أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016
778
التاريخ: 1-9-2016
627
التاريخ: 9-8-2016
667
التاريخ: 9-8-2016
582
|
(1) تاريخ علم الاُصول وتطوّره في سطور:
المعروف أنّ أوّل ما دوّن علم الاُصول هو رسالة دوّنها الشّيخ المفيد (رحمه الله) وأوردها المحقّق الكراجكي (رحمه الله) في كنز فوائده(1)، ولكن من الواضح أنّ هذا لا يعني أنّ هذا المحقّق (رحمه الله)هو المبتكر لهذا الفنّ، بل إنّ الفكر الاُصولي وقد وضِعت دعائمه وانعقدت نطفته منذ عصر الأئمّة (عليهم السلام) بل منذ عصر النبي(صلى الله عليه وآله)، ذلك العصر الذي شهد ظهور الفقه، وتحرك فيه فقهاء الاُمّة ليسترفدوا من الكتاب والسنّة ـ بل إجماع المسلمين ودليل العقل أحياناً ـ لاستنباط الأحكام الالهيّة فإحتاجوا إلى معرفة أدلّة الأحكام الفقهيّة والمنابع الأصلية لها والإحاطة الدقيقة بمنابعها الأساسيّة وحدودها وخصوصيّاتها على أحسن وجه، حيث كانت أحكام الدِّين وما يحتاج إليه المكلّفون مبثوثة في الكتاب والسنّة، ولا بدّ للعلماء وأصحاب الحديث وغيرهم من رسم خطوط عامّة لكشفها واستنباطها عن أدلّتها، فكان اللازم معرفة هذه الأدلّة التي يستكشف منها أحكام الشرع وكيفية الاستدلال بها عليها.
لكن لا إشكال في أنّ علم الاُصول كان في تلك العصور مجرّد قواعد بسيطة جدّاً، متفرّقة غير مدوّنة في كتاب خاصّ، مأخوذة من كتاب الله وسنّة النبي وأئمّة الهدى (عليهم السلام) وعُرف العقلاء، ويلقيها العلماء في كلّ زمان إلى تلامذتهم، فقد صرّح أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بأنّ «علينا إلقاء الاُصول وعليكم التفريع»(2). وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لأبان بن تغلب: «اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك» (3).
فمن المقطوع أنّهم منذ العصر الأوّل كانوا يفتون بمقتضى ظواهر النصوص فيستندون إلى حجّية الظواهر بعنوان أصل قطعي، ويعتمدون في الرّوايات على أقوال الثقات (حجّية قول الثقة) ويعالجون تعارض العامّ والخاصّ، والمطلق والمقيّد، من طريق التخصيص والتقييد، ويعملون بالمفاهيم كمفهوم الشرط والغاية، وحين وقوع التعارض بين الظاهر والأظهر يقدّمون الثاني على الأوّل، ويقدّمون الدليل القطعي على الظنّي و... إلى غير ذلك من أشباهه.
هذا، ولكن كلّما اتّسع نطاق علم الفقه وظهرت فيه فروع مستحدثة اتّسع بموازاته نطاق علم الاُصول إلى يومنا هذا، حتّى صار من أوسع العلوم وأعقدها، مملوّاً من دقائق عقليّة ونقليّة، وهكذا يتّسع يوماً بعد يوم.
ومن الطريف جدّاً أنّ علم اُصول الفقه ـ كالفقه نفسه ـ عند أتباع أهل بيت الوحي(عليهم السلام) أكثر توسّعاً من اُصول أهل السنّة إلى درجة كبيرة، ودليله واضح، حيث إنّ فقهاءهم قد سدّوا باب الاجتهاد على أنفسهم وعدّوا الفقهاء الأربعة (أئمّة المذاهب الأربعة) خاتمي المجتهدين والمستنبطين فمالت مسألة الاستنباط إلى الركود والجمود وتوقّف بالطبع قرين علم الفقه وشقيقه (علم الاُصول) عن النموّ والحركة، ولكن أتباع أهل بيت العصمة ـ مضافاً إلى تأكيدهم على فتح باب الاجتهاد ـ أفتوا بإتّفاق الآراء بحرمة التقليد الابتدائي عن الميّت، ولأجل ذلك لا يزال وفي كلّ عصر طائفة من علمائهم يلزمون أنفسهم بعنوان الواجب الكفائي على استنباط الأحكام الفقهيّة من منابعها الإسلاميّة وأدلّتها المعتبرة، ويقدّمونها إلى المجتمع الاسلامي، ويضعونها في متناول أيدي المسلمين، وهذا الاعتقاد ـ مضافاً إلى جعله مصباح الفقه أكثر إضاءة وإشراقاً ممّا كان سابقاً ـ أوجب إزدهار علم الاُصول ونموّه يوماً بعد يوم إلى حدّ تعدّ الكتب الاُصوليّة المدوّنة في سائر الفِرق الإسلاميّة بالنسبة إلى ما دوّنه علماء الشيعة كتباً إعداديّة وبدائيّة جدّاً، بل لا يمكن الإحاطة بكنه الاُصول لدى الشيعة إلاّ عند فحول و خبراء من أساطين الفنّ طيلة سنين متمادية.
(2) المشكلة المهمّة في اُصول الفقه:
ولكن علم الاُصول رغم هذا التوسّع والدقّة والظرافة في طرح المسائل ـ مضافاً إلى التعمق التوغّل في استكناه الحقائق ـ مازال يفتقد للنظام اللازم اللائق في كيفيّة الورود والخروج في المسألة ومنهج عرض المباحث.
ومن جانب آخر: فإنّ الكثير من مسائله لم توضع موضعها الأصلي المناسب، الأمر الذي يثير مشكلة جديدة على مستوى تحرير محلّ النزاع في المسألة والاستدلال عليها.
ومن جانب ثالث: هناك بعض النواقص والتفريعات الزائدة في هذا العلم الشريف كانت مطروحة في سالف الزمان، ممّا يُلزم المحقّقين الكرام في الحوزات العمليّة بذل الجهد لرفعها وإصلاحها، فكأنّ الغواصّين في هذا البحر (أعلى الله مقامهم الشريف) على رغم احاطتهم بمسائل هذا العلم وإعمال الدقّة والسعي الوافر في تنقيحها كانوا ـ لشدّة اهتمامهم بالأصول ـ يطرحون في علم الاُصول كلّ مسألة مهمّة مرتبطة بالفقه والاستنباط بنوع من الارتباط ولم يبحث عنها في موضعها المناسب، والذي أثار هذه المشكلة وشدّدها هو التنوّع البالغ والتفريع العجيب للمسائل الاُصوليّة، واختلاف مبادئها العقليّة واُصولها النقليّة.
ولكن هؤلاء الأعاظم ـ تغمّدهم الله تعالى في رحمته وعناياته، وجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء ـ قد حرّموا علينا التقليد في طلب الحقائق العمليّة، وأوصونا بأشدّ الجهاد وأوفر السعي لتفعيل هذا العلم وتطويره، ولذا نستمدّ من المولى سبحانه ونعمل على البحث عمّا في مسائل هذا العلم كما يظهر في رأينا القاصر.
(3) رسم كلّي لأبحاث علم الاُصول:
المشهور في تعريف علم الاُصول أنّه: «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة»، وأنّ موضوعه «الأدلّة الأربعة». وفي قول آخر: «ما هو الحجّة في الفقه» مطلقاً سواء كان من الأدلّة الأربعة أو غيرها.
إذن، البحث عن حجّية الأدلّة الأربعة ونحوها بحث في المسائل الأصليّة لعلم الاُصول، كما أنّ البحث عن حجّية ظواهر الألفاظ وحجّية قول اللغوي أيضاً بحث من هذا القبيل، فإنّ جميعها تقع في طريق الاستنباط، أي تكون كبرى في القياس الذي ينتج حكماً من أحكام الشرع. نعم، لا يخفى أنّه قد تقع في كبرى القياس عدّة مسائل اُصوليّة معاً، كمسألة حجّية الخبر الواحد وحجّية الظواهر ومرجّحات باب التعارض، فيمكن وقوعها معاً كبرى قياس يُستنبط منه حكمٌ واحد كوجوب صلاة الجمعة مثلا.
وعلى هذا الأساس تخرج كثير من المسائل الموجودة في علم الاُصول من المسائل الأصلية لهذا العلم وتلحق بالمبادىء.
كما أنّ كثيراً من المباحث المطروحة في باب الألفاظ ليست من المباحث اللّفظيّة، ولا بدّ فيها من تغيير وتبديل.
ومن جانب آخر، لا شكّ في عدم ترتّب ثمرة على بعض المسائل الاُصوليّة، فلابدّ من حذفها من علم الاُصول، وبالعكس توجد فيه نقائص لا بدّ من رفعها بإضافة مباحث كفيلة بذلك والانتهاء بعلم الاصول إلى كماله المطلوب.
إذن، يمكن تلخيص مشاكل علم الاُصول في عدّة أمور:
1 ـ وجود مسائل تُعدّ في الواقع من مبادئ علم الاُصول، ولكنّها امتزجت مع المسائل الأصلية، فلابدّ من تفكيكها وطرح كلّ واحدة منهما في موضعها الحقيقي المناسب.
2 ـ عدم وجود بعض المسائل التي كانت مطروحة في كتب السابقين ولا نجدها الآن في علم الاُصول.
3 ـ توسّع بعض المسائل نظير مبحث الانسداد توسّعاً يوجب تضييع عدّة شهور من أوقات طلاّب هذا العلم.
4 ـ عدم طرح كثير من المسائل في موضعها اللائق المناسب.
5 ـ وجود القواعد الفقهيّة التي لا بدّ من طرحها في علم على حدة، ولكن قلّة العناية بعلم القواعد الفقهيّة أوجب طرح عدّة من مباحثه في علم الاُصول، وعدّة اُخرى في علم الفقه في عرض المسائل الفقهيّة، وهناك عدّة ثالثة بقيت بعدُ في بقعة النسيان.
فمن موارد المشكلة الاُولى مباحث الأوامر والنواهي (معنى الأمر ومعنى النهي من حيث المادّة والصيغة وسائر خصوصّياتهما) وكذلك مباحث العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد ومباحث المفاهيم والمشتقّ والصحيح والأعمّ والحقيقة الشرعيّة، لأنّ جميعها تنقّح صغريات أصالة الظهور.
وبعبارة اُخرى: حجّية ظواهر الألفاظ تكون من المسائل الاُصوليّة التي تقع في طريق استنباط الأحكام الفقهيّة، وبدونها لا يمكن الاستفادة من أيّ دليل لفظي، ولكن البحث في أنّ ظاهر اللفظ الفلاني هل هو الوجوب أو الاستحباب أو الحرمة أو الكراهة؟ وهل هو عامّ أو خاصّ؟ وهل يكون له المفهوم أو لا؟ و... كلّ ذلك بيان لموضوعات قاعدة أصالة الظهور وصغرياتها، ولا موضع لها في مسائل الاُصول.
كما أنّ حجّية قول الثقة تعدّ من مباحث الاُصول، وأمّا مسألة أنّ زرارة أو محمّد بن مسلم هل هو من الثقات أو لا أو أنّ أصحاب الإجماع مَن هم؟ فليست منها قطعاً واتّفاقاً.
وعلى هذا يكون جميع المباحث السابقة خارجة عن عداد مسائل علم الاُصول وداخلة في مبادئها، ولكن حيث إنّ علم اللّغة أو العلوم الأدبيّة لم تبحث هذه الاُمور كما هو حقّها، لذا اضطرّ علماء الاُصول إلى بحثها بعنوان مقدّمات لمسائل علم الاُصول.
هذا، مضافاً إلى أنّا نشاهد مباحث في هذا العلم تُعدّ في الواقع مقدّمة لهذه المقدّمات، وتكون في الحقيقة من قبيل مبادي المباديء لعلم الاُصول، نظير مباحث الوضع والمعاني الحرفيّة وعلائم الحقيقة والمجاز ونظائرها، فهي في الواقع مقدّمة لمقدّمات علم الاُصول.
وأمّا المورد الثاني ـ أيّ المسائل التي ينبغي وجودها في علم الاُصول، بل كانت مذكورة في كتب الماضين ولكن لا أثر لها في علم الاُصول فعلاً ـ فهي كثيرة، كحجّية نفس الإجماع بأقسامه (لا حجّية الإجماع المنقول فقط) وحجّية أنواع السِير من سيرة المسلمين وسيرة الفقهاء ونحوهما من سائر أقسامها، والمباحث المرتبطة بالأدلّة العقليّة (حجّية دليل العقل) ومسائل الحُسن والقُبح العقليّين ووجود الملازمة بين العقل والشرع، وهكذا عدم حجّية الاستحسان والظنّ القياسي وسدّ الذرائع والمصالح المرسلة والاجتهاد الظنّي بمعناه الأخصّ وأشباهها التي هي ثابتة عند علماء أهل السنّة، وهكذا المباحث المرتبطة بالخبر المتواتر والخبر المستفيض، ونحوها.
أمّا المباحث الزائدة التي لا حاجة إليها في هذا العصر فقد مرّ بعض نماذجها (وهو مبحث الانسداد).
وأمّا المباحث التي لا بدّ من إيرادها في الاُصول ولكن في موضعها المناسب فمن قبيل كثير من المباحث التي تعدّ في يومنا هذا من مباحث الألفاظ ولكنّها ليست منها قطعاً كمباحث مقدّمة الواجب، واجتماع الأمر والنهي، ودلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه، ومبحث الترتّب، ودلالة النهي في العبادات والمعاملات على الفساد أو عدمه، ومباحث الإجزاء، فإنّ جميع هذه المسائل من المباحث العقليّة التي لا بدّ من إدخالها تحت عنوان «الملازمات الحكمية» في ذيل دليل من الأدلّة الأربعة وهو دليل العقل، لأنّ وجوب ذي المقدّمة مثلا بأيّ طريق ثبت ـ سواء ثبت من خلال دليل لفظي أم لا ـ قابل للبحث عن أنّه هل يكون ملازماً لوجوب مقدّمته أو لا؟ وهكذا الأمر والنهي ـ سواء ثبتا بدليل لفظي أو عقلي أو الإجماع ـ يدخل في مبحث اجتماع الأمر والنهي وإمكانه واستحالته، وجميع مسائل الضدّ والترتّب والإجزاء أيضاً من هذا القبيل.
ومن المعلوم أنّ تغيير البحث من ناحية الموضع يوجب تغيير شكل البحث أيضاً، فلا يتمسّك أحد بذيل استدلالات من قبيل أنّ وجوب ذي المقدّمة لا يدلّ على وجوب المقدّمة بإحدى الدلالات الثلاث، أو أنّ النهي لا يدلّ على الفساد بإحدى الدلالات الثلاث، فما ذكره بعض أعلام المعاصرين من أنّ هذا التبديل المكاني لا يوجب تغيير ماهية البحث وجوهره قابل للمناقشة، حيث إنّه من المعلوم حينئذ تغيير كيفية الاستدلالات أيضاً، فإنّ البحث اللّفظي يطلب دلائل معينة، والبحث العقلي يطلب دلائل اُخرى.
وأمّا ما يكون من سنخ القواعد الفقهيّة لا اُصول الفقه (4) ولا الفقه نفسه فحيث إنّه لم يدوّن لها سابقاً علمٌ على حدة دخلت عدّة منها في الاُصول (كقاعدتي الفراغ والتجاوز وقاعدة اليد ولا ضرر والقرعة) وعدّة اُخرى منها في علم الفقه (نظير قاعدة ما يضمن وما لا يضمن وقواعد اُخرى من هذا القبيل) وعدّة ثالثة منها المظنون عندي أنّها غير معنونة في ما نعرفه من الكتب الفقهيّة والاُصوليّة بل استند الفقهاء إليها في تضاعيف المباحث الفقهيّة من دون تعرّض لشرح أدلّتها وشرائطها (5).
____________________
1. وقد طبعها ونشرها أخيراً المؤتمر العالمي لألفيّة الشّيخ المفيد(رحمه الله)، فراجع ج9 من مصنّفات الشّيخ المفيد(رحمه الله).
2. وسائل الشيعة: ج27، طبع آل البيت، ص 62 عن الإمام الرضا(عليه السلام)، وقد نقل نفس الحديث في بحار الأنوار: ج2، ص245 عن جامع البزنطي عن الإمام الرضا(عليه السلام) بتغيير يسير، وهو «علينا إلقاء الاُصول إليكم وعليكم التفرّع».
3. مستدرك الوسائل: ج17، ص315.
4. والفرق بين المسائل الاُصوليّة والقواعد الفقهيّة هو: أنّ المسائل الاُصوليّة لا تشتمل على حكم شرعي خاصّ بل تقع دائماً في طريق استنباط الأحكام، بخلاف القواعد الفقهيّة فإنّها مشتملة على حكم شرعي خاصّ كلّي مثل نفي الضرر أو وجوب الإعادة (في قاعدة لا تعاد) أو الطهارة (في قاعدة الطهارة) أو وجوب التقيّة (في قاعدة التقيّة) أو غير ذلك. كما أنّ الفرق بين هذه القواعد والمسائل الفقهيّة أيضاً واضحة، فإنّ القواعد تشتمل على أحكام كلّية لا يمكن اعطاؤها بيد المقلّد لأنّ تطبيقها على مواردها وإحراز شرائطها من وظيفة الفقهاء، بخلاف الأحكام الفقهيّة فإنّها أحكام خاصّة تُعطى بأيدي المقلّدين، فهذا هو الفرق الأصيل بين هذه العلوم الثلاثة.
5. ولتوضيح أكثر في هذا المجال راجع كتابنا «القواعد الفقهيّة».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|