المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



قاعدة « حجيّة الظنّ في الصلاة » (*)  
  
151   09:41 صباحاً   التاريخ: 19-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص265 - 276.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / حجية الضن في الصلاة /

ومن القواعد الفقهية المعروفة قاعدة « حجيّة الظنّ في الصلاة ».

والبحث فيها من جهات :

الجهة الأولى

في مدركها‌ :

وهو أوّلا : الإجماع ، وقد ادّعاه في الجملة جماعة ، وإن قلنا مرارا إنّ دعوى الإجماع في أمثال هذه المسائل ممّا لها مدارك نقليّة لا وجه له أصلا ، وليس من الإجماع المصطلح الأصولي الذي أثبتناه هناك حجّيته.

وثانيا : الأخبار المستفيضة ، وفيها صحاح :

فمنها : النبوي العامي « إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أيّ ذلك أحرى إلى الصواب فليبن عليه » (1).

والنبوي الآخر « إذا شكّ أحدكم فليتحرّ » (2).

والاحتمالات في هذا الحديث أربعة :

الأوّل : أن يكون المراد من الشكّ في الصلاة هو الشكّ في إتيان الصلاة وامتثال أمرها.

الثاني : أن يكون المراد منه الشكّ في عدد الركعات.

الثالث : أن يكون المراد منه هو الشكّ في أفعال الصلاة وأجزائها.

الرابع : أن يكون المراد الأعمّ من الأفعال ومن الركعات.

والإنصاف أنّ الظاهر من النبوي الأوّل هو هذا المعنى. وأمّا النبوي الآخر على فرض أن يكون حديثا آخر فالظاهر هو أن يكون المراد منه أيضا هذا المعنى ، أي إذا شكّ في عدد الركعات أو الأفعال فيجب التحرّي عن المشكوك.

هذا بناء على أن يكون متعلّق الشك فيه أيضا هو الصلاة ، وإلاّ فلا يخلو عن إجمال. وأمّا الاحتمال الأوّل ـ وهو أن يكون المراد من الشكّ في الصلاة هو الشكّ في أصل إتيان الصلاة وامتثال أمرها ـ وإن كان موجبا للخروج عن محلّ البحث ، ويكون الحديث بناء عليه غير مرتبط بالمقام ، ولكن الاحتمال بعيد ، وذلك لعدم حجّية الظنّ في مقام الامتثال ، وهذا واضح جدا.

اللهمّ إلاّ أن يقال : بأنّ الشارع جعل الظنّ حجيّة في مقام الامتثال ، كما أنّه قيل بناء على الكشف وتماميّة مقدّمات الانسداد ، ولكن هذا يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

ومنها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام ، قال عليه السلام : « إن كنت لا تدري كم صلّيت ، ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (3).

ومفهوم هذه الصحيحة هو أنّه لو وقع وهمك على شي‌ء أي وقع ظنّك على أحد طرفي المحتملين، فلا تجب الإعادة.

وذلك من جهة أنّ المراد من الوهم لا بدّ وأن يكون هو الظنّ ، أي : المحتمل الراجح ، لأنّ العلم أوّلا لا يعبّر عنه بالوهم ، وثانيا حجّية العلم ذاتي ومعلوم ، فلا يحتاج إلى التفصيل.

ولا يمكن أن يكون المراد هو الشكّ المتساوي الطرفين ، لأنه موضوع التفصيل والسؤال والوهم بمعنى مرجوحيّة المحتمل لا يناسب هذا التفصيل الظاهر من المنطوق والمفهوم قطعا ، فلا بدّ وأن يكون المراد منه الظنّ وهو يناسب المقام وهذا التفصيل ، لأنّ معنى الصحيحة وما يحصل منها بناء على هذا هو أنّه إن كان الشكّ والترديد متساوي الطرفين ، ولم يحصل ترجيح لأحد المحتملين فتجب الإعادة.

وأمّا إن كان أحد المحتملين مظنونا ، وحصل ترجيحه على الطرف الآخر فلا تجب الإعادة ، بل يبني على ما ظنّه ، وهذا عين حجية الظنّ في عدد الركعات ، لأنّ متعلّق عدم الدراية هو عدد الركعات في المنطوق ، والمفهوم تابع له في الموضوع والمورد ، فهذه الصحيحة لا إطلاق لها يشمل حجّية الظنّ في الأفعال.

ومنها : خبر عبد الرحمن بن سيابة ، وأبي العباس : « إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلى ركعتين وأنت جالس » .

ولا شكّ في أنّ قوله عليه السلام : « ووقع رأيك على الثلاث » وهكذا قوله عليه السلام : « وإن وقع رأيك على الأربع » المراد بوقوع الرأي على الثلاث ووقوع الرأي على الأربع هو الظنّ لا العلم ، بقرينة قوله عليه السلام مقابل هذين القسمين « وإن اعتدل وهمك » لأنّ مقابل الاعتدال ، عدم الاعتدال ، وعدم الاعتدال حسب المتفاهم العرفي هو عبارة عن ترجيح أحد الطرفين لا البتّ في طرف.

فلو كان وقوع الرأي قابلا في حدّ نفسه لانطباقه على العلم ، ولكن بهذه القرينة‌ لا بدّ من حمله على الظنّ ، ثمَّ إنّه من الواضح أنّه لا خصوصية للمورد في هذه الرواية ، فأيّة خصوصيّة يحتملها المستنبط في مقام الاستنباط للشكّ بين الثلاث والأربع ، فالحكم عامّ في أيّ شكّ كان ، بل في أيّ صلاة كان.

وحاصل الكلام : أنّ مفاد هذه الرواية هو أنّ الشكّ إذا لم يكن متساوي الطرفين وكان خارجا عن الاعتدال بأن وقع ظنّه على أحد طرفي الشكّ كان ذلك ثلاثا أم أربعا يبني عليه ، وهذا معناه حجّية الظنّ ، وبإلغاء خصوصية المورد يجري في كلّ شكّ في كلّ صلاة ، ثنائيّة كانت أو ثلاثيّة أو رباعيّة ، وفي الرباعيّة ، كان في الأوليين أو كان في الأخيرتين.

ومنها : خبر الحلبي : « وإن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ، ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس » .

وتقريب دلالته على حجية الظنّ في عدد الركعات مثل تقريب دلالة خبر عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس البقباق ، وأيضا بإلغاء الخصوصيّة يكون الحكم عامّا.

ومنها : صحيحة الحلبي « إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ، ثمَّ صلّ ركعتين ».

وهذا الأخبار بعد إلغاء خصوصيّة المورد ، دلالتها على اعتبار الظنّ في عدد الركعات في الجملة واضحة.

وأمّا سند النبوي وهو إن كان عاميا ولكن اشتهاره بين فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ وذكره في كتبهم وفي مدارك فتاويهم يوجب جبر ضعفه والوثوق بصدوره الذي هو موضوع الحجّية.

وأمّا الروايات المرويّة عن الأئمّة الأطهار فمعتبرة ، وقد عمل بها الأصحاب وقد عرفت أنّ بعضها صحيحة ، فإذا كان لها إطلاق يجب الأخذ به حتّى يثبت التقييد.

الجهة الثانية

في أنّ الظنّ هل هو معتبر في الأوليين ،

أم يختصّ اعتباره بالأخيرتين من الرباعيّة ‌:

والحقّ اعتباره مطلقا ، سواء أكان في الثنائيّة أو الثلاثيّة أو الرباعية ، وفي الأخير سواء كان في الأوليين أو كان في الأخيرتين.

وذلك من جهة أنّ ما قيل في وجه عدم اعتباره في الأوليين هو أنّه لا بدّ فيهما من الحفظ واليقين والدراية والسلامة ، وهذه العناوين الأربعة المأخوذة في لسان الدليل لا يمكن تحصيلها بالظنّ ولا تتحقق به.

وفيه : أنّ المراد بهذه الأربعة معنى واحد ، وكلّها يرجع إليه ، وهو اليقين.

وبعبارة أخرى : الحكم بصحّة الصلاة في أيّة صلاة موقوف على اليقين بسلامة الأوليين ، ولكن الظاهر أنّ اليقين المأخوذ في موضوع الحكم بالصحّة مأخوذ على وجه الطريقيّة لا الصفتيّة ، بل قلنا في مبحث حجّية القطع من كتابنا « المنتهى » أنّه لا يوجد في الشرعيّات مورد يكون القطع مأخوذا في موضوع الحكم الشرعي على نحو الصفتيّة حتّى في الشهادة.

فإنّ اليقين المأخوذ في موضوع وجوب أو جواز أدائها هو على نحو الطريقية لا الصفتيّة ، ولذا يقوم مقام الاستصحاب. وقد بيّنّا هناك ـ أي في مبحث حجية القطع ـ أنّ الأمارات والأصول التنزيليّة تقوم مقام القطع الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقيّة لا الصفتيّة.

فإذا كان اليقين المأخوذ في موضوع الحكم بالصحة على نحو الطريقيّة ، وكان المراد من قوله عليه السلام « إذا سلّمت الأوليان سلّمت الصلاة » هو اليقين وإحراز سلامتهما ، وكذا المراد من الدراية والحافظ هو اليقين بتحقّق الأوليين ، وكان اعتبار الظنّ من جهة أنّ الشارع جعله أمارة على وجود المظنون فيقوم مقام ذلك القطع المأخوذ في موضوع الحكم بالصحّة.

ويدلّ على أماريّته قوله صلى الله عليه واله : « إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أيّ ذلك أحرى إلى الصواب فليبن عليه ».

وكذلك النبوي الآخر : « إذا شكّ أحدكم فليتحرّ » ظاهر في أنّ الأحرى إلى الصواب طريق إلى ما هو الصواب ، وهكذا الأمر بالتحرّي لا يبعد أن يكون من جهة تحصيل الظنّ بالعدد ، لأنّ تحصيل العلم غالبا في مورد الشكّ غير ممكن ، فهو صلى الله عليه واله جعل طريقا لرفع الشكّ تعبّدا.

فتكون هذه الأدلّة التي تدلّ على حجّية الظنّ حاكمة على الأدلّة التي مفادها إعادة الصلاة في الثنائية مطلقا ، سواء كانت مستقلّة كفريضة الصبح ، أو كانت الأوليين من الرباعيّة وكذلك الثلاثية كصلاة المغرب.

والحاصل : أنّه يستفاد من هذا الحديث الشريف أنّ الشارع الأقدس جعل الظنّ أمارة لعدد الركعات.

وأمّا الضعف في سند الحديث فقد تكلّمنا فيه فلا نعيد ، وكذلك الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار : تدلّ على أماريّته ، كما هو يظهر بأدنى تأمّل ، فحكمه عليه السلام ـ بالأربع بذهاب الوهم إليه وكذلك بالثلاث بذهاب الوهم إليه ـ دليل واضح على أنّه جعل الظنّ بالثلاث أو الأربع أمارة عليهما ، ومعلوم أنّ الظنّ إذا كان أمارة يقوم مقام اليقين الذي أخذ موضوعا للحكم بالصحّة في الأوليين من الرباعيّة ، وكذلك في الثنائيّة المستقلّة كصلاة الصبح ، والثلاثيّة كصلاة المغرب.

هذا ، مضافا إلى أنّه لم ينقل خلاف في هذا الحكم إلاّ من ابن إدريس (4) قدس سرّه وحكى صاحب الجواهر دعوى إجماعات من جمع (5) ، وهو ; أصرّ إصرارا بليغا على قيام الظنّ في هذا المورد ـ أي في عدد الركعات ـ مقام العلم حتّى أنّه حكى عن نفس ابن إدريس الذي كان مخالفا في هذه المسألة الاعتراف بقيام الظن مقام العلم في الشرعيّات عند تعذّره (6).

والحاصل : أنّه ينبغي أن يعدّ حجّية الظنّ في عدد الركعات مطلقا في الرباعيّة وفي الثنائيّة من المسلّمات.

[ الجهة ] الثالثة

في أنّ الظنّ هل هو حجّة في الأفعال

أيضا ، كما هو حجّة في عدد الركعات أم لا؟

فنقول : المشهور بل ادّعى المحقّق الثاني نفي الخلاف عن قيامه مقام العلم بالنسبة إلى الأفعال أيضا والروايات المتقدمة المرويّة عن أهل البيت : كانت مخصوصة بالظنّ في عدد الركعات.

وأمّا النبوي العامي فعامّ ، لأنّ قوله صلى الله عليه واله : « إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أي ذلك أحرى إلى الصواب » يشمل الأفعال والركعات جميعا ، فبضميمة دعوى نفي الخلاف من المحقّق الثاني ، والوجوه الاستحسانية التي ذكروها في هذا المقام التي سنذكرها إن شاء الله تعالى ربما يوجب الاطمئنان بحجيّة الظنّ في الأفعال أيضا ، بمعنى أنّه لو تعلّق بوجود جزء أو شرط أو مانع تكون حجّة على وجودها ، فلا تجب‌ إعادة ذلك الجزء أو الشرط ، ولو كان في صورة عدم تجاوز محلّهما فيكون حاكما أو مخصّصا لمفهوم قاعدة التجاوز وكذلك حجّة إذا تعلّق بعدمها فتجب الإعادة حتّى مع التجاوز عن محلّهما ، وبعبارة أخرى : يكون حاله حال العلم.

وأمّا الوجوه الاستحسانيّة التي ذكروها :

فمنها : أنّ الظن إن كان حجّة في إثبات الركعة وفي نفيها ، فبطريق أولى يكون حجّة في أبعاض الركعة ، لأنّها مشتملة على ذلك البعض والأبعاض الآخر ، فما يكون طريقا إلى الكلّ فهو طريق إلى جزء ذلك الكلّ بطريق أولى لأنّ مئونة طريقيّة الشي‌ء إلى الكلّ أزيد من مئونة الطريقية إلى الجزء.

وفيه : المنع أوّلا من الملازمة بين كون الشي‌ء طريقا إلى الكلّ مع كونه طريقا إلى جزئه مستقلا لا في ضمن الكلّ. نعم طريقيّة شي‌ء إلى الكلّ ووجوده ملازم مع كونه طريقا إلى وجود كلّ جزء في ضمن الكلّ ، لا إلى وجوده مستقلا ، فإنّه واضح البطلان.

وثانيا : على فرض كونه طريقا إلى وجود جزئه مستقلا فالأولويّة ممنوعة ولا وجه لها أصلا ، لأنّه من الممكن أن يكون في شي‌ء ملاك الطريقيّة إلى وجود مركّب ولا يكون فيه ملاك الطريقيّة إلى وجود بعض أجزائه وجودا مستقلا.

وبهذا يندفع ما توهّمه بعض من دلالة اللفظ الذي يدلّ على طريقيّة الظنّ في الركعة على طريقيّته إلى أجزائها بمفهوم الموافقة.

ومنها : أنّ الشك في الأوليين موجب للبطلان [ فإذا جعل الشارع الظن حجة فيهما فيكون حجة في الأجزاء بطريق أولى ] لأنّهما فرض الله ، فأهميّتهما صارت سببا لاعتبار العلم والحفظ والسلامة فيهما ، فإذا جعل الشارع الظنّ حجّة فيهما ـ كما هو المفروض ـ فيكون حجّة في الأجزاء ـ وخصوصا غير الركنية منها ـ بطريق أولى.

وفيه : أنّ هذا صرف استحسان لا يصحّ أن يجعل مناط الحكم الشرعي ، والحجّية في الأجزاء يحتاج إلى دليل معتبر يدلّ عليه ، وتنقيح المناط القطعي لا يمكن ، والظني لا يفيد.

ومنها ، أنّ الصلاة عمل كثير الأجزاء والشرائط ، فلو لم يعتبر الشارع الظنّ فيها يلزم الحرج ، وهو ينافي الآية والمستفيض من الرواية من نفي جعل الأحكام الحرجيّة في الدين.

وفيه : أنّ أدلّة نفي الحرج لا شك في حكومتها على إطلاقات وعمومات الأوّليّة ويرفع الحكم الحرجي ، ولكن ليس من شأنها إثبات الحكم ووضعه ، كما أنّ الأمر في قاعدة نفي الضرر أيضا كذلك ، فإنّها تنفي الحكم الضروري ولا تثبت حكما يلزم من عدم جعله الضرر. وشرحنا هذه المسألة مفصّلا في شرح هاتين القاعدتين في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

نعم ربما يكون الحرج النوعي علّة لجعل الحكم كالتيمّم لمن لا يقدر على استعمال الماء لفقده أو لمرض وكالتقصير المسافر ، ولكن ذلك يحتاج إثباته على وجود دليل لمثل هذا الجعل ، وبصرف وجود حرج النوعي لا يمكن إثبات ذلك الحكم.

هذا ، مضافا إلى عدم تسليم الصغرى وأنّه يلزم الحرج من عدم اعتبار الظنّ في الأفعال ، وأيّ حرج يلزم مع وجود قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز من عدم حجّية الظنّ في أفعال الصلاة.

ومنها : أنّه لا يجتمع اعتبار الظنّ في الركعة مع عدم اعتباره في أجزائها ، ويلزم التناقض.

بيان ذلك : أنّ الركعة ليست إلاّ مجموع أجزائها ، وليست من المركّبات الحقيقيّة بحيث يحصل من اجتماع الأجزاء وامتزاجها صورة نوعيّة ووحدة حقيقية ، بل ليست الركعة إلاّ مجموع الأجزاء المترتّبة في الوجود ، فعدم اعتباره في هذه الأجزاء باعتبار الجزئيّة ، واعتباره فيها باعتبار كونها ركعة متناقضان.

وفيه : أنّه من الممكن أن يكون هذه الأجزاء بشرط الاجتماع على الترتيب المعيّن موضوعا لاعتبار الظنّ فيها ، وبشرط عدم اجتماع الجميع على ذلك الترتيب تكون‌ موضوعا لعدم الاعتبار ، فلم يتّحد الموضوعان ، فلا تناقض في البين.

ومنها : أنّه كيف يعتبر الظنّ في الركعة التي لا تسقط بحال ، ولا يعتبر في السورة التي تسقط بمجرّد الاستعجال لقضاء حاجة.

وفيه : أنّه ليس ملاك الاعتبار أهميّة المظنون حتّى يستدلّ على اعتباره بمثل هذه الاستحسانات التي تشبه القياس ، بل هو هو.

ومنها : أنّه لو فرضنا أنّ المصلّي شاكّ بين الاثنتين والثلاث ، وكان شاكّا في إتيان السجدة من الركعة المشكوكة ولكنّه ظانّ أنّه على تقدير الإتيان بتلك السجدة تكون الركعة المشكوكة هي الثالثة مثلا فظنّ بإتيان السجدة فيظن بأنّ الركعة المشكوكة هي الثالثة ، ولازم ذلك ـ أي عدم اعتبار الظنّ في الأفعال واعتباره في الركعات ـ هو الأخذ بظنّه في الركعة والبناء على أنّها ثالثة وعدم الأخذ بظنّه في الجزء ، فيبني على عدمه ويلزم أن يأتي بها.

وفيه : أنّه ليست أدري أيّ مانع في أن يأخذ بالظنّ في الركعات ويبني على الثلاث ولا يعتني بالظنّ في وجود السجدة ويأتي بها ، لأنّه شكّ في المحلّ وأيّ محذور يلزم من ذلك؟

وأمّا ما ذكره المستدلّ بهذا الوجه من أنّه يلزم في بعض موارد التفكيك بين اعتبار الظنّ في الركعات واعتباره في الأفعال بأن يقال بعدم اعتباره في الأفعال فساد الصلاة للعلم الإجمالي بزيادة الركن أو نقيصته.

ففيه : أنّه على فرض لزوم ذلك في بعض الموارد ليس هذا محذورا ، بل يعمل في ذلك المورد بمقتضى العلم الإجمالي ويعيد الصلاة.

ومنها : أنّ كلّ واحد من الإمام والمأموم يجب عليه متابعة الآخر في ظنّه في الأفعال ، فكيف يمكن أن يكون ظنّ شخص آخر حجّة عليه في فعله ، ولا يكون ظنّ نفسه في فعله حجّة.

وفيه : أنّه إن قلنا إنّ الظنّ أيضا حفظ وفي مورد ظنّ كلّ واحد منهما بالنسبة إلى الأفعال أيضا يجب على كلّ واحد منهما الرجوع إلى الآخر كموارد علم كلّ واحد منهما فالفارق هو النصّ ، إذا جاء الدليل ـ أي النصّ ـ هناك ، ولم يأت هاهنا دليل على اعتبار ظنّ نفسه في أفعال الصلاة.

نعم لو قلنا بأنّ اعتبار ظنّ كلّ واحد منهما في حقّ الآخر من جهة كونه سببا لحصول الظنّ لذلك الآخر ، فهذا يدلّ على حجّية ظنّ نفسه ابتداء ، لكن كون الاعتبار لأجل هذه الجهة ممنوع.

وخلاصة الكلام في هذا المقام : أنّ هذه الوجوه الكثيرة التي ذكروها لاعتبار الظنّ في أفعال الصلاة ، كلّ واحد منها في حدّ نفسه ليس إلاّ استحسانا ، ولا يمكن أن يكون مناطا للحكم الشرعي بالاعتبار.

نعم كما ذكرنا هذه الوجوه مؤيّدات ، فبضميمتها إلى إطلاق النبوي الذي تقدّم ذكره يحصل الاطمئنان وركون النفس باعتبار الظنّ في الأفعال.

والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا.

__________________

(*) « القواعد » ص 111.

(1) « صحيح مسلم » ج 1 ، ص 401 ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب 19 ، ح 90 ، « سنن النسائي » ج 3 ، ص 28 ، باب التحري ، « سنن ابن ماجه » ج 1 ، ص 383 ، كتاب الإمامة ، باب 133 ، ح 1211.

(2) « سنن البيهقي » ج 2 ، ص 330 ، باب لا تبطل صلاة المرء بالسهو فيها ، « سنن النسائي » ج 3 ، ص 28 ، باب التحري ، مع تفاوت يسير.

(3) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 187 ، ح 744 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 45 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 373 ، ح 1419 ، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة أو ... ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 327 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 15 ، ح 1‌.

(4) « السرائر » ج 1 ، ص 245.

(5) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 362.

(6) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 365.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.