أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-8-2016
2693
التاريخ: 15-8-2016
2908
التاريخ: 11-8-2016
2758
التاريخ: 19/11/2022
1184
|
ناضل الكميت نضالا مريرا في الدفاع عن عقيدته والذب عن مبادئه وقد انطلق كالمارد الجبار في احلك الظروف وأشدها قسوة ومحنة على أهل البيت (عليهم السلام) فأخذ يذيع مآثرهم ويشيد بفضائلهم ويدعو الناس الى الالتفاف حولهم ويدفعهم الى التمرد على الحكم الاموي والتخلص من جوره وطغيانه.
لقد قام الكميت بدور ايجابي وفعال في زعزعة الكيان الأموي واسقاط هيبته وكان من ابرز ما قام به في هذا المجال ما يلي :
1 ـ مدحه لأهل البيت : مدح الكميت أهل البيت (عليهم السلام) مدحا عاطرا وعدد مناقبهم ومآثرهم في هاشمياته التي هي من أثمن اللوحات الفنية في الأدب العربي وقد لعبت دورا خطيرا في بلورة الوعي العربي والاسلامي وأوجدت شعورا عاما يتسم بالكراهية والبغض لبني أمية.
لقد مدح الكميت أهل البيت (عليهم السلام) في وقت كانت الحكومة الأموية قد منعت منعا رسميا الاشادة بهم وفرضت سبهم على المنابر والمآذن وأوعزت الى معاهد التعليم القيام بتغذية النشىء ببغضهم كما عهدت الى لجان الوضاعين بافتعال الحديث للحط من شأنهم وفرضت أشد العقوبات واكثرها صرامة على من يذكرهم بخير فقيام الكميت بمدحهم يعتبر من ابرز الوان النضال الديني لأنه قد قاوم رغبات السلطة وناهض سياستها.
2 ـ هجاء الأمويين : قام الكميت بدور خطير في مناهضة الأمويين فقد هجا ملوكهم وعدد مثالبهم وابرزهم في شعره كأقذر مخلوق وقد حفظ الناس ما قاله فيهم فزهدوا في بني أمية ونقموا على حكمهم وسلطانهم ويعتبر هجاؤه لهم من الاسباب التي اطاحت بملكهم ومن قوله فيهم :
فقل لبني أمية حيث حلوا وإن خفت المهند والقطيعا
اجاع الله من اشبعتموه واشبع من بجوركم اجيعا
وقد قرأ هذه الابيات على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فدعا له بالمغفرة والرضوان وهجا هشام بن عبد الملك بقوله :
يصيب على الأعواد يوم ركوبها لما قال فيها مخطئ حين ينزل
كلام النبيين الهداة كلامنا وافعال أهل الجاهلية نفعل
ولم يقتصر الكميت في هجائه على الأمويين وإنما هجا انصارهم واعوانهم فقد هجا الحكيم بن عياش الكلبي وقد اعتز الكميت في هجائه ببني أمية وكان ذلك موضع دهشة واستغراب.
وقد خف إليه ولده المستهل فانكر عليه اعتزازه ببني أمية قائلا : يا ابة انك هجوت الكلبي وغمزت عليه ففخرت ببني أمية وأنت تشهد عليهم بالكفر فهلا فخرت بعلي وبني هاشم الذين تتولاهم؟!! فأجابه الكميت جواب العالم الخبير قائلا : يا بني أنت تعلم انقطاع الكلبي الى بني أمية وهم اعداء علي فلو ذكرت عليا لترك ذكري واقبل على هجائه فاكون قد عرضت عليا له ولا أجد له ناصرا من بني أمية ففخرت عليه ببني أمية وقلت : ان نقضها علىّ قتلوه وإن امسك قتلته غما وغلبته ..
وكان كما قال الكميت : فقد امسك الكلبي من جوابه إلا انه ترك الحزن والأسى يحزان في نفسه.
3 ـ اثارة العصبية بين اليمنية والنزارية : قام الكميت بدور خطير في تحطيم الدولة الأموية فقد القى الخصومة واجج نار الفتنة بين اليمانية والنزارية وهما من أهم القبائل العربية عددا ونفوذا وكانتا من اعظم المؤيدين للحكم الأموي وقد هجا الكميت في شعره اليمانيين وعدد مثالبهم فلم يترك حيا من احيائهم إلا هجاه بأقسى ألوان الهجاء اما سبب هجائه لهم فقد روى المسعودي أنه قصد عبد الله ابن الحسن فطلب منه أن ينشىء شعرا يثير به حفائظ النفوس بين العرب لعل فتنة تحدث فتكون سببا الى زوال دولة الامويين فاستجاب الكميت وانطلق ينظم قصائد من الشعر الحماسي الرائع يمجد فيها اليمانيين ويذكر مناقبهم ويهجو القحطانيين ومما قاله :
لنا قمر السماء وكل نجم تشير إليه أيدي المهتدينا
وجدت الله اذ سمى نزارا واسكنهم بمكة قاطنينا
لنا جعل المكارم خالصات وللناس القفا ولنا الجبينا
وأثر شعره فى القلوب تأثيرا عظيما حتى ثارت الحفائظ بين القبيلتين وشاع البغض والعداء بينهما وانتصر للقحطانيين شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي واكبر الظن أنه كان بينهما اتفاق سري على ذلك فانهما معا من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) وكل منهما قد ضرب الرقم القياسي في الولاء لهم ومما قاله دعبل في الرد على الكميت :
افيقي من ملامك يا ظعينا كفاك اللوم مر الأربعينا
ألم تحزنك أحداث الليالي يشيبن الذوائب والقرونا
أحي الغر من سروات قومي لقد حييت عنا يا مدينا
فان يك آل اسرائيل منكم وكنتم بالاعاجم فاخرينا
الى أن يقول :
وما طلب الكميت طلاب وتر ولكنا لنصرتنا هجينا
لقد علمت نزار أن قومي الى نصر النبوة فاخرينا
واخذت كل قبيلة تفتخر على الأخرى وتدلي بمناقبها ومكارمها وتنتقص القبيلة الأخرى حتى اتسع العداء بينهما وشمل سكان القرى والبادية ، وقد تخربت القلوب وانفصمت عرى الوحدة بين الأسرتين ونتج من ذلك ان مروان بن محمد الجعدي آخر ملوك بني أمية قد تعصب للنزاريين مما سبب انحراف اليمانيين عن بني أمية وانضمامهم الى الدعوة العباسية وبذلك فقد انهارت الدولة الأموية ويقول أحمد امين : وقتلت بعده الدولة الأموية بقليل .
شاع هجاء الكميت لليمانيين وصار أحدوثة الأندية والمجالس وبلغ ذلك حاكم الكوفة خالد بن عبد الله القسري وكان يتعصب لليمانيين فقال : والله لأقتلنه ويقول المؤرخون : إنه اشترى جارية في نهاية الحسن فرواها هاشميات الكميت فلما حفظتها أهداها الى هشام ابن عبد الملك وكتب إليه باخبار الكميت وهجائه لبني أمية وانفذ إليه قصيدته التي يقول فيها :
فيا رب هل إلا بك النصر يبتغى ويا رب هل إلا عليك المعول
وهي قصيدة طويلة يرثى فيها الشهيد العظيم زيد بن علي وابنه الشهيد الخالد الحسين بن زيد كما يمدح فيها بني هاشم ولما وصلت الى هشام وقرئت عليه غضب كأشد ما يكون الغضب فكتب الى خالد يأمره بقطع لسان الكميت ويده وأوعز خالد القسري الى الشرطة باعتقاله فألقت عليه القبض وأودع في السجن لينفذ فيه حكم الأعدام وبقي في السجن حفنة من الأيام وهو يعاني قسوة السجن ومرارته .
وبقي الكميت في السجن وجلا مضطربا قد طافت به الهموم والآلام فلا يدري متى ينفذ فيه حكم الاعدام؟ ويقول المؤرخون : انه كان له صديق حميم هو ابان بن الوليد العجلي وكان عاملا على واسط من قبل الأمويين فلما انتهت إليه انباء الكميت ارسل بالفور إليه غلامه وأمره بالاسراع إليه وحمله رسالة عرفه فيها بأن مصيره القتل وإنه لاخلاص له منه إلا بأن يحتال فيرسل بأسرع وقت خلف زوجته الى السجن ويلبس لباسها وتكون مكانه في السجن من حيث لا يعلم السجانون ويكون بذلك نجاته وفعل الكميت ذلك وهرب من السجن بعد أن لبس لباس زوجته وقد ظن السجان أنه زوجة الكميت فلم يفتشه وقد نجا بذلك من القتل المحتم وأنشا الكميت بعد هروبه هذين البيتين :
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل على الرغم من تلك النوائح والمشل
علي ثياب الغانيات وتحتها عزيمة امر أشبهت سلة النصل
بقى الكميت متواريا عن انظار السلطة متخفيا وهي تمعن بالتفتيش عنه إلا انها لم تهتد الى معرفته وقد عزم الكميت على مدح هشام وبني أمية لينجو مما هو فيه وقبل أن ينظم فيهم أرسل وردا ابن أخيه زيد الى الامام أبي جعفر (عليه السلام) يستأذنه فيما عزم عليه فاذن له الامام (عليه السلام) وقفل ورد الى عمه فعرفه برضاء الامام واتجه الكميت مع جماعة من بني أسد الى دمشق فلما انتهوا إليها قصدوا جماعة من أشراف قريش واحاطوهم علما بالأمر فاجابوهم وخفوا جميعا سوى الكميت الى عنبسة بن سعيد بن العاص فقالوا له : يا أبا خالد هذه مكرمة أتاك الله بها هذا الكميت بن زيد لسان مضر وكان أمير المؤمنين قد كتب في قتله فنجا حتى تخلص إليك وإلينا ..
واستجاب لهم عنبسة واتجه الى مسلمة بن هشام فقال له : يا أبا شاكر مكرمة أتيتك بها تبلغ بها الثريا فقال له مسلمة : ما هي؟ فأخبره بالأمر فأجاره مسلمة وشاع ذلك فلما بلغ هشام دعا بولده مسلمة فصاح به : اتجير على أمير المؤمنين بغير أمره؟
- كلا ولكني انتظرت سكون غضبه ..
- احضرنيه الساعة فانه لا جوار لك ..
وقام مسلمة من مجلس أبيه ومضى نحو الكميت فقال له : يا أبا المستهل ان أمير المؤمنين قد أمرني باحضارك فقال الكميت : أتسلمني يا أبا شاكر؟ ..
- كلا ..
ومهد مسلمة الطريق الى نجاته فقال له : ان معاوية بن هشام مات قريبا وقد جزع عليه جزعا شديدا فاذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره وأنا أبعث لك بنيه يكونون معك في الرواق فاذا دعا بك تقدمت عليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولون : هذا استجار بقبر ابينا ونحن أحق باجارته ثم تركه وانصرف واتجه الكميت في الليل نحو قبر معاوية فضرب رواقه عليه ولما اصبح هشام تطلع من قصره إلى قبر ولده فقال : ما هذا؟ فقالوا : له لعله مستجير بالقبر فقال : يجار كل من كان إلا الكميت فانه لا جوار له فقيل له : إنه الكميت فأمر باحضاره فاحضر وقد ربط صبيان معاوية ثيابهم بثيابه فلما نظر إليهم هشام اغرق في البكاء وقد رفعت الصبية أصواتهم قائلين له : يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات ومات حظه من الدنيا فاجعله هبة له ولنا ولا تفضحنا فيمن استجار به فبكى هشام ثم اقبل على الكميت فقال له : أنت القائل؟
وإلا فقولوا : غيرها تتعرفوا نواصيها تروى بنا وهي شزب
واعتذر الكميت فصاح به هشام فقال له : ايه يا كميت الست القائل :؟
فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها ويا حاطبا في غير حبلك تحطب
ـ بل أنا القائل :
الى آل بيت أبي مالك مناخ هو الأرحب الأسهل
نمت بارحامنا الداخلا ت من حيث لا ينكر المدخل
بمرة والنضر والمالكين رهط هم الأنبل الأنبل
وجدنا قريشا قريش البطاح على ما بنى الأول الأول
ـ وأنت القائل :
لا كعبد المليك أو كوليد او سليمان بعد أو كهشام
من يمت لا يمت فقيدا ومن يح ي فلا ذو إلّ ولا ذو ذمام
ويلك يا كميت!! جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة ..
قال الكميت : بل أنا القائل :
فالآن صرت الى أمية والأمور الى المصائر
والآن صرت بها الى المصيب كمهتد بالأمس حائر
قال هشام : الست القائل :؟
فقل لبني أمية حيث حلوا وإن خفت المهند والقطيعا
أجاع الله من اشبعتموه واشبع من بجوركم اجيعا
بمرضي السياسة هاشمي يكون حيا لأمته ربيعا
قال الكميت : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تمحو عني قولي الكاذب؟
ـ بماذا؟
ـ بقولي الصادق :
اورثته الحصان أم هشام حسبا ثاقبا ووجها نضيرا
وتعاطى به ابن عائشة البد ر فامسى له رقيبا نظيرا
وكساه ابو الخلايف مروا ن سناء المكارم المأثورا
لم تجهم له البطاح ولكن وجدتها له معانا ودورا
وغزت هذه الأبيات قلب هشام وازالت عنه الغيظ فاستوى جالسا واخذ يبدي إعجابه بهذه الأبيات قائلا : هكذا فليكن الشعر!! قد رضيت عنك يا كميت.
وشكره الكميت وطلب منه أن لا يجعل لخالد بن عبد الله القسري امارة عليه فأجابه الى ذلك وأمر له باربعين الف درهم وثلاثين ثوبا هشامية وكتب الى خالد ان يخلي سبيل امرأته ويعطيها عشرين الف درهم ، وثلاثين ثوبا ففعل خالد .
لقد استطاع الكميت أن يتغلب على الأحداث بلباقته وقوة بيانه وبليغ منطقه وتماسك شخصيته فلم ينهار أمام الطاغية هشام ولم يراوده الخوف والفزع وإنما كان كالجبل في صلابة إرادته وقوة عزيمته ولم يكتف بما ظفر به من السلامة والنجاة وإنما طلب من هشام أن لا يجعل لحاكم الكوفة عليه سلطانا وسبيلا ويتركه وحريته فيما يقول ويعمل.
ووفد الكميت على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فرحب به وقرب مجلسه وتبسم في وجهه وعاتبه عتابا رقيقا قال له : يا كميت أنت القائل ؟
فالآن صرت الى أمي ة والأمور الى المصائر
واعتذر الكميت وأجاب جواب العالم الفقيه قائلا : نعم قد قلت : ذلك ولا والله ما أردت به الا الدنيا لقد عرفت فضلكم ..
ومنحه الامام الباقر الرضا والقبول وقال له : اما ان قلت : ذلك تقية ان التقية لتحل وهذا إنما يتم بناء على عدم استئذانه من الامام في مدح الأمويين لقد كان الكميت صادق المودة والولاء لأهل البيت (عليه السلام) وقد امتحن في سبيلهم كأعظم ما يكون الامتحان فتعرض لسخط الامويين ونقمتهم وقضى شطرا من حياته في السجن يلاحقه الفزع والرعب ، وهو لم يبتغ بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة.
وشاء الله لهذا العملاق العظيم الذي كافح عن حقوق أهل البيت (عليهم السلام) أن يرزق الشهادة على يد شرار بريته فقد دخل على والي العراق يوسف ابن عمر بعد عزل خالد القسري الذي نكل به فانشده قصيدة يثني فيها عليه ويعرّض بالقسرى جاء فيها :
خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن كمن حصنه فيه الرتاج المضبب
وما خالد يستطعم الماء فاغرا بعد لك والداعي الى الموت ينعب
وكان الحرس الذين على رأس يوسف متعصبين لخالد فوضعوا سيوفهم في بطنه وقالوا : أتنشد الأمير ولم تستأمره فأخذه نزيف الدم وأخرج وهو يجود بنفسه وأغمي عليه ثم أفاق وهو يقول : اللهم آل محمد اللهم آل محمد ..
ثم فاضت نفسه الزكية وارتفعت الى بارئها كما ترتفع أرواح الأولياء تحفها ملائكة الله ورضوانه.
... وهب الكميت مشاعره وعواطفه لآل النبي (صلى الله عليه واله) وصاغ فكره وعقيدته فيهم على أساس العلم والمنطق فلم يندفع في ولائه لهم وراء العاطفة وانما استند في ذلك الى الأدلة الحاسمة من القرآن والسنة حسب ما أشار إليها في هاشمياته التي هي من أثمن الثروات الفكرية والعلمية في الأدب العربي والاسلامي .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|