أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-7-2020
1647
التاريخ: 8-8-2016
1497
التاريخ: 29-8-2016
1517
التاريخ: 11-6-2020
1407
|
يتصوّر الواجب من حيث الزمان على ثلاث صور:
الصورة الاُولى: أن لا يكون له أي تقيّد بالزمان ولا يكون للزمان أي دخل في تحقّق مصلحته وإن كان تحقّقه في الخارج محتاجاً إلى الزمان (من باب أنّ الإنسان بما أنّ وجوده زماني تكون أفعاله أيضاً زمانيّة) نظير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونظير أداء الدَين فإنّ مقوّم المصلحة، فيهما إنّما هو نفس طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفس طبيعة أداء الدَين بحيث لو أمكن انفكاكهما عن الزمان لما وقع خلل في تحقّق المقصود ووقوع المصلحة فيكون واجباً مطلقاً من هذه الجهة.
الصورة الثانيّة: أن يكون للزمان دخل في المصلحة ولكنّه أوسع من مقدار الواجب فيسمّى موقّتاً موسّعاً كما في الصّلوات اليوميّة والعمرة الواجبة.
الصورة الثالثة: أن يكون للزمان دخل أيضاً في تحقّق المصلحة ولكنّه يكون بقدر الواجب فيسمّى موقّتاً مضيّقاً كما في صيام رمضان وبعض مناسك الحجّ كالوقوف في العرفات.
وهناك صورة رابعة ذكرها في تهذيب الاُصول(1) وهي ما إذا كان مطلق الزمان دخيلا في تحقّق الغرض، ولكن أوّلا لم نظفر بمثال له في الفقه، وثانياً أنّه ممّا لا مجال للأمر به للزوم اللغويّة (كما صرّح به نفسه) لأنّ المكلّف لا يقدر على إيجاده في غير الزمان حتّى يكون الأمر صارفاً عنه وداعياً نحوه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه استشكل في تصوير كلّ واحد من المضيّق والموسّع، فبالنسبة إلى الواجب المضيّق، فقد يقال، أنّه لا إشكال في أنّ زمان الانبعاث متأخّر عن زمان البعث ولو آناً مّا، فلو فرضنا أنّه بمجرّد طلوع الفجر مثلا وقع الإيجاب في لحظة بعد الطلوع، وأنّ إرادة المكلّف وعزمه على الفعل أيضاً يحتاج إلى لحظة من الزمان فلا أقلّ من أن يتأخّر الانبعاث عن البعث بمقدار لحظتين من الزمان، ولازمه خروج كلّ واجب مضيّق عن كونه مضيّقاً ودخوله في الواجب الموسّع، وأن يكون كلّ واجب موقّت موسّعاً.
ولكنّه إشكال واه وضعيف غاية الضعف، حيث إنّ المفروض أنّ القضايا الشرعيّة قضايا شرطيّة حقيقة صدرت من جانب الشارع قبل مجيء زمان الواجب بل قبل تولّد هذا المكلّف، وأنّ المكلّف يطلع عليها قبل دخول الوقت، فهو يعلم مثلا أنّ وجوب الصّيام يصير فعليّاً بالنسبة إليه بمجرّد طلوع الفجر، وأنّ عليه أن يمسك عن الأكل والشرب من أوّل طلوع الفجر (كما ورد في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فهو يريد الامساك ويعزم عليه لحظات قبل الطلوع من باب المقدّمة العلمية، وعليه يكون زمان البعث منطبقاً على زمان الانبعاث كما لا يخفى.
واستشكل في الواجب الموسّع بأنّ لازمه جواز ترك الواجب في زمان وجوبه وهذا ينافي معنى الوجوب.
والجواب عنه أيضاً واضح: لأنّ متعلّق الواجب إنّما هو طبيعة الصّلاة الواقعة بين الحدّين من الزمان، وليس المتعلّق أفرادها الطوليّة كما لا يكون المتعلّق أفرادها العرضية كإتيانها في المسجد أو في الدار، وبعبارة اُخرى: الساعات الواقعة بين الحدّين إنّما هي بمنزلة الأفراد والمصاديق لتلك الطبيعة التي يكون المكلّف مخيّراً بينها تخييراً عقليّاً، ولا إشكال في أنّ اختيار المكلّف فرداً من أفراد الواجب التخييري أي طرفاً من أطرافه لا يستلزم تركه للواجب بل يتحقّق ترك الواجب بترك جميع الأفراد والابدال.
هل القضاء تابع للأداء، أو بأمر جديد؟
ثمّ إنّ هيهنا بحثاً معروفاً قديماً وحديثاً، وهو أنّه هل يجب القضاء بمجرّد ترك الواجب في
داخل الوقت أو يحتاج وجوبه إلى دليل خاصّ؟ وبعبارة اُخرى: هل القضاء تابع للأداء، أو يكون بأمر جديد؟
لا إشكال في أنّ هذه المسألة تعدّ من القواعد الفقهيّة ولا تكون من المسائل الفقهيّة ولا من المسائل الاُصوليّة، لأنّ النزاع إنّما هو في وجوب قضاء كلّي الواجب (أي واجب كان) إذا فات في وقته، فيكون الحكم فيه كلّياً لا يختصّ بباب دون باب، فلا تكون مسألة خاصّة من الفقه، فينطبق عليه تعريف القاعدة الفقهيّة وهو الحكم الكلّي الشرعي الذي لا يختصّ بباب دون باب، ولا تكون مسألة اُصوليّة لأنّ ملاكها وقوعها في طريق الحكم الشرعي، والحال أنّ المسألة حكم شرعي بنفسها.
وكيف كان ففي المسألة أقوال كثيرة، والمهمّ منها ثلاث:
القول الأوّل : وجوب القضاء بالأمر الأوّل أي تبعيّة القضاء للأداء مطلقاً.
القول الثاني : حاجته إلى أمر جديد، أي عدم التبعيّة مطلقاً.
القول الثالث : ما أفاده المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية من التفصيل بين ما إذا كان التوقيت بدليل منفصل ولم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب إطلاق فتكون قضيّة الإطلاق ثبوت وجوب القضاء بعد انقضاء الوقت أي تبعيّة القضاء للأداء، وبين ما إذا ارتفع إحدى هذه القيود الثلاثة فيحتاج وجوب القضاء إلى أمر جديد.
أقول: لا بدّ من طرح البحث هنا أيضاً في مقامين: مقام الثبوت ومقام الإثبات.
أمّا مقام الثبوت: فالصحيح أن يقال: إن كان التقيّد بالوقت على نحو وحدة المطلوب، أي كان المطلوب الصّلاة المأتي بها في الوقت مثلا، فلابدّ لوجوب القضاء في خارج الوقت إلى أمر جديد، لأنّه بعد مضيّ الوقت يرتفع الطلب وهو واضح، وأمّا إن قلنا بكون المطلوب متعدّداً، أي كان أصل الصّلاة مطلوباً وكان إتيانه داخل الوقت مطلوباً آخر، فلا إشكال في بقاء وجوب الصّلاة بعد مضيّ الوقت، أي في بقاء المطلوب الأوّل على حال وجوبه بعد عدم الإتيان بالمطلوب الثاني.
وأمّا مقام الإثبات : فهو تابع للسان الأدلّة، فإن فهمنا من لسان الدليل وحدة المطلوب فيسقط الأمر الأوّل بعد إتمام الوقت، وإن فهمنا منه تعدّد المطلوب كان الطلب باقياً بالنسبة إلى أصل الواجب، وطريق فهم تعدّد المطلوب تارةً يكون بالشرائط الثلاثة المذكورة في كلام المحقّق الخراساني(رحمه الله) (وهي استفادة التوقيت من دليل منفصل أوّلا، وعدم إطلاق له على التقييد بالوقت ثانياً وكون دليل الواجب مطلقاً ثالثاً) واُخرى من مناسبات الحكم والموضوع كما إذا قال المولى: «اقرأ القرآن يوم الجمعة» أو قال: «اقرأ القرآن بالصوت الحسن» فلا إشكال في أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع في هذين المثالين أنّ مطلق قراءة القرآن مطلوب، وقراءته يوم الجمعة أو بالصوت الحسن مطلوب آخر.
بل قد يقال أنّه كذلك في جميع المستحبّات الواردة في لسان الشرع كما هو المعروف، فيقال أنّ الأصل في المستحبّات هو تعدّد المطلوب.
وأمّا الواجبات فيمكن التمثيل لتعدّد المطلوب بالإضافة إلى غير الموقّتة منها بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فإنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع فيه أنّ شهادة طائفة من المؤمنين مطلوب وأصل إجراء الحدّ المطلوب آخر مع ورودهما في خطاب واحد.
ثمّ إنّه لو فرضنا إجمال الدليل الاجتهادي بالنسبة إلى وحدة المطلوب وتعدّده فما هو مقتضى الأصل العملي؟
ذهب بعض إلى أنّ مقتضى استصحاب بقاء الوجوب بعد مضيّ الوقت كون المطلوب متعدّداً فيجب القضاء.
ولكن يرد عليه: أوّلا: عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وثانياً: أنّ جريانه مبني على بقاء الموضوع، أي عدم كون الوقت جزءً لموضوع الوجوب بل قيداً للحكم عند العرف، فإن كان الوقت جزءً مقوّماً للموضوع لم يكن الاستصحاب جارياً لأنّ من شرائط الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة وإن لم يكن الوقت جزءً مقوّماً للموضوع، كما أنّه كذلك في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } [الإسراء: 78] حيث إنّ الحدّ المذكور لوقت الصّلاة قيّد لهيئة «أقم» فلا إشكال في بقاء الموضوع وبالنتيجة جريان استصحاب الوجوب.
بقي هنا اُمور:
الأمر الأوّل: أنّه قد يقال: يمكن إثبات وجوب القضاء في خارج الوقت بالتمسّك بقاعدة الميسور.
ولكنّه مشكل من جهتين:
الجهة الاُولى: أنّه لا عموم لهذه القاعدة حتّى يعمّ ما إذا كان الوقت من المعسور فتأمّل.
الجهة الثانيّة: أنّه يعتبر في جريانها صدق أنّ هذا ميسور لذلك المعسور عند العرف، فيعتبر في المثال المزبور أن يصدق على الصّلاة خارج الوقت أنّها ميسور للصّلاة داخل الوقت، وهو ممّا يشكل إحرازه.
الأمر الثاني: أنّ ما ذكرنا بالنسبة إلى قيد «الوقت» يجري بالنسبة إلى سائر القيود الواردة في الصّلاة وفي جميع الواجبات الشرعيّة أيضاً، فمثلا لو صار المكلّف فاقداً للطهورين أو لم يكن قادراً على تحصيل القبلة مثلا فيجري فيهما نفس النزاع الجاري في الوقت وأنّه هل يجب على المكلّف إتيان الصّلاة مع فقد شرط الطهارة أو القبلة، أو لا؟ فيبحث في أنّه هل يكون تقييد الصّلاة بالطهارة أو القبلة على نحو وحدة المطلوب أو تعدّده؟ ـ إلى آخر ما مرّ هناك.
الأمر الثالث: في ثمرة المسألة، وهي واضحة، لأنّ كثيراً من الواجبات الموقّتة ليس لها دليل خاصّ يدلّ على وجوب قضائها إذا فاتت في وقتها كزكاة الفطرة التي يجب أدائها قبل ظهر يوم الفطر، ونظير صلاة الآيات إذا لم يأت بها قبل الشروع في الانجلاء أو قبل تمام الانجلاء، ونظير بعض مناسك الحجّ إذا فاتت في وقته الخاصّ به، فلا إشكال في أنّه إن قلنا بتعدّد المطلوب كان القضاء واجباً ولو لم يرد خطاب مستقلّ يدلّ عليه، وإن قلنا بوحدة المطلوب لم يكن القضاء واجباً ما لم يرد خطاب مستقلّ يدلّ على وجوبه.
نعم قد يقال في مقام نفي هذه الثمرة: أنّه لا حاجة إلى طرح أصل هذه المسألة (هل القضاء تابع للأداء أو بأمر جديد) بعد ورود رواية مشهورة وهي قوله(عليه السلام) « إقضِ ما فات كما فات»(2) بطرق عديدة حيث إنّ مقتضاها وجوب قضاء كلّ ما فات من الفرائض سواء دلّت أدلّة الأداء عليه، أو لم تدلّ.
ولكن قد اُجيب عنه في محلّه بأنّ مثل هذه الرّواية وهذا التعبير ليس في مقام بيان أصل وجوب القضاء وبيان موضوعه، بل أنّها في مقام بيان كيفية الإتيان والامتثال بعد ثبوت أصل القضاء وثبوت الموضوع.
فتقول هذه الرّواية: كلّما ثبت أصل القضاء في مورد وجب إتيان ما ثبت وجوب قضائه بنفس الكيفية التي فاتت، وتشهد لذلك ملاحظة سؤال السائل وموارد ورود روايات الباب فراجع.
_________________
1. تهذيب الاُصول: ج1، ص368، طبع جماعة المدرّسين.
2. هذا هو التعبير الرائج من الرّواية عند جمع من الفقهاء بينما الصحيح منها: «يقضي ما فاته كما فاته» فراجع أبواب قضاء الصّلوات الباب6، ح1.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|