دوران اللفظ بين الحقيقة وواحد من المجاز أو النقل أو الاشتراك أو التخصيص أو الإضمار |
3676
12:58 مساءاً
التاريخ: 8-8-2016
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-7-2020
2577
التاريخ: 5-8-2016
1353
التاريخ: 11-6-2020
1616
التاريخ: 28-8-2016
1563
|
إذا دار اللفظ بين الحقيقة وواحد من المجاز أو النقل أو الاشتراك أو التخصيص أو الإضمار ، رجّح الحقيقة وفاقا ، إلاّ أن يثبت أحدها بالقرينة ، أو دليل خارجي. والدليل مع كيفيّة التفريع ظاهر.
وإذا دار اللفظ بين واحد من الخمسة المذكورة مع آخر منها ، فالحكم على ما نذكره ، وهو أنّ معارضات هذه الخمسة تتصاعد إلى عشرة صور :
[ الصورة ] الاولى : معارضة المجاز والنقل. والحقّ حينئذ أولويّة المجاز ؛ لأنّ المجاز لا يتوقّف على أمر سوى العلاقة ، وثبوت العلاقة والعلم بها في غاية السهولة.
وأمّا النقل ، فموقوف على اتّفاق أرباب المحاورات عليه ، والعلم به في غاية الصعوبة. وبعد فرض حصول العلم به لا كلام في وجوب الأخذ به ؛ لأنّ الخلاف في صورة الشكّ.
وأيضا هو موقوف على نسخ الوضع الأوّل ، وهو خلاف الأصل.
وكيفيّة التفريع : أنّ كلّ لفظ ورد في كلام الشارع واحتمل أن يكون مجازا وأن يكون منقولا ، فيجب أن يحمل على معناه المجازي. مثلا : أطلق الشارع « السبيل » على الدين والمذهب ، فيحتمل أن يكون على سبيل النقل ، ويحتمل أن يكون على سبيل المجاز. والحقّ الثاني ؛ لما عرفت (1) ، فعند الإطلاق يحمل على معناه الحقيقي.
[ الصورة ] الثانية : معارضة المجاز للاشتراك. والحقّ أنّ المجاز أولى ؛ لأغلبيّته في المحاورات ، والمظنون إلحاق الشيء بالشائع الأغلب ؛ ولأنّ الاشتراك مخلّ بالتفاهم ، فيلزم الاحتراز عنه مهما أمكن. وقد ذكر وجوه أخر لترجيح المجاز. والاعتماد على ما ذكرناه. وذكر وجوه لترجيح الاشتراك على المجاز لا يفيد شيئا ، ولا يقاوم وجها واحدا ممّا ذكر.
وكيفيّة التفريع : أنّ النكاح استعمل في العقد والوطء كليهما ، فيمكن أن يكون من باب الاشتراك ، وأن يكون من باب الحقيقة والمجاز ، فالثاني أولى ؛ لما عرفت.
ثمّ قيل : هو حقيقة في العقد ، مجاز في الوطء (2). وقيل بالعكس (3).
والحقّ الأوّل ؛ لحصول التبادر في العقد دون الوطء. فعلى هذا يحمل النكاح في قوله تعالى : {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } [النساء: 22]) على العقد ، فيحكم بتحريم معقودة الأب على الابن. وعلى الاشتراك يلزم التوقّف ، كما أشرنا إليه (4). وعلى القول بكونه حقيقة في الوطء ، مجازا في العقد ، يلزم الحكم بتحريم موطوءة الأب دون معقودته.
[ الصورة ] الثالثة : معارضة المجاز والتخصيص ، كقوله تعالى : {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } [التوبة: 36] فيمكن أن يكون المراد بالمشركين ما عدا أهل الذمّة ، فيكون مجازا من باب تسمية الجزء باسم الكلّ. ويمكن أن يكون المراد الحقيقة ـ أعني جميع المشركين ـ لكن خصّ عنه أهل الذمّة بدليل من خارج.
ثمّ قيل في أولويّة التخصيص : إنّ الحمل عليه يستلزم حصول المقصود عند وجود القرينة وعدمها.
أمّا الأوّل فظاهر.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّه يلزم حينئذ حمل اللفظ على عمومه والعمل به ، ولا شكّ أنّ المقصود ـ أعني غير المخصّص ـ في ضمنه. وأمّا الحمل على المجاز ، فلا يستلزم حصول المقصود عند فقد القرينة ؛ لأنّ اللفظ عند فقدها يحمل على الحقيقة ، ويمكن أن يكون المجاز مقصودا مع عدم كونه في ضمنها (5).
أقول : هذا الدليل لا يفيد شيئا ؛ لأنّ غاية ما يدلّ عليه أنّ اللفظ العامّ الذي لم يوجد له مخصّص ولا قرينة على أنّ المراد منه بعض أفراده ، يلزم أن يحمل على عمومه الذي هو حقيقة ، لكن أمكن في نفس الأمر أن لا يكون بعمومه مقصودا ، بل يكون مخصّصا أو مجازا ، فإن كان مخصّصا في الواقع ، فإنّا عملنا بالمقصود ـ أعني غير المخصّص ـ وإن عمل بالزائد أيضا ، وإن كان مجازا ، لم نعمل بالمقصود ؛ لأنّا عملنا بالحقيقة التي ليست مقصودة ، دون المجاز الذي هو المقصود.
وغير خفيّ أنّ الحقيقة فيما نحن فيه هو العامّ ، والمجاز بعض أفراده ، فإذا عمل بالحقيقة عمل بالمجاز أيضا ؛ لأنّ الخاصّ في ضمن العامّ ، والمجاز الذي ليس في ضمن حقيقته هو الذي لم يكن جزءا من الحقيقة ، ولا دخل له بما نحن فيه ، فلا فرق بين الحملين.
هذا ، مع أنّ ثبوت الفرق عند عدم المخصّص والقرينة لا يدلّ على ثبوته عند وجودهما ، كما هو الفرض.
والتحقيق أن يقال : إنّه إذا وجد المخصّص والعلاقة المجوّزة دون القرينة المانعة سوى التخصيص ، يتعيّن الحمل على التخصيص ، وهو ظاهر. وإن وجد المخصّص والعلاقة المجوّزة والقرينة المانعة غيره ، فيمكن الحمل على التخصيص والمجاز كليهما ، ولا منافاة بينهما ؛ فإنّ العامّ يكون حينئذ مخصّصا ومجازا بالاعتبارين ، ولا يظهر حينئذ فائدة في هذا الخلاف.
نعم ، يظهر فائدة في أولويّة التخصيص ، أو المجاز من طريق آخر ، وهو أنّه إذا تعارض الأدلّة الشرعيّة في حكم ، وارتكب التخصيص في طرف ، والتجوّز في طرف آخر ، فعلى
أولويّة التخصيص يلزم وجود مرجّح في طرفه ، وعلى العكس العكس ، ويمكن أن يرجّح التخصيص بأغلبيّته في الأحكام الشرعيّة ، فتأمّل.
[ الصورة ] الرابعة : معارضة المجاز والإضمار ، كقوله تعالى : {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فإنّه يمكن إضمار لفظ « أهل » ، ويمكن أن يكون المراد من « القرية » أهلها تسمية للحالّ باسم المحلّ.
قيل : الظاهر كون الإضمار أقرب ؛ لأنّه لا يفتقر إلاّ إلى قرينة ، والمجاز مع افتقاره إليها يفتقر إلى الوضع اللاحق أيضا (6).
ولا يخفى ما فيه ، ولذا حكم الأكثر بتساويهما (7).
ثمّ إنّ فائدة هذا الخلاف في الأحكام ما أشرنا إليه في الصورة الثالثة (8).
[ الصورة ] الخامسة : معارضة النقل والاشتراك. وقد اختلف في ترجيحهما. والحقّ رجحان النقل ؛ لأنّ الاشتراك يخلّ بالفهم بخلاف النقل.
والقول بأنّ الاشتراك أكثر من النقل لم يثبت. وكيفيّة التفريع ظاهرة (9).
[ الصورة ] السادسة : معارضة النقل والتخصيص ، كما في لفظ البيع ؛ فإنّه موضوع لمطلق المعاوضة والمبادلة ، واستعمل في لسان الشارع والمتشرّعة في المبادلة المخصوصة الجامعة للشرائط المعيّنة ، فيمكن أن يكون هذا على سبيل النقل ، ويمكن أن يكون على سبيل التخصيص. والثاني أولى ؛ لأنّ التخصيص إمّا مساو للمجاز ، أو أولى منه كما عرفت (10). والمجاز أولى من النقل ، فالتخصيص كذلك. والفائدة ما أشرنا إليه في الصورة الثالثة (11).
[ الصورة ] السابعة : معارضة النقل والإضمار ، والثاني أولى ؛ لأنّه إمّا مساو للمجاز ، أو أولى منه ، والمجاز أولى من النقل ؛ فالإضمار كذلك.
وكيفيّة التفريع : أنّ الربا في قوله تعالى : {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] يمكن أن يراد به المعنى اللغوي ـ أي الزيادة ـ بشرط إضمار مضاف ، أي حرّم أخذ الربا ، فيكون دالاّ على حرمة أخذ الزيادة ، لا على حرمة نفس العقد المتضمّن لمعاوضة الجنس الربوي به متفاضلا ؛ لأنّه لم يثبت نقل الربا إلى العقد المذكور. ويمكن أن يراد به نفس العقد المذكور بناء على تحقّق النقل ، فيدلّ الآية على حرمة نفس العقد المذكور. وقد عرفت الحقّ.
[ الصورة ] الثامنة : معارضة الاشتراك والتخصيص. والثاني أولى ؛ والسرّ ظاهر.
وكيفيّة التفريع : أنّ قوله تعالى : {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] يدلّ على تحريم معقودة الأب على الابن ، سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا ؛ بناء على كون النكاح حقيقة في العقد ، وكونه شاملا للصحيح والفاسد ، إلاّ أنّ الفاسد منه مخصّص بالنصّ. وعلى كون النكاح مشتركا بين العقد والوطء لا افتقار إلى التخصيص ؛ لأنّ الآية حينئذ لا تدلّ على تحريم مطلق المعقودة حتّى يحتاج إلى إخراج العقد الفاسد ؛ لاحتمال أن يكون المراد من النكاح الوطء.
[ الصورة ] التاسعة : معارضة الاشتراك والإضمار ، والثاني أولى ؛ لعدم الإجمال فيه ، إلاّ إذا وجد امور متعدّدة يصلح كلّ واحد منها أن يكون مضمرا ، ولم يوجد قرينة دالّة على رجحان أحدها. وهذا الفرض نادر ، بخلاف الاشتراك ؛ فإنّه لا ينفكّ عن الإجمال. والمثال ـ على ما ذكره بعض (12) : أنّ لفظة « في » في قوله (عليه السلام) : « في خمس من الإبل شاة » (13) تحتمل أن تكون مشتركة بين الظرفيّة والسببيّة ، وتحتمل أن تكون للظرفيّة خاصّة
فعلى الأوّل لا حاجة إلى الإضمار ؛ لاحتمال كونها للسببيّة ، وعلى الثاني لا بدّ من إضمار لفظ « مقدار » حتّى يكون التقدير في خمس من الإبل مقدار شاة.
ثمّ من فوائد الخلاف هنا ما أشرنا إليه في الصورة الثالثة (14).
[ الصورة ] العاشرة : معارضة التخصيص والإضمار. والترجيح للتخصيص ؛ ووجهه ظاهر ممّا سبق.
وكيفيّة التفريع : أنّ قوله (عليه السلام) : « لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل » (15) يحتمل أن يكون عامّا في الواجب والمستحبّ ، إلاّ أنّ المستحبّ مخصّص بجواز تأخير النيّة إلى الزوال.
ويحتمل أن يكون فيه إضمار لفظ « كامل » أو شبهه ، ويكون التقدير « لا صيام كامل » إلى آخره. وحينئذ لا افتقار إلى التخصيص المذكور ؛ لعدم دلالته حينئذ على وجوب التبييت مطلقا.
ثمّ اعلم أنّ القوم صرّحوا بأنّه إذا تعارض النسخ مع واحد من الامور الخمسة ، يلزم الحكم بمرجوحيّة النسخ (16) ؛ لأنّه عبارة عن بطلان الحكم الثابت ، وهو خلاف الأصل. والحكم به مع عدم القطع يؤدّي إلى الفساد. وفي شيء من الامور الخمسة (17) لا يلزم ذلك ، مع أنّ كلّ واحد منها أكثر وجودا من النسخ.
___________
(1) تقدّم آنفا ، وهو أنّ المجاز لا يتوقّف على أمر سوى العلاقة.
(2) نسبه الأسنوي إلى الشافعي وأصحابه في التمهيد : 190 و 191.
(3) راجع المصدر : 191.
(4) في ص 46.
(5) قاله الفخر الراي في المحصول 1 : 360.
(6) ذهب إليه السيّد ضياء الدين الأعرج في منية اللبيب : 74.
(7) منهم : الفخر الرازي في المحصول 1 : 359 ، والبيضاوي في منهاج الاصول المطبوع مع نهاية السؤل 2 : 180 ، والأسنوي في نهاية السؤل 2 : 181.
(8) في ص 73 ـ 74.
(9) في « ب » زيادة : « بين المعاني ».
(10 و 11) في ص 73 ـ 75.
(12) مثّل بها السيّد ضياء الدين الأعرج في منية اللبيب : 73 ، والقمّي في قوانين الاصول 1 : 32.
(13) الكافي 3 : 531 ، باب صدقة الإبل ، ح 1.
(14) في ص 73 ـ 74.
(15) راجع : سنن أبي داود 2 : 329 ، ح 2454 ، وكنز العمّال 8 : 493 ، ح 23789 ـ 23792.
(16) راجع : المحصول 1 : 361 ، والإحكام في أصول الأحكام 2 : 343.
(17) أي المجاز ، والنقل ، والاشتراك ، والتخصيص ، والإضمار.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|