أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2016
500
التاريخ: 18-9-2016
398
التاريخ: 2024-07-27
344
التاريخ: 18-9-2016
366
|
والكلام فيها تارة : في سندها ، وأخرى : في دلالتها وموارد جريانها.
أما الأوّل : فالأصل فيه الخبر المشهور المعروف المروي عند العامّة والخاصّة عن النبي صلى الله عليه واله وهو قوله : « الإسلام يجبّ ما قبله » (1).
وفي مجمع البحرين بزيادة قوله صلى الله عليه واله : « والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب » (2) وفي المحكى عن أبي الفرج الأصبهاني ، وأيضا في المحكي عن سيرة ابن هشام ـ في حكاية إسلام مغيرة بن شعبة ـ أنّه وفد مع جماعة من بني مالك على مقوقس ملك مصر ، فلمّا رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق وفرّ إلى المدينة مسلما ، وعرض خمس أموالهم على النبي صلى الله عليه واله فلم يقبله ، وقال النبي صلى الله عليه واله : « لا خير في غدر ». فخاف المغيرة على نفسه ، وصار يحتمل ما قرب وما بعد فقال صلى الله عليه واله : « الإسلام يجبّ ما قبله » (3).
وأيضا ذكر ابن سعد في كتابه « الطبقات الكبير » قصة إسلام مغيرة بن شعبة وغدره برفقائه من بني مالك ، وقتلهم وسلبهم أموالهم وفراره إلى المدينة وعرضه أموالهم على رسول الله صلى الله عليه واله وآبائه عن أخذه ، وقال : « لا خير في غدر» ولكن قبل إسلامه ، وقال : « الإسلام يجبّ ما قبله ». (4)
وروى في البحار في ذكر قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إنّي طلّقت امرأتي في الشرك تطليقة ، وفي الإسلام تطليقتين فما ترى؟ فسكت عمر ، فقال له الرجل : ما تقول؟ قال : كما أنت حتّى يجيء علي بن أبي طالب ، فجاء عليّ عليه السلام فقال : قصّ عليه قصّتك ، فقصّ عليه القصة فقال علي عليه السلام : « هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة » (5).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير قوله تعالى {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] إلى آخره ، فإنّها نزلت في عبد الله بن أبي أميّة أخي أمّ سلمة ـ رحمة الله عليها ـ وذلك أنّه قال هذا لرسول الله صلى الله عليه واله بمكّة قبل الهجرة ، فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه واله الى فتح مكّة استقبله عبد الله بن أبي أميّة ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه واله فلم يرد عليه السلام ، فأعرض عنه ولم يجبه بشيء ، وكانت أخته أمّ سلمة مع رسول الله صلى الله عليه واله فدخل إليها وقال : يا أختي إنّ رسول الله قبل إسلام الناس كلّهم وردّ عليّ إسلامي وليس يقبلني كما قبل غيري. فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه واله على أمّ سلمة قالت : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت الناس كلّهم؟ فقال صلى الله عليه واله : يا أمّ سلمة ، إنّ أخاك كذّبني تكذيبا لم يكذّبني أحد من الناس ، هو الذي قال لي {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ } [الإسراء: 90] ـ إلى آخر الآيات ـ قالت أمّ سلمة : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله صلى الله عليه واله ألم تقل : إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟ قال صلى الله عليه واله : « نعم » فقبل رسول الله صلى الله عليه واله إسلامه (6).
وفي السيرة الحلبيّة في المجلّد الثالث صفحة مائة وخمسة : أنّ عثمان لمّا شفّع في أخيه ابن أبي سرح قال صلى الله عليه واله : « أما بايعته وآمنته؟ » قال : بلى ولكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح ويستحي ، قال صلى الله عليه واله : « الإسلام يجبّ ما قبله » (7).
وأيضا فيها في صفحة مائة وستّة ، في المجلّد المذكور ، في إسلام هبار : قال صلى الله عليه واله « الإسلام يجبّ ما قبله » (8).
وعن الطبراني : « الإسلام يجبّ ما قبله والهجرة تجبّ ما قبلها » (9).
وممّا ذكرنا ، ومن شهرة هذا الحديث بين الفريقين ، يثق الإنسان بصدوره عن النّبي صلى الله عليه واله الذي هو موضوع الحجيّة ، فلا إشكال فيه من ناحية السند.
وأمّا الكلام فيه من ناحية الدلالة ، فما هو الظاهر المتفاهم العرفي من هذه الجملة هو أنّ ما صدر عن الكافر في حال كفره من قول أو فعل بل ما كان له من اعتقاد يترتّب على ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ضرر أو عقوبة عليه ، بحيث يكون ذلك الضرر من آثار ما ذكر في الإسلام لا في حال الكفر ، فالإسلام يقطع بقاء ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ، ويجعله كالعدم وبلا أثر.
فباب الضمانات والديون في حال الكفر خارج عن مفاد الحديث : لأنّ تلك الأمور ثابتة في حال الكفر ، وليست من الآثار التي تثبت في حال الإسلام لتلك الأمور دون حال الكفر.
وبعبارة أخرى : هذا الكلام صدر عنه صلى الله عليه واله في مقام الامتنان على من يسلم ، وأيضا لترغيبه في قبول الإسلام ، وأن لا يخاف من الأقوال أو الأفعال التي صدرت عنه في حال كفره ، كما يشهد بذلك وروده خوف هبار بن أسود ، ومغيرة بن شعبة ممّا فعلاه في حال الكفر.
وأيضا من قضية شفاعة عثمان لأخيه من الرضاعة ابن أبي السرح. وأيضا من استدلال أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ لأخيها عبد الله بن أبي أميّة بقولها لرسول الله صلى الله عليه واله : أمّا قلت إنّ الإسلام يجبّ ما قبله.
وحاصل الكلام : أنّ الأفعال أو الأقوال التي تصدر من الكافر في حال كفره إن كانت يترتّب على ذلك الفعل أو القول الصادر عنه في حال كفره أثر في الإسلام يكون ضررا عليه ، بمعنى أنّه ذلك الفعل أو ذلك القول لو كان يصدر عنه في حال الإسلام لكان يعاقب ، كما أنه لو زنى أو شرب الخمر أو قتل مسلما وكذا في غير ما ذكر من الأفعال المحرمة شرعا التي على من يرتكبها عقاب من تعزير أو حدّ أو قصاص أو دية فالإسلام يقطع ما قبله ويجعله كالعدم ، بمعنى رفع آثاره.
فلو سرق في حال الكفر لا يقطع يده ، أو قتل مسلما لا يقاد ، أو زنى محصنا لا يرجم ، أو سبّ النبي صلى الله عليه واله أو الله جلّ جلاله لا يقتل ؛ كلّ ذلك لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله.
وحيث أنّ الحديث في مقام الامتنان لا بدّ وأن يكون الرفع وجعل الفعل والقول كالعدم بالنسبة إلى الآثار التي في رفعها امتنان.
وما ذكرنا جار بالنسبة إلى التروك أيضا ، أي مفاد الحديث أنّ ترك الفعل الذي له أثر في الإسلام لا في حال الكفر ، بمعنى أنّه لو كان على تركه أمرا في حال الكفر يترتّب أثر عليه في الإسلام ، أي لو كان هذا الترك منه في حال الإسلام كان عليه كذا فالإسلام أيضا يرفع أثر ذلك الترك إذا كان في رفعه امتنان.
مثلا بناء على أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع ـ كما هو الصحيح ـ فتركهم للعبادات كالصلاة والصوم والزكاة لو كان في حال الإسلام كان يجب عليه قضاء ما فات ، وبالنسبة إلى الصوم كان يجب عليه الكفّارات أيضا ؛ لأنّه تعمد الإفطار في نهار شهر رمضان من غير عذر ، ولكن حيث صدرت هذه التروك عنه في حال الكفر فهذه الآثار التي في رفعها امتنان مرفوعة.
ومن أوضح الواضحات أنّه صلى الله عليه واله لم يكلّف أحدا من أصحابه الذين تركوها بقضاء عبادات التي فاتت عنهم أيّام كفرهم ، وكذلك الزكاة مع أنّ العين الزكويّة كانت موجودة عندهم لم يطلب من أحد منهم من الذين آمنوا بعد تشريع الزكاة زكاة السنين التي كانوا على الكفر بعد تشريع الزكاة.
نعم لو كان حلول الحول بعد إسلامه فلا يسقط ويجب عليه ، لأنّ توجيه الخطاب بإيتاء الزكاة إليه في حال الإسلام ، فلا وجه لسقوطها. وأما لو كان زمان التعلّق قبل أن يسلم فالإسلام يجعل هذا التعلّق وثبوت هذا الحقّ للفقراء كالعدم.
وبعبارة أخرى : سقوط هذا الحقّ بأحد أمرين : إمّا بالأداء ، أو بالإسلام.
وأمّا الإشكال على ما ذكرنا في معنى الحديث بأنّه يلزم منه تخصيص الأكثر ، إذ لا ريب في بقاء عقوده وإيقاعاته.
ففيه : أنّ هذه الأمور خارجة عن مجرى الحديث ومصبّه بالتخصّص ، لا بالتخصيص حتّى يلزم تخصيص الأكثر ؛ وذلك من جهة ما ذكرنا أنّ هذا الحديث حيث أنّه في مقام الامتنان وترغيب الناس إلى الإسلام فالظاهر من مفاده هو أنّ كلّ فعل أو قول أو اعتقاد يكون من آثاره في الإسلام ضرر عليه فالإسلام يجعله كالعدم ، وكذلك لو ترك أمرا وكان من آثار تركه ذلك الأمر في الإسلام لزوم تداركه بقضائه أو أدائه فالإسلام يرفع لزوم تداركه قضاء أو أداء ، كقضاء العبادات الفائتة عنه ، وأيضا كأداء زكاة ماله مع بقاء عينه ولكن بشرط توجّه الخطاب إليه حال الكفر ، لا حال الإسلام. بمعنى كون زمان تعلّق الزكاة وحصول شرائطها بتمامها حال الكفر ، بحيث لو كان مكلّفا الآن في حال الإسلام يكون منشأ تكليفه ذلك الخطاب المتوجّه إليه حال كفره.
وأنت خبير بأنّ مثل هذا المعنى للحديث إمّا لم يرد عليه تخصيص أصلا ـ فضلا عن أن يكون تخصيص الأكثر ـ وإمّا أن يكون في غاية القلّة.
وأمّا مسألة عقوده وإيقاعاته وديونه وجميع ضماناته في حال كفره لو كان فيها ضرر أو حرج أو ضيق أو مؤاخذة فليس من ناحية الإسلام ، بل تلك الآثار كانت ثابتة عليه مع قطع النظر عن الإسلام ، فهي خارجة عن مفاد الحديث بالتخصّص.
وعلى هذا يدلّ أيضا ما ذكره في البحار في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في رجل طلّق امرأته في الكفر مرّة واحدة ، وفي الإسلام تطليقتين ، فقال عليه السلام في جوابه : « إنّك على واحدة هدم الإسلام ما قبله » (10) وذلك من جهة أنّ حرمة المطلّقة ثلاثا حكم ثابت في الإسلام ، فإن أوجد السبب في الإسلام يترتّب هذا الحكم عليه ، وأمّا إن أوجد تمام السبب أو بعضه في حال الشرك فلا يترتّب عليه ، بل لا بدّ من إيجاد تمام السبب في حال الإسلام ، فإن أوجد بعض السبب في حال الشرك وبعضه في حال الإسلام فلا بدّ من إتمام ذلك البعض في حال الإسلام كي يترتّب عليه الأثر ؛ ولذا قال عليه السلام : « هي عندك على واحدة » لأنّ التطليقة الواقعة في حال الشرك لا أثر لها بالنسبة إلى هذا الحكم الثابت في الإسلام.
وخلاصة الكلام في المقام : أنّ مفاد الحديث بحسب المتفاهم العرفي مؤيّدا بحكم أمير المؤمنين عليه السلام في المورد المذكور ـ أي في تطليقة حال الشرك وتطليقتين في حال الإسلام ـ بعدم ترتّب الأثر على الطلاق الواقع في حال الكفر بالنسبة إلى هذا الأثر الذي له في الإسلام أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ممّا لو كان مسلما لكان هذا الأثر يترتّب على فعله أو قوله أو عقيدته ، فينتج أنّ الكافر لو أسلم وكانت ذمّته مشغولة بشيء ـ من طرف ما ارتكبه في حال الكفر ، وكان اشتغال ذمّته من ناحية الإسلام لا من ناحية كفره ـ فإسلامه موجب لسقوط ما في ذمّته.
وبناء على هذا جميع العبادات التي فاتت منه في حال كفره وشركه من الصلاة والزكاة والخمس والصيام حتّى الحجّ فيما إذا كان مستطيعا حال كفره واستقرّ عليه ولم يؤدّه فصار غير مستطيع وبعد ذلك أسلم فإذا أسلم يسقط جميع ذلك عنه بسبب جبّ الإسلام ما قبله.
فظهر أنّه بناء على ما ذكرنا في معنى الحديث أنّ ما هو من حقوق الله تعالى مطلقا ـ سواء أكان بدنيّا فقط ، أو ماليا فقط ، أو كان مركّبا منهما ، فالأوّل كالصلاة ، والثاني كالزكاة ، والثالث كالحجّ وليس للمخلوقين مدخل وحقّ فيه إذا لم يكن معتقدا به في حال الكفر بل اعتقاده به يكون من ناحية إسلامه وبعده ـ فكلّها تسقط بالإسلام ، ولا يكون عليه شيء ، ولا قضاء فيما فيه القضاء لو كان الفوت في حال الإسلام لجبّ الإسلام ما قبله.
هذا فيما إذا لم يكن هذا الحكم من معتقداتهم في دينهم قبل أن يسلموا.
وأمّا لو كان كذلك ، أي كانوا معتقدين به حال كفرهم لكونه من دينهم أيضا ، فيكون ذلك الحكم مشتركا بين دينهم والإسلام ، وذلك قد يكون في العبادات ، وقد يكون في غيرها. أمّا في العبادات كما لو كان في حال كفره نذر أن يصوم يوما ، أو يتصدّق بكذا قربة إلى الله ، فخالف ولم يفعل ، وفرضنا أنّ الوفاء بالنذر واجب في دينه أيضا ، وكذا يجب القضاء في دينهم لو لم يأت بالنذر المعيّن الموقّت ، فهل الإسلام يجبّ وجوب القضاء أو الأداء عليه أم لا؟
فبناء على ما استظهرنا وذكرنا في معنى الحديث من أنّ المراد منه أنّ ما كانت ذمّته مشغولة حال كفره بحكم الإسلام لا بحكم دينه فالإسلام يجبّ ذلك الاشتغال ، وأمّا لو كان اشتغال ذمّته من ناحية دينه ـ وإن كان الإسلام أيضا في هذا الحكم موافقا مع دينه ـ فلا يشمله الحديث ، فلا يجبّ الإسلام مثل ذلك الحكم.
اللهمّ إلاّ أن يقال :
إنّ لزوم إتيانه الآن بعد أن أسلم قضاء أو أداء مستند إلى ثبوت وجوب الأداء أو القضاء عليه من ناحية الإسلام ، وإلاّ فهو بعد أن أسلم يرى ذلك الحكم باطلا لولا أنّ الإسلام يقرّه ويمضيه ، فيكون الآن اشتغال ذمّته به حتّى في ذلك الوقت بحكم الإسلام في نظره واعتقاده ، لا من جهة دينه السابق ؛ لأنّه الآن يرى أنّ ذلك الدين كان باطلا من أصل أو كان منسوخا.
وأمّا في غير العبادات ـ كما لو كان دية قتل الخطأ ، أو الجرح والجناية على أعضاء الغير ولو كان عن عمد ، فيما إذا رضي المجني عليه بالدية ثابتا في دينه السابق قبل أن يسلم ـ فشمول الحديث لمثل هذا المورد مشكل جدّا.
أمّا أوّلا : لما ذكرنا في استظهار المراد من الحديث أنّه عبارة عن أنّ ما صدر عنه من قول أو فعل أو كان له عقيدة كلّ ذلك إن كان قبل أن يسلم وكان من أحكام الإسلام ـ ترتّب ضرر أو مشقة أو عقوبة على ذلك القول أو على ذلك الفعل أو على تلك العقيدة ـ فالإسلام يرفع ذلك الأثر والضرر.
والمفروض أنّ في المفروض والمورد ليس من هذا القبيل ، بل كان هذا الأثر والضرر يترتّب على قوله أو فعله حتّى في دينه ، وما احتملناه ووجّهنا به الجبّ في نظيره في العبادات لا يخلو من نظر وإشكال ، كما هو غير خفيّ على الناقد البصير.
وثانيا : قلنا إنّ هذا الحديث في مقام الامتنان ، والجبّ في المفروض وإن كان امتنانا على الفاعل لكنّه خلاف الامتنان في حقّ المجني عليه.
ولكن ورد أنّ النبي صلى الله عليه واله قال : « إنّ كلّ دم كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين » (11) مع أنّهم كانوا معتقدين بالقصاص والدية في الجاهليّة. غاية الأمر كان دية الأشخاص مختلفة عندهم ، حتّى أنّ دية بعض الطبقات كان ألف بعير ؛ فمع أنّهم كانوا معتقدين بها أسقطها صلى الله عليه واله بعد الإسلام وقال صلى الله عليه واله : « تحت قدمي هاتين ».
وأيضا يظهر من قوله صلى الله عليه واله لمغيرة بن شعبة ـ بعد أن غدر بأصحابه وقتلهم وأخذ أموالهم : « إنّ الإسلام يجبّ ما قبله » فخاف فطمأنه صلى الله عليه واله بهذا الكلام ـ أنّ الإسلام يجبّ ما قبله من آثار فعله الذي صدر عنه حال الكفر ، ولو كانوا معتقدين بترتّب ذلك الأثر حال الكفر (12).
وهذا المعنى أيضا يناسب ما قيل في وجه صدور هذا الحديث عنه صلى الله عليه واله ، ولكن مع ذلك كلّه لا يمكن الالتزام بهذا المعنى في جميع التزاماتهم ، من عقودهم وإيقاعاتهم وسائر معاملاتهم ولو كان موافقا للامتنان.
فالأولى أن يقال في أمثال هذه الموارد التي ذكرناها أنّ عدم القصاص والدية لدليل خاصّ ، وهو قوله صلى الله عليه واله « كلّ دم كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين ».
والحاصل : أنّ مقتضى ما ذكرنا واستظهرناه في معنى الحديث أنّه لو وطأ امرأة ذات بعل في حال الكفر ، أو وطأها في عدتها في تلك الحال أنّه ترفع حرمة نكاحها للواطئ بإسلامه. وكذا لو زنى بامرأة فحرمة بنتها وأمّها ترتفع بإسلامه لو كان وقوع الزنا في حال الكفر. وكذا لو أوقب غلاما في حال الكفر ترتفع حرمة نكاح أمّه وأخته وبنته بإسلامه ؛ كلّ ذلك لأنّ « الإسلام يجبّ ما قبله ». وكذلك كلّ ما هو موجب لحدّ أو تعزير إذا صدر عنه في حال الكفر فالإسلام يجبّ ذلك الفعل أو القول الذي كان موجبا للحدّ لو لم يسلم ، كما إذا زنى أو لاط أو سرق أو غير ذلك من الجرائم التي توجب الحدّ أو التعزير.
وأمّا مسألة الأحداث الموجبة للحدث الأكبر كالجماع ، أو الحيض ، أو النفاس فحيث أنّ الشارع جعل الطهارة شرطا لأشياء كالصلاة والطواف ومس المصحف مثلا ، فتلك الأحداث التي صارت سببا لصيرورته محدثا حيث أنّ آثارها لا ترتفع إلا بالغسل أو الوضوء أو التيمم كلّ في محلّه ومع شرائطه ، فبعد إسلامه ـ إذا أراد إيجاد ما هو مشروط بالطهارة ـ لا بدّ وأن يتطهّر من ذلك الحدث بأحد الطهارات الثلاث ، أي الغسل والوضوء والتيمم كلّ في محلّه ومع شرائطه ؛ وذلك لعدم إمكان امتثال ما هو مشروط بالطهارة بدونها ، ولا وجه لإجراء قاعدة « الإسلام يجبّ ما قبله » في هذا المقام أصلا ، ولا أثر لها لإثبات الشرط ووجوده ، كما أنّ الرضاع الحاصل في حال الكفر يوجب حصول أحد العناوين المحرّمة كالأمومة والبنتيّة والأختيّة وغير ذلك من العناوين المذكورة في الآية الشريفة ، وإذا حصل أحد هذه العناوين فأسلم فإسلامه لا يمكن أن يرفع الحرمة عن أخته الرضاعي أو أمّه كذلك ، وكذلك في سائر العناوين المحرّمة المذكورة في الآية.
كما أنّه لم يتوهّم أحد أنّ هذه العناوين إذا حصلت في حال الكفر عن النسب فأسلم لا يوجب رفع التحريم ، فكذلك الأمر فيما إذا حصل من الرضاع.
والسرّ في ذلك أنّ هذه العناوين إضافات تكوينيّة قد تحصل بواسطة الولادة ، وقد تحصل بواسطة الرضاع ، وقد جعلها الشارع موضوعا لحرمة نكاحهنّ على من اتّصف بأنّهنّ أمّا أمّه أو أخته أو بنته أو عمّته أو خالته إلى غير ذلك ، وإذا وجد الموضوع وأحرز وجوده وجدانا أو تعبّدا فيترتّب عليه الحكم قهرا.
نعم لو كان معنى الحديث أنّ الفعل الصادر في حال الكفر بمنزلة العدم حتّى بالنسبة إلى آثاره التكوينيّة ، فحينئذ كان من الممكن أن يقال إنّ الرضاع الواقع في حال الكفر أو الولادة أو أسبابها الواقعة في تلك الحال لا أثر لها ، كما أنّه قيل في الولادة من الزنا كذلك.
وخلاصة الكلام في المقام أنّه بعد ما ثبت صدور هذا الحديث بواسطة الوثوق الحاصل من نقل هؤلاء يجب الأخذ بما هو مفاده ، أي ما هو الظاهر منه بحسب المتفاهم العرفي ، إلاّ أن يأتي دليل من إجماع أو رواية معمول بها يكون مخصّصا له في مورد ، أو يكون حاكما عليه في ذلك المورد.
وقد عرفت ما هو الظاهر من الحديث بحسب المتفاهم العرفي وذكرناه ، فلا نعيد.
__________________
(1) « عوالي اللئالي » ج 2 ، ص 54 ، ح 145 ؛ و ص 224 ، ح 38 ؛ « مستند احمد بن حنبل » ج 4 ، ص 199 و 204 و 205 ؛ « جامع الصغير للسيوطي » ج 1 ، ص 123.
(2) « مجمع البحرين » ج 1 ، ص 336 « جبّ ».
(3) « الأغاني » ج 16 ، ص 82 ، « السيرة النبويّة » ، ج 3 ، ص 328.
(4) « الطبقات الكبرى » ج 4 ، ص 285 ـ 286.
(5) « بحار الأنوار » ج 40 ، ص 230 ، باب قضاياه صلوات الله عليه. ، ذيل ح 9.
(6) « تفسير القمّي » ج 2 ، ص 26.
(7) « السيرة الحلبيّة » ج 3 ، ص 105.
(8) المصدر ، ص 106.
(9) نقله عن الطبراني في « جامع الصغير » ص 36.
(10) « بحار الأنوار » ج 40 ، ص 230 ، باب قضاياه صلوات الله عليه. ، ذيل ح 9.
(11) « الكافي » ج 8 ، ص 246 ، ح 342 ؛ « سنن ابن ماجه » ج 2 ، ص 1023 ، كتاب المناسك ، باب 84 ، ح 3074.
(12) « الطبقات الكبرى » ج 4 ، ص 285 ـ 286.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|