أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-6-2022
1923
التاريخ: 22-5-2022
1830
التاريخ: 2024-08-07
245
التاريخ: 22-6-2018
3059
|
[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :
- مدركها من السنة .
- مدركها من قاعدة احترام الأموال .
- مفاد القاعدة .
- لا فرق في الضمان بين صورتي العلم والجهل .
- لا فرق بين ضمان العين والمنافع .
- حكم «المثلي» و«القيمي» .
- ملاك الفرق بين «المثلي» و«القيمي» .
اعلم ان هناك قاعدتان «قاعدة ضمان اليد» و«قاعدة حجية اليد».
والمراد من الثاني ان اليد دليل على الملك الا ان يثبت خلافه، وقد مر الكلام فيها مستوفى في المجلد الثاني من هذا الكتاب، وهي القاعدة الخامسة من القواعد التي تكلمنا فيها.
واما قاعدة ضمان اليد الذي نبحث الان عنها فهي عبارة عن كون اليد الغاصبة سببا لضمان صاحبها وان وقع التلف لمتلف سماوي أو ورد على المال نقص أو عيب وهكذا اليد الامينة إذا خرجت عن الأمانة بالتعدي أو بالتفريط ، فهي أيضا ضامنة.
والكلام فيها تارة عن ما يدل على ثبوتها واخرى عن محتواها، وثالثة عما يتفرع عليها.
المقام الأول: في مدرك القاعدة :
ويدل عليها أمور :
1- من السنة الرواية العامة المعروفة المستدل بها في كلمات علماء الفريقين وجميع الكتب الفقهية، التي يبحث فيها عن مسائل الضمان، وهي قوله صلّى اللّه عليه وآله : «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» .
ولكن لا توجد هذه الرواية في منابع الحديث وكتب الفقه من أصحابنا إلا مرسلا.
وممن رواه كذلك المحدث النوري في المستدرك في كتاب الغصب عن أبي الفتوح الرازي في تفسيره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله انه قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» «1».
وروي عن غوالي اللئالي مثلها «2».
ولكن الجمهور رووها مسندا في غير واحد من كتبهم عن «سمرة».
فقد روى ابن ماجه، في سننه في كتاب الصدقات في باب العارية، عن إبراهيم ابن المستمر ومحمد بن عبد اللّه ويحيى بن حكيم وابن أبي عدي جميعا عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» «3».
ورواه أحمد في مسنده بسنده عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» «4».
ورواه أيضا في موضع آخر من كتابه عن الحسن عن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ثمَّ ذكر مثله، فقال ثمَّ نسي الحسن قال لا يضمن «5»! ورواه البيهقي أيضا في السنن الكبرى بسنده عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ثمَّ ان الحسن نسي حديثه فقال هو أمينك لا ضمان عليه «6».
ورواه غيره أيضا من محدثيهم.
وهل المراد من نسيان الحسن الحديث هو نسيانه واقعا، أو رغبته عنه لضعفه؟
لهم كلام ذكره ابن تركماني في الجواهر النقي الذي طبع بهامش السنن الكبرى «7».
وكان الحسن توهم شمول الحديث لموارد الامانة من العارية وغيرها (و قد رواه غير واحد منهم في باب العارية) ولكنه توهم فاسد كأسد كما سيأتي إنشاء اللّه تعالى.
وضعف إسنادهم غالبا عندنا، وخصوص هذا الحديث لرواية سمرة بن جندب الذي هو من أفسق الناس وروايته مشهورة في مخالفة النبي صلّى اللّه عليه وآله مذكورة في بحث لا ضرر، وموقفه من معاوية وجعل الأحاديث، وحضوره مع قتلة الحسين عليه السّلام في كربلاء وشبه ذلك معروف.
ولكن شهرتها تغني عن البحث عن سندها، والاستدلال بها في كتب الفريقين وإرسال الفقهاء له إرسال المسلمات وموافقته للسيرة العقلائية وغير ذلك مؤيدة لها.
فقد استدل «شيخ الطائفة» قدس سره به في كتاب الغصب في المسألة 22 من الخلاف في من غصب ساجة فبنى عليها، ثمَّ ذكر حديث سمرة، ثمَّ قال وهذه يد قد أخذت ساجة فعليها أن تؤديها والاستدلال بها في الكتب الفقهية والاستدلالية كثيرة مشهورة.
وفي معناه ما روي عن طرقهم أيضا مسندا عن عبد اللّه بن سائب ابن يزيد عن أبيه عن جده عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جدا، فإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها اليه «8».
دل على ان أخذ مال الغير سواء كان عن لعب أوجد يوجب رده الى صاحبه.
2- ويدل عليه أيضا الروايات الخاصة الواردة في أبواب العارية والإجارة والمضاربة والرهن وغير ذلك ، مما يدل على ان المستعير أو المستأجر أو العامل أو المرتهن إذا حصل منه التعدي أو التفريط فهو ضامن لتلف العين وليس ذلك إلا لأن يده تنقلب الى يد غير امينة، فلا يشمله حكم برأيه الأمين عن الضمان، فينطبق على ما نحن فيه وهو كون الضمان على صاحب اليد الا ان يؤديه إلى مالكه.
وهذه الروايات كثيرة جدا وحيث نبسط القول فيها عند الكلام في القاعدة الاتية ونذكر ان هناك طوائف كثيرة من الروايات ونذكر نموذجا من كل طائفة وهي قاعدة عدم ضمان الأمين فنصرف النظر عن ذكرها الان ونوكل أمرها إلى تلك القاعدة.
وهذه الروايات وان وردت في موارد خاصة الا انه يمكن استفادة العموم منها بلا اشكال بعد إلغاء الخصوصية منها قطعا.
أضف الى ذلك ان فيها تعليلات أو ما يشبه التعليل الذي يستفاد منها ان حكم الضمان وعدم الضمان يدور مدار الامانة والغصب فاذا كانت الأيدي غير امينة كانت ضامنة حتى تؤديه.
والحاصل ان جميع ما سيأتي إنشاء اللّه في القاعدة التالية من عدم ضمان الأمين يدل بمفهومها على ان غير الأمين ضامن.
فاذا لا يختص الدليل على قاعدة على اليد بخصوص الرواية المرسلة المشهورة النبوية، بل الدليل عليه كثير وما أكثره، ولكنها متفرقة في مختلف أبواب الفقه لو جمعت كان كتابا مستقلا.
3- مما يدل قويا على قاعدة اليد قاعدة «احترام مال المسلم» بما عرفت له من المعنى في مبحث قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فإن الأصل فيها وفي قاعدة اليد وغيرهما من أشباههما هو ان مقتضى السلطنة على المال عدم جواز تصرف غيره فيه من دون اذنه، فلو تصرف فيه وتسلط عليه فتلف كان ضامنا، والا انتهكت الحرمة للمال.
وبالجملة حرمة مال المسلم بل وغير المسلم الملحق به، كحرمة دمه، ولا يكون هذا مجرد حرمة تكليفية كما ذكره بعض الأكابر، بل حرمة وضعية أيضا، وكيف يكون المال محترما ولا يجب تداركه عند التلف في غير يد مالكه بغير اذنه، وبالجملة التدارك للفائت من شؤون احترام المال وبدونه لا يعد محترما قطعا وتمام الكلام في هذا ذكرناه في مبحث قاعدة ما يضمن فراجع.
4- ويدل عليه أيضا بناء العقلاء فإنهم لا يزالون يحكمون بضمان من استولى على شيء بغير حق ثمَّ تلف عنده ولو لم يكن عن تعد أو تفريط، فاذا غصب غاصب حيوانا فهلك، أو دراهم أو دنانير فسرق، أو ألبسه فخرقت، أو غنما فأكله الذئب، فإن الحكم بالضمان في جميع ذلك مفروغ عنه عندهم، وحيث ان الشارع لم يردع عنه بل أمضاه عملا وقولا فهو ثابت في الشرع أيضا.
نعم هنا بعض أنواع التلف مما يكون بعلة عامة، يخفى الضمان فيها عند العقلاء مثل ما إذا غصب غاصب دارا فوقعت الزلزلة في كل البلد فانهدمت جميع دوره أو كثير منها وانهدم هذا الدار المغصوب في ضمنها، لا سيما إذا كان الدار قبل ذلك في يد المتصرف فيه بإذن منه كالإجارة والعارية ثمَّ مضى وقته وقصّر في رده الى صاحبه فوقعت الزلزلة، أو اصابه مطر شديد وجرت السيول فانهدم بها أو ما أشبه ذلك مما لا يختص بهذا الدار ولا تفاوت فيه بين ان يكون بيد المالك أو غيره.
وأوضح منه ما إذا لم يكن التصرف حراما عليه بسبب الجهل كمن أخذ مال غيره جاهلا فتلف في يده بسبب عام من غير تعد ولا تفريط، فان الحكم بالضمان في جميع ذلك عند العقلاء غير ثابت وان كان بعض هذه المصاديق أوضح من بعض.
ولم نجد إلى الا ان تصريحا بهذا في كلماتهم، وهل إطلاق فتاواهم وإطلاقات أدلة الضمان تشمل مثل هذا أو لا يشمل؟ بل هي منصرفة عنه، لا سيما إذا لم يكن التصرف فيه محرما عليه لجهله أو نسيانه أو غير ذلك؟ لا يخلو عن تأمل.
ولعله قد يتوهم دلالة ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمن الصباغ والقصار والصائغ احتياطا على أمتعة الناس، وكان لا يضمن من الغرق والحرق والشيء الغالب «9» على المطلوب.
ولكنه أجنبي عما نحن فيه فان هذه الاجراء أمناء، ولكن إذا شك في مقام الإثبات ولم يعلم صدق دعواهم في التلف بغير تفريط لا بد من قيام قرينة عليه فان كانوا ثقات فهو قرينة على ذلك، وكذا إذا أقاموا بينة عادلة، وان وقع غرق أو حرق أو شيء غالب وأخذ العين المستأجرة في خلال أموالهم وأموال غيرهم فهو أيضا قرينة على المطلوب، وسيأتي الكلام فيه مستوفى إنشاء اللّه في القاعدة التالية وهي قاعدة عدم ضمان الأمين، فلا يمكن الاستدلال به على ما هو كل الكلام فتأمل.
المقام الثاني : مفاد القاعدة :
وقبل كل شيء لا بد من تحليل الرواية المرسلة المشهورة: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» لما عرفت من انجبار ضعف سندها بعمل المشهور من الفريقين فنقول ومنه سبحانه التوفيق:
الموصل في قوله «ما أخذت» عام يشمل كل شيء كما ان اليد عامة تشمل اليد الامينة والخائنة ، ولكن سيأتي استثناء اليد الامينة منها إذا لم يحصل منها تعد أو تفريط.
ومن الواضح ان اليد هنا كناية عن السلطة على شيء لا الجارحة المعروفة ، فإنها لما كانت سببا للسلطة على الأشياء غالبا صارت كناية عن هذا المعنى فلو حصلت السلطة بغير اليد فلا شك انه داخل في القاعدة.
كما ان «الأخذ» ليس المراد به الأخذ الخارجي باليد أو غيرها، بل التسلط على شيء ولو لم يكن بأخذه.
ومن هنا يعلم ان كلمة «على اليد» خبر مقدم و«ما أخذت» مبتدأ مؤخر، وان الجار والمجرور متعلقان بفعل مقدر وهو «يستقر» أو ما يشبهه وهو ظرف مستقر.
واما لفظة «على» فهي للاستعلاء كما هو الأصل فيها، فكأن الأشياء المأخوذة تستقر على يد آخذها، ويكون ثقلها عليها ما لم تؤدها الى صاحبها، فهذا الثقل باق عليه الا ان يردها، ومعنى كون ثقلها عليها هو ضمانها فهو كناية لطيف عن الضمان.
كما قد يقال: «ان هذا على عنقي، أو على عاتقي فكأنه حمل حمله على عنقه أو على عاتقه، وثقله عليه، حتى يخرج من ضمانها، حتى انه إذا تلف لا يرتفع ثقلها عنه بل يبقى في عالم الاعتبار حتى يؤدي مثلها أو قيمتها، فإنه أيضا نوع أداء للعين عند تلفه، لقيام المثل أو القيمة مقامه.
وقد يقال انه «في ذمتي، أو على ذمتي» فتارة تفرض الذمة كوعاء ويستقر العين فيه، وربما تتصور كمحمول يحمل عليه العين وعلى كل تقدير كل هذه كنايات عن الضمان.
بقي هنا أمور :
الأول: لا فرق في مسئلة الضمان هنا بين العلم والجهل
فلو لم يكن مأذونا من قبل المالك وتلف في يده كان ضامنا، وذلك لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه وآله «على اليد ما أخذت.» لعدم وجود قيد فيه من هذه الجهة، هذا «أولا».
و«ثانيا» إطلاق سائر الأدلة والروايات الواردة في المسئلة أيضا دليل على المقصود.
و«ثالثا» قاعدة احترام المال أيضا تقتضي ذلك من دون اي فرق.
و«رابعا» لا فرق في السيرة العقلائية بين الصورتين.
أضف الى ذلك كله ما ورد في بعض الروايات الخاصة التي يلوح منها عدم الفرق بين الجاهل والعالم، مثل ما رواه علي بن مزيد (علي بن فرقد) صاحب السابري قال اوصى الي رجل بتركته فأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هي شيء يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه- الى ان قال- فلقيت جعفر بن محمد عليهما السّلام في الحجر فقلت له رجل مات واوصى الي بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج، فسالت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها، فقال ما صنعت قلت تصدقت بها، قال: ضمنت! الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان وان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن «10».
وفي معناه روايات اخرى وردت في نفس ذاك الباب.
وهي وان كانت واردة في مورد الإتلاف، الا ان الظاهر عدم الفرق بينه وبين التلف من هذه الجهة، فلو كان تصرفه فيه بغير اذن مالكه جهلا منه بذلك سواء كان عن تقصير أو قصور، فتلف عنده فهو له ضامن (فتأمل).
الثاني: لا شك في الضمان إذا كان التلف مستندا الى كونه في يده واستيلائه عليه،
بحيث لو كان عند مالكه بما اصابه هذه المصيبة والتلف السماوي، فهو وان لم يكن متلفا له ولكن كان يده عليه من معداته، وكذا إذا لم يعلم كون التلف مستندا الى هذا أو الى سبب عام لا تفاوت فيه بين استيلاء المالك عليه واستيلاء الغاصب.
اما لو كان السبب من الأسباب العامة الظاهرة على كل احد كوقوع زلزلة أو اصابة صاعقة، أو غرق أو حرق عام، لا يتفاوت فيه الحال بين أبناء البلد، فذهب بأموال المالك وأموال الغاصب كليهما ومن جملتهما هذا المال الموجود في يد الغاصب بحيث لا يكون استيلاء الغاصب أية مدخلية في التلف ولا سيما إذا لم يصدق عليه عنوان الغاصب، وان كان غير مأذون كالجاهل فظاهر إطلاقات كلماتهم وفتاواهم هنا شمول على اليد له أيضا لأنا لم نجد من فرق بينهما وان لم نجد من صرح بالإطلاق أيضا.
وقد مر الكلام فيه وانه لم نجد لهم كلاما فيه.
نعم يظهر التفصيل من بعض كلمات لا بالنسبة إلى نفس العين ولا منافعه المستوفاة، بل بالنسبة إلى المنافع غير المستوفاة، فإنه قال :
نعم هذه القاعدة (قاعدة التفويت) لا تجري بالنسبة الى جميع أقسام المنافع غير المستوفاة وتكون مخصوصة بما إذا كان عدم الاستيفاء مستندا الى تفريطه، لا إلى آفة سماوية، فلو غصب بستانا مثلا أو دابة كذلك، وكان عدم استيفاء الغاصب لمنفعة ذلك البستان، أو تلك الدابة لوصول آفة سماوية إليهما، لا لحبس الغاصب لما على مالكهما، فلا تجري هذه القاعدة ولا يمكن القول بالضمان لأجل قاعدة التفويت انتهى «11».
وكلامه وان كان في قاعدة التفويت (اي تفويت منافع الملك) ولكن الظاهر انه لو تمَّ كلامه فيها فلا بد من القول به في العين أيضا وفي قاعدة على اليد لعدم الفرق بينهما في هذه الجهة والدليل فيها هو الدليل في المنافع.
والظاهر ان بناء العقلاء الذي هو الأصل في هذه القواعد على ذلك أيضا أعني الفرق بين الصورتين، فاذا يمكن التفصيل في المسألة بين الآفات العامة وغيرها.
ولكن الجرأة على هذا الحكم مع إطلاق الروايات والفتاوى، وعدم تعرض احد من الأصحاب فيما رأينا للتفصيل مشكل جدا وان كان الحكم بالإطلاق أيضا لا يخلو عن اشكال، والمسألة تحتاج الى مزيد تأمل وتحقيق واللّه الهادي إلى سواء الطريق.
الثالث: لا فرق بين ضمان العين والمنافع سواء كان مستوفاة أو غير مستوفاة.
أما المنافع المستوفاة فالمعروف بينهم ضمانها ولا ينبغي الشك فيها، فلو غصب دارا وسكنها فعليه اجرة مثل منافعه التي استوفاها أو غصب دابة فركبها.
ويدل على ذلك جميع ما يدل على ضمان نفس العين، بل المنافع داخلة في قوله «على اليد ما أخذت» فإن الأخذ صادق بالنسبة إلى المنافع أيضا ولو بتبع أخذ العين، كما ان التسليم للمنافع في باب الإجارة انما هو بتسليم العين المستأجرة، وتوهم ان قوله «حتى تؤديه» لا يشملها باطل لأن أداء المنافع انما هو بأداء العين.
وكذلك قاعدة احترام مال المسلم شاملة لها لان المنافع المستوفاة أيضا من الأموال.
وهكذا لا فرق في السيرة العقلائية بين العين والمنفعة.
أضف الى ذلك كله وقوع التصريح به في بعض نصوص الباب كما في صحيحة أبي ولاد عن الصادق عليه السّلام فإنه ذكر في جواب ابي ولاد الحناط الذي اكترى بغلا ثمَّ جاوز به عن الشرط، فذهب به من الكوفة إلى النيل، ومن النيل الى بغداد، ومن بغداد إلى الكوفة، فقال: «ارى له عليك مثل كراء بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ومثل كراء بغل راكبا من النيل الى بغداد، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة، توفيه إياه» «12».
ومثله ما ورد عنه عليه السّلام بطرق عديدة في نفس ذاك الباب «13».
فهذا كله دليل على ضمان المنافع المستوفاة بلا ريب.
واما المنافع غير المستوفاة فالمحكي عن المشهور أيضا الضمان فيها، وهو الموافق لقاعدة احترام مال المسلم، فمن غصب دارا من غيره ولم يسكنه فقد أتلف منافعه على مالكه، وحرمة هذه المنافع تقتضي تداركها بأجرة مثلها، وكذلك من غصب مركبا أو لباسا أو غير ذلك.
ويدل عليه أيضا سيرة العقلاء، فإنهم لا يشكون في وجوب اجرة المثل على الغاصب للدار وان لم يسكنه، وكذا غيره من أشباهه، وحيث لم يمنع منها الشارع فهو اجازة لهذا البناء المستمر.
بل يمكن القول بدلالة قوله صلّى اللّه عليه وآله «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» عليه، فان المنافع ولو كانت بالقوة يكون أخذها بتبع أخذ العين، وإذا مضى وقتها ولم يستوفها يصدق أنه أتلفها فتأمل.
وبالجملة لا ينبغي الشك في ضمان المنافع بكلا قسميها.
انما الكلام في انه إذا كان للعين منافع مختلفة تتفاوت بحسب القيمة، مثل السيارة أو المراكب الأخرى، تارة تحمل عليها الأثقال والأحمال، واخرى يركبها الإنسان وقد يكون كرائها في الثاني أكثر من الأول أو بالعكس، فاذا كان هناك سيارة قابلة لكلتا المنفعتين فغصبها غاصب ولم يستوف منافعها، فهل هو ضامن لأكثر الأمرين؟
أو لاقلهما ؟ أو يكون المالك بالخيار؟
الظاهر هو الأول لأن جميع ما عرفت من الأدلة الدالة على ضمان المنافع غير المستوفاة تدل على أكثر الأمرين، لصدق تفويت الأكثر عليه، ولكون الأكثر مأخوذا بتبع العين، ولقاعدة احترام مال المسلم، ومن أمواله منافعه، والمفروض ان العين هنا قابل للمنفعة التي هي أكثر.
الرابع: لو تلف المال وكان مثليا وجب مثله كما انه لو كان قيميا وجب قيمته.
وهذا الحكم هو المشهور بين فقهائنا حتى ادعي الإجماع عليه.
والعمدة فيه ان الواجب على الغاصب أداء العين، فاذا لم يمكن أداء العين فالواجب عليه الأقرب فالأقرب، ومن الواضح ان المثل في المثلي أقرب الى العين من كل شيء، لاشتماله على مالية العين مع كثير من أوصافه، فمهما أمكن التدارك بالمثل كان واجبا، وهذا هو المستفاد من قوله «على اليد ما أخذت حتى تؤديه».
وكذلك هذا هو مقتضى قاعدة احترام مال المسلم- الى غير ذلك من الأدلة التي مرت عليك.
نعم إذا لم يوجد له مثل أو كان متعسرا لم يجب عليه الا أداء ماليته، لأنه الأقرب إليه من كل شيء، والظاهر ان هذا هو الذي جرت عليه سيرة العقلاء الممضاة من قبل الشارع المقدس.
هذا ولكن المهم تعيين ضابطة الفرق بين المثلي والقيمي، ولهم هنا تعاريف كثيرة لا يهمنا بيان جميعها والبحث عما يرد عليها.
والحق ان يقال: انه لم يرد هذان العنوانان في لسان دليل شرعي، عدا ما يتوهم من دلالة قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ولكن الظاهر ان الآية أجنبية عن المقام، بل هي ناظرة إلى مسئلة القتال في الأشهر الحرم، والى قصاص النفس، ولذا عبّر فيها بالتعدي في الجانبين، ومن الواضح ان مسئلة الضمان بالتلف ليس من هذا القبيل، ويظهر ما ذكرنا لمن راجعها ولاحظ ما قبلها وما بعدها من الايات.
وكذا لم يرد في معقد إجماع وان ادعاه شيخنا العلامة الأنصاري في مكاسبه، ولو سلمنا الإجماع على ذلك فالظاهر انه ليس إجماعا تعبديا بل هو مأخوذ من بناء العقلاء في أبواب الضمانات كما مر وسيأتي الإشارة إليه أيضا.
نعم ورد التعبير بالمثل في صحيحة أبي ولاد المشهورة، حيث قال الصادق عليه السّلام «ارى له عليك مثل كراء بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل، ومثل كراء بغل راكبا من النيل الى بغداد، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه» «14».
ولكن من الواضح انها أيضا أجنبية عن المقام بل هي ناظرة إلى أجرة المثل كما هو واضح.
وحينئذ لا يبقى مجال للبحث عن تعريف المثلي تارة بأنه «ما تماثلت اجزاؤه وتقاربت صفاته» (كما عن التحرير) أو انه «ما تتساوى اجزائه في الحقيقة النوعية» (كما عن غاية المراد) أو انه «المتساوي الاجزاء والمنفعة المتقارب الصفات» (كما عن الدروس) أو «ما يجوز بيعه سلما» (كما عن بعض العامة) أو «ما قدر بالكيل والوزن» (كما عن بعض آخر منه) الى غير ذلك، ثمَّ البحث عن ما يرد عليها نقضا وعكسا وكذا الكلام بالنسبة إلى القيمي الذي هو مقابله.
وذلك لما عرفت من انه فرع ورود هذا العنوان في لسان دليل شرعي أو معقد إجماع معتبر.
ومن الجدير بالذكر ان شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره لما لم يجد لشيء من هذه التعاريف ملاكا واضحا التجأ إلى الأخذ بالقدر المتيقن بعد ما اعتقد بورود العنوانين في معتقد إجماع معتبر فقال:
«كلما ثبت كونه مثليا بالإجماع كان مضمونا بالمثل، وكلما كان قيميا كذلك كان مضمونا بالقيمة» ثمَّ تكلم في موارد الشك مثل الذهب والفضة المسكوكين والحديد وما أشبهه من الفلزات، والعنب والرطب وغيرها، وان مقتضى الأصل
كونها قيميا أو مثليا أو تخيير الضامن أو تخيير المالك.
ولكن الإنصاف انه ليس لنا هنا معيار أوضح من الرجوع الى بناء العقلاء في أمثال المقام، ويظهر من الرجوع إليهم ان كلما يوجد له مثل متقارب الصفات بسهولة ولا يكون من الشواذ التي لا تصل الأيدي اليه نادرا فحينئذ يحكمون بوجوب تحصيل المثل على الضامن الا ان لا يكون المطلوب فيها إلا المالية كالنقود الرائجة ولم ينكر الشرع هذا البناء.
والحاصل ان الأعيان على ثلاثة أقسام:
قسم لا يطلب منها الا المالية، كالاوراق التي تستعمل بعنوان النقد الرائج في زماننا فلو تلف شيء منها عند الضامن أو أتلفه فليس عليه الا أداء ما يعادله بحسب المالية فيجوز إعطاء عشرة في مقابل واحد إذا كان مجموعها يعادله، كعشرة دنانير في مقابل ورقة تعادل عشرة.
وقسم منها يطلب منها المالية والصفات أيضا وهو على قسمين :
ما يوجد له مثل غالبا يشتمل على أكثر صفاته، وبنائهم فيه على أداء المثل.
وقسم منها قل ما يوجد له مثل يشتمل على أغلب صفاته ففيه يكون الضامن مكلفا بأداء القيمة فقط.
ومن هنا يظهر بسهولة انهما يختلفان باختلاف الأمكنة والأزمنة فرب شيء يكون مثليا في مكان وقيميا في مكان آخر، أو مثليا في زمان وقيميا في زمان آخر.
والظاهر انه ليس المدار على الأشخاص، بل المدار على نوع المكلفين ونوع الأجناس، فلو وجد للقيمي مثل أحيانا أشكل إلزام الضامن بأدائه، كما انه لو اختار الضامن المثل حينئذ يشكل إلزام المالك بقبوله، فان هذه الاحكام لا تدور مدار الافراد.
ولكن مع ذلك كله لا ينبغي الشك انه قد تقع الشبهة في تشخيص مصاديقهما ويكون لها مصاديق مشكوكة كما هو الحال في جميع المفاهيم العرفية والشرعية فإن هناك مصاديق معلومة الدخول، ومصاديق معلومة الخروج، ومصاديق مشكوكة في كل عنوان.
ولا يبعد تخيير المالك في جميع ذلك، لان الأصل اشتغال الذمة ولا تحصل البراءة الا به، ولكن هنا أقوال أو احتمالات أخر تعرضوا لها في الكتب الفقهية والأولى إيكال البحث عنها الى محلها.
وكذلك بالنسبة إلى صورة تعذر المثل في المثلي، أو إذا لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل، أو غير ذلك من احكام «بدل الحيلولة» وغيرها لأنها محررة في كتاب البيع من الفقه.
وهكذا الكلام بالنسبة إلى القيمة في القيمي وان المدار فيه على قيمة يوم الضمان أو يوم التلف، أو يوم الأداء، أو أعلى القيم، أو يوم إعواز المثل، فيما إذا كان المثل موجودا من قبل ثمَّ أعوز أو غير ذلك.
تمَّ الكلام في قاعدة ضمان اليد يوم الثلاثاء 3/ الربيع الأول من سنة 1405 .
_______________
(1) مستدرك ج 3 كتاب الغصب ص 145.
(2) مستدرك ج 3 كتاب الغصب ص 146.
(3) سنن ابن ماجه ج 2 ص 802.
(4) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 8.
(5) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 13.
(6) السنن للبيهقي ج 6 ص 90.
(7) السنن للبيهقي ج 6 ص 90.
(8) السنن للبيهقي ج 6 ص 100.
(9) الوسائل ج 13 أبواب أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 6.
(10) الوسائل ج 13 أبواب أحكام الوصايا الباب 37 الحديث 2.
(11) العلامة البجنوردى في قواعده ج 4 ص 56.
(12) الوسائل ج 13 أبواب أحكام الإجارة الباب 17 الحديث 1.
(13) راجع كتاب الإجارة الباب 17 الحديث 2 و4.
(14) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 17 الحديث 1.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|