أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-5-2020
1150
التاريخ: 24-5-2020
977
التاريخ: 23-8-2016
636
التاريخ: 23-8-2016
875
|
الكلام فيه أيضاً يكون في وجه تقديم الاستصحاب على سائر الاُصول، وإلاّ لا إشكال في أصل تقدّمه عليها بل ادّعى اتّفاق الأصحاب عليه.
وقد قرّر في محلّه أنّ الاُصول العمليّة على قسمين: عقلية وشرعية، أمّا العقليّة فهي ثلاثة: البراءة العقليّة (قبح العقاب بلا بيان) والاحتياط العقلي (في أطراف العلم الإجمالي وشبهه) والتخيير العقلي (في دوران الأمر بين الواجب والحرام) نعم قد مرّ في مبحث البراءة أنّ المختار أنّها عقلائيّة لا عقليّة، لأنّ العقل كما يحكم في موارد العلم الإجمالي بالاحتياط يحكم في موارد الشبهات البدوية أيضاً به، لما مرّ هناك من أنّ مقاصد المولى لا تكون أقلّ أهمية من مقاصد العبد نفسه، فكما أنّ العقل يحكم بالاحتياط فيما إذا احتمل العبد كون هذا الطعام مثلا مضرّاً ضرراً معتدّاً به حفظاً لمقاصده الشخصية، كذلك يحكم به فيما إذا احتمل كون هذا الشيء مبغوضاً لمولاه.
وعلى هذا فالأصول العقليّة إثنان لا ثلاثة، نعم إنّ بناء العقلاء قام على البراءة، فلا يؤاخذون العبيد والمأمورين بشيء قبل البيان الواصل إليهم، وقد أمضاه الشارع أيضاً.
ولكن لا يخفى أنّه ليس فارقاً فيما هو المهمّ في المقام، لأنّ موضوع البراءة سواء كانت عقليّة أو عقلانيّة هو عدم البيان، وبعد قيام الاستصحاب يتبدّل عدم البيان إلى البيان.
وكيف كان، لا إشكال في أنّ الاستصحاب وارد على الاُصول العقليّة لأنّ موضوعها يرتفع به، أمّا البراءة العقليّة (أو العقلائيّة) فلما عرفت آنفاً، وأمّا الاحتياط العقلي فلأنّ موضعه عدم الأمن من العقوبة فيما إذا علم إجمالا بخمريّة أحد الإنائين مثلا، ومع استصحاب خليّة أحدهما ينحلّ العلم الإجمالي من أصله ويحصل الأمن من العقاب، وهكذا في التخيير العقلي، فإنّ موضوعه عدم الترجيح بين المحذورين والاستصحاب مرجّح.
هذا في الاُصول العقليّة.
وأمّا الاُصول الشرعيّة المنحصرة في البراءة الشرعيّة فقد وقع النزاع في وجه تقديم الاستصحاب عليها فذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى أنّ الاستصحاب وارد(1) على البراءة الشرعيّة بمعنى كونه رافعاً لموضوعها (أي الشكّ) بعد قيامه.
وقال في توضيح مرامه ما حاصله: إن قلت: هذا لو أخذ بدليل الاستصحاب في مورد الاُصول، ولكن لماذا لا يؤخذ بدليلها ويلزم الأخذ بدليله؟
قلنا: لأنّه لو أخذنا بدليل الاستصحاب لم يلزم منه شيء سوى ارتفاع موضوع سائر الاُصول بسببه، وهذا ليس بمحذور، وأمّا لو أخذنا بدليل البراءة الشرعيّة دون الاستصحاب فيلزم منه إمّا التخصيص بلا مخصّص إن رفعنا اليد عن الاستصحاب الجاري في مورد البراءة الشرعيّة بدون مخصّص لدليله، وإمّا التخصيص على وجه دائر إن رفعنا اليد عنه لأجل كون البراءة الشرعيّة مخصّصة لدليله، فإنّ مخصّصيتها له ممّا يتوقّف على اعتبارها معه، واعتبارها معه ممّا يتوقّف على مخصّصيتها له، وهو دور محال (انتهى كلامه مع شرح وتوضيح).
ولكن يرد عليه: أنّ موضوع البراءة الشرعيّة إنّما هو الشكّ في الحكم الواقعي، وهو باق على حاله واقعاً حتّى بعد قيام الاستصحاب، لأنّ المفروض أنّ الاستصحاب ليس أمارة حتّى يحصل به الاطمئنان بالواقع، أضف إلى ذلك أنّه يجري عين هذا البيان (لزوم التخصيص بلا مخصّص أو التخصيص على وجه دائر) في الطرف المقابل أيضاً، لأنّهما في عرض واحد ولسانهما واحد.
وذهب المحقّق النائيني(رحمه الله) إلى أنّه حاكم على البراءة الشرعيّة من باب «أنّها من الاُصول غير التنزيلية (غير المحرزة) فيكون الاستصحاب المتكفّل للتنزيل رافعاً لموضوعها بثبوت التعبّد به شرعاً فيكون حاكماً عليها»(2).
ولكن يرد عليه أيضاً:
أوّلا: ما مرّ سابقاً من أنّه لا فرق من هذه الجهة بين الأمارة والأصل، فإنّ الشكّ مأخوذ في موضوع كليهما، حيث إنّ الوارد في دليل حجّية الأمارة أيضاً {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (أي عند الشكّ وعدم العلم)، نعم كأنّه قال: «اسألوا حتّى تعلموا» فالغاية هو العلم بالواقع والوصول إلى الواقع، بخلاف الأصل فإنّه لمجرّد رفع الحيرة في مقام العمل، وبه لا يصل المكلّف إلى الواقع.
ثانياً: أنّ مفاد دليل الاستصحاب إنّما هو النهي عن نقض اليقين السابق حيث يقول: لا تنقض اليقين (أي اليقين السابق) بالشكّ، ولا يقول: لا تنقض لأنّك على يقين من الحكم المتيقّن سابقاً حتّى يكون مفاده تنزيل المؤدّى منزلة الواقع.
ثمّ إنّ للشيخ الأعظم(رحمه الله) بياناً آخر للحكومة أي حكومة الاستصحاب على البراءة الشرعيّة بالنسبة إلى بعض أدلّتها مثل قوله(عليه السلام): «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» ونحوه، وإليك نصّ كلامه: «إنّ دليل الاستصحاب بمنزلة معمّم للنهي السابق بالنسبة إلى الزمان اللاحق فقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشكّ» يدلّ على أنّ النهي الوارد لابدّ من إبقائه وفرض عمومه، فمجموع الرواية المذكورة (كلّ شيء مطلق ...) ودليل الاستصحاب بمنزلة أن يقول: «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه النهي، وكلّ نهي ورد في شيء فلابدّ من تعميمه لجميع أزمنة احتماله» فتكون الرخصة في الشيء وإطلاقه (المستفاد من قوله كلّ شيء مطلق) مغيّى بورود النهي المحكوم عليه بالدوام وعموم الأزمان (بدليل الاستصحاب) فكان مفاد الاستصحاب نفي ما يقتضيه الأصل الآخر (البراءة الشرعيّة) في مورد الشكّ لولا النهي، وهذا معنى المحكومة» (انتهى).
وحاصل كلامه أنّ دليل البراءة الشرعيّة يقول: كلّ شيء مطلق ومرخّص حتّى يرد فيه نهي، ودليل الاستصحاب يقول: إنّ النهي السابق نهي في الزمان اللاحق أيضاً، فيرتفع به موضوع أصالة البراءة وهو عدم وجود النهي فيكون حاكماً عليه.
ولكن يرد عليه: أنّ المستفاد من دليل الاستصحاب إنّما هو عدم ترتّب آثار الشكّ في مقام العمل ولزوم ترتّب آثار اليقين السابق كذلك، لا أنّ النهي السابق موجود في الآن اللاحق، لأنّه ليس حاكياً عن بقاء النهي بحسب الواقع، وإلاّ يلزم كونه من الأمارات.
وبعبارة اُخرى: إمّا أن تلتزموا بكون الاستصحاب من الأمارات كما التزم به بعض الأعلام(3) ونتيجته أنّه مقدّم على البراءة الشرعيّة بالورود أو الحكومة، أو تجعلونه من الاُصول العمليّة فلا وجه حينئذ لكونه مقدّماً من جهة الورود أو الحكومة، بل إنّه يعارض البراءة الشرعيّة ولابدّ حينئذ من ملاحظة الترجيح بين أدلّتهما. فنقول: أنّ وجه التقديم كون أدلّة الاستصحاب بعد ملاحظة التأكيدات الكثيرة والعبارات المترادفة المتعدّدة فيها أقوى وأظهر دلالة من أدلّة البراءة كما لا يخفى، فالمرجّح إنّما هو الأظهريّة والأقوائيّة في الدلالة، ويؤيّده ما قد يقال: من أنّ ألسنة بعض رواياته كقوله(عليه السلام): «فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ» في الصحيحة الثانية لزرارة وقوله(عليه السلام): «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» في رواية محمّد بن مسلم آب عن التخصيص لا سيّما بعد كون التعليل بأمر إرتكازي عقلي.
____________
1. إنّه لم يعبّر بالورود في كلامه، ولكنّه حيث قال: «فالنسبة بينها وبينه هى بعينها النسبة بين الأمارة وبينه» وكان مبناه هناك الورود فليكن هنا أيضاً كذلك.
2. أجود التقريرات: ج2، ص494، طبعة مؤسسة مطبوعات ديني.
3. في مصباح الاُصول.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|