أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-9-2016
398
التاريخ: 14-9-2016
670
التاريخ: 14-9-2016
243
التاريخ: 13-9-2016
252
|
إنّ الأحكام المجعولة على موضوعاتها أو متعلّقاتها تكون عادة مجعولة على حالة من حالات ذلك الموضوع أو المتعلّق أو على حيثيّة من حيثيّاتهما ، وهذه الحيثيّة الملحوظة تارة تستوجب تعميم الحكم وتارة تستوجب التضييق من دائرته ، غاية ما في الأمر أنّه قد يصرّح في الخطاب بالحيثيّة التي انصبّ الحكم على الموضوع أو المتعلّق بلحاظها وقد لا يصرّح بذلك اتّكالا على ما هو مرتكز في ذهن أهل المحاورة من تناسب بين الموضوع وبين الحكم المجعول عليه ، فنلاحظ العرف ـ ونتيجة لملابسات خارجيّة أو مستفادة من أجواء الخطاب أو من مناشئ أخرى ـ يلغي في بعض الأحيان بعض خصوصيّات الموضوع ، وفي أحيان أخرى يجزم بالخصوصيّة، وفي حالات يعدّي الحكم من موضوعه المذكور في الخطاب إلى موضوعات أخرى ، وهكذا.
كلّ ذلك ناشئ عن مناسبات بين الحكم والموضوع نشأت ـ كما قلنا ـ عن ملابسات خارجيّة من قبيل عدم إمكان ثبوت الحكم للموضوع من جهة معيّنة ، ويمكن التمثيل لذلك بما روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّ كلثم بنت مسلم ذكرت الطين عند أبي الحسن عليه السلام فقال : « أترين أنّه ليس من مصائد الشيطان ، ألا إنّه لمن مصائده الكبار وأبوابه العظام » ، فإنّ المستظهر من هذه الرواية هو حرمة الطين إلاّ أنّ الحيثيّة التي جعلت عليها الحرمة غير مصرّح بها في الرواية إلاّ أنّه من غير الممكن عرفا أن تكون الجهة الملحوظة في الموضوع هي وطئ الطين مثلا.
أو تكون مستفادة من أجواء الخطاب كما في قوله عليه السلام : « حرّمت الخمرة لإسكارها » ، فإنّ الموضوع وهو الخمرة لها حيثيّات كثيرة من قبيل المعاوضة عليها ومن قبيل الاحتفاظ بها وهكذا ، إلاّ أنّ التعليل المذكور في الخطاب يناسب أن يكون الحكم مجعول على الشرب إذ هو الذي يوجب الاسكار دون بقيّة حيثيّات الموضوع.
أو تكون مستفادة عن معرفة المناطات والملاكات التي يعوّل عليها المولى في جعل الأحكام لموضوعاتها ، كقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] ، فإنّ موضوع الحرمة له حيثيّات كثيرة ، كالنظر واللمس والتكلّم وهكذا ، إلاّ أنّ العرف لمّا كان مطّلعا على محبوبيّة الشارع للنظر إلى الأمّ برحمة ، ومحبوبيّة خدمتها المستلزمة للمسها والتحدّث معها وهكذا سائر الحيثيّات ، فإنّ العرف إمّا أن يكون مطّلعا على مطلوبيّتها أو عدم مبغوضيّتها ، أو يكون مطّلعا على مبغوضيّتها إلاّ أنّها ليست خاصّة بعنوان الأمّ ، كلّ ذلك أوجب استظهار أنّ الحيثيّة التي انصبّ عليها الحكم بالحرمة هي حيثيّة النكاح.
وبهذا يتّضح أنّ مناسبات الحكم والموضوع تنشأ عن قرائن خاصّة إلاّ أنّها ليست من قبيل القرائن اللفظيّة بل هي من قبيل القرائن الحاليّة أو المقاميّة.
ولمزيد من التوضيح نذكر بعض التطبيقات:
التطبيق الأوّل: لو قال المولى : « اغسل ثوبك من دم ذي النفس السائلة » ، فإنّ العرف يلغي خصوصيّة الثوب ويرى أنّ الحكم بالنجاسة ثابت لمطلق الملاقي للدم ، وإنّما ذكرت الثوب لغرض التمثيل لمطلق الملاقي للدم.
وهذا التعميم المستظهر عرفا من المثال نشأ عن مناسبات الحكم والموضوع ، فإنّ المثال وإن لم يصرّح فيه بالحيثيّة الملحوظة في الموضوع حين جعل الحكم عليه إلاّ أنّ استبعاد العرف وجود خصوصيّة للموضوع المذكور في الخطاب أوجب استظهار كون الحيثيّة المذكورة في الموضوع المذكور هي التمثيل.
ومنشأ استظهار المثاليّة واستبعاد الخصوصيّة هو ظهور الخطاب في أنّ الأثر الشرعي للدم هو التنجيس ، وإذا كان كذلك فأيّ فرق بين الثوب وبين سائر ما يلاقيه الدم.
التطبيق الثاني : قوله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [المائدة: 3] فإنّ العرف يفهم من الحرمة الثابتة للميتة هي حرمة أكلها.
ومنشأ فهم العرف اختصاص الحرمة بالأكل هي مناسبات الحكم والموضوع وذلك لأنّ الأكل هو الفائدة الغالبة المتصوّرة من لحم الميتة.
التطبيق الثالث : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « رفع عن أمّتي ... ما اضطرّوا إليه » ، فكلّ فعل صدر عن المكلّف وكان منشؤه الاضطرار فإنّ ذلك الفعل قد رفعت آثاره الشرعيّة التي لو لم يكن المكلّف مضطرّا لترتّبت تلك الآثار على فعله ، فلو شرب المكلّف الخمر فإنّ الأثر الشرعي لهذا الفعل هو إقامة الحدّ عليه وعدم قبول شهادته ، لكنّ هذه الرواية الشريفة قد رفعت هذه الآثار في حالة صدور هذا الفعل من المكلّف اضطرارا ، إلاّ أنّه وبمناسبات الحكم والموضوع يستظهر العرف عدم ارتفاع الأثر الشرعي عن البيع الذي أجراه المكلّف اضطرارا، فإنّ الأثر الشرعي للبيع وهو تملّك البائع للثمن يكون ملغيا لو كنّا نحن والسعة اللفظيّة للرواية ، إلاّ أنّه وباعتبار أنّ إلغاء الأثر الشرعي للبيع يكون منافيا للامتنان على الأمّة ، فإنّ هذا يشكّل قرينة على عدم شمول الرفع لهذا المورد باعتبار أنّ مقتضى الظهور في الرواية هو أنّها في مقام الامتنان على الأمّة ، وإلغاء الأثر الشرعي لبيع المضطرّ لا يتناسب مع الامتنان ، فإنّ المضطر حينما يبيع ما عنده يقصد رفع الاضطرار عن نفسه ، فلو كانت آثار هذا البيع ملغية فإنّ هذا نقيض الغرض من الرفع الوارد في الرواية.
وببيان أوضح : لو أنّ المكلّف بلغ به الجوع حدّ الاضطرار ، فباع ما عنده واشترى بثمنه طعاما، فلو كان البيع في هذه الحالة مشمولا لحديث الرفع ، فمعناه أنّ هذا البيع لاغ ولم يترتّب عليه تملّك المضطر للثمن ، فيكون عاجزا شرعا عن تملّك الطعام ، وهذا مناف للامتنان الذي أرادته الشريعة وكشفت عنه بواسطة هذه الرواية الشريفة ، وإذا كان كذلك فالرفع غير شامل لمثل هذه الموارد.
والمتحصّل من كلّ ما ذكرناه أنّ العرف حينما يتلقّى خطابا فإنّه يلاحظ نوعيّة الحكم المجعول في الخطاب ويلاحظ موضوع ذلك الحكم ثمّ يناسب بينهما اعتمادا على ما هو مركوز في ذهنه نتيجة ملابسات اقتضتها معرفته بملاكات الأحكام أو طبيعة الحكم المجعول أو اقتضتها أجواء الخطاب أو ما إلى ذلك.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|