أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
1358
التاريخ: 7-7-2020
2247
التاريخ: 29-8-2016
1472
التاريخ: 8-8-2016
3142
|
قد نقل غير واحد : الاتّفاق على جواز تخصيص العامّ بالمفهوم الموافق ، واختلافهم في جوازه بالمخالف(1) ، ولكن هذا الإجماع لا يسمن ولا يغني من جوع ، فلابدّ في تمحيص الحقّ من إفراد كلّ واحد للبحث .
وعليه يقع الكلام في مقامين :
المقام الأوّل : في تفسير الموافق من المفهوم وجواز التخصيص به:
فنقول : اختلفت فيه تعبيراتهم ، ونحن نذكر الأقوال والاحتمالات في تفسيره :
الأوّل : ما يعبّر عنه في لسان المتأخّرين بإلغاء الخصوصية وإسراء الحكم لفاقدها ، كقول زرارة : «أصاب ثوبي دم رعاف» وقول القائل : «رجل شكّ بين الثلاث والأربع» ، ولا شكّ في أنّ العرف يرى أنّ الموضوع هو الدم وذات الشكّ ، ولا دخالة لثوب زرارة أو دم الرعاف ، كما لا دخل للرجولية .
الثاني : المعنى الكنائي الذي سيق الكلام لأجله ، مع عدم ثبوت الحكم للمنطوق . ولا يبعد أن يكون منه قوله سبحانه : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فهو كناية عن حرمة الإيذاء من الشتم والضرب ، ولكن الاُفّ غير محرّم .
الثالث : هذه الصورة ، ولكن المنطوق أيضاً محكوم بحكم المفهوم ، كالآية المتقدّمة على وجه ، وهو فرض كون الاُفّ محرّماً أيضاً ، فأتى المتكلّم بأخفّ المصاديق مثلاً للانتقال إلى سائرها .
الرابع : الأولوية القطعية ، وهو الحكم الذي لم يذكر لكن يقطع به العقل بالمناط القطعي من الحكم المذكور ، كما في قول القائل «أكرم خدّام العلماء» ; حيث يقطع منه لوجوب إكرام العلماء ، وهذا ما يعبّر عنه بالمناسبات العقلية بين الموضوع ومحموله ، وهو رائج بين المتأخّرين .
الخامس : الحكم المستفاد من العلّة الواردة في الأخبار ، كقوله مثلاً : «لا تشرب الخمر ; لأ نّه مسكر» .
وكيف كان : فالجامع بين هذه الاحتمالات هو أنّ المفهوم الموافق حكم غير مذكور في محلّ النطق موافق للحكم في محلّ النطق على فرضه في الإيجاب والسلب .
ولا يبعـد أن يكون محـطّ البحث فيما إذا كان المفهوم أخصّ مطلق من العامّ ، لا ما إذا كان بينهما عموم من وجه ; وإن كان الظاهر من بعضهم خلافه(2) ، وسيأتي بيانه .
وأمّا جواز التخصيص به وعدمه : فالظاهر جواز التخصيص به فيما عدا الرابع إذا كان المفهوم أخصّ منه مطلقاً ; ضرورة أنّ المفهوم ـ على فرض وجوده ـ حجّة بلا إشكال ، فيكون حكمه حكم المنطوق ، ويكون حاله حال اللفظ الملقى إلى المخاطب ; فيخصّص به العامّ بلا ريب . وأمّا إذا كان بينهما عموم من وجه فيعامل معهما حكمهما المقرّر في محلّه(3) . ولعلّ وضوح الحكم في تقديم الخاصّ على العامّ أوجب كون المسألة اتّفاقية .
وأمّا الرابع ـ أعني ما يكون فيه مدار الاستفادة هو المناط العقلي القطعي ـ فربّما يقال بتقدّم المفهوم على العامّ ; وإن كانت النسبة بينهما عموماً من وجه إذا كان المعارض نفس المفهوم ; مستدلاًّ بأنّ الأمر دائر بين رفع اليد عن العامّ وبين رفعها عن المفهوم فقط ، أو عنه وعن المنطوق .
لا سبيل إلى الثالث ; لأنّ المنطوق لا يزاحم العامّ على الفرض .
والثاني ممتنع عقلاً ; لأنّه كيف يمكن رفع اليد عن الأقوى مع إثباتها على الأضعف ؟ على أنّ رفع اليد عن المفهوم مع عدم التصرّف في المنطوق غير ممكن ; للزوم التفكيك بين اللازم والملزوم ; فإنّ المفروض لزومه له بنحو الأولوية .
فحينئذ يتعيّن التصرّف في العموم وتخصيصه بغير مورد المفهوم(4) ، انتهى .
قلت : لو فرضنا أنّ مقتضى القواعد هو لزوم تقديم العامّ على المفهوم ـ لكونه في عمومه أظهر من اشتمال القضية على المفهوم ـ لا يكون رفع اليد عن المفهوم والمنطوق بلا وجه :
أمّا رفعها عن المفهوم : فواضح ; لأنّ المفروض أ نّه مقتضى القواعد ; لكونه في عمومه أظهر; وإن كانت النسبة عموماً من وجه .
وأمّا رفع اليد عن حكم المنطوق بمقداره : فلأنّ تقديم العامّ على المفهوم يكشف عن عدم تعلّق الحكم بالمنطوق ، وإلاّ يلزم التفكيك بين المتلازمين .
وبالجملة : أنّ رفع اليد عن المفهوم لأجل أقوائية العامّ يوجب رفع اليد عن المنطوق بمقداره ; لحديث الملازمة والمعارضة ; وإن كانت بين العامّ والمفهوم أوّلاً وبالذات ، لكن تتحقّق أيضاً بينه وبين المنطوق ثانياً وبالعرض . ورفع المحذور العقلي كما يمكن بتخصيص العامّ كذلك يمكن برفع اليد عن حكم المنطوق والمفهوم .
وقد يقال ـ كما عن بعض الأعاظم ، قدّس الله روحه ـ بعدم إمكان كون المفهوم معارضاً للعامّ دون منطوقه ; لأنّا فرضنا أنّ المفهوم موافق للمنطوق ، وأنّه سيق لأجل الدلالة عليه ، ومعه كيف يعقل أن يكون المنطوق غير معارض للعامّ مع كون المفهوم معارضاً له ؟
فالتعارض في المفهوم الموافق يقع ابتداءً بين المنطوق والعامّ ، ويتبعه وقوعه بين المفهوم والعامّ ، ولابدّ أوّلاً من علاج التعارض بين المنطوق والعامّ ، ويلزمه العلاج بين المفهوم والعامّ(5) ، انتهى .
وفيه : أنّه ربّما يكون بين المنطوق والعامّ تباين كلّي ، كما إذا قال «أكرم الجهّال من خدّام النحويين» ثمّ قال «لا تكرم الصرفيين» ; فإنّ المستفاد من الأوّل وجوب إكرام النحويين بالأولوية . فبين المنطوق وهو وجوب إكرام الجهّال من
خدّام النحويين والعامّ أعني حرمة إكرام علماء الصرف تباين ، مع أنّ بين مفهومه الموافق وهو وجوب إكرام علماء النحو ، ونفس العامّ أعني لا تكرم الصرفيين عموم من وجه ; إذ الصرفي والنحوي قد يجتمعان وقد يفترقان .
فحينئذ : إذا كان المنطوق أجنبياً عن العامّ ، وكان التعارض ابتداءً بين العامّ والمفهوم ، مع كون النسبة بينهما عموماً من وجه فلا محيص من علاج التعارض ابتداءً بين العامّ والمفهوم ; لكون التعارض بينهما بالذات ويتبعه العلاج بين المنطوق والعامّ ; لكون التعارض بينهما بالعرض ; إذ ليس بين وجوب إكرام الجهّال من خدّام النحويين وبين حرمة إكرام الصرفيين تعارض بدواً .
فلو فرضنا تقدّم العامّ على المفهوم حسب القواعد يتبعه رفع اليد عن المنطوق لا محالة بمقداره. هذا حال هذا القسم من المنطوق والمفهوم .
وأمّا إذا كان التعارض بين المنطوق والعامّ : فإن كان الأوّل أخصّ منه مطلقاً فيقدّم على العامّ بلا إشكال ، ويتبعه تقدّم المفهوم على العامّ مطلقاً ; سواء كانت نسبة المفهوم إلى العامّ عموماً مطلقاً أو عموماً من وجه .
والسرّ هنا : هو أ نّه يمتنع رفع اليد عن المفهوم بعد القطع بالتلازم ، فإذا فرضنا تقدّم المنطوق على العامّ لكونه خاصّاً يستتبعه تقدّم المفهوم عليه أيضاً ـ بأيّ نسبة اشتملت ـ للقطع بالتلازم بين التقدّمين .
والحاصل : أنّ عدم تقديم المفهوم على العامّ ـ حتّى فيما إذا كانت النسبة بينهما عموماً مـن وجـه إذا كان المنطوق أخصّ مطلقاً مـن العام ـ يستلزم إمّا تفكيك أحد المتلازمين عـن الآخـر إذا خصّصنا بالمنطوق دون المفهوم ، أو عـدم تقديم الخاصّ على العامّ إذا لم نخصّصه بالمنطوق أيضاً ، مع أ نّـه بالنسبـة إلى العامّ خاصّ مطلق .
وأظنّ : أ نّك إذا تدبّرت تعرف الفرق الواضح بين هذا القسم وما تقدّم بحثه آنفاً ; لأنّ البحث هاهنا فيما إذا كان التعارض بين العامّ والمنطوق وكان الثاني أخصّ من الأوّل مطلقاً ، فلا محالة يقدّم عليه ; ولأجل تقدّمه يقدّم المفهوم لحديث التلازم ، وإلاّ يلزم أحد المحذورين المتقدّمين .
ولكن البحث هناك فيما إذا كان التعارض بين العامّ والمفهوم ابتداءً وكانت النسبة بينهما عموماً من وجه لا عموماً مطلقاً ; إذ هو خارج عن محطّ البحث .
فقد ذكرنا : أ نّه لا وجه لتقديم المفهوم والحال هذه ، كما لا وجه للاستدلال على هذا التقديم بمجرّد كون المنطوق موافقاً له ، بل ما لم يرفع التعارض بين العامّ والمفهوم لا يتعيّن حكم المنطوق ، فلو ألزَمَنا القواعد تقديم العامّ على المفهوم لقدّمناه على المفهوم والمنطوق بلا تصوّر مانع ، فتذكّر .
هذا ، ولو كان التعارض بين المنطوق والعامّ أيضاً ولكن كان النسبة عموماً من وجه فيعامل معاملتهما ، ومع تقديمه على العامّ بحسب القواعد أو القرائن يقدّم المفهوم أيضاً ; لما عرفت .
المقام الثاني : في المفهوم المخالف:
وظاهر عناوين القوم يعطي أنّ النزاع فيما إذا فرغنا عـن اشتمال القضيـة على المفهوم ، كما فرغنا عن وجود عامّ مخالف للمفهوم ; سواء كان النسبة بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً ، نحو قولك : «أكرم العلماء وإذا جاءك زيد لا تهن فسّاق العلماء» ، أم كانت عموماً مـن وجـه ، كما إذا قلت : «أكرم العلماء وإن جاءك زيـد أكرم الفسّاق» .
ولعلّ جعل محطّ البحث أعمّ لأجل أنّ أقوائية عموم العامّ يضعّف ظهور اشتمال القضية على المفهوم ; وإن كان المفهوم أخصّ مطلق منه ، وهذا لا ينافي اشتمال القضية في حدّ ذاتها على المفهوم .
هذا ، ويظهر من شيخنا العلاّمة ـ أعلى الله مقامه(6) ـ وبعض الأساطين(7) : أنّ البحث هنا عند القدماء هو البحث في باب الإطلاق والتقييد ، والكلام في تخصيص العامّ بالمفهوم مرجعه عندهم إلى تقييد العامّ بالقيد المذكور في القضية ومثّل له بقوله ـ عليه السلام ـ : «خلق الله الماء طهوراً لا ينجّسه شيء»(8) ، وقوله ـ عليه السلام ـ : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(9) ; فإنّ الأوّل يدلّ على أنّ تمام الموضوع للاعتصام هو نفس الماء ، ودلّ الثاني على أنّ للكرّية دخلاً فيه ، فآل التعارض إلى تعارض الإطلاق والتقييد ، فيحكّم القيد على الإطلاق .
ولكن هذا خروج عن عنوان البحث الدائر بلا دليل . وكيف كان فالنسبة بينهما : تارة تكون عموماً مطلقاً ، واُخرى عموماً من وجه .
وعلى أيّ تقدير : ربّما يقعان في كلام واحد متّصل ، وقد يقعان في كلامين منفصلين .
وخلاصة الكلام : هو أنّ النزاع في تقديم العامّ على المفهوم المخالف أو في عكسه إنّما هو إذا لم يعارض العامّ نفس المنطوق .
فحينئذ : إذا كانت دلالة القضية على المفهوم بالدلالة الوضعية مثل دلالة العامّ على عمومه فلا محالة يقع التعارض بين الظاهرين ، فمع عدم الترجيح يرجع إلى أخبار العلاج أو يحكم بالإجمال ، من غير فرق بين كونهما في كلام واحد أو كلامين ; وإن كانت استفادة المفهوم بمقدّمات الحكمة .
فلو كانا في كلام واحد فلا محيص عن رفع اليد عن المفهوم ; لانثلام مقدّماتها ; فإنّ جريانها معلّق على عدم البيان ، والظهور المنجّز ـ أعني العامّ ـ بيان له أو صالح للبيانية ، ولو كانا منفصلين يصيران متعارضين ، ولا ترجيح للظهور الوضعي على الإطلاقي في مثله .
هذا كلّه على المختار من كون دلالة اللفظ على العموم وضعية ، ولا يستفاد العموم من الإطلاق.
ولو قلنا بإمكان استفادة العموم من الإطلاق أيضاً ، وفرضنا دلالة القضية على المفهوم أيضاً بالإطلاق فهل المرجع هو التساقط والإجمال ـ وقعا في كلام واحد أو لا ـ أو يقدّم المفهوم على العامّ ؟ وجهان :
والمختار عند بعضهم هو الثاني ; حيث قال : إنّ المناط في المفهوم أن يكون التقيـيد راجعاً إلى الحكم لا إلى الموضوع ، والقضية الشرطية بعد ما كانت ظاهرة في كون القيد راجعاً إلى الحكم ـ لأنّها وضعت لتقييد جملة بجملـة ـ تكون حاكمـة على مقدّمات الحكمة ، فظهورها في المفهوم يوجب عدم جريان مقدّمات الحكمة في العامّ .
وكون القضية ذات مفهوم وإن كانت بمقدّمات الحكمة إلاّ أنّ المقدّمات الجارية في طرف المفهوم تكون بمنزلة القرينة على أنّ المراد من العامّ هو الخاصّ ، والعامّ لا يصلح أن يكون قرينة على أنّ الشرطية سيقت لفرض وجود الموضوع ،فلابدّ فيه من دليل يدلّ عليه . هذا إذا كان المفهوم أخصّ مطلقاً(10) ، انتهى .
وفيه : أنّ إناطة الجزاء بالشرط وإن كانت مستفادة من الوضع إلاّ أ نّها ليست مناط استفادة المفهوم ، بل مناطه هو استفادة العلّة المنحصرة من الشرط ، والمفروض أنّ الدالّ عليها هو الإطلاق ، كما أنّ الدالّ عليه أيضاً هو الإطلاق ، فلا وجه لجعل أحدهما بياناً للآخر .
وجريان مقدّمات الحكمة في العامّ لا يوجب رجوع القيد إلى الموضوع ; حتّى يقال : إنّه لا يصلح لذلك ، بل يمنع عن جريانها في الشرطية لإثبات الانحصار .
وما ذكره : من أنّ جريانها في المفهوم بمنزلة القرينة للعامّ لا يرجع إلى محصّل .
____________
1 ـ كفاية الاُصول : 272 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 227 ، نهاية الأفكار 1 : 546
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 556 ـ 557 .
3 ـ التعادل والترجيح ، الإمام الخميني ـ قدس سره ـ : 100 ـ 105 .
4 ـ اُنظر أجود التقريرات 1 : 500 .
5 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 556 .
6 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 227 ـ 228 .
7 ـ لمحات الاُصول : 360 ، نهاية الاُصول : 359 ـ 360 .
8 ـ المعتبر 1 : 41 ، وسائل الشيعة 1 : 135 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 9 .
9 ـ راجـع وسائل الشيعـة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب المـاء المطلق ، البـاب 9 ، الحديث 1 و 2 و 6 .
10 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 560 ـ 561 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|