المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



يحيى بن بقى  
  
3403   09:02 صباحاً   التاريخ: 24-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص157-162
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-06-2015 3065
التاريخ: 21-06-2015 20516
التاريخ: 30-12-2015 2531
التاريخ: 22-2-2018 5436

هو أبو بكر يحيى بن محمد بن عبد الرحمن القرطبي القيسي المشهور باسم ابن بقى نسبة إلى جد أبيه، و قد ترجم له الفتح في القلائد، فقال عنه: «هو رافع راية القريض، و صاحب آية التصريح فيه و التعريض، أقام شرائعه، و أظهر روائعه، و صار عصيّه طائعه، إذا نظم أزرى بنظم العقود، و أتى بأحسن من رقم البرود، ضفا عليه حرمانه، و ما صفا له زمانه، فصار قعيد صهوات، و قاطع فلوات، مع توهم لا يظفره بأمان، و تقلّب دهر كواهي الجمان» و هو أحد من حكمت عليه حرفة الأدب بإقلاله و حرمانه، فامتطى غارب الاغتراب إلى بلاد المغرب، و يبدو أن كثيرا من الأبواب أغلقت دونه مما جعله ينشد:

و غلت في المغرب الأقصى فأعجزني    نيل الرغائب حتى أبت بالنّدم 
و لم يلبث أن فتح له باب كبير هو باب بني عشرة قضاة سلا بالقرب من الرباط الحالية عاصمة المملكة المغربية، و كانوا بحارا فياضة في الجود فغمروه بجودهم و خاصة يحيى بن علي بن القاسم و أخاه أحمد قاضى سلا، فمكث في رحابهما طويلا، و أضفي عليهما من شعره و موشحاته دررا كثيرة، و أول ما نقف عنده من موشحاته فيهم الموشحة التي مدح بها القاضي أحمد، و التي قال في خرجتها أو خاتمتها أبو بكر بن زهر: ما حسدت و شاحا على قول إلا ابن بقى حين وقع له:

أ ما ترى أحمد   في مجده العالي   لا يلحق
أطلعه المغرب   فأرنا مثله     يا مشرق
و هو لم يحسده في رأينا على جمال صياغته فحسب، بل حسده أيضا على روعة تصويره في الفقرة الثانية إذ جعل القاضي أحمد كوكبا يبزغ في المغرب و لا مثيل له في المشرق.

و يتضح إبداعه في تصويره إذ يقول في أحد أغصان هذا الموشح متغزلا بصاحبته:

عطا بليتيه      و مرّ كالظّبى     لبيده (1)
فدلّ عليه      تكسّر الحلى     بجيده
تفتير عينيه      يسرع في برى     عميده
و هو يجعلها كأنها ظبية حقيقية تمد عنقها لتناول الأوراق في الشجر مصورا بذلك جمال جيدها، و يقول إنه إنما رآها لمحا أو كاللمح إذ مرّت سريعا إلى منزلها، و يصوره كأنه بيداء فلن يعود يراها. و يعود إلى نفسه فليست من الظباء بل هي من النساء إذ سمع صوت الحلى بجيدها. و يقول إن تفتير عينيها الجميلتين يسرع في ضنا محبوبها، و لا يزال يأمل من البيد و الفلوات ردّها. و الموشحة من مجزوء البسيط. و واضح أن نسبتها إلى ابن بقى لا يشوبها شك فقد نسبها إليه أبو بكر بن زهر و كذلك ابن سعيد في كتابه «رايات المبرزين» و المقري في أزهار الرياض و مع ذلك نجدها في ديوان التطيلي خطأ(2)كما نجد أختا لها في ديوانه أيضا و هي في مديح يحيى بن القاسم ممدوح ابن بقى الذي تفيّأ ظلاله، و ينص ابن سناء الملك في مقدمته لدار الطراز على نسبتها إليه (3)و ينشدها كاملة بين ما اختاره من الموشحات الأندلسية، و فيها يقول:

صبرت و الصّبر شيمة العانى  و لم أقل للمطيل هجرانى   معذّبى كفانى 
لما جنى الورد ملء كفّيه           تشوّفت وردتان إليه 
فحلّتا في رياض خدّيه
و يقول ابن سناء الملك إن هذه الموشحة من وزن المنسرح، ما عدا نهاية القفل:

«معذبى كفانى» لأن وزنه مستفعلن فعولن، و الأولى تفعيلة الرجز و الثانية تفعيلة المتقارب.

و ألفاظ القفل بعذوبتها كأنها اقتطعت من اللغة الأندلسية الدارجة لتخفف عن قارئها متاعبه. و صورة الورد في خدود صاحبته تنقلنا إلى عالم شعري حالم مكتظ برؤى بديعة.

و يلاحظ ابن سناء الملك أن موشحته:

يا ويح صبّ إلى البرق    له نظر    و في البكاء مع الورق    له وطر 
من وزن البسيط أقفالا و أغصانا، و هو يضم في الوزن الجزأين الأولين و التاليين بعضهما إلى بعض، و يقول من موشحة:

إن لم يكن إليك سبيل       فالصّبر بالجميل جميل 
و الوزن في أقفالها و أغصانها مستفعلن فعولن فعولن، فهو مكون من تفعيلة الرجز و تفعيلة المتقارب و يكثر هذا الوزن بين الوشاحين. و تكثر هذه السهولة المفرطة في كثير من أغصان ابن بقى و خرجاته كقوله في موشحة من وزن الرجز:

ليل طويل و لا معين      يا قلب بعض الناس     أ ما تلين 
و قوله في خرجة موشحة ثانية مستخدما لغة عامية كأنما تفصل من قلوب سامعيه فتؤثر فيهم تأثيرا بعيدا:

سافر حبيبى    سحر و ما ودّعتو    يا وحش قلبى     في الليل إذا افتكرتو

و كلمة وحش حذفت منها التاء لضرورة تفعيلة الرجز: مستفعلن مع زيادة سبب فيها أحيانا إذ تصبح مستفعلاتن. و بهذه الألفاظ الغزلة المفرطة في السهولة و بما كانت تتضمنه موشحات ابن بقى من صور بديعة طارت شهرته في عصره و بعد عصره، و قد لبّى نداء ربه سنة 54٠ للهجرة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

١) الليث: صفحة الجيد و جعلها تعطو بهما و تمدهما، كناية عن طولها.

2) انظر ديوان التطيلي ص ٢٧٠ و قارن برايات المبرزين ص ٧٩ و أزهار الرياض ٢/٢٠٩.

3) راجع ديوان التطيلي ص ٢6٩ و قارن بدار الطراز لابن سناء الملك ص ٣4 و نسب أيضا ابن سعيد في المغرب ٢/٢5 الموشحة: ما الشوق إلا زناد إلى ابن بقى و قد أضيفت الى التطيلي في ديوانه ص ٢٧٩ مما يدل على أن موشحات ابن بقى اختلطت بموشحات التطيلي و خاصة في كتاب جيش التوشيح لابن الخطيب على نحو ما يلاحظ في نسبة الموشحات الثلاث المذكورة إلى التطيلي و عنه ألحقها د. إحسان عباس بالديوان حين حققه مع إشارته إلى ذلك!

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.