أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2018
676
التاريخ: 5-08-2015
804
التاريخ: 25-10-2014
825
التاريخ: 25-10-2014
1461
|
[قد ذكر العلامة في هذه الصفة عدة مطالب] :
المطلب الأول: في حقيقة الكلام:
الكلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة (1).
وأثبت الأشاعرة كلاما آخر نفسانيا، مغايرا لهذه الحروف والأصوات دالة عليه.
وهذا غير معقول، فإن كل عاقل إنما يفهم من الكلام ما قلناه، فأما ما ذهبوا إليه فإنه غير معقول لهم ولغيرهم البتة. فكيف يجوز إثباته لله تعالى؟.
وهل هذا إلا جهل عظيم؟. لأن الضرورة قاضية بسبق التصور على التصديق.
وإذ قد تمهدت هذه المقدمة فنقول: لا شك في أنه تعالى متكلم، على معنى أنه أوجد حروفا وأصواتا مسموعة، قائمة بالأجسام الجمادية، كما كلم الله تعالى موسى من الشجرة، فأوجد فيها الحروف والأصوات..
والأشعرية خالفوا عقولهم، وعقول كافة البشر، وأثبتوا له تعالى كلاما لا يفهمونه هم ولا غيرهم.
وإثبات مثل هذا الشيء والمكابرة عليه، مع أنه غير متصور البتة، فضلا عن أن يكون مدلولا عليه، معلوم البطلان. ومع ذلك فإنه صادر منا أو فينا عندهم، ولا نعقله نحن، ولا من ادعى ثبوته.
المطلب الثاني: في أن كلامه تعالى متعدد:
المعقول من الكلام ... أنه الحروف والأصوات المسموعة، وهذه الحروف المسموعة إنما تلتئم كلاما مفهوما، إذا كان الانتظام أحد الوجوه التي يحصل بها الأفهام. وذلك بأن يكون خبرا، أو أمرا، أو نهيا، أو استفهاما، أو تنبيها. وهو الشامل للتمني، والترجي، والتعجب، والقسم، والنداء، ولا وجود له إلا في هذه الجزئيات.
والذين أثبتوا قدم الكلام اختلفوا، فذهب بعضهم: إلى أن كلامه
تعالى واحد مغاير لهذه المعاني، وذهب آخرون: إلى تعدده (2).
والذين أثبتوا وحدته، خالفوا جميع العقلاء في إثبات شئ لا يتصورونه، هم ولا خصومهم، ومن أثبت لله تعالى وصفا لا يعقله ولا يتصوره هو ولا غيره كيف يجوز أن يجعل إماما يقتدى به، ويناط به الأحكام؟!
المطلب الثالث: في حدوثه:
العقل والسمع متطابقان على أن كلامه تعالى محدث ليس بأزلي، لأنه مركب من الحروف والأصوات، ويمتنع اجتماع حرفين في السماع دفعة واحدة، فلا بد أن يكون أحدهما سابقا على الآخر، والمسبوق حادث بالضرورة، والسابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضرورة، وقد قال الله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } [الأنبياء: 2].
وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك، فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه، وأنه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين.
وإثبات ذلك في غاية السفه والنقص في حقه تعالى، فإن الواحد منا لو جلس في بيت وحده منفردا، وقال: يا سالم قم، ويا غانم اضرب، ويا سعيد كل، ولا أحد عنده من هؤلاء، عده كل عاقل سفيها، جاهلا، عادما للتحصيل. فكيف يجوز منهم نسبة هذا العقل الدال على السفه، والجهل، والحماقة إليه تعالى؟.
وكيف يصح منه تعالى أن يقول في الأزل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ولا مخاطب هناك، ولا ناس عنده؟. ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] و {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72]. و {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 29] {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ} [الأنعام: 151] {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
وأيضا لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه تعالى، لأنه إن لم يفد بكلامه في الأزل شيئا كان سفيها، وهو قبيح عليه تعالى، وإن أفاد، فإما لنفسه، أو لغيره، والأول باطل، لأن المخاطب إنما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه، أو يكرره ليحفظه، أو يتعبد به كما يعبد الله بقراءة القرآن. وهذه في حقه تعالى محال لتنزهه عنها. والثاني باطل، لأن إفادة الغير إنما تصح لو خاطب غيره ليفهمه مراده، أو يأمره بفعل، أو ينهاه عن فعل. ولما لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه...
كان كلامه سفها وعبثا. وأيضا يلزمه الكذب في إخباره تعالى، لأنه لو قال في الأزل: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا } [نوح: 1] ، " {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [النساء: 163] ، و {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ} [يونس: 13] و {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ } [إبراهيم: 45]، مع أن هذه إخبارات عن الماضي، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب تعالى الله عنه. وأيضا قال الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] فهو إخبار عن المستقبل، فيكون حادثا.
المطلب الرابع: في استلزام الأمر، والنهي: الإرادة، والكراهة:
كل عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فإنه يأمر به، فإذا كره الفعل، فإنه ينهى عنه، وإن الأمر والنهي دليلان على الإرادة والكراهة..
وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك، وقالوا: إن الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده، بل بما يكرهه، وإنما ينهى عن ما لا يكرهه، بل عما يريده (3).
وكل عاقل ينسب من يفعل هذا إلى السفه والجهل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
المطلب الخامس: في أن كلامه تعالى صدق:
اعلم أن الحكم يكون كلام الله تعالى صادقا، لا يجوز عليه الكذب، إنما يتم على قواعد العدلية، الذين أحالوا صدور القبيح عنه تعالى، من حيث الحكمة، ولا يتمشى على مذهب الأشعرية، لوجهين:
الأول: أنهم أسندوا جميع القبائح إليه تعالى، وقالوا: لا مؤثر في الوجود من القبائح بأسرها وغيرها إلا الله تعالى (4). ومن يفعل أنواع الشرك، والظلم، والجور، والعدوان، وأنواع المعاصي، والقبائح المنسوبة إلى البشر، كيف يمتنع أن يكذب في كلامه؟. وكيف يقدر الباحث على إثبات كونه صادقا؟.
الثاني: أن الكلام النفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات، ولا
طريق لهم إلى إثبات كونه تعالى صادقا في الحروف والأصوات!
صفاته عين ذاته
___________
(1) لا يخفى: أنه إذا صدر الكلام من المتكلم، فلا يتصور، ولا شئ هناك إلا أمور ستة، الأول: صدور الصوت والحروف عنه. الثاني: علمه بما تكلم به. الثالث: تصور النسبة بين الموضوع والمحمول. الرابع: وجود الرابط اللفظي بينهما. الخامس: توجه السامع لمعاني كلام المتكلم. السادس: فهمه لمراد المتكلم من كلامه، والخامس والسادس ليسا كلاما بالاتفاق. والأمور الباقية غير الأول لا تسمى كلاما أيضا، لأنها إما تصور الرابط، أو النسبة الواقعية واللاواقعية، وأما العلم، أو الإرادة، أو مجرد الوهم والخيال، وليس وراءها شئ يسمى كلاما نفسيا.
ومن الواضح أن الكلام النفسي، الذي يعنونه في الخبر مخالف للثاني، والثالث، لأنه بإقرارهم غير العلم والإرادة، والوهم والخيال، وغير تصور الأطراف والعلم بالنسبة.
ومخالف للرابع، لأن مفردات اللفظ والرابط أمور خارجية غير قديمة، وهكذا معانيها غالبا، فبالضرورة والوجدان يعلم أن الكلام ليس إلا الأمر الأول، وهو كيف عرض محسوس بالسمع، فلا يكون كلام النفسي معقولا.
(2) القائل بالتعدد مع القدم في كلامه تعالى هم الكرامية والحنابلة، وقد بالغ فيه بعض الحنابلة، حتى قال جهلا: الجلد والغلاف قديمان، فضلا عن المصحف، والقائل بالوحدة في كلامه هم سائر أهل السنة. راجع: شرح التجريد للقوشجي ص 254، وشرح العقائد، وحاشية الكستلي ص 89 و 91.
(3) كما ذكره وأوضحه الفضل في المقام، وليراجع أيضا: شرح العقائد للتفتازاني ص 87، والملل والنحل ج 1 ص 96.
(4) الإبانة في أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري، والملل والنحل ج 1 ص 96.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|