المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

أصالة البراءة
24-8-2016
المقومات الاقتصادية للدولة - أنواع الثروات الطبيعية
2023-03-03
طرق تحضير الأحماض ثنائية الكربوكسيل
2023-08-26
السيلاج Silage
2024-03-17
معنى التقدير والهداية
19-11-2015
James P Pierpont
6-4-2017


مقتضى مقدّمات الحكمة هو الشياع  
  
2243   08:03 صباحاً   التاريخ: 7-7-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏1، ص: 346
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016 7424
التاريخ: 31-8-2016 1748
التاريخ: 31-8-2016 1877
التاريخ: 29-8-2016 1859

...إنّ حمل المطلق على الإطلاق على ما اختاره المشهور يتوقّف على إحراز مقدّمات الحكمة التي من جملتها كون المتكلّم بصدد البيان، وعلى ما اخترناه يتوقّف على إحراز أنّ الإرادة أصليّة، وأنّ الطبيعة موضوع بنفسها لا معرّف للموضوع، ولازم ذلك عقلا هو الإطلاق، فنقول: على كلا المبنيين مقتضى المقدّمات في موضوع الإرادة هو الشياع والسريان إمّا على نحو العموم الاستيعابي وإمّا على نحو العموم البدلي حسب اختلاف المقامات كما سنشير إليه إليه إن شاء اللّه تعالى.

 

وأمّا في نفس الإرادة فمقتضاها هو الحمل على خصوص الوجوب النفسي التعييني العيني وإن قلنا بأنّ الهيئة موضوعة لمطلق الطلب الجامع بين الندب والوجوب بأقسامه.

وبيان ذلك أمّا على طريقة المشهور فهو أنّ وجه الحمل على الشياع في الموضوعات هو أنّ إرادة عدم الشياع يحتاج إلى مئونة زائدة، ففي «أعتق رقبة» يحصل الشياع بمجرّد ملاحظة مدلول هذا الكلام، وامّا عدم الشياع فيحتاج إلى ملاحظة زائدة وقيد زائد، مثل ملاحظة أعتق رقبة مؤمنة، فعند الإطلاق لا بدّ من حمل المطلق على ما كان أقلّ مئونة.

وربّما يشكل كون الوجوب أقلّ مئونة بأنّه إذا قلنا بأنّ الهيئة موضوعة لمطلق الطلب وهو الجامع بين الوجوب والندب فكلّ من الوجوب والندب مشتمل على‏ مئونة زائدة، كذلك كلّ من أقسام الوجوب يحتاج إلى مئونة زائدة، فليس بعضها أقلّ مئونة عن الآخر، بل الأقلّ مئونة من الجميع هو الجامع أعني مطلق الطلب، فلا بدّ عند الإطلاق من حمل الهيئة على الجامع المشترك بين الندب والوجوب بتمام أقسامه.

فتعيينه حينئذ في خصوص الوجوب دون الندب، وفي خصوص التعييني دون التخييري، وفي خصوص العيني دون الكفائي، وفي خصوص النفسي دون الغيري مضافا إلى عدم كونه حملا لها على ما هو أقلّ مئونة يكون ترجيحا بلا مرجّح؛ فإنّ الندب مساو مع الوجوب في المئونة، فالحمل على خصوص أحدهما ترجيح بلا مرجّح، وكذا الكلام في التعييني مع التخييري والعيني مع الكفائي والنفسي مع الغيري.

قلت: الحقّ أنّ الوجوب أقلّ مئونة من الندب وبيانه أنّ الإرادة متى تعلّق مخالبها بالمراد فليس فيها تطرّق العدم وليس فيها عدم الفعل، بل هي صرف الاقتضاء للوجود والفعل مثل الإرادة الفاعليّة، فهل يمكن تخلّفها عن المراد؟ وهل يتطرّق فيها العدم، بل متى تحقّقت الإرادة من الفاعل صدر منه الفعل عقيبها، وليس ذلك إلّا لأنّ الإرادة معناها اقتضاء الفعل وليس فيها تطرّق العدم، فالإرادة الآمرية التشريعيّة أيضا حالها حال الإرادة الفاعل.

والفرق بينهما أنّ العبد في الإرادة الآمريّة صار بمنزلة العضلات للمولى، فالمولى من حيث ما يكون من قبله من تشريع الإرادة يقتضي بإرادته من العضلات التنزيليّة إيجاد الفعل من دون تطرّق العدم كالفاعل حيث يقتضي بإرادته إيجاد الفعل بواسطة العضلات، وإذن فالمشرّع متى أبقى الإرادة التي شرّعها بحالها كانت إيجابا قهرا.

وأمّا الندب فهو محتاج إلى أنّ يشرّع مشرّع الإرادة بعد تشريعها الترخيص والإذن في الترك؛ فإنّ الإرادة قد حدثت بنفس تشريعه، فإذا ضمّ نفس المشرّع الإذن في الترك إليها صارت ندبا، فعلم أنّ الندب مئونته أكثر من مئونة الوجوب، ولهذا يحمل إطلاق اللفظ الموضوع للطلب وهو الهيئة على الوجوب.

وأمّا لو علم بوجود نفس الطلب بدليل لبّي وشكّ في كونه من أيّ القسمين فأصالة البراءة مقتضية للحمل على الندب، وسرّ ذلك أنّه فيما إذا كان في البين دليل لفظي فالمقدّمات مقتضية لحمل اللفظ على ما هو أخفّ مئونة بالنسبة إلى ملاحظة المتكلّم، وقد ذكر أنّه الوجوب، وأمّا مع عدم الدليل اللفظي وكون الدليل لبّيا فلا مجرى للمقدّمات المذكورة حتى يعيّن الأخفّ مئونة للمتكلم؛ لعدم وجود اللفظ، وجريانها فرع وجوده، وأصل البراءة وقبح العقاب بلا بيان إنّما يقتضيان الحمل على ما يكون أخفّ مئونة بالنسبة إلى المخاطب، ولا إشكال أنّ مئونة الندب بالنسبة إليه أخفّ من الوجوب، هذا.

وأمّا الفرق بين الوجوب والندب بالشدّة والضعف فليس في محلّه؛ فإنّ العزم على الفعل إن كان موجودا في النفس فهو الإرادة، وإن لم يكن فلا إرادة، فهو أمر بسيط لا يعقل فيه الشدّة والضعف، نعم هما يعقلان في مبادي الإرادة من الحبّ والبغض والمصلحة والمفسدة، فقد يكون الحبّ شديدا والمصلحة شديدة، وقد يكونان ضعيفين، ومن المعلوم أنّ الإرادة غير هذه الأشياء.

وأمّا أخفيّة الوجوب النفسي عن الغيري مئونة فلأنّ المقدّمي محتاج إلى ملاحظة الغير، ولا يحتاج النفسي إلّا إلى ملاحظة نفسه، مثلا لو كان نصب السلّم مطلوبا بنفسه لما احتاج المريد إلى ملاحظة أمر سوى نفسه، وأمّا لو كان مطلوبا مقدّمة للكون على السطح فيحتاج إلى إيجابه بملاحظة الكون على السطح.

وأمّا أخفيّة التعييني عن التخييري فلأنّه لا يحتاج إلّا إلى إنشاء الإرادة في موضوع، وأمّا التخييري فيحتاج إلى ذلك وإلى ضمّ العدل، فأكرم زيدا يكون تعيينيّا بدون الحاجة إلى ضمّ «أو كذا» وتخييريّته محتاجة إلى ضمّه، فيصير أكرم زيدا أو عمرا.

وأمّا العيني فوجه أخفيّته عن الكفائي أنّه محتاج إلى توجيه الإرادة نحو جميع المكلّفين، غاية الأمر فعل البعض مسقط عن الباقين وليس متوجّها إلى الجامع، بل إلى جميع الأشخاص، وأمّا العيني فيكون متوجّها إلى شخص واحد.

والحاصل أنّ الإطلاق بأحد النحوين يقتضي في متعلّق الإرادة الحمل على الجامع بين الأفراد والشياع، وفي نفس الإرادة يقتضي الحمل على النوع الخاص أعني الوجوب النفسي التعييني العيني حتّى عند من يقول بكون لفظها حقيقة في الجامع، ووجهه أنّ المقدّمات يقتضي الحمل على الأقلّ مئونة بالنسبة إلى المتكلّم وإن كان أشدّ على المخاطب، وهو في المتعلّق هو الجامع وفي الإرادة هو الوجوب؛ فإنّ الإرادة معناها العزم على الفعل، والعزم لا ينفكّ عن نفس الفعل، يعني لا مانع من تأثيره في الفعل وتحريك العضلات نحوه من قبل نفس العازم، فلو لم يمنعه مانع فالعزم محرّكه نحو الفعل وليس لهذا العزم مراتب، نعم يكون لمباديه مراتب.

فإذن العزم ينبعث عن الحبّ والإدراك الملائم كما قال في المنظومة:

عقيب داع دركنا الملائما             شوقا مؤكّدا إرادة سما

 
فمراتب الحب ودرك الملائم وإن كانت مختلفة لكن العزم نحو واحد، فالعزم في الفاعل محرّك لعضلات نفسه، وفي الآمر لعضلات عبده، فكما أنّه في الفاعل لا ينفكّ عن الفعل ففي الآمر أيضا متى كان هذا العزم ولم يكن معه شي‏ء كان بهذا النحو، يعني بحسب تشريع المولى ليس للمراد لا وقوع، نعم إن ضمّ جنب العزم التشريعي الإذن التشريعي في الترك كان ندبا.

فظهر أنّ الوجوب مقيّد بقيد عدمي ولا يحتاج في التحقّق إلى ملاحظة والتفات مستقلّ نظير الخطّ البالغ ذرعا، فإنّه يتحقّق الخط الذرعي ولو لم يلتفت الموجد انتهاء الخط إلى هذا الحد ولم يكن بقصده.

فلا يشكل بأنّ الهيئة على تقدير كونها موضوعة للقدر المشترك فالاستعمال فيه غير ملازم للوجوب؛ فإنّ ذلك لو كان للوجوب قيد وجودي، وأمّا إذا كان عبارة عن نفس هذا القدر المشترك إذا لم ينضمّ إليه قيد بل كان مطلقا وبلا قيد ولو من دون التفات للمريد نحو كونه بلا قيد فهو يتحقّق بالاستعمال في القدر المشترك مع عدم ضمّ شي‏ء إليه قهرا، فعلم أنّ الإطلاق يجعل الإرادة خاصّة ويجعل متعلّقها عامّا.

وكذا مئونة النفسي ليس إلّا توجيه الإرادة نحو نصب السلّم مثلا، وأمّا الغيري فيحتاج إلى ملاحظته مرتبطا مع واجب آخر كالكون على السطح، وكذا التعييني لا يحتاج إلّا إلى توجيه الإرادة نحو إكرام العلماء مثلا، وأمّا التخيير فيحتاج إلى ملاحظة العدل أيضا، وكذا الكفائي يحتاج إلى مئونتين، ملاحظة جميع الأشخاص بعنوان إجمالي وتعليق التكليف على الجميع ثمّ ملاحظة أنّ إتيان الواحد مسقط التكليف عن الباقين أيضا، والعيني غير محتاج إليهما بل هو صرف تعليق الطلب وتوجيهه نحو المكلّف من دون احتياج إلى ملاحظة اخرى، هذا.

ويمكن أن يقال: لا حاجة لنا في حمل الصيغة على الوجوب النفسي التعييني العيني إلى إحراز المقدّمات بحيث لو لم نحرزها ما كان لنا محيص عن التوقّف، وذلك بأن يدّعى أن الصيغة وإن كانت موضوعة للقدر المشترك بين هذه الأقسام بمعنى أنّ استعمالها في كلّ غير مستلزم للتجوّز مع أنّه استعمال في معنى واحد بحكم الوجدان، إلّا أنّ المتبادر منها عند الإطلاق يعني عدم وجود القرينة على خصوص الندب هو الإيجاب، وعند عدم القرينة على خصوص التخييري هو التعييني، وعند عدم القرينة على الكفائي هو العيني أو على الغيري هو النفسي، وبالجملة، الظهور لنفس اللفظ ثابت في هذا النوع الخاصّ ولا يكون انعقاد ظهوره فيه معلّقا على إحراز المقدّمات، وهذا نظير ما ادّعيناه في كلمة «كلّ» حيث ربّما توهّم أنّ دلالته على الاستغراق منوطة بإحراز المقدّمات في مدخولها؛ فإنّ كلّ رجل مثلا لو اريد بالرجل المطلق كان لفظ «كل» مستعملا في معناه، وإن كان المقيّد كان أيضا مستعملا في معناه، وإذن فلا بدّ أوّلا من إحراز المقدّمات في مدخول هذه اللفظة وإثبات كون المراد به مطلقا ثمّ الحكم بإفادة هذه اللفظة الاستغراق، وأمّا مع عدم إحرازها فيه فيصير هذه اللفظة أيضا مجملة ولا يدلّ على الاستغراق لاحتمال كون المراد من مدخوله المقيّد.

فدفعنا ذلك بأنّا إذا راجعنا الوجدان وجدنا عدم الحاجة في فهم الاستغراق من هذه الكلمة إلى المقدّمات، بل لا يتوقّف فهم ذلك منها إلّا على عدم ذكر القيد عقيب مدخوله، فإذا لم يذكر فالظاهر منه الاستغراق مطلقا، وإن كان لو اريد المقيّد أيضا كان هذه الكلمة مستعملة في معناها ولا يجوز فيها، فكذا نقول في الهيئة أيضا أنّها وإن كان لا يجوز فيها لو استعملت في كل من الأقسام لكنّها ينصرف عرفا إلى النوع الخاص الذي هو الإيجاب النفسي التعييني العيني.

ويمكن التمسّك في حمل الصيغة على ذلك بوجه آخر وهو الأصل العملي دون الظهور اللفظي كما على تقدير الأخذ بالمقدّمات أو الانصراف، والمراد بالأصل العملي ليس هو البراءة؛ لوضوح أنّ مقتضاها الندب، وعلى فرض الوجوب هو التخييري؛ فإنّ مرجع الشكّ إلى أنّه هل يعاقب على ترك إكرام الزيد مطلقا ولو أكرم عمروا، أو أنّه معاقب لو ترك إكرام جميعهما؟ ولا شكّ أنّ مقتضى البراءة هو الثاني، وكذا مقتضاها الغيريّة والكفائيّة كما هو واضح، بل المراد أن يقال: إنّ الحجّة والبرهان على نفس الإرادة موجودة وهو نفس الصيغة، وعلى غيرها أعني الترخيص والإذن في الترك غير موجودة.

فالمكلّف لو عصى فلا عذر له عند المولى لو عاتبه على الترك فيقول له: أما اطّلعت على إرادتى وأما كانت الإرادة مقتضية للإيجاد، فمع وجود المقتضي للإيجاد وعدم المقتضي للترك لم تركت؟

وكذا لو وصل من المولى طلب إكرام الزيد بقوله: أكرم زيدا وقلنا لا ظهور للصيغة في التعييني؛ فإنّه لو لم يكرم الزيد وأكرم عمرا باحتمال أن يكون أمرا تخييريّا بينه وبين الزيد فيقول له المولى: أنا اردت منك إكرام الزيد وأنت تجيبني بإكرام عمرو، فلو كان المراد في الواقع تعيينيّا فالعقاب ليس بلا حجّة وبيان وإن قلنا بظهور اللفظ في الجامع ليس إلّا.

وكذا لو قال: انصب السلّم وقلنا بأنّه ليس له انصراف إلى النفسي وكان المراد في الواقع نفسيّا، فصعد المكلّف على السطح من طريق الدرج، فيكون للمولى حجّة على هذا العبد ويصحّ عقابه ويقول له: كان لك الحجّة على نفس إرادة نصب السلّم ولم يكن لك حجّة على المقدار الزائد أعني: كون هذه الإرادة مرتبطة بإرادة شي‏ء آخر، ومجرّد احتمال ثبوته في الواقع لا يكون بحجّة، وكذا الكلام في العيني.

والحاصل أنّ اللفظ وإن كان موضوعا للقدر المشترك بين النوعين وظهوره‏ بالسويّة بالنسبة إليهما، لكنّه مع ذلك حجّة عقليّة على الأقلّ مئونة من النوعين؛ فإنّ اللفظ حجّة بحسب الظهور على أصل الإرادة التي هي الجامع بين النوعين وليس على زيادة النوع الآخر حجّة، ومجرّد الاحتمال لا يثمر، وبذلك يصير حجّة عقليّة على النوع الذي لا زيادة فيه، فيجب بحكم العقل البناء في مقام العمل على طبق هذا النوع وإن كان اللفظ بحسب الظهور اللفظي مجملا بينهما.

ومن هنا ظهر أنّ الأخذ بالأقلّ عند الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ونفي الزائد بأصالة البراءة صحيح بتقريب أنّ التكليف بالأقلّ معلوم وبالزائد مشكوك ننفيه بالأصل؛ فإنّ المراد بمعلوميّة التكليف بالنسبة إلى الأقلّ ليس إلّا معلوميّة الجامع بين الغيري والنفسي ومع ذلك يلزم العقل بالإتيان؛ إذ في عدم الإتيان خوف العقاب لاحتمال نفسيّة التكليف واقعا.

وليس هذا من قبيل الموارد التي يكون احتمال الضرر فيها موجودا ومع ذلك يكون حكم العقل هو البراءة؛ إذ ذلك فيما إذا كان العقاب والمؤاخذة على الترك على تقدير ثبوت التكليف واقعا بلا بيان، لا بالنسبة إلى مثل المورد الذي يكون البيان موجودا؛ فإنّ المفروض كون وجود الأمر والطلب المقتضيين للإيجاد معلوما وإن لم يعلم جهته من كونه نفسيّا أو مقدّميّا؛ إذ هذا المقدار يكفي بالوجدان لكونه حجّة للمولى لو كان التكليف في الواقع نفسيّا، ولا يكون العقاب معه بلا بيان، وإذن فاحتمال الضرر موجود والمؤمّن وهو كون العقاب بلا بيان على تقدير الثبوت غير موجود، فيجب دفعه بالاحتياط بحكم العقل.

فلا يرد على القول بالبراءة في الأقلّ والأكثر بأنّ التكليف المعلوم مردّد بين أن يكون مقدميّا وأن يكون نفسيّا، فالأوّل غير مفيد؛ إذ لا يوجب مخالفته العقاب، والثاني وإن كان مفيدا لكنّه مشكوك بدوي؛ فإنّ هذا تشكيك في قبال الوجدان وحكم العقل.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ حمل الهيئة على خصوص الوجوب النفسي التعييني العيني يكون بأحد الوجوه الثلاثة.

وأمّا مفاد المادّة بل مطلق متعلّق الحكم وإن كان الحكم وضعيّا، بل وإن كان‏ واقعيّا غير مجعول، فهو مختلف باختلاف المقامات، فقد يكون محمولا على العموم البدلي وقد يكون على الاستغراقي، وليعلم أنّ ذلك فيما إذا كان في البين لفظ دالّ على العموم لا فيما إذا لم يكن في البين كالنكرة؛ فإنّها لا يحتمل العموم بل يكون صريحا في إرادة الوحدة وإن لم يعلم أنّ المراد واحد معيّن أو غير معيّن فيدفع الأوّل بمقدّمات الإطلاق.

وأمّا ما إذا كان في البين ما يصلح للعموم فالتكلّم فيه في مقامين، مقام الثبوت ومقام الإثبات، أمّا الأوّل فنقول: لا شكّ أنّ العرض الطاري على الطبيعة يسري إلى أفرادها، فالحبّ والمطلوبيّة وكذا سائر الأحكام إذا تعلّقت بنفس الطبيعة فلا محالة يسري إلى جميع أفرادها، لكن للطبيعة بحسب مقام التصوّر ملاحظتين بكلّ منهما يقع متعلّقة للأحكام، وبإحدى الملاحظتين يصير ذات أفراد كثيرة بحيث كلّما وجد في الخارج من مصاديق هذا النوع كان فردا لها، وبالاخرى يصير على نحو لا يمكن انطباقها عقلا إلّا على فرد واحد، وتعيين كلّ من القسمين في مقام الإثبات لا بدّ أن يكون بقرينة عامّة أو خاصّة ولا يكون بالمقدّمات للإطلاق؛ فإنّ كلا منهما نحو من الملاحظة، وتعيين أحدهما بلا مرجّح.

الاولى‏(1): أن يلحظ حاكية عن نحو وجودها في الخارج، فكما أنّ الإنسان مثلا في الخارج موجود في ضمن الزيد والعمرو والبكر إلى آخر الأفراد فكذا لوحظت الطبيعة بهذا الوصف أعني السريان والانتشار، فإن كانت الطبيعة بهذا النحو متعلّقة للحبّ والحكم لزم سراية الحبّ والحكم أيضا إلى كلّ ما يسري إليه الطبيعة كما في حرارة النار؛ فإنّها وصف للطبيعة لوضوح عدم دخل الخصوصيّات في تحقّقها ومع ذلك يسري إلى كلّ فرد منها.

و الثانية: أن ينتزع جامع عن الوجودات الخارجيّة على اختلافها قلّة وكثرة يعبّر عنه بمطلق الوجود في قبال العدم ويلاحظ الطبيعة مقيّدة بهذا النحو، وبعبارة اخرى اخذت مقيّدة بالوجود الناقض لعدم الأصلي، يعني أنّ المقصود خروج‏ الطبيعة عن العدم الأزلي وانهدام ركن عدمها الأصلي، ومن المعلوم أنّ هذا المعنى لا ينطبق إلّا على أوّل فرد وجد، والفرد الثاني لا يعقل فرديّته لها؛ إذ النقض للعدم الأصلي للطبيعة قد حصل بالفرد الأوّل ولا يمكن ثانيا، والفرد الثاني إخراج لهذا الفرد عن عدمه لا إخراج لأصل الطبيعة عن عدمها.

والحاصل أنّ صرف الوجود والوجود الناقض غير ممكن الانطباق على غير الفرد الأوّل، فلو تعلّق الحكم والحبّ بالطبيعة بهذا النحو فلا جرم يخصّ الفرد الأوّل بهذا الحبّ والحكم دون ما بعده. نعم لو أتى بأفراد كثيرة دفعة واحدة صار الجميع متعلّقا لحبّ واحد وحكم واحد.

أمّا مقام الإثبات فمتعلّق الأمر عند عدم القرينة ظاهر في القسم الثاني، ومن هنا قيل: يمتنع الامتثال عقيب الامتثال، فإذا قيل: أعطني الماء، فالمراد مطلق وجود إعطاء الماء لا وجود كلّ فرد منه، فيلزم إعطاء جميع مياه العالم، ومتعلّق النهي عند عدم القرينة ظاهر في القسم الأوّل، فالمنهيّ عنه جميع الأفراد لا أوّل الفرد، فإذا قيل:

لا تشرب الخمر فلا يكون النهي متعلّقا بصرف إيجاد شرب الخمر بأن يكون لو شربه عصى وارتفع الحكم بارتفاع الموضوع فلم يكن شربه بعد ذلك بمحرّم، بل الأمر على خلاف ذلك. فالشرب في كلّ هذه معصية على حده، وليس ذلك إلّا لأجل سراية النهي المتعلّق بالطبيعة إلى كلّ فرد، فالحكم متعدّد والموضوع متعدّد ولكل إطاعة ومعصيته على حدة.

وأمّا الأحكام الغير التكليفيّة فمختلفة، فمثل الطبيعة الفلانيّة سبب لكذا معناه السببيّة المستقلّة لكلّ فرد؛ ولهذا حكم شيخنا المرتضى قدّس سرّه في موجبات النزح بتعدّد المقدّر بتعدّد وقوع نوع واحد بناء على مذاقه من استفادة السببيّة التامّة من أداة الشرط، ومثل أحلّ اللّه البيع ظاهر في الاستغراق أيضا؛ فإنّ العموم البدلي مناف لمقام الامتنان وإن كان من الممكن أن يكون ما أحلّ في حقّ كلّ مكلّف بيعا من البيوع وكان اختيار تعيينه بيده، لكنّ المناسب لمقام الامتنان إحلال جميع أفراد البيع في حقّه، إلى غير ذلك من الموارد، فلا بدّ في كلّ مورد من ملاحظة مقتضى هذا المورد وأنّه أيّ من القسمين وليس له ضابط.

_______________

(1) أي الملاحظة الاولى.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.