أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1316
التاريخ: 18-8-2016
907
التاريخ: 5-9-2016
1086
التاريخ: 5-9-2016
2184
|
إنّ الأمارة الظنّية قد يعلم حجّيتها وقد يعلم عدم حجّتها، وقد يقع الشكّ فيها فإذا وقع الشكّ، فهل الأصل حجّيتها إلاّ ما خرج بالدليل أو العكس، أي أنّ الأصل عدم حجّيتها إلاّ ما خرج؟
لا خلاف في أنّ الأصل هو الثاني، أي عدم الحجّية، إنّما الخلاف في طريق الاستدلال عليه، فذكر شيخنا الأعظم الأنصاري (رحمه الله) له طريقاً، وللمحقّق الخراساني(رحمه الله) طريق آخر، فاستدلّ الشيخ (رحمه الله) بأنّ أصالة حجّية الظنّ معناها جواز الاستناد إلى الظنّ والالتزام بكون مؤدّاه حكم الله في حقّه، مع أنّ هذا الاستناد عند الشكّ حرام بالأدلّة الأربعة ما لم يدلّ دليل على جوازه.
وقال المحقّق الخراساني (رحمه الله) تضعيفاً لذلك ما ملخّصه: أنّ صحّة الالتزام بما أدّى إليه الظنّ من الأحكام وصحّة نسبته إليه تعالى لا دخل لهما بمسألة الحجّية كي إذا لم تصّح الالتزام والنسبة كشف ذلك آناً عن عدم الحجّية، وذلك كما في الظنّ على الانسداد والحكومة فإنّه حجّة عقلا كالعلم في حال الانفتاح مع عدم صحّة الالتزام بما أدّى إليه وعدم صحّة نسبته إليه تعالى، إذ المفروض عدم القول بالكشف وأنّ الظنّ طريق منصوب من الشرع، بل هو حجّة عقلا يجب العمل على طبقه والحركة على وفقه، أي يقبح عقاب العبد على أزيد من ذلك، ولو فرض صحّة الالتزام والنسبة فيما شكّ في اعتباره لم يُجد في إثبات حجّيته ما لم يترتّب عليه آثار الحجّية من المنجّزيّة والمعذّريّة، ومع فرض ترتّب آثار الحجّية لم يضرّ عدم صحّتهما كما عرفت في الظنّ على الانسداد والحكومة فالمدار في الحجّية وعدمها على ترتّب آثارها وعدم ترتّبها لا على صحّة الالتزام والنسبة وعدمهما.
أقول: إنّه إشكال وارد في بدء النظر، بل يمكن تأييده بأنّ مسألة صحّة الإسناد والالتزام من الأحكام الفرعيّة الفقهيّة، ومسألة الحجّية مسألة اُصوليّة لا ربط بينهما، ولكن عند الدقّة والتأمّل يمكن الجواب عنه والدفاع عن مقالة الشيخ (قدس سره) بأنّ مراده من صحّة الإسناد والالتزام وعدمها هو مدلولها الالتزامي أي الحجّية، حيث إن الحجّية الشرعيّة تلازم جواز الإسناد والالتزام، والبحث في الحجّية الشرعيّة لا الحجّية العقليّة، وطرح المسألة بهذا النحو وإن كان يجعلها من المسائل الفقهيّة لكن تثبت به الحجّية آناً.
وإن شئت قلت: أنّ صحّة الالتزام والنسبة وإن لم يكونا من آثار الحجّية لما عرفت من جواز انفكاك الحجّة عنهما كما في الظنّ الإنسدادي على الحكومة ولكن لا يكاد يجوز تحقّقهما في غير الحجّة، فليس كلّ حجّة ممّا صحّ الالتزام بكون مؤدّاه حكم الله وصحّ نسبته إليه تعالى، ولكن كلّما صحّ الالتزام بكون مؤدّاه حكم الله وصحّ نسبته إليه تعالى كان حجّة قطعاً.
أضف إلى ذلك أنّه لا حاجة بناءً على مبنى المحقّق الخراساني (رحمه الله)في تفسير الحجّية إلى التمثيل بالظنّ الإنسدادي على الحكومة، لأنّه بناءً على ذلك المبنى في تمام الحجج الشرعيّة لا يجوز الإسناد والالتزام لأنّ الحجّية عنده بمعنى المنجّزيّة والمعذّريّة، وهما في الواقع قضيتان شرطيتان، أي لو وافق مؤدّى الأمارة الواقع كان منجزاً ولو خالفه كان عذراً، وليستا حاكيتين عن حكم واقعي أو ظاهري حتّى يصحّ الإسناد، فظهر أنّ مآل الطريقين إلى أمر واحد.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني (رحمه الله)استدلّ للمسألة بالضرورة فقال: «ضرورة أنّه بدونه لا يصحّ المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرّد إصابته ولا يكون عذراً لدى مخالفته مع عدمها ولا يكون مخالفته تجرّيّاً ولا يكون مخالفته بما هي موافقة انقياداً».
ومقصوده من الضرورة هنا هو الضرورة العقليّة والبداهة الوجدانيّة، وهو كذلك، لأنّ الوجدان حاكم على عدم ترتّب آثار الحجّية على أمارة ما لم تتّصف بالحجية الفعليّة في مقام الإثبات.
وأمّا شيخنا الأنصاري (رحمه الله) فاستدلّ لحرمة الإسناد والإلزام التي يستفاد منها عدم الحجّية بالدلالة الالتزاميّة كما مرّ بالأدلّة الأربعة وقال: «التعبّد بالظنّ الذي لم يدلّ على التعبّد به دليل، محرّم بالأدلّة الأربعة ويكفي من الكتاب قوله تعالى: {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 59] دلّ على أنّ ما ليس بإذن من الله من إسناد الحكم إلى الشارع فهو افتراء، ومن السنّة قوله (صلى الله عليه وآله)في عداد القضاة من أهل النار «رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم»(1)، ومن الإجماع ما ادّعاه الفريد البهبهاني في بعض رسائله من كون عدم الجواز بديهيّاً عند العوام فضلا عن العلماء، ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلّف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده من المولى ولو كان جاهلا مع التقصير».
أقول: أمّا الإجماع فلا يخفى أنّه في مثل المقام مدركي يرجع إلى سائر الأدلّة فلا اعتبار به مستقلا، وأمّا السنّة فقد نوقش فيها بأنّ مقام القضاء مقام خاصّ، وللشارع اهتمام خاصّ به، فيكون الدليل أخصّ من المدّعى، كما ناقش فيها في تهذيب الاُصول بأنّ مقام القضاء مقام إنشاء الحكم لا إسناده إلى الله تعالى، أي أنّ القاضي إنّما يقول: «حكمت وقضيت بكذا وكذا» ولا يقول: «الله يقول كذا وكذا»(2).
لكن يرد عليه (على مناقشة تهذيب الاُصول): أنّ القضاء إنشاء يلازم الإخبار عن الشارع، لأنّ القاضي قام على منصب القضاء الشرعي، وكأنّه يقول: أنّي أحكم بكذا وكذا لأنّي من قضاة الشرع ومنصوباً من قبل الشارع، فإنشاؤه حينئذ لا ينفكّ عن الإخبار.
ولكن الأنسب والأولى للشيخ (قدس سره) أن يستدلّ بما ورد في نفس الباب (أي الباب4 من أبواب صفات القاضي) من دون أن يكون مختصّاً بباب القضاء، وهي ثلاث روايات:
أوّلها: ما رواه زياد بن أبي رجاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما علمتم فقولوا: وما لم تعلموا فقولوا: الله أعلم، أنّ الرجل ينتزع الآية يخرّ فيها أبعد ما بين السماء»(3).
ثانيها: ما رواه مفضّل بن فريد (يزيد) قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: أنهاك أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم»(4).
ثالثها: ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): «إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك: إيّاك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم»(5).
وأمّا دليل العقل فهو شبيه بما استدلّ به المحقّق الخراساني(رحمه الله)، يعني ضرورة العقل والوجدان، وعلى أي حال فقد ظهر ممّا ذكر أنّ الأصل هو عدم حجّية الظنّ إلاّ ما خرج بالدليل.
_________________
1. راجع تهذيب الاُصول: ج2، ص85، طبع جماعة المدرّسين.
2. وسائل الشيعة: الباب4، من أبواب صفات القاضي، ح5.
3. المصدر السابق: ح2.
4. المصدر السابق: ح3.
5. وسائل الشيعة: الباب4، من أبواب صفات القاضي، ح6.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|