الموت للشخص الفلاني ، فلا بدّ من وجوده في تلك الحال لما بيّنّا وتقدّم.

فما أفاده في جامع المقاصد بقوله : واعلم أنّه قد سبق القول في الوقف جوازه على المعدوم إذا كان تابعا ، كما لو وقف على أولاد فلان ومن سيولد له ، فأيّ مانع من صحّة الوصيّة كذلك ، فإذا أوصى بثمرة بستانه مثلا خمسين سنة لأولاد فلان ومن سيولد له ، فلا مانع من الصحّة ، بل تجويز ذلك في الوقف يقتضي التجويز هنا بطريق أولى ، لأنّه أضيق مجالا من الوصية (151).

ففيه : أنّ الفرق بين المقامين جليّ ، وهو أنّ في الوقف أتى دليل من الأخبار والإجماع على صحّة الوقف على البطون وإن وجد بعضهم مئات من السنين بعد إنشاء الواقف أو بعد موته كذلك. وأمّا في الوصيّة فالإجماع على عدم صحّة الوصيّة للمعدوم حين الوصيّة أو حين موت الموصي.

نعم تقدّم في بعض الفروع السابقة بالنسبة إلى الموصى به أنّه يجوز الوصيّة بالمنافع غير الموجودة حال الوصيّة أو حال موت الموصي ، كالمثل الذي ذكره في جامع المقاصد من وصيّته بثمرة بستانه خمسين سنة لأولاد فلان الموجودين أو الذين سيولدون ويوجدون ، فهذا المثل بالنسبة إلى المنافع الموصى بها فلا إشكال فيها ، بل ادّعى الإجماع على صحّتها. وأمّا بالنسبة إلى الموصى لهم فإن كان كلّهم موجودين فلا إشكال أيضا في صحّتها وإن كان كلّهم معدومين فالإجماع على عدم صحّتها. وأمّا إذا كان بعض ولده موجودين وبعض آخر لم يولد بعد ، فهذا لا يخلو من إشكال بالنسبة إلى ذلك البعض الذي لم يوجد بعد.

فرع : لا خلاف بين الإماميّة في صحّة الوصيّة إذا كانت واجدة لشرائط الصحّة للوارث والأجنبي‌ ، وبعض الروايات الواردة في عدم جواز الوصيّة للوارث يجب طرحها أو تأويلها لإعراض الأصحاب عنها ، وورود روايات مستفيضة في جوازها له ، وقد عقد في الوسائل بابا في جواز الوصيّة للوارث تركنا ذكرها لوضوح المسألة وانعقاد الإجماع على الجواز. وقد ذكر في الوسائل إحدى عشر رواية تدلّ على الجواز (152).

فرع : تصحّ الوصيّة للذميّ مطلقا ، سواء كان أجنبيا أو كان من ذوي الأرحام. وقال في الشرائع : وقيل لا يجوز مطلقا ، ومنهم من خصّ الجواز بذوي الأرحام. والأوّل أشبه (153). أي القول بالجواز مطلقا أشبه بالقواعد والأدلّة من الإطلاقات والعمومات الواردة في الباب. أمّا من الكتاب العزيز فقوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] ولا شكّ في أنّ الوصيّة لهم من البرّ.

وأمّا الروايات فقد عقد في الوسائل بابا لذلك (154).

منها : ما عن ريّان بن شبيب قال : أوصت مارية لقوم نصارى فراشين بوصيّة ، فقال أصحابنا : اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك ، فسألت الرضا عليه السلام فقلت : إنّ أختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى ، وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين ، فقال : « امض الوصيّة على ما أوصت به ، قال الله تعالى :

{فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] (155) ».

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله؟ قال : « أعطه لمن أوصى له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا ، إنّ الله تعالى يقول {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] » (156).

ومنها : ما رواه حسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق عليه السلام قال : قال عليه السلام : « لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعت فيهم ، إنّ الله تعالى يقول {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] » (157).

ولا شكّ في دلالة الآية هذه الروايات على جواز الوصيّة للذميّ مطلقا ، سواء كانوا من ذوي الأرحام أو لم يكونوا منهم.

هذا كلّه مع نفي الخلاف فيه في الخلاف (158) ، فيكون عليه الإجماع.

وأمّا القول بعدم الجواز مطلقا ، فمستنده يمكن أن يكون بعض الروايات التي ذكرها في الوسائل ، كمكاتبة أحمد بن هلال إلى أبي الحسن عليه السلام (159) ومكاتبة عليّ بن‌ بلال أو الهلال (160) ، وكلاهما لا ظهور لهما في عدم صحّة الوصيّة للذمّي ، مضافا إلى إعراض المشهور عنهما.

وأمّا القول بالتفصيل بين ذوي الأرحام منهم فيجوز ، وغيرهم فلا يجوز ، فلم تجد لهذا القول مدركا يمكن الاعتماد عليه والاستناد إليه.

هذا كلّه في الوصيّة للذمّي.

وأمّا الحربي فالظاهر عدم الجواز له ، لقوله تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9].

ولكنّ الإنصاف أنّ هذه الآية أخصّ من المدّعى ، ولا تشمل إلاّ قسم خاصّ من الحربي لا كلّهم.

ولقوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22].

ولا شكّ في أنّ الوصيّة لهم من المودّة المنهيّ عنها ، فتكون الوصيّة لهم منهيّ عنها ، والنهي في المعاملات بالمعنى الاسم المصدري يدلّ على الفساد كما قررناه في الأصول.

ولكن هذه الآية أيضا أخصّ من المدّعي ، إذ ليس كلّ حربي محادّ الله ولرسوله ، مع أنّ النهي ها هنا على تقدير تسليمه ليس متعلّقا بنفس المعاملة ، بل تعلّق بعنوان ملازم للمعاملة أو ملزوم لها ، ومثل هذا النهي دلالته على البطلان غير معلوم.

والدليل الثالث على عدم صحّة الوصيّة للكافر الحربي هو عدم إمكان العمل بهذه الوصيّة شرعا ، وهذا يدلّ على فسادها ، إذ لا معنى للفساد في أبواب المعاملات إلاّ عدم لزوم ترتيب الأثر عليها وجواز عدم الاعتناء بها. أمّا عدم وجوب العمل بهذه الوصيّة بل عدم جوازه هو أنّ الحربي لا احترام لماله ولا لنفسه ، فلا يجوز أو لا يجب إعطاء ما أوصى له إليه.

وإن شئت قلت : لو جازت الوصيّة للحربي فإمّا يجب على الوصي الدفع إليه ، وهو ممنوع ، لجواز أخذه وتملّكه ، أو لا يجب. وهو أي عدم وجوب الدفع إليه عليه من لوازم الفساد.

وخلاصة الكلام أنّ الأظهر والأحوط عدم الجواز ، كما ذهب إليه المحقّق ، قال في الشرائع : وفي الحربي تردّد ، أظهره المنع (161). والعلاّمة في القواعد قال : والأقرب صحّة الوصيّة للذمّي وإن كان أجنبيّا ، والبطلان للحربي (162). وقال في الإيضاح : والصحيح ما اختاره المصنّف ، وهو جوازها للذمّي مطلقا والبطلان للحربي والمرتدّ. (163) والشيخ في الخلاف قال بجواز الوصيّة للذمّي دون الحربي (164). ويستفاد من جامع المقاصد أيضا أنّه قائل بعدم الجواز للحربي. (165) ‌

فرع : إطلاق الوصيّة يقتضي التسوية بين من أوصى لهم‌ ، فلو أوصى لأولاده تشملهم بالسويّة فإذا كانوا ذكورا وإناثا فنصيب الإناث مثل نصيب الذكور ، لوحدة السبب لأنّ السبب لاستحقاق الموصى به هي الوصيّة ، وفي ذلك كلّهم سواء ، لأنّ‌ الموصي لم يفرّق على الفرض بين الذكور والإناث ، ولا بين العالم والجاهل ، ولا بين العادل والفاسق ، وهكذا الأمر في سائر الطواري والخصوصيّات الواردة على عنوان الموصى له ، والمفروض أنّ كلّهم من مصاديق ذلك ومتساوي الإقدام في انطباق العنوان عليها ، وحيث لم يفرّق الموصي بين هذه الطواري وأطلق العنوان ولم يقيّده بأحد هذه القيود وجودا وعدما فالإطلاق يقتضي التسوية.

وكذلك الأمر لو قال الموصي : المال الفلاني لأخوالي أو لخالاتي أو لأعمامي أو لعمّاتي بعد وفاتي ، فيشملهم بالسويّة ولا يقسّم بينهم بترتيب الإرث ، لأنّه في الإرث جاء الدليل على أنّ تركة الميّت ليس بينهم بالسويّة ، بل لكلّ صنف منهم نصيب غير نصيب الصنف الآخر ، فللذكر منهم ضعف الإناث وإلاّ هناك أيضا يقسّم بينهم بالسويّة ، فلو كان دليل الإرث فقط قوله عليه السلام : « ما تركه الميّت من حقّ أو مال فلوارثه » كان يقسّم المال بالسويّة ، وهذا واضح.

نعم لو صرّح بالتفصيل فلا يبقى مورد للأخذ بالإطلاق ، بل يجب العمل على طبق تفصيله. وها هنا رواية تدلّ على التفصيل ، ولكن الأصحاب لم يعملوا بها فصارت مهجورة متروكة ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله ، فقال عليه السلام : « لأعمامه الثلثان ، ولأخواله الثلث » (166) وروى هذه الرواية في الكافي بطريق آخر عن ابن محبوب ، ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن الحسن بن محبوب ، ولكنّها لعدم العمل بها وإعراض الأصحاب عنها مطروحة ، أو يحمل على أنّ الموصي أوصى لهما على كتاب الله ، أي طريقة الإرث التي في كتاب الله وأنّ ( لِلذَّكَرِ ) مثلَ ( حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ).

فرع : قال في الشرائع : إذا أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبة (167).

أقول : كالهاشمي لأفراد الهاشميّين ، وكذلك الطالبين والعلويين بالنسبة إلى أفراد هذين العنوانين.

ولكن الإنصاف أنّ العناوين العامّة التي تطلق على الأشخاص مختلفة جدّا من حيث كثرة المصاديق وقلّتها ، ومن جهة اتّصالهم في أب قريب أو بعيد. والقرب والبعد أيضا قد يكون بحسب الزمان ، وقد يكون بحسب كثرة عدد الفواصل ، وقد يكون بحسب الاثنين ، ولا شكّ في أنّ ذلك اللفظ قد يكون منصرفا عن بعض أفراده بل عن أغلب أفراده ، فعنوان الهاشمي أو العلوي أو الحسيني أو الموسوي يطلق على الملايين ، ولا شكّ في أنّ كلّهم أقرباء بمعنى اشتراكهم واتّصالهم في النسب ، ولكن مع ذلك لفظ « الأقرباء » منصرف عن أغلب أفراد هذه العناوين المذكورة.

فالأحسن بل المتعيّن إحالة المعنى وتشخيص المراد إلى الظهور العرفي ، ـ أي ما يفهمه العرف من هذا اللفظ ـ فلا يمكن أن يكون ما ذكره في الشرائع هو المناط في تشخيص المراد من اللفظ.

فلو أوصى لذوي قرابته أو أقربائه ، فلا يمكن أن يكون كلّ من هو معروف بنسبة الهاشمي أو العلوي أو العبّاسي مثلا أو الموسوي أو الفاطمي وأمثالها من أقربائه ، لأنّ اللفظ منصرف عن أغلب الأفراد قطعا ، فالمناط هي الإحالة إلى العرف.

وفي المفاهيم العرفيّة أيضا قد يكون معلوم الانطباق ، وقد يكون عدم انطباقه معلوم. وحال هذين معلوم في شمول الوصيّة وعدم شمولها له. وقد يكون مشكوك الانطباق ، فالإطلاق لا يشمله أيضا وخارج عن الحكم ، إلاّ أن يكون أصل موضوعي في البين ، وإلاّ فالمرجع هي الأصول العمليّة.

وما ذكرناه من لزوم الإحالة إلى العرف في لفظ « ذوي القرابة » جار في مطلق الألفاظ التي تقع متعلّقا للوصية ويكون الوصيّة لهم ، من لفظ « القوم » و« العشيرة » و« الجيران » وأمثالها ، فلا بدّ وأن يؤخذ بما يفهمه العرف منها إلاّ أن يأتي دليل من قبل الشارع على التوسعة أو التضييق ، مثل الطواف بالبيت صلاة أو المطلّقة الرجعيّة زوجة ، فلا نطيل الكلام وإن أطالوا في معنى بعض هذه الألفاظ كلفظ « أهل البيت » وغيره.

فرع : وتصحّ الوصيّة للحمل الموجود حال الوصيّة وإن لم يكن ولجه الروح‌ ، لشمول عمومات الوصيّة وإطلاقاتها له ، ولأنّه اجتمع فيه الشرطان اللذان للموصى له ، وهما وجوده وقابليته للتملّك ، فلا وجه لعدم صحّته ، ولكن استقرار الصحّة بوضعه حيّا وإن وضعته ميتا يكشف عن بطلانها من أوّل الأمر وإن كان حيّا حين الوصيّة ، فهو مثل الإرث أي كما أنّه يرث إن ولد حيّا أمّا لو ولد ميّتا لا يرث وإن كان حال موت مورّثه حيّا في بطن أمّه ، وذلك لأنّ صلاحيّته للتملّك بالإرث أو بالوصيّة موقوفة على تولّده حيّا ولو آنا مّا ، فلو لم يولد حيّا فيستكشف أنّه لم يملك أصلا ، فالنماء المتخلّل بين حال الوصيّة والولادة ، وبين موت المورث وحال الولادة للطفل إن ولد حيّا ، وللورثة إن لم يولد حيّا. والحال أنّ النماء تابع للعين في كلا المقامين.

ثمَّ إنّ من الواضحات أنّه لو ولد حيّا ثمَّ مات تكون الوصيّة لورثة الولد من باب الإرث كسائر موارد الإرث ، كما أنّه لو ولد حيّا ثمَّ مات بالنسبة إلى المال الذي ورثه وهو في بطن أمّه أيضا كذلك يكون لوارثه.

وأمّا بناء على لزوم قبول الموصى له في صيرورة الوصيّة ملكا له فهل يحتاج إلى قبول وارث الطفل الذي ولد حيّا ومات ، أو قبول من هو وليّ عليه ، أم لا؟ الظاهر عدم الاحتياج ، لأنّه بالولادة حيّا صار ملكا للولد ، فالوارث يملك الوصيّة بالإرث لا‌ بالوصيّة ، فلا يحتاج إلى القبول.

نعم يمكن أن يقال ـ كما هو الظاهر من المسالك (168) ـ : إنّ الولد حال الولادة كان قبوله أو قبول وليّه شرطا في تأثير الوصيّة ، وحيث أنّه لم يكن قبول من كلّ واحد منهما كما هو المفروض في المقام ، فيجب القبول من الوارث أو وليّه إن كان صغيرا أو وكيله إن كان كبيرا ، وإلاّ لا يتمّ الوصيّة. وهو كلام حسن قويّ جدّا.

ولكن صاحب الجواهر (169) أشكل عليه بأنّ ظاهر الفتاوى استقرار الوصيّة بانفصاله حيّا.

وهذا الكلام منه إن كان ادّعاء الإجماع على استقرار الوصيّة بالانفصال حيّا وإن لم يحصل القبول فهو شي‌ء. وبعبارة أخرى : يكون من نقل الإجماع ، وإلاّ لا يسمن ولا يغني من جوع.

فرع : لو أوصى في سبيل الله ، قيل : يختصّ بالغزاة ، وقيل : يصرف في وجوه البرّ‌ وفيما فيه أجر وثواب. والاختصاص بالأوّل لا وجه له ، نعم هو أحد طرق سبيل الله والثاني أقرب إلى ما هو المتفاهم العرفي من هذه الكلمة.

وقد تقدّم منّا أنّ في جميع هذه الموارد لا بدّ من مراجعة العرف في فهم ألفاظ المستعملة في الموصى به والموصى له كالفقراء والعلماء والقرّاء أو الأرامل أو لورثة فلان أو لعصبة فلان أو لبني فلان أو للشيوخ أو للكهول أو للشبّان أو للعرائس أو للعذارى أو للعجائز ، وأمثال هذه الألفاظ من العناوين.

وكذلك الأمر في الموصى به ، مثل أن يقول : أعطوا فلانا قوسي أو عودي أو عصاي أو سيفي أو فروتي أو ثيابي أو قرآني أو كتب ادعيتي ، ففي فهم جميع تلك‌ الألفاظ فهم العرفي هو المتّبع ، إذ هو المناط في تشخيص الظاهر من غيره ، وهو الحجّة في تعيين ما أراد المتكلّم.

وأمّا في بيان « سبيل الله » وأنّه ما المراد منه إذا أوصى بصرفه في سبيل الله ، فقد ورد فيه روايات عقد له بابا في الوسائل ، ونحن نذكر جملة منها :

منها : ما رواه حسن بن راشد قال : سألت أبا الحسن العسكري عليه السلام ( بالمدينة ) عن رجل أوصى بمال له في سبيل الله؟ قال عليه السلام : « سبيل الله شيعتنا » (170).

ومنها : حسين بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : « إنّ رجلا أوصى إليّ بمال في السبيل ، فقال لي : « اصرفه في الحجّ ، فإنّي لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج » (171).

ومنها : ما رواه حجّاج الخشّاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن امرأة أوصت إليّ بمال أن يجعل في سبيل الله ، فقيل لها : يحجّ به ، فقالت : اجعله في سبيل الله. فقالوا لها : فنعطيه آل محمد صلى الله عليه واله قال : اجعله في سبيل الله. فقال أبو عبد الله عليه السلام : « اجعله في سبيل الله كما أمرت ». قلت : مرني كيف أجعله؟ قال : « اجعله كما أمرتك ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181] أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا؟ ». قال : فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمَّ دخلت عليه فقلت له مثل الذي قلت أوّل مرّة ، فسكت هنيئة ، ثمَّ قال : هاتها ، قلت : من أعطيها؟ قال : « عيسى شلقان » (172).

ومنها : ما عن يونس بن يعقوب أنّ رجلا كان بهمدان ذكر أنّ أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر ، فأوصى بوصيّة عند الموت وأوصى أن يعطى شي‌ء في سبيل الله فسأل عنه أبو عبد الله عليه السلام كيف نفعل وأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر فقال عليه السلام : « لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعته فيهما ، إنّ الله تعالى يقول ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر ـ يعني بعض الثغور ـ فابعثوا به إليه » (173).

وبعد التأمّل التامّ يطمئن الناظر فيها أنّ ما ذكر في كلّ رواية من هذه الروايات ليس إلاّ مصداقا من مصاديق سبيل الله ، فالإعطاء إلى الشيعة أو للحجّ عنه أو لأهل الجهاد والحافظين للثغور كلّهم من مصاديق سبيل الله ولا تنافي بينها.

الأمر الخامس

في الأوصياء‌ :

جمع مفرده : الوصي ، مأخوذ من الوصاية. وهي في عرف المتشرعة عبارة عن التعهّد إلى شخص بالتصرّفات المتعلّقة بأمواله وأولاده القصر أو أحفاده كذلك بعد موته ، فتحصل لذلك الشخص ولاية على هذه التصرّفات من قبل الموصي ، فذلك‌ الشخص يسمّى بالوصي ، وهو من المفاهيم الواضحة عند العرف ، فلا يحتاج إلى شرح وإيضاح.

وإنّما الكلام في الشروط‌ والأوصاف التي يلزم أن يكون متّصفا بها كي يصلح لجعله وصيّا ، ويترتّب الصحّة على التصرّفات التي تصدر منه.

فمنها : العقل والبلوغ‌ ، واعتبار هذين معلوم ، لأنّ المالك الأصيل محجور عن التصرّفات في أمواله مع فقدهما أو أحدهما ، فكيف يمكن إعطاء مثل هذه الولاية لفاقدهما أو فاقد أحدهما.

ومنها : الإسلام. واشتراط صحّة الوصاية بكون الوصي مسلما إجماعي لا خلاف فيه. وقد يستدلّ بأدلّة أخرى ولكن لا تخلو من مناقشة ، من قبيل الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، ووصاية الكافر على أموال المسلم ـ وخصوصا على أولاده القصر وأحفاده كذلك المسلمين ـ علوّ عليهم ، وأيّ علوّ أعلى من كونه وليّا عليهم وقوله تعالى {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } [هود: 113] إلى آخر والكافر ظالم لنفسه ولغيره. وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ المراد من قوله تعالى ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) في هذه الآية هم الكفّار ، والركون هو الميل اليسير وهو مقابل النفوذ ، ولا شك في أنّ جعله وليّا على أمواله وأولاده ركون إليه وأيّ ركون.

نعم يبقى كلام في هذا المقام وفي مقامات أخر ، وهو أنّه هل النهي يدلّ على الفساد ، أم لا ، لأنّه ليس بعبادة كي يكون محتاجا إلى قصد القربة ، ولا يمكن قصدها مع كونه منهيّا عنه. وقد حقّقنا في الأصول في كتابنا « منتهى الأصول » (174) أنّ النهي في أبواب المعاملات إذا تعلّق بالمعنى الاسم المصدري من تلك المعاملة فيدلّ على الفساد ، وها هنا كذلك ، لأنّ ما هو المبغوض عند الشارع وغير راض به هو ولاية الكافر على‌ أموال المسلمين وأنفسهم ، لا جهة إصدار هذا الجعل فقط. وهذا واضح جدا.

ثمَّ إنّ هذه الأدلّة على تقدير دلالتها على اعتبار الإسلام في الوصي ، هو فيما إذا كان الموصي مسلما. وأمّا إذا كان كافرا وأوصى إلى واحد من أهل ملّته فلا إجماع في البين.

ومنها : العدالة‌ ، وفي اعتبارها خلاف. قال في الشرائع : وهل يعتبر العدالة؟ قيل : نعم ، لانّ الفاسق لا أمانة له. وقيل : لا ، لأنّ المسلم محلّ للأمانة. (175)

وكلا القولين المستندين إلى هذين الدليلين غير خال عن الخلل.

أمّا الأوّل : فمن جهة أنّه ربما يحصل الوثوق والاطمئنان من الفاسق أزيد من غيره ، خصوصا إذا كان من أقربائه الأقربين ، كابنه الذي هو أخ لأولاده ، وأحفاده القصر خصوصا إذا كان شقيقا لهم ، فلا شكّ في أنّه أعطف وأرأف إلى إخوته ـ وإن كان فاسقا ـ من الأجانب وإن كانوا عدولا.

وأمّا الثاني : فلأنّ المسلمين مختلفون من حيث الأمانة ، لأنّه بين المسلم والأمين عموم وخصوص من وجه ، فربّ شخص يكون أمينا وليس بمسلم ، وكذلك العكس.

وما ورد في أمانة المسلم أو في خيانة الكافر غالبي ليس بطور الكلّيّة ، هذا أوّلا.

وثانيا : اعتبار الوثوق أو الاطمئنان والأمانة فيما إذا كان أوصى إليه في أداء حقوق الواجبة ، كما إذا أوصى إلى شخص أن يحجّ عنه حجّة الإسلام أو حجّ واجب من جهة أخرى ، أو يقضي ما فات من فرائضه التي هو مأمور بقضائها ، أو جعله وصيّا وقيّما على أولاده وأحفاده القصر كي يدبّر في إدارة أموالهم أو سائر شؤونهم.

وإلاّ لو جعله وصيّا في صرف ثلثه في الخيرات والمبرات ، فلا دليل على لزوم وثوقه بالوصي فضلا عن لزوم كونه عادلا.

وذلك من جهة أنّ اعتبار الوثوق أو الأمانة من جهة عدم تلف أمواله ، وأن يصرف في ما يريد أو في ما له الأجر والثواب ، لا أن لا يصرف في الخيرات بل لعلّه في بعض الأحيان يصرف في المحرّمات والجرائم الكبيرة ، بل وحتّى في مورد يحتمل أن يصرف الوصي بعض ماله في المحرّمات لا مانع من جعله وصيّا ، لأنّه مسلّط على ثلث ماله ، يفعل به كيف ما يشاء.

إلاّ أن يكون المنع من باب أن لا يكون إعانة على الإثم. ولكن هذا الاحتمال أيضا لا أثر له ، لأنّ الإعانة على الإثم لا تتحقق بدون قصد ترتّب الإثم على فعله ، والمفروض في المقام أنّ قصد الموصي ها هنا هو أن يصرف الوصي في الخيرات والمبرّات ، لا في المحرّمات.

وأمّا ما يقال من أنّ المال يخرج عن ملكه بعد الموت ، فيكون من قبيل تعيين الولي في أن يتصرّف في مال الغير ، فلا بدّ أن يكون موثوقا وأمينا كي لا يتلف عن طرف جعله ونصبه ذلك الشخص أموال القصر ، أو فيما أوصى للجهات العامّة حقوق الجميع.

مثلا إذا أوصى للمصرف في قنطرة فلان ، فبتلف ذلك المال الذي عيّنه لعمارة القنطرة يضيع حقوق جميع العابرين. وهكذا الأمر فيما أوصى لجميع الخيرات والجهات العامّة.

وأمّا جعل الوصي في تقسيم وتدبير ما أوصى بالوصيّة التمليكيّة للعناوين العامّة ، فلو خان الوصي يكون تلفا في ملكهم ، لأنّه بعد الموت يصير الموصى به ملكهم ، فإتلاف الوصي يقع في ملكهم لا في ملك الموصي ، لأنّ الموصى به خرج بالموت عن ملك الموصي ، فإتلاف الوصي وخيانته لا محالة تقع إمّا في ملك الموصى لهم أو في حقوقهم ، وليس له السلطنة على هذا الإتلاف ، فلا بدّ وأن يكون الوصي عادلا كي يأتمنه على مال الغير أو على حقّه ، ولا يؤتمن الفاسق ، كما ورد في بعض الروايات ، ولصريح آية النبإ التي أمر الله تعالى فيها بالتثبّت والتبيّن عمّا أخبره ، وعدم قبول قوله.

ففيه : أنّ الموصي ما دام حيّا والروح في بدنه ، له أن يتصرّف في ماله كيفما شاء ، ولذلك له أن يتصرّف فيه في مقدار الثلث بأيّ نحو أراد ، ما لم يكن التصرّف في المحرّمات من التصرّفات التي لا يجوز له حال الحياة.

وأمّا أنّ تصرّفه بلحاظ ما بعد الموت تصرّف في ملك الغير أو في حقّه فمغالطة واضحة ، لأنّه لا ينتقل إلى الورثة المال الذي لم يتصرّف فيه كي يكون تصرّفه في ملك الورثة ، بل انتقل إليهم المال الذي وقع فيه التصرّف بهذا القيد.

وذلك نظير أنّ المالك آجر ماله واستوفى المنفعة التي لسنين ثمَّ بعد ذلك باعه ، فينتقل إلى المشتري مال مسلوب منفعة وإن كان زمان حصول المنفعة بعد زمان انتقاله إلى المشتري ، وذلك من جهة أنّه قبل البيع له السلطنة على ماله عينا ومنفعة إلى الأبد ، ولذلك يجوز له التصرّفات المعيّنة للعين أو المنفعة إلى الأبد.

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المحقق أجاد في مقام تعليل عدم اعتبار العدالة بقوله : ولأنّها ولاية تابعة لاختيار الموصي فتحقّق بتعيينه. (176) كما أنّ للمالك أن يوكل من يريد ويستودع عنه من يريد ، عادلا كان أم لا.

وهناك قول ثالث اختاره في المسالك (177) وهو أنّ العدالة ليست بشرط ولكن ظهور الفسق مانع ، فلو كان ظاهر الفسق ومعلوم الحال أنّه فاسق لا يجوز جعله وصيّا ، وأمّا لو كان مجهول الحال ولا يعلم فسقه بحيث أنّ من نسب إليه الفسق وقال إنّه فاسق يعزّر ، فيجوز أن يوصى إليه ويجعله وصيّا.

ومن المحتمل أن يكون مراده من ظهور الفسق عليه أن يكون متجاهرا بالفسق ، ففرّق بين الفاسق الواقعي والمتجاهر بالفسق ، فجوّز جعله وصيّا في الأوّل ، ومنع‌ في الثانية.

ولكن ظاهر عبارته بعيد عن هذا المعنى ، وإن كان هو في نفسه لا بأس به.

فالأقوال في المسألة ثلاثة : اعتبار العدالة ، وعدم اعتبارها مطلقا سواء ظهر عليها الفسق أم لا ، وعدم اعتبار العدالة وعدم ظهور الفسق.

ثمَّ ظهر مما ذكرنا أنّ الأرجح هو القول الثاني.

نعم لا بأس بالقول باعتبار كونه ثقة مأمونا عن الخيانة ، كما هو بناء العقلاء في مقام الوصيّة ، فلا يوصون إلاّ إلى من يثقون به وأنّه لا يخون ولا يتلف بل يضع كلّ ما أوصى إليه في موضعه. وأمّا العدالة بالمعنى المعلوم عند الفقهاء فمن كلّ مائة من الأوصياء لا تجد واحدا فيهم ، ولا تعرّض في الأخبار من هذه الجهة أصلا مع كثرة سؤال الأوصياء عنهم : عن وظائفهم فيما أوصى إليهم. ولعلّ بعد التأمّل في جميع ما ذكرنا يحصل الاطمئنان بعدم اعتبار العدالة في الوصي ، وكفاية الوثوق بأمانته.

فرع : لو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت الموصي فهل تبطل وصيّته مطلقا‌ ، أو على تقدير القول باشتراط صحّة الوصاية بعدالة الوصي ، أو لم تبطل مطلقا؟

وجه الأوّل الذي اختاره الأكثر ، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه : أنّ الموصي لم ينصبه مطلقا وعاريا عن القيد ، بل نصب هذا الشخص بما أنّه عادل لا يخون ، فإذا زال الوصف يزول الموضوع ، كما أنّه إذا نصب المجتهد العادل قاضيا ففسق يزول عنه منصب القضاء لانعدام موضوعه ، فكذلك هنا جعل هذا الشخص العادل بما أنّه عادل وصيّا ، فموضوع الوصاية ليس ذات هذا الشخص بل بوصف أنّه عادل وإن لم تكن العدالة شرطا للوصاية ولكن الموصي أعطى هذا المنصب باعتبار أنّه عادل ، فعند‌ فسقه انعدم الموضوع فانعدم الحكم.

وجه الثاني : أنّ ظاهر اشتراط عدالة الوصي في صحّة الوصاية هو أنّها شرط حدوثا وبقاء‌ ، لا حدوثا فقط ، وذلك لوحدة المناط حدوثا وبقاء ، لأنّ مناط الاشتراط هو عدم تلف أموال أولاده وأحفاده أو مال سائر الناس أو حقّهم. وهذا المعنى كما أنّه يوجب اشتراط العدالة في إعطاء الموصي الولاية في أوّل الأمر ، كذلك يوجب اشتراطها بقاء كي لا يوجد خلل من تلف مال أو حقّ بقاء.

وإذا قلنا بعدم اشتراط العدالة في أوّل الأمر حدوثا فلا وجه لاشتراطها بقاء ، فكما أنّ الفسق من أوّل الأمر ليس بمانع عروضه ، فيما بعد أيضا ليس بمانع.

وجه الثالث : هو أنّه بعد ما تحقّق الوصيّة صحيحا وصار الموصى إليه وصيّا واعطى هذا المنصب ، فبزواله يحتاج إلى دليل‌ وهو مفقود ، بل إذا شككنا فمقتضى الاستصحاب بقاء كونه وصيّا.

ولكن أنت عرفت ممّا ذكرنا في بيان وجه الأوّل أنّ الدليل على الزوال موجود وهو فقد وصف الموضوع أي العدالة ، والوجه الأوّل هو الصحيح ، أي القول بالبطلان مطلقا.

أمّا على تقدير اشتراط الصحّة بعدالة الوصي فالأمر واضح ، لما ذكرنا من عدم الفرق بين الحدوث والبقاء. وأمّا على تقدير عدم الاشتراط فأيضا لما ذكرنا من تقييد المتعلّق بوصف العدالة ، فبعد زوال الوصف لم يجعل له هذا المنصب ، وليس شكّ في البين كي يستصحب ، لأنّ المفروض أنّ الموضوع ها هنا مركّب وبزوال الوصف يحصل القطع بارتفاع الموضوع.

نعم لو كان ذات الوصي موضوعا للوصاية ، وكان وصف العدالة من قبيل الداعي للجعل فلا يرتفع الوصاية ، لأنّ تخلّف الداعي للجعل لا يوجب ارتفاع المجعول ، لأنّ ما هو العلّة في الجعل هي الصورة الذهنيّة لما هو الداعي ، وعدم مطابقة‌ تلك الصورة مع الخارج لا تأثير له في الجعل ، ولا في وجود المجعول.

ولكن هذا فيما نحن فيه خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّه جعل فلانا مثلا وصيّا بما هو عادل ، لا أنّه جعله وصيّا والداعي لهذا الجعل عدالته ، فالحقّ هو بطلان وصيّته بعد صيرورته فاسقا وانعزاله قهرا.

ثمَّ إنّه على تقدير عود العدالة هل تعود الوصيّة أم لا؟

الظاهر أنّه لا ، لأنّ عودها يحتاج إلى جعل جديد ، نعم كان له من أوّل الأمر أن يجعله هكذا ، أي العود بعودها.

فرع : وحيث أنّ من جملة شرائط الوصي أن يكون بالغا ـ لأنّ الصبي ممنوع عن التصرّف في ماله بنفسه ومباشرته ، ومحجور عن المعاملات ، ومسلوب عبادته ، ولا يعتني بقوله ولا بفعله ـ فلا تصحّ الوصيّة إلى الصبيّ منفردا لعدم قابليّته للتصرّفات شرعا ، ولمّا جعله منضمّا إلى الكبير بحيث يكون شريكا مع غيره المنضمّ إليه عند بلوغه ، فلا مانع منه عقلا ولا شرعا. وورود الدليل على ذلك أيضا مع أنّ جميع ذلك مطابق للقواعد الأوّليّة وإن لم يكن نصّ في البين ، فالكبير متفرّد في التصرّفات إلى أن يبلغ الكبير ، فإذا بلغ فليس له التفرّد لوجود الشريك ، كما أنّه ليس للصغير بعد بلوغه نفوذ شي‌ء ممّا أبرمه الكبير قبل بلوغ هذا الصغير.

وأمّا النصّ الوارد في المقام فروايات :

منها : ما عن محمد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام رجل أوصى إلى ولده ، وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيّته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقّع عليه السلام ‌ « نعم ، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك » (178).

ومنها : ما عن عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأة وشرك في الوصيّة معها صبيّا؟ فقال عليه السلام : « يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصيّة ، ولا تنتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى ، إلاّ ما كان من تبديل أو تغيير ، فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميّت » (179).

فرع : بعد الفراغ عن جواز الوصيّة إلى الصغير منضمّا إلى الكبير وعدم جواز تصرّفه قبل البلوغ وكونه شريكا مع الوصي الكبير بعد البلوغ وعدم جواز تفرّد الكبير في التصرّفات بعد بلوغ الوصي الصغير ، فلو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل فهل ينفرد الكبير بالتصرّف ويصير كأنّه لم يكن غيره وصيّ في البين ، أم لا بدّ من مراجعة الحاكم ومداخلته بالإذن له بذلك ، أو يجعل شريكا له في التصرّفات عوضا عن الشريك الذي مات أو صار كالعدم؟

الظاهر عدم لزوم المراجعة إلى الحاكم بل عدم جواز مداخلته ، لأنّ مداخلة الحاكم مورده فيما إذا لم يداخل يتعطّل الأمر ، وليس هناك من يجب مباشرته ، لأنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له ، فإذا كان للأمر وليّ يجب عليه الدخل والتصرّف ، كما في مثل المقام حيث أنّ الوصي الكبير كان له التصرّفات قبل موت الصغير أو جنونه وفساد عقله ، فالآن كما كان ، فمع وجود ذلك الكبير الذي له ولاية على ما أوصى به لا تصل‌ النوبة إلى الحاكم ومداخلته.

فرع : لا يشترط الذكورة في الوصيّ‌ فيجوز أن يوصى إلى امرأة موثوقة غير عاجزة عن التصرّفات التي أوصى إليها ، وذلك لأنّ الأصل عدم اعتبار الذكورة مع شمول إطلاقات الوصيّة لما إذا كان الوصيّ امرأة ، مضافا إلى الإجماع وعدم وجود المخالف ودلالة رواية عليّ بن يقطين المتقدّمة أنّه قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى امرأة وشرك في الوصيّة معها صبيّا؟ فقال عليه السلام : « يجوز ذلك وتمضى المرأة الوصيّة » إلى آخر.

فرع : ولو أوصى إلى اثنين أو أكثر ، فلهذه المسألة صور :

الأولى : أن يطلق ولم يقيّد وصايتهما وولايتهما أو تصرّفهما بالإجماع أو بالانفراد.

الثانية : أن يقيّد بالاجتماع ، سواء كان الاجتماع قيد الولاية والوصاية ، أو كان قيد التصرّف.

الثالثة : أن يصرّح بجواز تصرّف كلّ واحد منهما مجتمعا أو منفردا أو ولاية كلّ واحد منهما كذلك.

أمّا الصورة الثانية والثالثة فالأمر فيهما واضح ، لأنّ كلّ واحد منهما في الثانية إمّا ليس بوليّ ووصيّ ، أو لا يجوز تصرفه مستقلا وإن كان لاشتراط الاجتماع ، فمخالفته تبديل للوصيّة وقد حرّمه الله تعالى بقوله {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181].

هذا إذا كان الاجتماع شرطا للتصرّف ، وأمّا إذا كان قيدا للولاية بمعنى أنّ الولاية‌ جعل للاثنين فكأنّه كلاهما وليّ واحد ، فكلّ واحد منهما منفردا عن الآخر ليس بوليّ ، فلا ينفذ تصرّفاته ويكون حاله حال الأجنبيّ عن التركة ، بل هو هو.

وأمّا في الثالثة فيجوز تصرّف كلّ واحد منهما مجتمعا مع الآخر ومتفرّدا عنه ، لتصريح الموصي بذلك.

أمّا الصورة الأولى ، أي فيما إذا أوصى إليهما من دون تصريح بكونهما مجتمعين أو تصريح بعدم الفرق بين كونهما مجتمعين أو منفردين ، فالمشهور عدم نفوذ تصرّف كلّ واحد منهما منفردا واستقلالا لوجوه :

الأوّل : لأنّه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير‌ ، لأنّ احتمال أن يكون تصرّف كلّ واحد منهما مشروطا بالانفراد ، بحيث لو اتّفقا على أمر يكون تصرّفهما باطلا ، لا يليق مثل هذا الاحتمال بالفقيه ، فلا بدّ من أحد أمرين : إمّا اختصاص النفوذ باجتماعهما على أمر ويكون التصرّفات ناشئة من رأيهما جميعا ، أو ينفذ وإن تفرّد أحدهما بالتصرّف دون الآخر. وهذا معنى الدوران بين التعيين والتخيير ، فالقدر المتيقّن ممّا هو نافذ هو صورة اجتماعهما ، فلا بدّ وأن يؤخذ به ، لأنّ الأخذ به يوجب القطع بالعمل بالوصيّة. وأمّا الفرد الآخر ، أي الأخذ بنفوذ تصرّف كلّ واحد منهما وإن كان منفردا مشكوك أنّه عمل بالوصيّة أم لا ، والعقل يحكم بلزوم الأخذ بالأوّل ، وهذا الحكم العقلي ثابت وجار في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

الثاني : ظهور جعلهما وصيّا في أنّ لنظر كلّ واحد ورأيه مدخليّة في نفوذ الوصيّة ، ورأي كلّ واحد منهما بعض المؤثّر لإتمامه ، ولا شكّ في أنّ المعلول لا يوجد إلاّ بتمام العلّة لا ببعضها ، وكذلك الحكم لا يوجد إلاّ بعد وجود تمام موضوعه ، فلا بدّ من الاجتماع في نفوذ الوصيّة.

الثالث : الروايات الواردة الظاهرة في أنّ تصرّف أحد الوصيّين دون الآخر ومنفردا لا نفوذ له: منها : رواية محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة ، والآخر بالنصف؟ فوقّع عليه السلام : « لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت وأن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء الله ».

وروى المشايخ الثلاثة هذه الرواية عن الصفّار (180).

ومنها : ما رواه صفوان بن يحيى قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل كان لرجل عليه مال فهلك وله وصيّان ، فهل يجوز أن يدفع إلى أحد الوصيّين دون صاحبه؟ قال : « لا يستقيم إلاّ أن يكون السلطان قد قسم بينهما المال فوضع على يد هذا النصف وعلى يد هذا النصف ، أو يجتمعان بأمر السلطان » (181).

فقوله عليه السلام : « لا يستقيم » صريح في أنّ كلّ واحد منهما ليس مستقلاّ في التصرّفات.

وأمّا الاستثناء فإن كان المراد من السلطان هو الإمام الحقّ ، فلا شكّ في أنّه بعد تقسيمه لمصلحة فكلّ واحد منهما يصير مستقلاّ في نصيبه. وإن كان المراد هو الجائر فيكون الحكم من باب التقيّة وقد وجّه الرواية بهذا أو ما هو قريب منه الشيخ (182) ولا بأس به.

ومنها : ما رواه بريد بن معاوية قال : إنّ رجلا مات وأوصى إليّ وإلى آخر أو إلى رجلين فقال أحدهما : خذ نصف ما ترك وأعطني النصف ممّا ترك ، فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك ، فقال عليه السلام : « ذلك له » (183).

وهذه الرواية أيضا تدلّ على عدم جواز استقلال أحدهما وتفرّده بالتصرّف ، بناء على أن يكون المشار إليه في كلمة « ذلك له » هو أباه الآخر بعد طلب أحدهما التقسيم والنصف ، لا أن يكون المشار إليه هو طلب التنصيف ، وإلاّ فيكون على خلافه أدلّ. فظهر أنّ هذه الروايات أيضا تدلّ على عدم جواز انفراد كلّ واحد من الوصيّين أو الأوصياء بالتصرّف ، بل لا بدّ من اجتماعهما على رأي وأمر فيما لم ينصّ الموصي على الاستقلال والانفراد.

ثمَّ إنّه لو تشاحا ولم يجتمعا على أمر وأصرّ كلّ واحد منهما على رأيه المخالف لرأي الآخر ، فالحاكم يجبرهما على الاجتماع ، فإن لم يمكن وتعذّر الاجتماع بل وإن تعسّر يستبدل بهما غيرهما ، لأنّ تعيين أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، ولأنّ التعطيل في وصايا الميّت بحيث يضيع حقّ من أوصى له أو غير ذلك من وصاياه أمر مرغوب عنه شرعا. ومضافا إلى أنّ المال يبقى بلا من يكون وليّا عليه ويدبّر أمره ، خصوصا إذا كان من الحيوانات فتتلف لاحتياجها إلى عنايات من تعليفها ، ومكان بالليل لحفظها من السباع ، وراع يرعيها وأمثال ذلك ، والصغار من يتامى الموصي يحتاجون إلى الأكل واللباس وغير ذلك من حوائجهم ، فلا بدّ من مداخلة الحاكم الذي بيده مجاري الأمور لاستبدال المتشاحين بغيرهما كي يدبّر هذه الأمور وينظّمها.

وأمّا ما قيل : من أنّ في الأمور اللابدّية التي لا يمكن تعطيلها لفوات نفس محترمة ، أو فوات الأموال بجواز انفراد أحدهما بالتصرّف كما في الشرائع. (184)

فهذا كلام خال عن الدليل ، بل الدليل على خلافه ، لأنّهما بعد سقوط رأيهما عن الاعتبار لعدم إمكان اجتماعهما لا اعتبار برأي كلّ واحد منهما منفردا عن الآخر ولا بفعله ، فيكون حاله حال الأجانب بل هو بمفرده أجنبي عن التركة ، فهو كسائر الناس لا يجوز له التصرّف إلاّ بأمر وإذن من الحاكم ، فبعد عدم إمكان اجتماعهما على رأي لا بدّ من مداخلة الحاكم كي يستبدل بهما ، سواء كان مورد خلافهما من الضروريّات والأمور اللابدّ منها ، أو لم يكن كذلك.

نعم لو لم يوجد الحاكم ـ أي المجتهد العادل ـ أو لم يمكن الوصول إليه ، فعلى عدول المؤمنين بل على فسّاقهم إن لم يوجد العدول أيضا من باب الحسبة. وليس ذلك حينئذ من باب الوصيّة كي يقدّم أحدهما على سائر المؤمنين.

وما ذكرنا من أنّه لا بدّ من مراجعة الحاكم فيما إذا كان عدم إمكان الاجتماع لإصرار كلّ واحد منهما على رأيه وعدم تنزّله عنه.

وأمّا إذا كان لسقوط رأيه وعدم قابليّته للتدخل بموت أو جنون ، فهل للحاكم ضمّ آخر إلى الباقي منهما أم لا؟ الظاهر أنّه ليس له ، لأنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له ، وها هنا حيث أنّ لكلّ واحد منهما ولاية على الموصى به ، فبخروج أحدهما عن قابليّة الولاية والوصاية لا يبقى الموصى به بلا ولي كي تصل النوبة إلى الحاكم ، بل ينفرد الولي والوصي الآخر ويتمّ العمل بمقتضى الوصيّة.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ الوصاية والولاية التي جعلها الموصي لكلّ واحد منهما كانت مشروطة بانضمام الآخر ، فلو سقط الآخر عن قابليّة الانضمام بواسطة الموت أو الجنون فينتفي حصول الشرط ، فينتفي المشروط بانتفاء الشرط ، فلا يبقى له الولاية والوصاية فتصل النوبة إلى الحاكم.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اشتراط ولاية كلّ واحد منهما بانضمام الآخر لم يكن مطلقا ، بل كان مقيّدا بالإمكان ، ففيما إذا لم يمكن الانضمام لموت أو لجنون لا اشتراط ، فتكون‌ ولاية من له قابليّة التصرّف باقية ، فلا تشمله أدلّة رجوع الأمر إلى الحاكم.

ولكن الإنصاف : أنّه يمكن الفرق بين أن يكون التقييد صريحا بأن يقول الموصي لزيد مثلا : أنت وصيّ بشرط أن لا تعمل بوصاياي إلاّ مع عمرو ، فإذا اتّفقتما على رأي فاعمل ، وبين أن يكون التقييد بالانضمام مستفادا من الإطلاق بأن يقول لزيد : أنت وصيّ ، ويقول لعمرو أيضا : أنت وصيّ.

ففي الأوّل التقييد يوجب تضييق دائرة الولاية والوصاية ، بمعنى عدم كونه وصيّا في غير تلك الدائرة ، سواء كان الانضمام ممكنا أم لا ، ففي صورة عدم الانضمام لا ولاية وإن كان لجهة عدم إمكانه كما في المقام ، لأنّ الانضمام مع الموت أو الجنون غير ممكن.

وأمّا في الثاني فنفس التقييد مقيّد بإمكان حصول القيد ، فإن لم يمكن حصول القيد كما في المقام حيث أنّ حصول الانضمام غير ممكن بواسطة الموت أو الجنون ، فلا تقييد في البين. والحاكم بهذا الفرق هو الظهور العرفي.

وحيث أنّ التقييد في المقام مستفاد من الإطلاق فلا إطلاق له ، ففي صورة عدم إمكان الانضمام الولاية والوصاية مطلقة لا تضييق فيها ، فلا تصل النوبة إلى الحاكم ، بل الآخر الباقي على قابليّته ينفرد ويستقرّ بالأمر ، ولا يحتاج إلى جعل الحاكم شريكا له بدل الآخر الذي سقط عن القابليّة للموت أو للجنون ، وعلى الله التوكّل وبه الاعتصام.

فرع : قد تقدّم أنّ الوصيّة عقد جائز ، فيجوز فسخها من قبل الموصي ما دام في بدنه الروح‌ وأن يغيّرها بالزيادة والنقصان ، ومن طرف الموصى إليه أيضا كذلك في حياة الموصي وإن كان بعد القبول. أمّا لو كان بعد موت الموصي أو لم يبلغه الردّ وإن كان في حال حياته فليس له الردّ ، بل يجب عليه القبول والعمل بمقتضاها. والظاهر أنّ هذا الحكم إجماعيّ لا خلاف فيه.

ويدلّ على لزوم القبول أيضا التعليل الذي في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته ، لأنّه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره » (185) فجعل عليه السلام مناط عدم جواز الردّ ووجوب القبول على الوصي عدم اطّلاع الموصي على الردّ ، فكونه غائبا لا خصوصيّة له ، بل المناط عدم إمكان الوصيّة إلى شخص آخر لعدم اطّلاعه على الردّ لهذا التعليل.

وفي بعض الروايات الأخر الواردة في هذا الباب كرواية فضيل بن يسار (186) أيضا إيماء بذلك.

نعم هنا كلام وهو أنّه هل صرف بلوغ الردّ يكفي في عدم وجوب القبول على الموصى إليه ، أو يحتاج مضافا إلى بلوغ الردّ إمكان جعل غيره ، بحيث لو لم يمكن جعل غيره وصيّا إمّا لقلّة زمان حياته بعد البلوغ أو لشدّة المرض والآلام أو لغياب سائر من يعتمد عليهم من أقربائه وأصدقائه فلا يفيد البلوغ ، بل يجب عليه القبول وإن بلغ؟

وظاهر التعليل هو الثاني ، لأنّه عليه السلام جعل البلوغ مقدّمة لإمكان جعل شخص آخر وصيّا ، فالمناط لصحّة الردّ وعدم وجوب القبول في الحقيقة هو الغاية الأخيرة ، لأنّها العلّة واقعا للحكم في باب ترتّب الغايات.

فرع : لو ظهر عن الوصي عجز بمعنى عدم قدرته على العمل بالوصيّة‌ لمرض مزمن أو هرم أو ما يشبه ذلك هل ينعزل ويسقط ولايته ووصايته ، أو يضمّ إليه الحاكم من يساعده فيخرج عن الاستقلال لعدم قدرته مستقلاّ؟ وأمّا ولايته وصدور التصرّفات عن رأيه ونظره فلا يسقط. وأمّا فرض عدم رأي ونظر له من جهة مرض أو كبر بحيث صار مخرفا فهو خارج عن الفرض ، إذ الفرض في المقام هو عجزه عن تنفيذ الوصيّة استقلالا وبمفرده؟

الظاهر عدم انعزاله مع إمكان العمل بالوصيّة وعدم تبديلها عمّا وقعت عليه بضمّ الحاكم إليه مساعد معه يتمّ العمل بالوصيّة ، فالقول بعزله أو انعزاله يكون من التبديل المنهي عنه ، وهذا لا كلام ولا خلاف فيه بل ادّعى الإجماع عليه.

نعم هنا بحث علميّ ربما يترتّب عليه بعض الآثار ، وهو أنّه في المفروض هل ولاية الوصي العاجز عن التنفيذ تنقص وتقصر ، بمعنى أنّها لا تكون تامّة بحيث يستقلّ في التصرّفات ، فيكون الحاكم أو المساعد الذي ضمّه إليه الحاكم شريكا له في الولاية ، أو يكون تمام الولاية له فإذا خالف رأيه رأي المساعد المنصوب عن طرف الحاكم ، يكون رأيه هو المتّبع دون رأي المساعد. وأمّا فرض أنّه لا رأي له لكبر أو مرض فقلنا إنّه خارج عن الفرض؟

الظاهر عدم حصول نقص في ولايته ، ولذلك لو كان قادرا على تعيين شخص للمباشرة وتنفيذ ما هو عاجز عن مباشرته وتنفيذه ، يمكن أن يقال بأنّه مقدّم على جعل الحاكم وضمّه مساعدا إليه. نعم لو كان عاجزا عن هذا أيضا كما أنّه عاجز عن المباشرة وتنفيذ الوصيّة ، فحينئذ تصل النوبة إلى جعل الحاكم ونصبه.

فما هو الحقّ والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الوصي إن كان عاجزا عن العمل بالوصيّة مباشرة وتسبيبا ، فتسقط ولايته رأسا ويتعيّن على الحاكم جعل وليّ على الوصايا بدلا عن الوصي الأصلي الذي كان وليّا بجعل الموصي ، لأنّ العمل بوصايا‌ الميّت لازم وليس من يعمل بها ، فلا بدّ عن جعل الحاكم من يعمل ، لئلا يلزم التعطيل.

وأمّا إن كان ضعيفا لا يقدر على العمل بها وحده ، فإن كان يقدر على تحصيل شريك معه في العمل وتنفيذ الوصايا ، فله أن يحصّل ولو كان بإعطاء الأجرة له ولا يحتاج إلى الحاكم أيضا ، إلاّ إذا كان الموصي اشتراط عليه المباشرة بنفسه ، وأن يكون مثلا مشرفا على تنفيذ الوصيّة بنفسه في الأمور الراجعة إلى أولاده الصغار من تربيتهم والنظر في أمر معاشهم وتنظيم تعاليمهم وأمر دروسهم وهو بنفسه عاجز عن ذلك.

وحيث أنّه ليس له الولاية على جعل وليّ آخر يشاركه في هذه الأعمال ، فتصل النوبة إلى الحاكم وأن يعيّن شخصا يشارك الوصي في هذه ، كي لا تبقى وصاياه معطّلا ، بعد الفراغ عن العلم بأنّ الشارع لا يرضى بتعطيل وصايا الميّت وتبديله.

نعم هنا احتمل بعض أنّ هذا يكون من الحسبيات ويكون بيد عدول المؤمنين.

وفيه : أنّه مع وجود الحاكم لا تصل النوبة إلى عدول المؤمنين ، بل هم في طول الحاكم لا في عرضه ، ففي هذه الفروض انعزال الوصي لا وجه له ، غاية ما يمكن أن يقال هو أنّه للحاكم أن يضمّ إليه مساعدا يشاركه كي لا يلزم تعطيل الوصيّة ، وهو أيضا فيما لا يمكن للوصي تحصيل مساعد له ولو بأجرة ، أو فيما اشترط الميّت عليه المباشرة بنفسه ، وإلاّ لا تصل النوبة إلى الحاكم كما تقدّم.

هذا كلّه فيما إذا صار عاجزا عن العمل بالوصيّة بالاستقلال بعد ما لم يكن كذلك.

وأمّا لو كان عاجزا من حين الوصيّة ، هل يجوز جعله وصيّا ولو بضمّ مساعد إليه ، أم لا؟ والظاهر أيضا عدم المانع من هذا ، لأنّ إطلاقات أدلّة الوصيّة تشمل هذا الفرض ، لأنّ المقصود عن الإيصاء إلى شخص هو أن يوجد ما أوصاه في الخارج ، ويعمل ذلك الشخص على طبق ما أوصى وينفذه ، فإذا أمكن مثل هذا ولو بتوسّط مساعد له على ذلك فلا مانع من جعله لحصول الغرض من الوصيّة ، بل ربما يحصل‌ الاطمئنان منه أكثر من الذي يقدر على تنفيذها وحده من دون مساعد.

ولو كان الاحتياج إلى المساعد مانعا عن جعله وصيّا مع جعل مساعد له ، لكان حصول العجز في الأثناء أيضا كذلك ، فبعد الفراغ عن صحّته فيما إذا طرأ العجز في الأثناء وعدم انعزاله لا بدّ من أن يقال بصحّته وإن كان من أوّل الأمر ، غاية الأمر بشرط جعل مساعد له.

ثمَّ إنّه فيما إذا جعل الحاكم مساعدا له لعجزه ، فإذا زال العجز كما إذا كان مريضا مزمنا فبرأ فهل يرجع استقلال الوصي وليس للمساعد مشاركته في الرأي أو العمل أو الاثنين ، أو يبقى شريكا معه حتّى بعد زوال العجز؟

الظاهر استقلاله ، لأنّ مشاركة المساعد المجعول من طرف الحاكم كان لتتميم نقصه ، فإذا زال النقص فلا يبقى موضوع للتتميم ، فقهرا يسقط حقّ مشاركته مع الوصي ، ولا يبقى مجال لاستصحاب بقاء حقّه أو ولايته ، بناء على ثبوت ولاية له بعد جعله الحاكم مساعدا وأمثال ذلك من الأوصاف التي توجد له بعد جعل الحاكم ، وذلك للقطع بزوالها بعد زوال العجز.

ولكن قال في جامع المقاصد : إنّ في ذلك وجهين : وجه رجوع الاستقلال تقدّم ، وأمّا وجه بقاء المشاركة هو أنّ بجعل الحاكم وجد للمساعد منصب لا يرتفع إلاّ برافع ، وليس رافع في المقام (187).

وبطلان هذا الوجه ظهر ممّا تقدّم.

فرع : لو ظهرت من الوصي خيانة‌ ، فقد يقال : إنّ الحاكم يضمّ إليه أمينا يمنعه عن الخيانة ، فإن لم يمكن ذلك لعدم امتناعه أو لعدم قدرة الأمين على منعه فيعزله‌ الحاكم وينصب غيره. وقد يقال بأنّ الحاكم مخيّر من أوّل الأمر بين أن يعزله أو يضمّ إليه أمينا حسب ما يراه من المصلحة.

وقال في الشرائع : وإن ظهر منه ـ أي من الموصي ـ خيانة ، وجب على الحاكم عزله ويقيم مقامه أمينا. (188) ‌

أقول : ظاهر كلام صاحب الشرائع تعيّن العزل أو الانعزال ، ولم يتكلّم عن ضمّ الأمين إليه أصلا.

وعلى كلّ حال تحقيق المقام هو أنّه لو قلنا باعتبار العدالة في الوصي ، والخيانة حيث أنّها موجبة لفسقه وخروجه عن العدالة ، فبانعدام العدالة التي هي شرط في الوصاية ينعدم المشروط أي الوصاية ، فيخرج من كونه وصيّا من غير احتياج إلى العزل بل عدم إمكانه ، لأنّه كما أنّ إيجاد الموجود لا يمكن لأنّه تحصيل للحاصل فكذلك إعدام المعدوم ، فحيث أنّ في صورة اعتبار العدالة في الوصي بالخيانة ترتفع العدالة فلا وصاية ، فعزله معناه أنّ الوصية التي ليست وارتفعت يرتفعها ، وهذا معناه إعدام المعدوم ، ومحال.

فقول المحقّق « وجب على الحاكم عزله » لا يستقيم مع القول باعتبار العدالة فيها ، بل بناء على هذا القول ينعزل قهرا ، نعم يجب على الحاكم نصب شخص أمين يقوم مقامه ، ولا معنى بناء على هذا المبنى لضمّ الأمين إليه ، لسقوط وصايته وصيرورته أجنبيّا عن وصايا الميّت.

نعم بناء على عدم اعتبار العدالة يبقى مجال للكلام في أنّه بالخيانة والفسق هل يسقط الوصيّة وينعزل ، أو يجب على الحاكم عزله وجعل شخص آخر أمين يقوم مقامه في العمل بالوصيّة؟ وجهان :

وجه الأوّل : أي السقوط هو أنّ الموصي من أوّل الأمر أوصى إلى شخص يكون‌ أمينا ويراه أنّه لا يخون ، والموضوع للولاية هو الشخص المقيّد بكونه غير خائن ، فإذا خان فليس هو بموضوع فقهرا ينعزل ولا تبقى وصاية له ، فيجب على الحاكم نصب شخص أمين مراعاة لحق الصغار وأموال الصدقات كي لا تضيع ولا تعطل الوصايا ، كما تقدّم.

وبناء على هذا الوجه يكون كلام صاحب الشرائع « وجب على الحاكم عزله » غير مستقيم ، ولا بدّ في تصحيحه من تأويل ، كما صنعه صاحب الجواهر وقال : لعلّ المصنّف ـ أي المحقّق ـ يريد بعزل الحاكم منعه عن التصرّف (189) ، لا العزل بمعناه الحقيقي.

وجه الثاني : أي عدم السقوط وبقاء الوصاية والولاية حتّى بعد الخيانة ، هو أنّ الولاية أمر اعتباري مجعول من قبل الحاكم ، فإذا لم تكن مشروطة بالعدالة فلا وجه لسقوطها بالخيانة التي هي ضدّ للعدالة ، بل هو منصب من قبل الحاكم لا يرتفع إلاّ بعزل الحاكم ، لأنّ أمر وضعه بيد الحاكم.

والوجه هو الأوّل ، لأنّنا وإن لم نقل باعتبار العدالة في الوصي ـ بل الإسلام لو لم تكن الإجماعات المدّعاة في المقام ـ ولكنّ الظاهر أنّ المجعول ليس هو هذا الإنسان مطلقا ، بل هو مقيّدا بأنّه أمين غير خائن. وهذا من قبيل القيود الضمنيّة الارتكازيّة ، فيكون متعلّق الوصاية ضيقا من أوّل الأمر وفي حال الجعل. وهذا أمر ارتكازي عرفي في كلّ من يوصي إلى شخص أنّ إيصاءه إلى من هو أمين ولا يفرّط فيما أوصى إليه ، فهذا الارتكاز عند العرف بمنزلة التقييد اللفظي.

فرع : لا شكّ في أنّ الوصي أمين ، والمال الذي في يده أمانة ، فلو تلف في يده لا يضمن. وقاعدة « على اليد ما أخذت » لا تشمل اليد الأمانيّة ، بل هي خارجة عن موردها تخصيصا أو تخصّصا ، لأنّ اليد في القاعدة إن لم تكن مقيّدة فاليد الأمانيّة‌ والمأذونة من قبل الله المسمّى بالأمانة الشرعيّة كاللقطة ، أو ما في أيدي الحكّام من باب الولاية الشرعيّة خارجة تخصيصا ، لا ضمان فيها إلاّ على التعدّي والتفريط.

وفي الحقيقة في مثل مورد التعدّي تخرج عن كونها أمانة ، وتكون من اليد الغاصبة حكما بل موضوعا ، وإن كانت مقيّدة بعنوان غير المأذونة فهي خارجة تخصّصا ، وذلك لأنّ اليد غير المأذونة لا تنطبق عليها ، لأنّها مأذونة إمّا من قبل الله كالأمانات الشرعيّة ، أو من قبل المالك ، وفي كليهما خارجة عن تحت قاعدة اليد بناء على هذا التقدير تخصّصا ، فضمان اليد لا محلّ له ، وباقي أقسام الضمانات لا موجب لها.

ولا شك في أنّ يد الوصي أمانيّة ، إمّا أمانة شرعيّة أي : مأذونة من قبل الله باعتبار أنّ المجعول من قبل الحاكم مجعول من قبل الله كسائر الأولياء ، وإمّا المالك الميّت جعله وليّا حين كونه مالكا ، فيكون الوصي مأذونا من قبل المالك الموصي إلى أن ينفذ وصيّته. وعلى كلا التقديرين لا ضمان ما لم يفرّط ولم يغيّر الوصيّة عن وجهها.

نعم وردت روايات في ضمان الوصي ، ولكن كلّها فيما إذا غيّر الوصي الوصيّة عن وجهها ، وقد عقد لذلك بابا في الوسائل (190) لكنّها أجنبيّة عن المقام ، فإنّها راجعة إلى تبديل الوصيّة عن وجهها وتغييرها عما أوصى لها ولا كلام ولا إشكال في هذا.

فرع : لو كان للوصي دين على الميّت ، جاز أن يستوفي ممّا في يده وهو وصي في خصوص أداء ديونه‌ ، أو عنوان عامّ يشمل أداء الديون وغيره ، ولا يحتاج إلى أخذ الإذن في ذلك من الحاكم قيل : مطلقا ، أي سواء كان عنده حجّة يمكن بها أن يثبت حقّه ودينه ، أو لم يكن. وقيل : هذا الحكم ـ أي جواز استيفاء ما يطلب من الميّت ممّا في يده بدون إذن الحاكم ـ مخصوص بالأخير ، أي : بما لم يكن عنده حجّة يمكن أن يثبت بها حقّه.

والتحقيق في المقام أن يقال : بعد أن كان الوصي على الفرض واحدا ، لا شريك له كي يكون فعله وتصرفه فيما أوصى الميّت إليه موقوفا على إجازة شريكه وإذنه ، وهو بمقتضى الوصيّة مخيّر بين تطبيق دين الميّت على أيّ مصداق من مصاديق ذلك الدين من أموال الميّت ، فلا يحتاج إلى قيام البيّنة لإثبات دينه ، لأنّ المفروض أنّ الوصي الذي بيده أمر أداء ديون الميّت يعلم بأنّ الميّت مديون له.

فكما لو كان يعلم أنّ رجلا آخر غيره له دين في ذمّة الميّت الموصي كان عليه أن يؤدّى دينه ، وإن كان لذلك الرجل بيّنة لإثبات دينه لا يحتاج إلى طلب إقامة البيّنة لإثبات دينه ، لأنّه ثابت ، لأنّ المفروض أنّ الوصي يعلم بذلك ، فطلب البيّنة منه من قبيل طلب تحصيل الحاصل بل أردأ منه ، لأنّه من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبّد.

فكذلك الأمر بالنسبة إلى دين نفسه ، فيجوز أن يستوفي دينه من التركة ، لأنّ المفروض أنّه وصى في أداء ديونه.

وادّعاء الانصراف عن أداء دينه لا وجه له ، ولا يحتاج إلى أخذ الإجازة والإذن من الحاكم حتّى لو قلنا بلزوم أخذ الإجازة عن الحاكم ، لأنّه هناك حقّ تطبيق الكلّي على الخارج بيد المقتصّ منه لا بيد المقاصّ ، وها هنا بيد نفس الدائن ، لأنّه وصي ، فهاهنا الدائن مأذون من قبل نفس المديون في التطبيق ، فلا وجه لعدم جواز الاستيفاء مطلقا ، سواء كان عند الوصي الحجّة على إثبات دينه أو لم يكن.

ولكن قد يشكل الأمر على هذا برواية بريد بن معاوية ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : إنّ رجلا أوصى إليّ ، فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له ، ففعل وذكر الذي أوصى إليّ أنّ له قبل الذي أشركه في الوصيّة خمسين ( خمسمائة ) ومائة درهم عنده ورهنا بها جاما من فضّة ، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدّعى أنّ له قبله أكرار حنطة ، قال عليه السلام : « إنّ أقام البيّنة وإلاّ فلا شي‌ء له ». قال : قلت له : أيحلّ له أن يأخذ ممّا‌ في يديه شيئا؟ قال عليه السلام : « لا يحلّ له ». قلت : أرأيت لو أنّ رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ ، أكان ذلك له؟ قال : « إنّ هذا ليس مثل هذا » (191).

فهذه الرواية الموثّقة تدلّ على أنّ الوصي بصرف ادّعائه أنّه يطلب من الميّت الموصي كذا مقدار لا يحلّ له أخذ شي‌ء ممّا في يده من مال الميّت الموصي إلاّ بإقامة البيّنة ، وهذا نقيض الحكم بالجواز الذي اخترناه.

ولكن أنت خبير بالفرق بين مورد هذه الرواية وبين ما نحن فيه ، لأنّ ما نحن فيه مورده أنّه هناك وصي واحد يجب عليه أداء ديون الميّت إذا ثبت بالوجدان أو بالتعبد أنّه مديون لفلان بكذا ، والمفروض أنّ أمر تطبيق دين الكلّي الذي في ذمّة الميّت على المال الخارجي بيد الوصي ، لأنّ الميّت أوكل الأمر إليه في حياته ، فلا يرى مانع من استيفائه. وفي مورد الرواية وصيّان ، والوصي الأصلي الذي هو العمدة غير الدائن ، فالدائن ليس له استقلال في تطبيق حقّه إلاّ أن يثبت عند شريكه الذي هو الوصي الأوّل كي يأذن له في التطبيق. نعم لو فرضنا أنّ شريك من يدّعي الدين في الوصيّة أيضا يعلم بطلب شريكه من الميّت وأذن في التطبيق ، فلا يحتاج الاستيفاء إلى إقامة البيّنة ، لكن هذا ليس مورد الرواية.

فرع : وهو أنّه هل يجوز للوصي أن يشتري لنفسه من نفسه‌ ، بمعنى أنّه إنسان كاسب يشتري لأن يكتسب به ، أو من حوائج الدار والمنزل فيشتري من أموال الميّت لحاجة الدار مثلا من الوصي الذي هو نفسه ، فالبائع والمشتري شخص واحد باعتبارين : فهذا الوصي باعتبار أنّه وصىّ عن الميّت بائع كما إذا أوصى ببيع بعض أسباب بيته أو أدوات شغله وصرفه في مورد كذا ، فيبيع الوصي باعتبار أنّه وصىّ‌ متاع بيت الميّت أو دكّانه للصرف في مورد كذا ، ويشتري لنفسه باعتبار أنّه أحد الناس الحاضرين للاشتراء في المزاد العلني مثلا ، وهذا هو المراد من الاشتراء من نفسه لنفسه.

والظاهر عدم الإشكال في صحّة هذا المعاملة ، وإن أظهر المحقّق في الشرائع التردّد فيها وقال في ذيل كلامه : أشبهه الجواز إذا أخذ بالقيمة العدل (192). وهذا الكلام الأخير لا حاجة إليه ، لأنّه إن لم يكن بالقيمة العدل متعمّدا فهذه خيانة إمّا ينعزل أو يجب عزله كما تقدّم ، فليس له البيع وأيضا سائر المعاملات.

والإشكال ليس من هذه الناحية ، بل الإشكال من ناحية اتّحاد الموجب والقابل وأنّه هل يكفي تغاير الاعتباري أو يعتبر التغاير الحقيقي ، فإن قلنا بالأوّل ـ كما هو الصحيح ـ فيجوز أن يشتري الوصي لنفسه باعتبار أنّه أحد الحاضرين في مجلس المزاد العلني ، وهو أيضا يبيع باعتبار أنّه وصىّ من قبل المالك الحقيقي. وإن قلنا بأنّ التغاير الاعتباري لا يكفي ولا بدّ أن يكون بين البائع والمشتري في عقد واحد تغايرا حقيقيّا ، لأنّ البائع من يخرج المبيع عن ملكه ، والمشتري من يدخل المبيع في ملكه ، والشخص الواحد لا يمكن أن يخرج المبيع الواحد من ملكه ويدخل أيضا في زمان واحد وفي عقد واحد ، إذ هما متقابلان ، فلا يجوز أن يشتري لنفسه من نفسه.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا شبه مغالطة ، إذ نحن لا ندّعي أنّ الشخص الواحد بعنوان شخصه ـ الذي واحد لا تعدّد فيه ـ بائع ومشتري كي يأتي أمثال هذه الإشكالات ، بل نقول إنّه بائع بعنوان أنّه وصىّ أي يخرج المبيع عن كيس الموصي بناء على بقائه بحكم مال الميّت ، لأنّ الوارث يرث من بعد وصيّة يوصي بها ، وحيث أنّ الوصي نائب عن الموصي فالفعل الذي يصدر منه كأنّه يصدر من الموصي.

كما أنّه كذلك في باب الوكالة ، ففعل الوكيل ينسب إلى الموكّل ، فإذا باع الوكيل‌ داره ففي الحقيقة البائع هو الموكّل ، ويخرج المبيع عن ملكه لا عن ملك الوكيل.

وكذلك الأمر هنا ، فالوصيّ إذا اشترى لنفسه بائع باعتبار نيابته عن الموصي ، ففي الحقيقة البائع هو الموصي وإن كان المباشر هو الوصي ، ومشتري باعتبار نفسه فيدخل المبيع الخارج عن ملك الموصي أو الموصى له في ملك نفس الوصي ، فلا إشكال في البين.

فما نسب إلى الشيخ وابن إدريس من إنكارهما صحّة اشتراء الوصي من نفسه لنفسه ، لأنّ الواحد لا يكون موجبا قابلا في عقد واحد ، لأنّ الأصل في العقد أن يكون بين اثنين (193).

فيه : أنّ هذا إذا كان الواحد موجبا قابلا باعتبار واحد ، والشاهد على ذلك الاتفاق على صحّة شراء الأب عن طفله الصغير لنفسه وبيع ماله له أيضا ، وكذلك الجد ، بالنسبة إلى حفيده. والسرّ في ذلك أنّ في جميع هذه الموارد في الحقيقة البائع الحقيقي غير من هو مشتر حقيقة.

هذا ، مضافا إلى ما رواه الحسين بن يحيى الهمداني قال : كتبت مع محمد بن يحيى هل للوصيّ أن يشتري من مال الميّت إذا بيع فيمن زاد يزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال : يجوز إذا اشترى صحيحا (194).

نعم لا بدّ أن لا يكون مخالفا لمصلحة الطفل إذا كان وليّه يشتري ماله لنفسه أو يبيع ماله للطفل ، ولكن هذا لا دخل له بمسألة اتّحاد الموجب والقابل ، بل من شرائط صحّة البيع والشراء للقاصر ، طفلا كان أو مجنونا أو غير ذلك من موارد معاملة الأولياء للمولّى عليهم.

وقال في المسالك : وعلى الجواز ـ أي على جواز شراء الوصيّ من نفسه لنفسه ـ رواية مجهولة الراوي والمروي عنه ، لكنّها شاهد (195).

والظاهر أنّ مراده هذه الرواية ، أي رواية حسين بن يحيى الهمداني ، وهو كما ذكره إذ الراوي مجهول لم نجده في كتب الرجال ، وأمّا المروي عنه فلم يذكره هو ـ أي الراوي ـ أصلا حتّى بالإضمار ، فلا حجّية لهذه الرواية وإن استند في جامع المقاصد إليها أيضا في ذكر مدارك هذا الحكم. (196) ‌

وأمّا قول الشهيد الثاني بعد الطعن على الرواية بأنّها مجهولة الراوي والمروي عنه لكنّها شاهد. (197) أي ليس بدليل ولكنّها شاهد.

وفيه : أنّها إذا لم تكن حجّة فليست شاهدا أيضا.

فرع : إذا أذن الموصي للوصي أن يوصى‌ ، أي يجعل وصيّا كي ينفذ وصايا الميّت الذي أوصى إلى هذا الوصي ، ويكون الوصي الثاني وصيّا للوصي الأوّل ولكن متعلّق الوصاية لكلا الوصيّين أمر واحد وهو تنفيذ وصايا الموصي الأوّل ، ففي هذه الصورة يجوز إجماعا.

وخلاصة الكلام في هذا الفرع هو أنّه لو أوصى إلى رجل بوصايا متعدّدة وأذن لمن أوصى إليه أنّه إذا حضره الموت وبعد لم ينفذ جميع وصاياه أن يوصى هو ـ أي الوصي ـ إلى شخص آخر كي ينفذ البقيّة الباقية من وصاياه ، فهذا جائز إجماعا.

وهذا الحكم مطابق للقواعد الأوّلية ، وذلك لأنّ الموصي الذي أذن لوصيه أن يوصى ، كان له أن يوصى إلى شخص آخر بعد موت الوصي الأوّل لينفذ ما بقي من‌ وصاياه ولم يعمل بها الوصي الأوّل عصيانا أو لعذر شرعي ، فإذا هو يملك مثل هذا الأمر فلا فرق بين أن يوصى هو بالترتيب المذكور أو يوصى إلى وصيّة بالإيصاء.

والحاصل : أنّ في هذه الصورة لم يخالف أحد في جواز إيصاء الوصي إلى شخص آخر لتتميم تنفيذ ما بقي من الوصايا التي هو لم ينفذها عصيانا أو لعذر ، كما أنّه لا يصحّ الخلاف مع وضوح الأمر.

كما أنّه لو شرط مباشرة الوصي بنفسه تنفيذ وصاياه ، ليس له أن يوصى إلى شخص آخر. فهاتان الصورتان واضحتان ولا خلاف فيهما.

إنّما الكلام والخلاف فيما إذا أطلق الموصي ، أي لم يأذن في الإيصاء ولم يقيّد الوصاية بمباشرة الوصي بنفسه ولم ينه أيضا عن الإيصاء ، فقال الأكثر : إنّه لا يجوز له الإيصاء ، لعدم ولايته على مثل ذلك ، لأنّ الموصي المالك جعل له جواز أن يتصرّف في وصاياه بالشكل الذي أراده ، والشارع أيضا نهى عن التبديل وأوجب العمل طبق ما أوصى ، ولم يجعل له أن يجعل جواز التصرّفات لغيره مع أنّ المال لغيره ، ومقتضى الأصل أيضا عدم نفوذ إيصائه ، لأنّ مفاد إطلاقات أدلّة الوصاية نفوذ وصيّة المالك في ثلث ماله مطلقا ، وفي الزائد مع إذن الورثة أو إجازتهم بعد الوصيّة. وأمّا غير المالك فليس له مثل هذا الحقّ إلاّ بإذنه.

وأمّا القائلون بالجواز فقاسوا المقام بتوكيل الوصي شخصا آخر بتنفيذ بعض الأمور الراجعة إلى الوصايا ، كما أنّه إذا كان بعض وصاياه إطعام الناس في إفطار الصائمين في شهر رمضان ، أو في عشرة عاشوراء ، فيجوز للوصي أن لا يباشر بنفسه ويوكل شخصا لإنفاذ هذه الوصيّة والعمل بها.

ولكن فيه : أنّه مع كونه قياسا باطلا في نفسه ، يكون فرق واضح بينهما ، إذ الوصي في حال حياته مالك لمثل هذا التصرّف ، فيجوز أن يستنيب فيه غيره. وأمّا بعد موته لا يملك شيئا من التصرّفات كي يستنيب شخصا آخر ، بل بموته ينقطع ، فإن كان من‌ طرف الموصي وصي آخر مجعول طولا أو عرضا ، فيرجع الأمر إليه ، وإلاّ فالمرجع هو الحاكم.

وأيضا قالوا : إنّ الموصي أقام مقام نفسه ، فكما أنّ له الولاية على الاستنابة بعد الموت ، فكذلك للقائم مقامه.

وفيه : أنّ كون الاستنابة للموصي بعد الموت من شؤون مالكيّته في حال الحياة ، فكأنّ المالك حال الحياة له أن يستنيب بعد موته شخصا آخر يتصرّف في أملاكه بما أوصاه بها إن لم تكن تلك الأملاك زائدة على الثلث ، وإلاّ فأيضا يجوز مع إجازة الوارث.

وممّا استدلّ القائلون بالجواز أيضا صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أبي محمّد عليه السلام أنّه كتب إليه رجل كان وصيّ رجل ، فمات وأوصى إلى رجل ، هل يلزم الوصي وصيّة الرجل الذي كان هذا وصيّه؟ فكتب : « يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ إن شاء الله تعالى » (198).

فحملوا الحقّ في قوله عليه السلام : « يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ » على حقّ الأخوّة ، أي إن كان الموصي مؤمنا وكان له حقّ الأخوّة الإيمانيّة على وصيّه لقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فيلزم الوصي العمل بذلك الحقّ ، أي بحقّ الإيمان.

فهذه الرواية تدلّ على لزوم عمل الوصيّ الثاني بوصيّة الوصي الأوّل إن كان مؤمنا ، سواء أذن الموصي الأوّل بوصيّة الموصي الثاني أو لم يأذن.

وفيه : أنّ ها هنا احتمال آخر ، وهو أن يكون المراد بحقّه هو حقّ الوصي الأوّل الذي ثبت له بواسطة إذن الموصي الأوّل له في الإيصاء ، فيكون حاصل معنى الرواية‌ أنّه يلزم العمل بالوصيّة إن كان له ـ أي للموصي الأوّل ـ حقّ قبله أي الوصي الأوّل ، وهو عبارة عن الوصيّة إليه بالإيصاء ، فوصيّة الموصي الأوّل بإيصاء الوصي الأوّل حقّ له عليه.

فمفاد الرواية : إن كان للموصي الأوّل حقّ على الوصي الأول أي أذن له في الوصيّة فيلزمه هذه الوصيّة ، ومفهوم الشرطيّة يكون أنّه إن لم يأذن فلا يلزمه. وهذا خلاف ما أرادوا من الرواية ، وعلى خلاف مقصودهم أدلّ.

وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر من الاحتمال الأوّل ليس أبعد منه ، ومعه لا يبقى ظهور للرواية في ما استدلّوا له.

فالأظهر ما ذهب إليه الأكثر من عدم الجواز مع عدم الإذن ، وبناء على ما ذكرنا عن عدم نفوذ وصيّة الوصي بالنسبة إلى وصايا من أوصى إليه إلاّ مع إذن الموصي لوصيّه بالإيصاء ، فإذا مات الوصي الأوّل وكان أوصى في حياته إلى شخص آخر من غير إذن من قبل الموصي في ذلك ، فحيث أنّ وصيّته غير نافذة ، فيرجع الأمر الحاكم بالنسبة إلى وصايا الموصي الأوّل ، وتكون وصيّته في حكم العدم ، فيكون كما لو مات ولم يكن له وصي أصلا ، فلا وليّ على تركته ويكون بيد الحاكم إن كان فيهم قصّر.

فرع : لو مات إنسان وكانت ورثته كلّهم كبيرا لا صغير ولا قاصر فيهم ، فأمر تركة مورّثهم بيدهم ، يقسّمونها بينهم كما فرضه الله تعالى ، وإن وقع النزاع في أمر فالمرجع هو الحاكم. والمراد من الحاكم في عصر غيبة صاحب الأمر والعصر والزمان ـ عجّل الله فرجه ـ هو المجتهد المطلق العادل المخالف للهوى ، حيث أنّهم : نصبوه مرجعا عامّا إليه ينتهي الأمور ، ولا مجال ها هنا لذكر الأدلّة والإثبات ، وله محلّ آخر ، فالحاكم هو وليّ من لا وليّ له.

وأمّا لو كان فيهم الصغار والقصر أو الغيّب ، فإن كان لهم وليّ خاصّ ، كالأب‌ والجدّ من قبل الأب الأقرب فالأقرب ، فالمرجع هو ذلك الولي الخاصّ لا الحاكم ، لأنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له. وإن لم يكن لهم أب وجدّ من قبل الأب بمراتبه ، فالأمر ينتهي إلى الحاكم بالمعنى الذي عرفت ، وإن لم يكن للميّت وصيّ ارجع أمور هؤلاء القصر إليه ، وأمّا لو كان فأيضا لا تصل الأمر إلى الحاكم.

والبحث في هذه الأمور وبيان مراتب الأولياء مفصّلا مع الدليل والبرهان ليس محلّها ها هنا ، ونتكلّم عنها في محلّه ـ مبحث الولايات ـ إن شاء الله تعالى.

فرع : تقدّم في الفرع السابق تقدّم ولاية الأب والجدّ من قبله ـ وإن علا مع مراعاة الأقرب فالأقرب ـ على ولاية الأوصياء والحكّام وعدول المؤمنين عند فقد الحكّام ، فلو أوصى بالنظر إلى أجنبي في مال ولده الصغير مع وجود أب الموصي الذي هو جدّ الصغير لم يصحّ ، وكانت الولاية لجدّ الصغير من قبل أبيه دون الوصي. وقيل : يصحّ في مقدار الثلث من تركة الموصي وفي أداء الحقوق.

أمّا الأوّل ، فوجهه واضح ، لأنّه بعد ما عرفت أنّ ولاية الوصي بالنسبة إلى الصغير ـ سواء كانت في نفسه أو في ماله ـ في طول ولاية الأب والجدّ ، فمع وجودهما أو أحدهما لا مجال لجعل الولاية للأجنبي ، لأنّه في غير محلّه ، فيكون لغوا وباطلا.

وأمّا الثاني ، أي ما قيل من التفصيل بين مقدار الثلث والأقلّ منه وبين الأزيد منه ، فيجوز في الأوّل دون الثاني ، وكذا التفصيل بين أن تكون في أداء الحقوق وبين غيره ، فيجوز في الأوّل ، ولا يجوز في الثاني ، فهناك تفصيلان :

الأوّل : هو التفصيل بين ما يكون بمقدار الثلث أو أقلّ منه ، وبين ما يكون أزيد منه‌ ، ففي الأوّل يجوز ، وفي الثاني لا يجوز.

ووجهه : أنّ مقدار الثلث أو ما هو أقلّ منه ، أمره بيد الميّت قبل أن يموت ، له أن يمنع ولده الصغار عنه رأسا بأن يهبه لغيرهم بالعقد المنجّز ، وأن يوصى به لغيرهم‌ فيحرمون من ذلك المقدار ، فإذا جاز ذلك فقهرا له إبطال ولاية الجدّ على ذلك المقدار من مال الصغار ، فلا مانع من جعل الوليّ على ذلك المال الذي له أن يحرمهم عنه ، ولا يبقى موضوع ومحلّ لولاية الجدّ. وبعبارة أخرى : إن كان إفناء أصل المال بذلك المقدار جائزا للأب كي لا يبقى محلّ وموضوع لولاية الجدّ بالنسبة إلى ذلك المال ، فإفناء التصرّفات فيه جائز بطريق أولى.

وفيه : أنّ هذه مغالطة واضحة ، وذلك لأنّ إفناء جميع ماله جائز بالعقد المنجّز ، بناء على أنّ إخراج المنجّزات من الأصل لا من الثلث ، ومع ذلك جعل الوصي على جميع التركة مع وجود الجدّ لا يجوز حتّى عند المفصّل ، لأنّه يجوز في مقدار الثلث أو ما هو الأقلّ منه ، وأمّا في الزائد فلا.

والسرّ في ذلك : هو أنّ الحكم الشرعي بولاية الجدّ وأنّ ولايته مقدّم على ولاية الوصي والفقيه بعد وجود الموضوع ، وأمّا إن لم يكن موضوع فلا يشمله دليل تقديم ولاية الجدّ على الوصي ، ففرض عدم وجود الموضوع أو جواز إفنائه أجنبي عن محلّ الكلام.

وإنّما الكلام في أنّه مع وجود الموضوع ووجود مال للصغير ، ويكون له جدّ من قبل أبيه ، هل في هذا الفرض جعل الوصي على ذلك المال بأن يكون له النظر دون الجدّ جائز أم لا؟

وفي هذا الفرض معلوم أنّ ولاية الجدّ مقدّم على ولاية الوصي ، فيكون جعله لغوا ، سواء كان في مقدار الثلث أو أقل منه أو أزيد منه.

وأمّا التفصيل الثاني وهو الفرق بين أداء الحقوق فيجوز ، وبين غيره فلا يجوز‌ ، ففي الحقيقة هذا خارج عن محل البحث ، لأنّ الكلام في الوصيّة بالولاية على الصغار أو على أموالهم ، وأداء الحقوق مسألة أجنبيّة عمّا هو محلّ الكلام.

ثمَّ إنّه لا شكّ في أنّ الموصي لو أوصى إليه بالنظر في شي‌ء معيّن ، فليس للوصي‌ التعدّي عمّا عيّن له ، فلو قال : أوصيت إلى فلان في إصلاح شؤون بستاني فلان ، أو زرعي فلان ، أو أداء ديوني أو استيفائها من المديونين ، أو ردّ الأمانات التي من أربابها عندي إليهم ، أو شؤون أولادي الصغار أو السفهاء منهم من حيث مساكنهم وملابسهم وما سوى ذلك من حوائجهم ، فللوصي التصرّف والتدخّل فيما عيّنه له فقط وفيما أوصى إليه ، دون سائر ما له الولاية فيها.

فلو أوصى إليه بأداء ديونه فقط ، فليس له استيفاؤها من المديونين ، وبالعكس أيضا كذلك ، وذلك لأنّ حقيقة الوصيّة بالولاية استنابة من الموصي بعد موته في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه ، فإذا استنابه في عمل خاصّ ، ليس له التجاوز عنه ، فهي من هذه الجهة مثل الوكالة.

فكما أنّه لو وكّله في بعض أموره ليس له التصرّف في الأمور الآخر ، فلو وكّله في بيع ما عنده من الحنطة ليس له بيع ما عنده من الشعير ، أو وكّله في شراء الفرش لداره ليس له شراء الغنم أو البقر لشرب حليبهما وهكذا ، لأنّهما ـ أي الوصيّة والوكالة ـ كلاهما استنابة في التصرّف ، فإذا تعدّى في كليهما عمّا استنابه الموصي أو الموكّل فيه ، يكون تصرّفاته حراما تكليفا إن كان تصرّفا خارجيّا في مالهما ، وفاسدا وضعا إن كان من قبيل المعاملات التي يحتاج إلى إمضاء الشارع. وهذا واضح جدّا.

فرع : الشروط المعتبرة في الوصي من بلوغه وإسلامه وحرّيته وعقله وعدالته ـ بناء على اعتبار هذه الشروط ، لأنّ في اعتبار بعضها خلاف ـ هل يعتبر وجودها ، أي اتّصاف الوصي بها حال العقد ، أو يكفي وجودها حال الوفاة وإن لم يكن وقت الإيصاء متّصفا بها ، ولكن صار متّصفا بها حال وفاة الموصي.

مثلا لو أوصى إلى صبيّ كافر عبد مجنون ، ولكن حال موت الموصي صار واجدا لتلك الصفات ، أي صار بالغا مسلما حرّا عاقلا عادلا ـ بناء على اعتبار العدالة ـ فيصحّ هذه الوصيّة ، لاجتماع الشرائط في وقتها ، وهو حال الوفاة.

ولا ينبغي أن يتوهّم أنّ القول الأوّل الذي مفاده اجتماع الشروط حال الوصيّة معناه صرف وجود هذه الشروط في ذلك الوقت وإن لم يبق بعد ذلك أو ارتفع بعضها أو جميعها ، بل لا شكّ في لزوم اجتماع الشروط حال الإنفاذ ، لأنّ الاعتبار بلحاظ حال الإنفاذ.

فالكلام في الحقيقة يرجع إلى أنّ وجود هذه الشروط حال الإنفاذ يكفي ، أو يلزم أن يكون حال الوصيّة موجودة وباقية إلى زمان الإنفاذ ، أو يكفي أن تكون موجودة حال الموت إلى زمان الإنفاذ ، فاجتماعها حال إنفاذ اتّفاقي لا خلاف فيه فإنّ أحدا لا يقول وليس له أن يقول إنّ الوصي لو كان حال إنشاء العقد مسلما عادلا عاقلا حرّا ، ثمَّ صار حال الإنفاذ كافرا أو فاسقا ومجنونا وعبدا مثل أن كان حال العقد حرّا ومن أهل الجزية ثمَّ خالف شروط الجزية فاسترقّه المسلمون.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في هذه المسألة ليست أربعة أو ثلاثة كما توهّمه بعض ، بل اثنان : أحدهما : اجتماع الشروط من حال العقد إلى زمان الإنفاذ ، الثاني : كفاية اجتماع الشروط من حال الموت إلى حال الإنفاذ.

وقال في الشرائع : والأوّل أشبه. (199) وترجيح هذا القول لوجوه :

الأوّل : أنّ هذه الشروط شروط صحّة العقد‌ ، وما لم يوجد الشرط لا يوجد المشروط ، فعند انتفاء جميعها أو بعضها ينتفي الصحّة.

وفيه : أوّلا أنّ هذه الشروط شروط لكونه وصيّا لا لصحّة العقد ، فيمكن أن يكون العقد صحيحا ، ولكن تأثيره في صيرورته وصيّا بالفعل يكون موقوفا على كونه متّصفا بهذه الصفات من حين موت الموصي إلى آخر زمان إنفاذ هذه الوصايا وإن لم يكن حال العقد متّصفا بها.

وبعبارة أخرى : يرجع الأمر إلى أنّ شرط صحّة العقد هل هو وجود هذه الصفات حال العقد ، أو من زمان موت الموصي إلى آخر زمان إنفاذها ، بل من الممكن أن يكون الشرط وجود هذه الصفات حال الإنفاذ فقط ، لا قبله ، ولا حال العقد ، ولا حال موت الموصي ، فلا بدّ من مراجعة أدلّة اعتبار هذه الشروط ولا يبعد أن يكون ظاهرها اعتبارها حال الإنفاذ فقط لمناسبة الحكم والموضوع.

الثاني : أنّ التفويض إلى من ليس متّصفا بهذه الصفات منهيّ‌ ، والنهي يدلّ على الفساد إن كان متعلّقا بركن العقد ، ولا شكّ في أنّ الموصى إليه ركن في عقد الإيصاء بالولاية.

وفيه : أنّ النهي المتعلّق بالمعاملة إن كان نهيا غيريّا وأفاد الإرشاد إلى المانعيّة ، فلا محالة يدلّ على الفساد ، كما أنّه لو كان نفسيا مولويّا وتعلّق بالمعنى الاسم المصدري أي النقل والانتقال في باب المعاوضات مثلا ، فأيضا يدلّ على الفساد كما حقّقنا المسألة في كتابنا « منتهى الأصول » (200).

ولكن العمدة في المقام هو النهي عن الإيصاء إلى غير البالغ أو الفاسق أو الكافر أو المملوك أو غير العاقل مطلقا ، فلو كان كذلك فهذا الدليل يدلّ على لزوم وجود هذه الصفات في الوصي حال العقد ، ولكن هذا أوّل الكلام ، لأنّه يمكن أن يكون متعلّقا بالإيصاء إلى الصبيّ حال موت الموصي أو حال إنفاذ الوصايا. وأمّا لو لم يكن ذلك الوقت صبيّا مثلا فلا إشكال ، فهذا الدليل لا يتمّ إلاّ مع الاستظهار عن الأدلّة أنّ النهي متعلّق بالإيصاء إلى فاقد هذه الصفات حال العقد ، وهذا أوّل الكلام ، فيكون هذا الاستدلال من قبيل المصادرات.

الثالث : أنّ الوصي يجب أن يكون ـ متى مات الموصي ـ أهلا وقابلا للعمل وإنفاذ الوصايا‌ ، وغير البالغ والمجنون والمملوك والكافر ليسوا قابلين لإنفاذ الوصايا لو‌ فرضنا موت الموصي في حال عدم اتّصافهم بهذه الصفات.

وفيه : أنّ هذا خلف بالنسبة إلى الفرض ، لأنّ المفروض أنّ الوصي واجد لهذه الصفات حال الموت ، وقد عرفت أنّ هذه الوجوه وإن كانت لا تخلو من نظر ومناقشة ، ولكن الإنصاف أنّ ظاهر أدلّة اشتراط الوصي بالصفات المذكورة هو كونه متّصفا بها حال الإيصاء إليها ، بمعنى أنّه لا يجوز ولا يصحّ الإيصاء إلى الصبيّ غير البالغ ، فلو كان حال وقوع عقد الإيصاء إليه غير بالغ يصدق على ذلك العقد أنّه إيصاء إلى غير البالغ ، فيكون منهيّا عنه مثل هذا الإيصاء فيكون باطلا.

فالأظهر ما ذهب إليه المحقّق من أنّ صحّة العقد مشروط بوجود هذه الصفات في الوصي حال العقد. (201) ‌

فرع : يجوز للوصيّ على الصغار الأيتام المسمّى باسم « القيّم » أن يأخذ أجرة مثل عمله‌ إذا كان لعمله أجرة عرفا وكان القيّم فقيرا ، أمّا إذا كان غنيّا ففيه إشكال ، والأصل في ذلك قوله تعالى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء: 6].

المقصود من ذكرنا الآية ها هنا الجملتان الأخيرتان : أي قوله ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) ، فالله تبارك وتعالى بيّن أنّ وليّ الصغير واليتيم الذي يصلح أمورهم ويدبّر شؤونهم يجب عليه أن يختبر اليتيم ، فإن رأى منه أنّه بلغ السن الرشد فيجب عليه أن يدفع إليه أمواله ، وما دام متشاغلا بحفظ أموالهم وإدارة شؤونهم فله أن يتناول من ماله بقدر قوته إن كان فقيرا ، وأمّا إن كان‌ غنيّا فيجب عليه أن يستعفف ويترك أموالهم ولا يأخذ منهم شيئا.

وخلاصة الكلام : أنّ الله تبارك وتعالى نهى القيّم والوصيّ على اليتيم أن يأكلا من أمواله إسرافا وبدارا ، أي متجاوزين عن القوت اللازم ، ومسرعين في الأكل قبل أن يكبروا ويأخذوا المال من أيديهم.

ثمَّ بيّن سبحانه وتعالى أنّ القيّم والوصيّ اللذان يحفظان أموال اليتامى ، ويصلحان أمورهم وشؤونهم ، وتستغرق أوقاتهم في تدبير شؤون أموال اليتامى ونفوسهم ولا يبقى للاشتغال لأنفسهم ، إن كانوا أغنياء ـ أي يملكون قوت سنتهم ، بل جميع نفقات سنتهم ونفقات عيالهم الواجبي النفقة عليهم ـ فيجب عليهم التعفّف ، وترك أكل أموالهم ولو كان قليلا. وأمّا إن كانوا فقيرا ـ أي لا يملكون ما ذكرنا من قوت سنتهم وقوت عيالهم الواجبي النفقة ، بل مطلق نفقاتهم ونفقات عيالاتهم مقدار سنة كاملة ـ فيجوز لهم الأكل بالمعروف.

والمراد بالمعروف هو القوت المتعارف الذي هو الوسط بين البخل والإمساك ، وبين التبذير والإسراف ، أي أكلا متعارفا.

وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ فليأكل بالمعروف قال : « المعروف هو القوت ، وإنّما عنى الوصي أو القيّم في أموالهم ما يصلحهم » (202) . ‌

والظاهر أنّ مراده عليه السلام من القوت ما يقابل الكماليّات والتجمّلات كما هو المصطلح في هذه الأزمان ، لا الخبز فقط. والظاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا في جواز الأكل إن كان فقيرا ، وعدم جوازه إن كان غنيّا بين أن يكونا منصوبا من قبل الأب أو من قبل الحاكم.

وقيل : المراد بالمعروف هو أن يأخذ بقدر أجرة عمله. وقيل : هو أقلّ الأمرين من أجرة عمله وقدر قوته المتعارف ، أي مقدار معيشة المتعارفة.

فلنذكر الأخبار الواردة في هذا المقام :

منها : ما روى الشيخ عن البزنطي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يكون في يده مال لأيتام ، فيحتاج إليه ، فيمدّ يده فيأخذه وينوي أن يردّه؟ فقال : « لا ينبغي له أن يأكل إلاّ القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] » (203).

ومنها : ما عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قال عليه السلام : « من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم ، فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئا » (204).

ومنها : موثقة حنّان بن سدير عنه عليه السلام قال : « إذا لاط حوضها وطلب ضالّتها وهنأ جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك لضرع ولا فساد نسل ». (205) ‌

ومنها : ما عن أبي الصباح ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : ( فمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) فقال ذلك يحبس نفسه من المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا ». (206) ‌

ومنها : ما روى العيّاشي في تفسيره عن زرارة ، وروى أيضا عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير الآية أنّه قال : « هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه فليأكل بالمعروف ، وليس له ذلك في الدنانير والدّراهم عنده موضوعة » (207).

ومنها : ما روى الشيخ عن الكاهلي قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعه خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ، ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ فقال : « إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا. وقال عليه السلام : « {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عزّ وجلّ : {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] » (208).

ومنها : ما في الكافي عن عليّ بن المغيرة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربما أهدى لها شي‌ء فأكل منه ثمَّ أطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي ، فأقول : يا ربّ هذا بذا؟ فقال عليه السلام : « لا بأس » (209).

ومنها : ما رواه الشيخ عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟ فقال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم ، فليأكل بقدر ذلك » (210).

والإنصاف أنّ القدر المتيقّن المتحصّل من هذه الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها هو أنّ المتولي لأمر الصغار ، أي الوصي عليهم من طرف الأب ، أو الجدّ من قبل الأب ، أو القيّم عليهم من طرفها أو من طرف الحاكم ، إذا كان فقيرا ـ أي لم يملك مئونة نفسه وعياله الواجبي النفقة مقدار سنة كاملة ، وكان مشتغلا بإصلاح أموالهم وتدبير شئونهم بحيث يشغله ذلك عن تحصيل معيشته وإدارة شئونه ، وعن كسبه وتدبير مال نفسه ـ فيجوز له أن يأكل من مال اليتيم بمقدار أقلّ الأمرين من قوته المتعارف ومن أجرة عمله ، بشرط أن لا يكون مال اليتيم قليلا بحيث لو أكل الوصي أو القيّم منه ينعدم ، أو يكون قريبا من الانعدام. وإن شئت قلت : أنّه لا يكون موجبا لتبيّن نقصه عرفا.

فلجواز الأكل قيود :

الأوّل : أن لا يكون غنيّا ، لأنّ الأمر بالاستعفاف ظاهر في الوجوب.

الثاني : أن يكون مشتغلا بإصلاح أموالهم وشؤونهم ، ويدلّ على هذا القيد أغلب الروايات المتقدّمة.

الثالث : أن يكون اشتغاله بإصلاح أمورهم مانعا عن تحصيل معيشته والاشتغال لنفسه ، ويدلّ على هذا القيد قوله عليه السلام في رواية سماعة « وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يزرأ من أموالهم شيئا ». ومعنى « لا يزرأ » هو « لا ينقص » والنهي عن النقص من أموالهم كناية عن عدم جواز الأكل مطلقا ، قليلا كان أو كثيرا.

الرابع : أن يكون بمقدار أقلّ الأمرين من القوت المتعارف ومن أجرة عمله ، فالدليل على هذا القيد هو رواية هشام بن الحكم حيث يقول عليه السلام فيها « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك ».

والآية وإن كانت مطلقة من هذه الجهة ، لأنّ مفادها جواز الأكل بالمعروف وإن كان أكثر من أجرة المثل ، لكن هذه الرواية يقيّدها بما إذا لم يكن أزيد من أجرة المثل.

مضافا إلى أنّ أكله أزيد من أجرة المثل خلاف القواعد الأوّلية ، إذ في الكبير لا يجوز ذلك فضلا عن الصغير ، وكون هذا حكما تعبّديا في خصوص الصغير بعيد إلى الغاية.

أمّا لو كان قوت السنة أقلّ من أجرة المثل ، فالأخذ به من جهة أنّ مفهوم القضيّة الشرطيّة في قوله تعالى ( مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) هو أنّ أزيد من قوت السنة الذي هو الأكل بالمعروف لا يجوز ، فيقيّد به دليل استحقاق الأجير أجرة عمله ، وكأنّه قال : كلّ أجير يستحقّ مقدار أجرة عمله ويجوز له أكل ما يستحقّ من ناحية عمله ، إلاّ إذا كان عمله في إصلاح أموال اليتيم ، فإنّه لا يستحقّ ولا يجوز أكل أزيد من قوت ، ونتيجة ما ذكرنا هو استحقاق أقلّ الأمرين.

الكلام في منجّزات المريض‌ :

إنّ من المعلوم أنّ تصرّفات المريض نوعان : مؤجّلة بالموت ومعلّقة عليه ، وهي الوصيّة وقد تقدّمت بتفاصيلها ، سواء صدرت عن المريض أو الصحيح ، وذكرنا مقدارا مهمّا أعني ما هو محلّ الابتلاء من فروعها ، ومنجّزة وهي التي اصطلح عليها الفقهاء بإطلاق لفظ منجّزات المريض عليها.

والمنجّزات التي تصدر عن المريض إن لم تكن فيها محاباة ولم تكن من التبرّعات ، فلا كلام فيها ولا خلاف في البين.

وأمّا إن كانت من التبرّعات كالهبة والعتق والوقف وأمثالها ، أو كانت من المعاوضات التي فيها المحاباة ، فقد وقع الخلاف في أنّها من الأصل وإن لم يجز الوارث ، أو متوقّف كونها من الأصل على إجازة الوارث مثل الوصيّة ، فإن لم يجز كان من الثلث؟

فمن الأولى والأرجح أن نقدّم أمورا لتوضيح المقام :

الأوّل : كما عرفت أنّ المراد من « المنجّز » هو ما يقابل الوصيّة‌ ، بمعنى أن تكون العطيّة التي يعطيها ، أو المعاملة المحاباتيّة التي ينشأها ، أو فكّه لملكه أو إبراء ذمّة مشغولة له ، سواء كانت مشغولة بمال أو حقّ له غير معلّق على موته ، بل يتحقّق ما أنشأه من الأصل على أحد القولين ، ومن الثلث على القول الآخر في حال حياته وليس موقوفا على موته ، بخلاف الوصيّة فإنّ الموصى به لا يوجد للموصى له إلاّ بعد موت الموصي. فبناء على هذا عتقه في حال المرض وهبته ووقفه وصدقته وبيعه المحاباتي وصلحه بلا عوض أو مع عوض أقلّ ممّا يصلح عليه وإجارته المحاباتيّة وكلّ معاوضة محاباتيّة وجميع تبرّعاته على أنحائه ممّا يوجب ضررا ونقصا على الوارث ، وكذلك إسقاط حقوقه التي تعاوض بالمال وإبراء ذمّة مديونه ، وأمثال المذكورات ممّا ليس منشأه معلّقا على الموت ويكون إضرارا بالوارث ، يكون داخلا في محلّ النزاع والخلاف.

ثمَّ إنّ ها هنا موارد وقع الكلام في أنّها داخلة في محلّ النزاع أم لا؟

منها : شراء من ينعتق عليه كالعمودين ـ أي الآباء والأمّهات ـ أو المحارم من النساء‌ ، فمن جهة يمكن أن يقال هذه المعاملة ليس فيها محاباة ، وإنّما المبيع الذي اشتراه يساوي ثمنه ، وليس عند العرف خسارة وضرر ، ولذلك ليس فيها خيار غبن ، والضرر الذي يتوجّه على الورثة من ناحية حكم الشارع بانعتاق هؤلاء ، وإلاّ لو فرضنا عدم‌ هذا الجعل من قبل الشارع لم يكن ضرر عليه في البين ، ولكن حيث أنّه يظهر من روايات الباب أنّ مناط عدم النفوذ في الزائد على الثلث على القول به هو الإضرار بالورثة ، ففي ما روى الكليني أنّ النبي صلى الله عليه واله عاب من أعتق مماليكه ولم يكن له غيرهم وقال صلى الله عليه واله : « ترك صبية صغارا يتكفّفون الناس ». (211) شاهد واضح على أنّ مناط المنع في الزائد على الثلث هو الإضرار بالورثة ، ولا شكّ في أنّ في شراء من ينعتق عليه إضرار بالورثة ، فيكون داخلا في محلّ الخلاف ، لوجود المناط فيه.

منها : ردّ الهبة والوصيّة والصدقة‌ إن كان من أهلها.

منها : العفو عن القصاص مع إمكان أن يصالح هذا الحقّ بالمال. ولكن الإنصاف أنّ هذا من عدم جلب النفع للورثة لا من الإضرار عليهم ، لأنّ المجعول لوليّ الدم ابتداء هو ليس حقّا ماليّا بل حقّ القصاص فقط ، ولكن له أن يصالح بالمال فلو لم يحصل مالا وأضرّ بهم وإلاّ لو كان ذا صنعة مهمّة مثل أن يكون خطّاطا من الدرجة الأولى ، كلّ قطعة من خطّه يباع بقيمة مهمّة غالية يمكن أن يحصل أيّام المرض مالا مهمّا يجب أن يقال بوجوب الشغل بتلك الصنعة ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

منها : الإتلاف الموجب للضمان‌ ، فلو تعمّد إتلاف مال الغير فيكون ضامنا لما أتلف ، ولا شكّ في أنّه إضرار بالورثة ، فهل يخرج الضمان من الأصل أو الثلث؟ ومثل أنّه أفطر في نهار رمضان متعمّدا فيجب عليه الكفّارة فيما إذا تعيّن عليه الكفّارة الماليّة من إطعام ستّين مسكينا أو تحرير رقبة مؤمنة ، وهكذا الحال في سائر الكفّارات الماليّة فهل يكون من الأصل أو من الثلث مثل كفّارة حنث الحلف النذر؟

أقول : محل البحث هو إنشاء تبرّع ابتداء أو في ضمن معاملة محاباتيّة ، سواء كانت عقدا أو إيقاعا ، فهل مثل هذه المعاملات تنفذ من الأصل أو من الثلث؟

أمّا الفعل الخارجي التكويني الذي جعله الشارع موضوعا لحكم من الأحكام ـ كباب الجنايات التي جعل الشارع لها الدية أو لزوم إعطاء الأرش ، أو جعله الشارع موضوعا لوجوب إعطاء الكفّارة ـ فلا دخل لها بما هو محلّ بحثنا ، بل رفع الحكم فيها يحتاج إلى تقييد في دليلها أو تخصيص فيه ، وحيث لا تقييد ولا تخصيص في البين فيجب إعطاء الكفّارة فيما تجب فيها والأرش والدية فيما يجب فيه الأرش أو الدية.

وخلاصة الكلام هو أنّ البحث في أنّه إذا صدر من المريض عقد أو إيقاع يكون تبرّعا ابتداء أو يكون متضمنا للتبرّع كالعقود المحاباتيّة أو الإيقاع كذلك ، فهل ينفذ من الأصل أو لا ينفذ إلاّ في خصوص الثلث كالوصيّة؟

وإن شئت قلت : إنّ محلّ النزاع والخلاف هو أن يكون مالا موجودا للمريض من عين أو منفعة أو دين أو حقّ ماليّ ، ففي عالم الاعتبار التشريعي لو نقله إلى غيره بلا عوض أو بعوض أقلّ أو أبرأ ذمّة من في ذمّته أو أسقط حقّه المالي الموجود ، فهل ينفذ مطلقا ، أو لا بل ينفذ في مقدار الثلث ، أمّا الزائد عليه فنفوذه موقوف على إجازة الورثة؟

نعم لو اشتغل ذمّته لشخص بعقد أو إيقاع ، بحيث يكون ملزما بأدائه من المال الموجود عنده بدون عوض والظاهر كونه داخلا في محلّ الكلام.

وأمّا إذا ضمن بعقد الضمان ما في ذمّة زيد مثلا ، خصوصا إذا كان زيد معسرا يتعذّر عليه أداء عوض الضمان ، فهل داخل في محلّ البحث ، أم لا؟ فيه وجهان :

من حيث أنّ الضمان عقد موجب لاشتغال ذمّة الضامن بعوض مثله في ذمّة المضمون عنه ، فليس من عقود التبرّعات ولا المعاوضة المحاباتيّة ، فيكون خارجا عن محلّ النزاع.

ومن حيث أنّ المضمون له لو كان معسرا يتعذر عليه أداء ما في ذمّته من عوض المضمون به ربما يكون ضررا على الورثة ، فيكون داخلا في محلّ الخلاف والنزاع.

والإنصاف : أنّه في صورة كون المضمون عنه معسرا بحيث يتعذّر عليه أداء ما في ذمّته ، لا يبعد دخوله في محلّ النزاع ، لوجود المناط والملاك فيه.

وأمّا نذر المال في حال المرض فداخل في محلّ الكلام بلا كلام ، لأنّه يقينا ضرر على الورثة ، فإنّ مقدار المال المنذور يخرج من كيس الورثة يقينا وبلا عوض ، فهو من العقود التبرعيّة بلا ريب.

ثمَّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا من الضابط من محلّ النزاع والخلاف ـ وهو أن يكون مالا موجودا ، أو ما يكون بحكم الموجود ، كالمنافع للأعيان الموجودة التي تتجدّد في الأزمنة المتتالية ، من عين أو منفعة أو دين في ذمّة أو حقّ مالي ، ففي عالم الاعتبار التشريعي بعقد أو إيقاع لو نقله إلى غيره بلا عوض أو مع عوض أقلّ منه ، أو أبرأ ذمّة من في ذمّته ، أو أسقط حقّه المالي الموجود ، ففي جميع ذلك يأتي الخلاف المذكور أنّه من الأصل أو هو كالوصيّة من الثلث إذا صدر من المريض ـ أنّ العطايا الخارجيّة التي تصدر منه كما إذا أعطى مالا بدون عقد أو إيقاع في البين لمادح يمدحه ، أو لمن يخاف منه على نفسه أو على ماله أو على عرضه ، أو يريد يجلب مودّته لغرض من الأغراض أو يريد احترامه لأجل حقّ له عليه فيضيفه ، أو يهدى إليه لرجوعه من سفر أو لعرسه وزفافه ، أو يعطى لفقير للأجر والثواب ، أو يعطى لسلامته من الآفات وحصول الصحّة والاستشفاء من مرضه ، فجميع ذلك خارج عن محلّ الخلاف والنزاع ، وعليه السيرة المتشرّعة قديما وحديثا.

الثاني : أنّه ما المراد من المرض الذي أخذ في عنوان البحث‌ ، حيث أنّ المسألة عندهم معنونة بعنوان أنّ منجّزات المريض هل هي من الأصل أم من الثلث كالوصيّة؟

أقول : الاحتمالات كثيرة :

منها : أن يكون المراد منه المرض الذي بسببه يحصل الموت‌ ، فيكون من إضافة‌ السبب إلى المسبّب ، فمرض الموت أي المرض الذي يكون سببا وعلّة للموت.

وهذا أيضا على قسمين ، لأنّ السبب قد يكون سببا فعليّا ، وقد يكون شأنيّا.

مثلا قد يكون الموت مستندا إليه ، وليس للموت سبب وعلّة أخرى بحيث لو لم يكن هذا المرض لم يمت ، وأخرى يكون سبب آخر للموت من غرق أو حرق وإن كان المرض أيضا لو لم يكن ذلك السبب الآخر كان كافيا لوقوع الموت ، ولكن بواسطة وجود ذلك السبب الآخر لم يبق مجال لتأثير المرض ، كما أنّه كان مبتلى بالسل في الدرجة الأخيرة التي ليست قابلة للعلاج ، ولكن يتأخّر موته سنة مثلا وفي الأثناء انهدمت الدّار عليه ومات ، فالمرض في هذا المثال سبب شأني للموت ، والسبب الفعلي له انهدام الدار عليه.

ومنها : أن يكون المراد منه المرض الذي يتّفق فيه الموت‌ ، وليس للمرض تأثير فيه أصلا ، وذلك كما إذا كان مريضا قابلا للعلاج وفعلا مشغولة بالمعالجة ، ولكن اتّفق أنّه مات بسبب آخر ، كما أنّه وقع من شاهق أو لدغه حيوان سامّ مثلا فمات بسببه.

وبناء على هذا التفسير ـ لمرض الموت ـ يكون من قبيل إضافة الظرف إلى مظروفة ، كقولهم : سنة الوباء أو الطاعون أو القحط وأمثال ذلك أي المرض الذي يقع فيه الموت. وبناء على هذا التفسير الأخير لو كان مريضا وصدر منه تصرّف منجّز في ماله ، كهبة أو وقف أو عتق ومات في أثناء ذلك المرض بسبب آخر ، كلدغ حيّة مثلا ، يكون داخلا في محلّ الخلاف ، أي أنّه يخرج من الأصل أو الثلث؟

ثمَّ إنّه قد تحصل أمارات الموت وليس بمريض أصلا ، كما أنّه لو صعب الولادة على المرأة حال الطلق وظهرت عليها أمارات الموت ، فإن صدرت في هذه الحالة تبرّعات منجّزة من بذل مهرها لزوجها وأمثال ذلك ، فهل داخل مثل هذا التبرع في محلّ الخلاف أم لا؟ أو كان في الحرب في محلّ يظنّ فيه التلف لوقوع رصاصه عليه ، أو كان في السفينة المشرفة على الغرق في حال هيجان البحر وتلاطم الأمواج ، ففي مثل‌ هذه الموارد هل يكون ملحقا بمرض الموت ، لوحدة الملاك وتنقيح المناط ، أم لا؟

ولكن هناك في الروايات تعبير آخر غير مرض الموت ، وهو عنوان « حضرته الوفاة » ربما يشمل مثل هذه الموارد ، فالمرأة التي حال الطلق ظهرت عليها أمارات الموت يصدق عليها أنّها حضرتها الوفاة ، وهكذا في السفينة المشرفة على الغرق.

ثمَّ إنّه هاهنا أمران :

أحدهما : هل موضوع هذا الخلاف والنزاع وقوع التبرّعات المنجّزة في مطلق المرض‌ ، وإن كان تطول مدّته ويبقى المريض سنين ، كمرض السل والسرطان ، فإنّهما وإن كان سببا للموت بالأخرة وليس لهما العلاج ولكن قد تطول سنين عديدة ، أو مخصوص بالمرض الذي يتعقّب بالموت بسرعة ولا يزيد على الشهر مثلا؟

ومعلوم أنّه لو كان موضوع الحكم هو مرض الموت ، فلا بدّ من مراجعة العرف في فهم المراد من هذه الكلمة إلاّ أنّ الشأن في ذلك.

الثاني : أنّ موضوع هذا الحكم ووقوع الخلاف مطلق المرض ، أو خصوص المخوف منه؟ واختلف عباراتهم في هذا القيد ، ويظهر من عبارة المحقّق في الشرائع أنّ موضوع هذا الخلاف مطلق المرض الذي يتّفق به الموت ، سواء كان مخوفا في العادة أو لم يكن (212) فعنده موضوع هذا الخلاف هو المرض الذي يكون سببا للموت وإن لم يكن مخوفا بل اتّفق فيه الموت. واختار في القواعد (213) أنّ الموضوع لهذا الحكم هو المرض يتّفق معه الموت وإن لم يكن بسببه.

ثمَّ إنّ الذين جعلوا الموضوع المرض المخوف مثل الشيخ (214) ومن تبعه في ذلك ، دخلوا في مسألة بيان الأمراض المخوفة وما ليس بمخوف ، وهذا عبارة الشرائع : كلّ‌ مرض لا يؤمن معه من الموت غالبا فهو مخوف ، كحمّى الدق ، والسل ، وقذف الدم ، والأورام السوداويّة والدمويّة ، والإسهال المنتن وما شاكله. وأمّا الأمراض التي الغالب فيها السلامة فحكمها حكم الصحّة ، كحمى يوم وكالصداع عن مادّة أو غير مادّة ، والدمل ، والرمد ، والسلاق ، وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى الغض ، والزحير ، والأورام البلغمية (215).

وهذه الأمراض التي ذكرها أنّ عدّة منها مخوفة وعدّة أخرى غير مخوفة هو حسب الطبّ القديم ، وأمّا اليوم فتغيّرت أسماؤها ، وبعض ما سمّاها بالمخوفة ليست بالمخوفة ، بل يمكن علاجها بسهولة في هذه الأزمان.

هذا ، مضافا إلى أنّه ليس في الروايات هذا العنوان ، أي عنوان « المرض المخوف » كي ترجع في تعيين مفاده إلى العرف أو إلى أهل الخبرة في فنّ الطبّ ، وأنّه هل يسمع شهادة الفاسق بل الكافر من أهل الخبرة أو لا بدّ وأن يكون شهادة العدل بل العدلين لو كان من باب الشهادة.

نعم في عدّة روايات عنوان « المريض » من دون قيد ، وفي الكتاب العزيز وفي عدة من الروايات عنوان « حضر أحدكم الموت » وفي بعضها « عند الموت » فالبحث عن أنّ أيّ مرض مخوف وأيّها ليس بمخوف لا أثر له.

نعم المسلّم عند الكلّ أنّه لو تبرّع في مرضه ، ثمَّ طاب من ذلك المرض ولم يمت ، ثمَّ مات بمرض آخر أو بسبب آخر ، فهذا ليس داخلا في محلّ النزاع والخلاف قطعا ، فما هو المسلّم في دخوله في محلّ النزاع هو أن يقع الموت في نفس المرض الذي صدر التبرّع منه في ذلك المرض ، أمّا كونه سببا للموت أو كونه مخوفا فليس شي‌ء من ذلك مذكور في الأخبار ولا من المسلّمات عند الأصحاب.

الثالث : في بيان أنّه ما هو مقتضى الأصل ، مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة‌ التي‌ مفادها خروج منجّزات المريض من الأصل أو من الثلث.

فتارة نتكلّم في الأصول اللفظيّة من العمومات والإطلاقات التي هي من الأمارات ومع جريانها لا يبقى محلّ لجريان الأصول العمليّة لارتفاع الشكّ الذي هو موضوعها بها ، لأنّها حاكمة عليها وقد حرّرنا المسألة في الأصول. (216) ‌

وأخرى في الأصول العمليّة على فرض عدم جريان الأصول اللفظيّة من العمومات والإطلاقات.

أمّا الأوّل ، أي الأصول اللفظيّة :

فمنها : المرسلة المعروفة بين الفريقين : الناس مسلّطون على أموالهم » (217).

وتقريب الاستدلال بها في المقام هو أنّ مفاد هذه المرسلة أنّ كلّ من يملك مالا فهو السلطان على ماله ، فله أنحاء التصرّفات الجائزة شرعا ، ولا فرق في ذلك بين التصرّفات التكوينيّة كشرب المشروبات وأكل المأكولات ولبس الملبوسات ، وهكذا في سائر أنحاء التصرّفات التكوينيّة فيؤخذ بالعموم ، إلاّ أن يأتي دليل على التخصيص بالنسبة إلى تصرّف من التصرّفات ، وبين التصرّفات التشريعيّة كبيعه وهبته وإجارته وعاريته والصلح عليه وهكذا ، بل قلنا في الاستدلال بها على أصالة اللزوم إذا شككنا في لزوم معاملة مملكة ونفي جواز الرجوع بعد حصول الملك للطرف المقابل إنّ إرجاعه بدون رضاه مناف مع سلطنته على ماله.

وذلك من جهة أنّ مقتضى السلطنة التامّة التي هي مفاد القاعدة أنّ للمالك جميع أنحاء التصرّفات المباحة في ماله ، وقصر سلطنة الغير عنه. فالمرسلة متضمّن لعقدين : إيجابي وسلبي ، أي كما أنّ له جميع أنحاء التصرّفات الجائزة المباحة ، كذلك له منع الغير‌ عن التصرّف فيه ، وإلاّ ليس سلطنة تامّة بل ناقصة ضعيفة ، ولذا جعلناها دليلا على اللزوم في مورد الشكّ وقلنا بأصالته في الملك.

ففي ما نحن فيه بعد الفراغ أنّ المال ماله ما دام الروح في بدنه ولا يخرج عن ملكه ، فبهذه المرسلة نستدلّ على أنّه في حال المرض الذي يقع فيه الموت حيث أنّ المال ماله ولم يخرج عن ملكه ، فله التسلّط على جميع أنحاء التصرّفات المشروعة غير المحرمة ، إلاّ أن يأتي دليل على المنع عن تصرّف وإن كان في حدّ نفسه حلالا أو كان في حدّ نفسه من المحرّمات كجعل عنبه خمرا مثلا أو خشبه صنما وأمثال ذلك.

وحيث أنّ التبرّعات المنجّزة ليست من العناوين المحرّمة ، ولا نهي الشارع عن مثل هذا التصرّف على الفرض ، بل هي من العناوين الراجحة بلا كلام ، فللمالك السلطنة عليها.

لا يقال : إنّ قاعدة السلطنة ليست مشرّعة لمعاملة مشكوك الشرعيّة ، بمعنى أنّه لا يمكن ولا يصحّ إثبات شرعيّتها بهذه القاعدة ، وذلك لأنّ المعاملات التي عند العرف والعقلاء سبب للنقل والانتقال يحتاج إلى إمضاء من قبل الشارع ، فما لم يمضه الشارع لا يثبت ماليّة ذلك المال شرعا لمن انتقل إليه ، فبالقاعدة لا يثبت الإمضاء ، وهذا معنى أنّها ليست مشرّعة. فإذا شككنا في أنّ التبرّعات العقديّة الصادرة عن المريض في المرض الذي وقع فيه موته هل أمضاها الشارع أم لا؟ لا يصحّ إثبات إمضائها بهذه القاعدة ، فلا يصحّ إثبات الانتقال إلى المتبرّع إليه بهذه القاعدة وترتيب آثار ملكيّة المتبرّع إليه لما تبرّع به ، وهذا ملازم مع عدم خروجها عن ملك المريض بل هو باق إلى زمان حصول الموت ، فيرثه الورثة. نعم مقدار الثلث يقينا صدر الإمضاء عن الشارع فينتقل إلى المتبرّع إليه قطعا ، وأمّا الزائد عليه فيبقى على حاله ، فيصدق عليه التركة ، فيرثها الورثة.

لما ذكرنا أنّ هذه المعاملات والعقود التبرّعية ممضاة من قبل الشارع يقينا ، وإنّما‌ الشكّ في محلّ النزاع أتى من قبل أنّ المرض الذي يقع فيه الموت هل يوجب نقصا وقصورا في سلطنة المريض كي لا تكون عقوده المنجّزة مؤثّرة في الأزيد من ثلث ماله ، أم لا قصور ولا نقص فيه كي تكون مؤثّرة في الجميع في الثلث وما زاد عليه؟

فعموم « الناس مسلّطون على أموالهم » حيث يدلّ على السلطنة المطلقة التامّة على جميع أموالهم في جميع الأحوال ، صحيحا كان أم مريضا ، وكذا بالنسبة إلى جميع الحالات الطارئة على المالك مثل السفر والحضر ، فالمرسلة تدلّ على أنّ أيّ معاملة مشروعة ـ أي ممضاة ـ من قبل الشارع في حدّ نفسها إذا صدر عن المالك يجب ترتيب الأثر عليها والحكم بصحّتها ، لأنّ الشارع جعل المالك سلطانا عليها في جميع الحالات ، إلاّ فيما إذا جاء الدليل على عدم سلطنته على تلك المعاملة في حال من الأحوال.

كما أنّ القائلين بعدم نفوذ المنجّزات في الزائد على الثلث يدّعون وجود الدليل على مثل ذلك التخصيص ، وأنّه ليس للمريض الذي يقع موته في ذلك المرض السلطنة على التبرّع بماله بأزيد من الثلث إلاّ بإجازة الورثة ، فإذا أثبتنا أنّه ليس دليل على مثل ذلك التخصيص ، فمقتضى أصالة العموم وأصالة الإطلاق في المرسلة أنّ السلطنة لجميع الملاّكين ثابتة في جميع أموالهم في جميع الأحوال ، سواء كانوا أصحّاء أو كانوا مرضى.

وسنتكلّم إن شاء الله تعالى في أنّ أدلّة القائلين بمنع نفوذ منجّزات المريض في أزيد من الثلث غير تامّ ، فمقتضى الأصل أي عموم قاعدة السلطنة وإطلاقها بالنسبة إلى جميع الأحوال هو النفوذ وإن كان أزيد من الثلث.

ومنها : الأدلة العامّة التي تدلّ على وجوب الوفاء بالعقود‌ ، كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (218) بناء على شمول‌ الشروط الابتدائيّة كي يشمل العقود والالتزامات الابتدائيّة.

وتقريب الاستدلال بهذه العمومات هو بعد ما صدر أحد العقود التبرّعية عن المريض الذي يموت في ذلك المرض ، أو صدر أحد المعاملات المحاباتيّة ، وكان واجدا لشرائط تلك المعاملة عرفا بحيث تحقّق موضوع ذلك العقد عرفا ، فيشمله العمومات الواردة في لزوم الوفاء بذلك العقد أو ذلك الشرط ، ومعنى وجوب الوفاء به ترتيب أثر الملكيّة بالنسبة إلى ذلك المال الذي تبرّع به للمنتقل إليه.

وإطلاق وجوب الوفاء يدلّ على عدم الفرق بين صورة إجازة الوارث ، وبين صورة عدم إجازته. ومعنى حكم الشارع بلزوم ترتيب آثار ملكيّة من انتقل إليه مطلقا أجاز الوارث أم لا ، نفوذ التبرّعات والمعاملات المحاباتيّة مطلقا.

ومنها : عمومات نفس ذلك التبرّع ، مثل عمومات الهبة أو الصدقة‌ ، أو عمومات البيع أو الإجازة أو الصلح المحاباتيّة بنفس التقريب الذي بيّنّا في العمومات التي تشمل مطلق العقود والمعاملات ، فلا حاجة إلى إعادة ما ذكرنا.

وهم ودفع :‌

أمّا الأوّل : فهو أنّ دلالة قاعدة السلطنة ، وعمومات وجوب الوفاء بالعقود ، وعمومات كلّ واحد من عناوين هذه المعاملات مثل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وعموم {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [النساء: 128] وكذلك عموم الرهن قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } [البقرة: 283] أو قوله عليه السلام :

« لا بأس استوثق من مالك » (219) وهكذا في الإجارة والعارية وغيرها على كون المالك سلطانا ، ووجوب الوفاء بكلّ عقد ، ونفوذ كلّ معاملة بالنسبة إلى جميع ما يصدق عليه البيع بالنسبة إلى عمومات البيع ، وجميع ما يصدق عليه الإجارة أو الصلح بالنسبة إلى عموماتها ، وهكذا في سائر العناوين من عناوين التبرّعات والمعاملات المحاباتيّة متوقف على إحراز قابليّة المحلّ للسلطنة أو وجوب الوفاء أو النفوذ في جميع المصاديق والحالات. وأمّا لو علم بعدم قابليّة المحلّ للمذكورات أو شكّ فيها ، فلا يفيد في ثبوت السلطنة أو وجوب الوفاء أو نفوذ تلك المعاملة شي‌ء من هذه العمومات والإطلاقات.

نعم لو كان هناك أصل موضوعي أثبت قابليّة المحلّ تعبّدا فتجري تلك العمومات ، مثلا في محلّ كلامنا احتمال وجود حقّ المنع للورثة عن تصرّف المريض الذي يموت في ذلك المرض في الزائد على الثلث يمنع من تأثير العقود المنجّزة في مؤدّاها لعدم إحراز قابليّة المحلّ ، لأنّ قابليّة المحلّ شرط التأثير ، نعم لو جرى أصالة عدم حدوث حقّ للورثة بعد حدوث المرض وأحرز القابليّة تعبّدا فتجري العمومات الثلاثة ، أي قاعدة السلطنة ، وعمومات وجوب الوفاء بكلّ عقد ، وعمومات كلّ واحد من تلك العقود التبرّعية والمعاملات المحاباتيّة ، فأوّلا لا بدّ من إجراء استصحاب عدم حدوث حقّ للورثة ، ثمَّ الاستدلال بهذه الطوائف الثلاث من العمومات ، وإلاّ مع الشكّ في قابليّة المحلّ لا يجري شي‌ء منها هذا هو الوهم.

وأمّا الثاني : أي الدفع ، فهو أنّا لا نرى معنى محصّلا لتوقّف شمول هذه العمومات للمورد على إحراز قابليّة المحلّ‌ باستصحاب عدم حدوث حقّ للورثة بعد حدوث المرض المذكور.

وذلك لأنّ محلّ السلطنة ومتعلّقها هو مال ذي السلطنة ، ولا شكّ في أنّ مال كلّ‌ شخص قابل لأن يكون له السلطنة عليه ، وأن يكون له التصرّف فيه بأنواع التصرّفات ، سواء كان حال التصرّف صحيحا أو مريضا ، وسواء يموت في ذلك المرض أو لم يمت ، وإذا منع المالك عن التصرّف فيه في حال من الأحوال فلا بدّ وأن يكون تخصيصا في قاعدة السلطنة.

كما أنّ الراهن لا يجوز له التصرّف في ماله المرهون ، لورود الدليل على تخصيص القاعدة وعدم جواز تصرّف الراهن في عين المرهونة بدون إجازة المرتهن ، لا لعدم قابليّة المحلّ لتعلّق حقّ المرتهن به.

وباب التخصيص غير عدم قابليّة المحلّ للحكم الشرعيّ أو اعتبار العرفي ، مثل بعض الحشرات التي لا فائدة فيها ولا يترتّب أثر عليها مثل الخنفساء مثلا المحلّ ليس قابلا لاعتبار الماليّة حتّى عرفا.

مثلا التذكية شرعا عبارة عن فري الأوداج الأربعة من مسلم بآلة من حديد مسمّيا موجّها إلى القبلة ، وأثرها في الحيوان المحلّل الأكل أمران : طهارة أجزائه ، وحلّية أكله ، وفي حيوان المحرّم الأكل طهارة بدنه وأجزائه فقط ، وأمّا حرمة أكله فذاتيّة لا تزول ، وأمّا الحيوان نجس العين كالكلب والخنزير البرّيان فالمحلّ غير قابل للتذكية ، لأنّ أثر التذكية إمّا كلا الأمرين أو أحدهما ، فإذا لم يترتّب كلّ واحد منهما ـ كما أنّه كذلك في نجس العين ـ فاعتبار التذكية لا معنى له ، فالمحلّ غير قابل للتذكية ، كما أنّه لو شككنا في حيوان أنّه نجس العين ، فلو لا قاعدة الطهارة تكون قابليّته للتذكية مشكوكة ، للشكّ في قابليّة المحلّ.

وأمّا فيما نحن فيه ، فمال المريض قابل للسلطنة عليه مثل الصحيح ، فإذا لم يكن في مورد له السلطنة عليه لا بدّ وأن يكون لدليل مخصّص في البين ، وهكذا الحال بالنسبة إلى أدلّة وجوب الوفاء بالعقود ، فعقود المريض مثل الصحيح قابل لوجوب الوفاء بها.

فإذا لم يكن في مورد واجب الوفاء لا بدّ وأن يكون لوجود دليل مخصّص لذلك‌ العموم ، وإلاّ فعدم قابليّة المحلّ كلام لا أساس له. وهكذا الأمر في عمومات كلّ واحد من العناوين التبرّعية ، أو المعاملات المحاباتيّة الدالّة على نفوذ تلك المعاملة لو لم تكن نافذة في مورد لا بدّ وأن يكون لوجود مخصّص ، لا لعدم قابليّة المحلّ ، فحديث عدم قابليّة المحلّ في هذه الموارد كلام لا أساس له ، وإن كان أستاذنا المحقّق العراقي مصرّا عليه ، فلا حاجة إلى أصالة عدم حدوث حقّ للورثة ، لإجراء قاعدة السلطنة ، أو التمسّك بعمومات وجوب الوفاء بالعقود ، أو عمومات نفس المعاملات المحاباتيّة ، أو العناوين التبرعيّة الصادرة عن المريض الذي يموت في ذلك المرض.

وأمّا الثاني أي الأصول العملية :

فالأصل الذي يمكن جريانها ـ في نفس المسألة أي لإثبات نفوذ التبرّعات في الزائد على الثلث من دون إجازة الوارث ، أو عدم نفوذها وتوقّفه على إجازة الورثة ـ هو‌ الاستصحاب.

وهو على قسمين : تنجيزي ، وتعليقي.

أمّا [ القسم ] الأوّل ، فهو أيضا على قسمين : كلّي وشخصي.

فالأوّل ـ أي الاستصحاب الكلّي التنجيزي ـ هو أن يقال : إنّ الإنسان العاقل البالغ الصحيح الرشيد ، غير المحجور عليه من جهة أحد أسباب الحجر ، يقينا له السلطنة على ماله وينفذ جميع تصرّفاته المباحة ، فإذا زالت عنه الصحّة وصار مريضا بمرض مات فيه شككنا في بقاء سلطنته ، فيشمله قوله عليه السلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » فينتج الاستصحاب بقاء السلطنة ونفوذ التصرّفات في حال المرض أيضا.

لا يقال : إنّ اتّحاد قضيّة المتيقّنة مع المشكوكة موضوعا ومحمولا شرط في جريان الاستصحاب ، وها هنا ليس كذلك ، فإنّ الموضوع في القضيّة المتيقّنة هو الإنسان العاقل الصحيح ، وفي المشكوكة هو المريض.

قلت : هذا الإشكال يأتي في جميع الاستصحابات في الحكم الكلّي ، ولأجل ذلك‌ أنكر بعضهم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي ، منهم سيّدنا الأستاذ الأصفهاني على ما ببالي ، ولكن نحن حرّرنا المسألة في كتاب « منتهى الأصول » (220) في مبحث الاستصحاب في ذكر أقوال المفصّلين في حجّيته.

وإجمال ما ذكرنا هناك بطور الاختصار أنّ اتّحاد القضيّتين موضوعا ومحمولا وإن كان صحيحا لا مناص منه ، ولكن الاتّحاد بنظر العرف كاف وإن كانا بالدقّة غير متّحدين ، وكذلك وإن كان بحسب ما أخذ موضوعا في لسان الدليل مختلفين ، فالاتّحاد بنظر العرف هو المناط في جريان الاستصحاب. وإن شئت التفصيل فراجع كتابنا « منتهى الأصول ».

والمثل المعروف لجريان استصحاب الكلّي هو أنّه لا شكّ في نجاسة الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة ، فإذا زال التغيّر من قبل نفسه فهل تبقى نجاسته ، أو تجري فيه أصالة الطهارة؟ الصحيح هو الأوّل ، ومدرك بقاء نجاسته هو استصحابها ، فيأتي هذا الإشكال وهو أنّ الموضوع في القضيّة المتيقّنة هو الماء المتغيّر بوصف التغيّر ، وفي المشكوكة الماء الذي زال التغيير من قبل نفسه لا بوصول المطهّر إليه.

ولكن بعد ما كان بنظر العرف موضوع الحكم هو الماء ، والتغيّر كان واسطة في الثبوت ، أي كان علّة الحكم ، لا من قيود الموضوع كي ينتفي بانتفائه الحكم ، وشكّ في أنّه هل بحدوثه علّة لحدوث الحكم الوضعي أي النجاسة وبقائه إلى أن يأتي المطهّر أم لا ، بل علّة لحدوث الحكم وبقائه ما دام باقيا ، وأمّا إن زال فلا دليل لا على بقاء النجاسة ولا على ارتفاعها ، فبالاستصحاب يحكم ببقائها ، فحدوث النجاسة بحدوث التغيّر وبقاؤها ببقائه ، وأمّا إن زال التغيّر فلا دليل على بقائها إلاّ استصحابها ، فهذا الاستصحاب لا مانع من جريانه.

فكذلك في المقام السلطنة التي كانت ثابتة للإنسان العاقل البالغ حال صحّته‌ مشكوكة البقاء بعد زوال الصحّة وصيرورته مريضا ، فبالاستصحاب يثبت بقاؤها. والجواب عن اختلاف الموضوع هو كفاية الاتّحاد عرفا وهو حاصل.

والثاني : أي استصحاب التنجيزي الشخصي ، هو أن يقال : إنّ هذا الشخص حال صحّته يقينا كان ذا سلطنة على أمواله ، وكان جميع تصرّفاته التبرعيّة والمحاباتيّة نافذة من أصل ماله ، وبواسطة ارتفاع الصحّة أو وجود المرض حصل الشكّ في بقاء سلطنته ونفوذ تصرّفاته ، فبالاستصحاب يثبت بقاؤها وبقاء نفوذها من أصل المال.

وأمّا توهم أنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم السلطنة فيما إذا كان المرض من حال الصغر إلى أن بلغ ومات في ذلك المرض وتبرّعاته كانت بعد بلوغه ، فبهذا الاستصحاب يثبت عدم سلطنته على التبرّعات والعقود المحاباتيّة فيما زاد على الثلث.

لا يقال : لا تعارض بين الاستصحابين ، لأنّهما في موضوعين ، فيمكن العمل بكليهما والقول بعدم نفوذ التبرّعات في مورد الأخير ، أي فيما إذا كان البلوغ في حال المرض ، وكان صدور التبرّعات منه في حال المرض وبعد البلوغ بواسطة هذا الاستصحاب فيما زاد على الثلث إلاّ بإجازة الورثة ، والقول بالنفوذ من الأصل في مورد الاستصحاب الأوّل ، أي فيما إذا كان البلوغ في حال صحّة المتبرّع ثمَّ مرض وصدر منه التبرّعات لأجل استصحاب الأوّل ، أي استصحاب بقاء السلطنة التي كان له في حال صحّته.

لأنّه وإن كان الاستصحابان غير متعارضين بالذات لأنّهما في موضوعين ، لكنّه لا يمكن العمل بكليهما ، لأنّه قول بالفصل ولا قائل به ، بل في المسألة قولان : النفوذ من الأصل مطلقا ـ سواء كان المرض من قبل البلوغ مستمرّا إلى أن يبلغ فيصدر منه التبرّعات المنجّزة أو كان وجود المرض بعد البلوغ ـ وعدم النفوذ في الزائد على الثلث إلاّ بإجازة الوارث أيضا مطلقا ، سواء كان المرض بعد البلوغ أو قبله وكان مستمرّا إلى زمان صدور المنجّز عنه ، فالقول بالتفصيل والعمل بكلا الاستصحابين‌ خرق للإجماع المركّب ، فلا يجوز العمل بكليهما ، فيكونان متعارضين بالعرض فيتساقطان.

فتوهم فاسد ، لعدم جريان استصحاب عدم السلطنة التي كان في حال الصغير بعد البلوغ ، وذلك لأنّ الصغر في نظر العرف موضوع واسطة في العروض ، لا أنّ الموضوع في نظرهم ذات هذا الشخص والصغر واسطة في الثبوت ، كي يقال بأنّ موضوع عدم السلطنة باق وهو ذات هذا الشخص ، والصغر كان علّة لعدم السلطنة لا أنّه موضوعه.

وبعبارة أخرى : في نظر العرف غير البالغ والصغير موضوع لأحكام منها عدم توجّه الخطابات الإلزاميّة إليهم ، منها عدم صحّة معاملاتهم وعدم سلطنتهم على أنواع التصرّفات فجرى هذا العدم إلى زمان البلوغ وإثباتها للبائع على فرض ثبوت الشكّ ليس من الاستصحاب ، بل يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، وذلك لما ذكرنا من أنّ العرف يرى الصغير موضوعا وواسطة في العروض ، لا أنّ الموضوع ذات الشخص وعدم البلوغ واسطة في الثبوت.

العجب من أستاذنا المحقّق العراقي أنّه مع كمال دقّة نظره غفل عن مثل هذا النكتة الواضحة ، وقال بالتعارض بين هذين الاستصحابين وتساقطهما ، مع أنّه ليس هناك استصحابان ، بل واحد وهو استصحاب بقاء السلطنة التي كان له حال الصحّة ، فلا تعارض ولا تساقط في البين أصلا.

وأمّا القسم الثاني : أي استصحاب التعليقي‌ هو أن يقال : إنّ هذا الشخص لو كان يصدر منه هذه التبرّعات المنجّزة في حال صحّته لكانت نافذة جميعها من أصل ماله بدون التوقّف على إجازة الورثة ـ لا من الثلث والزائد يتوقّف على إجازتهم ـ ففي حال المرض أيضا كذلك.

كما يقال : إنّ هذا الزبيب لمّا كان عنبا ورطبا لو كان يغلي ماؤه ينجّس أو يحرم‌ شربه أو أكله إلاّ إذا ذهب ثلثاه ، فالآن في حالة الجفاف والزبيبية كما كان.

وأيضا مثل أن يقال : إنّ هذا الرجل لمّا كان صحيحا ولم يكن مريضا ، أو لمّا كان شابّا ولم يكن شيخا هرما لو كان مستطيعا كان يجب عليه الحجّ ، فالآن بعد ما صار مريضا أو شيخا هرما وصار مستطيعا يجب عليه.

فالاستصحاب التعليقي في الحقيقة عبارة عن أنّ الموضوع المركّب من الجزئين إذا وجد أحدهما ، فذلك الجزء الموجود بشرط انضمامه إلى الجزء الآخر يكون له حكم كذا.

مثلا البالغ العاقل الحرّ لو انضمّ إليه الاستطاعة وصار مستطيعا يجب عليه الحجّ ، فوجوب الحجّ ليس حكم البالغ العاقل الحرّ فقط ، بل هذا جزء الموضوع بحيث لو انضمّ إليه الجزء الآخر وهو الاستطاعة يأتي الحكم وهو وجوب الحجّ ، فقبل وجود الجزء الآخر لا حكم أصلا ، وإلاّ يكون خلفا ويلزم أن يكون ما فرضته جزء الموضوع تمام الموضوع ، وهذا خلف بيّن.

فإذا وجد تغيّر في ذلك الجزء الموجود ، مثل أن كان البالغ العاقل الحرّ صحيحا وصار مريضا ، أو كان شابّا فصار شيخا هرما ، وحصل الشكّ بواسطة هذا التغيّر في أنّه بعد هذا التغيير هل أيضا لو انضمّ إليه الجزء الآخر ـ أي الاستطاعة ـ يكون ذلك الحكم ـ أي وجوب الحجّ ـ عليه أو لا؟ فبالاستصحاب تريد أن تجرّ ذلك الحكم الذي كان معدوما وتبقية إلى زمان الشكّ ، وهل هذا إلاّ إبقاء ما هو معدوم ، الذي هو من المحالات الأوّلية.

والتخلّص عن هذا بأنّ الاستصحاب جرّ الملازمة التي كانت موجودة بين الجزء الموجود من الموضوع وبين الحكم بشرط انضمام الجزء الموجود إلى الجزء المعدوم ، كما يظهر من عبارات شيخنا الأعظم الأنصاري .

أو القول بأنّ الحكم التقديري نحو حكم يسمّى بالحكم المشروط ، كما يظهر من‌ صاحب الكفاية عليه السلام.

أو القول بأنّ ظرف وجود الحكم ظرف فرض وجود الموضوع في الذهن ، لا وجود الموضوع خارجا ، لأنّ ظرف وجود موضوع الحكم بمعنى متعلّقة خارجا ظرف سقوط الحكم ، لا ظرف ثبوته ، مثلا ظرف وجود الصلاة خارجا ظرف حصول الامتثال ، وهو ظرف سقوط الوجوب لا ثبوته ، كما قال به أستاذنا المحقّق العراقي وجمع أخر من الأساطين.

فكلّ هذه الاحتمالات بل الأقوال لا يسمن ولا يغني من جوع ، وقد أبطلنا الاستصحاب التعليقي في كتابنا « منتهى الأصول » (221) في إحدى تنبيهات الاستصحاب الموضوع لأجل هذا الأمر بأحسن بيان وأقوم برهان ، فراجعه.

ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان الاستصحاب التعليقي بين أن يكون الحكم المشروط وضعيّا أم كان تكليفيّا ، لأنّ المناط في كليهما واحد ، وهو محاليّة إبقاء ما هو المعدوم.

إذا عرفت ما ذكرنا ، فالمسألة ذات قولين :

الأوّل : نفوذها في الثلث فقط ، وفي الزائد عليه يتوقّف على إجازة الوارث.

وذهب إلى هذا القول واختاره جماعة من الأساطين ، منهم المحقّق في الشرائع ، (222) والعلاّمة في القواعد ، (223) والشيخ في المبسوط ، (224) والشهيدان ، (225) والمحقّق الثاني في جامع‌ المقاصد ، (226) وفخر المحقّقين في الإيضاح ، (227) والصدوق ، (228) وابن الجنيد ، (229) بل ادّعى بعضهم الشهرة بين المتأخّرين ، بل ربما استظهر بعض من الخلاف دعوى الإجماع على أنّها من الثلث.

القول الثاني : نفوذها في أصل المال وإن كان زائدا على الثلث ، واختاره الكليني في الكافي ، (230) والصدوق في أحد قوليه ، (231) والمفيد في المقنعة ، (232) والشيخ في التهذيب وسائر كتبه ، والمرتضى علم الهدى (233) ، وابن زهرة في الغنية ، (234) وابن البراج ، (235) وابن إدريس ، (236) وابن سعيد ، (237) وجماعة أخرى. ومستندهم روايات سنذكرها إنشاء الله تعالى.

أمّا القول الأوّل فاستندوا إلى روايات ، وهي طوائف :

الطائفة الأولى : ما مفادها أنّ للميّت ثلث ماله.

منها : صحيح يعقوب بن شعيب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال « له ثلث ماله » (238).

وتقريب الاستدلال به أنّ الميّت في حال حياته وقبل أن يموت مالك لجميع ماله ، فالسؤال ليس عمّا يملك من ماله ، لأنّه من الواضح المعلوم أنّه مالك لجميع ماله ، فلا بدّ وأن يقال : إنّ المراد من الميّت من أشرف على الموت ، وهو الذي عبّر عنه في بعض الروايات بمن حضرته الوفاة ، فيكون من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه. والمراد من قول السائل « ما له من ماله » أي : في أيّ مقدار يجوز له التصرّف في ماله وتنفذ تصرّفاته ، أعمّ من أن تكون معلّقة على الموت أو منجّزة؟ فأجاب عليه السلام بأنّ له ثلث ماله ، أي له أن يتصرّف معلّقة على الموت ، أو مطلقة ومنجّزة في ثلث ماله.

وحيث أنّ السؤال عن حدّ ما يملك التصرّف فيه ، أعمّ من أن يكون تصرّفه معلّقة على الموت أو منجّزة ـ فجوابه بيان ذلك الحدّ ، فتدلّ الرواية على عدم ملكيّته للتصرّف فيما زاد على الثلث ، سواء كان تصرّفه منجّزا أو معلّقا على موته ، والأوّل هو المسمى بالمنجّزات ، كما أنّ الثاني مسمّى بالوصيّة.

ولكن أنت خبير بأنّ الرواية ظاهرة في التصرّفات بلحاظ بعد موته ، فيكون المراد بها الوصيّة وأنّ في أيّ مقدار من ماله تنفذ وصيّته من غير الاحتياج إلى إذن الورثة أو إجازتهم. ووجه ظهوره في التصرّفات المعلّقة على الموت هو أنّه كان في ذهن المؤمنين أنّ الإرث بعد الوصيّة والدين ، لقوله تعالى في كتابه العزيز { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فجعل الإرث بعدهما ، ولكنّ السؤال عن الدين لا وجه له ، لأنّه تابع لواقعة.

وأمّا الوصيّة التي يكون الإرث بعدها لم تكن معلومة عندهم أنّ الموصي في أيّ مقدار من ماله له أن يوصى من دون توقّف على إجازة الورثة ، فيجيب عليه السلام بأنّه‌ الثلث ، وإلاّ فلا معنى له ، لأنّ يسأل ما له من ماله ، لأنّ الجميع ماله ، فالمراد بالسؤال هو أنّه أيّ مقدار من ماله له أن يخصّصه بنفسه ويجعل في الخيرات والمبرات لينتفع بها في الآخرة ، فيجيبون : أنّه الثلث من ماله ، ولكنّ الزائد يتوقّف صحّته ونفوذه على إذن الورثة أو إجازتهم.

فتمام النظر في هذه الأسئلة والأجوبة بعد الفراغ عن أنّ الإرث بعد الوصيّة أنّ المالك الموصي أيّ مقدار له حقّ أن يخصّصه بنفسه ويجعل ذخيرة لآخرته ويحرم الورثة منه ، فهذه الروايات التي مضمونها بيان ما هو حدّ حقّ الميّت من ماله أجنبيّ عن محلّ بحثنا بالمرّة.

ولأجل ذلك يقول عليه السلام في صحيحة عليّ بن يقطين بعد أن سئل ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : « الثلث والثلث كثير » (239) أي : أنّ الله تبارك وتعالى راعي المالك ، وخصّص ثلث ماله بوصاياه التي ترجع منافعه إليه وليس الثلث قليلا ، فكأنّه تعالى رأفة لعباده جعل حصّة من مال الشخص بعد موته لنفس الميّت وهي ثلث ماله ، وحصّته للورثة وهي الثلثان الباقيان.

ومنها : خبر عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « للرجل عند موته ثلث ماله ، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه » (240).

وتقريب الاستدلال به على عدم نفوذ التبرّعات المنجّزة في الزائد على الثلث ، كما تقدّم في صحيح يعقوب بن شعيب.

والجواب أيضا عين ما تقدّم ، نعم في هذه الرواية جملة أخرى ، وهي قوله عليه السلام : « وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه » أي : إن لم يوص فليس على الورثة إعطاء‌ الثلث بعنوان الخيرات والمبرّات للميت ، فكأنّه قال عليه السلام : إن أوصى فيوجب نقصا في حصّة الورثة ، وإلاّ إن لم يوص لم يجب على الورثة شي‌ء وإن كان للميّت أن ينقص الإرث بالإيصاء ولكن حيث أنّه لم يوص فلا نقص.

ومنها : خبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال : « له ثلث ماله ثلث ماله ، وللمرأة أيضا » (241) . ‌

وتقريب الاستدلال والجواب عنه كما تقدّم.

ومنها : مرسلة جامع المقاصد : المريض محجور عليه إلاّ في ثلثه. (242) ‌

ودلالتها على المنع في الزائد على الثلث وإن كانت واضحة إلاّ أنّ كونها رواية ليست ثابتة ، بل الظاهر أنّها فتواه ونتيجة اجتهاده في المقام ، وإن كان ظاهر كلامه أنّها رواية ، لأنّه يقول : واختاره المصنّف ـ أي : العلاّمة في القواعد لأنّ كتابه شرح قواعد العلاّمة ـ لتناول عموم قوله عليه السلام : المريض محجور عليه إلاّ في ثلث ماله.

وعلى كلّ حال ليست من الروايات الموثوقة الصدور كي يشملها أدلّة حجّية خبر الواحد الموثوق الصدور ، كما اخترناه في الأصول (243).

ومنها : خبر أبي حمزة عن بعض الأئمّة : قال : إنّ الله تبارك وتعالى يقول : ابن آدم تطوّلت عليك بثلاثة : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم‌ تقدّم خيرا (244).

وقوله تبارك وتعالى « ما واروك » أي : ما دفنوك. وقوله تعالى : « فاستقرضت منك » إشارة إلى الآية الشريفة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245].‌

وتقريب الاستدلال بهذا الحديث القدسي هو أنّه تعالى يقول : « جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك » فلو كانت تبرّعاته في مرض الموت تخرج من الأصل فلا اختصاص لجعل النظرة في الثلث ، بل جعل له النظرة في جميع ماله.

وفيه : أنّ هذا الحديث في مقام بيان ما منّه الله تعالى على عباده وعدم شكرهم له تعالى ، ومعلوم أنّ المناسب لهذا المقام هو جعل النظرة للعبد في ماله باعتبار زمان موته وبعد حياته ، لأنّ النظرة في ماله باعتبار زمان حياته معناها أنّ الله تعالى جعل له أن يصرف ماله في الخيرات والمبرّات في حياته ، وهذا تكليف شاقّ عليه ربما يكون أشقّ من التكاليف البدنيّة ، مثلا الزكاة والخمس ربما يكون على العبد امتثالها أصعب من امتثال الصوم والصلاة.

وأمّا النظرة في ماله بعد موته بأن يصرف فيما يكون له منفعة في الآخرة مع انقطاعه عن ذلك المال وانتقاله إلى آخرين يكون من ألطافه على ذلك العبد ، فالمراد من النظرة في ماله حيث أنّه تعالى في مقام الامتنان هو النظرة باعتبار زمان موته ، وهذا هو الوصيّة ، ولا كلام في أنّ الوصيّة بدون إجازة الورثة لا تنفذ في أزيد من الثلث.

ومنها : طائفة من الأخبار واردة فيمن أعتق في مرض موته ـ وهي الطائفة الثانية ـ فيأمر عليه السلام بنفوذه من الثلث ، ولا شكّ أنّه إذا أعتق فقد نجز وتمَّ الأمر‌ فأمره عليه السلام بأنّه ينفذ من الثلث معناه أنّ التبرّعات المنجّزة لا تنفذ من الأصل وإنّما نفوذها من الثلث ، مثل الوصيّة المعلّقة على الموت.

منها : خبر عليّ بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال : « ما يعتق منه إلاّ ثلثه ، وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (245).

ومنها : خبر عقبة بن خالد مثل ما ذكرنا عن عليّ بن عقبة إلاّ أنّه ليس فيه هذا الذيل « وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (246).

ومنها : خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال : « إن أعتق رجل عند موته خادما له ثمَّ أوصى بوصيّة أخرى ألقيت الوصيّة وأعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية » (247).

ومنها : خبر السكوني ، عن عليّ عليه السلام : إنّ رجلا أعتق عبد له عند موته لم يكن له مال غيره ، قال عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : يستسعى في ثلثي قيمته للورثة ». (248)

ومنها : ما هو المروي في المسالك (249) عن صحاح الجمهور ، وهو أنّ رجلا من الأنصار أعتق ستّة أعبد له في مرضه ولا له غيرهم ، فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه واله وجزّأهم ثلاثة أجزاء ، وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة.

وهذه الطائفة من الروايات التي فيها أنّ المريض أعتق عبده أو عبيده ظاهرة في الوصيّة بالعتق ، لا إنشاء العتق منجّزا قبل وفاته وباعتبار حال حياته ، والأخبار بلفظ الماضي تعبير عرفي ، وكأنّ العرف ـ في باب وصايا المريض الذي حضره الوفاة ـ يرى المريض ميّتا ، للجزم بوقوعه قريبا ، فيرى الموصى به أمرا واقعا لوقوع شرطه وما علّق عليه ، وهو الموت.

ولذلك إذا علموا بوصيّة مريض أنّه أوصى بأن يعطوا بعد وفاته داره مثلا أو كتبه العلميّة أو ألبسته لفلان يقولون : إنّه أعطى هذه المذكورات لفلان.

والشاهد لما ذكرنا أنّ في بعض هذه الأخبار يقول عليه السلام كما في خبر أبي بصير المتقدّم « إن أعتق رجل خادما له ثمَّ أوصى بوصيّة أخرى ». وأنت ترى أنّ ظاهر هذه العبارة وقوله عليه السلام « ثمَّ أوصى بوصيّة أخرى » أنّ الأوّل أي العتق أيضا وصيّة بالعتق ، وإلاّ لا يبقى وجه للتعبير عن الوصيّة التي بعد العتق بوصيّة أخرى ، فكلمة أخرى دليل على أنّ الأولي أيضا وصيّة.

فتدلّ هذه الكلمة على أنّ عرفهم في ذلك الزمان كان الإخبار من وقوع العتق بلفظ الماضي إيصاء بالعتق ، فيسقط ظهور هذه الطائفة في العتق المنجّز كي يكون دليلا على أنّ التبرّعات المنجّزة تخرج من الثلث ، كما هو مدّعى المستدلّ.

وظهر ممّا ذكرنا أنّ ما رواه المسالك عن الجمهور ـ أنّ رجلا من الأنصار أعتق ستّة أعبد له في مرضه ـ من هذا القبيل ، أي أنّ الأنصاري أوصى بعتق الستّة أو دبّر عتقهم ، فإن المدبّر عن الثلث كالوصيّة ، وبذلك روايات وقد عقد في الوسائل بابا بهذا العنوان وأن المدبّر ينعتق بعد الموت من الثلث (250).

ففي تطبيق الثلث عليهم لا طريق إلاّ القرعة ، وكذلك الأمر في خبر السكوني وقول أمير المؤمنين عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : يستسعى في ثلثي قيمته » إذا قلنا إنّ عتقه عند موته وصيّة ولا‌ ينفذ في الزائد عن الثلث ، فالذي يحكي عن رسول الله صلى الله عليه واله هو مقتضى القواعد ، ولا يدلّ على أنّ إخراج المنجّز من الثلث وممّا ذكرنا ظهر الحال في خبري عليّ بن عقبة وعقبة بن خالد ، فلا نطول الكلام.

الطائفة الثالثة : فيما ورد من الروايات في خصوص العتق ممّن عليه الدين :

منها : خبر حسن بن الجهم قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في رجل أعتق مملوكا وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستمائة درهم ، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره ، قال : « يعتق منه سدسه لأنّه إنّما له منه ثلاثمائة درهم ، وله السدس من الجميع ، ويقضي عنه ثلاثمائة درهم وله من الثلاثمائة ثلثها ». (251) ‌

وتقريب الاستدلال بهذه الرواية هو أنّه لو كان نفوذ المنجّزات من الأصل ـ ولا شبهة في أنّ العتق من المنجّزات ـ فكان يعتق نصف ذلك العبد لا سدسه ، لأنّه مالك لنصف قيمته إذ نصفه يخرج بواسطة الدين للدائن ، ويبقى ملك المالك النصف الباقي ، فإذا كان نفوذها من الأصل فتمام هذا النصف الباقي يعتق ، فحكمه عليه السلام بعتق السدس دليل على النفوذ من الثلث ، لا من الأصل ، إذ سدس الجميع عبارة عن ثلث النصف الباقي للمالك بعد أداء نصفه إلى الدائن للوفاء بدينه.

ومنها : رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألني أبو عبد الله عليه السلام : « هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة » فقلت : بلغني أنّه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت إلى أن قال عليه السلام : « إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته وأجيزت وصيّته على وجهها ، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه‌ للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة ، ويكون له السدس » (252).

وهذه الرواية مفصّلة سأل الإمام عليه السلام عن اختلاف الفتاوى بين أبي ليلى وابن شبرمة القاضيين في الكوفة ، فذكر الراوي موردا من موارد اختلافهما ، وفي هذا المورد قال عليه السلام : إذا استوى مال الغرماء مع مال الورثة أو كان مال الورثة أكثر أجيزت وصيّته وحكم بنفوذ الوصيّة في الثلث لا من الأصل.

وبهذه الجهة تكون دليلا في المقام. بيان ذلك أنّ المفروض أنّ قيمة العبيد الذين أعتقهم مثلا ضعف دينه ، فليفرض أنّ قيمتهم ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة ، فيبقى بعد إخراج الدين للمالك الموصي المعتق ثلاثمائة ، وثلث ثلاثمائة مائة وهو سدس المجموع ، فحكمه عليه السلام بأنّ له ـ أي للميّت ـ السدس ، أي ثلث التركة بعد أداء الدين ، فنفوذ العتق في سدس المجموع معناه نفوذ الوصيّة في الثلث ، وإلاّ لو كان من الأصل لكان ينفذ في ثلاثمائة درهم الذي هو نصف المجموع لا في مائة درهم الذي هو سدس المجموع ، فهذه الرواية تدلّ على نفوذ العتق في سدس المجموع الذي هو ثلث التركة ، فتدلّ على أنّ العتق الذي هو من المنجّزات من الثلث ، لا من الأصل.

ولكن أنت خبير أنّ هاتين الروايتين وأمثالهما موردهما الوصيّة بالعتق ، لا أنّه أعتق منجّزا في حال حياته ، فتكون خارجة عن محلّ البحث ، خصوصا الرواية الثانية فإنّه عليه السلام صرّح بأنّه أجيزت الوصيّة ، فحملها على العتق المنجّز خلاف ظاهر الرواية.

نعم في الرواية إشكال آخر من جهة تقييده عليه السلام نفوذ الوصيّة في الثلث بأن يكون مال الغرماء وحصّتهم من التركة مساويا مع ما يبقى للورثة ، أو يكون ما يبقى لهم أكثر.

وهذا الإشكال لا دخل له بما هو محلّ بحثنا وإن كان موجبا لطرح الرواية وعدم عمل الأصحاب بها.

الطائفة الرابعة : الأخبار الواردة في موارد بعض المنجّزات ، وعدم نفوذ ذلك التبرّع المنجّز في ذلك المورد.

منها : صحيح الحلبي ، سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه ، فتبرأه منه في مرضها؟ فقال عليه السلام : « لا » (253) . ‌

ومنها : خبر جراح المدائني سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن عطية الوالد لولده يبينه قال : « إذا أعطاه في صحّته جاز » (254).

وتقريب دلالة هذين الخبرين على ما يدّعون من خروج المنجّزات من الثلث لا من الأصل.

أمّا الأوّل ، فمن جهة أنّ نفيه عليه السلام صحّة الإبراء مطلقا ، سواء كان بقدر الثلث أو الأزيد منه مع الإجماع على صحّته إن كان بقدر الثلث أو كان أقلّ منه يدلّ على أنّ المراد من نفيه هو كون الإخراج من الأصل ، وأمّا الإخراج من الثلث فليس بمنفي.

وأمّا الثاني ، أي خبر جراح المدائني وإن كانت القضيّة الشرطيّة بمفهومها تدلّ على عدم الجواز إذا لم تكن العطيّة في حال الصحّة ، ولكن حيث أنّ نفي الجواز بقول مطلق وإن كانت مساويا للثلث أو كانت أقلّ منه خلاف الإجماع فلا بدّ وأن يحمل النفي على الكراهة.

ويؤيّد هذا الحمل قوله عليه السلام في رواية سماعة التي مضمونها نظير المقام في جواب‌ السائل « وأمّا في مرضه فلا يصلح » (255) ‌.

ومنها : خبر أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين ، فتبرأه منه في مرضها؟ قال عليه السلام : « بل تهبه له فتجوز هبتها له ، ويحسب ذلك من ثلثها » (256) . ‌

وهذا الخبر وإن كان ذيله يدلّ على أنّ الهبة المنجّزة تخرج من الثلث ، ولكن من حيث اشتماله على ما هو مخالف لإجماع الأصحاب وهو إعراضه عن الإبراء الدالّ على عدم صحّته ، وصحّة الهبة ساقط عن الاعتبار ، ولا يصحّ الاعتماد عليه.

قال في المسالك (257) في مقام الاعتراض على هذه الرواية : وأمّا رواية أبي ولاّد ففيها أنّ مضمونها لا يقول به أحد ، لأنّ الإبراء ممّا في الذمّة صحيح بالإجماع دون هبته ، والحكم فيها بالعكس ، فكيف يستند إلى مثل هذه الرواية المقلوبة الحكم الضعيفة السند.

هذا مع أنّها على فرض صحّتها ليست قابلة للمعارضة مع الأخبار الصحيحة الصريحة في أنّ إخراج المتنجّزات من الأصل لا من الثلث.

الطائفة الخامسة : الأخبار الواردة في عدم جواز الإضرار بالوارث ، والجور في الوصيّة والحيف‌ ، ووجوب ردّها إلى العدل.

منها : رواية السكوني عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام قال : قال على عليه السلام : « ما‌ أبالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال » (258) ‌.

ولا شكّ في أنّ هذه الرواية تدلّ على عدم جواز الإضرار بالورثة بتنقيص حصّتهم بالأزيد من الثلث ، لأنّ أدلّة جواز الوصيّة بالثلث تخصّص هذه الرواية بالنسبة إلى مقدار الثلث ، والزائد يبقى تحت المنع ، ومعلوم أنّه لا فرق بين أن يكون سبب الإضرار هي الوصيّة أو التبرّعات المنجّزة ، لأنّه عليه السلام في مقام مذمّة الإضرار بهم وأنّه مثل السرقة ، فإذا كان موضوع الحكم بالحرمة هو الإضرار فأيّ فرق بين أسبابه.

وفيه : أنّ الفرق واضح ، لأنّ الوصيّة إخراج الموصى به عن التركة بعد الموت بإنشائه قبل الموت ، فالوصيّة في الحقيقة من قبيل إيجاد المانع عن ملكيّتهم لمقدار الذي أوصى به بعد وجود المقتضي لملكيّتهم لذلك المقدار وهو الموت ، بخلاف التبرّعات المنجّزة فإنّها إخراج في حال الحياة ، أي في وقت تكون الورثة أجانب عن المال كسائر الأجانب ، نعم على تقدير موت المورث يوجد المقتضي لإرثهم لو لا المانع ، فقياس أحدهما بالآخر ـ مع بطلان القياس في حدّ نفسه ـ قياس مع الفارق الكثير ، وأين أحدهما من الآخر.

وأمّا ادّعاء تنقيح المناط القطعي بأن يقال : نقطع بأنّ المناط في عدم نفوذه في الزائد على الثلث هو حرمان الوارث عن ذلك المقدار بأيّ سبب كان ، فهذا باطل قطعا ، لأنّ لازم ذلك عدم جواز التبرّعات وعدم نفوذها حتّى في حال الصحّة.

وبما ذكرنا يظهر بطلان الاستدلال لعدم نفوذ المنجّزات في الأزيد من الثلث برواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ، قال عليه السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفّى وأوصى بماله كلّه أو أكثره فقال عليه السلام : الوصيّة تردّ إلى المعروف غير المنكر ، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيّته المنكر والحيف فإنّها تردّ إلى المعروف ، ويترك لأهل الميراث‌ ميراثهم » (259).

وذلك لوضوح أنّهم في حياة المورث ليسوا أهل الميراث ، لأنّه لا ميراث في البين كي يترك لأهل الميراث ميراثهم ، وبعد الوفاة أيضا لا ميراث بالنسبة إلى ذلك المقدار الذي نجّز فيه التبرّع ، لأنّه أفناه وانتقل عنه بالتبرّع ، فلا يصدق عليه عنوان أنّه « ما تركه الميّت » الذي هو موضوع الميراث.

الطائفة السادسة : الأخبار الواردة في باب نفوذ الإقرار من المريض ـ يموت في ذلك المرض ـ في الثلث‌ ، وعدم نفوذه في الأزيد منه إن كان متّهما ، ولتعليله عليه السلام ذلك بقوله في إقرار امرأة بذلك في رواية بيّاع السابري : « فإنّما لها من مالها ثلثه ».

عن العلاء بيّاع السابري قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة استودعت رجلا مالا ، فلمّا حضرها الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة ، وماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا : إنّه كان لصاحبتنا مال ولا نراه إلاّ عندك ، فاحلف لنا مالها قبلك شي‌ء أفيحلف لهم؟ فقال : « إن كانت مأمونة عنده فيحلف لهم ، وإن كانت متّهمة فلا يحلف ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه » (260).

ورواية إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أقرّ لوارث له وهو مريض بدين له عليه ، قال عليه السلام : « يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث » (261).

ورواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه قال : « يجوز ذلك ». قلت : فإن أوصى لوارث بشي‌ء قال : « جائز ». (262) ‌

وظاهر هذه الرواية وإن كان مطلقا بالنسبة إلى كون ما أقرّ به أزيد من الثلث أو أقل أو مساويا ، ولكن يقيّد برواية إسماعيل بن جابر بكونه دون الثلث.

ورواية البرقي عن سعد بن سعد ، عن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مسافر حضره الموت ، فدفع مالا إلى أحد من التّجار فقال له : إنّ هذا المال لفلان بن فلان ليس له فيه قليل ولا كثير فادفعه إليه يصرفه حيث يشاء ، فمات ولم يأمر فيه صاحبه الذي جعله له بأمر ولا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك كيف يصنع؟ قال : « يضعه حيث شاء ». (263) ‌

ورواية الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عن رجل أقرّ لوارث بدين في مرضه أيجوز ذلك؟ قال : « نعم إذا كان مليا ». (264) ‌

ورواية أبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه‌ دينا؟ فقال : « إن كان الميّت مريضا فأعطه الذي أوصى له » (265).

ومضمرة سماعة قال : سألته عمّن أقرّ للورثة بدين عليه وهو مريض؟ قال : « يجوز عليه ما أقرّ به إذا كان قليلا » (266) . ‌

ومكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى العسكري عليه السلام امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ، وكذلك مالها أقرّت به للموصى إليه ، وأشهدت على وصيّتها ، وأوصت أن يحجّ عنها من هذه التركة حجّتان ، وتعطى مولاة لها أربعمائة درهم ، وماتت المرأة وتركت زوجا فلم ندر كيف الخروج من هذا ، واشتبه علينا الأمر وذكر كاتبت أنّ المرأة استشارته فسألته أن يكتب لهم ما يصحّ لهذا الوصيّ فقال لها لا تصحّ تركتك لهذا الوصي إلاّ بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود ، وتأمريه بعد أن ينفذ ما توصيه به وكتبت له بالوصيّة على هذا وأقرّت للوصي بهذا الدين فرأيك أدام الله عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا ذلك لنعمل به إن شاء الله؟ فكتب بخطّه : « إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال إن شاء الله ، وإن لم يكن الدين حقّا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف » (267).

ورواية عليّ بن مهزيار قال : سألته عن رجل له امرأة لم يكن له منها ولد ، وله‌ ولد من غيرها ، فأحبّ أن لا يجعل لها في ماله نصيبا ، فاشهد بكلّ شي‌ء له في حياته وصحّته لولده دونها ، وأقامت معه بعد ذلك سنين ، أيحلّ له ذلك إذا لم يعملها ولم يتحلّلها وإنّما عمل به على أنّ المال له يصنع به ما شاء في حياته وصحّته؟ فكتب عليه السلام : « حقّها واجب ، فينبغي أن يتحلّلها ». (268) ‌

ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ : : « إنّه كان يرد النحلة في الوصيّة وما أقرّ به عند موته بلا ثبت ولا بيّنة ردّه ». (269) ‌

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : « قال عليّ عليه السلام : لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين ». (270) ‌

فهذه الأخبار الكثيرة التي يمكن ادّعاء تواترها إجمالا ظاهرة في عدم نفوذ الإقرار من المريض الذي حضره الموت في الأزيد من الثلث.

وفيه : أوّلا : أنّ الإقرار غير التبرّعات المنجّزة وخارج عنها موضوعا ، لأنّ التبرّعات المنجّزة أو العقود والمعاملات المحاباتيّة في حال المرض عبارة عن إنشاء تمليك منجّز غير معلّق على موته بغيره ، فهو بهذا الإنشاء فعلا أي في وقت الإنشاء يخرج بعض ما يملكه أو تمامه عن ملكه ، ويدخله في ملك شخص آخر.

وأمّا الإقرار فهو عبارة عن الاعتراف بكون حقّ ـ من دين أو عين أو حقّ ـ ثابتا في ما هو تحت سلطنته ، أو في ذمّته ، أو على عهدته من ذي قبل ، ففرق واضح‌ بينهما إذ الإقرار ليس تصرّفا جديدا في ماله كي يقال بأنّه محجور عليه بالنسبة إلى الأزيد من ثلث ماله ، بل هو إخبار عن دينه السابق على هذه الحالة التي حجر عليه الشارع في الأزيد من الثلث.

إذا عرفت ما ذكرنا تعلم أنّه لا منافاة بين أن يفتي الفقيه في باب الإقرار بعدم نفوذه في الزائد على الثلث ويفتي في باب التبرّعات المنجّزة والعقود المحاباتيّة بالنفوذ من الأصل أو بعكس هذا ، إذ لا ربط بين المسألتين.

وثانيا : أنّ في مسألة الإقرار في مرض الموت ليس من المسلّم أنّه لا ينفذ في الأزيد من الثلث دائما ومطلقا ، ولا أنّه ينفذ في مقدار الثلث دائما ومطلقا ، بل الأقوال فيها كثيرة ، وقيل بأنّها عشرة ، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في هذا الباب ، وقد تقدّم ذكرها آنفا.

ففي بعضها كرواية العلاء بيّاع السابري قيّد النفوذ في جميع المال بكون الامرأة المقرّة مأمونة غير متّهمة ، وعلّل ذلك بقوله عليه السلام : « فإنّما لها من مالها ثلثه ». والظاهر أنّ مراده عليه السلام من هذا الكلام أنّه إذا لم تكن مأمونة يمكن أن تكون في إقرارها كاذبة ، فتكون النتيجة أنّ إقرارها صار سببا لخروج جميع التركة من يد الورثة ، مع أنّها لا تملك أزيد من ثلث تلك التركة.

إن قلت : هذا الكلام الأخير منه عليه السلام يدلّ على أنّ المنجّزات لا تخرج من الأصل ، لأنّه لا يملك في المرض الذي يموت فيه تمام ماله ، بل له الثلث.

قلنا : إنّ المراد أنّها إذا لم تكن مأمونة ، واحتملنا أن تكون كاذبة في إقرارها ، فيكون إقرارها خبرا كاذبا وليس تبرّع ولا عقد محاباتي في البين بحيث أنّها تنشأ فعلا تمليك مالها لتلك الفلانة ، بل غاية ما يمكن أن يقال في حقّها إنّها توصي بإعطاء جميع مالها لتلك الفلانة بعد مماتها ولكن بصورة الإقرار ، لعلمها بأنّ الوصيّة لا تنفذ في الأزيد من الثلث ، فلذلك تظهر ما تريد بصورة الإقرار كي يصل إليها تمام المال ، وإلاّ‌ فليس مرادها أن يعطى المال لتلك الامرأة الفلانية في حياتها ، فيكون إقرارها لها في الحقيقة وصيّة لها.

ومعلوم أنّ الميت ليس له التصرّف في ماله بعد موته في الأزيد من الثلث ، أي يكون تصرّفه في ماله وإن كان في حال حياته ، ولكن يكون ظرف انتقال المال إلى الطرف بعد موته ، وهذا معنى الوصيّة ، وهو مقابل للمنجّزات ، لأنّ المنجّز التمليك وتملّك الطرف الاثنان في حال الحياة ، ويكون كسائر معاملاته في حال صحّته.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ جميع موارد إقرار المريض إذا كانت إقرارا واقعا حقيقيّا وكان صادقا ، فهذا واقعا مال المقرّ له ، ولا يخرج عن ملك المريض في عالم الثبوت شي‌ء كي يقال بالنفوذ في الأصل أو في الثلث ، وإن كان كاذبا فليس للمقرّ له شي‌ء كي يقال بأنّه من الأصل أو من الثلث.

إذا عرفت ذلك تعرف أنّ التفاصيل الكثيرة الواردة في الأخبار المتقدّمة كلّها ترجع إلى أنّه هل هناك أمارة على أنّ المقرّ صادق في إقرار أم لا.

مثلا الفرق بين أن يكون المقرّ له وارثا أو كان أجنبيّا يرجع إلى أنّه لو كان وارثا فهذا أمارة على كذب الإقرار ، وذلك لأنّ المريض الذي أشرف على الموت بعد أن رأى أنّ يده تنقطع عن أمواله بالموت ، فيجب أن ينتقل أمواله إلى من يحبّه أكثر ، ولا شكّ في أنّه يحبّ أولاده أكثر من الأجنبيّة التي صارت من ورثته بواسطة تزوّجه لها قبل كم يوم ، خصوصا إذا لم يدخل بها أو وإن دخل بها ولكن ليس له ولد منها ويدري بأنّ الوصيّة لا تنفذ في الأزيد من الثلث ، فيقرّ بأنّ جميع ماله لأولاده مثلا.

وأمّا الروايات التي قيد فيها نفوذ الإقرار بأن لا يكون المقرّ متّهما ، فأمرها فيما ذكرنا واضح لا يحتاج إلى البيان.

ورواية الحلبي التي يقول الإمام عليه السلام فيها « نعم إذا كان مليّا » يعني إذا كان مليّا بفقد إقراره ، وذلك لأنّ كون المريض المقرّ مليّا أمارة على صدقه في إقراره ، لأنّ الملي‌ يصل إلى وارثه ما يكفيه من إرثه ، فلا يحتاج إلى أن يقرّ المريض كاذبا بالمال ، فتكون ملاءته أمارة على صدقه.

ورواية أبي أيّوب التي يقول عليه السلام فيها « إن كان الميّت مرضيّا فأعطه الذي أوصى له » أي ما أقرّ له بالدين كما هو المذكور في نفس الرواية ، وواضح أنّ كونه مرضيّا أمارة صدقه في إقراره.

ورواية سماعة التي يقول عليه السلام فيها « يجوز عليه ما أقرّ به إن كان قليلا » يعني إذا كان المقرّ به شيئا قليلا ، فلا داعي له على الكذب ، فهو صادق في إقراره.

وأمّا مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار إلى مولانا العسكري عليه السلام فأوّلا أمارات كونها تقيّة بادية وظاهرة عليها ، وقوله عليه السلام فيها « وإن لم يكن الدين حقّا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف » ظاهر بل صريح في ما استظهر من تلك الروايات ، أي الروايات التي وردت في باب إقرار المريض لوارثه أو لأجنبي ، وهو أنّه لو كانت أمارة صدق لإقراره وأنّه صادق في إقراره يؤخذ به ، وإلاّ يكون وصيّته يخرج من الثلث ، كفى أو لم يكف.

والسرّ في ذلك : أنّ نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم من جهة أنّ العاقل لا يقدم على ما هو ضرر عليه بلا داع أهمّ من ذلك الضرر في نفسه ، والأمارات المذكورة في هذه الروايات لبيان أنّ المورد مورد جريان هذه القاعدة. فإذا كان مورد الجريان تجري وإلاّ ليس بإقرار ، بل صرف وصيّة ويخرج من الثلث ، فلا ربط لهذه الروايات بباب المنجّزات.

وأمّا القول المختار ، أي خروج المنجّزات من أصل التركة فلوجوه :

الأوّل : الإجماع.

وفيه : المنع صغرى وكبرى.

أمّا الصغرى ، فلكثرة المخالفين حتّى ادّعى بعضهم الإجماع على الخلاف ، ولكن المحقّق أنّه ـ أي القول بالخروج من الثلث ـ ذهب إليه جميع كثير من أعاظم الأصحاب كالشهيدين ، (271) والفاضلين ، (272) وجامع المقاصد ، (273) بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، بل نسب إلى عامّة المتأخّرين. (274) ‌

وأمّا الكبرى ، فلأنّ الإجماع في مثل هذه الموارد ـ التي يدّعي الطرفان تواتر الروايات كلّ واحد منهما على مذهبه ـ لا حجّية له قطعا ، لما ذكرنا في الأصول من أنّ حجّية الإجماع وكونه دليلا على الحكم الشرعي موقوف على أن لا يكون للمجمعين والمتّفقين مدرك معيّن ، ومتكئا معلوم ، من عقل أو نقل ، أي الآيات والروايات ، وإلاّ لا بدّ من المراجعة إلى تلك المدارك وأنّها تدلّ على المدّعى أو لا تدلّ. ففي مثل هذا المقام الذي يدّعي كلّ واحد من الطرفين وجود روايات متواترة على مدّعاه لا يبقى مجال للتمسّك بالإجماع.

الثاني : قاعدة السلطنة‌ ، أي عموم « الناس مسلّطون على أموالهم » خرج منها التصرّفات المعلّقة على الموت ، ويبقى المنجّزة تحت العموم.

الثالث : استصحاب ما كان للمالك حال الصحّة‌ من نفوذ تصرّفاته المنجّزة في جميع ماله ، وإن كانت تبرّعية أو معاملة محاباتيّة. وهذا الاستصحاب تنجيزي لا تعليقي ، لأنّه استصحاب صفة وحالة كانت للمالك قبل أن يمرض.

الرابع : الأخبار الواردة في الباب :

منها : رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال : « هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن‌ يأتيه الموت » (275).

وهذه الرواية رواها في الوسائل بطريق آخر من سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ما ذكرنا ، وقال صاحب الوسائل : وزاد ـ أي أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ـ : « أنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّا إن شاء وهبه ، وإن شاء تصدّق به ، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت ، فإن أوصى به فليس له إلاّ الثلث ، إلاّ أنّ الفاضل في أن لا يضيّع من يعوله ولا يضرّ بورثته ». (276) ‌

ومنها : رواية عمّار بن موسى الساباطي أنّه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : « صاحب المال أحقّ بماله ما دام فيه شي‌ء من الروح يضعه حيث شاء ». (277) ‌

ومنها : رواية أخرى له أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال عليه السلام : « الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كلّه فهو جائز ». (278) ‌

قال في الوسائل : حمله الشيخ وجماعة على التصرّفات المنجّزة ، وحمله الصدوق على من لا وارث له. (279) ‌

ومنها : رواية ثالثة لعمّار بن موسى الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت : الميّت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به؟ قال : « نعم فإن أوصى به فليس له إلاّ الثلث ». (280) ‌

ومنها : رواية رابعة لعمّار بن موسى الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه ، فقال : « إذا أبانه جاز ». (281) ‌

وهذه الرواية الأخيرة لا تدلّ على ما نحن بصدده من نفوذ المنجّزات من الأصل ، لأنّه من الممكن أن يكون البعض هو الثلث أو الأقلّ منه ، وإن كان ظاهر القضيّة الشرطيّة ـ حيث علّق الجواز على الإبانة ، أي المنجّز ـ كون ذلك البعض أزيد من الثلث ، وإلاّ لو كان بمقدار الثلث أو أقلّ منه لم يكن وجه لهذا التعليق ، لأنّه كان جائزا أبان أو لم يبن ، لأنّ نفوذ الوصيّة في الثلث وفيما هو أقلّ منه إجماعي بل قطعي ، لتواتر الروايات على ذلك.

وعلى كلّ حال رواية سماعة ، وروايات الثلاث لعمّار دلالتها على ما ندّعي من نفوذ المنجّزات من الأصل واضحة لا حاجة لها إلى الشرح والإيضاح.

ولذلك لم يستشكل في دلالتها جامع المقاصد (282) الذي يقول بنفوذ المنجّزات مثل الوصايا المعلّقة على الموت من الثلث ، وينكر كونه من الأصل ، بل يستشكل في سندها بأنّ عمّار وسماعة ضعيفان ، لكونهما خارجين عن طريق الحقّ ، لأنّ عمارا فطحي وسماعة واقفي ، ولذلك لم يعتبر روايتها في مقابل الصحاح المعتبرة ، كصحيحة‌ عليّ بن يقطين ، وصحيحة يعقوب بن شعيب.

ولكن قد عرفت فيما سبق حال هذه الأخبار الصحيحة منها ، وغير الصحيحة. وقد جعلناها ستة طوائف ، وأجبنا عن كلّ طائفة بما يناسبها. وقد عرفت أنّه لا دلالة لها على إخراج المنجزات عن الثلث ، فضلا عن أن يكون راجحا في مقام المعارضة على أخبار التي لا ريب في دلالتها على إخراج المنجّزات من الأصل ، كموثقات عمّار وسماعة هذا.

مع أنّ عمارا وسماعة وثّقهما أصحاب الرجال والحديث ، بل ينقل صاحب جامع الرواة عن الخلاصة والنجاشي ثقة ثقة في حقّ سماعة ، (283) وفي حقّ عمّار أيضا ينقل عن الكتابين المذكورين أنّه وأخواه « قيس » و« صباح » كانوا ثقاة في الرواية. (284)

هذا مع أنّه يروي الصدوق عن صفوان ، عن مرازم في الرجل يعطي الشي‌ء من ماله في مرضه ، فقال : إذا أبان فهو جائز ، (285) وليس في الطريق لا سماعة ولا عمّار ، وصفوان ومرازم كلاهما ثقتان. (286) ‌

والمراد من الإبانة على الظاهر هو فصله عن نفسه بحيث لا يبقى بينه وبين ذلك المال علاقة ، وهذا عبارة أخرى عن إخراجه عن ملك نفسه بعقد منجّز بهبة أو صدقة أو غير ذلك ، بخلاف الوصيّة فإنّ الموصى به ما دام حيّا يكون ملكه كسائر أملاكه.

إن قلت : إنّ الشي‌ء من ماله يطلق على القليل والكثير ، بل له ظهور في القليل ، فربما يكون المراد هو الثلث أو أقل منه ، ولا خلاف في النفوذ في الثلث أو ما كان أقلّ منه.

قلنا : إذا كان كذلك فيكون الشرط لغوا ، لأنّ نفوذ ما هو بقدر الثلث أو ما هو أقلّ منه ليس مشروطا بالإبانة قطعا ، بل ينفذ مطلقا أبان أو لم يبن ، وكان من قبيل الوصيّة ، فالرواية تدلّ على النفوذ إن كان منجّزا بالمنطوق ، وعلى عدمه إن كان من قبيل الوصيّة بالمفهوم.

ومنها : ما رواه الكليني مرسلا قال : وقد روي أنّ النبي صلى الله عليه واله قال لرجل من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم ، فعابه النبي صلى الله عليه واله وقال : « ترك صبيّة صغارا يتكفّفون الناس ». (287) ‌

ورواه الصدوق عن هارون بن مسلم نحوه إلاّ أنّه قال : « فأعتقهم عند موته » (288) فيكون على المقصود أدلّ ، لارتفاع احتمال كون عتقهم في حال الصحّة ، فيكون خارجا عن محلّ البحث.

ثمَّ إنّ الإشكال في موثّقات عمّار بأنّها مطلقات من حيث كون التصرّف في حال الصحّة والمرض فيقيّد بحال الصحّة بالروايات التي تدلّ على إخراج تصرّفات المريض في حال المرض من الثلث.

ففيه أوّلا : أنّا قد ذكرنا فيما تقدّم من عدم دلالة تلك الأخبار على نفوذ المنجّزات من الثلث كي تصلح لتقييد الموثّقات بحال الصحّة.

وثانيا : قوله عليه السلام في إحدى الموثّقات « صاحب المال أحقّ بماله ما دام فيه شي‌ء من الرّوح » نصّ في أنّه وإن كان مريضا قريب الموت ، فليس من قبيل المطلقات القابلة للتقييد ، فإن كان هناك ما يدلّ على إخراج المنجّزات من الثلث يقع بينه وبين الموثّق التعارض.

فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ في التبرّعات المنجّزة التي تصدر من المريض الذي يموت في ذلك المرض هو إخراجها من أصل المال وجميع التركة ، لا خصوص الثلث كالوصيّة. ومع ذلك كلّه مراعاة الاحتياط أولى بل لا ينبغي تركه ، لأنّ مستند القائلين بإخراجها من الثلث كالوصيّة قوّى جدّا ، والقائلون به من العظماء والأساطين قدّس الله أسرارهم.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطنا‌ً .

__________________

(1) « الكافي » ج 7 ، ص 3 ، باب الوصيّة وما أمر بها ، ح 5 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 181 ، باب في الوصيّة أنّها حقّ على كلّ مسلم ، ح 5412 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 351 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 1.

(2) « الكافي » ج 7 ، ص 3 ، باب الوصية وما أمر بها ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 181 ، باب في الوصيّة أنّها حقّ على كل مسلم ، ح 5411 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 172 ، ح 702 ، باب الوصيّة ووجوبها ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 351 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 2.

(3) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 172 ، ح 701 ، باب الوصيّة ووجوبها ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 3.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 172 ، ح 703 ، باب الوصيّة ووجوبها ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 4.

(5) « المقنعة » ص 666 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 6.

(6) « المقنعة » ص 666 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 8.

(7) « المقنعة » ص 666 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 7.

(8) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 352 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 1 ، ح 8.

(9) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(10) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 290.

(11) « القواعد الفقهية » ج 4 ، ص 229.

(12) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(13) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 285.

(14) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 250.

(15) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(16) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 290.

(17) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 10.

(18) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 10.

(19) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب من أوصى بوصيّة فمات الموصى له. ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 210 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي. ، ح 5489 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 230 ، ح 903 ، باب الموصى له بشي‌ء يموت قبل الموصي ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 137 ، ح 515 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 409 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 30 ، ح 1.

(20) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب من أوصى بوصيّة فمات الموصى له. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 211 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي. ، ح 5490 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 231 ، ح 905 ، باب الموصى له بشي‌ء يموت قبل الموصي ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 138 ، ح 517 ، باب الموصى له يموت قبل الموصى ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 409 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 30 ، ح 2.

(21) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب من أوصى بوصيّة فمات الموصى له. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 210 ، باب الموصى له يموت قبل الموصي. ، ح 5488 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 231 ، ح 904 ، باب الموصى له بشي‌ء يموت قبل الموصي ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 138 ، ح 516 ، باب الموصى له يموت قبل الموصى ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 410 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 30 ، ح 3.

(22) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 259.

(23) « كشف الرموز » ج 2 ، ص 77.

(24) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 243.

(25) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 257.

(26) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 14.

(27) « تفسير القميّ » ج 1 ، ص 65 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 420 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 37 ، ح 4.

(28) « الكافي » ج 7 ، ص 12 ، باب الرجل يوصي بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 199 ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح 5459 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 190 ، ح 762 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 15 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 385 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 1.

(29) « الكافي » ج 7 ، ص 13 ، باب الرجل يوصي بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 199 ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح 5460 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 190 ، ح 763 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 385 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 2.

(30) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 386 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 2.

(31) « الكافي » ج 7 ، ص 12 ، باب الرجل يوصى بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 199 ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح 5458 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 189 ، ح 860 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 13 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 386 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18 ، ح 3.

(32) انظر : « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 385 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 18.

(33) « الكافي » ج 7 ، ص 28 ، باب وصيّة الغلام والجارية. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 197 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيته ، ح 5453 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 728 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 428 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 1.

(34) « الكافي » ج 7 ، ص 29 ، باب وصيّة الغلام والجارية. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 197 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح 5452 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 182 ، ح 732 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 428 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 2.

(35) « الكافي » ج 7 ، ص 28 ، باب وصيّته الغلام والجارية. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 196 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح 5450 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 429 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 3.

(36) « الكافي » ج 7 ، ص 28 ، باب وصيّته الغلام والجارية. ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 197 ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح 5452 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 729 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 429 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 4.

(37) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 726 ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 428 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 5.

(38) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 181 ، ح 727 ، باب وصيّته الصبي والمحجور عليه ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 429 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 44 ، ح 6.

(39) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 183 ، باب وصيّته الصبي والمحجور عليه ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 321 ، أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، باب 15 ، ح 4.

(40) « المسالك » ج 1 ، ص 392. وهو في « السرائر » ج 3 ، ص 206.

(41) « الدروس » ج 2 ، ص 298.

(42) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 604.

(43) « جوامع المقاصد » ج 10 ، ص 34.

(44) « الكافي » ج 7 ، ص 45 ، باب من لا تجوز وصيته من البالغين ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 202 ، باب وصيّة من قتل نفسه متعمّدا ، ح 5470 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 207 ، ح 820 ، باب وصيّة من قتل نفسه. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 441 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 52 ، ح 1.

(45) « السرائر » ج 3 ، ص 197.

(46) « مختلف الشيعة » ج 6 ، ص 328.

(47) « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 261 ، باب 78 ، ح 22479.

(48) انظر : « الغدير » ج 1 ، ص 18.

(49) « المكاسب » ص 153.

(50) « الكافي » ج 7 ، ص 10 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 187 ، باب من يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5429 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 772 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 364 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 1.

(51) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 194 ، ح 780 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 12 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 454 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 3.

(52) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 194 ، ح 781 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 12 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 455 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 4.

(53) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 195 ، ح 784 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 16 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 458 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 5.

(54) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 197 ، ح 786 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 6.

(55) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 198 ، ح 790 ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح 22 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 125 ، ح 473 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 366 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 7.

(56) حكاه عن علي بن بابويه في « مختلف الشيعة » ج 6 ، ص 350.

(57) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 187 ، ح 753 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 459 ، باب انّه لا تجوز الوصيّة بأكثر. ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 370 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 19.

(58) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 282.

(59) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 282.

(60) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 195 ، ح 785 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 17 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 123 ، ح 468 ، باب انّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 369 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 16.

(61) « الكافي » ج 7 ، ص 12 ، باب بدون عنوان ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 200 ، باب فيمن أوصى بأكثر من الثلث. ، ح 5461 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 193 ، ح 775 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 122 ، ح 464 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر. ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 371 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 13 ، ح 1.

(62) « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 371 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 13 ، ح 1.

(63) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 193 ، ح 778 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 123 ، ح 467 ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر. ، ح 17 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 372 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 13 ، ح 2.

(64) « المسالك » ج 1 ، ص 393.

(65) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 116.

(66) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 246.

(67) « قواعد الأحكام » ج 2 ، ص 297.

(68) « المسالك » ج 1 ، ص 394.

(69) « الكافي » ج 7 ، ص 63 ، باب النوادر ، ح 21 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 227 ، باب الرجل يوصى من ماله بشي‌ء. ، ح 5536 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 207 ، ح 822 ، باب وصيّة من قتل نفسه أو قتله غيره ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 372 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 14 ، ح 1.

(70) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 7 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 227 ، باب الرجل يوصى من ماله بشي‌ء. ، ح 5537 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 193 ، ح 774 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 372 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 14 ، ح 2.

(71) « الفقيه » ج 4 ، ص 225 ، باب قضاء الدين من الدية ، ح 5532 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 245 ، ح 952 ، باب في الزيادات ، ح 45 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 411 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 31 ، ح 1.

(72) « الفقيه » ج 4 ، ص 225 ، باب قضاء الدين من الدية ، ح 5532 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 192 ، ح 416 ، باب الديون وأحكامها ، ح 41 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 111 ، أبواب الدين والقرض ، باب 24 ، ح 1.

(73) « الفقيه » ج 4 ، ص 112 ، باب القود ومبلغ الدية ، ح 5220 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 92 ، أبواب القصاص في النفس ، ح 2.

(74) « الكافي » ج 7 ، ص 62 ، باب النوادر ، ح 19 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 227 ، باب الرجل يوصى إلى رجل بولده. ، ح 5538 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 236 ، ح 921 ، باب الزيادات الوصايا ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 478 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 92 ، ح 1.

(75) « الكافي » ج 7 ، ص 61 ، باب النوادر ، ح 61 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 228 ، باب الرجل يوصى إلى رجل بولده. ، ح 5539 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 236 ، ح 919 ، باب الإقرار في المرض ، ح 37 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 478 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 92 ، ح 2.

(76) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 246.

(77) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 118.

(78) « السرائر » ج 3 ، ص 192.

(79) « الكافي » ج 7 ، ص 19 ، باب من أوصى بعتق أو صدقة أو حجّ ، ح 15 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 212 ، باب الوصيّة بالعتق والصدقة والحجّ ، ح 5493 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 197 ، ح 778 ، باب الوصيّة بالثلث وأقل منه وأكثر ، ح 20 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 457 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 66 ، ح 1.

(80) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 247.

(81) « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 223 ، ح 104 ، ج 2 ، ص 257 ، ح 3 ، ج 3 ، ص 442 ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 33 ، أبواب الإقرار ، باب 3 ، ح 2.

(82) « الكافي » ج 7 ، ص 40 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 209 ، ح 826 ، باب الوصية المبهمة ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 496 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 442 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 1.

(83) « الكافي » ج 7 ، ص 39 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 208 ، ح 824 ، باب الوصية المبهمة ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 131 ، ح 494 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 442 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 2.

(84) « الكافي » ج 7 ، ص 40 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 205 ، باب الوصيّة بالشي‌ء من المال. ، ح 5476 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 208 ، ح 825 ، باب الوصية المبهمة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 443 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 3.

(85) « معاني الأخبار » ص 217 ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 443 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 4.

(86) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 145 ، ح 476 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 444 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 8.

(87) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 145 ، ح 476 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 445 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 9.

(88) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 143 ، ح 472 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 446 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 10.

(89) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 827 ، باب الوصية المبهمة ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 497 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 446 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 11.

(90) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 828 ، باب الوصية المبهمة ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 499 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 446 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 12.

(91) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 829 ، باب الوصية المبهمة ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 132 ، ح 499 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 447 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 13.

(92) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 831 ، باب الوصية المبهمة ، ح 8 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ح 501 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 447 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 54 ، ح 14.

(93) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 210 ، ذيل ح 831 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ذيل ح 501.

(94) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 209 ، ح 828 ، باب الوصايا المبهمة ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ح 501 ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 448 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 1.

(95) « الكافي » ج 7 ، ص 41 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 2 ، « معاني الأخبار » ص 216 ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 210 ، ح 833 ، باب الوصية المبهمة ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 133 ، ح 503 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 448 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 2.

(96) « الإرشاد للمفيد ، ج 1 ، ص 221 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 450 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 7.

(97) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 448 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55.

(98) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ح 834 ، باب الوصية المبهمة ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 134 ، ح 504 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 449 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 4.

(99) « الفقيه » ج 4 ، ص 204 ، باب الوصيّة بالشي‌ء من المال والسهم. ، ح 5475 ، « معاني الأخبار » ص 216 ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 449 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 55 ، ح 5.

(100) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ذيل ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 134.

(101) « المبسوط » ج 4 ، ص 8.

(102) « الكافي » ج 7 ، ص 40 ، باب من أوصى بشي‌ء من ماله ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 204 ، باب الوصيّة بالشي‌ء من المال. ، ح 5473 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ح 835 ، باب الوصية المبهمة ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 450 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 56 ، ح 1.

(103) « السرائر » ج 3 ، ص 209.

(104) « النهاية » ص 613.

(105) « الكافي » ج 7 ، ص 58 ، باب النوادر ، ح 7 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 218 ، باب الرجل يوصى بوصيّة فينساها. ، ح 5513 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 214 ، ح 844 ، باب الوصيّة المبهمة ، ح 21 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 453 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 61 ، ح 1.

(106) « الكافي » ج 7 ، ص 21 ، باب أنّ الوصي إذا كانت الوصيّة في حقّ. ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 207 ، باب ضمان الوصي لما يغيّره. ، ح 5482 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 228 ، ح 896 ، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له ، ح 46 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 419 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 37 ، ح 2.

(107) « الفقيه » ج 4 ، ص 183 ، باب ما جاء في الإضرار بالورثة ، ح 5418 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 174 ، ح 710 ، باب في الوصيّة ووجوبها ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 5 ، ح 1.

(108) « الكافي » ج 7 ، ص 62 ، باب النوادر ، ح 18 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 182 ، باب ثواب من أوصى فلم يحف ولم يضارّ ، ح 5414 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 174 ، ح 709 ، باب في الوصيّة ووجوبها ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 5 ، ح 2.

(109) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 186 ، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5425 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 773 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 358 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 8 ، ح 1.

(110) « الكافي » ج 7 ، ص 21 ، باب إنّ من حاف في الوصية. ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 186 ، ح 747 ، باب الرجوع في الوصية ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 421 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 38 ، ح 1.

(111) « الكافي » ج 7 ، ص 20 ، باب أنّ من حاف في الوصية. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 422 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 38 ، ح 2.

(112) « تفسير القمّي » ج 1 ، ص 65 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 420 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 37 ، ح 4.

(113) « الكافي » ج 7 ، ص 64 ، باب النوادر ، ح 26 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 220 ، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث. ، ح 5516 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 235 ، ح 918 ، باب في الزيادات الوصايا ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 139 ، ح 520 ، باب أن من كان له ولد. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 476 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 90 ، ح 1.

(114) « الكافي » ج 7 ، ص 61 ، باب النوادر ، ح 15 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 219 ، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث. ، ح 5515 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 235 ، ح 917 ، باب في الزيادات الوصايا ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 139 ، ح 521 ، باب ان من كان له ولد. ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 476 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 90 ، ح 2.

(115) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 477 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 90 ، ح 2.

(116) « الفقيه » ج 4 ، ص 220 ، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث. ، ذيل ح 5515.

(117) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 235 ، باب في الزيادات الوصايا ، ذيل ح 917. ولا يخفى أنّ كلام الشيخ أخصّ من كلام الصدوق ويحتمل اتّحاد مرادهما قدّس الله اسرارهما.

(118) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 217 ، باب الرجل يوصى لرجل بسيف. ، ح 5509 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 211 ، ح 837 ، باب الوصية المبهمة ، ح 14 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 451 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 57 ، ح 1.

(119) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 212 ، ح 839 ، باب الوصية المبهمة ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 451 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 57 ، ح 2.

(120) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 212 ، ح 840 ، باب الوصية المبهمة ، ح 17 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 452 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 57 ، ح 1.

(121) « الكافي » ج 7 ، ص 44 ، باب بدون العنوان ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 212 ، ح 838 ، باب الوصية المبهمة ، ح 15 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 452 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 59 ، ح 1.

(122) « الفقيه » ج 4 ، ص 217 ، باب الرجل يوصى لرجل بسيف. ، ح 5510 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 452 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 59 ، ح 1.

(123) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 249.

(124) « المبسوط » ج 4 ، ص 23.

(125) « المسالك » ج 1 ، ص 401.

(126) « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 222 ، أبواب النذر والعهد ، باب 3 ، ح 1 ـ 4.

(127) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5423 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 773 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 453 ، باب أنّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 360 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 1.

(128) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 5 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5424 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 191 ، ح 769 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 451 ، باب أنّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 360 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 2.

(129) « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5421 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 362 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 3.

(130) « قرب الإسناد » ص 31 ، « علل الشرائع » ص 567 ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 361 ، أبواب كتاب الوصايا ، باب 9 ، ح 4.

(131) « الفقيه » ج 4 ، ص 334 ، باب ميراث أهل الملل ، ح 5718.

(132) « القواعد الفقهية » ج 3 ، ص 9.

(133) « الكافي » ج 7 ، ص 398 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 252 ، ح 652 ، باب البيّنات ، ح 57 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 5.

(134) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 6 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 192 ، باب الإشهاد على الوصيّة ، ح 5436 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 178 ، ح 715 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 1 ، وص 179 ، ح 716 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 6.

(135) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 390 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 : باب ثبوت الوصية بشهادة مسلمين عدلين و.

(136) « الكافي » ج 7 ، ص 5 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 7 ، « تفسير القميّ » ج 1 ، ص 189 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 394 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 21 ، ح 1.

(137) « الكافي » ج 7 ، ص 399 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 253 ، ح 654 ، باب البيّنات ، ح 59 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 390 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 1.

(138) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 3 ، وص 398 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ص 725 ، باب الاشهاد على الوصية ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 4.

(139) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 391 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20.

(140) « الكافي » ج 7 ، ص 399 ، باب شهادة أهل الملل ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 179 ، ح 718 ، باب الاشهاد على الوصية ، ح 4 ، وج 6 ، ص 253 ، ح 655 ، باب البيّنات ، ح 60 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 392 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 20 ، ح 7.

(141) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 192 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 5435 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 719 باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 395 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 1.

(142) « الكافي » ج 7 ، ص 4 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 722 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 396 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 2.

(143) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 723 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 396 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 3.

(144) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 180 ، ح 722 ، باب الاشهاد على الوصيّة ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 396 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 6.

(145) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 270 ، ح 728 ، باب البيّنات ، ح 133 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 30 ، ح 100 ، باب فيما يجوز فيه شهادة النساء ، ح 32 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 397 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 7.

(146) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 268 ، ح 219 ، باب البيّنات ، ح 124 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 28 ، ح 90 ، باب فيما يجوز فيه شهادة النساء ، ح 22 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 397 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 22 ، ح 8.

(147) « الكافي » ج 5 ، ص 313 ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ح 40 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 226 ، ح 989 ، باب الزيادات ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 60 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 4 ، ح 4.

(148) « الفقيه » ج 4 ، ص 44 ، باب من يجب ردّ شهادته و. ، ح 3293 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 246 ، ح 623 ، باب البيّنات ، ح 28 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 15 ، ح 40 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 272 ، أبواب الشهادات ، باب 27 ، ح 3.

(149) انظر : « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 271 ـ 272 ، أبواب الشهادات ، باب 27 و28.

(150) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 242 ، ح 599 ، باب البيّنات ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 14 ، ح 38 ، باب شهادة الشريك ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 278 ، أبواب الشهادات ، باب 32 ، ح 3.

(151) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 41.

(152) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 373 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 15.

(153) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 253.

(154) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 415 ، باب جواز الوصيّة من المسلم والذمي بمال.

(155) « الكافي » ج 7 ، ص 16 ، باب آخر منه ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 202 ، ح 806 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 129 ، ح 486 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 415 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 1.

(156) « الكافي » ج 7 ، ص 14 ، باب إنفاذ الوصية على جهتها ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 200 ، باب وجوب إنفاذ الوصيّة والنهي عن تبديلها ، ح 5462 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 808 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 129 ، ح 488 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 417 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 5.

(157) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب آخر منه ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 810 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 131 ، ح 493 ، باب من أوصى بشي‌ء في سبيل الله. ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 417 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 6.

(158) « الخلاف » ج 4 ، ص 153 ، المسألة : 26.

(159) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 204 ، ح 812 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 9 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 129 ، ح 489 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 416 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 2.

(160) « الفقيه » ج 4 ، ص 336 ، باب ميراث أهل الملل ، ح 5726 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 416 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 35 ، ح 3.

(161) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 253.

(162) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 293.

(163) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 487.

(164) « الخلاف » ج 4 ، ص 153 ، المسألة : 26.

(165) « جامع المقاصد » ج 10 ، ص 52.

(166) « الكافي » ج 7 ، ص 45 ، باب من أوصى لقراباته ومواليه. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 208 ، باب الوصيّة للأقرباء والموالي ، ح 5483 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 214 ، ح 845 ، باب الوصية المبهمة ، ح 22 ، وص 325 ، ح 1169 ، باب ميراث الأعمام والعمّات. ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 454 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 62 ، ح 1.

(167) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 254.

(168) « المسالك » ج 1 ، ص 410.

(169) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 388.

(170) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب آخر منه ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 206 ، باب الرجل يوصى بمال في سبيل الله ، ح 5478 ، « معاني الأخبار » ص 167 ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 204 ، ح 811 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 412 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 1.

(171) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب إنفاذ الوصيّة على جهتها ، ح 5 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 206 ، باب الرجل يوصى بمال في سبيل الله ، ح 5479 ، « معاني الأخبار » ص 167 ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 809 ، باب الوصية لأهل الضلال ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 130 ، ح 491 ، باب من أوصى بشي‌ء وفي سبيل الله تعالى ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 412 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 2.

(172) « الكافي » ج 7 ، ص 15 ، باب آخر من إنفاذ الوصيّة على جهتها ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 203 ، ح 810 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 131 ، ح 493 ، باب من أوصى بشي‌ء في سبيل الله ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 413 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 3.

(173) « الكافي » ج 7 ، ص 14 ، باب إنفاذ الوصيّة على جهتها ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 200 ، باب وجوب إنفاذ الوصيّة والنهي عن تبديلها ، ح 5463 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 202 ، ح 805 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 128 ، ح 485 ، باب الوصيّة لأهل الضلال ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 414 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 33 ، ح 4.

(174) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 420.

(175) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 255.

(176) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 255.

(177) « المسالك » ج 1 ، ص 411.

(178) « الكافي » ج 7 ، ص 46 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك منه الصغير ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 209 ، باب الوصيّة إلى مدرك وغير مدرك ، ح 5487 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 185 ، ح 744 ، باب الأوصياء ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 438 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 50 ، ح 1.

(179) « الكافي » ج 7 ، ص 46 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 209 ، باب الوصيّة إلى مدرك وغير مدرك ، ح 5486 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 184 ، ح 743 ، باب الأوصياء ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 140 ، ح 522 ، باب أنّه يجوز أن يوصى إلى امرأة ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 439 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 50 ، ح 2.

(180) « الكافي » ج 7 ، ص 46 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 203 ، باب الرجلين يوصى إليهما. ، ح 5471 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 118 ، ح 448 ، باب من أوصى إلى نفسين. ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 185 ، ح 745 ، باب الأوصياء ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 440 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 51 ، ح 1.

(181) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 243 ، ح 941 ، باب من الزيادات الوصايا ، ح 34 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 450 ، باب من أوصى إلى نفسين. ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 440 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 51 ، ح 2.

(182) « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ذيل ح 119.

(183) « الكافي » ج 7 ، ص 47 ، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 203 ، باب الرجلين يوصى إليهما. ، ح 5472 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 185 ، ح 746 ، باب الأوصياء ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 118 ، ح 449 ، باب من أوصى إلى نفسين. ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 440 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 51 ، ح 3.

(184) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 256.

(185) « الكافي » ج 7 ، ص 6 ، باب الرجل يوصى إلى آخر. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 196 ، باب للامتناع من قبول الوصيّة ، ح 5449 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 206 ، ح 816 ، باب قبوله الوصيّة ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 398 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 23 ، ح 3.

(186) « الكافي » ج 7 ، ص 6 ، باب الرجل يوصى إلى آخر. ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 195 ، باب الامتناع من قبول الوصيّة ، ح 5446 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 205 ، ح 815 ، باب قبول الوصيّة ، ح 2 ، وص 159 ، ح 654 ، باب في النحل والهبة ، ح 31 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 398 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 23 ، ح 2.

(187) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 280.

(188) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 275.

(189) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 421.

(190) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 419 ، باب أنّ الوصي إذا كانت في حقّ فغيّرها فهو ضامن.

(191) « الكافي » ج 7 ، ص 57 ، باب ما يلحق الميّت بعد موته ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 234 ، باب نوادر الوصايا ، ح 5560 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 232 ، ح 910 ، باب من الزيادات ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 479 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 93 ، ح 1.

(192) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 257.

(193) « جواهر الكلام » ج 28 ، ص 426.

(194) « الكافي » ج 7 ، ص 59 ، باب النوادر ، ح 10 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 219 ، باب الوصيّ يشتري من مال الميّت. ، ح 5514 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 245 ، ح 950 ، باب في الزيادات ، ح 43 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 475 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 89 ، ح 1.

(195) « المسالك » ج 1 ، ص 415.

(196) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 287.

(197) « المسالك » ج 1 ، ص 415.

(198) « الفقيه » ج 4 ، ص 226 ، باب ما يجب على وصيّ الوصيّ من القيام بالوصيّة ، ح 5535 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 215 ، ح 850 ، باب الوصي يوصى إلى غيره ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 460 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 70 ، ح 1.

(199) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 257.

(200) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 419.

(201) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 257.

(202) « الكافي » ج 5 ، ص 130 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 340 ، ح 950 ، باب المكاسب ، ح 72 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 184 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 1.

(203) « الكافي » ج 5 ، ص 128 ، باب أكل مال اليتيم ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 339 ، ح 946 ، باب المكاسب ، ح 67 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 192 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 76 ، ح 2.

(204) « الكافي » ج 5 ، ص 129 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 340 ، باب المكاسب ، ح 69 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 185 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 4.

(205) « الكافي » ج 5 ، ص 130 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 340 ، ح 951 ، باب المكاسب ، ح 72 ، « قرب الإسناد » ص 47 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 185 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 2.

(206) « الكافي » ج 5 ، ص 130 ، باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 3410 ، ح 952 ، باب المكاسب ، ح 73 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 185 ، أبواب ما يكتسب منه ، باب 72 ، ح 3.

(207) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 222 ، ح 31 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 187 ، أبواب ما يكتسب منه ، باب 72 ، ح 9.

(208) « الكافي » ج 5 ، ص 129 ، باب أكل مال اليتيم ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 339 ، ح 947 ، باب المكاسب ، ح 68 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 183 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 71 ، ح 1.

(209) « الكافي » ج 5 ، ص 129 ، باب أكل مال اليتيم ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 184 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 71 ، ح 2.

(210) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 343 ، ح 960 ، باب المكاسب ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 186 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 72 ، ح 5.

(211) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 9.

(212) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 261.

(213) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 334.

(214) « المبسوط » ج 4 ، ص 44.

(215) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 261.

(216) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 537.

(217) « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 222 ، ح 99 ، وص 457 ، ح 198 ، وج 2 ، ص 138 ، ح 383 ، وح 3 ، ص 208 ، ح 49 ، « بحار الأنوار » ج 2 ، ص 272 ، كتاب العلم ، ح 7.

(218) « الكافي » ج 5 ، ص 404 ، باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 371 ، ح 1503 ، باب المهور والأجور و. ، ح 66 ، « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 218 ، ح 84 ، وج 2 ، ص 257 ، ح 7 ، وج 3 ، ص 217 ، ح 77 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 301 ، أبواب الخيار ، باب 5 ، ح 7.

(219) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 121 ، أبواب كتاب الرهن ، باب 1 ، ح 1 و3 و8.

(220) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 385.

(221) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 463.

(222) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 102.

(223) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 334.

(224) « المبسوط » ج 4 ، ص 43.

(225) « الدروس » ج 2 ، ص 302 ، « المسالك » ج 1 ، ص 242.

(226) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 94.

(227) « إيضاح الفوائد » ج 2 ، ص 593.

(228) « المقنع » ص 165.

(229) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج 6 ، ص 367.

(230) « الكافي » ج 7 ، ص 7.

(231) « المقنع » ص 165.

(232) « المقنعة » ص 671.

(233) « الانتصار » ص 224.

(234) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 603.

(235) « المهذّب » ج 1 ، ص 420.

(236) « السرائر » ج 3 ، ص 199.

(237) « الجامع للشرائع » ص 497.

(238) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5422 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 191 ، ح 770 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه. ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 452 ، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 362 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 2.

(239) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 242 ، ح 940 ، باب في الزيادات ، ح 33 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 363 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 8.

(240) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 242 ، ح 939 ، باب في الزيادات ، ح 32 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 363 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 7.

(241) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 185 ، باب مقدار ما يستحبّ الوصيّة به ، ح 5422 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 191 ، ح 770 ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 119 ، ح 452 ، باب انّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 362 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 10 ، ح 2.

(242) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 97.

(243) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 112.

(244) « الفقيه » ج 4 ، ص 181 ، باب حجّة الله عزّ وجلّ على تارك الوصيّة ، ح 5410 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 175 ، ح 712 ، باب الوصيّة المبهمة ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 4 ، ح 4.

(245) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 194 ، ح 781 ، باب الوصية بالثلث و. ، ح 13 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 455 ، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 4.

(246) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 219 ، ح 862 ، باب وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 384 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 6.

(247) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 197 ، ح 786 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 365 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 6.

(248) « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 229 ، ح 828 ، باب العتق وأحكامه ، ح 61 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 7 ، ح 22 ، باب من أعتق بعض مملوكه ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 76 ، أبواب كتاب العتق ، باب 64 ، ح 5.

(249) « المسالك » ج 1 ، ص 424.

(250) « وسائل الشيعة » ج 13 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 19.

(251) « الكافي » ج 7 ، ص 27 ، باب من أعتق وعليه دين ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 169 ، ح 690 ، باب الإقرار في المرض ، ح 36 ، ص 218 ، ح 855 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 423 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 39 ، ح 4.

(252) « الكافي » ج 7 ، ص 26 ، باب من أعتق وعليه دين ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 217 ، ح 854 ، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له ، ح 4 ، وج 8 ، ص 232 ، ح 841 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 423 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 39 ، ح 5.

(253) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 201 ، ح 802 ، باب الوصية للوارث ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 384 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 15.

(254) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 201 ، ح 801 ، باب الوصيّة للوارث ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 127 ، ح 480 ، باب عطيّة الوالد لولده في حال المرض ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 284 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 14.

(255) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 156 ، ح 642 ، باب النحل والهبة ، ح 19 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 461 ، باب انّه لا تجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 384 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 11.

(256) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 195 ، ح 783 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 15 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 120 ، ح 457 ، باب انّه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 367 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 11 ، ح 11.

(257) « المسالك » ج 1 ، ص 425.

(258) « الفقيه » ج 4 ، ص 183 ، باب ما جاء في الإضرار بالورثة ، ح 5418 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 174 ، ح 710 ، باب الوصية ووجوبها ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 356 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 5 ، ح 1.

(259) « الكافي » ج 7 ، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 186 ، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5425 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 192 ، ح 773 ، باب الوصية بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 358 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 8 ، ح 1.

(260) « الكافي » ج 7 ، ص 42 ، باب المريض يقرّ لوارث بدين ، ح 3 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 229 ، باب إقرار المريض للوارث بدين ، ح 5543 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 661 ، باب الإقرار في المرض ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 431 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 377 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 2.

(261) « الكافي » ج 7 ، ص 42 ، باب المريض يقرّ لوارث بدين ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 228 ، باب إقرار المريض للوارث بدين ، ح 5540 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 659 ، باب الإقرار في المرض ، ح 5 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 429 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 377 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 3.

(262) « الكافي » ج 7 ، ص 42 ، باب في المريض يقرّ لوارث بدين ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 660 ، باب الإقرار في المرض ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 430 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 377 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 4.

(263) « الكافي » ج 7 ، ص 63 ، باب النوادر ، ح 23 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 662 ، باب الإقرار في المرض ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 378 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 6.

(264) « الكافي » ج 7 ، ص 41 ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ح 1 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 229 ، باب إقرار المريض للوارث بدين ، ح 5541 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 159 ، ح 655 ، باب الإقرار في المرض ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 111 ، ح 425 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 378 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 7.

(265) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 657 ، باب الإقرار في المرض ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 378 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 8.

(266) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 160 ، ح 658 ، باب الإقرار في المرض ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 111 ، ح 428 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 379 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 9.

(267) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 161 ، ح 664 ، باب الإقرار في المرض ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 113 ، ح 433 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 379 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 10.

(268) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 162 ، ح 667 ، باب الإقرار في المرض ، ح 13 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 379 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 11.

(269) « الفقيه » ج 4 ، ص 249 ، باب الوقف والصدقة والنحل ، ح 5592 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 161 ، ح 663 ، باب الإقرار في المرض ، ح 9 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 112 ، ح 432 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 380 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 12.

(270) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 162 ، ح 665 ، باب الإقرار في المرض ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 113 ، ح 434 ، باب الإقرار في حال المرض ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 380 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16 ، ح 13.

(271) « الدروس » ج 2 ، ص 302 ، « المسالك » ج 1 ، ص 242.

(272) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 102 ، « مختصر النافع » ص 167 ، « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 334.

(273) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 94.

(274) « المسالك » ج 1 ، ص 464.

(275) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحق بماله ما دام حيّا ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 186 ، ح 749 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 381 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 1.

(276) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 381 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، حكم التصرّفات المنجزة في مرض الموت.

(277) « الكافي » ج 7 ، ص 7 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 176 ، ح 748 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 381 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 4.

(278) « الكافي » ج 7 ، ص 7 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 202 ، باب في أنّ الإنسان أحقّ بماله. ، ح 5468 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 187 ، ح 753 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 6 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 459 ، باب أنّه لا تجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 5.

(279) « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 5 ، وانظر : « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ذيل ح 460.

(280) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 188 ، ح 756 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 7.

(281) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 190 ، ح 764 ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح 17 ، « الاستبصار » ج 4 ، ص 121 ، ح 461 ، باب في أنّه لا تجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 10.

(282) « جامع المقاصد » ج 11 ، ص 95.

(283) « جامع الرواة » ج 1 ، ص 384. وهو في « الخلاصة » ص 228 ، وفي « رجال النجاشي » ص 193 ، رقم 517.

(284) « جامع الرواة » ج 1 ، ص 613.

(285) « الفقيه » ج 4 ، ص 202 ، باب في أنّ الإنسان أحقّ بماله. ، ح 5467 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 382 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 6.

(286) « رجال النجاشي » ص 197 ، رقم 524 ، وص 424 ، رقم 1138.

(287) « الكافي » ج 7 ، ص 8 ، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّا ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 9.

(288) « الفقيه » ج 4 ، ص 186 ، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح 5427 ، « علل الشرائع » ص 566 ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 383 ، أبواب أحكام الوصايا ، باب 17 ، ح 9.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.