أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2018
752
التاريخ: 22-3-2018
1619
التاريخ: 21-3-2018
3006
التاريخ: 26-3-2018
765
|
والمنقول عنهم في اثبات الواجب على هذا المنهج طريقان :
الطريقة الأولى : هي أنّ كلّ متحرّك سواء كانت الحركة في ذاته ـ كالممكنات المنتقلة من الليسية الذاتية إلى الايسية ـ أو في صفاته ـ كالمتحرّكات في الوضع والأين وغيرهما من المقولات ـ يحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة أمر حادث لا بدّ له من علّة ، واستناد كلّ حركة إلى محرّك من البديهيات العقلية. ولا يجوز أن يكون المحرّك عين المتحرّك ، لأنّ الشيء لا يجوز أن يكون محرّكا لنفسه ، فلا بدّ أن يكون المحرّك غير المتحرّك ويمتنع ذهاب سلسلة المحرّكات إلى غير النهاية ، فلا بدّ أن تنتهى سلسلة المحرّكات إلى محرّك أوّل غير متغيّر في صفاته ـ كالمتحرّك في المقولات المشهورة ـ ، ولا في ذاته ـ كالممكن المنتقل من الليس إلى الايس ـ. والمحرّك الأوّل الثابت الذات والصفات هو الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه (1) ـ.
وأورد عليه : بانّ الانتقال من الليس إلى الأيس إن اريد به الانتقال من العدم الممتدّ الوجود ـ أي: الحدوث الزماني ـ ؛ ففيه : انّ ذلك الانتقال ليس بحركة حقيقية ، إذ لا يوجد فيه التدريج المعتبر في الحركة ولو اصطلحوا على تسمية ذلك الانتقال مع كونه دفعيا حركة فلا مشاحة فيه، إلاّ انّه بعينه هو الحدوث الّذي اعتبره المتكلّمون في طريقتهم ، فيرجع منهجهم إلى منهجهم. وإن اريد به الانتقال من العدم الصرف إلى الوجود ـ أي : الحدوث الدهري ـ أو الانتقال ممّا ثبت للممكن بالذات ـ أعني : عدم اقتضاء الوجود ـ إلى ما ثبت له بالغير ـ أعني : اقتضاء الوجود ـ ؛ ففيه : مع عدم كونه حركة أنّه يرجع إلى الايجاد الّذي اعتبره الالهيون ، فيرجع طريقة النظر في الحركة إلى طريقة النظر في الوجود ، ومجرّد تغيّر الألفاظ لا توجب الاختلاف في المعنى. وحينئذ فتتميم الحركة المأخوذة في الدليل بحيث يتناول الانتقال من الليس إلى الايس غير صحيح ، بل اللازم أن يحذف ذلك ويخصّ الحركة بالحركة في المقولات المشهورة ؛
وحينئذ يرد عليه : انّا لا نسلّم انّ ما ينتهى إليه سلسلة الحركات ـ أعني : المحرّك الأوّل ـ يجب أن يكون واجب الوجود بالذات وثابت الذات والصفات ، لجواز أن يكون ذلك المحرّك قديما آخر غير الواجب لم تكن له الحركة في المقولات الّتي سمّوها الحركة في الصفات ، وإن كان من العدم إلى الوجود لجسم أو جسماني ساكن غير متحرّك في مقولة أو نفس أو عقل ، فالحركة الأولى الكلّية أنّى تنتهي إليها سلسلة الحركات ـ أعني : الحركة الفلكية ـ يجوز أن يكون محرّكها هو طبيعة الفلك أو النفس الفلكية أو واحد من العقول. والحقّ أنّه لا يجوز أن تكون الحركة الفلكية طبيعية ولا مستندة إلى جسم ـ لما يأتي في طريقتهم الثانية ـ ، ولكن استنادها إلى النفوس الفلكية غير بعيد على ما ذهب إليه الحكماء ، إلاّ انّه يمكن أن يثبت المطلوب به ولكنّه يرجع إلى طريقتهم الثانية ، ويعرف حقيقتها.
الطريقة الثانية للطبيعيّين : إنّ حركات الأفلاك ليست مستندة إلى اجسامها ـ لامتناع كون الشيء محرّكا لنفسه ، نظرا إلى استحالة كون الشيء فاعلا وقابلا من جهة واحدة ، كما بيّن في موضعه ـ ، ولا يجوز أن تكون تلك الحركات قسرية ـ إذ الحركة القسرية إنّما تكون إلى الجهة المخالفة لمقتضى الطبع فحيث لا طبع ، كما يأتي ، فلا قسر ـ.
وأيضا : الحركة القسرية لا تكون إلاّ إلى الوسط أو من الوسط ويمتنع أن يتحرّك الفلك إلى الوسط أو إلى الفوق لكونه محدّدا لهما بمركزه ومحيطه ، بل حركته إنّما هو على الوسط ـ كما هو المشاهد المحسوس ـ ، فلا يكون قسرية. وأيضا : الحركة الأولى يجب أن تكون مبدعة لا بحركة ولا في زمان متقدّمة على جميع الحركات والحوادث بالطبع ، ولأجل ذلك لا يجوز أن تكون قديمة بالزمان ، لأنّ القديم بالزمان وان لم يسبقه العدم بالزمان إلاّ أنّ الزمان يتقدّمه بالذات ، فله عدم ذاتي في مرتبة وجود الزمان ، لأنّ معنى انتساب القديم الزماني إلى الزمان وكونه فيه إنّما هو تأخّره عنه بالطبع ودخوله في سلسلة علله ، والمعلول من حيث هو معلول لا يخلوا من تأخّر عن علّته وعدم ما بالنسبة إليها وأمّا المبدع لا بحركة ولا فى زمان ـ وهو الحادث بالذات ـ وإن تقدّمه العدم بالذات ـ لتوقّف كون الشيء موجودا بغيره على عدم كونه موجودا بذاته ـ إلاّ أنّ العدم المتقدّم انّما هو العدم بالنسبة إلى علّته الفاعلية فقط ، لا بالنسبة إلى الزمان أيضا ـ كما في القديم بالزمان ـ ؛ وبذلك يظهر الفرق بين الحادث بالذات والقديم بالزمان.
وإذا كانت الحركة الاولى مبدعة لا بحركة ولا في زمان متقدّمة على جميع الحادثات نقول : لا يجوز أن تكون قسرية ، لأنّ القسر خروج عن الحالة الطبيعية ، فالمتحرّك بالحركة الأولى يجب أن يكون حينئذ مبدعا قبل القسر على حالة ولو قبلية بالذات ، ثمّ أخرج عنها بالقسر ؛ فهذا القسر مع الحالة السابقة عليه شيء قد حدث بعد ما لم يكن قبل هذه الحركة ثمّ حدثت هذه الحركة ، مع أنها تجب أن تكون متقدّمة على كلّ حادث ، هذا خلف! على أنّها لو كانت قسرية لكانت لها قاسر ، ولا يجوز أن يكون القاسر جسما أو جسمانيا لو كانت تلك الحركة غير متناهية ـ كما هو رأي الفلاسفة ـ ، لعدم جواز صدور الافعال الغير المتناهية عن الجسمانيات ـ كما يأتي ـ. ولو كانت متناهية لكان الافلاك المتحرّكة بتلك الحركات حادثة ، فثبت المطلوب. ولا يجوز أيضا أن تكون الحركة الفلكية طبيعية محضة خالية عن الإرادة لوجوب وقوف الطبيعة عند مطلوبها ، فانّ الميل الطبيعي هرب من موضع منافر للطبيعة منافرة جسمانية يطلب موضع ملائم لها ملائمة كذلك ، فاذا وصل إلى ذلك الموضع الملائم استقرّ فيه واستحال أن يفارقه ويعود إلى ما فارقه من الموضع المنافر ، مع أنّه ما من وضع من أوضاع الفلك إلاّ أنّه يعود إليه.
وأيضا لا تكون الطبيعة محرّكة إلاّ بعد أن تكون مقسورة على حال غير طبيعي ثمّ زال عنها القسر وخلّيت ونفسها. ولا ريب انّ زوال هذا القسم شيء قد حدث بعد وجود الحادث عند الحالة الطبيعية قبل هذه الحركة ، وقد عرفت وجود
تقدّمها على جميع الحادثات ؛ هذا خلف. وإذا لم يجز أن تكون الحركات الفلكية صادرة عن قسر ولا عن طبع فبقى أن تكون اراديّة نفسانية صادرة عن أنفس شاعرة. ويجب أن تكون هذه الأنفس مجرّدة كلّية عاقلة ذوات ارادات وادراكات عقلانية ، لاستحالة صدور مثل هذه الحركات المنتظمة المنقسمة المستمرّة في مثل هذه المدّة عن ، الأنفس الجزئية المنطبعة الحيوانية ، لكون هممها قاصرة مقصورة على الأشياء الجزئية المنقطعة ، فانّ القوى الجسمانية (2) متناهية الأفاعيل والانفعالات. ثمّ لا بدّ لهذه الحركة المستمرّة الصادرة عن تلك الأنفس العاقلة من غاية ، ولا يجوز أن تكون غاياتها حيوانية من شهوة أو غضب أو غير ذلك من الاغراض الحيوانية الضعيفة ، لما علم من أنّ تلك الأنفس مجرّدة عاقلة كلّية لا حيوانية جزئية ، فلا يجوز أن تكون غاياتها غايات جزئية حيوانية ـ لتعاليها عنها ـ. وأيضا لا نموّ ولا تغذّي للسماء ، فلا كون لها من شيء حتّى تكون لها شهوة إلى ما يحصل به التكوّن ، ولا فساد لها ليكون لها غضب يدفع به ما يزاحمه ويفسده ، ولا يجوز أن تكون غايتها أيضا ما يرجع إلى العوالم السفلية والاجرام العنصرية ولا يصحّ صدور هذه الحركات العظيمة لأجلها ، لحقارة العوالم السفلية وخسّتها بالنسبة إلى النفوس الفلكية واجرامها والعالي لا يلتفت إلى السافل والاشرف لا يعنى بالأخسّ ، لأنّ الغاية لكلّ شيء يجب أن يكون ممّا لم يوجد فيه ويستكمل لأجلها وما يرجع إلى الاخسّ لا يحصل به استكمال للأشرف. نعم! يترشّح من حركاتها الخيرات والبركات الدائمة على السوافل ، فيضاد بالعرض لا قصدا وبالذات. وكذا لا يجوز أن تكون غاية الحركة لكلّ فلك ما يرجع إلى فلك آخر جسمه أو نفسه ؛ أمّا إذا كان الفلك الآخر أسفل فظاهر ـ لما مرّ ـ ، وأمّا إذا كان أعلى فلعدم فلك فوق المحدّد ، فلا بدّ أن لا تكون حركتها لأجل جسم فلكىّ أو نفس فلكية ، فيجب أن تكون غايتها أمرا غير جسماني ، بل شيئا نورانيا قدسيا مجرّدا عن المادّة بالكلّية يكون ذا قوة غير متناهية ، لا بأن يطلب ذاته ، بل بأن يطلب التشبه به باكتساب أوصافه الكمالية الغير المتناهية. فانّ المطلوب إن كان نيل امر جزئي معيّن فان كان ممّا ينال لوقفت إذا نالت ، وإن كان ممّا لا ينال لقنطت! ، فيجب أن يكون المطلوب امرا كلّيا متجدّدا دائم الحصول ؛ وليس هو إلاّ التشبّه بذات قدسية كمالاته غير متناهية بالفعل ، فيتصوّر تلك الكمالات الفعلية الغير المتناهية ويشتاق إليها فيحصل منه الفعلية الموجبة للتشبّه. وليس فعليته إلاّ بالحركات المتشابهة الّتي يخرج اوضاعها من القوّة إلى الفعل ، فانّ الفلك إن ثبت على وضع واحد بقيت ساير الاوضاع ابدا بالقوّة وليس له ما بالقوّة إلاّ الاوضاع ، لانّ جميع الأشياء غيرها فيه بالفعل. ولا يمكنه أن يجمعها ويخرجها إلى الفعل دفعة فيخرجها على التعاقب الدائم والتدريج المستمرّ بانفعال جرمه عن تصوّرات شوقية وهيئات نورية ، كما أنّ تفكّر الانسان في شيء من المعقولات تتبعه حركات وهيئات من بدنه ، فانّ الضرورة قاضية بأنّ هيئات كلّ من النفس والبدن يتعدى إلى صاحبه.
ثمّ هذا الأمر المجرّد القدسي الّذي يطلب التشبه به إن كان واجبا ثبت المطلوب ، وإلاّ فينتهي إليه ـ دفعا للدور والتسلسل ـ.
__________________
(1) راجع : المباحث المشرقية ، ج 2 ص 451 ؛ شوارق الالهام ، ج 2 ص 495 ؛ الحكمة المتعالية ، ج 6 ص 42.
(2) الاصل : على الاشياء القاصرة المنقطعة فان تقوى الجسمانية.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا يقدّم خدماته لنحو 1500 نازح لبناني يوميًا
|
|
|