أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2016
2282
التاريخ: 21-7-2016
1359
التاريخ: 2023-04-27
1309
التاريخ: 27-2-2021
2516
|
المحبوب عند الإنسان هو العلم و القدرة و المال و الجاه لكونها كمالا ، فاعلم أنه اشتبه الأمر عليه باغواء الشيطان ، حيث التبس عليه الكمال الحقيقي بالوهمي ، و تيقن بكون جميع ذلك كمالا و أحبه.
إذ التحقيق أن بعضها كمال حقيقي و بعضها كمال وهمي لا أصل له ، و السعي في طلبه جهل وخسران و تضييع وقت و خذلان.
بيان ذلك : أنه لا ريب في عدم كون المال و الجاه كمالا ، لأن القدرة و الاستيلاء على أعيان الأموال بوجوه التصرف و على القلوب و الأبدان بالتسخير و الانقياد ينقطع بالموت ، فمن ظن ذلك كمالا فقد جهل , فالخلق كلهم في غمرة هذا الجهل ، فانهم يظنون أن القدرة على الأجساد بقهر الحشمة ، و على أعيان الأموال بسعة الغنى ، و على تعظيم القلوب بسعة الجاه كمال ، و لما اعتقدوا كون ذلك كمالا أحبوه ، و لما احبوه طلبوه ، و لما طلبوه شغلوا به و تهالكوا عليه فنسوا الكمال الحقيقي الذي يوجب القرب من اللّه ، اعنى العلم و الحرية كما يأتي.
فهؤلاء هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون ، و هم الذين لم يفهموا قوله تعالى : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا [الكهف : 46].
فالعلم و الحرية و فضائل الأخلاق هي الباقيات الصالحات التي تبقى كمالا للنفس بعد خراب البدن ، و المال و الجاه هو الذي ينقضي على القرب و هو كما مثله اللّه تعالى ، حيث قال : {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس : 24].
وكل ما تذروه رياح الموت فهو زهرة الحياة الدنيا ، و كل ما لا يقطعه الموت فهو من الباقيات الصالحات.
فقد ظهر أن كمال القدرة بالمال و الجاه كمال وهمي لا أصل له ، و أن من قصر الوقت على طلبه و ظنه مقصودا فهو جاهل ، إلا قدر البلغة منها إلى الكمال الحقيقي.
وأما العلم ، فلا ريب في كون ما هو حقيقة العلم كمالا حقيقيا ، إذ الكمال الحقيقي هو الذي يقرب من يتصف به من اللّه و يبقى كمالا للنفس بعد الموت , ولا شك في أن العلم باللّه و بصفاته و أفعاله و حكمته في ملكوت السماوات و الأرض و ترتيب الدنيا و الآخرة و ما يتعلق به هو المقرب للعبد الى اللّه ، إذ هو علم ثابت لا يقبل التغيير و الانقلاب ، اذ معلوماته أزلية أبدية و ليس لها تغيير و انقلاب ، حتى يتغير العلم بتغيرها مثل التغيرات التي يتغير العلم بها بتغيرها و انقلابها ، كالعلم بكون زيد في الدار.
فهو علم ثابت أزلا و أبدا من دون تغير و اختلاف ، كالعلم بجواز الجائزات و وجوب الواجبات واستحالة المستحيلات , فهذا العلم - اعنى معرفة اللّه و معرفة صفاته و أفعاله - هو الكمال الحقيقي الذي يبقى بعد الموت و ينطوي فيه العلم بالنظام الجملي الأصلح و جميع المعارف المحيطة بالموجودات و حقائق الأشياء ، اذ الموجودات كلها من أفعاله ، فمن عرفها من حيث هي فعل اللّه و من حيث ارتباطها بالقدرة و الارادة و الحكمة ، كانت هذه المعرفة من تكملة معرفة اللّه التي تبقى كمالا للنفس بعد الموت ، و تكون نورا للعارفين بعد الموت يسعى بين أيديهم و أيمانهم : «يقولون ربنا أتمم لنا نورنا» ، وهي رأس ما يوصل إلى كشف ما لم ينكشف في الدنيا ، كما أن من معه سراج خفى ، فانه يجوز أن يصير ذلك سببا لزيادة النور بسراج آخر يقتبس منه ، فيكمل النور بذلك النور الخفي على سبيل الاستتمام ، و من ليس معه أصل السراج لا مطمع له في ذلك.
فمن ليس له أصل معرفة اللّه لم يكن له مطمع في هذا النور، بل هو في «ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، ظلمات بعضها فوق بعض».
وما عدا هذه المعرفة من المعارف ، إما لا فائدة فيه أصلا ، كمعرفة الشعر وأنساب العرب و مثلها ، أوله منفعة في معرفة اللّه ، كمعرفة لغة العرب و التفسير و الفقه و الاخبار، و معرفة طريق تزكية النفس التي تفيد استعدادا لقبول الهداية إلى معرفة اللّه ، كما قال تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس : 9] , و قال : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت : 69].
فهو من حيث إنه وسيلة إلى معرفة اللّه و إلى تحصيل الحرية مما لا بد منه بالعرض.
ثم إن المعرفة التي هي كمال حقيقي للإنسان ليس كمال العلم و غايته ، إذ لا يتصور كمال العلم و نهايته إلا للواجب تعالى ، إذ كمال العلم انما يتحقق بأمور ثلاثة : الأول - أن يحيط بكل المعلومات ، و لا يتحقق ذلك في علم البشر.
إذ ما أوتي من العلم إلا قليلا ، بل العلم الذي يحيط بجميع المعلومات هو علم اللّه تعالى ، و علم العبد انما يتحقق ببعض المعلومات ، و كلما كانت معلوماته أكثر كان علمه أقرب إلى علم اللّه تعالى.
الثاني - ان يتعلق بالمعلوم على ما هو به ، و يكون المعلوم منكشفا واضحا في غاية الانكشاف والوضوح ، بحيث لا يقبل انكشافا أتم منه.
وهذا أيضا غير ممكن التحقيق في حق الإنسان ، إذ علمه لا يخلو عن كدرة و إبهام ، بل الكشف التام الذي هو غاية الظهور و الانجلاء مختص بعلم اللّه تعالى ، إذ معلوماته مكشوفة بأتم أنواع الكشف على ما هي عليها ، و علم العبد له ببعض مراتب الانكشاف ، فكلما كان اجلى و أوضح وأتقن و اوفق للمعلوم في تفاصيل صفاته ، كان أقرب إلى علم اللّه.
الثالث - أن يكون باقيا أبد الآباد ، بحيث لا يتغير و لا يزول.
وهذا أيضا مختص بعلم اللّه تعالى ، اذ علمه تعالى باق لا يتصور أن يختلف و يتغير و يزول و علم الإنسان يتغير و يزول ، فكلما كان علمه بمعلومات لا تقبل التغير و الانقلاب ، كان أقرب إلى علم اللّه تعالى.
هذا ، و من الكمالات للإنسان : التحلي بفضائل الأخلاق و الصفات لا يجابها صفاء النفس المؤدى إلى البهجة الدائمية و الحرية ، أعني الخلاص من أسر الشهوات و غموم الدنيا و الاستيلاء عليها بالقهر، تشبها بالملائكة الذين لا تستغرقهم الشهوة و لا يستهويهم الغضب ، إذ رفع آثار الشهوة و الغضب من النفس كمال حقيقي ، لأنه من صفات الملائكة.
ومن صفات الكمال للّه سبحانه عدم تطرق التغيير والتأثير على حريم كبريائه ، فمن كان عن التغير والتأثر بالعوارض أبعد كان إلى اللّه أقرب.
وأما القدرة ، فقد قال بعض العلماء : «أما القدرة فليس فيها كمال حقيقي للعبد ، إذ القدرة الحقيقية للّه ، وما يحدث من الأشياء عقيب إرادة العبد و قدرته و حركته ، فهي حادثة بأحداث اللّه تعالى.
نعم ، له كمال من جهة القدرة بالإضافة إلى الحال ، و هي وسيلة إلى كمال العلم ، كسلامة أطرافه و قوة يده للبطش ، و رجله للمشي ، و حواسه للإدراك ، فان هذه القوى آلة للوصول به إلى حقيقة كمال العلم ، و قد يحتاج في استيفاء هذه القوى إلى القدرة بالمال و الجاه للتوصل به إلى المطعم و الملبس ، و ذلك إلى قدر معلوم ، فان لم يستعمله للوصول به إلى معرفة اللّه فلا خير فيه البتة إلا من حيث اللذة الحالية التي تنقضي على القرب ، و لا طريق للعبد إلى اكتساب كمال القدرة الباقية بعد موته ، إذ قدرته على كل شيء من الأرضيات كالمال والأبدان و النفوس تنقطع بالموت».
وأنت خبير بأن تحقق نوع قدرة للعباد مما لا ريب فيه ، وإن كانت أسبابها و أصلها من اللّه سبحانه ، إلا أن القدرة على الأمور الدنيوية الفانية كالمال و الأشخاص و غير ذلك ، ليست كمالا حقيقيا ، لزوالها بالموت.
نعم الحق ثبوت القدرة النفسية للعبد - اعني تأثير نفسه في الغير من الكائنات تأثيرا روحانيا معنويا ، كما هو ظاهر من تأثير بعض النفوس في الإنسان و الحيوان والنبات والجماد بأنواع التأثيرات ، ومثل هذه القدرة تبقى للنفوس بعد الموت ولذا ترى أن من يستغيث ببعض النفوس الكاملة من الأموات يرى منها عجائب التأثيرات والاستفاضات ، فما ذكره بعض العلماء من عدم بقاء قدرة للنفوس بعد الموت محل النظر.
وقد ظهر بما ذكر: أن الكمال الحقيقي للإنسان هو العلم الحقيقي و فضائل الأخلاق والحرية و القدرة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|