التوكيد قسمان : معنوي، لفظي.

 فالمعنوي ما كان بالنفس والعين، وكل ، وكلا ، وكلتا وعامة واجمع واجمعون، وجمع وكتع وابصع وابتع واخواتها وما جري مجرى كل مما افاد معناه من الضرع والزرع، والسهل والجبل، واليد والرجل، والبطن الظهر.

واما القسم الثاني، وهو التوكيد اللفظي، فانه كما تدخله الاساليب الانشائية من حيث عامله تدخله كذلك من حيث ذاته، لأنه : اعادة اللفظ بنفسه او بمفرداته، سواء اكان ذلك اللفظ المعاد المكرر او المذكور مرادفه اسما، ام فعلا، ام حرفا، ام جملة.

 1- التوكيد اللفظي في الاسم : والكلام فيه ذو شقين، لأنه اما ان يكون في الاسم المفرد، واما ان يكون في الاسم المركب.

ص112

1- في الاسم المفرد : ومنه ما دل على معنى انشائي، كأسماء الاستفهام والمصادر النائبة عن فعل الامر، والدعاء، واسم فعل الامر، كقولك : اين اين ذهبت؟ كيف كيف جاء زيد؟ وتقول مع العطف : اين ثم اين كنت؟

وفي المصدر النائب عن فعل الامر: ضربا ضربا زيدا، او ضربا ثم ضربا زيدا.

وفي المصدر النائب عن فعل الدعاء : سقيا سقيا لك ، او سقيا ثم سقيا لك.

 وفي اسم فعل الامر : صه صه يا زيد، او صه ثم صه يا زيد.

قال الزرقاني ⁽¹⁾: وانما جاز العطف في التوكيد اللفظي دون الفاظ التوكيد المعنوي، لان التوكيد اللفظي لما كانت الفاظه متفقة اغتفر فيه العاطف، لأنه وان اكن يدل على المغايرة لكن الاتفاق ينفي ذلك، بخلاف الفاظ التوكيد المعنوي فانها لما كانت مختلفة كان الاتيان بالعاطف مقويا للمغايرة، فلذلك لم يجز الاتيان به فيها.

 ب – في الاسم المركب : وهو ذو ضروب ثلاثة : مركب تركيبا مزجيا، ومركب تركيبا اسناديا، ومركب تركيبا اضافيا.

 فأما المركب مزجيا، والمراكب اسناديا، كمعديكرب وتأبط شرا، فقد يستعمل في اسلوب انشائي عند ارادة الاغراء او التحذير.

 واما المركب تركيبا اضافيا، فانه يكون في اسلوب خبري، كقولك : اخوك اخوك يجب ان تحفظ حقه. وفي اسلوب انشائي، كقول مسكين الدارمي:

ص113

اخاك اهاك ان من لا اخا له        كساع الى الهيجا بغير سلاح

وذلك في اسلوب الاغراء. وكقول الفضل بن عبدالرحمن القرشي :

اياك اياك المراء فانه           الى الشر وللشر جالب

 وذلك في اسلوب التحذير، بناء على مذهب الخليل القائل بان لواحق (ايا) من الياء والهاء والكاف ومتصرفاتها، ضمائر لا حروف دالة عن التكلم والغيبة والخطاب ⁽²⁾، ونحو ذلك : ايهم ايهم عندك؟ وفي الاستفهام بدون العطف، وايهم ثم ايهم عندك، مع العطف.

وكقولك : ويحك ويحك يا زيد، وويلك ثم ويلك يا عمرو، وفي المصدر النائب عن فعل الدعاء مع عدم العطف ومع العطف.

 2-   التوكيد اللفظي في الفعل :

كما يكون التوكيد اللفظي في الافعال التي مضمونها معنى خبري، يكون ايضا في الافعال التي مضمونها معنى إنشائي.

 مثال الاول : قام قام زيد، اكد قام بتكراره مع تقدير خلو الثاني من الضمير، والا كان من قبيل الجمل. ومثله : صمت سكت زيد، بذكر المرادف.

ومثال الثاني : رحم رحم الله زيدا، قاصدا بذلك النشاء الدعاء، وكذا : رحم غفر الله لزيد، في المرادف. ومنه قول الشاعر :

 قال البغدادي في خزنة الأدب: (إن الأمر الثاني توكيد للأمر الأول

ص114

وتوكيد الضمير للضمير بالتبعية ضرورة، اذ لا يمكن انفكاكه عن الامر. ويجوز الامر ان يكون توكيده مقصودا فيكون من قبيل توكيد الجمل)

 قلت : ومثل هذا يقال في قول الشاعر ⁽⁴⁾ :

الا يا اسلمى ثم اسلمى ثمت اسلمى          ثلاث تخيات وان لم تكلمي

 3-   التوكيد اللفظي في الحروف.

 فمن الحروف التي تضمنت معنى انشائيا (هل)، تقول : هل هل قام زيد؟ وذلك في انشاء الاستفهام. وقال الكميت بن معروف في التوكيد مع العطف :

 ليت شعري هل ثم هل اتينهم          ام يحولن دون ذاك حمام⁽⁵⁾

ومنها (رب)، وهي تكون لانشاء التكثير كثيرا، ولانشاء التقليل قليلا. تقول : رب رب مجتهد ناجح، في التكثير ؛ ورب رب مولود وليس له اب ⁽⁶⁾، وفي التقليل.

 4-   التوكيد اللفظي في الجمل.

كما يكون التوكيد اللفظي في الجمل الخبرية يكون ايضا في الجمل الانشائية، سواء اكانت فعلية ام اسمية، وسواء اكانت طلبية ام غير طلبية.

ص115

وهذه بعض النماذج من التوكيد للانشاء الطبي في الجمل :

 في الامر : اكرم زيدا اكرم زيدا، لتكرم بكرا لتكرم بكرا. قال الشاعر :

قم قائما قم قائما قم قائما         انك لا ترجع الا سالما ⁽⁷⁾

 وفي النهي : لا تجازف لا تجازف. وقال تعالى في توكيد جملة النهي مع العطف : (لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب). ⁽⁸⁾

 وفي الدعاء : لا تدعنا يا الهي لا تدعنا ! اغفر لنا اغفر لنا !

 وفي الاستفهام : هل حان الوقت، هل حان الوقت؟ وفي التوكيد مع العطف : (وما ادراك ما يوم الدين. ثم ما ادراك ما يوم الدين). ⁽⁹⁾

 وفي النداء : يا زيد يا زيد، ومع العطف : يا زيد ثم يا زيد.

 وهذه نماذج اخرى من التوكيد في جمل الانشاء غير الطلبي :

في القسم : والله والله، او والله ثم والله لترحلن معنا.

 وفي المدح : نعم الرجل زيد نعم الرجل زيد، وبئس الرجل خالد بئس الرجل خالد.

 وفي افعال العقود : انت حر انت حر، يقولها الرجل في عتق مولاه.

هذا. والاكثر في التوكيد اللفظي ان يكون بالجمل، وكثيرا ما

ص116

يقرن التوكيد فيها بالعاطف ، وهو (ثم) خاصة، كما في التصريح. وجعل الرضى الفاء كثم.

قال الصبان : ان العطف في مثل هذا صوري لا حقيقي ؛ لان بين الجملتين تمام الاتصال، فلا تعطف الثانية على الاولى حقيقة كما صرح به علماء المعاني. ولان الحرف لو كان عاطفا حقيقيا كانت تبعية ما بعده لما قبله بالعطف لا بالتاكيد.

 المراجع :

ابن يعيش 3 :  39-46 الرضى 1 : 306-311 الشذور 520-524 ابن عقيل 2 : 168-170 التصريح 2 : 120 – 130 الاشموني والصبان 3 : 73-85 الهمع 2 : 122 – 125 الخزانة 1 : 465./2 : 352 الدسوقي علي المغني 1 : 146 الصاحبي 177 – 178.

ص117

______________________

(1) يس على التصريح 2 : 127.

(2) الاشموني 1 : 115.

(3) هذا البيت مع شهرته لم يعلم له قائل. الخزانة 2 : 353.

(4) حميد بن ثور في ملحقات ديوانه ص133.

(5) انظر ما سبق في ص58.

(6) ناظر الى قول القائل :

الا رب مولود وليس له اب        وذي ولد لم يلده ابوان

والواو في (وليس) واو الحال، من (مولود). وجعل المبرد الجملة صفة. ويسمى الزمخشري هذه الواو واو اللصوق، أي لصوق الصفة بالموصوف. وانظر الخزانة 1 : 397 – 398 بولاق.

(7) جاء في اللسان (نعش 248) : (المصدر اذا كان فعلا فقد يكسر على ما يكسر عليه فاعل، وذلك لمشابهة المصدر لاسم الفعل من حيث وقوع كل واحد منهما موقع صاحبه، كقولك : قم قائما ، أي قم قياما.

(8) الآية 188 من سورة ال عمران.

(9) الآية 17 ، 18 من سورة الانفطار.