أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2016
1058
التاريخ: 22-7-2016
1123
التاريخ: 28-7-2016
1083
التاريخ: 2023-03-28
1367
|
أن الحبّ في اللّه و البغض في اللّه غامض و إنما ينكشف الغطاء عنه بأن يعلم أن الصحبة تنقسم إلى ما يقع بالاتفاق ، كالصحبة بحسب الجوار أو بحسب الاجتماع في مدرسة أو سوق أو سفر أو على باب سلطان أو غير ذلك ، و إلى ما ينشأ اختيارا و بقصد و هو الذي يبعث على الاخوة في الدين إذ لا ثواب إلا على الأفعال الاختيارية و لا ترغيب إلا فيها.
والصحبة عبارة عن المجالسة و المخالطة و المجاورة ، و هذه الامور لا يقصد بها الانسان غيره إلّا إذا أحبّه فان غير المحبوب يجتنب و يباعد و لا يقصد مخالطته و الذي يحبّ فامّا أن يحبّ لذاته لا ليتوسّل إلى محبوب و مقصود وراءه ، و إما أن يحب ليتوسّل به إلى مقصود و ذلك المقصود إمّا أن يكون مقصورا على الدنيا و حظوظها ، و إمّا أن يكون متعلقا بالاخرة و إمّا أن يكون متعلقا باللّه فهذه أربعة أقسام :
أما القسم الاول و هو حبّك الانسان لذاته و ذلك ممكن و هو أن يكون هو في ذاته محبوبا عندك على معنى أنّك تلتذ برؤيته و معيّته و مشاهدة أخلاقه لاستحسانك له ، فان كل جميل لذيذ في حق من أدرك جماله ، و كلّ لذيذ محبوب ، و اللذة يتبع الاستحسان ، و الاستحسان يتبع المناسبة و الملايمة و الموافقة بين الطباع.
ثمّ ذلك المستحسن إمّا أن يكون الصّورة الظاهرة أعني الخلقة ، و إما أن يكون الصّورة الباطنة اعني كمال العقل و حسن الخلق و يتبع حسن الأخلاق حسن الأفعال لا محالة و يتبع كمال العقل غزارة العلم و كلّ ذلك مستحسن عند الطبع السّليم و العقل المستقيم ، و كلّ مستحسن مستلذّ به و محبوب.
بل في ايتلاف القلوب امر اغمض(1) , من هذا فانه قد ليستحكم المودة بين شخصين من غير ملاحة في صورة و حسن في خلق و خلق ؛ و لكن لمناسبة باطنة توجب الالفة و الموافقة ، فان شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع و الأشباه الباطنة خفية و لها اسباب دقيقة ليس في قوة البشر الاطلاع عليها.
و عنه عبر رسول اللّه (صلى الله عليه واله) بقوله : «الارواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر(2)
منها اختلف»(3) , فالتناكر نتيجة التباين ، و الايتلاف نتيجة التناسب الذي عبّر عنه (صلى الله عليه واله) بالتعارف.
و يدخل في هذا القسم المحبّة للجمال إذا لم يكن المقصود قضاء الشّهوة ، فان الصّورة الجميلة مستلذة في عينها و إن قدر فقد أصل الشّهوة حتى يستلذ بالنظر إلى الفواكه و الأنوار و الأزهار و التفاح المشوب بالحمرة و إلى الماء و إلى الخضرة من غير غرض سوى عينها ، و هذا الحبّ لا يدخل فيه الحبّ للّه بل هو الحبّ بالطبع و شهوة النفس و يتصور ذلك ممّن لا يؤمن باللّه إلّا أنّه إن اتّصل به غرض مذموم صار مذموما ، و إلّا فهو مباح لا يوصف بحمد و لا ذم.
و القسم الثاني أن يحبه لينال من ذاته غير ذاته فيكون وسيلة إلى محبوب غيره و الوسيلة إلى المحبوب محبوب فلذلك يحب النّاس الذهب و الفضة من حيث إنهما وسيلة إلى المقاصد كما يحب الرّجل سلطانا للانتفاع به و يحبّ خواصّه لتحسينهم حاله عنده و تمهيدهم أمره في قلبه ، فالمتوسّل إليه إن كان مقصودا لفايدة دنيوية لم يكن من جملة الحبّ في اللّه ، ثم ينقسم ذلك إلى مذموم و مباح.
و القسم الثالث أن يحبّه لا لذاته بل لغيره و ذلك الغير غير راجع إلى حظوظه في الدنيا بل يرجع إلى حظوظه في الاخرة و هذا أيضا ظاهر لا غموض فيه ، و ذلك كمن يحب استاذه و شيخه لأن يتوسّل به إلى تحصيل العلم و تحسين العمل و مقصوده من العلم و العمل الفوز في الاخرة ، و هذا من جملة المحبّين للّه و كذلك من يحب تلميذه لأنه يتلقف منه العلم و ينال بواسطته رتبة التعليم و يترقى به إلى درجة التعظيم في ملكوت السماء.
قال عيسى (عليه السلام): «من علم و عمل و علّم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السّماء»(4) , و لا يتم التعليم إلّا بمتعلم فهو إذن آلة في تحصيل هذا الكمال ، فان أحبّه لأنه آلة له إذ جعل صدره مزرعة لحرثه(5) فهو محبّ للّه ، بل نزيد و نقول : من يجمع الضيفان و يهيء لهم الأطعمة اللذيذة تقرّبا إلى اللّه فأحبّ طبّاخا يحسن صنعته في الطبخ فهو من جملة المحبّين في اللّه.
و كذا لو أحب من يتولى له ايصال الصّدقة إلى المستحقين فقد أحبّه في اللّه بل نزيد على هذا فنقول : من أحبّ من يخدمه بنفسه في غسل ثيابه و كنس بيته و طبخ طعامه و يفرغه بذلك للعلم و العمل و مقصوده من استخدامه في هذه الاعمال الفراغ للعبادة ، فهو محبّ في اللّه.
القسم الرابع أن يحب للّه و في اللّه لا لينال منه علما أو عملا أو يتوسّل به إلى أمر وراء ذاته ، و هذا أعلى الدرجات ، و هو أدقها و أغمضها و هذا القسم أيضا ممكن ، فان من آثار غلبة الحبّ أن يتعدى من المحبوب إلى كل من يتعلّق بالمحبوب و يناسبه و لو من بعد ، فمن أحب إنسانا حبا شديدا أحب محب ذلك الانسان و أحب محبوبه و أحب من يخدمه و أحبّ من يثني عليه محبوبه و احبّ من يتسارع إلى رضا محبوبه قال المجنون :
امرّ على الدّيار ديار ليلى |
اقبل ذا الجدار و ذا الجدارا |
و ما حبّ الدّيار شغفن قلبي |
و لكن حبّ من سكن الديارا |
|
فاذن المشاهدة و التجربة تدلان على ان الحب يتعدى من ذات المحبوب إلى ما يتعلق به و لو من بعد ، و لكن ذلك خاصية فرط المحبة فاصل المحبّة لا يكفي فيه و قد مضى تمام الكلام فيه في باب المحبة.
ثمّ اعلم ان من يحبّ في اللّه لا بد و ان يبغض في اللّه ، فانّك ان احببت انسانا لانه مطيع للّه و محبوب عند اللّه ، فان عصاه لا بدّ و ان تبغضه لأنه عاص للّه و ممقوت عند اللّه فهما متلازمان و كل واحد منهما دفين(6) , في القلب و انّما يترشح بظهور افعال المحبين والمبغضين في المقاربة و المباعدة ، و في الموافقة و المخالفة فاذا ظهر في الفعل سمّي موالاة و معاداة.
وروي إن اللّه تعالى اوحى إلى نبي من الانبياء امّا زهدك في الدنيا فقد تعجلت الرّاحة و أمّا انقطاعك إليّ فقد تعرّزت بي ، و لكن هل عاديت فيّ عدوا أو واليت فيّ وليّا؟.
و قال عيسى (عليه السلام): «تحبّبوا إلى اللّه ببغض أهل المعاصي ، و تقرّبوا إلى اللّه بالتباعد منهم ، و التمسوا رضاء اللّه بسخطهم ، قالوا : يا روح اللّه من نجالس؟ , قال : جالسوا من يذكركم اللّه رؤيته ، و من يزيد في علمكم كلامه ؛ و من يرغبكم في الاخرة عمله»(7).
_________________________
1- غمض الكلام : خفى مأخذه و معناه. المنجد.
2- تعارفوا : عرف بعضهم بعضا , و تناكروا : انكر بعضهم بعضا و تعادوا ، و معنى الحديث على ما في المجمع أن الاجساد التي فيها الارواح تلتقي في الدنيا فتأتلف و تختلف على حسب ما خلقت عليه و لهذا ترى الخيّر يحب الاخيار و يميل اليهم ، و الشرير يحب الاشرار و يميل اليهم , قال الغزالي في الاحياء : و روى ان امرأة بمكة كانت تضحك النساء و كانت بالمدينة اخرى فنزلت المكية على المدينة فدخلت على عايشة فأضحكتها فقالت : أين نزلت؟ فذكرت لها صاحبتها فقالت صدق اللّه و رسوله سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه واله) يقوّل الارواح جنود مجندة الخ , و قال العلامة المجلسي (قد) في الجزء الرابع عشر من البحار: و روت عايشة في سبب هذا الحديث ان مخنثا قدم المدينة فنزل على مخنث من غير أن يعلم انه مخنث فبلغ ذلك النبي (صلى اللّه عليه واله) فقال : الارواح جنود مجندة الحديث.
«أقول:» راوية الحديث في المقامين كما ترى هي عايشة ، و الحديث من طريق أصحابنا الامامية (رض) عن جابر بن يزيد كما في الجزء المذكور من البحار هكذا قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : الارواح جنود مجندة فما تعارف منها عند اللّه ائتلف في الارض ، و ما تناكر عند اللّه اختلف في الارض.
3- احياء علوم الدين : ج 2 , ص 147 , و من لا يحضره الفقيه : ج 4 , ص 272.
4- الكافي : ج 1 , ص 35.
5- الحرث اصلاح الارض و القاء البذر فيها و يسمى الزرع الحرث أيضا و في الحديث : المال و البنون حرث الدنيا و العمل الصالح حرث الاخرة و قد يجمعها اللّه لاقوام.
6- الدفين : المدفون المستور.
7- تحف العقول : ص 37 , و صدر الحديث في تنبيه الخواطر : ج 2 , ص 25.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|