المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8117 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05

معنى كلمة أثر
13-4-2022
الأسمدة الخضراء ومحاصيل التغطية المستخدمة في الزراعة العضوية
2024-06-09
التابعون‏
16-3-2016
التلكّؤ في الكلام
6-1-2023
Giuseppe Veronese
25-2-2017
شروط التوكل
5-6-2021


إطلاق الأمر أو الخطاب هل يقتضي التوصلية أم لا؟  
  
1642   01:29 مساءاً   التاريخ: 26-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج1 ص 229.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016 1222
التاريخ: 8-8-2016 1179
التاريخ: 29-8-2016 1596
التاريخ: 5-8-2016 1460

اطلاق الأمر أو الخطاب هل يقتضي التوصلية أم لا؟ فيه كلام.

وتوضيح هذا المقصد يقتضي تقديم مقدمة في بيان المراد من التعبدية والتوصلية، المشهور بين القدماء كون المدار في توصلية المأمور به معلومية الغرض الداعي على الأم بحيث يعلم ان المقصود للآمر أو المأمور التوصل به إلى هذا الغرض، وفي قباله ما لا يعلم الغرض المزبور فيسمى تعبديا بملاحظة ان الاقدام به ليس إلا من جهة التعبد [لمولاه] بلا قصده التوصل به إلى شيء معلوم وعند أهل العصر من أمثال زماننا كون المدار في التوصلية على عدم احتياج حصول الغرض والمصلحة القائمة بالمأمور به إلى كون الفعل قربيا، قبال ما إذا احتاج إلى ذلك فيسمى تعبديا.

ولئن قيل: بأن المدار في التوصلية على عدم احتياج رفع اشتغال الذمة بالمأمور به على اتيانه قربيا قبال احتياجه إليه فيسمى تعبديا لكان أشمل من التعريف السابق، إذ حينئذ ربما يحكم بالتوصلية مع عدم العلم بحصول الغرض والمصلحة المزبورة بلا كون العمل قربيا بخلافه على الأول. ولكن ربما يقال: إن ذلك لا يكون إلا مع الشك في التعبدية والتوصلية واقعا، وإلا فمع العلم بالتعبدية لا يكاد يسقط الغرض إلا بقربية العمل وحينئذ فالتعبدية الواقعية منوطة به فتعين التعريب الأول.

نعم هنا شيء آخر وهو ان لقائل أن يقول ان ذلك البيان إنما يتم على كون عبادية الشيء ملازما لقربيته، بحيث لا يتصور فيه المصلحة إلا في صورة ايجاده قربيا، ومن لوازمه أيضا عدم تصور حرمة العبادة بوصف [عباديتها] إلا تشريعيا نظرا إلى مضادة الحرمة مع أصل العبادية. واما لو قلنا بان حقيقة العبادة - [المقابلة للتوصلية] - عبارة عما جعلت من وظائف العبودية ومن [ادواتها] (1) وكانت مما بها يتخضع العبد لمولاه كتقبيل اليد والقيام في حضوره أو السجدة له وأمثالها المعمولة عند العرف لمواليهم مع امضاء الشرع اياهم في أصل الوظيفة فربما ينفك مثل هذه الامور عن القربية، غاية الأمر هي [مقتضيات] للتقرب بها إلى المولى لولا نهيه [عنها]، وإلا فمع نهيه [تخرج] عن القربية، ومع ذلك [لا تخرج] عن كونها من وظائف العبودية. غاية الأمر هذه الوظيفة في مورد خاص وبجهة خاصة مبغوضة للمولى ومنهي [عنها] وحينئذ [تخرج] عن القربية، لا عن كونها عبادة وعن [كونها] وظيفة العبد من حيث خضوعه لمولاه. والى هذا المعنى أيضا نظر من تصور حرمة العبادة مولويا لا تشريعيا محضا. ففي مثل هذه الصورة أمكن تصور قيام المصلحة بنفس ذات هذه الوظيفة المجامعة حتى مع المفسدة الطارية [عليها] من العوارض الخارجية. ولازمه حينئذ امكان استيفاء المصلحة حتى مع اتيانه محرما نظير التوصليات التي لم يكن شأنها كونها من وظائف العبودية، ولا يسمى عبادة حتى مع الأمر بها، وحينئذ لا يكون سقوط الأمر بها منوطا بقربيتها.

ولئن شئت توضيح المرام بأزيد من ذلك فاسمع: بان ملاك [عبادية] العمل - قبال التوصليات - تارة [بكونه] اطاعة لأمره، [الذي] يكون مقربيته ذاتية على وجه يستحيل انفكاكه عن المقربية. وتارة [بكونه] من أدوات الخضوع لمولاه، وهذا الصنف ليست [مقربيته] ذاتية بل [هو مقتض] للتقرب لولا نهي مولاه عنه، فمع نهي المولى لا يخرج عن كونه خضوعا أيضا، ولا عن [كونه] من [أدوات] العبودية، ولكن يخرج عن [كونه] مقربا، ومن شأن هذا الصنف أيضا عدم [جريانه] إلا في مجعولات مخصوصة عرفية وشرعية، ولا يكاد ينطبق على كل عمل ولو [كان مأمورا به] بخلاف عنوان الطاعة فانه يجري في كل عمل امر به بلا اختصاصه بعمل دون عمل، كما أن من شؤون الصنف الأول أيضا قابلية [صدوره] عن النائب، بل ويصدر عمن يقصد عمله عن قبل غيره مع رضاء الغير به ولو تقديرا بلا انشاء توكيل منه ولا أمره به فيصير هذا العمل مقربا لغيره إلا ان ينهى الغير اياه عن اتيانه من قبله، فانه حينئذ لا يكون مقربا له لمنع صدق الخضوع منه أيضا، وهذا بخلاف الصنف الثاني فان حقيقة الاطاعة من المنوب [لا تكون] إلا بكون المنوب مأمورا بعمل غيره ولو تسبيبا وإلا فمع عدم التسبب وعدم اضافة ايجاد العمل إليه ولو تسبيبا لا يكاد يحصل له التقرب لعدم صدق الاطاعة على مثله في حقه، بل ولا يكون هذا العمل مقربا للنائب أيضا لعدم أمر متعلق بالنائب. ومجرد تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب لا يقتضي توجه امره إليه حقيقة، بل غاية الأمر ادعاء الأمر في حقه بالعناية والتنزيل وهو لا يجدي إلا في ادعاء مقربيته وتنزيله منزلة المقرب، وهذا التنزيل لا اثر له عند العقل في حكمه باستحقاق المثوبة، بل مورد حكمه هذا ليس إلا مورد صدق الاطاعة حقيقة والمقربية واقعا.

ومن هنا نقول إن النيابة في العبادات [لا تتصور] الا في الصنف الأول، كما هو شأن كل عبادة. وإلا ففي الصنف الثاني لا مجال لمقربية العمل للمنوب عنه بل ولا للنائب كما عرفت آنفا ، وبعد هذه البيانات ووضوح ان العبادة القابلة للصدور عن النائب منحصرة بالعبادة بالمعنى الأول نقول: انه لو كان المراد من التعبدي في قبال التوصلي مطلق التعبدي القابل للصدور عن النائب أيضا أمكن في مثله دعوى امكان عدم اناطة الغرض القائم به بقربيته وعدم ملازمة التعبد به مع القربية كما أشرنا، ولو كان المراد من التعبدي خصوص ما كانت عبوديته بإطاعة أمره ولو لم يكن العمل بذاته من وظائف العبودية فلا محيص حينئذ إلا من ادخال ما هو صادر من النائب المقرب للمنوب عنه في التوصليات إذ حينئذ كل ما لم يكن تقربه إلا بإطاعة أمره فهو من التوصليات لعدم واسطة بين التعبدي والتوصلي.

وحيث لا اظن التزام ذلك من أحد فلا محيص من اختيار الشق الاول، ولازمه حينئذ كما عرفت عدم ملازمة سقوط الغرض بكونه قربيا، وحينئذ لابد وان يقال: إن المعيار في التعبدية كون العمل بنفسه أو بعنوان اطاعة امره من وظائف العبودية، قبال التوصلي وهو ما لا يكن من وظائف العبودية لا بنفسه ولا من جهة كونه معنونا بعنوان الاطاعة، كما لا يخفى. هذا.

ولكن مع ذلك كله نقول: إن بناء الأصحاب ليس على الاكتفاء في العبادات بمجرد كونها [مقتضيات] للقرب ولو لم [تكن] [مقربات] فعلا ولو لنهي عرضي متوجه [إليها] بشهادة أعلى صوتهم بفساد العبادة في فرض [كونها] ضدا للأهم منها مع الالتزام بان الأمر [مقتض] للنهي [عن] ضده، إذ مثل هذا الأمر عرضي محض غير مناف لعبادية ما هو مجعول لوظيفة العبودية ولا لمصلحته لو فرض قيامها بنفس ذاته، وانما هو مضر بقربيته، فالتزامهم بفساد العبادة في هذه الصورة يكشف عن عدم التزامهم بقيام المصلحة الداعية على الأمر بها بنفس ذاتها، بل إنما هي قائمة بها بقيد قربيتها.

وحينئذ فالتعبدي في كلماتهم قبال التوصلي ليس مطلق ما كان مقتضيا للقرب لمحض كونه من وظائف العبودية، بل المراد منه ما كان مصلحته والغرض الباعث على الأمر به منوطا بقربيته فعلا، بل لنا ان نقول أيضا بانه ليس بناؤهم على الاكتفاء بمقربيتها الذاتية ولو لم يكن في البين مانع عن مقربيتها. كيف! ولازمه الاكتفاء بإتيانها بداعي الشهوة، إذ هذا المقدار لا يضر [بقربية] ما هو من وظائف العبودية، إذ من [دعته] شهوته على الخضوع لمولاه ولو بتقبيل يده بداعي خضوعه له ولو كان محركه على هذا الخضوع شهوته كان متقربا لمولاه، ولا يضر هذا المقدار بمقربيته الذاتية، ومع ذلك ليس بناؤهم على الاكتفاء في مثل الصلاة والصوم وغيرهما - مع كونها من وظائف العبودية و[مقربة] ذاتا بشهادة تشريعها في نيابة العبادات - بإتيانها خضوعا لمولاه ولو بداعي شهوته، بل يحتاجون في مثلها إلى التقرب بجهة زائدة عن مقربية ذواتها، كما لا يخفى، ولازمه قيام المصلحة في أمثالها على الفعل بإتيانها بهذا النحو من التقرب [غير] المجامع مع اتيانها بداعي الشهوة.

ولا يرد عليه حينئذ بان لازم ذلك عدم صحة نيابتها، إذ مع عدم الاكتفاء بقربيتها بنفسها والاحتياج إلى قربيتها بعنوان آخر كيف يتصور ذلك في حق النائب عن الميت، لما عرفت من انه لم يكن في البين جهة قابلة للتقرب بداعيها عن الميت.

قلت: من الممكن التفكيك في القرب الدخيل في المصلحة بين مراتبه بالإضافة إلى الحي والميت، وان ما هو دخيل في المصلحة في الأحياء هو الفعل القربي بجهة زائدة حتى في وظائف العبودية، وفي غير الأحياء مجرد اتيان الوظيفة المخصوصة على وجه قربيته من قبل نفسه لغيره عند اتيانه عن قبل الغير. وحينئذ فلك ان تقول: إن للقرب مراتب، بمرتبة منه يجدي في فعل النائب عن الميت وبمرتبة اخرى زائدا عن هذه المرتبة يحتاج إليه في حق الأحياء. وعلى اي تقدير: مصلحة العبادي منوطة بالقربة الفعلية ليس إلا. وحينئذ فلا محيص في تعريف التعبدي أن يقال بما قالوا، ولازمه كون القربية قيدا شرعيا لا عقليا، لان المدار في القيود الشرعية على دخلها في [الغرض] بنحو يكون تفويتها تقصيرا مستتبعا لاستحقاق العقوبة ومن المعلوم ان العقل قاصر عن درك هذا المعنى، فلابد وأن يكون بيانه بيد الشرع ليس الا.

نعم ما يدركه العقل مستقلا هو دخل القربية في استحقاق المثوبة، وفي مثل ذلك لا يكون [أمرا] وضعه ورفعه بيد الشرع. بل لو بين ذلك كان من باب الارشاد إلى حكم العقل محضا، ولكن هذه الجهة غير مرتبطة، بعالم دخله في الغرض. كيف! وهو جار حتى في التوصليات كما لا يخفى. وبعد ما اتضح هذا الامر [نقول]: ان الجهة الزائدة عن قربيتها الذاتية الاقتضائية الموجبة لمرتبة اخرى من القرب تتصور في طي مراتب اخرى: إذ تارة يتصور القرب بداعي رجحان العمل عقلا المعبر عنه بداعي حسنها المحرز لدى المولى جزما، واخرى بداعي رجحانه شرعا المعبر عنه بداعي محبوبية العمل لدى الشرع.

وثالثة بداعي ارادتها الفعلية الذي هو مضمون أمره وهو المعبر عنه بداعي أمره ، ورابعة بداعي كون مولاه مستحقا للعبودية مع فرض كون العمل من وظائف العبودية ذاتا [أو] جعلا. واما اتيان العمل بداعي تحصل الثواب أو الفرار عن العقاب فلا محيص في العبادات من سبق داع آخر والا فيستحيل اتيانها بهذا الداعي إلا لغفلة وذهول، وهو مما لا يعبأ به. ثم ان الظاهر الاكتفاء بكل واحد من هذه المراتب في قرب العبادي الزائد عن قربه الذاتي الاقتضائي. كما ان الظاهر أيضا امكان أخذ المرتبة الاولى والاخيرة في حيز الأمر والارادة ولو شخصية.

نعم في أخذ القرب بالمرتبتين الاخيرتين من دعوة المحبوبية أو الامر شخصا اشكال مشهور، وعمدة وجه الاشكال استحالة أخذ ما هو من شؤون الأمر في موضوعه.

وتوضيح الاشكال بأزيد من ذلك بان يقال: إن من المعلوم ان ما هو موضوع للأمر ملحوظ في رتبة سابقة عنه، ومن البديهي ان ما هو ملحوظ في الرتبة اللاحقة يستحيل في هذا اللحاظ [ان] يرى في الموضوع الملحوظ سابقا. وحينئذ فكما ان الحكم والأمر يرى لاحقا كذلك العلم بالأمر ايضا يرى لاحقا عن الأمر، وكذلك ما هو من شؤون هذا العلم كدعوته أيضا يرى في المرتبة اللاحقة عن المعلوم من الأمر، وحينئذ يرى جميع هذه المراتب كنفس الأمر في المرتبة اللاحقة عن الموضوع. وحينئذ فيستحيل أخذ كل واحد من هذه المراتب في موضوع هذا الأمر لان ما يراه العقل في الرتبة المتأخرة يأبى عن ان يأخذه في الرتبة السابقة عنه.

وبهذه الجهة نقول: إن العقل يأبى أن يأخذ العلم بحكم الشيء في موضوع هذا الحكم، وذلك لا من جهة ما توهم من توقف الحكم على العلم بنفسه، والعلم بنفسه على الحكم وهو دور، لإمكان دفعه بمنع التوقف الثاني لإمكان تخلف العلم عن المعلوم، بل عمدة الوجه هو ان العقل يرى العلم بالشيء في الرتبة اللاحقة عن الشيء لحاظا لا واقعا، فكأنه يرى الشيء موضوع علمه ومتعلقه، وفي هذا النظر يرى المعلوم سابقا عن علمه، ومع هذا اللحاظ يأبى عن ان يأخذ العلم به في موضوع نفسه، إذ لازمه كون العلم به مقدما عليه رتبة في نظره مع انه مؤخر عنه في لحاظه. وبعين هذا المناط أيضا يأبى عن الأخذ في الموضوع ما هو من شؤون هذا العلم من الدعوة، وحينئذ فمجرد كون الدعوة من تبعات العلم بالأمر لأنفسه واقعا لا يصحح الأخذ في الموضوع ولا يرفع الاشكال.

ولئن اغمض عن هذه الجهة وبنينا على عدم مانع في اخذ ما هو من تبعات العلم بالأمر في موضوعه لا يبقى مجال لأشكال آخر: من ان لازم أخذ الداعي في حيز الأمر كون الأمر محركا إلى محركية شخصه، ومرجعه إلى كون الشيء علة لعلية نفسه إذ لنا حينئذ ان نقول إن ما يلزم في المقام محركية العلم بالأمر بالدعوة للعلم بالأمر المتعلق بالذات إذ الأمر المتعلق بالجميع وان كان واحدا ولكن بملاحظة قابلية التحليل بقطعة متعلقة بالذات وقطعة اخرى متعلقة بالدعوة كان العلم بكل قطعة علما على حده فأحدهما محرك لمحركية الآخر، وحينئذ من أين يلزم محركية الأمر إلى محركية نفسه كي يجئ ما ذكرت من المحذور؟!.

وأضعف من هذا التقرير توهم آخر من ادخال المقام في صغريات القضايا الحقيقية من كون الحكم منوطا بفرض وجود الموضوع خارجا بنحو يصير خارجيا ولازمه أخذ الحكم في موضوعه المفروض وجوده في رتبة سابقة عن حكمه. وتوضيح الفساد بان جعل الأحكام [المتعلقة] بأفعال المكلفين من القضايا الحقيقية واضح الفساد إذ في فرض وجود الموضوع خارجا يرى العقل سقوط الحكم لا وجوده، وانما يصح تصوير القضايا الحقيقية على فرضه بالنسبة إلى متعلقات الأفعال التي هي بمنزلة شرائط الأحكام كالخمر والعالم وأمثالها لا بالنسبة إلى فعل المكلف الذي هو معروض الحكم ، وكيف كان الأولى تقرير الاشكال بنحو [ما ذكرنا]. وبعدما ذكرنا من البيان أيضا لا يرد عليه بان ما هو متأخر عن الحكم هو الداعي بوجوده خارجا وإما هو مقدم عليه الداعي بوجوده ذهنا وهما مختلفان.

وتوضيح الضعف بان عمدة المحذور كون الداعي علاوة عن تأخره خارجا يرى في عالم اللحاظ أيضا متأخرا ومع تأخره عن الأمر لحاظا كيف يعقل ان يرى في موضوعه المرئي سابقا؟!. وأضعف من هذا الجواب توهم أخذ الداعي طبيعة لا شخصا كي يلزم محذور لحاظ اللاحق في السابق.

ووجه الضعف هو ان لازم لحاظ الداعي الشخصي من شؤون الأمر ومتأخرا عن الموضوع لحاظ شخص هذا الفرد خارجا عن دائرة الطبيعة وهو يلازم لحاظ الطبيعة في دائرة لا يشمل هذا الفرد، وهو بمنزلة تخصيص الطبيعة بغيره، وما هذا شأنه يستحيل انطباق الطبيعة عليه كما لا يخفى.

وبالجملة نقول: ان من جهة هذه الشبهة ذهب جل من الفحول إلى امتناع أخذ هذا القيد وأمثاله في حيز الأمر والخطاب الواحد، وهم بين من التزم بعدم تعلق الخطاب إلا بذات العمل مع عدم تعلق الأمر بالقيد إلا ارشادا إلى حكم العقل بالإتيان وبين من التزم بأخذ القيد في طي خطاب وأمر آخر غير الخطاب بذات العمل ، وعمدة منشأ هذا الاختلاف هو ان هذا القيد مثل سائر القيود الشرعية محتاج إلى البيان؟ أم يكفي لبيانه حكم العقل بلزوم اتيانه من قبل تمامية البيان للأمر بنفس الذات؟ وسيجئ توضيحه عن قريب ان شاء الله.

هذا كله مما استفدته من كلمات الأعلام ولكن لنا كلام مع هؤلاء الأعاظم قدس الله أسرارهم، وتوضيحه يقتضي رسم مقدمة [وهي]: ان شخص انشاء الأمر الوارد في شخص الخطاب: تارة يراد منه ابراز شخص الارادة القائمة بموضوع الأمر ومادته، واخرى يراد سنخه، ففي الثاني: تارة يراد منه السنخ الموجود في ضمن أفراد [عرضية] نظير الأمر بكل طبيعة سارية كأكرم العالم فان من شخص هذا الانشاء اريد سنخ الوجوب القائم بطبيعة العالم السارية في ضمن أفراد [عرضية]، ولذا يقال بان مثل هذا الخطاب قابل للانحلال بخطابات متعددة بعدد أفراد الطبيعة ومنه أيضا الانشاء المتعلق بالعمومات الاستغراقية. وتارة يراد منه السنخ الموجود في ضمن أفراد طولية وذلك أيضا: تارة يكون طولية الحكم بملاحظة طولية أحد الفردين للآخر ذاتا حسب معلولية أحدهما عن الآخر وذلك كما في قوله: (إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور) (2) حيث إن وجوب الطهور من جهة كونه معلول وجوب الصلاة - نظرا إلى علية كل وجوب نفسي لوجوب مقدمته الغيري - كانا [فردين] من الوجوب في طول الآخر ومع ذلك من انشاء وجب اريد سنخ الوجوب الموجود في ضمن الفردين الطوليين.

واخرى تكون طولية أحد الفردين للآخر من جهة اناطة موضوعه على قيام الفرد الآخر من الحكم على موضوع آخر وذلك مثل قوله (وجب تصديق العادل) الشامل بإطلاقه للأفراد الطولية من مثل الأخبار مع الواسطة حيث إن موضوع هذا الانشاء كل خبر لمؤداه أثر فإذا فرض صيرورة موضوعية الخبر بالواسطة لهذا الانشاء منوطة بشمول شخص حكم آخر وفرد وجود للفرد السابق الذي هو محكي هذا الخبر فقهرا يصير الوجوب المتعلق به فردا [آخر] من الوجوب في طول الفرد السابق ففي ذلك المورد اريد من الوجوب سنخ من الوجوب الموجود في ضمن أفراد طولية حسب دخل الفرد الآخر في موضوع هذا الفرد ولا ضير فيه أبدا، وبمثله ينحل الاشكال المعروف في باب الخبر بالواسطة.

وحيث اتضح ذلك نقول في المقام أيضا: انه لو اريد من انشاء الأمر سنخ من الوجوب الموجود في ضمن الفردين الطوليين - بملاحظة دخل قيام أحد الفردين بموضوعه، وهو الذات، في تحقق موضوع الآخر، وهو دعوة الأمر به - فلا ضير حينئذ في أخذ مثل هذا القيد في حيز شخص هذا الخطاب المشتمل على شخص هذا الانشاء. وإنما المحذور كل المحذور في المقام وفي باب الاخبار مع الواسطة في صورة ارادة شخص الوجوب أو الارادة من مثل هذا الانشاء أو السنخ المتحقق في ضمن أفراد [عرضية]. وهذا [هو] الذي أوقعهم في المقام وفي الأخبار مع الواسطة في حيص وبيص، وإلا فلو دققوا النظر وفتحوا البصر في المقامين وجعلوهما من وادي انشاء سنخ الحكم الموجود في ضمن أفراد طولية [لم] يرد عليهم محذور ولا محتاجين في المقام - بناء على شرعية قيد دعوة الأمر - إلى تعدد خطاب وتكرار انشاء وجوب، بل للمولى ان ينشئ وجوبا متعلقا بالذات عن دعوة مفاد أمره من الوجوب.

وحينئذ فلنا ان ندعي بانه بعد امكان أخذ مثل هذا القيد في حيز شخص انشائه المتعلق بالذات أيضا ففي صورة لم يؤخذ مثل هذا القيد في حيز الخطاب فلا بأس بالأخذ بإطلاق الخطاب لنفي مثل هذا القيد القابل لأخذه في حيزه بناء على التحقيق - كما سيجيء ان شاء الله تعالى - من ان مثل هذا القيد أيضا محتاج إلى البيان عند دخله في [الغرض]، والا فلو بنينا على ان المرجع في مثلها لزوم الاحتياط بحيث يكفي لتنجز التكليف بها مجرد تمامية البيان في الأمر بنفس الذات أمكن دعوى عدم اقتضاء اطلاق الخطاب أيضا نفي قيديته، لإمكان اتكال الشارع في بيانه إلى حكم العقل بلزوم تحصيله عند تنجز الأمر بنفس الذات كما هو ظاهر.

لا يقال إن شخص هذا الخطاب لا محيص من دعوته حتى في التوصليات نظرا إلى أن شأن الأمر المولوي بأي شيء هو الدعوة غاية الأمر [لا تكون] هذه الدعوة [دخيلة] - في التوصليات - في المصلحة بخلاف العبادات وما هذا شأنه كيف له اطلاق يشمل حال عدم الدعوة؟! بل مهما تحقق يكون توأما مع الدعوة وان لم يؤخذ مثله في حيزه.

لأنه يقال: إن هذه الدعوة التي تكون من لوازم وجوده ربما [ليست مأخوذة] في المصلحة بل هي من الامور العقلية التي شأن الشارع ليس [بيانها]، وما هو شأنه بيانه هو الدعوة الدخيلة في المصلحة، والعقل لا يحكم بأن ما هو من لوازمه عقلا دخيل في مصلحة أمره مطلقا.

وحينئذ يحتاج بيان هذه الجهة إلى أخذه في حيز خطابه، فمع عدم أخذه يحكم - بإطلاق الخطاب وتجريده عنه - بعدم دخله في المصلحة. فكان ما نحن فيه من هذه الجهة نظير القدرة الملازمة عقلا لفعلية الخطاب، ومع ذلك عند تجريد الخطاب عنه يستكشف - بإطلاق الخطاب - عدم دخله في المصلحة. ولئن شئت فعبر في المقامين بإطلاق المادة أيضا فتدبر.

ومن هذا البيان ظهر أيضا فساد زعم عدم جواز التمسك بإطلاق الخطاب لدفع قيدية دعوة الأمر ببيان: ان هذا ليس تقييدا في دليل تلك العبادة حتى يدفع بإطلاقها. إذ ذلك الكلام أيضا من فروع زعم أن المنشأ بهذا الانشاء شخص وجوب قائم بموضوعه. والا فعلى ما ذكرنا [يصلح] الخطاب للتقيد به فيكون مثل هذا القيد أيضا قابلا لتقيد الخطاب الشخصي [به] فيدفع حينئذ بإطلاقه. نعم لو بدل هذا البيان ببيان آخر من امكان اتكال الشارع في بيانه إلى حكم العقل بلزوم تحصيله عند تنجز الأمر والخطاب بنفس الذات - كما هو شأن من ذهب إلى الاحتياط في مثل هذه القيود عند الشك، لكان أمتن. إذ قصور الخطاب في اطلاقه حينئذ من جهة احتمال اتكاله في بيان القيد إلى حكم العقل بلزوم تحصيله، وهذه الجهة غير [مرتبطة] بعالم عدم قابليته لتقييد به كي يرد عليه ما ذكرنا فتدبر. هذا كله حال الاطلاقات لفظيا.

وفي المقام تقريب آخر للإطلاق بدعوى ان هذا القيد لما كان مغفولا عنه عند العرف في محاوراتهم فعند تجريد الخطاب منه لا ينسبق إلى أذهانهم إلا كفاية مجرد الاتيان بالمأمور به في الوفاء بالغرض. ففي هذه الصورة لو لم ينبه المولى إلى القيد لنقض غرضه فالعقل يحكم حينئذ بعدم دخله فيه. ومثل هذا التقريب يسمى في كلماتهم بالإطلاق المقامي، وهو أوسع من التقريب الأول الراجع إلى الاطلاق اللفظي من جهة، وأضيق منه من جهة.

وجه أوسعيته انه يجري حتى على مسلك جعل مفاد الخطاب حكما شخصيا غير قابل للإطلاق كعدم قابليته للتقييد حيث إنهما متضايفان.

ووجه [أضيقيته] بملاحظة اختصاصه بامور [تكون] غالبا مغفولا [عنها] عند العرف، والا فلا مجال لإتمام هذا التقريب، وحينئذ ربما أمكن الجمع بين كلمات شيخنا العلامة في رسائله حيث منع من الأخذ بالإطلاقات في مقام واتكل بها في مقام آخر [بحمل] الاول على اللفظي والآخر على المقامي على ما وجه به بعض الأعاظم من المحشين، ولكن الذي يمكن أن يقال على التقريب الثاني هو ان ذلك صحيح في كل اطلاق وارد قبل معهودية العبادات في شرعنا، وإلا فبعد معهوديتها لا يبقى للغفلة عن مثل هذا القيد مجال، ومجرد عدم معهوديته في محاوراتهم لا يقتضي الغفلة عنها في الشرعيات بعد فرض معهودية عباداته.

وحينئذ لا يكون في البين إلا الاطلاقات اللفظية بالتقريب المتقدم على المبنى المقدم كما لا يخفى. هذا كله بمقتضى الدليل الاجتهادي، وأما بحسب الأصول العملية، فنقول: إنه قد يتوهم بان المرجع في المقام هو الاحتياط - وان بنينا على البراءة في الأقل والأكثر - نظرا إلى اشتغال الذمة في المقام بالصلاة ولا يحصل الفراغ إلا بإتيانه بداعي القربة بخلافه في الأقل والأكثر إذ الاشتغال بالأكثر غير ثابت ولو لانحلال العلم الاجمالي.

أقول: إن ثبوت الاشتغال بالصلاة في المقام بعد احتمال دخل القيد في الغرض مساوق ثبوت الاشتغال بالأقل في باب الأقل والأكثر، كما أن دخل وجود القيد في الجزم بالفراغ عن الأمر بذات الصلاة في المقام كدخل وجود الجزء المشكوك في الفراغ عن التكليف بالأقل في ذاك الباب، وعليه فهذا التقريب من الاحتياط في المقام مستتبع لجريانه في الأقل والأكثر أيضا فلا مجال للتفكيك بينهما من هذه الجهة.

ولئن شئت توضيح الشبهة بأزيد من ذلك فاسمع: بأن لازم دخل كل قيد في الغرض كون دخل بقية الأجزاء فيه دخلا ضمنيا لا مستقلا، ولازم الضمنية قيامه بكل واحد حين انضمام القيد به، لا مطلقا، ويستتبع ذلك قيام التكليف به على نحوه ، لفرض تبعية التكليف من حيث الاطلاق وعدمه لكيفية قيام المصلحة به.

وحينئذ فان أمكن أخذ القيد في متعلق التكليف فقهرا ينبسط التكليف على الذوات المفروضة مع تقييدها بالقيد ، واما إن لم يمكن أخذه فيه فقهرا المصلحة القائمة به بنحو الضمنية يوجب توجه الأمر إلى الذوات محضا ولكن بلا اطلاق فيه ولا تقييد.

ونتيجته وجوب الذوات في حال الانضمام إلى القيد لا مطلقا ولا مقيدا وهو المعبر [عنه] في ألسنتنا بالقضية الحينية لا مطلقة ولا مشروطة.

وحينئذ لا يقتضي استقلال الأمر بنفس الذات في أمثال المقام مصلحة مستقلة قائمة بها وراء الغرض القائم بالمقيد كما توهم، إذ هو كذلك لو كان الأمر بها بنحو الاطلاق بوجه شامل لصورة فقد القيد أيضا. وإلا فلو كان الأمر المتعلق بذوات الأفعال لا اطلاق له بالنحو المزبور، بل كانت الذوات متعلقة للأمر في حال انضمامها إلى القيد بلا اطلاق ولا تقييد، يكفي في مصلحة الأمر صرف المصلحة القائمة بالذوات المقيدة ضمنا، غاية الأمر إباء الأمر عن التقييد أوجب قصره بنفس الذات بنحو قيام المصلحة الضمنية به من الذات المهملة التوأم مع القيد لا مطلقا ولا مقيدا، كما لا يخفى.

ومن هذا البيان ظهر فساد خيال آخر وهو أن المصلحة المستقلة القائمة بالذات لا يحصل بمجرد اتيان الذات بلا قربى نظرا إلى عدم كون الاتيان بالذات علة لحصوله بل كان مقتضيا. وتوضيح فساده بأن عدم حصول المصلحة القائمة بنفس الذات ان كان من جهة ملازمته في الوجود مع المصلحة القائمة بالقربية فمرجعه إلى عدم قيامها بالذات مطلقا بل به توأما مع القربة، وحينئذ تكفيه المصلحة الواحدة القائمة بالمجموع بلا احتياج إلى مصلحة اخرى لان مصلحة كل مقيد ومركب قائمة بنفس الذوات التوأمة في الوجود مع غيره كما شرحنا.

وبالجملة نقول: إن في العبادات والتوصليات ليس إلا مصلحة واحدة غاية الأمر في التوصليات قائمة بالذوات المطلقة ولذا [تكون] الارادة القائمة به [مطلقة] وان لم يكن الخطاب به كذلك لعدم انفكاكه عن الدعوة كما هو شأن كل أمر مولوي، بخلافه في التعبديات حيث إن المصلحة قائمة بالمقيد المستتبع لتقطيع الارادة بقطعة قائمة بنفس الذات وقطعة اخرى قائمة بالقيد، والعمدة في التقطيع المزبور عدم امكان أخذ القيد في حيز الخطاب كما هو ظاهر.

وبعد هذا البيان يتضح تقرير حكم العقل بالاشتغال بأن خروج العهدة عن بقاء الأمر في المقام وكذا من بقاء الأمر بالأقل في باب الأقل والأكثر ليس إلا بإسقاط أمرهما المنوط بإتيان ما في عهدة المأمور من حصة من الذات المهملة التوأم مع المشكوك على فرض دخله، وبديهي أنه لا يحصل الجزم به إلا بإتيان المشكوك، ومن هنا ظهر بطلان توهم ثالث من أوضحية التزامه في المقام عن التزامه في الأقل والأكثر إذ ذلك كله مبني على زعمه السابق من تعدد المصلحة والجعل في المقام دون الأقل والأكثر ، إذ بعد وضوح فساد المبنى يتضح فساد هذا الخيال أيضا، ويظهر بأن مناط الاشتغال أو البراءة في البابين واحد بلا فرق بينهما أبدا كما بينا. وحينئذ العمدة في المقام دفع الشبهة التوأمية في البابين فنقول وعليه التكلان:

أولا ان المراد من الحصة المستعملة في لساننا: تارة يراد منه مرتبة من الطبيعي المغايرة للمرتبة الاخرى المسماة بحصة اخرى كالحصص الموجودة في ضمن الأفراد للكلي المتواطيء، وتارة يراد مرتبة من الطبيعي معينة بنفس ذاته ولكن مقيدة بالوجدان لغيره قبال هذه المرتبة [بعينها] المطلقة الشاملة للأعم من الواجد للقيد أو فاقده. ومن المعلوم ان هذه الحصة [لا تكاد تتغير عما عليها] من الحدود الذاتية لها ولا مما به قوام كونها مرتبة من الطبيعي، وانما [تتغير] بفقدان القيد ووجد انه جهاتها العرضية الخارجة عن ذاتها بخلاف الحصص الموجودة في ضمن أفراد المتواطيء فانها بفقد قيدها ينقلب مرتبة الطبيعي بمرتبة اخرى بلا انخفاظ المرتبة المخصوصة في الواجد بالنسبة إلى الفاقد.

وحيث اتضح ذلك نقول: مرجع اشتغال الذمة بالحصة التوأمة مع القيد مجيء ذات الحصة بخصوصياته وحدوده في الذمة، ومرجع اطلاق هذا الذات مجيء نفسه في الذمة بلا اقترانه بشيء آخر. وحينئذ فمع الشك في دخل القيد في الغرض يشك بان ما في العهدة هو نفس الذات فقط أو هو مع القيد، والعقل لا يحكم بالفراغ إلا عما اشتغلت الذمة به يقينا ، والمفروض عدم التعين بمجئ العهدة أزيد من هذا الذات،. واحتمال [توأميته] مع غيره لا يوجب تغييرا في ذاته وحدود نفسه وإنما يوجب احتمال مجيء شيء آخر في عهدته أزيد من هذا الذات، وهذا الاحتمال لا يكون مورد حكم العقل بالفراغ لعدم تمامية بيانه. كما ان احتمال عدم سقوط التكليف المستند باحتمال دخل القيد في الواجب أيضا لا يكون مما يعتني به العقل ، إذ مرجع عدم سقوط التكليف حينئذ إلى ملازمة التكليف بالذات مع التكليف بالقيد الذي ما تم له البيان.

ومعلوم أن هذه الملازمة أيضا ليس مورد اهتمام العقل بتحصيله مع الشك به ولازمه عدم اهتمام العقل بالشك بالسقوط المستند إلى الشك بالملازمة المزبورة، وإنما همه تحصيل الجزم بالسقوط عما جاء في عهدة المكلف، وهو ليس أزيد من الذات محضا.

ولئن شئت قلت: بأن مجرد سقوط التكليف واقعا ليس هم العقل وإنما همه سقوط ما أوجب التكليف مجيئه في عهدة المكلف وفي المفروض في المقام وباب الأقل والأكثر ما أوجب التكليف إلا مجيء الذات، والمفروض أنه يأتي بحدوده الذاتية كما لا يخفى. فالزائد من القيود المشكوكة ليس إلا [تحت] البراءة الأصلية والله العالم.

_________________

(1) في الأصل هكذا: من وظائف العبودية ومن أبزاره.

(2) وسائل الشيعة 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث 8، مع اختلاف يسير.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.