أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-9-2016
257
التاريخ: 16-9-2016
327
|
من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات إن كان الشكّ في الرباعيّة الواجبة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ».
وهو عبارة عن الروايات المعتبرة الواردة في هذا المقام :
منها : موثّقة عمّار الواردة في حكم الشك عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام : « كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السلام : « كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السلام : فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (1).
ومنها : موثّقته الأخرى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شيء من السهو في الصلاة؟ فقال : « ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمَّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟ » قلت : بلى ، قال عليه السلام : « إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (2).
ومنها : موثّقة ثالثة عن عمّار أيضا قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « يا عمّار أجمع لك السهو كله في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (3).
ثمَّ إنّ المراد من السهو ـ في الموثّقتين الأخيرتين ـ هو الشكّ لا السهو بمعناه الحقيقي ، أي النسيان وذلك أنّ الناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه لا في الصلاة ولا بعدها فلا يتوجّه إليه حكم بالنسبة إلى نسيانه ، وإن التفت إليه فإن كان في حال الصلاة والمفروض أنّ متعلّق النسيان هو ركعات الصلاة فإن كان ما أتى به ناقص فيجب أن يأتي بالباقي متّصلا لا منفصلا كما في صلاة الاحتياط ، وظاهر هذه الروايات وإن كان ما أتى به من الركعات زائدا على الفريضة فتكون الصلاة باطلة ويجب إعادتها.
فالمراد بقرينة هذا الحكم ـ أي : قوله عليه السلام « فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت انّك نقصت » إلى آخره ـ هو الشكّ وإطلاق السهو على الشكّ بعلاقة السببيّة جائز لا ضير فيه ، إذ المجاز بعلاقة السببيّة متعارف ومعهود في اللغة.
وأمّا كون السهو سببا للشك فأمر معلوم غني عن البيان ، ودلالة الموثّقات الثلاث على هذا الحكم ـ أي البناء على الأكثر ـ واضح لا يحتاج إلى التكلّم فيه.
وهو يتوقّف على بيان أمور :
[ الأمر ] الأوّل : أنّ الشكّ في عدد الركعات الذي هو موضوع هذه المسألة قد يكون في النافلة ، وقد يكون في الفريضة.
والأوّل خارج عن محلّ كلامنا ، لورود أدلّة خاصّة على نفي الشّك في النافلة ، كقوله عليه السلام « ليس في النافلة سهو » (4). وقد تكلّمنا في هذه القاعدة ـ أي قاعدة نفي الشكّ في النافلة ـ في هذا الكتاب ، وقلنا بأنه مخيّر بين البناء على الأقلّ والبناء على الأكثر.
والثاني قد يكون في الفريضة الثانيّة مثل أن يكون الشكّ في فريضة الصبح بين الواحد والاثنين أو غيرها من الصور ، وقد يكون في الثلاثيّة مثل أن يشكّ في المغرب بين الواحد أو الاثنين والثلاث أو غيرها من الصور ، وقد يكون في الرباعيّة.
وهذا على قسمين : لأنّ الشكّ قد يكون قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، وقد يكون بعده.
فالأوّل مثل أن يشكّ بين الاثنين والثلاث مثلا ، ولكن قبل إكمال السجدتين ، مثل أن يكون شكّه هذا في حال القيام أو في حال السجدة الأولى من الركعة التي بيده.
والثاني مثل أن يكون شكّه أيضا بين الاثنين والثلاث مثلا ، ولكن بعد إكمال السجدتين من الركعة التي بيده.
وبعبارة أخرى : الشكّ في الفريضة الرباعيّة تارة يكون طرف الأقلّ من الشكّ أقلّ من الركعتين التامّتين وأخرى لا يكون كذلك ، بل يكون طرف الأقلّ هو حصول الركعتين التامّتين فما زاد ، كالشك بين الثلاث والأربع في أيّ حال كان من الحالات.
وأما الشكّ بين الاثنين فما زاد فلا بدّ وأن يكون بعد تماميّة السجدة الثانية ، وإلاّ ليس الشكّ بعد إكمال السجدتين.
فالشكّ في الثنائيّة والثلاثيّة خارج عن تحت هذه القاعدة مطلقا وفي أيّ حال من الأحوال كان ، والشكّ في الرباعيّة أيضا خارج إن كان قبل إكمال السجدتين بالمعنى الذي عرفت ، أي كون طرف الأقلّ من الشكّ أقلّ من الركعتين التامّتين ، وذلك لما دلّ على بطلان الصلاة بهذه الشكوك ، وتلك الأدلّة أخصّ من الموثّقات فتخصّص بها.
فبناء على هذا ، لو شكّ في الثلاثيّة أو في الثنائيّة الواجبة ـ كصلاة المغرب ، أو الصبح ، وفي السفر ، سواء أكانت ثنائيّة بالأصل أو صارت ثنائيّة بواسطة وجوب التقصير في السفر ، وكصلاة الجمعة ، وصلاة الكسوف ، بل وصلاة العيدين بناء على عدم شمول حكم النافلة لهما في عصر الغيبة ، وإلاّ تكون خارجة عن محلّ البحث ـ تكون صلاته باطلة وليست مشمولة لهذه الموثّقات.
والدليل على بطلانها ـ وتخصيص هذه الموثّقات به ـ قوله عليه السلام في مصحّح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام : « إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد » (5).
وصحيح العلاء عن الصادق عليه السلام سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال عليه السلام : « يعيد ». قلت : المغرب؟ قال عليه السلام : « نعم والوتر والجمعة » من غير أن أسأله (6).
وقوله عليه السلام في هذه الرواية « والوتر والجمعة » مبني على أن يكون الوتر ثلاثة ركعات ، أي مجموع الشفع والوتر ، وإلاّ لو كان الوتر عبارة عن الركعة الواحدة مقابل الشفع فتصوير الشكّ في عدد الركعات لا يخلو من نظر.
نعم يمكن الشكّ فيه بمعنى الشكّ في وجوده وعدمه.
وموثق سماعة قال : سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ فقال عليه السلام : « إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها ، والجمعة أيضا إذا سها فيه الإمام فعليه أن يعيد الصلاة لأنّها ركعتان ، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة » (7).
ومصحّح ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلّي ولا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال : « يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتم » (8).
ويظهر من موثق سماعة أنّ كون الصلاة التي وقع فيها الشكّ ركعتين موجب للبطلان ، وذلك من جهة تعليله عليه السلام إعادة الجمعة التي وقع فيها السهو ـ أي الشكّ ـ بقوله عليه السلام : « لأنّها ركعتان » ، فيستفاد حكم كلّ فريضة ثنائيّة منها سواء أكانت ثنائيّة بالأصل كالصبح والجمعة والعيدين وصلاة الآيات ، أو صارت ثنائيّة بواسطة السفر كالتقصير في الرباعيّات في السفر.
وعلى كلّ حال يظهر من هذه الروايات بطلان الصلاة في ثلاثة أقسام : أحدها الثنائيّة الواجبة. الثاني : الثلاثيّة الواجبة. الثالث: أن يكون الشكّ بين الواحدة وما زاد.
وأمّا ما ذهب إليه الصدوق قدس سرّه (9) من التخيير بين الإعادة والبناء على الأقلّ فيما إذا شكّ بين الواحدة والاثنين ، للجمع بين الروايات المتقدّمة ورواية الحسين بن أبي العلاء عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة؟ قال عليه السلام : « يتمّ » (10).
ففيه : بأنّ هذا الجمع لا شاهد له وليس جمعا عرفيّا كما في الخاصّ والعامّ ، والحاكم والمحكوم ، والظاهر والأظهر ، ومضافا إلى أنّ هذه الرواية لم يعمل بها أحد ، حتّى أنّ الوحيد وصاحب الحدائق (11) ـ قدس سرّهما ـ أنكرا نقل هذا القول عن الصدوق.
وكذلك رواية عمّار ـ عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال عليه السلام : « يتشهّد وينصرف ثمَّ يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعا ، وإن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة ». قلت : فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال عليه السلام : « يتشهّد وينصرف ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة ، فإن كان صلّى ثلاثا كانت هذه تطوّعا ، وإن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة » (12) ـ لم يعمل به أحد وأعرض عنه الجميع.
وخلاصة الكلام أنّ بطلان الصلاة في الموارد الثلاثة المذكورة اتّفاقي لم ينكره أحد إلاّ الصدوق قدس سرّه فيما تقدّم ، وقد عرفت الحال فيه.
وأمّا الشكّ في الرباعيّة قبل إكمال السجدتين : فيدلّ على بطلانها صحيح زرارة : روى الصدوق بإسناده عن زرارة بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهم ـ يعني سهو ـ فزاد رسول الله صلى الله عليه واله سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهن قراءة ، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم » (13).
وأيضا روى بإسناده عن عامر بن جذاعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة » (4).
وأيضا بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : « ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو » (15).
وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما » (16).
ورواية موسى بن بكر قال : سأله الفضيل عن السهو؟ فقال : « إذا شككت في الأوّلتين فأعد » (17).
هذه جملة ممّا يدلّ على بطلان الصلاة إذا كان الشك في الأوّلتين وبهذا المضمون روايات كثيرة فوق حد الاستفاضة.
وحاصل مفاد جميعها هو بطلان الصلاة ولزوم الإعادة مع احتمال نقص في الأوّلتين ، بل لا بدّ في الحكم بصحّة الصلاة من حفظ الأوليين بتمامهما وكمالهما ، ولازم هذا المعنى هو أن يكون الشكّ بعد إكمال السجدتين ، فالشكّ في الموارد الأربعة المذكورة موجب للبطلان وخارج عن مفاد أخبار البناء على الأكثر حكومة أو تخصيصا.
ثمَّ إنّه من موارد بطلان الصلاة بالشكّ في عدد ركعاتها ـ وعدم شمول هذه القاعدة له ـ هو الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأكثر وإن كان بعد إكمال السجدتين ، وذلك من جهة أنّه لا طريق إلى تفريغ الذمّة ممّا اشتغل به يقينا ، لا وجدانا ولا تعبّدا.
أمّا وجدانا فواضح ، لأنّ المفروض أنّه شاكّ في أنّ ما أتى به اثنتين أو الخمس أو الأكثر ، فإن سلّم ولم يأت بشيء فاحتمال النقيصة والزيادة كلاهما موجود ، وليس دليل تعبدي في البين يدلّ على عدم مضرّية هذه الزيادة أو النقيصة على تقدير وجودهما.
ولو أتى بما يحتمل نقصانه فيبقى احتمال الزيادة ، وليس شيء يدلّ على عدم مضرّية هذا الاحتمال وتفريغ الذمّة.
وأمّا تعبّدا فمن جهة عدم شمول روايات البناء على الأكثر للمقام ، لأنّها واردة فيما إذا كان الأكثر صحيحا ، كي يكون موجبا لتفريغ الذمّة.
وأمّا إذا كان البناء على الأكثر موجبا لفساد الصلاة فهو خارج عن محطّ نظر هذه الأخبار.
وبعبارة أخرى : هذه الروايات كلّها ناظرة إلى علاج العمل وكيفيّة تصحيحه ، فلا يشمل الأمر الذي يوجب بطلان العمل ، فليس هذا المورد مشمولا لتلك الأخبار العلاجيّة ، أي البناء على الأكثر وإتمام ما نقص منفصلا بصلاة الاحتياط.
وأمّا أخبار البناء على اليقين فأيضا لا تشمل المقام ، لأنّ الظاهر منها أيضا هو البناء على الأكثر وتتميم ما نقص بصلاة الاحتياط كي يحصل اليقين بالبراءة على كلّ واحد من التقديرين ، وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك ، لأنّه على تقدير كونه في الواقع هو الأقلّ يمكن التدارك بصلاة الاحتياط وتحصيل اليقين بتفريغ الذمّة. وأمّا على تقدير كونه هو الأكثر تكون الصلاة باطلة ، ولم يرد دليل بالخصوص على عدم كون الزيادة على تقدير وقوعها مضرّة.
وأمّا استصحاب عدم تحقّق الزيادة على المقدار المعلوم وهو الاثنتين ففيه أوّلا : أنّه طرح الشارع إجراء الاستصحاب في باب الشكّ في عدد الركعات لحكمه بالبناء على الأكثر. وثانيا أنّ الاستصحاب لا يثبت أنّ ما أتمّه هي الركعة الثانية حتّى يتشهد فيها ، ولا الثاني من الركعتين التاليتين اللتين يأتي بهما بعد الاستصحاب أنّها الرابعة فيأتي فيها بالتشهد الأخير ، إلاّ على القول بالأصل المثبت.
مع أنّ صريح الأخبار أنّ ظرف التشهّد الأوّل هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية في الركعة الثانية ، والتشهّد الثاني هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الرابعة ، فلا طريق إلى تصحيح العمل وتفريغ ما في الذمّة بالاستصحاب ، فلا بدّ من الإعادة.
وهذا معنى كون الشكّ موجبا للبطلان.
فظهر أنّ مورد الخامس من الشكوك المبطلة أيضا خارج عن عموم هذه القاعدة ، وعلى هذا المنوال المورد السادس والسابع من موارد الشكوك المبطلة ـ أي الشكّ بين الثلاث والستّ أو الأزيد ، أو الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد ـ يكونان خارجين عن عموم هذه القاعدة ، أي البناء على الأكثر.
أمّا المورد السادس فلعين ما ذكرنا في المورد الخامس حرفا بحرف.
وأمّا المورد السابع ـ أي : الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد فقد قاسه بعضهم ـ وهو ابن أبي عقيل (18) ـ بالشكّ بين الأربع والخمس فقال بالصحّة قياسا على الشكّ بين الأربع والخمس.
ولكن أنت خبير بأنّ الصحّة هناك لدليل خاصّ لا يشمل المقام ، فإنّ قوله عليه السلام في صحيح عبد الله بن سنان ـ « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك » (19) ـ حكم خاصّ في موضوع خاصّ ، أي الشكّ بين الأربع والخمس ، فإسراء هذا الحكم إلى موضوع آخر وهو الشكّ بين الأربع والستّ يشبه القياس ، أو هو هو.
وأمّا كون المراد هو الشكّ بين ما هو تمام العدد الصحيح وما هو الزائد عليه ـ وذكر الخمس في الرواية من باب أحد المصاديق ـ دعوى بلا بيّنة ، بل خلاف ظاهر الرواية.
وأمّا التمسّك لصحّته باستصحاب عدم تحقّق الزائد على الأربع ، فقد بيّنّا أنّه لا يثبت أنّ ما أتمّه هي الركعة الرابعة ، إلاّ على القول بالأصل المثبت. مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ الشارع لم يعتن بالاستصحاب في تعيين عدد ركعات الصلاة ، بل أسقطه عن الاعتبار بجعل البناء على الأكثر فيما إذا شكّ في أعداد الرباعيّة بعد إكمال الركعتين الأوّلتين.
وأمّا المورد الثامن من الشكوك المبطلة ـ وهو أن يكون شكّه بحيث لا يدري أنّه كم صلّى ـ فهو أيضا خارج عن عموم هذه الموثّقات ، للإجماع على بطلان الصلاة ولزوم الإعادة ، وللروايات المعتبرة الواردة في لزوم الإعادة إذا اتفق كون شكّه هكذا ، أي كان بحيث لا يدري أنّه كم صلّى ، واحدة أم اثنتين ، أم ثلاثا ، أم أربع.
منها : رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام : « إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع ووهمك على شيء فأعد الصلاة » (20).
هذا ، مضافا إلى أنّ مرجع هذا الشكّ إلى عدم حفظ الأوليين ، وقد تقدّم أنّه يبطل الصلاة عند عدم حفظهما.
وخلاصة الكلام أنّ جميع الصور الثمانية التي تكون للشكوك المبطلة خارج عن عموم هذه القاعدة ، وذلك من جهة أنّ أخبار البناء على الأكثر وردت في مقام علاج الشكّ في عدد الركعات ، فإذا كان الشكّ غير قابل للعلاج ـ ولا بدّ فيه من إعادة الصلاة ، أو جاء دليل خاصّ على بطلان الصلاة بشكّ ـ فيكون خارجا عن عموم هذه الموثّقات.
وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الشكوك المبطلة لا تخلو من أحد هذين الأمرين : إمّا لا يمكن العلاج فيها ، وإمّا دلّ دليل خاصّ على بطلان الصلاة بها.
هذا حال الشكوك المبطلة.
وأمّا الشكوك التي لا اعتبار بها كشكّ كثير الشكّ ، وشكّ كلّ واحد من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر ، والشكّ في النافلة ، والشكّ في صلاة الاحتياط ، فكلّها خارجة عن تحت هذه القاعدة وعموم هذه الموثّقات حكومة أو تخصيصا.
وأمّا الشكوك التسعة الصحيحة فكلّها مشمولة لهذه الموثّقات كما سنبيّن فيما سيأتي إنّ شاء تعالى.
الأمر الثاني : في أنّه عليه السلام بصدد علاج الشكّ بقوله : « إذا سهوت فابن على الأكثر » أو قوله : « كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر ، فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » أو غيرهما ممّا هو بهذا المضمون.
ومعلوم أنّ هذا العلاج لا يتمّ فيما إذا كان الأكثر من طرفي الشكّ أو أطرافه زائدا على الأربع.
فإذا كان الشكّ في الرباعيّة قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية تكون الصلاة باطلة لما تقدّم ، وتكون هذه الصورة خارجة عن عموم هذه الأخبار لما تقدّم أيضا.
وأمّا إن كان بعد تماميّة الركعتين وسلامتهما ، فلو كان أحد طرفي الشكّ أو أحد أطرافه زائدا على الأربع ، فالصلاة أيضا باطلة ، لعدم تطرّق هذا العلاج وليس علاج آخر.
نعم في خصوص الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحة بالبناء على الأقلّ الذي هو الأربع ـ وسجدتي السهو للزيادة المحتملة ـ أو كان هذا الشك في حال القيام حتّى بهدمه يرجع الشكّ إلى الثلاث والأربع كي لا يكون البناء على الأكثر مبطلا ، وهذا يجري في كلّ مورد كان طرف الأكثر هو الخمس وكان في حال القيام كي يرجع بالهدم إلى الأقلّ من الأربع والأربع ، فيمكن تطرّق هذا العلاج فتشمله هذه الأخبار.
الأمر الثالث : في صور الشكّ في الرباعيّة ، وهو على قسمين : مركّب وبسيط.
والمراد بالشكّ البسيط هو أن يكون للشكّ طرفان فقط : الأقلّ والأكثر ، كالشكّ بين الاثنين والأربع ، أو الثلاث والأربع.
والمراد بالمركّب هو أن يكون أطراف الشكّ أكثر من الاثنين ، كالشكّ بين الاثنين والثلاث والأربع.
وفي كلّ واحد من القسمين ـ أي البسيط والمركّب ـ إمّا أن لا يكون طرف الأكثر أكثر من الأربع أو يكون ، والقسم الثالث هو أن يكون كلا طرفي الشكّ أكثر من الأربع.
وإن شئت قلت : تارة لا يكون كلا طرفي الشكّ أكثر من الأربع. وأخرى يكون كلاهما أكثر من الأربع. وثالثة يكون أحد طرفيه أكثر دون الآخر.
أمّا الأوّل كالشكّ بين الثلاث والأربع. وأمّا الثاني كالشكّ بين الخمس والستّ.
وأمّا الثالث كالشكّ بين الأربع والخمس.
فمجموع الأقسام يصير ستّة : اثنان منها البسيط والمركب في نفس الرباعيّة ، بمعنى أنّ طرف الأكثر ليس زائدا على الأربعة ، أو كلاهما ـ أي طرفا الشكّ في البسيط والمركب ـ في الزائد على الأربعة ، أو كلاهما ـ أي البسيط والمركب ـ فيما إذا كان أحد طرفي الشكّ في الأربعة والطرف الآخر في الزائد عليها.
أمّا القسم الأوّل ، أي الشكّ البسيط في نفس الأربعة صورة ثلاث : وهي الشكّ بين الاثنين والثلاث ، والشكّ بين الاثنين والأربع ، والشكّ بين الثلاث والأربع.
أمّا القسم الثاني ، أي : الشكّ المركّب في نفس الأربعة فصورة واحدة ، وهي الشكّ بين الاثنين والثلاث والأربع.
فهذه أربع صور للشكّ البسيط والمركب في نفس الأربعة ، أي ليس طرف الأكثر زائدا على الأربعة.
وأمّا القسم الثالث ، أي الشكّ البسيط فيما إذا كان طرفا الشكّ زائدا على الأربعة ، كالشكّ بين الخمس والستّ.
وأمّا القسم الرابع ، أي الشكّ المركّب في الزائد على الأربعة بحيث تكون أطراف الشكّ زائدة على الأربعة ، كالشكّ بين الخمس والستّ والسبع.
وأمّا القسم الخامس ، أي الشكّ البسيط بحيث يكون أحد طرفيه في الأربعة والطرف الآخر فيما زاد عليها ، كالشكّ بين الأربع والخمس.
وأمّا القسم السادس ، أي الشكّ المركّب فيما إذا كان طرف الأقلّ داخلا في الأربعة وطرف الأكثر زائدا عليها ، كالشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، أو بين الأربع والخمس والستّ.
إذا عرفت هذا فنقول :
أمّا حكم القسم الأوّل والثاني أي تلك الصور الأربع فواضح ، أي يجب البناء على الأكثر وتتميم ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط ، كما هو صريح موثّقات عمّار.
نعم هاهنا أمران يجب أن يذكر :
[ الأمر ] الأوّل : أنّ مقتضى قوله عليه السلام ـ « فابن على الأكثر » لو لم يكن قوله عليه السلام : « فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » ـ هو المضي وعدم وجوب صلاة الاحتياط لأنّ معنى البناء على الأكثر عدم الاعتناء باحتمال الأقلّ عملا، بل يجب عليه أن يجعل عمله على طبق احتمال الأكثر.
لست أقول إنّه ـ أي البناء على الأكثر ـ أمارة ومن باب تتميم الكشف ، لأنّ الشكّ مأخوذ في موضوعه ، ومثل ذلك لا يمكن أن يكون أمارة ، لأنّ مفاد الأمارة إلغاء الشكّ ، والموضوع لا بدّ وأن يكون محفوظا حتّى يأتي الحكم ، وتخلّفه عن الموضوع خلف محال ، بل ولا نقول بأنّه من الأصول المحرزة ، لأنّ الأصل المحرز عبارة عن لزوم العمل على طبق أحد طرفي الشكّ عمل المتيقن به ولذلك يكون حاكما على الأصل غير المحرز لرفع موضوعه به تعبّدا ، وليس في أخبار الباب ما يدلّ على أنّ العمل بالأكثر والبناء عليه باعتبار أنّه عمل المتيقّن بالأكثر.
وعلى كلّ حال فيكون معنى البناء على الأكثر ترتيب آثار الأكثر شرعا من حيث العمل ، ومن آثار الأكثر أنّه ليس عليه شيء، لا صلاة الاحتياط ولا غيرها ، فتشريع صلاة الاحتياط بملاحظة احتمال الأقلّ وتداركه ، ولذلك ربما يقال بأنّ جعل صلاة الاحتياط مرجعه إلى البناء على الأقلّ لا البناء على الأكثر ، وقوله عليه السلام « ابن على الأكثر » يكون باعتبار تصحيح محلّ التشهّد والتسليم ، وإلاّ فبحسب أصل كمّيّة صلاة الفريضة يكون البناء على الأقلّ.
ولذلك قال بعضهم : إنّ البناء على الأكثر في الصلاة ليس مخالفا للاستصحاب ، بل وجوب صلاة الاحتياط يكون نتيجة استصحاب عدم إتيان ما يحتمل عدم إتيانه ، وإلاّ لم يكن وجه لوجوب الإتيان بصلاة الاحتياط.
الأمر الثاني : في أنّ طرف الأقلّ من الشكّ في الرباعيّة إذا كان الاثنتين لا بدّ وأن يكون بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، لما تقدّم من دلالة الروايات على لزوم حفظ الأوليين بتمامهما وكمالهما ، وأنّ الشكّ في أي جزء منهما ما لم يكن دليل شرعي أو عقلي على تماميّتهما مبطل للصلاة ، فيقع الكلام في أنّه ما المدار في إكمال السجدتين؟ هل هو الدخول في السجدة الثانية مع الاستقرار فيها ، أو بعد الإتيان بذكر الواجب فيها ، أو بعد رفع الرأس عنها؟ ونسب الأخير إلى المشهور.
ولكنّ الظاهر أنّ المدار في إكمالها هو الإتيان بالذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية ، وذلك من جهة أنّ وجود المركّب بوجود تمام أجزائه ، فإذا وجد الجزء الأخير منه مع كونه مسبوقا بوجود سائر الأجزاء في المركّب التدريجي الوجود يصدق أنّه وجد بتمامه وكماله ، وأمّا الخروج عنه فليس جزء له كما هو واضح.
ومعلوم أنّ الركعة عبارة عن القيام والذكر الواجب فيه من القراءة أو التسبيح والركوع والسجدتين ، فإذا وجد هذه الأمور فقد وجد الركعة بتمامها واحتمال أن يكون رفع الرأس من السجدة الثانية أيضا جزء للركعة بعيد بل مقطوع العدم ، لعدم الدليل عليه وإنما هو مقدّمة للدخول في الركعة التي بعدها ، أو للتشهد والتسليم.
فنقول :
إذا عرفت هذه الأمور فلنرجع إلى التكلّم في الشكوك الأربعة للقسم الأوّل والثاني ، أي الشكّ البسيط والمركّب ، من الشكّ في نفس الرباعيّة من دون أن يكون طرف الأكثر زائدا على الأربعة.
[ الصورة ] الأولى : أي الشك بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين فهو يبنى على الثلاث على المشهور ، بل ادّعى عليه الإجماع ، بل عن الأمالي : أنّه من دين الإماميّة (21).
والدليل عليه هي الموثّقات العمّار الثلاث التي تقدّمت .
هذا هو الحكم الأوّل في هذا الشكّ والحكم الثاني هو الإتيان بصلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بعد إتمام صلاته ، أي بعد إتيان الرابعة والتشهّد والتسليم.
والدليل على وجوب صلاة الاحتياط قبل الإجماع ـ لما قلنا مكررا من أنّ الإجماع في أمثال هذه الموارد ممّا لها مدرك من الأخبار الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب لا وجه له ـ هو ذيل الموثقات الثلاث للعمّار ، أي قوله عليه السلام : « فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » ، وما هو بمضمونه في الموثّقتين الأخيرين ، فإنّ ذيل هذه الموثّقات صريح في أنّ إتمام مظنون النقصان إنّما هو بعد الفراغ من الصلاة والانصراف عنها ، فيكون بصلاة مستقلّ وهو الذي نسمّيه بصلاة الاحتياط.
ثمَّ إنّ هاهنا أمران :
[ الأمر ] الأول : إنّ في هذه المسألة أقوال أخر : البناء على الأقل وهو المحكي عن الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه في الفقيه (22) ، والتخيير بين البناء على الأقلّ والأكثر وهو المحكي عن والده علي بن بابويه (23) ، والإعادة وهو المحكي عن المقنع (24).
ومنشأ هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في هذا المقام ، فلنذكرها كي نرى ما هو المحصّل منها ، فنقول :
منها : مصحّح زرارة ـ أو حسنته ـ عن أحدهما عليهما السلام ، قال : قلت له : رجل لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين؟ قال : « يعيد ». قلت : رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال : « إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى ولا شيء عليه ويسلّم » (25).
فربما يقال : بأنّ هذه الرواية دليل على قول الصدوق قدس سرّه أي البناء على الأقلّ ، وذلك من جهة أنّ قوله عليه السلام « مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى » معناه أنّ ما أتى به هو اثنين ، وهذا الذي بيده هو الثالثة ويصلّى الأخرى ، أي الركعة الرابعة الباقية متّصلة ويسلّم ولا شيء عليه ، لا الإعادة ولا صلاة الاحتياط ، وهذا هو البناء على الأقلّ.
وبعبارة أخرى : ظاهرها أنّ الركعة التي يشكّ في أنّها الثانية أو الثالثة هي التي فرغ عنها ودخل في الثالثة ، فالأمر بالمضي في الثالثة وقوله عليه السلام بعد ذلك « ثمَّ صلّى الأخرى ـ أي الرابعة ـ ويسلّم » صريح في أنّه أمر بالبناء على أنّ الركعة المشكوكة التي فرغ عنها بالدخول في الثالثة هي الثانية ، وهذا هو البناء على الأقلّ ، فيخصّص بها موثّقات عمّار المتقدّمة ، لأنّها أخصّ منها. والنتيجة هي قول الصدوق قدس سرّه أي البناء على الأقلّ.
هذا أحد الاحتمالين في الرواية الذي موافق لما نسب إلى الصدوق وحكي أيضا عن السيّد ـ قدّس سرهما ـ في المسائل الناصريات (26).
والاحتمال الآخر ـ الذي موافق لمذهب المشهور ، أي : البناء على الأكثر وأصرّ عليه صاحب الحدائق (27) واستظهره من هذه الرواية ـ هو أن يكون اللام في قوله « إن دخله الشكّ » للعهد ، أي الشكّ المسؤول عنه إن عرض له بعد الدخول في الثالثة ، أي الركعة التي قطعا ليس أقلّ من الثالثة ، وإن كان من المحتمل أن تكون هي الرابعة.
وقوله عليه السلام بعد ذلك « مضى في الثالثة » أي ، يمضي في صلاته مع بنائه على أنّ تلك الركعة المشكوكة المحتملة أن تكون الثانية أو تكون الثالثة هي الثالثة ، فتكون الركعة التي بيده هي الرابعة فيكون المراد بقوله « ثمَّ صلّى الأخرى » هو أن يأتي بركعة منفصلة ، أعني صلاة الاحتياط ، وبعد أن أتم ما ظنّ نقصه بصلاة الاحتياط يسلّم. وهذا كما ترى هو البناء على الأكثر في الركعة المشكوكة.
وممّا يؤيّد أنّ المراد بقوله عليه السلام « ثمَّ صلّى الأخرى » هي الركعة المنفصلة لا الموصولة هي كلمة « ثمَّ » التي للترتيب بانفصال ، وإلاّ لو كان المراد هي الركعة الموصولة لكان ينبغي أن يقول عليه السلام « مضى في الثالثة ويصلي الأخرى » بالواو لا بثمّ.
ثمَّ إنّه على تقدير أن لا يكون هذا الاحتمال أظهر من الاحتمال الأوّل لكن يكون موجبا لإجمال الرواية ، فلا يكون دليل على البناء على الأقلّ كما توهّم.
ولكن الإنصاف أنّ الاحتمال الأوّل ـ أي كون الأمر بالمضي في الثالثة بمعنى أنّه يبنى على أنّ ما بيده الذي هو كان ظرف وجود الشك في أنّ الركعة التي خرج منه ودخل في الثالثة هل هي الثانية أو الثالثة هي الثالثة ـ أظهر ، وذلك من جهة ظهور قوله عليه السلام « ثمَّ صلّى الأخرى ولا شيء عليه ويسلّم » في الركعة الموصولة.
ويؤيّد هذا الظهور وقوع « يسلّم » بعد هذه الجملة ، ولو كان المراد هي الركعة المنفصلة وصلاة الاحتياط كان ينبغي أن يقدّم هذه الكلمة ويقول « يسلّم ثمَّ صلّى الأخرى ».
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا التعبير منه عليه السلام إيهام إلى البناء على الأقلّ تقيّة ، وفي أخبار الباب يوجد كثيرا مثل هذا الخبر ممّا ظاهرها يوهم البناء على الأقلّ وظاهر عليها أمارات التقيّة والتورية ، وقد أشرنا إليها في بعض روايات باب الاستصحاب.
فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ هذه الرواية مجملة لا تدلّ على قول المشهور ، ولا على ما حكي عن الفقيه وعن السيّد من البناء على الأقلّ.
ومنها : رواية العلاء قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال عليه السلام : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » (28) بناء على أنّ المراد من البناء على اليقين هو البناء على الأقلّ ، لأنّه هو المتيقّن.
ولكن أنت خبير بأنّه ينفي هذا الاحتمال قوله عليه السلام : « فإذا فرغ تشهّد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » لأنّ هذا ظاهر في صلاة الاحتياط أوّلا لتعيينه عليه السلام فاتحة الكتاب في القراءة ، وثانيا بقرينة قوله عليه السلام « فإذا فرغ تشهّد » لظهور هذا التشهّد في التشهّد الثاني ، أي ما هو في الركعة الرابعة ، فأمره عليه السلام ـ بعد هذا التشهّد بالقيام وصلاة ركعة بفاتحة الكتاب ـ صريح في صلاة الاحتياط ، لأنّه لا مورد للركعة الموصولة بعد التشهّد الثاني كما هو واضح. وصلاة الاحتياط ركعة واحدة في مفروض المسألة لا يلائم إلاّ على البناء على الأكثر.
هذا ، مضافا إلى أنّ مصطلح الأخبار هو تسمية البناء على الأكثر بالبناء على اليقين ، فهذه الرواية أيضا لا تدلّ على البناء على الأقلّ كما توهّم.
ومنها : صحيحة عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال عليه السلام : « يعيد ». قلت: أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه »؟ فقال عليه السلام : « إنّما ذلك في الثلاث والأربع » (29).
وبعد ما عرفت من الإجماع والروايات على عدم وجوب الإعادة وعدم بطلان الصلاة بالشكّ بين الاثنتين والثلاث إذا كان بعد إكمال السجدتين ، فلا بدّ من حمل هذه الصحيحة على وقوع الشكّ المذكور قبل إكمال السجدتين.
وأمّا الاستدلال للبناء على الأقلّ بموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال : « إذا شككت فابن على اليقين » قال : قلت : هذا أصل؟ قال : « نعم » (30). وبما هو بهذا المضمون من البناء على اليقين في أخبار كثيرة ، فالظاهر أنّه ليس المراد من البناء على اليقين البناء على القدر المتيقّن الذي هو الأقلّ ، بل المراد اليقين بالامتثال الذي هو البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط إتماما لما ظنّه من النقصان.
وقد عبّر في الأخبار عن هذا بالبناء على اليقين ، كما في خبر قرب الإسناد في رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال : « يبني على اليقين فإذا فرغ تشهّد وقام وصلّى ركعة بفاتحة الكتاب ».
وأنت خبير بأنّ قوله عليه السلام وقام وصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » المراد به صلاة الاحتياط ، وعدم ذكر التسليم بعد قوله عليه السلام « فإذا فرغ وتشهّد » للنكتة التي نبّهنا عليها وهي الإيهام للتقيّة وصلاة الاحتياط معناها البناء على الأكثر ، فعبّر عن البناء على الأكثر بالبناء على اليقين ، أي اليقين بالامتثال.
والحاصل : أنّ هذه الطائفة من الروايات إن لم تكن دليلا على البناء على الأكثر فليست دليلا على البناء على الأقلّ.
وأمّا سائر الروايات التي ظاهرها البناء على الأقلّ ـ على تقدير وجودها وعدم الإشكال في دلالتها ـ لا بدّ من طرحها ، أو تأويلها بضرب من التأويل ، لإعراض الأصحاب عنها ، بل انعقاد الإجماع على خلافها ، إذ لم ينقل الخلاف إلاّ عن السيّد والصدوق ـ 0 ـ في الناصريّات (31) وفي الفقيه (32) ، على إشكال في الأوّل ، إذ المنقول عن انتصاره موافقته للمشهور (33). وأمّا الصدوق فالمنقول عنه تجويز البناء على الأقلّ لا تعيينه ، مع أنّ المنقول عن مقنعة بطلان الصلاة ووجوب إعادتها (34).
ثمَّ إنّه استدلّ للقول المشهور أيضا بصحيحة محمّد بن مسلم قال : « إنّما السهو بين الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين بتلك المنزلة ومن سها فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا واعتدل شكّه قال : يقوم فيتمّ ثمَّ يجلس ويتشهّد ويسلّم ويصلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمَّ قرأ وسجد سجدتين ، ثمَّ تشهّد وسلّم. وإن كان أكثر وهمه اثنتين نهض فصلّى ركعتين وتشهّد وسلّم » (35).
ودلالتها على المطلوب ـ أي البناء على الأكثر ـ متوقّف على أن يكون المراد بقوله « فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا » هي الركعة التي على وشك الشروع فيها ولم يشرع بعد بأن يكون جالسا ويشكّ في أنّ الركعة التي يجب أن يقوم بإتيانها هل هي الثالثة أو الرابعة؟ فيقول عليه السلام في مقام الجواب عن هذا السؤال « يقوم ويتمّ » أي يبني على أنّ هذه الركعة التي يريد أن يأتي بها هي الرابعة ، فيأتي بها بهذا العنوان ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، فهذا معنى قوله « يقوم فيتمّ » وبيان له.
ثمَّ يقول عليه السلام في علاج تدارك ما احتمل نقصه بعد البناء على الأكثر الذي هو الأربع في المقام « ويصلّي ركعتين » إلى آخر ما قال عليه السلام ، فيعالج الشكّ بركعتين من جلوس بدل ركعة من قيام ، كما هو المذكور في سائر أخبار صلاة الاحتياط.
ولكنّ الإنصاف أنّ هذا خلاف ظاهر جملة « فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا » جدّا ، بل ظاهرها أنّ ما أتى به لم يدر أنّه ثلاث أو أربع؟ فقوله عليه السلام « يقوم فيتمّ » ظاهره البناء على الأقلّ ، أي يبنى على أنّ ما أتى به ثلاث فيقوم فيتمّ ، أي يأتي بالرابعة وهذا ظاهرها جدّا.
لكنّ هذا الظاهر لا يلائم مع قوله عليه السلام فيما بعد هذه الجملة « ويصلّى ركعتين » لأنّه بناء على أنّ ما أتى به ثلاث ، فقام وأتى بالرابعة فلا يبقى مجال لصلاة الاحتياط ، لعدم احتمال النقيصة بناء على هذا كي يحتاط.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ وجوب ركعتين من جلوس في المفروض حكم تعبّدي وليس من باب تدارك ما نقص ، وهو بعيد إلى الغاية.
وعلى كلّ حال إثبات البناء على الأكثر أو الأقلّ بهذه الرواية مشكل جدّا ، لإجمالها.
ولكنّ هذا الحكم ـ أي البناء على الأكثر في الشكّ بين الاثنتين والثلاث ـ إجماعي ، ومدلول الروايات العامّة التي مفادها البناء على الأكثر في أي شكّ في أعداد الركعات في الفريضة الرباعيّة إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا لفسادها ولبطلان الصلاة، وليس في البين ما يخصّصها.
وقد عرفت حال سائر الأقوال من البناء على الأقلّ ، والقول بالتخيير ، والقول بالبطلان ولزوم الإعادة.
هذا ، مضافا إلى الأدلة الخاصّة ، أي الروايات الواردة في خصوص الشكّ بين الاثنتين والثلاث التي مفادها البناء على الأكثر، كحسنة زرارة التي تقدّمت ، ورواية قرب الإسناد في رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال : « يبني على اليقين » بناء على ما تقدّم من أنّ المراد بالبناء على اليقين هو اليقين بالامتثال أي : البناء على الأكثر ، وتدارك ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط.
الأمر الثاني : هو بيان مدرك التخيير في صلاة الاحتياط في هذه الصورة بين إتيانها ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام ، فنقول :
ذكروا لذلك وجوها :
الأوّل : قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : « ويصلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » ظاهر في أنّ تدارك ركعة محتمل الفوت بركعتين من جلوس. وفي رواية قرب الإسناد بركعة من قيام.
ومقتضى الجمع الدلالي العرفي ـ الذي يرفع التعارض بينهما ـ هو الحمل على التخيير ، وهذا ليس من التخيير الذي هو مفاد أدلّة التخيير في باب تعارض الخبرين حتّى يتكلّم فيه أنّه تخيير في المسألة الأصوليّة أو الفرعية ، بل العرف يجمع بينهما بالتخيير فيرتفع التعارض من البين.
وفيه : أنّه لو كانت هاتان الروايتان واردتين في مورد الشكّ بين الاثنتين والثلاث لكان لهذا الكلام وجه وجيه ، ولكن موردهما مختلف ، لأنّ مورد الصحيحة هو الشكّ بين الثلاث والأربع ، ومورد رواية قرب الإسناد هو الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، فيحتاج إلى تنقيح المناط...
الثاني : أنّ هذا الشكّ بعد البناء على الثلاث والقيام للركعة الرابعة مستلزم لشكّ آخر وهو أنّ هذه الركعة التي قام إليها ـ أعني الرابعة البنائية ـ يشكّ وجدانا أنّها ثالثة أو رابعة ، فكلّ شكّ بين الاثنتين والثلاث ينتهي بالأخرة إلى الشكّ بين الثلاث والأربعة، وحكم صلاة الاحتياط فيه ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ هو التخيير المذكور لمرسل جميل الآتي إن شاء الله ، فمدرك التخيير في صلاة الاحتياط في الشكّ بين الاثنتين والثلاث هو نفس مدرك التخيير في الشكّ بين الثلاث والأربع.
وفيه : أنّ ظاهر أدلّة البناء على الأكثر هو باعتبار أوّل شكّ يحصل له ، لا باعتبار الشكوك اللازمة لهذا الشكّ ، غاية الأمر بشرط استقراره وعدم انقلابه الى شكّ آخر.
وأمّا مسألة تتالي الشكوك الذي قاس شيخنا الأستاذ قدس سرّه المقام به (36) فليس من قبيل ما نحن فيه ، لأنّها من قبيل تبدّل الشكّ الأوّل وانقلابه إلى شكّ آخر بعد زوال الشكّ الأوّل ، وما نحن فيه الشك الأوّل موجود ، وهذا الشكّ الثاني من لوازم الشكّ الأوّل.
والإنصاف أنّ هذه المقايسة من شيخنا الأستاذ قدس سرّه غريب.
الثالث : تنقيح المناط ، بمعنى العلم بأنّ المقصود من صلاة الاحتياط هو تدارك ما فات على تقدير فوته بعد البناء على الأكثر، لكونه في الواقع هو الأقلّ.
وقد جوّز الشارع وخيّر المكلّف بين تدارك كلّ ركعة بركعة من قيام مثل ما فات ، وبين تدارك كلّ ركعة بركعتين من جلوس.
فإذا صرّح الشارع في مورد بمثل هذا التخيير ـ كما أنّه صرّح في الشكّ بين الثلاث والأربع في مرسل جميل ـ نعلم بعدم خصوصيّة لذلك المورد ، بل طريق تدارك ما فات أحد الأمرين.
ومرسل جميل عن الصادق عليه السلام هو هذا : قال فيمن لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء؟ قال عليه السلام : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (37).
فبناء على هذا لا فرق في التخيير في صلاة الاحتياط بين ركعتين من جلوس وبين ركعة من قيام ، بين أن يكون الشكّ بين الثلاث والأربع وبين أن يكون بين الاثنتين والثلاث ، لوحدة المناط والملاك.
ولكن أنت خبير بأنّ تنقيح المناط لا يفيد إلاّ في مورد القطع بالمناط والملاك ، وإلاّ لا يخرج عن كونه قياسا باطلا.
الرابع : الإجماع ، وهو العمدة ، واعتمد عليه في هذا الحكم جميع كثير.
ولكن أنت خبير بأنّ الإجماع الاصطلاحي الذي قلنا بحجّيته في الأصول هو فيما إذا لم يكن للمتّفقين مستند معلوم ، وأمّا في أمثال المقام ممّا ذكروا له مستندات فليس من قبيل ذلك الإجماع الذي قلنا ، بل لا بدّ من الرجوع إلى نفس المدارك ، وقد عرفت الحال فيها فلا ينبغي ترك الاحتياط في المقام بأن يأتي بركعة من القيام والأحوط منه أن يجمع بينهما وأحوط من ذلك إعادة الصلاة أيضا مضافا إلى ذلك الاحتياط.
والوجه في هذه الاحتياطات الثلاث واضح بعد الإحاطة على ما ذكرنا.
الصورة الثانية : من الصور الأربعة التي للشكّ البسيط والمركّب في نفس الأربعة ، بمعنى عدم خروج طرف الأكثر عن الأربعة ، أي لا يكون زائدا عليها ، وهي عبارة عن الشكّ بين الثلاث والأربع في أي حال من الحالات ، كان في حال القيام أو الركوع أو السجود يبني على الأكثر ـ أي الأربع ـ ويتمّ ويسلّم بعد أن تشهّد ، ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط مخيّرا بين ركعتين من جلوس وبين ركعة من قيام.
أمّا البناء على الأكثر : فأوّلا لما مرّ من الأدلّة العامّة ، كموثّقات الثلاث العمّار الدالّة على البناء على الأكثر في كلّ فريضة رباعيّة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فيما إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا للفساد والبطلان ، كما أنّه فيما نحن كذلك ، أي ليس موجبا للفساد والبطلان.
وثانيا للأخبار الخاصّة في نفس المورد ، أي في الشكّ بين الثلاث والأربع :
فمنها : صحيحة عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس البقباق ، جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وان وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع ، فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل ووهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس » الحديث (38).
ومنها : مرسلة جميل عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : فيمن لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء؟ قال : فقال عليه السلام : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إنّ شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » الحديث .
ومنها : صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال : « إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات » (39).
ومنها : مصحّح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال عليه السلام : « وإنّ كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلّم ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ، فإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، وإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد وسلّم ثمَّ اسجد سجدتي السهو » (40).
ومنها : حسن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر في التشهّد » (41).
ومنها : موثق أبي بصير فيمن لا يدري في الثالثة هو أم في الرابعة ، قال عليه السلام : « فما ذهب وهمه إليه إن رأى أنّه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء ، سلّم بينه وبين نفسه ، ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب » (42).
وروايات أخر ذكرها في الوسائل في باب الذي عقده لهذه المسألة (43) ، وإن شئت فراجع.
فهذه الأخبار مضافا إلى الأخبار العامّة دلالتها على البناء على الأكثر في هذه الصورة من الشكّ ـ أي الشكّ بين الثلاث والأربع وإتمام ما نقص بصلاة الاحتياط ـ واضحة لا يحتاج إلى شرح وإيضاح.
نعم في صحيحة زرارة ربما يقال بأنّها تدل على البناء على الأقل ، لأنّ قوله عليه السلام « قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه » ظاهرها هي الركعة الموصولة فيكون عبارة عن أنّه ابن على الثلاث الذي هو الأقلّ في المقام وقم وائت بالرابعة ولا شيء عليك.
ويؤيّد هذا المعنى أيضا تطبيقه عليه السلام هذا الحكم على الاستصحاب بقوله « ولا ينقض اليقين بالشكّ » أي اليقين بعدم الرابعة بالشكّ في وجوده ، بل يجب عليه أن يبني على العدم ويقوم ويأتي بالرابعة ، وهذا هو البناء على الأقلّ.
ولكنّ أنت خبير بأنّ ظاهر هذه الجملة وإن كان كما توهّمه المتوهّم ولكن ظاهر الجملات الأخر
الستّ ما عدا قوله عليه السلام « ولا ينقض اليقين بالشكّ » أنّ المراد باليقين هو اليقين بالامتثال وهو أن يبني على الأكثر ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط لتدارك ما فات على تقدير فوته منفصلا ، وإلاّ لو كان المراد هي الركعة الموصولة والتطبيق على الاستصحاب لما كان لهذه التأكيدات وجه ، فمن هذه التأكيدات يستكشف أنّه عليه السلام بصدد بيان البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط للتدارك منفصلا ، ولكن بصورة البناء على الأقلّ كي لا يكون مخالفا للتقيّة ولرأي الجمهور.
والشاهد الآخر : أنّه عليه السلام في صدر هذه الصحيحة يقول في جواز قول السائل : قلت له : من لم يدر أنّه في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب » (44).
ولا شكّ في أنّ جوابه عليه السلام بقوله « يركع ركعتين » إلى آخره ظاهر بل صريح في البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط منفصلا ، وبعيد إلى الغاية أنّه عليه السلام يحكم في الصدر بالبناء على الأكثر وفي الذيل بالبناء على الأقلّ ، وإن كان هو في الشكّ بين الاثنتين والأربع وهذا في الشكّ بين الثلاث والأربع.
ثمَّ إنّ في هذه الصحيحة ناقشوا بعض المناقشات ليس مربوطا بمسألتنا ، وقد فصّلنا الكلام فيها في كتابنا « منتهى الأصول » (45).
وخلاصة الكلام : أنّ حمل الصحيحة على الركعة الموصولة بعيد وخلاف ظاهر الفقرات الستّ ، وأمّا ما رجّحنا في كتابنا « منتهى الأصول » (46) من دلالة هذه الصحيحة على حجّية الاستصحاب فلا ينافي البناء على الأكثر ، لما ذكرنا هناك.
ثمَّ إنّ في هذه الروايات في بعض فقراتها وجملها وإن كان ما يقتضي شرحها والتكلّم عنها ولكن أصل المطلب وما نحن بصدد إثباته حيث أنّه معلوم ـ وبعبارة أخرى : دلالتها على كلا الأمرين ، أي البناء على الأكثر ووجوب التدارك بصلاة الاحتياط حيث أنّها واضحة ـ فلا يهمّنا بيان سائر ما فيها والإشكالات التي أوردوها عليها والجواب عنها.
نعم بقي أمر : وهو أنّ صلاة الاحتياط هاهنا هل الواجب هو ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس ، أو التخيير بينهما؟
ظاهر العمّاني (47) والجعفي (48) على المحكي عنهما تعيين ركعتين من جلوس (49) ، كما أنّ المحكي عن بعض القدماء هو تعيين ركعة من قيام ، ولكن فتوى المشهور هو التخيير ، وهو الصحيح.
أمّا أولا : فلمرسلة جميل التي تقدّمت حيث يقول عليه السلام فيها : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » .
وضعفها منجبر بعمل الأصحاب.
وأمّا ثانيا : فمن جهة أنّ ظاهر موثّقات عمّار هو أن يكون الاحتياط بركعة من قيام ، لأنّ ذلك مقتضى إطلاق قوله عليه السلام : « وأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » ، وخصوصا قوله عليه السلام في موثّقة الأخرى للعمّار : « إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت » .
فأمره عليه السلام بالقيام وصلاة الاحتياط بعد الفراغ والتسليم للصلاة الأصليّة له ظهور تامّ في أنّ صلاة الاحتياط لا بدّ وأن تكون عن قيام.
وظاهر هذه الروايات الخاصّة بل صريح جميعها هو كونها ركعتين من جلوس ، ومقتضى الجمع الدلالي العرفي بين الطائفتين هو التخيير. مضافا إلى ادّعاء الإجماع من بعض في المسألة والشهرة المحقّقة ، لأنّه لا مخالف من القدماء إلاّ العمّاني والجعفي.
نعم الأحوط هو الأخذ في مقام العمل بركعتين من جلوس خروجا عن خلاف العمّاني والجعفي ، ولأنّ الروايات الواردة في نفس المسألة أغلبها ـ إن لم يكن جميعها ـ مفادها تعيين ركعتين من جلوس.
ولو احتاط بالجمع فالأحوط تقديم ركعتين من جلوس ، لأنّه بناء على تعيّن ركعتين من جلوس الذي احتماله ليس بعيدا فإن قدّم الركعة من قيام يكون فاصلا بين الصلاة الأصليّة وبين صلاة الاحتياط ، وهذا لا يجوز.
وأمّا القائلون بالتخيير بين البناء على الأقلّ والأكثر ، كالصدوق (50) من القدماء وبعض المتأخّرين ، فاستدلّوا بأخبار الاستصحاب وقالوا بأنّ مقتضاها هو البناء على الأقلّ ، ومقتضى موثّقات عمّار وهذه الأخبار الخاصّة هو البناء على الأكثر ، فمقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو التخيير.
ولكن أنت خبير بأنّ هذه الأخبار بل وموثّقات عمّار أخصّ من أخبار الاستصحاب فتخصّص بها أخبار الاستصحاب ، ولا موجب لرفع اليد عن ظهور كليهما بالجمع بالتخيير.
وأمّا استدلالهم بصحيحة زرارة فقد عرفت الحال فيها وأنّها لا تدلّ على البناء على الأقلّ كما توهّموا ، وعلى تقدير دلالتها يكون من باب التقيّة فلا حجّية لها.
الصورة الثالثة : من الصور الأربع ، هو الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين. فأيضا المشهور هو البناء على الأكثر ـ أي الأربع ـ والاحتياط بركعتين منفصلتين عن الصلاة الأصليّة قائما.
ويدلّ على قول المشهور :
أوّلا : موثّقات عمار الثلاث المتقدّمة .
وثانيا : الأخبار الخاصّة في نفس المسألة :
منها : صحيح محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : « عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع؟ قال عليه السلام : « يسلّم ثمَّ يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب فيشهد وينصرف وليس عليه شيء » (51).
ومنها : صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام ، قال عليه السلام : « إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلّم ، ثمَّ صلّ ركعتين وأربع سجدات ، تقرأ فيهما بأمّ القرآن ثمَّ تشهّد وسلّم ، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت الأربع كانتا هاتان نافلة » (52).
ومنها : صحيح زرارة الذي تقدّم ذكره ، حيث إنّ في صدره : من لم يدر في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال عليه السلام : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه » .
ومنها : خبر ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا؟ قال عليه السلام : « يتشهّد ويسلّم ، ثمَّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ، ثمَّ يتشهّد ويسلّم ، فإن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو » (53).
فهذه الأخبار الخاصّة بالشكّ بين الاثنتين والأربع ، مضافا إلى الأخبار العامّة تدلّ دلالة واضحة في هذه الصورة على البناء على الأكثر ، أي الأربع. وكذا تدل على أنّ صلاة الاحتياط فيها ركعتين من قيام ، وهذه الأخبار كلّها متفق في هذا الحكم ، ولذلك لا خلاف بين القائلين بالبناء على الأكثر في هذه الصورة في هذا الحكم ، أي في أنّ صلاة الاحتياط هاهنا ركعتان من قيام.
نعم ذهب بعض إلى البناء على الأقلّ ومستندهم في ذلك أخبار ربما يشعر بذلك ، ولكن لا بدّ من حملها على التقيّة أو طرحها، من جهة مخالفتها لهذه الأخبار الصحيحة الخاصّة والعامّة ، وإعراض المشهور عنها ، بل ربما ادّعى الإجماع على خلافها ، مضافا إلى موافقتها للعامّة ، ولذلك أخبار البناء على الأقلّ يجب أن تطرح أو يؤول.
وأمّا صحيح محمّد بن مسلم ـ قال : سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا؟ قال عليه السلام : « يعيد الصلاة » (54) ـ فلم يفت أحد بمضمونه إلاّ ما حكي عن الصدوق قدس سرّه في المقنع (55) على كلام فيه ، لأنّه حكى عنه أيضا أنّه قال : وروى أنّه يسلّم فيقوم فيصلّي ركعتين (56). فلعلّه يقول بالتخيير بين البناء على الأكثر والإعادة ، بل يمكن استظهاره من هذا الكلام بناء على ما يقال : إنّ نقله لرواية علامة للعمل بها.
وللقول بالتخيير بين البناء على الأكثر والإعادة وجه ، وهو أنّ البناء على الأكثر على وجه الترخيص للعلاج وتصحيح العمل تخفيفا على المكلّف. وحكي ذلك عن الشهيد في الذكرى وعن العلاّمة أيضا (57) ، فإذا كان الأمر كذلك فالإعادة مجزية بطريق أولى.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حرمة قطع العمل وإبطاله مانع عن جواز الإعادة ، لا البناء على الأكثر.
ولكن يمكن أن يقال : بأنّه بناء على قول المشهور ـ أي البناء على الأكثر ـ أيضا يجب أن يسلم ويخرج من الصلاة.
فهذه الرواية التي مفادها الإعادة متّفقة مع روايات البناء على الأكثر في الخروج عن الصلاة ، غاية الأمر أنّ مفاد روايات البناء على الأكثر هو العلاج بإتمام ما نقص بصلاة الاحتياط تخفيفا على المكلّف ، وهذه الرواية مفادها تفريغ الذمة بالإعادة ، فالنتيجة هو التخيير بين الأمرين. وعلى كلّ ، هذه الرواية بمعنى وجوب الإعادة تعيينا معرض عنها للجميع ، فلا بدّ من تأويلها أو طرحها.
الصورة الرابعة : هو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، والصور الثلاث التي تقدّمت كانت من الشكّ البسيط في نفس الرباعيّة ، بمعنى أنّ طرف الأكثر من الشكّ لم يكن زائدا على الأربع ، وهذه الصورة تكون من الشكّ المركّب أيضا في نفس الرباعيّة بالمعنى المذكور.
وقد تقدّم المراد من الشكّ المركّب والبسيط ، ونقول :
إنّ هذا الشكّ مركّب أي في الحقيقة ليس شكّا واحدا بل مركّب من شكّين فما زاد ، كما أنّ هذا الشكّ مركّب من ثلاثة شكوك ، الأوّل : بين الاثنين والأربع. والثاني : بين الاثنين والثلاث. والثالث : بين الثلاث والأربع.
والحكم في هذه الصورة أيضا البناء على الأكثر ـ أي الأربع ـ وصلاة الاحتياط يقرأ ركعتين من قيام لاحتمال أن يكون الاثنين، وركعتين من جلوس ، لاحتمال أن يكون ثلاثا. وأمّا احتمال أن يكون أربعا فلا يحتاج إلى تدارك ، لأنه تامّ فيكون ما صلّى احتياطا ، نافلة على هذا التقدير. والاحتمالات منحصرة فيما ذكرنا.
ومستند هذا الحكم ـ مضافا إلى ادّعاء الإجماع عن الانتصار (58) والغنية (59) ، والروايات العامّة ، أي الموثّقات الثلاث المتقدّمة للعمّار ـ الروايات الخاصّة الواردة في خصوص هذه الصورة :
منها : صحيح ابن أبي عمير ، عن الصادق عليه السلام في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى ، أم ثلاثا ، أم أربعا؟ قال عليه السلام : « يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلم ، فإن كان أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلاّ تمّت الأربع » (60).
ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الكاظم عليه السلام : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل لا يدري اثنتين صلّى ، أم ثلاثا ، أم أربعا؟ فقال : « يصلّي ركعة من قيام ـ على بعض نسخ الفقيه ـ وركعتين ـ على بعض نسخ الآخر ـ ثمَّ يصلّي ركعتين وهو جالس » (61).
ودلالة هذه الروايات على أصل الحكم ـ أي البناء على الأكثر ، أي الأربع هاهنا ـ واضحة ، ولا خلاف فيه أيضا إلاّ من ابن الجنيد (62) فإنّه جوّز البناء على الأقلّ ، وليس له دليل على هذا التخيير إلاّ تخيّل أنّه مقتضى الجمع بين الأخبار الدالّة على البناء على الأقلّ والأخبار التي تدلّ على البناء على الأكثر.
وأنت خبير بما في هذا الكلام ، وأنّ أخبار البناء على الأقلّ محمولة على التقيّة ، ومعرض عنها عند المشهور ، بل عرفت ادّعاء الإجماع عن الغنية والانتصار على خلافها في خصوص هذا المورد.
فالإنصاف أنّ أصل الحكم ـ أي : البناء على الأكثر وتدارك ما احتمل فوته بصلاة الاحتياط ـ ممّا لا ينبغي أن يشكّ فيه.
نعم وقع الخلاف في كيفيّة صلاة الاحتياط من حيث الكميّة ، ومن حيث الترتيب بين الركعتين قائما والركعتين جالسا.
أمّا الأوّل أي الاختلاف من حيث الكميّة ، فقد عرفت أنّ المشهور هو ركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
ومقابل هذا القول ما عن الصدوق (63) ووالده (64) ـ قدس سرّهما ـ وقوّاه الشهيد قدس سرّه أيضا في الذكرى (65) من حيث الاعتبار ركعة من قيام بدل ركعتين.
ودليلهم على هذا القول أمران :
الأوّل : موافقته للاعتبار ، ومن هذه الجهة قوّاه الشهيد ، وهو أنّه كما أشرنا إليه أنّ الاحتمالات في هذا الشكّ منحصرة في الثلاثة ، لأنّه إمّا صلّى اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، فإن صلّى أربعا فصلاته من حيث عدد الركعات تامّة لا يحتاج إلى التدارك وصلاة الاحتياط أصلا ، وإن كان ما صلّى ثلاثا فيكفي في التدارك ركعة واحدة قائما ولا يحتاج إلى الاثنتين قائما ، بل هو مضرّ كما هو واضح ، وإن كان اثنتين فمع انضمام تلك الركعة الواحدة إلى الركعتين من جلوس يكفي في تدارك الاثنتين الفائتتين ، لأنّ الركعتين من جلوس تحسبان ركعة من قيام ، فلا يحتاج إلى ركعتين من قيام.
ولكن أنت خبير بأنّ هذا الاعتبار لا يقاوم تلك الأدلّة الدالّة على وجوب ركعتين من قيام ، ويكون اجتهادا مقابل النصّ.
الثاني : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج بناء على أن يكون متن الرواية ركعة من قيام ، لا ركعتين ، أي بناء على إحدى نسختي الفقيه.
وفيه أوّلا : أنّ اختلاف النسخة لا يوجب تعدّد الرواية كي يدخل في باب تعارض الخبرين ، فيشمله أخبار التخيير عند فقد المرجّحات أو مطلقا بناء على حمل أخبار الترجيح بالمزايا على الاستحباب أو على وجه آخر ، بل كلّ واحد من محتملي الصدور يسقط عن الحجية للشكّ في موضوع الحجّة.
وثانيا : الظاهر من نفس كلام الفقيه هو أنّ عبارة صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج « ويصلّي ركعتين من قيام لا ركعة من قيام » كما في بعض النسخ ، وذلك من جهة أنّه بعد نقله هذه الصحيحة عن عبد الرحمن بن الحجّاج وفيها على النسخة المخطوطة التي عندي « يصلّي ركعتين من قيام » يروى عن علي بن حمزة رواية ، وعن سهل بن اليسع رواية ثمَّ يقول بلا فصل : وقد روى أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس.
فلو كان في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج « يصلّي ركعة واحدة من قيام » على نقله ، لم يكن محلّ لأن يقول : وقد روى أنّه يصلى ركعة من قيام. فنقل هذه المرسلة يوجب الاطمئنان بأنّ ما في صحيحة عبد الرحمن هو « ويصلّي ركعتين من قيام».
فيبقى مرسلة صدوق فقط ، وهو مع إعراض المشهور لا يصحّ أن تكون مستندا لفتواهم ، فالصحيح ما هو عليه المشهور.
وأمّا تقديم ركعتين من قيام على ركعتين من جلوس فهو ظاهر هذه الأخبار ، حيث أنّه عليه السلام يقول فيها بعد الأمر بصلاة ركعتين من قيام : « ثمَّ يصلى ركعتين من جلوس » ومعلوم أنّ كلمة « ثمَّ » يفيد الترتيب والبعديّة.
فما حكى من القول بالتخيير عن المرتضى في الانتصار (66) ، أو القول بوجوب تقديم ركعتين من جلوس كما نسب القول به إلى بعض الأصحاب ، لا وجه له.
وأضعف من هذين القولين القول بلزوم تقديم ركعة من ركعتي القيام دون كليهما إن كان له قائل ، وقد نسبه الفقيه الهمداني إلى المفيد (67) ـ قدس سرّهما.
وذلك لأنّ الوجه الاعتباري المتوهّم ـ وهو أن الفائت لو كانت ركعة واحدة تكون تلك الركعة الواحدة تداركا لها ، ولو كانت اثنتين تكون هي والركعتين من جلوس اللتان تحسبان ركعة واحدة من قيام ، أو مع الركعة الواحدة الأخرى من قيام تداركا للاثنتين الفائتين ـ لا يأتي هاهنا. وفيه ما لا يخفى.
والذي ذكرنا من أقسام الشكوك الأربعة كان من أقسام الشكّ في نفس الأربعة ، بمعنى أنّ طرف الأقلّ والأكثر كانا من نفس الأربعة وبعد إكمال السجدة الثانية من الركعة الثانية ، سواء كان الشكّ بسيطا أو مركّبا على التفسير المتقدّم.
فهذه الشكوك الأربعة التي تقدّم ذكرها قسمان من الأقسام الستّة التي قسّمنا الشكوك إليها ، أي الشكّ البسيط والمركّب في نفس الأربعة.
وأمّا لو كان طرف الأكثر من الشك زائدا على الأربعة ، فالصور كثيرة في قسميه ، أي البسيط والمركب بحسب إمكان الوقوع ، وإن كان وقوعه نادرا.
وقد ذكر الشهيد الثاني في شرح الألفيّة (68) : أنّ جميع صور الشكّ إمّا ثنائيّة أي للشكّ طرفين فقط ، أو ثلاثية ، أي : له ثلاثة أطراف ، أو رباعية أي له أربع أطراف.
وهذه الشكوك إمّا في الأربعة أو بزيادة الخامسة.
فالثنائيّة : ستّ صور. وهي :
الأوّل : الشكّ بين الاثنتين والثلاث.
والثاني : بين الاثنتين والأربع.
والثالث : بين الاثنتين والخمس.
والرابع : بين الثلاث والأربع.
والخامس : بين الثلاث والخمس.
والسادس : بين الأربع والخمس.
والثلاثية : أربع صور :
الأوّل : بين الاثنتين والثلاث والأربع. الثاني : بين الاثنتين والثلاث والخمس.
الثالث : بين الاثنتين والأربع والخمس. الرابع : بين الثلاث والأربع والخمس ، فمجموعهما عشرة.
والرباعيّة واحدة ، وهي بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس.
فهذه كلّها أحد عشر ، وباعتبار حال عروض الشكّ في الركعة ينقسم إلى تسعة أقسام :
الأوّل : بعد الأخذ في القيام. الثاني : بعد استيفائه وقبل الشروع في القراءة.
الثالث : أثناء القراءة.
الرابع : بعدها قبل الركوع.
الخامس : بعد الانحناء وقبل رفع الرأس.
السادس : بعد رفع الرأس وقبل السجود.
السابع : في السجود قبل الفراغ من ذكره الواجب.
الثامن بعد الفراغ عن الذكر وقبل الفراغ عن نفس السجدة.
التاسع : بعد الفراغ ، فهذه تسعة حالات في كلّ ركعة يمكن عروض الشكّ في كلّ واحد منها. وحيث أنّ الشكوك البالغة أحد عشر التي تقدّم ذكرها يمكن وقوع كلّ واحد منها في كلّ واحد من هذه الحالات التسع ، فيكون مجموع صور الشكّ في الرباعية تسع وتسعين ، حاصل من ضرب أقسام الشكوك الأحد عشر في الحالات التسع.
فإذا كانت السادسة أيضا طرفا للشكّ فيصير مجموع الشكوك ستّة وعشرين ، لأنّ بزيادة السادسة طرفا للشكّ يزيد على عدد الشكوك خمسة عشر ، فبانضمامه إلى تلك الأحد عشر يصير المجموع ستّة وعشرين.
ومن ضرب هذا المجموع في الحالات التسع يحصل مائتين وأربع وثلاثين صورة وكلّما زاد في أطراف الشكّ يزيد في عدد صور الشكّ ، وربما يبلغ إلى ما لا تحصى كثرة ، ولكن صرف فرض لا تحقّق لأغلبها في الخارج ، وبعضها وإن كان ممكنا وقوعه في الخارج ولكن في غاية الشذوذ والندرة.
ونحن نذكر منها خصوص الشكوك الصحيحة :
أقول : خمسة منهما وردت الروايات في موردها بالخصوص على صحّتها ، مضافا إلى الأدلّة العامّة قد تقدّم أربعة منها وذكرناها ، وبقي واحد منها وهو الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، وحكمه البناء على الأربع ثمَّ يتشهّد ويسلّم ، ثمَّ بعد التسليم يسجد سجدتي السهو ويسلّم بعدهما.
ويدلّ على هذا الحكم أخبار :
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام ، قال عليه السلام : « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمَّ سلّم بعدهما » (69).
ومنها : صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام أيضا : « إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا (70).
ومنها : موثّق أبي بصير عن الصادق عليه السلام أيضا قال : « إذا لم تدر خمسا صلّيت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ، ثمَّ سلّم بعدهما » (71).
ومنها : صحيحة زرارة ـ أو حسنته ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « قال رسول الله صلى الله عليه واله : إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسمّاهما رسول الله صلى الله عليه واله المرغمتين» (72) لأنّهما يرغمان الشيطان ، أي يغضبانه ، أو يرغمان أنفه.
ودلالة هذه الأخبار على هذا الحكم في هذا الشكّ واضحة لا يحتاج إلى الشرح والبيان ، فكلّ واحدة منها يدلّ على البناء على الأربع وإتمام الصلاة ، وبعد التسليم والفراغ عن الصلاة على وجوب الإتيان بسجدتي السهو وهو جالس.
والظاهر من التقييد بكونه بعد الصلاة إتيانهما قبل أن يقوم من مكانه ، وأمّا دلالتها على أنّ مورد هذا الحكم بعد إكمال السجدتين هو التعبير بلفظ الماضي في قوله عليه السلام « إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا » ولا يصدق مضيّ الأربع إلاّ برفع الرأس عن الركعة الرابعة ، وهذا واضح جدّا.
نعم ظاهر صحيحة زرارة أو حسنته ، وكذلك ظاهر صحيح الحلبي عدم اختصاص هذا الحكم بهذا الشكّ ، بل يأتي في كلّ مورد احتمل الزيادة على الأربع أو النقيصة عنه ، فلا بدّ من تقييدها بالأدلّة الخاصّة الواردة في مورد كلّ شكّ بالنسبة إلى النقيصة ، وبأدلّة البطلان بالنسبة إلى الزيادة على الخمسة.
وأمّا الأربعة الهدميّة من الشكوك الصحيحة الباقية فلم يرد فيها شيء من الروايات ، وإنّما يستدلّ على صحّتها بالقواعد العامّة.
نعم زاد شيخنا الأستاذ قدس سرّه صورة أخرى على الشكوك المنصوصة فيصير مجموع الشكوك المنصوصة عنده ستّة ، وهي عبارة عن الشكّ بين الأربع والخمس والستّ بعد إكمال السجدتين (73).
واستدلّ على صحّته بمفهوم خبر زيد الشحّام وفيه : سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات قال عليه السلام : « إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد » (74).
ومفهومه أنّه إذا لم يستيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فلا تجب الإعادة.
وأمّا أنّ مورده الشكّ بعد إكمال السجدتين ، فلما تقدّم من التعبير بلفظ الماضي.
وفيه : أنّ الأخذ بظاهر هذه الرواية مستلزم للقول بصحّة الصلاة التي يشكّ فيها بين الأربع والستّ بدون أن يأتي بسجدتي السهو بعد التسليم ، وهو بعيد.
وأمّا الشكوك الهدميّة الأربعة التي قالوا فيها بهدم القيام كي يرجع إلى الشكوك المنصوصة فيعمل بها عملها وهي الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام ، و الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام.
فهذه الأربعة وإن كانت ترجع إلى الشكوك المنصوصة بعد هدم القيام فيها ، إلاّ أنّ الشأن في هدم القيام وأنّه ما الوجه فيها؟
والظاهر أنّ الهدم فيها بملاحظة كون الركعة التي فيها محكومة بالزيادة ، فقبل أن يدخل في الركن ـ كي لا تتحقّق زيادة الركن وهو الركوع ، والقيام المتّصل بالركوع الذي لا يحصل إلاّ بالدخول في الركوع ـ لو التفت الى هذه الزيادة يجب عليه أن يهدم هذا القيام ويتمّ الصلاة على عدد الصحيح الذي هو الأربع.
والدليل على ذلك : أنّه لو علم تفصيلا بأنّ الركعة التي هو فيها هي الخامسة ، فلو كان علمه هذا بعد الدخول في الركوع تكون صلاته هذه باطلة لزيادة ركنين : أحدهما الركوع ، والثاني : قيام المتّصل بالركوع.
وأمّا لو كان حصول علمه قبل الدخول في الركوع يجب هدم قيامه وإتمام صلاته ، لزيادة هذا القيام وهو زيادة غير ركنيّة عن نسيان ، فلا تكون مضرّة.
فإذا كان الأمر في مورد العلم الوجداني كذلك يقينا فكذلك الأمر فيما إذا حكم الشارع بالزيادة ، لوحدة الملاك فيهما ، وهي زيادة الركعة التي بيده.
وأمّا كونها محكومة بالزيادة شرعا فمن جهة أنّ الشكّ في أنّ ما بيده هي الخامسة مستلزم للشكّ في أنّ الركعة السابقة على هذه التي بيده هل هي الثالثة أو الرابعة؟
فهاهنا في الحقيقة شكّان بالفعل :
أحدهما : بالنسبة إلى ما بيده ، وهي بين الرابعة والخامسة.
والثاني : بالنسبة إلى السابقة هذه الركعة ، وهي بين الثلاث والأربع.
والشكّ الأوّل وإن لم يكن فيه حكم إذا كان في حال القيام ، إذ ليس فيه نصّ ، ولكن الشكّ الثاني ، أي الشكّ بين الثلاث والأربع من الشكوك المنصوصة ، ومشمول للنصوص العامة.
مضافا إلى أنّ فيه نصّ خاصّ ، ومفاد تلك النصوص العامّة هو البناء على الأكثر ، فإذا بنى على الأكثر فقهرا ما بيده يكون خارجا عن الأربعة ، و يكون زائدا ، فيجب هدمه ، كما إذا علم وجدانا بأنّها زائدة.
إذا عرفت هذا فنقول :
أمّا بالنسبة إلى ثلاث صور من الشكوك الهدميّة فالأمر في كمال الوضوح ، وهي الشكّ بين الأربع والخمس في حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والخمس في حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام.
وأمّا الصورة الرابعة ، أي الشكّ بين الخمس والستّ في حال القيام فيعلم تفصيلا بزيادة هذا القيام سواء أكان خمسا أو ستّا ، فيجب هدم القيام والجلوس ، فيرجع شكّه إلى أنّ ما صلّى هل هو أربع أو خمس؟ وهذا هو الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، وهو من الشكوك المنصوصة ، وحكمه البناء على الأربع وأن يسجد سجدتي السهو.
وبعبارة أخرى : هاهنا شكوك فعليّة موجودة قبل الهدم ، لا أنّها تحصل بالهدم حتّى تقول ما هو مجوّز الهدم؟ كي يرجع الشكّ إلى الشكوك المنصوصة ، فليس تلك الشكوك مسبّبة عن الهدم ومعلولة له ، بل الأمر بالعكس ، أي يكون الهدم معلوم لتلك الشكوك ، لأنّه بواسطة حكم تلك الشكوك يحكم بزيادة ذلك القيام وخروجه عن الصلاة ، وواقعا في وسط الصلاة فيجب هدمه.
فهذه الشكوك الأربعة في الحقيقة ترجع إلى الشكوك المنصوصة.
ثمَّ لا يخفى أنما ذكرنا من رجوع هذه الشكوك الأربعة الهدمية إلى الشكوك المنصوصة ليس معناه انقلاب الشكّ غير المنصوص إلى المنصوص كما يوهمه ظاهر عبارة الرجوع ، بل المراد ما ذكرنا سابقا من أنّ الشكّ المنصوص موجود قبل الهدم وهو بحكمه موجب للهدم.
إن قلت : إن ما ذكرت من أنّ البناء على الأكثر في هذه الشكوك الهدميّة الأربعة بالنسبة إلى الشكّ السابق على هذا الشكّ الأخير موجب للحكم بزيادة هذه الركعة الأخيرة التي بيده وبنيت جواز الهدم على هذا ، هو من الأصل المثبت الذي ليس بحجّة ، لأنّ موضوع البناء على الأكثر هو الشكّ في عدد الركعات ، فالخطاب متوجّه إلى الشاكّ ، وهذا أي أخذ الشكّ في الموضوع وكون الخطاب إلى الشاكّ هو المراد بالأصل العملي.
قلنا أوّلا : إنّه ربما يقال بأنّه ليس بأصل عملي كي يكون هذا الحكم ظاهريّا ، بل هو حكم واقعي جعل للشاكّ في عدد الركعات ، ولذلك لو بنى على الأكثر وأتى بصلاة الاحتياط ثمَّ تبيّن الخطأ وأنّ ما أتى به كان هو الأقلّ لا تجب الإعادة.
وإن كانت هذه المقالة لا تخلو من نظر وإشكال وسيأتي ما هو التحقيق في الأمر الثالث.
وثانيا : ليس الحكم بزيادة الركعة المشكوكة من اللوازم العقلية للبناء على الأكثر بل معنى البناء على الأربع الذي هو الأكثر في المسائل المذكورة أنّ ركعات الصلاة تمّت وليس ما وراء هذه الركعة المبنيّة على كونها رابعة ركعة صلاتيّة ، وهذا عبارة أخرى عن زيادتها ، لا أنه زيادتها من لوازم البناء على الأكثر.
[ الأمر ] الأوّل : في أنّه إذا كان الشكّ بين التمام والزيادة من الستّ فما فوق كالشكّ بين الأربع والستّ أو السبع بعد الإكمال ، فهل يمكن تصحيحه باستصحاب عدم الزيادة ويجري الاستصحاب ، أم لا لخلل فيه؟
فنقول : قد يقال في تقريب عدم جريان الاستصحاب : أنّ الشارع ألغى جريان الاستصحاب في باب عدد الركعات.
أمّا في الأوليين فلجهة حكمه بلزوم كون الأوليين محفوظا وسالما بقوله : « إذا سلمت الركعتان الأوليان سلمت الصلاة » (75) وبالاستصحاب لا يمكن إثبات عنوان الحفظ والسلامة إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت ، لأنّ السلامة والحفظ من اللوازم العقليّة لعدم الركعة المشكوكة.
وأمّا في الأخيرتين فلعدم اعتناء الشارع بالاستصحاب ، وحكمه بالبناء على الأكثر على خلاف الاستصحاب.
وأمّا في الزائد على الأخيرتين فلأنّ الشارع لمّا جعل البناء على الأكثر في الأخيرتين علمنا أنّ احتمال الزيادة في الصلاة مضرّ بالصحّة ، ولذلك ألغى الاستصحاب ، لأنّ في الاستصحاب لا محالة احتمال الزيادة موجود في أيّ صورة من الصور ، ولذا حكم بالبناء على الأكثر وسدّ احتمال الزيادة بهذا البناء ، وسدّ احتمال النقيصة بصلاة الاحتياط.
وحاصل الكلام : أنّ احتمال الزيادة والنقيصة كلاهما موجب للإعادة ، للشكّ في الامتثال وتحصيل الملاك ، فمن جهة سدّ احتمال الزيادة سدّ باب الاستصحاب ، وسدّ احتمال النقيصة بجعل صلاة الاحتياط ، فمناط سدّ باب الاستصحاب في الأخيرتين هو بعينه موجود في جميع صور الشكّ فيما إذا كان أحد طرفي الشكّ هو احتمال الزيادة على الأربعة.
غاية الأمر في خصوص الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحّة ، وعدم مضرّية احتمال الزيادة في هذا المورد بالخصوص ، وتداركه بسجدتي السهو وأمّا فيما عداه فالإشكال بحاله ، فلا بدّ من الإعادة إلاّ في بعض الصور الذي يمكن استظهار صحّته من مفهوم رواية زيد الشحّام ، وقد تقدّم تفصيله .
وفيه : أنّ كون مناط إلغاء الشارع للاستصحاب في الركعتين هو خصوص احتمال الزيادة غير معلوم ، وتنقيح المناط ظنّا قياس ، باطل عندنا.
والشاهد على عدم كون المناط هو احتمال الزيادة هو أنّه حكم في بعض الموارد بالبناء على الأربع مع احتمال الزيادة ، كما في الشكّ بين الأربع والخمس مع احتمال كون الركعات زائدة على الأربع ، وكذلك في الشكّ بين الأربع والخمس والستّ بناء على الأخذ بمفهوم خبر زيد الشحّام ، وأيضا فيما إذا شكّ في إتيان الركوع مع عدم تجاوز محلّه حكم بالبناء على العدم ، مع أنّه لو أتى به بعد هذا العدم يحتمل زيادة الركوع.
ولا فرق بين زيادة الركوع وبين زيادة الركعة لو كان احتمال زيادتها مضرا ، إذ لو كانت زيادة الركعة مضرّة يكون باعتبار زيادة الركن ، أي الركوع فيها ، وإلاّ فزيادة أجزائها غير الركنية عن غير عمد فليس بمضرّ قطعا.
وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لأنّه لا أثر له ، إلاّ بناء على اعتبار الأصل المثبت وهو مما نقّحنا بطلانه في كتابنا « منتهى الأصول » (76).
بيان ذلك : أنّه إمّا أن يستصحب رابعيّة هذه الركعة التي بيده ـ التي هي مورد الشكّ بين كونها رابعة أو زائد ، فهذه ليست لها حالة سابقة متيقّنة لأنّها من أوّل وجودها مشكوك الرباعيّة ـ وإمّا أن يستصحب عدم وجود الزائد على الأربعة.
فهذا الاستصحاب وإن كان له مجرى من حيث تماميّة أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق ، ولكن إن كان المراد منه صرف عدم تحقّق الزائد على الأربع فلا أثر له ، لأنّه ليس لعدمه أثر شرعي. وإن كان المراد منه إثبات أنّ ما بيده رابعة فيتشهّد ويسلّم فهذا مثبت ، لأنّ كون ما بيده رابعة من اللوازم العقليّة لعدم تحقّق الزائد على الأربع.
والحاصل : أنّه وإن يعلم بالوجدان أنّ الأربع لا بشرط عن وجود ركعة بعده وعدم وجودها موجود ، ولكن الأثر للأربع بشرط لا ، وانطباقه على هذه الركعة التي بيده مشكوك ، وباستصحاب عدم الزائد على الأربع وإن كان يثبت أنّه أي : الرابع بشرط لا هو هذه الأخير لكنه مثبت ، لأنّ كون الأخيرة كذلك من اللوازم العقلية لعدم الزائد على الأربع ، لا من الآثار الشرعيّة له ، كما هو واضح.
فظهر ممّا ذكرنا بطلان الصلاة في جميع صور احتمال الزيادة على الأربع ولزوم إعادتها ، إلاّ في ما إذا جاء دليل بالخصوص على الصحّة ، كما أنّه جاء في الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين. وادّعى في الشكّ بين الأربع والخمس والستّ بعد إكمال السجدتين بمفهوم رواية زيد الشحّام.
وأمّا بعض صور الشكّ في الزيادة واحتمال السادس إذا كان الشكّ في حال القيام إن قلنا بصحّتها فذلك من جهة هدم القيام ، ورجوع الشك إلى الشكوك المنصوصة ، كما مرّ تفصيلا ، وليس من جهة استصحاب عدم الزائد.
وقد أجاب عن هذا الإشكال شيخنا الأستاذ قدس سرّه بأنّ أجزاء الصلاة المترتّبة في الوجود يجب أن يوجد الجزء التالي بعد تحقّق الجزء السابق عليه وعدم وجود الجزء اللاحق ، فالركعة الرابعة يجب أن توجد بعد تحقّق الثالثة وعدم وجود الخامسة ، ولا يلزم أن تتّصف الركعة بالثالثة.
ففي المقام يجب التشهد والتسليم بعد إحراز وجود الرابعة وعدم وجود الخامسة ، ولا يلزم أن يتّصف الركعة التي بعد رفع الرأس عن سجدتها الثانية ، يتشهّد ويسلّم بكونها رابعة ، بل يكفي في صحّة إتيان التشهّد والتسليم إحراز وجود الرابعة وإحراز عدم الخامسة ، وفي المفروض إحراز وجود الرابعة بالوجدان ، وإحراز عدم الخامسة بالأصل (77) هذا ما ذكره قدس سرّه.
ولكن ظاهر أدلّة التشهّد والتسليم في الرباعيّة هو أن يتشهّد في الرابعة ، وهذا يقتضي أن يكون التشهد الثاني في الركعة التي أحرز أنّها رابعة ، والتشهّد الأوّل في الركعة التي أحرز أنّها الثانية ، ففي رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام : « إذا جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله » إلى آخر ما قال عليه السلام ، إلى أن قال عليه السلام : « فإذا جلست في الرابعة قلت بسم الله وبالله » إلى آخر ما قال عليه السلام (78) فما ذكره قدس سرّه لا يخلو من غرابة وأغرب منه قوله بأنّ استصحاب عدم الزيادة وإن كان تامّا من ناحية تماميّة أركانه وتأثيره في صحّة الصلاة التي يشكّ في زيادتها إلاّ أنّه لا يجري لانصراف أدلّة الاستصحاب عن أمثال هذه الموارد.
الأمر الثاني : في أنّه يجب التروّي والفحص عند الشكّ في عدد الركعات أم لا ، بل يبني على الأكثر بمحض حدوث الشكّ؟
فنقول : التروّي والفحص عمّا في خزانة النفس قد يكون من جهة استعلام حال الشكّ وأنّه يدوم أو يزول ـ وبعبارة أخرى : شكّ مستقرّ وثابت ، أم ليس له قرار وثبات ، بل يزول ـ وقد يكون الاستعلام حال الترديد الذي في خزانة النفس وأنّه هل لأحد طرفي المحتمل ترجيح كي يكون ظنّا ، أم لا حتّى يكون شكا مقابل الظنّ والوهم.
فإن كان بمعنى الأوّل : فالظاهر عدم لزومه في الموارد التي حكم الشارع بالبناء على الأكثر ، وذلك من جهة أنّ موضوع هذا الحكم هو الشكّ في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة ، فمتى تحقّق موضوعه يتحقّق ذلك الحكم ، نعم لا بدّ من الصدق العرفي. ولا يبعد أن يكون التروّي واجبا إذا كان بأدنى التفات والرجوع إلى خزانة النفس يتبيّن الحال ، ولعلّه لعدم صدق الشكّ حينئذ عرفا.
وأمّا التروّي بالمعنى الثاني : فالظاهر لزومه بناء على أنّ الظنّ حجّة وأمارة في معرفة عدد الركعات ، وذلك من جهة أنّ الظنّ والشكّ بناء على هذا مختلفان موضوعا وحكما ، أمّا موضوعا فواضح ، وأمّا حكما فلأنّ حكم الشكّ هو البناء على الأكثر ، وحكم الظنّ هو الجري على طبق المظنون وعدم الاعتناء بالاحتمال المرجوح ، ولا فرق في لزوم الجري على طبق المظنون أن يكون هو الأقلّ أو يكون هو الأكثر.
فلا بدّ أن يفحص عمّا في خزانة نفسه ويفتّش حتّى يتبيّن الحال وأنّ وظيفته هل هو البناء على الأكثر أو الجري على طبق الظنون؟ سواء أكان هو الأقلّ أو الأكثر ، لأنّه لا معنى لترتّب الحكم بدون معرفة الموضوع. هذا في الركعتين الأخيرتين ، وأمّا في الركعتين الأوليين حيث أنّ الشكّ فيهما مبطل.
ومن المعلوم أنّ مبطليّته ليس بمحض حدوثه ، بل يكون مراعى ببقائه فإن زال وانقلب إلى العلم أو إلى الظنّ ـ بناء على حجيّة الظنّ في عدد الركعات حتّى في الأوليين ـ فليست الصلاة باطلة ، فالشكّ في زواله يكون شكّا في القدرة على الإتمام ، كما أنّه لو علم بزواله يعلم بأنّه قادر على الإتمام فيمضي في صلاته وكما أنّه لو كان عالما بعدم الزوال فتكون باطلة ولا يجب الفحص ، بل لا معنى للفحص مع العلم في الصورتين ، أي في كلتا صورتي العلم بالزوال والعلم بعدم الزوال.
وأمّا في صورة عدم العلم بكلا الأمرين واحتماله للزوال وعدمه ، فهو شاكّ في أنّه قادر على الإتمام أم لا. وفي باب الشكّ في القدرة لا بدّ وأن يشتغل بالمأمور به ويفخص حتّى يتبيّن الحال. وهذا حكم العقل في باب الشكّ في القدرة.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه فرق في لزوم التروّي وعدمه بين الركعتين الأوليين والركعتين الأخيرتين ، وأنّ للتروّي معنيين ، وأنّه لازم بمقدار الصدق العرفي وهو أن لا يكون سريع الزوال بل يحتاج في الصدق العرفي إلى استقراره ، وأنّ التروّي بمعنى الفحص عن أنّ ما في خزانة نفسه هل هو ظنّ أو شكّ هو لازم إلى أن يحصل له أحد الأمرين ، أي كونه ظنّا أو شكّا ليرتّب عليه حكمه من البناء على الأكثر أو الجري على طبق المظنون ، كان المظنون هو الأقلّ أو كان هو الأكثر.
الأمر الثالث : في أنّ البناء على الأكثر حكم ظاهري موضوعه الشكّ في عدد الركعات في الفريضة الرباعيّة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، وقد حقّقنا في مبحث الإجزاء أنّ الحكم الظاهري امتثاله وإتيان متعلّقه لا يكون مجزيا عن الواقع لو انكشف الخلاف ، وأنّ القول بالإجزاء ملازم مع القول بالتصويب ، ففي المقام بعد البناء على الأكثر لو تبيّن الخلاف وعلم أنّ ما صلّى كان هو الأقلّ فمقتضى القاعدة هو وجوب الإعادة وعدم الاعتناء بما صلّى مع البناء على الأكثر.
ولكن فتوى المشهور هو أنّه بعد البناء على الأكثر وإتمام الصلاة والإتيان بصلاة الاحتياط لا تجب الإعادة ، مع أنّ جلّهم قائلون بعدم إجزاء الأمر الظاهري.
والسّر في ذلك : هو أنّ الشارع لم يكتف بصرف البناء على الأكثر ، بل أمر بعد الإتمام بصلاة الاحتياط لتكون تداركا لما فات على تقدير كون ما صلّى هو الأقل وبعبارة أخرى : هاهنا حكمان : أحدهما البناء على الأكثر ، والثاني : وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط ، وليس الثاني من مقتضيات الأوّل ، بل مقتضى الأوّل هو إتمام الصلاة مع البناء على الأكثر وعدم وجوب شيء آخر عليه.
فالحكم الثاني هو حكم مستقلّ لتتميم ما ظنّه من النقص ، فعدم وجوب الإعادة مستند إلى امتثال هذا الحكم ، أي الإتيان بصلاة الاحتياط لا إلي البناء على الأكثر ولذلك لو علم قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أنّ الواقع هو الأكثر فلا تجب صلاة الاحتياط قطعا ، كما أنّه لو علم قبل السلام بأنّ ما صلّى هو الأقلّ يجب عليه أن يأتي بالمقدار الذي يحتمل نقصه متّصلة.
وأمّا لو علم بالنقص وأن ما صلّى هو الأقلّ بعد السلام وقبل الإتيان بصلاة الاحتياط هل تجب عليه الإعادة ، أو له أن يكتفي بصلاة الاحتياط ، أو يأتي بالنقيصة متّصلة؟ لأنّ السلام وقع في غير محلّه فليس بمخرج فيسجد سجدتي السهو للسلام الواقع في غير محله بعد إتمام الصلاة. هذا فيما إذا لم يصدر منه بعد ذلك السلام الواقع في غير محلّه ، ما هو المنافي عمدا وسهوا وإلاّ يتعيّن عليه الإعادة.
والظاهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير ، أي لزوم الإتيان بالنقيصة متّصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محلّه فيما إذا لم يصدر منه ما هو المنافي عمدا أو سهوا ، وذلك من جهة أنّ حكم البناء على الأكثر موضوعه الشكّ ، فإذا زال الشكّ يزول حكمه ويجب عليه العمل على طبق علمه ، وهو كما ذكرنا عبارة عن إتيان مقدار النقيصة متّصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محلّه.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ الاكتفاء بصلاة الاحتياط لو انكشف الخلاف بعد البناء على الأكثر وبعد صلاة الاحتياط ليس من جهة أنّ امتثال الأمر الظاهري مفيد للإجزاء ، بل يكون من جهة أنّ الشارع جعل صلاة الاحتياط متمّما لما نقص على تقدير نقصانه ، وإلاّ فهي نافلة.
الأمر الرابع : لو شكّ المصلّي جالسا لعجزه عن القيام ، فلا ينبغي أن يشكّ في شمول عمومات البناء على الأكثر له ، وإنّما الكلام في أنّه من كان وظيفته التخيير بين ركعتين جالسا أو ركعة من قيام فهذا التخيير في حقّه لا مورد له لعجزه عن أحد طرفي التخيير ، أي عن إتيان ركعة قائما فهل يتعيّن عليه الطرف الآخر ـ أي الركعتين من جلوس ، كما هو قانون باب التخيير ـ أو ركعة جالسا؟ لأنّ القيام ساقط في حقّه.
والظاهر هو الثاني ، لأنّ المقام ليس من قبيل الواجبات التخييريّة بالأصل ، لوجود الملاك المطلوب في كلّ واحد من الطرفين واستوائهما في ذلك كي يقال إن تعذر أحد الطرفين فيتعيّن الطرف الآخر ، بل المقصود الأصلي تدارك الركعة الفائتة على تقدير فوتها وتدارك تلك الركعة بشكلين : أحدهما مثلها ركعة من قيام ، والثاني : ركعتين من جلوس ، وكان الشارع الأقدس جعل زيادة كمّيّة الركعة في مقام التدارك بدلا عن نقصان كيفيّتها. وإن شئت قلت : بدلا عن تبدّل وضعها ـ كما أنّ جعله في صلاة النافلة أيضا كذلك ، أي جعل ركعتين جالسا بدل ركعة قائما.
ومعلوم أنّ هذا إنّما يجري فيما إذا كان المبدل منه ركعة قائما ، وفيما نحن فيه ليس الأمر كذلك ، لأنّ الفائتة وما هو المبدل منه ليس إلاّ ركعة جالسا ، فبدلها أيضا يكون مثلها ركعة واحدة جالسا ، ولا وجه للتعدّد.
نعم لو قدر على القيام قبل الإتيان بصلاة الاحتياط وبعد السلام فعليه أن يأتي بها قائما متّصلة ، كما تقدّم شرحه مفصّلا.
الأمر الخامس : في أنّه هل يجوز في الشكوك الصحيحة أن يرفع اليد عن صلاته ويستأنف من جديد ، أم لا بل يجب البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط؟
ربما يقال بعدم جواز القطع والاستئناف ، لحرمة القطع.
وبناء على هذا هل يمكن الفرق في حرمة القطع بين القطع حال حال عروض الشكّ وفي الأثناء ، وبين القطع بعد التسليم أم لا؟
أقول : أمّا القطع والاستئناف قبل التسليم فالظاهر عدم جوازه ، لادّعاء الإجماع على الحرمة ، وأمّا بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط فإن قلنا إنّ التسليم الواقع في غير محلّه ليس بمخرج ولو كان في محلّه البنائي فيكون مثل القطع في الأثناء ، لأنّه على تقدير النقصان وكون صلاة الاحتياط جزء للصلاة الأصلي يكون بعد في الصلاة.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ كونه قطعا مشكوك فتجري البراءة. والحاصل أنّ الحكم بحرمة القطع بعد التسليم مشكل جدّا.
وأمّا صحّة الصلاة الأولى والثانية أو بطلانهما لو استأنف في الأثناء ، فالظاهر بطلان الصلاة الأولى ، لأنّه بعد استئنافها ، إمّا أن يأتي بصلاة الاحتياط أم لا. فإن لم يأت فتكون الصلاة مشكوك التمام ومعلوم البطلان ، وأمّا إن أتى بصلاة الاحتياط بعد الصلاة المستأنفة ، فلفوات الموالاة التي شرط في صحّة الصلاة.
وأمّا الصلاة المستأنفة ، فقيل في وجه بطلانها وجوه :
[ الوجه ] الأوّل : أنّها علّة لإبطال الأولى وهو حرام ، وعلّة الحرام حرام فتكون باطلة لتعلّق النهي بنفس العبادة ، وقد تقرّر في محلّه بطلان مثل هذه العبادة المنهي عن نفسها.
وفيه : أنّ هذا مبني على مقدّمتين ، وهما :
أوّلا : أن يكون الإبطال حراما ولو كان بعد التسليم ، باعتبار كون صلاة الاحتياط جزء من الصلاة.
وفيه نظر واضح ، فلو استأنف بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط لا يأتي هذا الوجه.
وثانيا : أن يكون الاستئناف علّة تامّة أو كان هو جزء الأخير من العلّة التامّة للحرام الذي هو الإبطال.
وفيه أيضا نظر ، لأنّ الإبطال قد يكون لعدم المقتضي للإتمام ، أي إرادة الإتمام ، فالإبطال مستند إلى عدم إرادة الإتمام ، لا إلى وجود ضدّه ، أي الصلاة المستأنفة.
الوجه الثاني : سقوط الأمر عن الأجزاء التي أتى بها ، وإلاّ يكون من قبيل طلب الحاصل ، فتكون الصلاة المستأنفة بالنسبة إلى تلك الأجزاء بدون الأمر ، فلا تقع عبادة.
وفيه : أنّ الأمر بالطبيعة باق ما لم يأت بالمجموع ، مضافا إلى ما قلنا من جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر.
الوجه الثالث : ظهور أدلّة الشكوك الصحيحة في أنّ وظيفة الشاكّ هو العمل بالوظيفة المعيّنة من البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط بعد التسليم ، وليس له العمل بغير هذه الوظيفة.
وفيه : أنّ مرجع هذا الوجه إلى أنّ التكليف الواقعي انقلب في حقّ الشاكّ من الأربعة الموصولة إلى الأربعة الملفّقة من الثلاثة أو الاثنتين الموصولة وصلاة الاحتياط ، وهذا لا يخلو من غرابة ، إذ الوظيفة المجعولة للشاكّ علاج للعلم بإتيان الأربعة الواقعيّة بلا زيادة ولا نقصان ، من جهة التسهيل على المكلّف الشاكّ لئلا يقع في كلفة الإعادة ، لا أنّ التكليف الواقعي انقلب إلى هذه الوظيفة ، كما توهّم.
والحاصل : أنّ الصلاة المستأنفة خصوصا بعد السلام وقبل صلاة الاحتياط لا وجه لبطلانها ، وبناء على هذا لا يبقى وجه لإتيان صلاة الاحتياط بعدها.
هذا كلّه فيما لو استأنف قبل إتيان المنافي ، أمّا لو استأنف بعد إتيان ما هو المنافي ـ سواء أكان في الأثناء أو بعد التسليم ولكن قبل صلاة الاحتياط ـ فلا وجه لبطلان المستأنفة ، بل يجب الاستئناف إن كان وجود المنافي في الأثناء ، بل وكذلك إن قلنا بلزوم عدم وجود المنافي بين الصلاة المبنيّة وصلاة الاحتياط ، والوجه واضح.
الأمر السادس : في أنّه لو غفل عن شكّه واستمرّ في الصلاة وأتمها فتبيّن مطابقة ما أتى به للواقع ، فهذا إمّا في موارد الشكوك الصحيحة أو في موارد الشكوك الباطلة.
فإن كان من قبيل الأوّل ـ فبناء على ما قلنا في الأمر السابق من عدم انقلاب التكليف الواقعي إلى ما هو وظيفة الشاك ، فغاية الأمر أنّ هذه الوظيفة التي عيّنت للشاكّ علاج في مقام امتثال ذلك التكليف الواقعي بأنّه أتى به ، وفي المفروض قاطع بأنّه أتى به بدون أن يعمل بوظيفة الشاكّ بدون أيّ خلل في المأتي به ، وبعبارة أخرى أوجد المأمور به تامّ الأجزاء والشرائط وفاقدا لجميع الموانع متقرّبا ـ فيسقط الأمر ويحصل الامتثال القطعي.
وأمّا إن كان من الشكوك الباطلة فمرجع الأمر إلى أنّه هل حدوث الشكّ فيها مثل حدوث الحدث أو سائر القواطع المبطل؟ أو معنى البطلان فيها أنّه لا تشملها أدلّة العلاج من البناء على الأكثر وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط؟
فإن كان الأوّل فواضح أنّه لا يمكن القول بصحّتها ولو انكشف بعد الإتمام أنّ ما أتى به تامّ المطابقة مع الواقع.
ولكن هذا المعنى واضح الفساد ، نعم الذي يمكن أن يقال : إنّه إذا اعتبر في صحّتها الحفظ واليقين من أوّلها إلى آخرها ، فإذا حصل الشكّ يفقد الشرط فتكون باطلة بمحض حدوث الشكّ وتجب الإعادة ، وأمّا إنّ كانت جهة البطلان عدم شمول أدلّة العلاج لها فتكون صحيحة في المفروض لأنّها صحيحة وتامّ الأجزاء والشرائط.
وهذه الاحتمالات في مقام الثبوت.
وأمّا في مقام الإثبات : فالظاهر أنّ الشكوك الباطلة على قسمين :
فالثنائية والثلاثية والأوليين من الثلاثيّة والرباعية اعتبر فيها الحفظ واليقين في جميع الحالات ، ولذلك بمحض حدوث الشكّ ووجوده عرفا ـ أي بعد استقراره ـ تكون باطلة وحكم بالإعادة ، كما في صحيحة ابن أبي يعفور : « إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين ، أم في واحدة ، أم في أربع ، فأعد ولا تمض على الشكّ » (79).
وأمّا القسم الآخر : فالظاهر أنّ بطلانها من جهة عدم شمول أخبار العلاج لها ، كالشكّ بين الأربع وما فوق الستّ ، حيث أنّ بطلانها من جهة عدم العلاج.
ففي مثل هذا القسم لا وجه للبطلان بعد تبيّن أنّها مطابق للواقع ، ولا يحتاج إلى العلاج حتّى تقول لا تشملها أخبار العلاج.
فالحقّ هو التفصيل بين هذين القسمين من الشكوك الباطلة.
الأمر السابع : المسافر في أحد أماكن التخيير لو نوى قصرا فشكّ بين الاثنتين والثلاث مثلا أو أحد الشكوك الصحيحة الآخر لو كانت الصلاة رباعيّة ، فحيث أنّ الشكّ في الصلاة الثنائيّة مبطل فهل له أن يعدل بعد حدوث الشكّ إلى الإتمام فيبني على الأكثر ويتمّم صلاته ويأتي بعد أن أتمّ بصلاة الاحتياط فيكون قد عالج بذلك شكّه وصحّح صلاته ، أم لا وليس له ذلك؟
وعلى تقدير أن يكون له ذلك ، فهل يجب عليه العدول ، أم لا بل يجوز فقط وهو مخيّر بين العدول ورفع اليد عن صلاته لبطلانه على تقدير عدم العدول؟
فنقول : بعد الفراغ عن اشتراط العدول بأن يكون المعدول عنه صلاة صحيحة ، بحيث لو لا العدول وكان يتمّ تلك الصلاة التي يريد أن يعدل عنها لكانت تقع صحيحة.
فالمسألة بناء على هذا مبنيّة على أنّ الشكّ في الصلوات التي يكون الشك مبطلا لها موجب للبطلان بمحض حدوثه ، ويكون من قبيل القواطع ، أم لا بد معنى مبطليّة الشكّ عدم شمول أدلة العلاج لها؟
فإن كان من قبيل الأوّل فلا يبقى محلّ للعدول ، لأنّ ما مضى من صلاته صار باطلا وليس قابلا لأن ينضمّ إليه ركعة أخرى حتّى يصير المجموع صلاة رباعيّة صحيحة.
ولا أثر لكون صلاة القصر والإتمام حقيقة واحدة أو حقيقتين مختلفتين ، لأنّ العدول ليس متوقّفا على أن يكون المعدول عنه والمعدول إليه حقيقة واحدة ، إذ يصحّ العدول من الظهر إلى العصر وكذلك العكس ، مع أنّهما ليستا حقيقة واحدة قطعا بل حقيقتين مختلفتين.
ولكنّ الظاهر جواز العدول ، لعدم كون الشكّ بمحض حدوثه مبطلا كالقواطع ، بل مبطليّته من جهة اشتراط صحّة الأوليين باليقين ، واستصحاب عدم الزيادة في ظرف الشكّ ممّا يقوم مقام اليقين الذي أخذ في موضوع الصحّة.
إن قلت : إنّكم في الأمر السابق بنيتم على بطلان الصلاة الثنائيّة والثلاثيّة والأوليين من الرباعيّة بمحض حدوث الشكّ.
قلنا : هناك بنينا على البطلان من جهة عدم جريان أصالة عدم الزيادة في الثنائيّة والثلاثيّة للأدلّة الخاصّة التي مفادها الإعادة، وأمّا هاهنا فلا مانع من جريان استصحاب عدم الزيادة ، لأنّه لسنا نثبت باستصحاب عدم الزيادة صحّة الصلاة الثنائيّة ، بل نريد إثبات صحّته من جهة شرطيّته للعدول فقط ، لا صحّته من حيث ترتيب آثار الصحّة عليه مطلقا وسقوط أمره ، والممنوع بالأدلّة الخاصّة هو المعنى الثاني من الاستصحاب ، لا المعنى الأوّل. ومع ذلك كلّه صحّة العدول لا تخلو من نظر وتأمّل.
وأما الشق الثاني من المسألة : وهو أنّه على تقدير صحّة العدول والبناء على الأكثر ، هل يجب العدول أو يجوز فقط؟
ربما يقال بوجوبه من جهة حرمة الإبطال.
وفيه : أنّ حرمة الإبطال متوقّف على صحّة العمل في حدّ نفسه ، فيكون إبطاله حراما ، وهاهنا العمل في حدّ نفسه باطل ويريد أن يصحّح العمل بالعدول ، فعدم العدول وتركه ليس إبطالا ، بل هو عدم التصحيح مع إمكانه ، ولا دليل على وجوب التصحيح وعلاج الشكّ مع إمكانه ، وأدلّة وجوب العلاج ، أي وجوب البناء على الأكثر مع تعقيبه بصلاة الاحتياط موضوعه الشكوك الصحيحة ، وهاهنا كون الشكّ من الشكوك الصحيحة متوقّف على العدول ، فكيف يمكن أن يكون وجوب العدول مستندا إلى تلك الأدلة؟ وهل هذا إلاّ تقدّم الشيء على نفسه.
فالإنصاف ، أنّ وجوب العدول لا دليل عليه.
اللهمّ إلاّ أن يقال : قوله عليه السلام « لا يعيد الصلاة فقيه » (80) نهى عن الإعادة مع إمكان العلاج ، وهاهنا حيث يمكن العلاج بالعدول فيجب.
الأمر الثامن : فيما إذا انقلب شكّه بعد الفراغ إلى شكّ آخر ، مثلا كان في الصلاة شاكّا بين الاثنتين والثلاث ، وبعد البناء على الثلاث وإتمام الصلاة بإتيان ركعة أخرى والفراغ عنها ، تبدّل هذا الشكّ بشكّ آخر ـ وهو الشكّ بين الثلاث والأربع قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط ـ فليس عليه شيء ، أي لا يجب عليه صلاة الاحتياط ، أعني ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بدل الركعة الفائتة على تقدير فوتها.
وذلك من جهة أنّ الشكّ الأوّل زال ، لأنّه انقلب إلى شكّ آخر ، وصرف حدوثه لا يكفي في وجوب عمل الاحتياط. وأمّا الشكّ الثاني وإن كان باقيا ولكنّه لا أثر له ، لأنّه شكّ بعد الفراغ ، وهو لا اعتبار به ويكون من الشكوك التي ألغى الشارع اعتبارها. ولكن وهذا الذي ذكرنا من عدم الأثر بعد الانقلاب فيما إذا لم يكن عدم العمل بالاحتياط وعدم الاعتناء بالشكّ موجبا للعلم بالزيادة أو النقيصة.
وإلاّ فقاعدة الفراغ لا أثر لها مع العلم بالإخلال زيادة أو نقيصة ، لأنّها قاعدة مجعولة للشاكّ ، وأنّ شكّه في إتيان جزء أو ركعة لا اعتبار به.
وأمّا قاعدة « لا تعاد » فلا تشمل الأركان ، لأنّها داخلة في عقد المستثنى ، مثلا لو شكّ بين الاثنتين والأربع في حال الصلاة فبنى على الأربع وأتمّ الصلاة ، ثمَّ بعد الصلاة انقلب شكّه إلى الاثنتين والثلاث فيعلم بالنقيصة ، لأنّه يعلم بعدم الرابعة ، فإنّه في الشكّ الأوّل وإن كان يحتمل وجود الأربعة لأنّها أحد المحتملين ولكنّه زال ، وفي الشكّ الثاني يعلم بعدمها ، فهذا هو العلم بالنقيصة.
وأمّا العلم بالزيادة فكما لو شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتى بركعة وأتمّ الصلاة وبعد الفراغ انقلب شكّه إلى الأربع والخمس بعد الإكمال ، فيعلم بزيادة ركعة. وفي هذه الصور التي يعلم بالزيادة أو النقيصة يجب أن يعمل على طبق الشكّ الأخير إن كان العلم بالنقيصة ، بمعنى أنّه يعلم بأنّ السلام وقع في الصلاة فليس بمخرج ، فيجب أن يقوم ويأتي بالنقيصة ويأتي بسجدتي السهو للسلام في غير محلّه ، من جهة سهوه في الركعات.
وأمّا إذا كان العلم بالزيادة بواسطة. انقلاب الشكّ كما مثّلنا له فتجب إعادة الصلاة لعدم علاج آخر ، وأمّا الشكّ الأوّل فلا أثر له على كلّ حال لأنّه زال وانعدم ، وبقاء الموضوع شرط عقلي لترتّب حكمه.
وأما إذا علم إجمالا بعد الانقلاب بالزيادة أو النقيصة ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع في حال الصلاة فبنى على الأربع وأتمّ الصلاة ، ثمَّ بعد الفراغ انقلب شكّه إلى الثلاث أو الخمس ، فلا يخلو الأمر حسب الشكّ الأخير أنّ ما صلّى إمّا الثلاث ـ فتكون ناقصة ـ وإمّا تكون الصلاة التي صلاها خمس فتكون زائدة فيها ركعة ، ولا طريق إلى العلم بالامتثال والفراغ اليقيني إلاّ بالإعادة فتجب.
الأمر التاسع : لو مات الشاكّ في الشكوك الصحيحة بعد أن بنى على الأكثر أو على ما هو وظيفته ، كما إذا كان شاكّا بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، فبنى على الأربع ـ كما تقدّم وجهه ـ قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط في الشقّ الأوّل ، وقبل أن يأتي بسجدتي السهو في الثاني ، فهل يجب أن يقضى عنه الصلاة ، أم لا بل يجب صلاة الاحتياط في الفرض الأوّل ، وسجدتي السهو في الفرض الثاني؟ أو يفصّل بين الفرضين بأن يقضي الصلاة في الفرض الأوّل ويقضى عنه سجدتا السهو فقط في الفرض الثاني؟ وكذلك الأمر لو كان المنسي بعض أجزاء الركعة التي لها قضاء كالتشهّد والسجدة الواحدة ، فإنّه يجب قضاؤها دون أصل الصلاة ، وجوه :
الأقوى : هو التفصيل بين الفرضين ، ففيما إذا كان الفراغ والتسليم من جهة البناء على الأكثر وكانت الوظيفة وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط فاللازم أن يقضى عنه أصل الصلاة ، لأنّ ما أتى به ـ على تقدير كونه الأقل ـ بعض الصلاة ، ويكون كما لو مات في أثناء الصلاة ، وحيث أنّ الصلاة واجب ارتباطي فإذا لم يتعقّب البعض الأوّل ببعضها الباقي يبطل ذلك البعض الأوّل، فيجب أن يقضى عنه مجموع الصلاة ، لأنّ ما أتى به بمنزلة العدم.
هذا ، مضافا إلى تشريع القضاء في بعض الواجب الارتباطي غير معهود من الشرع ولم يرد دليل عليه.
هذا بالنسبة إلى الفرض الأوّل ، وأمّا في الفرض الثاني فقد أتى بتمام الصلاة وسقط الأمر ، ووجوب سجدتي السهو تكليف آخر وليس من أجزاء الصلاة ، فلا وجه لأن يقتضي عنه أصل الصلاة والقضاء تابع لفوت الفريضة ، والمفروض أنّ الفريضة لم تلفت عنه ، وإنّما الفائت هو سجدتا السهو ، وهو ليس من أجزاء الفريضة ، بل هو واجب مستقلّ فيجب قضائه ، لأنّه فريضة فاتت.
الأمر العاشر : في أنّ في قاعدة البناء على الأكثر حيث أنّ روايات الباب كانت مشتملة على حكمين :
أحدهما : هو البناء على الأكثر فيما كان موجبا لصحة الصلاة ، ولذلك سمّيت مثل هذه الشكوك بالشكوك الصحيحة.
والثاني : هو تتميم ما احتمل نقصانه بصلاة مستقلّة منفصلة ، تسمّى بصلاة الاحتياط.
ولمّا كانت صلاة الاحتياط من لواحق البناء على الأكثر فالمناسبة تقتضي أن نذكر هاهنا شطرا من أحكام صلاة الاحتياط وكيفيتها وشرائطها وغير ذلك من خصوصيّاتها حتّى تكون القاعدة تامّة الفائدة.
فنقول : وتوضيح هذه المسألة وبيان كيفيّتها وأحكامها وشرائطها وموانعها متوقّف على بيان أمور :
[ الأمر ] الأوّل : يشترط فيها جميع يشترط في الصلاة من الشرائط العامّة ، كطهارة البدن ، واللباس ، والستر ، والاستقبال ، وعدم غصبيّة المكان ، أي إباحته إلى غير ذلك من شرائطها.
والدليل على ذلك أنّها صلاة ، غاية الأمر مردّد أمرها بين أن تقع نافلة أو متمّما للصلاة الأصليّة ، فكلّ أمر دلّ الدليل على اعتبار وجوده أو عدمه في الصلاة من حيث صلاتيّتة فهو معتبر وجودا أو عدما في صلاة الاحتياط.
وحيث أنّ الدليل دلّ على اعتبار النيّة في الصلاة بما أنّها صلاة فتكون معتبرة في صلاة الاحتياط لعين تلك الجهة ، أي أنّها عبادة. ولا يمكن تحقّق العبادة بدون قصد القربة والنيّة ، وكذلك تكبيرة الإحرام ، فإنّ الدليل دلّ على أنّ الصلاة لها افتتاح واختتام ، افتتاحها بالتكبير واختتامها بالتسليم وهذه الأمور التي ذكرناها بإضافة الطهارة الحدثيّة من شرائط طبيعة الصلاة ، وكلّ ما صحّ على الطبيعة صحّ على جميع الأفراد والأصناف ، إلاّ أن يأتي دليل خاصّ على عدم اعتباره في فرد خاصّ ، أو صنف مخصوص.
فمقتضى القاعدة الأوّليّة وجود هذه الأمور وغيرها ممّا اعتبر في طبيعة الصلاة في صلاة الاحتياط ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الموانع والقواطع ، ولا يحتاج إلى وجود دليل خاصّ على اعتبار الوجود أو العدم.
ولكن ربما يستشكل في لزوم تكبيرة الإحرام بل في جوازها ، وذلك من جهة أنّ صلاة الاحتياط ذات احتمالين وتقديرين.
فعلى تقدير عدم النقصان تقع نافلة ، وعلى هذا التقدير تكون تكبيرة الإحرام لازمة ، لأنّ الصلاة ولو كانت نافلة غير معهود وقوعها بدون تكبيرة الإحرام.
وأمّا على تقدير النقصان يكون جزء للصلاة الأصليّة ، فتكون تكبيرة الإحرام وجودها مضرّا للصلاة الأصليّة ، فيكون أمرها من قبيل دوران الأمر بين محذورين ، لأنّ عدم تكبيرة الإحرام مناف مع كونها نافلة مستقلّة على تقدير عدم النقصان ، ووجودها مناف مع جزئيّتها على تقدير النقصان ، لأنّها زيادة ركن في الصلاة.
ولكنّ الذي يدفع هذا الإشكال أنّ وجوب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط إجماعي ، فيكون الإجماع دليلا على عدم مضرّية هذه الزيادة على تقدير الجزئيّة. أو يقال : بأنّه يستكشف من هذا الإجماع أنّه صلاة مستقلّة حتّى على تقدير النقصان ، غاية الأمر يحصل بها ذلك المقدار الذي فات من المصلحة بواسطة النقصان.
ويمكن أن يستشهد لوجوب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط برواية زيد الشّحام التي تقدّمت ، وفيها قال عليه السلام : « وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ، ثمَّ ليركع ركعتين بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمَّ يتشهّد » .
ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا من اعتبار جميع ما اعتبر في الصلاة فيها تعيّن قراءة فاتحة الكتاب فيها ، لأنّها صلاة ، ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب.
مضافا إلى ورود أخبار تدلّ عليها ، كرواية العلاء ، قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال عليه السلام : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهّد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » .
وكصحيحة الحلبي : « إن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ، ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلّم ثمَّ صلى ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب » .
وكصحيحة زرارة ، قال عليه السلام في ذيلها في بيان حكم من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب » .
فهذه الأخبار وغيرها ممّا هو مثلها تدلّ على وجوب قراءة فاتحة الكتاب وتعيّنها في صلاة الاحتياط.
ثمَّ إنّه هل يجب الإخفات فيها أو يجوز الجهر بها؟ وقال جماعة كما حكى عن الشهيد قدس سرّه (81) وغيره بالأوّل.
ولعلّ مستندهم أنّها على تقدير النقصان تقوم مقام الركعتين الأخيرتين والحكم فيهما الإخفات في القراءة لو اختارها دون التسبيح ، فكذلك فيما يقوم مقامهما ، بل في الحقيقة صلاة الاحتياط هي الأخيرتين فيما كانت ركعتين ، أو إحديهما فيما كان النقصان بواحد.
ولكن ظاهر الأخبار أنّها صلاة مستقلّة منفردة يتدارك بها المقدار الفائت من مصلحة الصلاة الأصليّة على تقدير النقصان.
وبناء على هذا حيث أنّه لم يرد دليل على وجوب الإخفات أو الجهر فمقتضى القاعدة هو التخيير ، وإن كان الإخفات أحوط.
الأمر الثاني : في أنّه لا أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت فيها.
أمّا الأوّلان ـ أي عدم الأذان والإقامة فيها ـ فلأنّ أمرها دائر بين أن تكون نافلة فليس فيها الأذان والإقامة ، أو تكون جزءا للفريضة الأصلية ولم يشرعا في جزء الفريضة.
نعم لو قلنا بأنّ صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلّة وسبب وجوبها تدارك مصلحة الفائتة بها على تقدير النقصان ، فيمكن أن يقال بشمول إطلاقات أدلّتهما لهذا المورد أيضا.
وفيه : أنّه وإن ورد في موثّقة سماعة « لا صلاة إلاّ بأذان وإقامة » (82) ولكن لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق ، وذلك للاتّفاق على عدم مشروعيّتهما في غير اليوميّة ، فلو كانت صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة ، ولم تكن من متممات اليوميّة ، فتشريع الأذان والإقامة فيها غير معلوم ، ومقتضى الأصل عدم جوازهما.
نعم لو كانت مع أنّها صلاة مستقلّة جزء لليوميّة وبحكمها لكانا مشروعين فيها ، ولكن إثبات ذلك مشكل ، مع أنّها لو كانت كذلك فأيضا لا يخلو عن إشكال ، لأنّ الفريضة اليوميّة منصرفة عن مثل هذه الصلاة فالأصحّ أنّ الأذان والإقامة لم يشرعا فيها.
وأمّا السورة والقنوت فللاتّفاق على عدم وجوبهما فيها ولا استحبابهما ، وأيضا لو كانا فيها واجبين أو كان خصوص السورة واجبا لكان عليه السلام ذكره في عداد الواجبات ، ونصوص الباب خالية عنهما مع ذكر سائر الواجبات فيها.
وأمّا القول بوجوب السورة بلحاظ وجوبها في سائر الصلوات الواجبة فلو قلنا بأنّ صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلّة يتدارك بها ما فات من مصلحة الفريضة ، فالدليل على وجوبها في سائر الصلوات الواجبة دليل على وجوبها فيها.
وفيه : أنّ وجوب هذه الصلاة وإن كان من المسلّم ، ولكن ليس وجوبا مستقلا كسائر الواجبات لوجود ملاك ومصلحة في نفسها ، بل وجوبها باعتبار تتميم ما نقص من الفريضة الأصليّة ، ولذلك لو تنبّه في أثنائها بتماميّة الفريضة الأصليّة لا يجب عليها إتمامها ، ويجوز بل يجب العدول إلى النافلة لأنّه لا موضوع بعد ذلك الالتفات لإتيانها بصفة الوجوب ، لأنّ موضوعها احتمال النقص في الصلاة الأصليّة.
الأمر الثالث : فيما إذا صدر منه ما يبطل الصلاة قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط ، كما إذا صدر منه أحد القواطع فهل تبطل الصلاة ويجب إعادتها؟ إذ لا تأثير بعد ذلك في صلاة الاحتياط ، إذ بناء على أنّ صلاة الاحتياط متمّمة للنقص الذي حصل في الصلاة الأصلية ، فالقاطع كالحدث مثلا وقع في الأثناء ، فليست صلاة الاحتياط باعتبار أنّها متمّمة للصلاة الأصليّة قابلة لأن تنضمّ إلى الصلاة الأصليّة ، لأنّ القاطع قطع حبل الاتّصال.
وبعبارة أخرى : القاطع قطع صورة الصلاتيّة ، وبهذا الاعتبار يطلق عليه القاطع ، فالجزء الصوري الذي يكون المراد به الهيئة الصلاتيّة انعدمت بواسطة القاطع ، فليست الأجزاء الباقية بعد وجود القاطع قابلا لتشكيل الهيئة الصلاتيّة بواسطة انضمامها إلى الأجزاء السابقة ، فقهرا تبطل الصلاة ويجب إعادتها.
ولكن هذا بناء على كون صلاة الاحتياط جزءا متمّما للصلاة الأصليّة على تقدير النقصان.
وأمّا لو قلنا بأنّها صلاة مستقلّة شرعت لأجل تدارك ما فات من مصلحة الصلاة الأصليّة على تقدير النقصان ، وهذا الأمر من قبيل حكمة تشريعها ، كما ورد في حكمة تشريع النوافل التي هي رواتب الفرائض اليوميّة أنّها شرعت لأجل جبران النقص الذي ربما يقع في الفرائض الخمس ، بحيث يكون المجموع من الرواتب والفرائض الناقصة وافيا بمصالح الفرائض الواقعيّة التامّة ، فوقوع الحدث مثلا قبل صلاة الاحتياط وبعد الصلاة الأصليّة لا يؤثّر في بطلان الصلاة الأصليّة ، لأنّه وقع قبلها لا في أثنائها.
ولكن التحقيق : أنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة هو أنّ هذه الصلاة لا مستقلة تماما ، ولا جزء متمّم ، بل فيها جهة الاستقلال باعتبار قوله عليه السلام في مرسل جميل : « إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » .
وأيضا قوله عليه السلام : في صحيحة الحلبي : « ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس » .
وفيها جهة الجزئيّة.
وإنّها متمّم لنقص الصلاة الأصليّة لقوله عليه السلام في موثّقة عمّار « وأتم ما ظنت أنّك نقصت » فهي معنى متوسط بين الاستقلال والجزئيّة وليست أجنبيّة عن كليهما.
وبناء على هذا ـ من حيث أنّها صلاة مستقلّة ، وتشريعها لأجل تدارك المصلحة الفائتة على تقدير النقصان ، وليست جزء من الصلاة الأصليّة ـ فالصلاة الأولية تمّت بواسطة البناء على الأكثر ، والفراغ منها بواسطة التسليم حصل ، فلم يقع القاطع في أثنائها كي تبطل ، والمصلحة الفائتة يتدارك فيما بعد بواسطة صلاة الاحتياط ، فلا يبقى وجه للبطلان والإعادة.
ومن حيث أنّ فيها جهة كونها متمّما للصلاة الأصليّة تكون بحكم الجزء ، فكان القاطع وقع في الأثناء فتكون فاسدة ، فيكون حدوث القاطع موجبا للبطلان ولزوم الإعادة.
ولكن أنت خبير بأنّ ما قلنا : إنّ فيه جهة الجزئية ، ليس المراد منه أنّها جزء الصلاة الأصليّة ، بل المراد أنّها جزء متمّم لما هو ذو المصلحة ، فالصلاة الأصليّة وصلاة الاحتياط كلاهما مجموعا دخيلان في حصول المصلحة لا أنّ أحدهما جزء للآخر، فوقوع الحدث بينهما لا يضرّ بكلّ واحد منهما.
الأمر الرابع : فيما إذا تذكر بعد الفراغ عن الصلاة الأصليّة والبناء على الأكثر أنّ ما صلّى كان كذلك من الركعة ، وارتفع الشكّ وحصل له اليقين.
فهذا لا يخلو حاله : إمّا أن يحصل له اليقين بالتمام أو بالنقصان.
فإن كان الأوّل وكان بعد الإتيان بصلاة الاحتياط فتكون صلاة الاحتياط نافلة ، كما هو مفاد بعض الأخبار.
وإن كان قبل صلاة الاحتياط فلا يجب إتيانها ، لأنّ وجوبها كان باعتبار تتميم ما نقص ، وبعد اليقين بالتمام وتذكّره وارتفاع الشكّ الذي كان موضوع وجوب صلاة الاحتياط لا يبقى مورد ومحلّ لوجوب إتيانها.
وإن كان التذكّر في أثناء الاحتياط فله أن يقطع ويرفع اليد عنها ، لتبيّن عدم وجوبها فلا مانع من قطعها.
وله أن يتمّها نافلة ، فإن كان الاحتياط ركعة يضمّ إليها ركعة أخرى ويتمّها نافلة.
ولا يكتفي في جعلها نافلة بتلك الركعة الواحدة ، وذلك من جهة عدم معهوديّة كون صلاة النافلة ركعة واحدة في غير الوتر.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الدليل الذي مفاده جعل صلاة الاحتياط نافلة على تقدير كون الصلاة الأصلية تامّة يشمل بإطلاقه ما إذا كان صلاة الاحتياط ركعة واحدة ، فيدلّ على صحّة كون النافلة ركعة واحدة.
وإن كان الثاني ، ( تذكر نقصان الصلاة الأصليّة ) ، فلها صور :
الصورة الأولى : أن يكون تذكّره بعد الإتيان بصلاة الاحتياط ، وكان النقص المنكشف مطابقا مع صلاة الاحتياط كمّا وكيفا فلا شيء عليه ، وقد أتى بما هو وظيفته ، وصحّت صلاته ، لما تقدّم من قوله عليه السلام في موثّقة عمّار : « وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » .
الصورة الثانية : هي عين الصورة الأولى لكن مع الاختلاف في الكمّ مثل أن يكون النقص المنكشف ركعتين والاحتياط ركعة واحدة ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، فبعد استقرار الشكّ بنى على الأربع وصلّى الاحتياط ركعة واحدة ، وبعد الفراغ عنها تذكر أنّ صلاته الأصليّة كانت ركعتين ، ففي مثل هذا المورد من المحتمل القول بأنّه يضيف على الاحتياط ركعة أخرى كي يتمّ بها النقص المنكشف.
وهناك احتمالان آخران :
أحدهما : كفاية صلاة الاحتياط التي أتى بها وإن كانت مخالفة مع النقص المنكشف في الكمّ.
واختار شيخنا الأستاذ قدس سرّه هذا الاحتمال تمسّكا بإطلاق قوله عليه السلام : « وإن ذكرت أنّك نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (83).
ولكنّ الظاهر أنّه عليه السلام في مقام أنّ صلاة الاحتياط لا تذهب هدرا على كلّ تقدير ، بل إمّا أن تكون متمّما للنقصان على تقدير النقص ، وإمّا أن تكون نافلة على تقدير التمام. وليس في مقام بيان أنّه متمّم على كلّ حال ولا يحتاج إلى شيء آخر ، فلا مجال للتمسّك بإطلاقه من هذه الجهة.
الثاني : بطلان الصلاة ووجوب الإعادة باعتبار عدم إمكان العلاج ، والشكّ في الامتثال بإتيان ركعة أخرى وتتميم ما نقص.
أمّا عدم إمكان العلاج فمن جهة عدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص ، لكونها أقلّ منه.
وأمّا تتميمها بركعة أخرى منفصلة فليس عليه دليل ، إذ صلاة الاحتياط في مورد الشكّ ، والشكّ ارتفع ، فلو أتى بركعة أخرى مضافا إلى صلاة الاحتياط وإن كان يتمّ بها النقص من حيث عدد الركعات ولكن الانفصال والخروج عن الصلاة بالتسليم لا علاج له.
ولا يقاس بصلاة الاحتياط ، فإنّها وإن كانت منفصلة وبعد التسليم ، إلاّ أنّ عليها دليل كموثقات عمّار وغيرها. وتلك الأدلة لا تشمل المقام ، لأنّ موضوع الحكم بالاحتياط فيها هو الشكّ ، والمفروض أنّ الشكّ ارتفع فيما نحن فيه ، فيكون شكّا في الامتثال فتجب الإعادة لتحصيل القطع بالامتثال.
وممّا ذكرنا ظهر لك أنّه لا وجه للقول بأنّه يعمل عمل المحتمل لهذا النقص المنكشف ، والشاكّ فيه مثلا في المفروض أليس أنّه انكشف أنّ صلاته التي صلاّها كانت ركعتين والنقص بركعتين ، فيعمل عمل الشكّ بين الاثنتين والأربع ، أي يأتي بركعتين من قيام ويصرف النظر عن الاحتياط الذي عمل به.
وهو احتمال غريب ، لأنّه لم يشكّ مثل هذا الشكّ بل ليس له شكّ أصلا ، لأنّ شكّه الذي كان بين الثلاث والأربع ارتفع ، وليس له شكّ آخر فيكون حكما بلا موضوع ، فالأظهر بل الأرجح هو الإعادة في صورة الاختلاف في الكمّ.
وأمّا إن كان اختلافهما في الكيف ، مثلا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتمّ الصلاة ، ثمَّ صلّى صلاة الاحتياط ركعتين من جلوس ، فتذكر أنّ صلاته كانت اثنتين ، فالظاهر أنّه أتى بوظيفته. وركعتين من جلوس وإن كانتا مخالفتين في الكيف مع الركعة من قيام ، لكنّ الشارع جعلهما بدلا عن الركعة من قيام ، فحصل الامتثال وسقط الأمر.
هذا كلّه فيما إذا كان تذكره بعد صلاة الاحتياط.
وأمّا لو كان قبلها ، أي تذكر النقص وأنّه بركعة مثلا أو بركعتين قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط ، فهذه الصورة الثالثة من تذكّر النقص.
وهنا احتمالات :
الأوّل : وهو الصحيح أن يأتي بالنقص المتيقن ، وذلك من جهة وقوع السلام في غير محلّه فلم يخرج عن الصلاة بصرف السلام ، والمفروض أنّه لم يأت بمناف ، أي أحد القواطع من الحدث ، أو الاستدبار ، أو السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ، أو غيرها من القواطع ، وإلاّ فمعلوم أنّه فيما إذا أتى بأحد القواطع فالصلاة باطلة وتجب إعادتها.
فمقتضى القاعدة أنّ سلامة مثل السلام السهوي ، فبعد أن تذكّر السهو يجب عليه أن يقوم ويأتي بالبقيّة.
وهناك احتمالان آخران :
الأوّل : بطلان الصلاة ووجوب إعادتها ، وذلك من جهة أنّه خرج عن الصلاة بالتسليم ، وعلم بنقصان صلاته بركعة أو ركعتين ، والركعة مشتملة على الأركان ، ونقيصة الركن غير مغتفر في الصلاة ، عمدا كانت أو سهوا.
وفيه : أنّ نقيصة الأركان وإن كانت موجبة للبطلان ، ولكن النقيصة لا يتحقّق إلاّ بأحد أمرين : إمّا بخروجه عن الصلاة بإيقاع السلام في محلّه ، أو بوجود أحد القواطع ، وإلاّ بصرف عدم وجود شرط أو جزء ركني مع بقاء محلّه لا يصدق النقيصة.
هذا ، مضافا إلى ورود روايات معتبرة على أنّه لو تذكّر نقص صلاته بعد التسليم وقبل صدور المنافي يجب عليه أن يأتي به.
منها : خبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في نقصان ركعتين في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتم الصلاة وتكلّم ، ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين؟ فقال عليه السلام : « يتمّ ما بقي من صلاته ولا شيء عليه » (84).
والفرق بين المقام وبين ذاك بأنّ مورد الرواية هو السلام باعتقاد الفراغ هناك ، وهاهنا بحكم الشارع غير فارق فيما هو المناط وهو كون في غير محلّه.
وقد شرحنا هذه المسألة ، أي تذكر النقص بعد السلام في المجلّد الأوّل من هذا الكتاب ، في شرح قاعدة « لا تعاد » (85) وإن شئت فراجع.
وخلاصة الكلام : أنّ بطلان الصلاة بنقص ركعة أو ركعتين أن تذكّر وانكشف له بعد التسليم قبل إتيان ما هو المبطل لا وجه له ، بل يجب عليه التدارك وإتيان ما نقص بعنوان تتمّة الصلاة ، لا صلاة الاحتياط.
الثاني : هو أنّه يجب عليه الصلاة الاحتياط ، كما أنّه لو كان شكّه باقيا ولم يتذكّر النقص فصلاته الأصلية مع صلاة الاحتياط موجبة للقطع بالامتثال ، وتوجب براءة الذمّة وإسقاط الأمر.
وهذا احتمال غريب وبعيد إلى الغاية ، وذلك من جهة أنّ صلاة الاحتياط موضوعها الشاكّ ، فإذا ارتفع الشكّ وتذكّر النقص يخرج عن موضوع خطاب صلاة الاحتياط.
وأمّا إذا كان تذكره للنقص في أثناء صلاة الاحتياط ، فهذه هي الصورة الرابعة.
وفي هذه الصورة صور ، ربما يختلف حكمها ، فنقول :
الأولى : أن تكون صلاة الاحتياط مطابقة مع النقص الذي تذكره كمّا وكيفا ، مثلا شكّ بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث، ثمَّ تذكّر أنّ صلاته ناقصة بركعة في أثناء صلاة الاحتياط التي هي عبارة عن ركعة من قيام.
فهاهنا يجب عليه إتمام صلاة الاحتياط ، وليس عليه شيء.
والوجه واضح بعد اغتفار زيادة تكبيرة الإحرام ، فإنّ المأمور به في حال الشكّ بعد التسليم هي الركعة الواحدة من قيام ، غاية الأمر بزيادة التكبير ، وبعد تذكّر النقص وأنّه ركعة واحدة أيضا يكون المأمور به هو نفس ما كان حال الشكّ فلا وجه لرفع اليد عنها وتجديدها ثانيا.
الثانية : أن تكون مخالفة مع النقص الذي تذكّره في الكمّ والكيف أو في أحدهما. فهذه الصورة الثانية تنقسم إلى ثلاث :
فالأوّل ، أي المخالف في الكمّ والكيف كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وشرع في صلاة الاحتياط واختار ركعتين من جلوس ، فتذكّر في أثنائها أنّ النقص ركعة واحدة ، فصلاة الاحتياط في هذا الفرض مخالف مع النقص المذكور كمّا ، لأنّه ركعة واحدة وصلاة الاحتياط ركعتين ، وكيفا ، من جهة أنّه من قيام وصلاة الاحتياط من جلوس.
فهنا احتمالات بل أقوال ثلاث :
الأوّل : بطلان الصلاة ولزوم الإعادة ، لأنّ النقص فيها معلوم وليس له علاج ، ولا يمكن تداركه ، لأنّ التدارك إمّا بصلاة الاحتياط ، ولا يمكن بهذه التي هو فيها ، لمخالفتها مع النقص المعلوم كمّا وكيفا ، أو برفع اليد عن الاحتياط والصلاة قائما بمقدار النقص الذي تذكره أي يتمّها لا بعنوان صلاة الاحتياط ، وهذا لا يمكن ، للفصل بين المتمّم ـ بالكسر ـ والمتمم ـ بالفتح ـ أوّلا ، ولزيادة الأركان المتعدّدة بناء على جزئيّة صلاة الاحتياط للصلاة الأصليّة ثانيا ، ومن جهة الخروج عن الصلاة بالتسليم ثالثا.
وأيضا لا يمكن تداركه بصلاة احتياط أخرى مطابقا للنقص المذكور ، لأنّ صلاة الاحتياط موضوعها الشكّ ، فإذا ارتفع ـ كما هو المفروض في المقام ـ لا يبقى مجال لصلاة الاحتياط مطابقة للنقص الذي تذكّره مرة أخرى ، فلا بدّ من الإعادة.
الثاني : إتمام صلاة الاحتياط والاكتفاء بها وإن كانت مخالفة للنقص المعلوم كمّا وكيفا ، لإطلاق أدلّة صلاة الاحتياط.
وفساد هذا الاحتمال واضح ، لما ذكرنا أنّ جابريّة صلاة الاحتياط للنقص المعلوم فيما إذا كانت مطابقة للنقص المعلوم ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فكونه جابرا مع ارتفاع الشكّ لا وجه له أصلا.
الثالث : إدخال هذه المسألة فيمن تذكّر النقص بركعة أو ركعتين بعد التسليم سهوا ، حيث أنّ في تلك المسألة دلّت الأخبار على إتمام الصلاة بالمقدار الذي علم بالنقص.
وقد تقدّم خبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام وأنّه عليه السلام قال : « يتمّ ما بقي من صلاته ولا شيء عليه » ، وقلنا هناك : إنّ الفرق بين المسألتين بأنّه هناك ـ أي في مورد الرواية ـ صدور السلام يكون سهوا ، وفيما نحن فيه عمدي وبحكم الشارع ليس بفارق فيما هو مناط الحكم وهو وقوع السلام في غير محلّه.
والأرجح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير ، كما ظهر ممّا تقدّم وجهه.
الثالثة : أن تكون مخالفة للشكّ المحتمل وإن كانت موافقة للنقص المعلوم كمّا وكيفا.
والظاهر أنّه مثل الصورة الأولى من الصورة الرابعة ، أي يمضي في الاحتياط ولا شيء عليه ، إذ ما دام تكون صلاة الاحتياط موافقة مع النقص المعلوم لا أثر لمخالفتها لحكم الشكّ المحتمل ، إذ الشكّ ارتفع وجاء مكانه القطع بالنقص ، فلا بدّ من ملاحظة آثار هذا القطع الموجود لا الشكّ الزائل ، كما أنّه لو كانت موافقة للشكّ المحتمل ، ولكن كانت مخالفة للنقص المعلوم لا أثر لموافقتها للشكّ المحتمل.
الصورة الخامسة : أن يكون تذكّره للنقص بين الاحتياطين. وذلك كما أنّه في الشكّ المركّب ، كالشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع مثلا ، بنى على الأربع فهاهنا ـ كما تقدم في أحكام الشكوك الصحيحة ـ يجب عليه الاحتياط بصلاتين : إحديهما ركعة واحدة من قيام أو ركعتين من جلوس. الثانية : ركعتين من قيام.
فلو حصل له اليقين بمقدار النقص بعد أن أتى بأحد الاحتياطين دون الآخر ، فإن كان الاحتياط الذي أتى به موافقا مع النقص المعلوم ، مثلا علم بأنّ النقص ركعة إذ تذكر أنّه صلّى ثلاث ركعات ، وهو أوّلا أتى بوظيفة الشكّ بين الثلاث والأربع أي صلّى صلاة الاحتياط ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس ، فإن كان مختاره ركعة من قيام ، فتمّ عمله وليس عليه شيء قطعا. وهذا واضح جدا.
وإن كان مختاره ركعتين من جلوس ، فالظاهر أنّه أيضا كذلك ، لأنّ جعل ركعتين من جلوس في ظرف الشكّ بمنزلة ركعة من قيام ومجزيتين عنها كان مفاد الأدلّة.
والحاصل : أنّه إن كان الاحتياط الأوّل الذي أتى به موافقا مع النقص الذي تذكره ، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه ، لما ذكرنا فلا نعيد.
وأمّا إن كان مخالفا له في الكيف والكمّ ، أو الكمّ وحده فواضح أنّه لا يجوز الاكتفاء به ، لزيادتها إن كان الاحتياط الأوّل الذي أتى به أزيد من النقص الذي تذكره ، أو لبقاء مقدار من النقيصة إن كان أقلّ. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن تكون صلاة الاحتياط الأولى جابرة للنقص المعلوم.
فلا بدّ إمّا من صرف النظر عما أتى به من باب صلاة الاحتياط ، والإتيان بمقدار النقص المعلوم من باب إدخال المسألة في مسألة تذكّر نقص الصلاة بركعة أو ركعتين بعد السلام بزعم الفراغ ، أو إعادة أصل الصلاة.
وقد تقدّم الكلام فيما تقدّم من نظير هذه المسألة إن تذكّر في أثناء الإتيان بصلاة الاحتياط إذا كان احتياطا واحدا كما في الشكّ البسيط.
وأمّا إن كان مخالفا في الكيف فقط ، فيمكن أن يقال بالاكتفاء بذلك الاحتياط ، لجعله الشارع بدلا عمّا هو النقص الواقعي ، مثلا لو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فهنا له وظيفتان : إحديهما : وظيفة الشكّ بين الثلاث والأربع ، وهي ركعتان من جلوس. وأخرى : وظيفة الشكّ بين الاثنتين والأربع ، وهي ركعتان من قيام.
فلو قدّم إتيان الوظيفة الأولى ـ أي الشكّ بين الثلاث والأربع ـ واختار ركعتين من جلوس ، فتذكّر بعد الإتيان بهذه الوظيفة وقبل الإتيان بالوظيفة الأخرى ، أنّ صلاته التي صلاّها كانت ثلاث ركعات والنقص بواحدة ، فحيث أنّ الشارع جعل ركعتين من جلوس في ظرف الشكّ بدلا عن الركعة من قيام ، وقد أتى هو بها في ظرف الشكّ ، فيكون مجزيا وليس عليه شيء. فالاختلاف في الكيف إذا أتى بها في ظرف الشكّ لا أثر له إذا كان مطابقا في الكمّ.
وخلاصة ما ذكرنا في هذا الأمر الرابع ـ أي فيما تذكر النقص وارتفع الشك الذي كان موضوعا لصلاة الاحتياط ـ أنّ تذكّره وارتفاع شكّه إمّا أن يكون قبل صلاة الاحتياط ، أو بعدها ، أو في أثنائها ، أو في أثناء الاحتياطين.
أمّا الأوّل أي فيما إذا كان قبل صلاة الاحتياط ، فالأظهر هو الإتيان بالنقص المعلوم ، لا البطلان وإعادة الصلاة ، ولا التدارك بصلاة الاحتياط ، لارتفاع موضوعها وهو الشكّ.
وأمّا في الشقوق الثلاثة الأخيرة فإن كان ما أتى به بعنوان الاحتياط أو دخل فيه كذلك موافقا في الكمّ والكيف ، أو في الكمّ فقط مع النقص المعلوم فيمضي في احتياطه ولا شيء عليه ، وإلاّ فيجب إعادة صلاته.
وأمّا موافقة صلاة الاحتياط لحكم الشكّ المحتمل وعدم موافقتها له فلا أثر له بعد بيان الواقع وكشفه وارتفاع الشكّ وحصول اليقين ، فالمناط كلّ المناط مطابقة صلاة الاحتياط للنقص المعلوم وعدم مطابقتها.
ثمَّ إنّه كان جميع ما ذكرنا فيما إذا تذكّر نقص الصلاة التي أتى بها ، وأمّا لو تذكّر زيادتها على ما هو الفرض بركعة أو أزيد، فواضح بطلانها ، ولزوم إعادتها ، لعدم علاج لزيادة الأركان وأنّها موجبة للبطلان ، عمدا كان أو سهوا.
الأمر الخامس : لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط بعد وجوبها وتنجّزها عليه ، فإن كان الشكّ بعد خروج الوقت فهذا من الشكّ بعد الوقت ولا اعتبار به ، لأنّ حال الصلاة الاحتياط حال سائر أجزاء الصلاة الأصليّة ، فيبني على الإتيان.
وأمّا لو كان حدوث الشكّ في الوقت ، فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الإتيان بها ، إلاّ فيما يكون مجرى لقاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز ، فإذا كان جالسا في محلّ الصلاة ولم يأت بما هو مناف ومبطل للصلاة ، حتّى السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ، ولم يدخل في فعل آخر ، فلا مورد لجريان كلتا القاعدتين.
أمّا عدم إحراز مجرى قاعدة الفراغ فلأجل أنّ مجراها هو الشكّ في تماميّة الموجود ، وهاهنا يكون الشكّ في أصل الوجود.
وأمّا قاعدة التجاوز فلأجل عدم التجاوز عن المحلّ الشرعي لصلاة الاحتياط ، بل ولا العرفي.
أمّا لو أتى بالمنافي والمبطل أو دخل في فعل آخر فهل يكون داخلا في مجرى القاعدتين أو إحديهما أو لا؟ فيه كلام.
وتفصيله عبارة عن أنّه هل يصدق الفراغ بإيجاد المنافي أم لا؟ وكذلك التجاوز؟
والظاهر أنّ المنافي إذا كان مثل الاستدبار أو السكوت الطويل ممّا يكون غالبا بعد الفراغ عن الصلاة يصدق الفراغ به عرفا.
وأمّا الدخول في فعل آخر فلا شك في صدق الفراغ معه ، مضافا إلى أنّ موضوع الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ ليس هو عنوان الفراغ ، بل عنوان المضي والتجاوز والخروج عن الشيء والدخول في غيره ، وهذه العناوين تصدق قطعا مع الدخول في فعل آخر مناف للصلاة حتّى مثل التعقيب.
فلو كان جالسا ويشتغل بالتعقيب ، وقلنا بوجوب صلاة الاحتياط عقيب التسليم بلا فصل ـ كما هو مقتضي الجزئية على تقدير النقصان ـ فمع دخوله في التعقيب يصدق التجاوز عن محلّ صلاة الاحتياط والفراغ عنها وعن الصلاة الأصليّة ، ومع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط بإتيان صلاة الاحتياط ، لأنّه وإن كانت هاتان القاعدتان حاكمتين على قاعدة الاشتغال ، بل وكذلك على استصحاب عدم الإتيان بها إلاّ أنّ الشأن في جريانهما فإنّه لا يخلو من إشكال وإن رجّحنا جريانهما في بعض صور المسألة ، خصوصا إذا حصل الشكّ بعد دخوله في فعل مناف للصلاة.
الأمر السادس : في أنّه لا سهو في سهو.
ويدلّ على هذا الحكم روايات :
منها : ما عن الشيخ في الصحيح ـ أو الحسن ـ عن حفص البختري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (86).
ومنها : ما عن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره أنّه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا ، يقول هؤلاء : قوموا ، ويقول هؤلاء : أقعدوا، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم ، فما يجب عليهم؟ قال عليه السلام : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلف سهوه باتّفاق منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو » الحديث (87).
وعن الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه (88).
فلا إشكال في هذه الجملة من حيث اعتبار السند والصدور ، خصوصا مع تلقّيها الأصحاب بالقبول ، فالعمدة فهم المراد منها.
فنقول : الظاهر من قوله عليه السلام : « لا سهو » ، أنّ السهو ـ أي : السهو المنفي ـ بمعنى الشكّ ، بقرينة نظائره في قوله عليه السلام « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب سهو ، ولا في الركعتين الأوليين في كلّ صلاة سهو ، ولا سهو في نافلة ».
فإنّ كلمة « السهو » في جميع هذه الموارد المراد به الشكّ كما هو واضح ، وإن كان في حدّ نفسه مع قطع النظر عن هذه القرينة فيها احتمالات ثلاث : خصوص الشكّ ، وخصوص النسيان ، والأعم منهما. والمراد من السهو الثاني ، أي : ما هو الظرف للسهو المنفي ، صلاة الاحتياط التي هي حكم الشكّ في عدد الركعات ، فيكون هذه الجملة نظير « لا شكّ لكثير الشك » من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فمعناه أنّ حكم الشكّ ليس في حكم الشكّ أي البناء على الأكثر ، وصلاة الاحتياط ليس في صلاة الاحتياط إذا شكّ في عدد ركعاتها ، فالسهو الأوّل والثاني ـ أي الظرف والمظروف ـ بمعنى واحد.
ويمكن أن يكون المراد من السهو في كلا المقامين ـ أي الظرف والمظروف ـ أعمّ من الشكّ والنسيان ، أي حكم الشكّ الذي هو عبارة عن صلاة الاحتياط ، وحكم النسيان الذي هو عبارة عن سجدتي السهو فقط في بعض الموارد ، ومع القضاء في البعض الآخر ، ليس في حكم الشكّ وفي حكم النسيان فيكون معناه أن الشكّ في عدد ركعات صلاة الاحتياط ليس فيه البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ، وكذلك في سجدتي السهو وقضاء بعض الأجزاء المنسيّة ليس سجدتي السهو ، ولا قضاء إذا نسي شيئا منها.
ولكن هذا المعنى لا يناسب مع وحدة السياق ، فالظاهر تعيّن المعنى الأوّل ، وإلاّ فبحسب الاحتمال تكون الاحتمالات تسعة ، حاصلة من ضرب ثلاثة احتمالات للسهو المظروف في ثلاثة احتمالات السهو الذي هو ظرف ويكون مدخولا لحرف الجر ، سواء كان هو « في » كما في بعض الروايات ، أو « على » كما في البعض الآخر.
ولا يتوهّم أنّ المراد من السهو الأوّل وإن كان هو حكم الشكّ أي البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ، لأنّه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ولكن لا دليل على أن يكون المراد من السهو الثاني الذي هو ظرف للسهو الأوّل أيضا حكم الشكّ ، وذلك لعدم جريان دليل الأوّل ـ الذي هو عبارة عن نفي الحكم بلسان نفي الموضع ـ فيه ، لأنّه هناك ليس مقام نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فإنّه لا نفي هناك أصلا ، لا نفي الحكم ، ولا نفي الموضوع ، وذلك من جهة أنه لا يمكن أن يكون المراد منه نفس الشكّ ، لأنّه حينئذ يكون المعنى : ليس حكم الشكّ في الشكّ.
اللهمّ إلاّ أن يكون متعلّق الشكّ هو عدد ركعات صلاة الاحتياط ، فيكون نفس المعنى ، وكرّ على ما فرّ.
ثمَّ إنّ حكم الشكّ وان لم يكن منحصرا بالبناء على الأكثر ولا متعلّقه منحصر بعدد الركعات بل قد يتعلّق بأفعال الصلاة أي إتيان أجزائها وشرائطها ، وترك موانعها وقواطعها ، كما أنّ حكمه قد يكون إبطال الصلاة التي وقع فيها الشكّ كالفريضة الثنائيّة والثلاثيّة والأوليين من الرباعية ، وقد يكون عدم الاعتناء بالشكّ والمضي في المشكوك كالشكّ في النافلة ، وبعد الفراغ وبعد الوقت ، ولكن ظهور نفي حكم الشكّ بنفي موضوعه وإن كان بواسطة غلبة الوجود وأنس الذهن في نفي البناء على الأكثر ونفي صلاة الاحتياط التي من آثار البناء على الأكثر لا يمكن أن ينكر.
الأمر السابع : لو شكّ في عدد ركعاتها ، فهل عليه البناء على الأكثر أو لا يجري هذا الحكم في حقه؟
وقد عرفت في الأمر السابق أنّ قوله عليه السلام : « لا سهو في سهو » ظاهر في أنّ حكم الشكّ الذي هو البناء على الأكثر ليس في السهو ، أي فيما هو مسبّب عن السهو أي صلاة الاحتياط ، فالبناء على الأكثر لا وجه له ، لحكومة هذه الجملة على عمومات البناء على الأكثر على فرض شمولها لصلاة الاحتياط.
فيبقى الكلام حينئذ في أنّه هل يبنى على الأقلّ لاستصحاب عدم الزائد عليه؟ أو الاستصحاب ألغاه الشارع في باب عدد الركعات ، فيكون أصل الصلاة باطلة لعدم إمكان العلاج فتجب الإعادة لقاعدة الاشتغال؟
والظاهر عدم مانع من جريان الاستصحاب ، فيجب البناء على الأقلّ. ولكن الاحتياط بالإعادة لا ينبغي تركه ، لاحتمال إلغاء الشارع اعتبار الاستصحاب في باب عدد الركعات في الفرائض اليوميّة.
الأمر الثامن : لو نسي صلاة الاحتياط وشرع في صلاة أخرى فتذكّرها في أثنائها ، فهل يجب عليه العدول إليها فيما لم يجز عن محلّ العدول؟ أو يجب قطعها والشروع في صلاة الاحتياط؟ أو يشرع في صلاة الاحتياط بدون قطع تلك الصلاة ، بمعنى أنّه بعد صلاة الاحتياط يبني على ما كان من صلاته؟ أو يتم ما فيها ثمَّ يشرع في صلاة الاحتياط؟ وجوه واحتمالات :
أقول : إنّ الصلاة التي دخل فيها بعد أن نسي الاحتياط إمّا مرتّبة على الصلاة التي وجب الاحتياط لأجل الشكّ فيها ، وإمّا لا. وعلى التقدير الثاني إمّا فريضة أو نافلة. وعلى جميع التقادير إمّا جاز عن محلّ العدول أم لا.
والمراد من التجاوز عن محلّ العدول كون ركعات ما صلّى في الصلاة الثانية أزيد من صلاة الاحتياط ، مثلا صلاة الاحتياط ركعتين وهو تذكّر نسيان صلاة الاحتياط بعد أن دخل في الثالثة ، وأتى بالركوع فلا يمكن العدول فإذا أمكن العدول وقلنا بأنّ العدول موافق للقاعدة فيجب العدول.
وأمّا إن قلنا بعدم كونه على القاعدة ، أو لا يمكن العدول وقلنا بفوريّة الاحتياط وعدم جواز تأخيره ، فإن قلنا بجواز الصلاة في الصلاة وأنّها على القاعدة ، فيشرع في صلاة الاحتياط في أثناء تلك الصلاة ، ثمَّ بعد أن فرغ عن صلاة الاحتياط يبني على تلك الصلاة ويتمّها ، وإلاّ فيقطع تلك الصلاة ويشرع في صلاة الاحتياط ، ثمَّ بعد إتمامها يستأنف تلك الصلاة.
وأمّا إن كانت تلك الصلاة نافلة فلا محذور في القطع على كلّ حال.
والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا.
_______________
(*) « القواعد » ص 71 ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص 248.
(1) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 193 ، ح 762 ، باب أحكام السهو في ـ الصلاة ... ، ح 63 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 376 ، ح 1426 ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 318 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 8 ، ح 4.
(2) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 349 ، ح 1448 ، باب أحكام السهو ، ح 36 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 318 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 8 ، ح 3.
(3) « الفقيه » ج 1 ، ص 340 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 992 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 317 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 8 ، ح 1.
(4) « الكافي » ج 3 ، ص 359 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر ... ، ح 5 و 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 54 ، ح 187 ، باب أحكام الجماعة وأقل الجماعة ... ، ح 99 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 340 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 8.
(5) « الكافي » ج 3 ، ص 350 ، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 178 ، ح 714 ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ، ح 15 و 24 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 365 ، ح 1390 ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح 1 و 7 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 304 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 2 ، ح 1 و 5.
(6) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 180 ، ح 722 ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه اعادة الصلاة ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 305 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 7 ، وص 331 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 18 ، ح 3.
(7) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 179 ، ح 720 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 21 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 366 ، ح 1394 ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 305 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 2 ، ح 8.
(8) « الكافي » ج 3 ، ص 351 ، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 179 ، ح 715 ، باب أحكام السهو في الصلاة و ... ، ح 16 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 365 ، ح 1391 ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 304 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 2 ، ح 2.
(9) حكى عنه العلامة في « المنتهى » ج 1 ، ص 410 ، وراجع : « الفقيه » ج 1 ، ص 351 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ذيل ح 1024.
(10) « تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 710 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 11 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 364 ، ح 1387 ، باب السهو في الركعتين الأولتين ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 303 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 20.
(11) « الحدائق الناضرة » ج 9 ، ص 193.
(12) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 182 ، ح 728 ، باب أحكام السهو في الصلاة و ... ، ح 29 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 306 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 2 ، ح 12.
(13) « الفقيه » ج 1 ، ص 201 ، باب فرض الصلاة ، ح 605 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 299 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 1.
(14) « الفقيه » ج 1 ، ص 346 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1010 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 299 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 3.
(15) « الفقيه » ج 1 ، ص 352 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1028 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 300 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 4.
(16) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 177 ، ح 706 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 364 ، ح 1383 ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 302 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 15.
(17) « الاستبصار » ج 1 ، ص 364 ، ح 1381 ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 302 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 19.
(18) « مختلف الشيعة » ج 2 ، ص 390.
(19) « الكافي » ج 3 ، ص 355 ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 195 ، ح 767 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 68 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 314 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 5 ، ح 2 ، وباب 14 ، ح 1.
(20) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 187 ، ح 744 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 45 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 373 ، ح 1419 ، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة أو اثنتين ... ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 327 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح 1.
(21) « أمالي الصدوق » ص 513.
(22) حكى عنه في « مدارك الأحكام » ج 4 ، ص 256.
(23) « فقه الرضا » ص 117 ـ 118.
(24) « المقنع » ص 101.
(25) « الكافي » ج 3 ، ص 350 ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 192 ، ح 759 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 60 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 375 ، ح 1423 ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 300 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 6 ، وباب 9 ، ح 1.
(26) « الناصريات » ضمن الجوامع الفقهيّة ، ص 237.
(27) « الحدائق الناضرة » ج 9 ، ص 212.
(28) « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 319 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 9 ، ح 2 ، « قرب الإسناد » ص 30 ، ح 99.
(29) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 193 ، ح 760 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 61 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 375 ، ح 1424 ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 320 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 9 ، ح 3.
(30) « الفقيه » ج 1 ، ص 351 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1025 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 381 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 8 ، ح 2.
(31) « الناصريات » ضمن الجوامع الفقهية ، ص 237.
(32) حكى عنهما في « مدارك الأحكام » ج 4 ، ص 256.
(33) « الانتصار » ص 156.
(34) « المقنع » ص 101.
(35) « الكافي » ج 3 ، ص 352 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 321 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 10 ، ح 4.
(36) « كتاب الصلاة » ج 3 ، ص 92.
(37) « الكافي » ج 3 ، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 184 ، ح 734 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 35 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 320 ، أبواب الخلل في الصلاة ، باب 10 ، ح 2.
(38) « الكافي » ج 3 ، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 184 ، ح 733 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 34 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 316 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 7 ، ح 1.
(39) « الكافي » ج 3 ، ص 351 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 186 ، ح 740 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 41 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 373 ، ح 1416 ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 321 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 10 ، ح 3.
(40) « الكافي » ج 3 ، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 321 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 10 ، ح 5.
(41) « الكافي » ج 3 ، ص 351 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 185 ، ح 736 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 37 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 321 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 10 ، ح 6.
(42) « الكافي » ج 3 ، ص 351 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 185 ، ح 735 ، باب احكام السهو في الصلاة ... ، ح 36 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 322 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 10 ، ح 7.
(43) « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 320 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 10.
(44) « الكافي » ج 3 ، ص 351 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 3 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 373 ، ح 1416 ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 323 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 11 ، ح 3.
(45) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 427.
(46) المصدر.
(47) هو الحسن بن على بن ابى عقيل أبو محمد العماني الحذاء ، من فقهاء الشيعة في ابتداء الغيبة وهو من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه. تطلب ترجمته من : رجال النجاشي : ص 35. تنقيح المقال : ج 1 ، ص 291. معجم رجال الحديث : ج 5 ، ص 22.
(48) هو محمد بن احمد بن إبراهيم أبو الفضل الجعفي الكوفي ثمَّ المصري كان من أفاضل قدماء أصحابنا الإمامية ممن أدرك الغيبتين له كتب كثيرة في الفقه وغيره منها كتاب الفاخر وكتاب تفاسير معاني القرآن وكتاب التوحيد والايمان الى غير ذلك يروى عنه الشيخ والنجاشي بواسطتين وابن قولويه بلا واسطة. « الكنى والألقاب » ج 2 ، ص 363. تطلب ترجمته من : رجال النجاشي : ص 264 ، تنقيح المقال : ج 2 ، ص 65 ، معجم رجال الحديث : ج 14 ، ص 311.
(49) حكى عنهما الشهيد في « ذكري الشيعة » ص 227 ، مضافا : حكى عن العمّاني في « مختلف الشيعة » ج 2 ص 384.
(50) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج 2 ، ص 384.
(51) « الاستبصار » ج 1 ، ص 372 ، ح 1314 ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 324 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 11 ، ح 6.
(52) « الكافي » ج 3 ، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 8 ، « الفقيه » ج 1 ، ص 349 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1015 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 322 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 11 ، ح 1.
(53) « الكافي » ج 3 ، ص 352 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 186 ، ح 739 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 40 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 372 ، ح 1315 ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 323 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 11 ، ح 2.
(54) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 186 ، ح 741 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 373 ، ح 1417 ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 324 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 11 ، ح 7.
(55) « المقنع » ص 102.
(56) « الفقيه » ج 1 ، ص 349 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1015 و 1021 ، و « المقنع » ص 102.
(57) « ذكري الشيعة » ص 225.
(58) « الانتصار » ص 156.
(59) « الغنية » ضمن الجوامع الفقهية ، ص 504.
(60) « الكافي » ج 3 ، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 187 ، ح 742 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 43 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 326 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 13 ، ح 4.
(61) « الفقيه » ج 1 ، ص 350 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1021 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 325 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 13 ، ح 1.
(62) « مختلف الشيعة » ج 2 ، ص 382.
(63) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج 2 ، ص 384.
(64) « فقه الرضا » ص 118.
(65) « ذكري الشيعة » ص 226.
(66) « الانتصار » ص 156.
(67) « مصباح الفقيه » كتاب الصلاة ، ص 568.
(68) « مقاصد العلية في شرح الألفية » ص 193.
(69) « الكافي » ج 3 ، ص 355 ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 195 ، ح 767 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 68 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 314 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 5 ، ح 2.
(70) « الفقيه » ج 1 ، ص 350 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1019 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 196 ، ح 772 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 73 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 380 ، ح 1441 ، باب التسبيح والتشهد في سجدتي السهو ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 327 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 14 ، ح 4.
(71) « الكافي » ج 3 ، ص 355 ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 326 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 14 ، ح 3.
(72) « الكافي » ج 3 ، ص 354 ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 326 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 14 ، ح 2.
(73) « كتاب الصلاة » ج 3 ، ص 115.
(74) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 352 ، ح 1461 ، باب أحكام السهو ، ح 49 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 311 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 3 ، ج 17.
(75) « الفقيه » ج 1 ، ص 346 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1010 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 299 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 1 ، ح 3.
(76) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 477.
(77) « كتاب الصلاة » ج 3 ، ص 106.
(78) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 99 ، ح 373 ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها ... ، ح 141 ، « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 989 ، أبواب التشهّد ، باب 3 ، ح 2.
(79) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 187 ، ح 743 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 44 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 373 ، ح 1418 ، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة أو ... ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 328 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 15 ، ح 2.
(80) صحيحة عبيد عن أبي عبد الله 7 عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال 7 : « يعيد ». قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه »؟ فقال 7 : « إنّما ذلك في الثلاث والأربع ».
« تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 193 ، ح 760 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 61 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 375 ، ح 1424 ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 320 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 9 ، ح 3.
(81) « الدروس » ج 1 ، 372 ، « البيان » ص 255.
(82) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 282 ، ص 1123 ، باب الأذان والإقامة ، ح 25 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 300 ، ح 1109 ، باب الأذان والإقامة في صلاة المغرب ... ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 4 ، أبواب الأذان والإقامة ، باب 35 ، ح 2.
(83) « كتاب الصلاة » ج 3 ، ص 198.
(84) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 191 ، ح 757 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 58 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 378 ، ح 1436 ، باب من تكلّم في الصلاة ساهيا أو عامدا ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 309 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 3 ، ح 9.
(85) « القواعد الفقهية » ج 1 ، ص 116.
(86) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 344 ، ح 1428 ، باب أحكام السهو ، ح 16.
(87) « الفقيه » ج 1 ، ص 352 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 1028.
(88) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر زاد أو نقص ... ، ح 5.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|