أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
1831
التاريخ: 28-8-2016
1484
التاريخ: 8-8-2016
3620
التاريخ: 30-8-2016
1865
|
الأمر الأوّل: في تعريف العام والخاصّ:
فقد ذكر للعام تعاريف عديدة فقال في المحاضرات: إنّ العام معناه الشمول لغةً وعرفاً، وأمّا اصطلاحاً فالظاهر إنه مستعمل في معناه اللغوي والعرفي، ومن هنا فسّروه بما دلّ على شمول الحكم لجميع أفراد مدخوله، وسيأتي عدم تماميّة هذا التعريف لأنّ المطلق أيضاً يشتمل جميع أفراده إلاّ أنّه بسبب جريان مقدّمات الحكمة فلا بدّ من تقييد الشمول في المقام بقيد يوجب إخراج المطلق، ولذلك نقول: «العام ما كان شاملا بمفهوم اللفظ لكلّ فرد يصلح أن ينطبق عليه»(1).
أقول: ويمكن أن يعرّف العام أيضاً بأنّه ما يكون مستوعباً لجميع الأفراد التي يصدق عليها بمفهوم اللفظ.
لكن المحقّق الخراساني (رحمه الله) ذكر هنا أيضاً ما مرّ منه كراراً من أنّ التعاريف المذكورة تعاريف لفظيّة من قبيل شرح الاسم ثمّ بسط الكلام بما حاصله: إنّ كلمة «ما» التي تقع في جواب السؤال عن الأشياء على قسمين: ما الشارحة وما الحقيقيّة، والمستعمل في هذه التعاريف هي الاُولى، فتكون التعاريف الواقعة في جواب السؤال عن العام شارحة لفظية لا حقيقية ماهويّة، ثمّ استدلّ له بوجهين:
الوجه الأوّل: اعتبار كون المعرِّف في التعريف الحقيقي أجلى من المعرَّف، ومن أنّ المعرّف وهو المعنى المركوز في الأذهان من العام أوضح وأجلى ممّا عرف به ولذلك يجعل المقياس في النقض على التعريف عكساً أو طرداً صدق ذلك المعنى المركوز وعدم صدقه، فإن صدق المركوز على مورد ولم يشمله التعريف فيشكل عليه بعدم العكس، وإن لم يصدق هو على مورد وقد شمله التعريف فيشكل عليه بعدم الطرد.
الوجه الثاني: عدم كون العام بمفهومه العام الشامل لجميع أفراده ومصاديقه محلا لحكم من الأحكام كي يجب تعيين مفهومه وتحديد معناه فيترتّب عليه حكمه الخاصّ، بل الأحكام إنّما هو لمصاديق العام وأفراده، والمصاديق كلّها معلومة واضحة.
أقول: أوّلا: قد مرّ كراراً أنّ مقصود القوم في تعاريفهم للألفاظ هو بيان حقيقة الشيء أو ما يكون كالماهيّة في الاُمور الاعتباريّة فيكون التعريف حقيقيّاً، كما يدلّ عليه تصريحهم بأنّهم بصدد تعريف الحقيقة والماهيّة، وأنّ القيد الفلاني هو لإخراج كذا أو لإدخال كذا تحفّظاً على عكس التعريف وطرده، وهكذا جميع التعاريف التي تذكر في العلوم لموضوعاتها وموضوعات مسائلها.
ثانياً: المقصود من هذه التعاريف هو المبتديء في هذه العلوم حتّى يعرف موضوعات المسائل التي يبحث عنها في العلم لا العلماء البارعون في هذه الفنون حتّى يقال: إنّهم أعرف بمفاهيم هذه الألفاظ، هذا بالنسبة إلى الوجه الأوّل ممّا ذكره في كلامه.
أمّا الوجه الثاني: ففيه: إن كان المراد منه عدم أخذ عنوان العام في لسان الآيات والرّوايات فهو كذلك، إلاّ أنّه لا يستلزم عدم الحاجة إلى تعريف العام تعريفاً حقيقياً، لأنّ الداعي إلى تعريف الألفاظ الموجودة في علم الاُصول ليس لأنّها مأخوذة في لسان الأدلّة، بل الداعي إنّما هو ترتّب سلسلة من الأحكام العقلائيّة أو العقليّة عليها في نفس هذا العلم (علم الاُصول) كالأحكام التي تترتّب مثلا على تعريف عنوان الاجزاء أو عنوان المشتقّ أو الحقيقة الشرعيّة والحقيقة اللغويّة، وكذلك سائر العناوين المطروحة في هذا العلم، وإن كان المراد إنكار انطباق أحكام على خصوص عنوان العام في نفس علم الاُصول فهو ممنوع لأنّ بعض الأحكام يترتّب على نفس هذا العنوان كالبحث عن أنّه هل للعام صيغة تخصّه؟ أو أنّ العام حجّة قبل الفحص أم لا؟ وغيرهما من المباحث المنطبقة على عنوان العام.
الأمر الثاني : في أقسام العام:
قد ذكروا للعام أقساماً ثلاثة: العام الافرادي (الاستغراقي) والعام المجموعي، والعام البدلي، أمّا الافرادي فهو ما يلاحظ فيه كلّ فرد موضوعاً مستقلا للحكم كقوله: «أكرم كلّ عالم» فقد لوحظ فيه كلّ فرد من العالم موضوعاً مستقلا لوجوب الإكرام، بحيث لا يرتبط فرد من أفراده في تعلّق الحكم به بفرد آخر، فإذا أكرم بعض العلماء دون بعض فقد أطاع وعصى، لأنّ لكلّ فرد حكماً مستقلا.
وأمّا المجموعي فهو ما يلاحظ فيه مجموع الأفراد موضوعاً واحداً لحكم واحد بحيث يكون كلّ واحد من الافراد جزءاً من الموضوع، ويحصل الامتثال بالإتيان بجميع الأفراد، فلو أتى بها إلاّ واحداً مثلا لم يتحقّق الامتثال، وبعبارة اُخرى: يكون المجموع من حيث هو المجموع مشمولا للحكم، فيكون له إطاعة واحدة وعصيان واحد، والإطاعة تحصل بالإتيان بالجميع والعصيان يحصل بترك أي فرد من الافراد.
أمّا العام البدلي فهو ما يلاحظ فيه واحد من الأفراد على البدل موضوعاً للحكم كما لو قال: «أكرم عالماً» فإنّه يحصل الامتثال فيه بإكرام واحد من العلماء وبعبارة اُخرى: يكون له إطاعة واحدة وعصيان واحد لكن الإطاعة تحصل بإتيان أي فرد من الأفراد.
ولا يخفى عليك الثمرة التي تترتّب على الفرق الموجود بين هذه الأقسام خصوصاً في حنث النذر إذا تعلّق على عنوان عام، فإنّه لو نذر أحد مثلا على أن يترك التدخين فإن كان الملحوظ فيه كلّ فرد من أفراد التدخين مستقلا (أي على نحو العام الافرادي) يتحقّق الحنث بتعداد كلّ من الأفراد التي تحقّق في الخارج، ولا يوجب حنثه بالنسبة إلى فرد حنث سائر الأفراد، وإن كان الملحوظ المجموع من حيث المجموع (أي على نحو العام المجموعي) فله حنث واحد يحصل بالتدخين ضمن أي فرد من الافراد ويسقط سائر الافراد عن الوجوب، وإن كان الملحوظ ترك التدخين على نحو العام البدلي يحصل الوفاء بترك فرد من الأفراد ويتحقّق الحنث إذا أتى بجميع الأفراد.
بقي هنا امور:
الأمر الأوّل : في أنّ تفاوت هذه الأقسام الثلاثة هل هو باعتبار الحكم أو باعتبار ذات العام؟ ذهب المحقّق النائيني (رحمه الله) إلى أنّ التفاوت يكون باعتبار الحكم لا بحسب الذات ، والنتيجة عدم إمكان تصوّر هذه الأقسام قبل تصوّر الحكم، وذهب بعض إلى أنّ التفاوت بحسب الذات وإنّ لنا ثلاث تصوّرات مختلفة قبل ورود الحكم.
أقول: الصحيح هو الأوّل، لأنّ العام في جميع هذه الأقسام بمعنى واحد وهو الشمول، وهذا المعنى موجود في الثلاثة على وزن واحد، والتفاوت يحصل بتصوّر الحكم المتعلّق به ولو إجمالا، حتّى أنّ من يتوهّم أنّه يتصوّر كلّ واحد منها مستقلا يتصوّر ابتداءً (وبنحو الإجمال) حكماً ثمّ بملاك التفاوت في أقسام ذلك الحكم يقسّم العام إلى أقسامه الثلاثة كما يظهر عند التأمّل، والشاهد على ذلك أنّا نقوّم التفاوت بين العام الاستغراقي والعام المجموعي بوحدة الطاعة والعصيان في أحدهما وتعدّدهما في الآخر، وتعدّد الطاعة والعصيان ووحدتهما تترتّبان على استغراقيّة الحكم ومجموعيته.
إن قلت: كيف؟ ولكلّ واحد منها لفظ غير ما للآخر، مثل كلمة «أي» للعموم البدلي وكلمة «كلّ» للعموم الاستغراقي.
قلت: نعم ولكنّه أيضاً بملاحظة اختلاف كيفية تعلّق الأحكام لأنّه لا يمكن تطرّق هذه الأقسام إلاّ بهذه الملاحظة، كما يكون كذلك في باب الحروف، فإنّ الواضع فيه وضع الألفاظ لمعانيها بملاحظة الأحكام المختلفة التي تتعلّق بها كما لا يخفى.
الأمر الثاني: قال المحقّق النائيني (رحمه الله): «لا يخفى أنّ في عدّ القسم الثالث (العموم البدلي) من أقسام العموم مسامحة واضحة، بداهة أنّ البدليّة تنافي العموم فإنّ متعلّق الحكم في العموم البدلي ليس إلاّ فرداً واحداً، أعني به الفرد المنتشر وهو ليس بعام، نعم البدليّة عامّة، فالعموم إنّما هو في البدليّة لا في الحكم المتعلّق بالفرد على البدل»(2).
أقول: لا يصحّ التفكيك بين البدليّة ومتعلّق الحكم، لأنّ المتعلّق في العموم البدلي هو نفس البدليّة لا شيء آخر، وبالنتيجة يكون لمتعلّق الحكم هنا أيضاً شمول، لكن شمول كلّ شيء بحسبه، وهو في هذا العموم كفايّة إتيان المأمور به ضمن أيّ فرد من الأفراد، ولا وجه لأن نتوقّع تلوّنه في جميع الأشياء بلون واحد.
إن قلت: إذاً لا فرق بين العام البدلي والمطلق.
قلنا: الفرق بينهما إنّ الشمول والبدليّة في الأوّل يستفاد من اللفظ وهو لفظ «أيّ» مثلا، وأمّا في المطلق فالشمول فيه إنّما يستند إلى مقدّمات الحكمة كما لا يخفى.
الأمر الثالث: إذا شكّ في أنّ المراد من العموم هل هو استغراقي أو مجموعي كما إذا نذر على أن يترك التدخين مثلا ثمّ شكّ في أنّه نذر على نهج العموم الاستغراقي أو المجموعي قال المحقّق النائيني (رحمه الله): إنّ الأصل يقتضي كونه استغراقياً لأنّ العموم المجموعي يحتاج إلى اعتبار الاُمور الكثيرة أمراً واحداً، ليحكم عليها بحكم واحد وهذه عناية زائدة تحتاج إفادتها إلى مؤونة زائدة.
والجواب عنه يتمّ بذكر أمرين:
الأوّل: إنّ المؤونة الزائدة في خصوص أحدهما دون الآخر تتصوّر فيما إذا كان أحد العامّين لا بشرط والآخر بشرط لا كما أنّه كذلك في المطلق والمقيّد. وأمّا إذا كان أحدهما بشرط شيء والآخر بشرط لا فالعناية الزائدة موجودة في كليهما كما لا يخفى، وفي ما نحن فيه نحتاج في العموم الاستغراقي أيضاً إلى لحاظ كلّ فرد من الأفراد مستقلا عن غيره، أي لحاظ كلّ فرد من الأفراد في العموم الاستغراقي مشروط بعدم لحاظ الغير معه فيكون بشرط لا.
وإن شئت قلت: إنّه مشروط بشرط الاستقلال، فيكون هو أيضاً بشرط شيء، فلا فرق بين الاستغراقي والمجموعي في هذه الحيثيّة، والنتيجة حينئذ إجمال الدليل وعدم إمكان التمسّك بالأصول اللفظيّة، نعم يتصوّر الشكّ هذا بالنسبة إلى لفظ «كلّ» في اللغة العربيّة حيث إنّه فيها مشترك بين المجموعي والاستغراقي بخلافه في اللغة الفارسيّة حيث وضع فيها بإزاء كلّ واحد من المعنيين لفظ خاصّ، فوضع لفظ «همه» للعام المجموعي ولفظ «هو» للعام الاستغراقي، نعم قد يستعمل لفظ «همه» للافرادي أيضاً.
مضافاً إلى أنّ كلمة «كل» في لغة العرب في الاستغراقي أكثر من استعمالها في المجموعي، ولعلّ كثرة الاستعمال هذه توجب ظهوراً لها في العموم الاستغراقي، والشاهد على الكثرة ملاحظة استعمالات هذا اللفظ في القرآن الكريم وهي بالغة إلى ثلاثمائة وخمس وعشرين (325) مرّة فإنّه استعمل في جميع الموارد إلاّ نادراً في العموم الاستغراقي كما لا يخفى على المتتبّع فيها، وبهذا يظهر إمكان التمسّك بأصل لفظي في المقام لكن لا كما ذهب إليه المحقّق النائيني(رحمه الله) بل بأن نقول: إنّ لفظ «كلّ» صار حقيقة في العام الاستغراقي ولابدّ لاستعماله في المجموعي إلى نصب قرينة، وحين الشكّ فيها نرجع إلى معناه الحقيقي وهو العموم الاستغراقي.
الثاني: أنّ ما أفاده (قدس سره) يتصوّر فيما إذا كان الدالّ على العموم لفظاً من ألفاظ العموم، أمّا إذا استفدنا العموم من دليل لبّي فلا يمكن التمسّك بأصل لفظي وحينئذ إذا شككنا في أنّ العموم استغراقي أو مجموعي يكون المرجع هو الأصل العملي، وقد توهّم بعض أنّه هو أصل البراءة لأنّ الشكّ في المقام يرجع إلى الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة (فهو في الواقع شكّ في اشتراط الجميع بالجميع) والأصل فيهما هو البراءة كما قرّر في محلّه.
لكن الإنصاف أنّ الأصل في مثل هذه الموارد قاعدة الاشتغال لأنّ البراءة تجري فيما إذا كان في البين قدر متيقّن وشككنا في وجوب الزائد عنه، وأمّا في المقام فيكون أصل تعلّق الوجوب بجميع الأفراد يقينياً وإنّما الشكّ في كيفية التعلّق، كما إذا شككنا في شهر رمضان مثلا في أنّ كلّ يوم من أيّامه يكون الصّيام فيه واجباً مستقلا أو يكون مشروطاً بإتيان الباقي فيكون المجموع واجباً واحداً؟ مع كون أصل تعلّق الوجوب بكلّ فرد يقينياً، فحينئذ الأصل هو قاعدة الاشتغال لا البراءة كما لا يخفى.
هذا إذا كان العبد قادراً على إتيان الجميع، أمّا إذا كان قادراً على بعض دون بعض من بداية الأمر كما إذا قال المولى أكرم العلماء وكان الإكرام واجباً موسّعاً والعبد لا يقدر على إكرام الجميع من أوّل الأمر فالأصل هو البراءة، لأنّه إن كان الوجوب على نهج العام المجموعي يكون التكليف ساقطاً، وإن كان استغراقياً يكون وجوب البعض المقدور عليه ثابتاً، فيصير الشكّ بالنسبة إلى وجوب البعض الآخر بدويّاً، والأصل عندئذ هو البراءة، وأمّا إذا كان قادراً على الجميع من البداية فطرأ العجز بعد ثبوت التكليف فالأصل هو الاستصحاب إذا لم يصل البعض غير المقدور إلى حدّ يوجب خروج موضوع المستصحب عن الوحدة العرفيّة وكانت وحدة الموضوع محفوظةً.
الأمر الثالث: في الفرق بين العام والمطلق:
ما هو الفرق بين العام والمطلق مع أنّ المطلق أيضاً ينقسم إلى قسمين: إطلاق شمولي استغراقي وإطلاق شمولي بدلي، والأوّل نحو قوله تعالى: (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)والثاني كقولك «أكرم عالماً»؟
المشهور بين الأعلام كما عرفت أنّ التفاوت بينهما أنّ العام يستفاد الشمول فيه من اللفظ، وأمّا في المطلق فيستفاد الشمول من مقدّمات الحكمة، نعم قد خالف في ذلك في التهذيب بعد أن نقل هذا الفرق من بعض الأعاظم ومنع عن ذلك أشدّ المنع، وحاصل كلامه: إنّ العام والمطلق يفترقان حقيقة ولهما مفهومان متفاوتان لأنّ العام يشمل جميع الأفراد، وأمّا المطلق فليس له شمول بل هو عبارة عن أنّ تمام موضوع الحكم هو الطبيعة لا بشرط ولا ينظر فيه إلى الفرد أصلا، ففي قولك «أعتق رقبة» يكون النظر كلّه إلى طبيعة الرقبة فقط من دون ملاحظة أفرادها، نعم يلاحظ الفرد ويتوجّه إليه لانطباق الطبيعة عليه.
أقول: هيهنا نكتتان يجب الالتفات إليهما:
إحداهما: إنّ الطبيعة الملحوظة في كلامه هل هي الطبيعة الموجودة في الذهن أو الطبيعة الموجودة في الخارج؟ فإن كان المقصود الطبيعة الموجودة في الذهن فهي ليست مطلوبة للمولى بلا إشكال، وإن كان المراد الموجودة في الخارج فيلاحظ الفرد حينئذ وينظر إليه لا محالة كما لا يخفى.
ثانيهما: إنّا لا نفهم معنى الانطباق في كلامه، فإمّا أن يكون الفرد الذي تنطبق عليه الطبيعة مأموراً به أو لا يكون، والأوّل يستلزم الحكم بأنّ الطبيعة إنّما لوحظت بما هي مرآة إلى الخارج لا بما هي هي، والثاني يستلزم كون الطبيعة بما هي هي مقصودة، وهو كما ترى، لأنّ الطبيعة بما هي هي مع قطع النظر عن وجودها في الخارج لا تكون منشأً للأثر ولا تترتّب عليها المصالح والمفاسد حتّى يريدها المولى أو يكرهها ويأمر بها أو ينهي عنها.
الأمر الرابع: في أنّ للعموم صيغة تخصّه:
ويستدلّ له بالتبادر فإنّه لا إشكال في أنّ المتبادر من ألفاظ من قبيل لفظ «كلّ» العموم.
ويمكن أن يستدلّ له أيضاً بحكمة الوضع فبما أنّ الحكمة في وضع الألفاظ رفع الحاجات اليوميّة للناس فلا بدّ من وضع لفظ أو ألفاظ تدلّ على العموم لأنّ من جملة تلك الحاجات الحاجة إلى لفظ يدلّ على مقصود عام.
أضف إلى ذلك: أنّ الخصوص ليس له حدّ خاص ومرتبة معيّنة كي يمكن الالتزام بوضع هذه الألفاظ لذلك الحدّ، بل إنّه يؤدّى ويستفاد من طريق تخصيص العام فلا يمكن بيان الخاصّ بدون بيان العام، إذن فلا بدّ من وضع ألفاظ للعام لكي يخصّص ويصير طريقاً إلى بيان الخاصّ.
واستدلّ للخصم أي لوضع هذه الألفاظ للخاصّ بوجهين عقليين.
الأوّل: أنّ إرادة الخصوص ولو في ضمن العموم معلومة بخلاف العموم لاحتمال أن يكون المراد به الخصوص فقط، وجعل اللفظ حقيقة في المعنى المتيقّن أولى من جعله حقيقة في المعنى المحتمل.
الثاني: إنّه قد اشتهر التخصيص وشاع حتّى قيل «ما من عام إلاّ وقد خصّ» الحاقاً للقليل بالعدم مبالغة، والظاهر يقتضي كون اللفظ حقيقة في الأشهر الأغلب تقليلا للمجاز.
أقول: كلا الدليلين لا يخلو من لا الضعف جدّاً.
أمّا الأوّل: فلأنّ كون إرادة الخصوص متيقّناً لا يوجب اختصاص الوضع به بل لابدّ في وضع اللفظ من ملاحظة وجود الحاجة وعدمه، والإنصاف أنّ هذا الاستدلال بهذا البيان في غاية الضعف.
أمّا الدليل الثاني: فلأنّه يتفرّع ويتوقّف على إيجاب التخصيص التجوّز وكون العام مجازاً في الباقي وسيأتي خلافه، مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا كونه مجازاً فلا محذور في كثره المجاز إذا كان المجاز بالقرينة وكان التخصيص مورداً للحاجة.
_______________________
1. المحاضرات: ج4، ص151.
2. أجود التقريرات: ج1، ص443.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|